|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
أرخبيل نوفايا زمليا
لا شك أن هذه كانت
من أفضل حرس الشواطئ في العالم. وقد مضى عليها اليوم أربعين عاما. تجول دوريات
طائرات حرس الحدود الروسية هذه المنطقة ليلا نهارا. نوفايا زمليا جزيرة من بحر
الشمال يبلغ طولها تسعمائة كيلومترا تغطيها الثلوج والصخور والجرود. تغطي الغيوم
هذه المنطقة لأكثر من ثلاثمائة يوم في العام، كما تتساقط الثلوج لأكثر من ثلاثمائة
يوم. يحتل "الهدف سبعمائة" السري جدا منطقة توازي مساحة النمسا، وهو الموقع الروسي
الأساسي لإجراء التجارب الروسية على الأسلحة النووية.
تصل البرودة في الشتاء
إلى خمسين درجة تحت الصفر. كما تبلغ سرعة الرياح الجليدية أكثر من ستين مترا في
الثانية. على المرء أن يطوي نفسه كليا ويتمسك بالحبال المخصصة للعبور من مبنى إلى
آخر.
يعيش الضباط
والجنود الخمسة عشر العاملين في هذا الموقع بحالة من العزلة التامة لعدة أشهر
متتالية. وهم أسرى الخوف من ألا تكفيهم المؤن حتى وصول الشحنة التالية.
أسوأ ما في الأمر
هو أن التجارب النووية لم تعد كما يجب.
وقد شارك فيها
أشخاص بلا كفاءات، أحيانا ما كانت التجارب مجرد أعذار للتهويل بها، في مؤتمرات
الحزب مثلا.
كان الجنود مجبرين
على هذا العمل، والضغوط كانت كبيرة. أرادوا منهم القيام بعدد من التجارب المتزايدة،
وعدد من الانفجارات المتعاظمة. وقد فعلوا كل شيء دون التوقف عن التفكير بالعواقب.
أرسلوا إليهم
جنودا من الاتجاهات الأربع في الاتحاد السوفيتي، بعضهم من كازاخستان ومن الأرياف
ومن دور رعاية الأيتام. كانوا جميعهم من الشبان الذين لا يعرفون شيئا عما يفعلون.
علما أنهم كانوا يقومون بأكثر الأعمال قذارة في العالم.
تحمل سجلات موقع
الخدمة هذا اسم وحدة سبعة وسبعون خمسمائة وعشرة، الذي يرمز إلى نوفايا زمليا. أما
اليوم فهذه السجلات لا تخدم صاحبها. كان يفغيني غالاغوت يعمل في الجزيرة الذرية قبل
خمس وثلاثين سنة.
يأمل يفغيني
العثور على مزيد من الأدلة على خدمته في نوفايا زيمليا في الأرشيف العسكري المحلي.
يسعى يفغيني للمطالبة بتقاعد كجندي خدم في قاعدة عالية الخطورة. وهو يسعى منذ أربع
سنوات للعثور على سجلات في جميع أرجاء روسيا.
أركانغيسك هي
عاصمة المنطقة التي كانت مغلقة بالكامل حتى وقت قصير. كانت الأمور في نوفايا زمليا
تدار من هناك. إنها بلدة مليئة بالتناقضات، فما زال الغرباء هناك يعاملون بحذر شديد
ومن جهة أخرى يوجد أشخاص يقيمون هناك ويودون معرفة كل شيء عن أسرار موقع التجارب.
كان هناك ثلاث نقاط
في منطقة الهدف يمكن للطائرات تحديدها بالرادار. كانت القنبلة تقذف هناك. كانت تربط
بالمظلة حتى بلوغ الهدف.
تبين رسميا أن
اثنين وخمسين تجربة نووية أجريت خلال الفترة التي عمل فيها يفغيني في نوفايا
زيمليا. ومع ذلك يؤكد يفغيني أنه شهد أكثر من ثمانين انفجارا. وهو على حق. فقد تم
في تلك الفترة تفجير بعض الرؤوس المنتهية مدتها وذلك تجنبا لعملية تفكيكها. ولكنها
لم تظهر في أي من السجلات الرسمية.
عند عودة يفغيني
إلى المهاجع بعد الانفجار وجد أن الأكياس قداحترقت وأن الرمال قد ذابت وتصلبت
مجددا، فيجبرون على حفرها. وبقي الأمر على هذا النحو سنوات ثلاث.
لم يرتدوا أقنعة
واقية. كانوا خلال فصل الصيف يرتدون ملابس خاصة. ولكن غالبا ما يرتدون معاطف من فرو
وأحذية من مطاط لا أكثر.
كانوا يحفرون
التراب الملوث بأيديهم، وكانوا يجربون ما فيها من إشعاعات. وقد أرسل يفغيني إلى
المركز بعد الانفجار أكثر من ثمانين مرة. وقد وقع وثيقة حفظ الأسرار. كان عليه أن
يصمت لربع قرن.
واختفت كل الوثائق
المتعلقة بوحدته. لم يبق في الجزيرة السرية إلا نفايات.
شهد عام أربعة
وتسعين إقامة احتفال بالذكرى الأربعين لمركز التجارب النووية.
لم تكشف هذه الصور
من بلدة الفوج بيلوشيا في نوفايا زمليا من قبل. ولا يمكن حتىاليوم العثور على هذه
المدينة في أي من خرائط روسيا.
استقر جنود الأسطول
الشمالي الأوائل في نوفايا زمليا في السابع من أيلول سبتمبر من عام أربعة وخمسين.
بعد عام واحد انفجرت هناك القنبلة النووية الأولى. ولا أحد يعرف حتى اليوم ما هو
الثمن الذي دفع في هذا العمل. لا أحد من هؤلاء الحاضرين يتذكر تلك الأيام.
أقام في الجزيرة
النووية ألفي امرأة، وألف طفل، وعشرة آلاف رجل. جاء النساء إلى هناك طوعا، فهن لا
يكترثن إلا بالمال.
أغلق مركز
التجارب رسميا عام تسعين، مع أنه قابل لإعادة التشغيل في أي وقت كان، وهو لا يحتاج
إلا أمر من الرئيس، فما زالت نوفيا زمليا منطقة محرمة.
هناك المقر الرئيسي
للجنة العسكرية لملفات المنطقة. يضم هذا المبنى ملفات وسجلات المحاربين القدامى
الذين خدموا في نوفايا زمليا. يأمل يفغني في العثور عنها على إثبات يؤكد خدمته في
الجزيرة النووية.
في الفترة التي خدم
فيها يفغني في نوفايا زمليا كانت الحدود الغربية للاتحاد السوفيتي محمية بخط طويل
من المواقع العسكرية تشرف عليها القوات الجوية والصواريخ والبحرية وما زالت المواقع
الرئيسية فاعلة حتى اليوم كما هو الحال في مينشيكوفو.
بعد عدة جولات
من مفاوضات نزع الأسلحة التي تبعت البرؤيسترويكا وانهيار السوفيت توقف مركز التجارب
عن العمل. ولكن مركز المراقبة الجوية ما زال قائما، حيث تعمل صفارات الإنذار عند
بروز أي طائرة غريبة. وما زالت قاعدتي روغاتشوبو وأمديرما الجويتان الواقعتان على
مسافة بضعة كيلومترات بحالة استنفار دائم بما فيها من طيارين.
يطلق الجيش على هذا
الموقع رقم ثمانية عشر. لم تتغير أشياء كثيرة هناك منذ الثلاثين من تشرين اول
أكتوبر من عام اثنين وستين في تمام الثامنة والنصف حين انطلقت توبوليف خمسة وتسعين
وهي تحمل قنبلة إيفان الهائلة في أحشائها. والتي تصل قوتها الانفجارية إلى خمسين
طنا، أي ما يوازي ثلاثة آلاف ضعف القنبلة التي أطلقت على هيروشيما، فكانت القنبلة
الأكبر التي تجرب في العالم. جالت موجة الضغط مرتين حول العالم. وقد تم ذلك احتفالا
من الكرملين بالمؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي.
مائة وثمانون
انفجارا أي كميات كبيرة من النفايات النووية. كان السبيل الوحيد لعزلها يكمن في
إغراقها قرب الجزيرة.
إنها منطقة بالغة
الخطورة. فهي ملوثة بالكامل، من الحكمة ألا تعرض الحكومة ما جرى هناك باسم الاتحاد
السوفيتي على العالم أجمع.
يشعر المرء بالحرج،
خصوصا اليوم. مرت فترة لم يعرف أحدا فيها أي شيء. أما هم فكانوا على علم ورغم ذلك
ظلوا في مواقعهم للدفاع عن وطن آبائهم. عملوا هناك من أجل وطن آبائهم، وهذه ليست
عبارات فارغة، بل هي حقيقة قائمة.
كافح الكثيرون بشرف،
وضحوا بحياتهم، أحيانا ما كانوا يعرفون ما هم فيه من جحيم، وأحيانا ما كانوا
يجهلون.
هناك نصب لبحار ينتصب
أمام بقايا مركز القيادة في بيلوشيا. قد يكون هذا الشاهد الوحيد على وجود نوفايا
زمليا بالكامل. هي الآثار الأخيرة لجنود الذرة الذي كان يفغيني واحدا منهم، والتي
بدأت تختفي من الملفات. لا أحد يعرف كم منهم دفع حياته ثمن ذلك، فلا السلطات
السوفيتية ولا الحكومة الحالية تحتفظ بأي إحصاءات تذكر.
منذ عام ثمانية
وخمسين، كان أندري ساكاروف يحذر من أن كل تفجير نووي بقوة ميغا طن واحد سيؤدي إلى
مقتل عشرة آلاف شخص على المدى المباشر أو البعيد. علما أن أكثر من مائتين وسبعين
ميغا طن قد تفجرت في نوفايا زمليا خلال خمسة وثلاثين عاما. أي أكثر من أربعة عشر
ألف ضعف القنبلة التي دمرت هيروشيما.
تنتمي السفن
المصطفة على رصيف أركانغليسك إلى حرس الحدود. يلتقي البحارة هناك في حانة سيبردج،
ومن بينهم بعض العاملين في نوفايا زمليا.
التضحيات التي قدمت من
قبل جيله بلا حدود. لا يوجد لوحات قبور في روسيا كتب عليها مات في نوفايا زمليا.
فالطبيب الذي يصدر معاينة بتعرض المصاب إلى إشعاع نووي يتعرض لسحب ترخيصه بالعمل.
لا يوجد من يحد على
اليتامى، لهذا كانت أصعب المهام تخصص للمجندين من اليتامى، كي لا يأتي أحدا للبحث
عنهم بعدها، ليبقى المكان الذي ماتوا ودفنوا فيه سرا إلى الأبد.
هذه أمدراما
الواقعة على بعد أربعمائة كيلومتر إلى الجنوب من منطقة التجارب. عند هبوب الرياح
شمالا كانت تحمل الإشعاعات النووية مباشرة إلى المدينة. ولم تجري حتى اليوم أي
دراسة عن حقيقة مستوى التلوث أو عواقب السنوات الإشعاعية نهائيا. .
كانوا بداية
يتلقون الأوامر، يفترض بطائرات المرافقة أن تكون خلف المركز الوسط عند حدوث
الانفجار. يبدأ الأمر على النحو التالي: تنطلق القاذفة أولا في طليعتهم، وعند
اقترابه ليصبح فوق الهدف مباشرة، يبعث لهم بإشارة بتوتر منخفض لعشر أو خمسة عشر
ثانية. وبعد ذلك تسود حالة من صمت الراديو التام، وبعد ذلك تطلق إشارة من نوع آخر.
ليرتفع المستوى فجأة.
يعني ذلك أن نافذة
القنبلة قد انفتحت. وعند ارتفاع الإشارة يعني ذلك أن القنبلة قد أطلقت. كانت تطلق
بداية دون فتح المظلة، ليتم فتحها بعد فترة وجيزة. وهي تنفجر حين تصبح على ارتفاع
ألف أو ألفي متر. تطلق القنبلة من على ارتفاع عشرة آلاف متر، وهي من تلك اللحظة
وحتى لحظة انفجارها تعمل الطائرات المرافقة على الابتعاد عن مركز الوسط قدر
المستطاع.
وهكذا كانوا
يبتعدون عن المكان لتنشق الأكسجين النقي. كما يعتمدون على الغشاء الداكن ليكونوا
في أمان. كما يحاولون عدم النظر نحو موقع الانفجار.
كانت أقرب مدينة
على الشاطئ أمديرما وهي تقع على بعد أربعمائة كيلومتر. وفي أحد الأيام تملك الرعب
الجميع حين قيل بأن غيمة من الإشعاعات النووية قد غطت أمديرما. حدث ذلك عام واحد
وستين.
هذا ما تبدو
عليه نوفايا مليا اليوم. وكأنها قاعدة عسكرية مهجورة. لا تستحق جرف هذه النفايات
جميعها إلى خارج الجزيرة. القيادة العسكرية التي تركت هذه الفوضى وراءها كانت
متأكدة أن أحدا لن يلق نظرة عليها.
ما زالت بعض
المفاعل في العراء حتى اليوم. لا أحد يكترث بإجلائها من هناك.
إنها نفايات
الأسلحة التابعة لقوة نووية متفوقة في العالم.
هذه أول مرة يخضع
فيها يفغيني لفحوص الإشعاعات النووية في عيادة أركانغليسك يديرها البروفيسور
تكاشيف.
إنها أول عيادة
تشرف رسميا على جنود نوفايا زمليا.
كان يفغيني في منطقة
التجارب يأخذ مياه الشرب من البحيرة الملوثة. كان عليه أن يشرب المياه رغم تلوثها
بالإشعاع النووي. لم يكن هناك أي مياه أخرى. أي أنهم كانوا يشربون الإشعاعات
النووية بمعنى الكلمة. كانت البحيرة على بعد كيلومتر واحد من المهاجع، وأربع
كيلومترات من مركز الانفجار.
قاموا في موسكو
بدراسة السجلات المتعلقة بصحة رفاق يفغيني في نوفايا زيمليا. وقد أشارت الوثائق
لوجود أربعة وعشرين فاصلة سبعة أو ثمانية أو تسعة روينتجين. سألوا عن سبب الدقة في
هذه الأرقام. فقيل بأنهم في الاتحاد السوفيتي قد قرروا أن لا أحد يصاب بما هو
أكثر من خمسة وعشرين روينتجين.
لا شك فيما
يقوله البروفيسور تكاشيف. كل من كان يسكن هذه المدينة ملوثا0تقع سيفيرني على الشاطئ
الشرقي من الجزيرة، على مقربة من مضيق ماتوشكين شار، ضمن ما يشبه المستوطنة السرية
الخاصة بقلب وعقل الأبحاث النووية الروسية. كانت النخبة النووية السوفيتية بكاملها
تسكن في سيفيرني ضمن فترة أو أخرى. ولم يتسرب من هناك أي سر حتى يومنا هذا.
أقيمت وحدة يفغيني
بالقرب سيفيرني بين عامي واحد وستين وثلاثة وستين.
بعد الخروج من
الشواطئ والوصول إلى خليج نوفايا زمليا يوجد سبعة مفاعل على الأقل تحتوي على وقود
نووية بحالة من الصدأ. أضف إلى ذلك انتشار خمسة أجسام نووية هائلة مجهولة التصنيف،
وأكثر من ثلاثة آلاف ومائتي مستوعب لنفايات النووية. هذه هي الأرقام الرسمية، ولكن
الحقيقة لا يعرفها أحد حتى اليوم.
هناك جنود يقيمون
في بلدة روغاتشيفو، حيث مكاتب القيادة الرئيسية، ومعهم عدد كبير من المدنيين أيضا
بين علماء جيولوجيا ومستكشفين للقطب الشمالي.
يوجد مستشفى عسكري
هناك، ومستشفى مدني في بلوشيا. حتىأن هذا الأخير أكبر من العسكري. الجميع يود
البقاء هناك، لا أحد يريد المغادرة. هناك مدرسة تصل إلى الصف العاشر، وهي مدرسة
ممتازة، بل أفضل من مدارس فوركوتا وأركانغليسك.
عام خمسة وخمسين
جُمعت القنبلة النووية الأولى هناك بقيادة العقيد نيغينايف.
يعتقد العقيد نيغينايف
أنه يتحمل جزء من الملامة. ليس هناك ما يستطيع القيام به بمفرده، للإفصاح عن أسرار
مركز التجارب النووية في نوفايا زمليا.
ولكن الجانب الأشد
هولا وأشد إثارة للرعب هو أن القنبلة الأكبر في نوفايا زمليا لم تنفجر بعد. ولكنها
ستنفجر حتما بعد عشرين أو ثلاثين سنة. لن تكون قنبلة كتلك التي قاموا بتجربتها، بل
يعني الانفجار البيئي الذي سيؤثر على كل كائن حي. فهذا هو أكبر مجمع للنفايات
النووية في العالم.
لقد عاش سنوات
طويلة، هذا ما يجبره على التحدث عن ذلك الآن. لا يتحدث كعسكري سابق، بل ككائن بشري.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2006م