اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 الامبراطورية العثمانية في عهد السلطان سليمان القانوني
 

اسطمبول

تتحدث المآذن والقبب الشاهقة في استنبول عن تاريخ ألف عام من الإمبراطورية والعقيدة.

          هنا تحول العالم الإسلامي في القرن السادس عشر إلى إمبراطورية تشكل كوة عالمية طموحة.

          سعت سلالة  الفاتحين هناك إلى فرض سلطانها على أوسع مساحة من السيطرة عرفها العالم الإسلامي في التاريخ.

          حتى جعلوا إمبراطوريتهم تدق أبواب أوروبا، سائرين خلف أعظم قادتهم، سليمان الكبير.

          كان هذا عصرا من المهابة والازدهار، نهض فيه الإسلام والإمبراطورية العثمانية الكبرى  لتعزز سعيها لبسط السلطة والفتوحات ورفعة المصير.

(العثمانيون)

 بدأ الأتراك العثمانيون شعوبا من الرحل خرجت من بطاح خلف بحر آرال.

          وقد جالوا في أرجاء تركيا الحالية لعدة قرون بحثا عن المراعي الجديدة.

          وقد جندهم السلاطين المسلمين لمقاتلة قطعان المغول. ولكن خلال الثورات التي تلت الاجتياح المغولي، أخذ الأتراك يطالبون بمناطق ومساحات خاصة بهم.

          وقد خرج من صفوفهم زعيم حرب ذو طموحات أسطورية، وكان اسمه عثمان بك.

          يقال أن عثمان رأى حلم عجيب، شاهد فيه شجرة فاتنة تمد أغصانها المتألقة لتعد بقوة ذريته ونسبه.

لا تعرف حدود الحقيقة من الأسطورة في هذه القصة ولكنها جميلة بلا شك. كما يسهل استيعاب وتقبل الأعاجيب أكثر من الوقائع. لا يعتقد أنه كان يدرك ما يشكله من أساس لسلالة رائعة، كانت تحكم صلات حاسمة بين قارات ثلاث.

 عرف أتباع عثمان بك بالعثمانيين. وقد اعتبروا أنفسهم محاربي عقيدة، أو رجال غزوات قدرهم أن يحملوا الإسلام إلى العالم.

 كان رجال الغزوات مقاتلين أحرار يزيدون مساحات الإمبراطورية عبر العقيدة أو اللاهوتية أو لمجرد التوسع. ربما كانوا بالغي الشجاعة، لا يكترثون بأنفسهم أو بما يمكن أن تتعرض له مجموعاتهم من أذى في خوض المخاطر، ما جعل الإمبراطورية العثمانية قوة لا تعرف الخوف. حتى وصلت إلى مناطق لم يبلغها أحد من قبل.

 اتخذ العثمانيون الأوائل الغرب وجهة دائمة لهم، وذلك لأسباب وجيهة.

 لا يمكنهم التوسع شرقا أو جنوبا لأنها مناطق اخوتهم الأمراء الأتراك والمسلمين. ولا يمكن للمسلم أن يقاتل أخيه المسلم كما قيل حينها. أي أن المناطق الوحيدة للتوسع هي الأراضي الأوروبية نحو الغرب.

 عبر العثمانيون مناطق الأناضول  متجهين نحو الشمال والغرب في آن معا، باتجاه مناطق وأراضي تسيطر عليها تقليديا الإمبراطورية البيزنطية القديمة.

          اعتبر العثمانيون أن الإمبراطورية البيزنطية قد أوشكت على نهايتها بعد بلوغها الألف عام، وذلك باقتصارها على منطقة مستعصية بين آسيا وأوروبا.

      سبق للحملات الصليبية أن زرعت في أرجائها الفوضى والدمار بعبور مناطقها في الطريق إلى القدس، فنهبوا العاصمة، وساهموا في جعل الإمبراطورية البيزنطية العظمى تقتصر على دول عسكرية صغيرة.

          سارع العثمانيون باجتياح هذه المناطق المشتتة، ليوحدوا الأراضي الممتدة إلى شمال غرب الأناضول.

          عام ألف وثلاثمائة وستة وعشرون، سيطر العثمانيون على مدينة بورسا البيزنطية الصلبة، ليحققوا نصرا قلب كيان العثمانيين الأتراك إلى الابد.

 أهم ما في مدينة بورسا هو أنها مكنت عثمان وخلفائه من إقامة مقر للحكومة.

وهكذا استقرت شعوب الرحل المتنقلة لبناء الإمبراطورية.

          حين استولى العثمانيون على بورسا وجعلوها عاصمة لهم، بذلوا جهودا كبيرة لجعل أنفسهم، قوما، على، مستوى، من الجدارة، بالحضارة الإسلامية.

 الحضارة، هي النظام، لهذا عمل العثمانيون على إدارة المناطق التي يسيطرون عليها.

          حافظوا على كتبة الإمبراطورية البيزنطية في أماكنهم، وبدءوا ينظمون إمبراطوريتهم الجديدة.

          كرسوا جل اهتمامهم الأولي على الضرائب والسجلات، بلغ الأمر حدا فقدت فيه البيروقراطية معانيها النبيلة رغم ابتكاراتها الكبرى والتي لا تقل أهمية عن أي نصر تحققه المعارك.

 عرف العثمانيون باستيعاب واستساغة العناصر الثقافية المكتسبة من المناطق التي يمرون بها. وقد عرفوا بتشكيل يستطيع من خلالها الناس المقيمين هناك الاستمرار في حياتهم ومعتقداتهم بالطريقة التي يجدونها مناسبة.

 حتى أن العثمانيين واجهوا نزاعات أقل مع رعاياهم المسيحيين من نزاعاتهم مع المسلمين الذين لم يكفوا عن تحدي القوانين العثمانية.

من المشاكل البيروقراطية أو الإدارية التي واجهت العثمانيين، هي أنهم كانوا محاطين بسلالات ملكية إسلامية، كانت محكومة من قبل العثمانيين وتحتفظ بضغائن قديمة هناك، ولم تتوقف عن التذمر والمطالبة بأمجاد خاصة بها وكثيرا ما كانت هذه العائلات الملكية تنهض وتعلن الثورات. وهكذا توصلوا إلى قناعة مفادها أنه من غير الحكمة تشكيل جيوش من هؤلاء الناس.

          وهكذا عملوا على جمع أطفال ليسوا على صلة بأي من العائلات الإسلامية المعادية. ويقال أنهم ذهبوا إلى المناطق البلقانية وجندوا أطفال من غير المسلمين.

 أطلق على هذه الممارسة لقب دفشرمي.

          تحول الفتية مع الوقت إلى نوع من عبيد السلطان، مع أنهم لم يعاملوا كعبيد.

          كانوا أولا يعتنقون الإسلام، ويتعلمون الاغتسال والوضوء والصلاة، واللغتين العربية والعثمانية.

          أدى ذلك إلى خدمة هدفين الأول سياسي والثاني هدف ديني. فمن خلال نظام الدفشرمي تمكن العثمانيون من خلق طبقة لا نزاع فيها مع القبائل والعائلات.

 تمتع الأطفال بمستقبل زاهر، حتى أن بعض الأتراك والمسلمين كانوا يدعون بأن أطفالهم من المسيحيين لتسجيلهم في نظام  الدفشرمي. تمتع هذا النظام بعدة مزايا أهمها انتمائه الوحيد إلى السلطان، أي أنه حر من الروابط العائلية والمناطقية وغيرها.

 منح هؤلاء الأطفال أرقى مستوى من التعليم، متوفر في العالم أجمع حينها. وبعد ذلك كانوا يترفعون إلى أعلى مناصب السلطة في الإمبراطورية.

 انتقل الأذكياء منهم إلى مدارس القصر ليتخرجوا في مستويات مختلفة كوزراء وحكام. حتى أصبحوا من كبار الوزراء. أما الأقوياء منهم فيذهبون إلى القوات الانكشارية.

كانت القوات الإنكشارية من نخبة المشاة التابعة للسلطان. وقد تحول إلى جيش نموذجي لعدة قرون تلت.

 كان الوحدة الأقوى، درب، كآلة عسكرية، لا يهاب الموت، بل لا يعرف الخوف. همهم الأوحد هو خدمة السلطان.

لقد تدربوا على كل ما تحتاج إليه الجيوش العصرية من دقة ونظام. فكان أول جيش، يرتد لباسا موحدا في العالم، ويسير إلى المعارك وراء فرقة عسكرية. كان الجيش الانكشاري هو أكثر ما يهاب العالم الغربي. كانت قوة تستحقها الإمبراطورية الإسلامية الجديدة، برؤية فتوحات عسكرية لا تهدأ.

          امتدت الإمبراطورية العثمانية في أواسط القرن الخامس عشر من الحدود التركية المعاصرة المعروفة بالأناضول إلى أعماق البلقان. باستثناء حصن عصي واحد.

 لا شك أن السلطنة العثمانية الممتدة من قلب القارة الآسيوية إلى أعماق القارة الأوروبية في الغرب، قد استاءت من وجود عاصمة القسطنطينية في قلب مناطقها، وهي من أغنى عواصم العالم وأكثرها أهمية في ذلك العصر، وما زالت في أيدي الإمبراطورية البيزنطية التي لم تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد.

 قدر العثمانيون الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية العالية للقسطنطينية، كما أدركوا أهميتها الرمزية الأكبر.

 كانت مدينة واحدة، ولا شيء آخر من حولها. إذا أردت السيطرة على المنطقة، يجب أن تحكمها من تلك المدينة.

 يقال أن دعوة الاستيلاء على القسطنطينية قد صدرت عن النبي محمد بنفسه.

          سعى جميع السلاطين الأتراك منذ عصر عثمان للاستيلاء على المدينة. إلا أنها تمكنت من البقاء عصية على جميع الفتوحات.

          حتى وصل إلى الحكم سلطان لا يمكن التنكر لرؤى غزواته. حتى عرفه التاريخ بلقب محمد الفاتح.

          كان في الثانية عشرة من عمره عند توليه السلطة،  ولكنه لم يكن حديث العهد في السياسة العثمانية، حتى أنه عزل جميع أشقائه للتخلص من احتمالات منافسته على السلطة.

 كانت الإمبراطورية تعني كل شيء، بل كانت أهم من العائلة. سعيا لحماية الإمبراطورية من الانشقاق، كما حدث لسلالات تركية أخرى حكمت العالم الإسلامي، حين يعتلي أحد الشبان السلطنة بعد موت  والده، لا بد من تصفية جميع الأخوة الآخرين، ما يحول دون تمزق الإمبراطورية، قد يكون هذا قاسية، ولكنه أفاد العثمانيين.

تولى الحكم مباشرة بعد موت والده، ما شكل تحولا هائلا في سياسة الإمبراطورية العثمانية فمنحها قوة وحيوية أكبر.

 وضع محمد الفاتح نصب عينيه الاستيلاء على مدينة كانت بمستوى تطلعاته.

 كان على محمد الفاتح أن يستولي على القسطنطينية لم يكن أمامه خيار آخر. فقد كانت أشبه بجوهرة ثمينة، أو ثمرة يانعة حان قطافها.

لم يبق من المدينة أواسط القرن الخامس عشر إلا بعضا من ظلال ما كانت عليه. فقد انخفض عدد سكانها من أربعمائة ألف إلى مجرد خمسين ألف.

          إلا أن الجيش المحاصر سيبقى في وضع غير مؤات.

          أحيطت القسطنطينية بالمياه من جهات ثلاث، وقد تحصنت بالكامل.

          فقد أحيطت بثلاث حلقات من جدران يبلغ ارتفاعها مائة قدم بعرض ثلاثين قدم. وقد صمدت هناك منذ ألف عام.

          ولكن محمد الفاتح أعد سلاحا لاختراق الجدران.

 اعتمد في جانب من تفوقه العسكري على استخدامه المتنوع والمعقد لقدرات ملح البارود.

          شهد الحصار المفروض على القسطنطينية عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين بقيادة محمد الخامس، شهد أول تحول في استعمال ملح البارود على شكل مدافع هائلة لم يسبق لها مثيل وقد أعدها محمد لهذه المناسبة خصيصا.

كانت المدافع السابقة قد أعدت من صفائح معدنية مصهورة تتماسك بالأطواق. كانت هذه المدافع تطلق الحصى والحجارة بقوة تتفوق على المنجنيق.

          تم التوصل إلى جيل جديد من المدافع صقلت من البرونز الصلب. لقمت هذه المدافع بما يكفي من ملح البارود القادر على إطلاق كريات معدنية باندفاع مذهل.

          ولكن محمد الفاتح لم يعلق آماله على المدافع وحدها.

          يبلغ عرض قناة مضيق البوسفور  ميلا واحدا وهي تربط القسطنطينية بمياه البحر الأسود. أي أن قطع القناة يضع المدينة تحت رحمته.

          بدأ السلطان الشاب ببناء قلعة حصينة في موقع استراتيجية قادر على إقفال المضيق. وقد شيد القلعة في ظلال جدران المدينة الكبرى.

          لم يستغرق أكثر من أربعة أشهر في بناء قلعة هائلة تتألف من سبعة أبراج لتحمل لقب الحصار الرملي.

          يقال أن محمد الخامس شارك شخصيا بحمل الحجارة للتعجيل في البناء. ما أن اكتملت القلعة حتى عزز الحصار المفروض حول عنق البوسفور.

          تم إغراق أول سفينة تحدت الأوامر بالتوقف. أعدم بحارتها، وعلق القبطان على أحد الأعمدة فوق جدران الحصن.

          حاول البيزنطيون منع سفن الفاتح من الاقتراب فنصبوا سلسلة معدنية هائلة عبر المضيق.

          في الثاني والعشرين من نيسان أبريل من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين، تملك سكان المدينة حالة من الرعب عندما حشد السلطان سبعين من سفنه المحاربة تنزلق على ألواح خشبية على الشاطئ الواقع ما بعد السلسلة المعدنية.

          احتشد أكثر من مائة ألف جندي عثماني أمام جدران القسطنطينية، لتساند أكبر عملية قصف مدفعي عرفها تاريخ الحروب حتى ذلك الوقت.

          رغم استمرار القصف تمكن سبعة آلاف من المدافعين عن المدينة من الصمود فترة تقارب الشهر.

          بلغ البيزنطيون المحاصرون حدا من اليأس جعلهم يلجئون إلى رفاقهم الأوروبيين في جميع أرجاء  القارة.

 إلا أن أوروبا في القرن الخامس عشر كانت أعجز من أن تستطيع حشد أي قوة كفيلة باعتراض التهديد التركي المتفاقم لحدودها الشرقية.

 انشغل الملوك الأوروبيين في تلك الفترة بمواجهة نزاعات عسكرية وسياسية خاصة بهم.

          فكان على القسطنطينية أن تدافع عن نفسها بنفسها.

          فجر التاسع والعشرين من أيار مايو من عام ألف وأربعمائة وثلاثة وخمسين وصل الجيش الإسلامي إلى جدار المدينة. وبعد ساعات قليلة سقطت القسطنطينية بأيدي العثمانيين.

          امتطى محمد الخامس جواده عبر المدينة ليتوجه مباشرة إلى كنيسة هايا صوفيا الشهيرة جدا حينها.         

   شيدت هذه الكنيسة في القرن التاسع على يد الإمبراطور جوستانيان، وقد لقبت حينها بالحكمة المقدسة، فكانت أوسع الأماكن المقفلة في العالم.

 لا شك أن المسلمين والعثمانيين أنفسهم قد مروا بأعداد كبيرة من الكنائس، ولكن لم يسبق لأحد أن رأى كنيسة مشابهة لكنيسة هايا صوفيا.

كانت  هايا صوفيا أو أياصوفيا كما يسمونها بالتركية، من الروائع العمرانية الأبرز في العالم لما فيها من أعلى وأكبر قبة في تلك الفترة. وقد زينت بروائع الفسيفساء المذهبة ضمن مساحة شاسعة. فاعتبرها محمد الفاتح غنية كبرى.

 ارتفع الصوت التركي داخل هايا صوفيا صارخا بالعربية أول أركان الإسلام: لا إله إلا الله محمدا رسول الله.

          وهكذا تحولت أكبر كنيسة في العالم المسيحي إلى جامع.

          أصبحت هايا صوفيا ملهمة لكثير من قبب المساجد العثمانية التي شيدت بعدها، رغم عدم بلوغها نفس الحجم أو المدى، الذي بلغه محمد الفاتح.

          بعث انتصاره موجة من الذهول حول العالم.

 اعتبره الأوروبيون كارثة هائلة، فقد اعتبرت القسطنطينية بمثابة روما الجديدة، كانت عاصمة القسطنطينية ورمزا للسيطرة المسيحية في الشرق.

 كثيرا ما تعمد سلاطين العثمانية منح أنفسهم ألقابا مختلفة، كالخان التي تعني إمبراطور بالتركية، أو شاهنشاه، التي تعني ملك الملوك بالفارسية. والسلطان التي تعني الحاكم العربية.

          أما بعد أن أصبحت الإمبراطورية البيزنطية تحت سيطرتهم، فقد لقب محمد الفاتح وخلفائه بالإمبراطور الروماني المقدس.

          دق العثمانيون أبواب الغرب، وأخذوا يتابعون التقدم نحو ما اعتبروه قدرهم النهائي في الفتح الأوروبي.

          وقعت هذه المهمة على كاهل أشهر السلاطين العثمانيين على الإطلاق.

          ولد في بداية القرن العاشر بالتقويم الإسلامي، وكان السلطان العاشر من سلالة عثمان، كان طفل مصيري تؤمل منه العظمة.

 سمي في لغة العصر بصاحب القران، حاكم الكون، وسيد الوحدة الميمونة المتوقع قدومه، والذي تأكدت هوية عبر الفلك.

 كان اسمه سليمان، تيمنا بالملك سليمان الحكيم. بلغت الإمبراطورية العثمانية ذروتها في عصر سليمان.

 تمتع سليمان بمستوى رفيع جدا من التعليم. وقد درب على السلطنة منذ الولادة.

 حين كان أمير شاب، أقام علاقة تركن أثرا عميقا على حياته وعلى الإمبراطورية أيضا.

 حين كان وليا للعهد أقام صداقة عميقة مع يوناني اعتنق الإسلام  وأطلق على نفسه اسم إبراهيم.

لقد تقاربا في السن وفي مسائل أخرى، شخصيا وفكريا كما تعلما معا إلى حد كبير. وعندما تولى سليمان الحكم بعد موت والده كما هي العادة، أخذ معه صديقه المخلص إبراهيم إلى استنبول.

 تسلم سليمان زمام الحكم في السادسة والعشرين، حاسما أمره لترك بصماته على العالم، إذا مكنه الوزراء من ذلك.

أجبر سليمان في بداية حكمه على القبول بوزراء كبار وجنرالات يرفضون الانصياع لأوامره،  واعتباره مجرد فتى في السادسة والعشرين لا يعرف الكثير عن حسن الأداء ولم ير الناس ما يجبرهم على طاعته.

 كانت المعارك وسيلة لإثبات جدارته. فعلى كل سلطان أن يبدأ عهده بتوسيع الإمبراطورية. أصبح العثمانيون يسيطرون على كردستان ومصر والمدن الإسلامية الأساسية القدس ومكة والمدينة.

          وضع سليمان نصب عينية فتح بلغراد الهنغارية لما تشكله من جسر عبوره إلى أوروبا.

 كان رأس السلالة العثمانية، وهناك واجبات عليه القيام بها، من أهمها الغزوات. من أبرز المهمات التي أخذها سليمان على عاتقه، بعد عام على توليه الحكم، كان التوجه نحو بلغراد وإسقاطها. تمتعت بلغراد بأهمية استراتيجية لأنه من هناك، سيتمكن من دفع الجيوش للتقدم نحو الغرب.

 بعد عام من ذلك أراد الاستيلاء على جزيرة رودوس.

          اعتبرت هذه الجزيرة  رأس حربة وموقع متقدم للأوروبيين في المياه العثمانية. كما كانت مرتعا لقراصنة يهاجمون السفن التجارية الإسلامية.

          أعد خمسون ألف مقاتل في رودوس أحد أقوى الحصون في العالم.

          قرر سليمان الاعتماد على تكتيك مغاير لقصف النيران من مدافعه الهائلة. اعتمد تكتيك جديدا نادرا ما استعمل حتى ذلك الحين.

 

 لا شك أن العثمانيين كانوا أول قوة عظمى ابتكروا سبلا جديدة في استعمال ملح البارود لتحقيق التوسع العسكري بطرق مبتدعة.

حفر خبراء الألغام العثمانيين شبكة من خمسين نفق حول قاعدة الحصن وذلك لتلغيم أساسها. قام بهذا العمل الخطير مجندين إجباريين  من مسيحيي البلقان.

          شكل الانفجار الهائل إشارة لبدء هجوم عثماني شرس دام ست ساعات متواصلة. ولكنهم أجبروا على التراجع.

          وبعد حصار دام مائة وخمسة وأربعون يوما، أجبرت القوات المدافعة عن رودوس على قبول الهدنة، حتى فاز العثمانيون.

ألحقت جزيرة رودوس بالإمبراطورية بعد هذا النصر، كما أصبح سليمان سلطانا لا بد من أخذه على محمل الجد.

مسيرة فتوحاته قد بدأت.

أخذت أوروبا تخشى اسم سليمان. أما داخل حدوده فكانت سمعته مختلفة.

فالتاريخ الإسلامي يتذكره باسم سليمان القانوني، لشهرته بسن القوانين.

  اشتهر العثمانيون بالبيروقراطية، بكل معنى الكلمة. فحفظوا سجلات دقيقة حول جميع الشعوب التي شكلت جزءا من الإمبراطورية العثمانية وذلك انطلاقا من نظام قانونين بالغ الدقة.

 سُنت في عهد سليمان جملة من القوانين الفريدة التي حكمت الإمبراطورية الشاسعة. وقد تحولت هذه القوانين أساسا لعدد من الدساتير المعتمدة لاحقا من قبل عدة بلدان أخرى.

كان سليمان السلطة الأعلى في المنطقة، بل كان محور العالم.

 افتتح سليمان عصرا كلاسيكيا في العمران العثماني. فشيد بعضا من أبرز المباني التي أذهلت العالم بأسره.

 احتل سليمان مكانة فريدة من الثراء والاستقرار وقد كرس اهتمامه على رفع صروح عمرانية تذكر بعظمته وسلالته.

 الصروح العمرانية الهائلة تمنح الناس فكرة عما في قلب العقيدة. المهابة والعظمة مواصفات يذكرها المسلم عندما يتحدث عن الله. والصرح الذي شيد بمهابة وعظمة يذكر الناس مباشرة بعظمة الخالق ومجده.

توافقت رؤى سينان المسؤول العمراني لدى سليمان مع متطلبات البناء الإمبراطوري.

          كمّل سينان الصيغة العمرانية للإسلام عبر جامع القبة.

          احترف البناء خمسون عاما أنجز خلالها أكثر من ثلاثمائة مبنى، بما في ذلك ترميم أحد أبرز المعالم الإسلامية، قبة الصخرة في القدس.

 شيد لسليمان روعة عمرانية تجسدت مسجد السليمانية في استنبول. لا شك أنه يستحق لقب المعلم العظيم.

تكلف هذه المباني مبالغ طائلة. هي منشآت هائلة استغرق بنائها سنوات طويلة، وأعداد كبيرة من المواهب الهندسية المعززة بالمهارة والخبرات.  شيد مسجد السليمانية لمن أراد القول: أنا صاحب السلطة والثروة أنا السلطان وملك الملوك. ولكن في نفس الوقت هناك قيما روحية هائلة في هذه المباني. فهي لا ترمز للإمبراطورية وحدها بل وللمعتقد الديني.

من التعاليم التي نقلت عن محمد قوله أن المسجد هو مركز للخدمات الاجتماعية، يكتمل بالمستشفى والمدرسة والمكتبة.

          يقال أنه عند افتتاح المسجد نظر سليمان إليه بإعجاب قائلا: يا سليمان، لقد تفوقت عليك.

          لم يكن قصر سليمان أقل شأنا. اعتبر قصر توبقابي مقرا للحكومة ومسكنا خاصا به.

 عرف سليمان بترويجه للفنون. وبما أنها كانت إمبراطورية ثرية اجتمع فيها أفضل الفنانين، فأخذ كل شيء يزدهر.

          العمران والفنون في عهده أبرزت أول عصر الذهبي للعالم العثماني. كان كل ما يخرج من قصره بالغ الإتقان.

          حتى أن سليمان نفسه كان صائغا. اعتقد العثمانيون أن على كل سلطان أن يتقن حرفة يدوية، فكونه سلطان لا يمنحه حرفة عملية أو يدوية.

          عرف عنه بكونه متطلبا ومثابر ومتابع لدقة العمل، ويعتقد أن كل مجموعة من الفنانين الحرفيين العاملين في القصر، حاولت التفوق على الفرقة الأخرى إرضاء للسلطان. إن إرضائه يعود بمكافأة رائعة.

لا شك أن للعثمانيين بصمات واضحة في مخيلة الأوروبيين، حتى أن المراسيم السياسية والفخامة الملكية للعثمانيين كانت لتبهر أي مواطن في ذلك العالم. لا شك أنها كانت أعظم إمبراطورية في العالم ولا يمكن للمراقب الأوروبي إلا الشعور بالاحترام والتقدير لسلطة العثمانيين الهائلة.

كان سليمان يطالب بصمت جميع المحيطين به في العلن. بينما كان يعبر عن رغباته بإشارة من رأسه أو يديه.

 من المدهش فعلا أن ترى البلاط الملكي في القصر المليء بسبعة آلاف انكشاري وموظف لا ينطق أي منهم بكلمة. أي أن ما يحدث هناك هو نوع من الملكية الغامضة والواسعة الانتشار، حتى يبلغ اعتبارها شبه إلهية.

 مع نمو سلطة سليمان، أخذ صديق طفولته إبراهيم يرقى في بنية  بلاطه الملكي.

 سرعان ما أصبح إبراهيم  باشا ثم تحول إلى أحد أهم وزرائه، حتى أنه تزوج من شقيقته. أي أنهما لم يكونا أصدقاء فقط بل أصبحا قريبان.

 انطلق إبراهيم بحملات على رأس جيش خاص به، فنمى نفوذه وطموحه حتى أصبح في مرتبة تلت سليمان مباشرة.

          ولكن لا أحد يقارن بعالم حريم السلطان السري من حيث الطموحات والسلطة.

          لا يقارن بيت الحريم العثماني بقاعات السمر الملكية في الغرب التي تحتل مكانة ثانوية، فهو في قلب حكم السلالة.

 يعتبر الحريم جناحا خاصا بالسلطان،  يسود اعتقاد بأن الحريم هو جناح النساء ولكنه يعني المكان الذي لا يعد فيه تحت الأنظار،أي أنه يعني الدفء المنزلي.

 سمح العثمانيون للسلطان بأربع زوجات وعدد من الخليلات.

 صمم هذا النظام للحصول على أولياء عهد لا أكثر. عند التأمل بأدق التفاصيل هناك، ستجد أنها لم تكن مجرد مسألة شهوانية. لم يكن لدى السلطان حرية في اختيار رفيقته الأنثى. لم يكن السلطان في مكانة تسمح بالنظر من حوله والقول أريد هذه، لأن لأمه رأي في اختياره.

أنجب سليمان من زوجته الأولى ولي عهده  مصطفى.

          ولكنه عند بلوغه العقد الثالث من عمره أحب فتاة سلافية من سباياه اسمها هوريم. أما في الغرب فيعرفونها باسم آخر هو روكسلانا.

          أنجبت روكسلانا ولي عهد ند، أصبح محل ثقة لدى سليمان.

 يفترض أن تتم حماية السلطان من أي نفوذ غير ملائم، يفترض أن يلقى الحماية تجاه أي خصوم، ما يؤدي إلى خلق فراغ من حوله شخصه، لا يخترقه إلى الحريم. وهكذا فإن واقع حمايته البالغة، يجعله عرضة لمزيد من نفوذ رفيقته الأنثى التي يمضي معها فترات طويلة. والحقيقة أن النساء المحيطات به كن من شديدات الذكاء، والطموحات جدا. وكانت روكسيلانا من أكثرهن شهرة.

 تميز سليمان بشخصية مركبة، يعرف من خلال حياته الخاصة أنه مفرط الحساسية والشغف تجاه صديقه إبراهيم ومن خلال محبته العميقة لزوجته هوريم سلطان، إلى جانب علاقاته العائلية إذ كان لديه أبناء موهوبين جدا أغدق عليهم بكثير من العطف.

 أعد سليمان ابنه الأول مصطفى لتسلم السلطة. نصت التقاليد العثمانية على دخول الأمير الشاب إلى السلك العسكري ليكتسب سريعا شهرة جنرال موهوب.

          كان مصطفى وريث العرش بلا منازع. وقد اعتبر سليمان أن مستقبل إمبراطوريته لا تعرف الحدود.

          أنا عبد الله، وسلطان هذا العالم. هذا ما كان يحفره سليمان على الحصون التي يغزوها.

          أنا سليمان الذي تدع له صلوات الجمعة في مكة والمدينة. أنا الشاه في بغداد، وأنا القيصر في المملكة البيزنطية، وأنا السلطان في مصر.

 شعر في ذروة سلطانه بلا شك أنه قزّم خصومه. وربما كان محقا.

 كان أحد أبرز خصوم سليمان يقبع في الشرق. الإمبراطورية الصفوية في إيران. اعتبر هذا عدوا مسلما لخلافات عقائدية وضعته في مصاف الخصوم العثمانية لعدة قرون.

 اعتبر الصفويين من الأتراك في جذورهم الإثنية، حتى أنهم تحدثوا بالتركية في حياتهم اليومية، وكانوا يتوسعون في العالم الإسلامي على خلاف العثمانيين الذين كانوا يتوسعون على حساب الغرب.

 وهكذا شكلت الإمبراطورية العثمانية نوعا من الحدود اعتبرتها أقصى الحدود الشرقية المملكة العثمانية.

كانت السلالة الصفوية من المسلمين الشيعة، المناهضين للسنية العثمانية.

 يقول بعض الشيعة أن على القائد أن يعين من قبل سلفه وأن يكون من سلالة محمد. أما السنة فلا يرون للتعيين أهمية كما يمكن للقائد أن يتزعم الناس دون أن ينحدر من سلالة محمد.

 يعتبر البعض أن هذه التحدي للشرعية سببا للشقاق بين السنة والشيعة، وهي مسألة ما زالت تشق العالم الإسلامي حتى يومنا هذا.

يمكن القول أن العثمانيين لم يعتبروا أنفسهم من السنة، حتى جاء الصفويون يحملون لواء الخصم الشيعي.

          أي أن الصفوية شكلت معتقدا منافسا للعثمانيين، حتى تطورت الأمور وتحولت إلى حرب حول ما تشن الحروب من حوله عادة، من سيطرة على الأراضي والثروات والمناطق  والمكانة.

          شن الصفويون حربا عقائدية على شرق الأناضول، التي كانت بالنسبة أكثر المناطق إثارة للقلاقل. فهي أراض يصعب غزوها ويصعب التحكم بها.

 امتاز الصفويون بالبراعة العسكرية، ولكنهم يشكلون خصما ثقافية للعثمانيين أيضا.

 شكلوا نماذج فنية رائعة يعتقد أنه أكثر شهرة بترويج الفنون مما كانوا عليه في الغزوات والقوانين والأنظمة الإدارية. عندما تنظر إلى أصفهان ترى أنها أجمل مدينة في العالم، وقد كانت مدينة الصفويين وعاصمتهم. ولكنها لا تمنح الزائر ذلك الإحساس بالقوة التي تراها في الإمبراطورية العثمانية أو عاصمتها. إنه نوع مختلف من القوة قد يكون أشد بلاغة، وأكثر غناء في تصميمه ومساحات مراسيمه، وكأنه جانب آخر من الإسلام يختلف كليا.

 يصنف الفن والعمران الصفوي على مستوى أرفع، فهي تعرف عادة بالزركشة، كما تعرف بالتخريم والتثقيب، وليس بأحجامها الهائلة.

 أعدت في القصور الملكية الشاهقة  للصفويين  الخطط والمشاريع المعادية لسليمان وسلالته حتى وصلت أنبائها إلى مسامعه.

          ولكن عيني سليمان كانت في الغرب، حيث كانت أوروبا الممزقة والضعيفة بانتظار غزواته. شملت المناطق العثمانية مناطق تمتد من مصر إلى كردستان، كما أصبحت تشمل هنغاريا أيضا.

 ولكن طموحاته كانت تدفعه إلى ما وراء ذلك لفرض سيطرته على أكبر مساحة ممكنة من العالم المعروف لديه حتى حينها.

 تكمن خطوة سليمان التالية بالاستيلاء على فينا ليوجه بذلك طعنة في قلب إمبراطورية هبسبورغ الأوروبية ويفتح الطريق نحو الغرب.

          ولكن مع توجه الجيوش العثمانية المدججة بالأسلحة نحو فينا انقلب المناخ عليهم.        

       المدافع الثقيلة التي حصدت للعثمانيين النصر تلو الآخر غرقت عميقا في الوحل. أجبر سليمان على السير قدما بدونها.

          قصف العثمانيون المدينة بالمدافع الخفيفة دون توقف.

          ولكنهم جوبهوا بدفاعات شرسة.

          تسارع فصل الشتاء بعد حصار طويل فسحب سليمان قواته.

          لم يقلقه ذلك. كان متأكدا من عودته بالسرعة اللازمة.

          ولكنه لم يعد.

 اعتبر فشل سليمان في الاستيلاء على فينا حيويا بالنسبة لأوروبا. كانت هذه أول هزيمة كبرى، بعد زمن طويل من الهزائم الأوروبية الواحدة بعد أخرى. ما شكل منعطفا جديدا للقارة الأوروبية.

 ما كان سليمان ليخشى أوروبا، ذلك أن خصومه من المسلمين الصفويين إلى جانب عائلته جلبوا أشد المآسي على السلطان وأخيرا على الإمبراطورية جمعاء.

كان سليمان نوعا من النموذج المختصر لحاكم القرن السادس عشر العاقل والمنصف والذي كان في الوقت نفسه شخصية مأساوية.

 لم تتوقف المكائد والمؤامرات من منزل السلطان العائلي.

 قصر توبكابي كما سمي أصلا، لا يحتوي على جناح للنساء، اللواتي أقمن فيما كان يعرف بالقصر القديم.

          ولكن هوريم كانت كثيرة التذمر من زوجها كغالبية الزوجات لتغيبه أيام وأشهر في حملاته خارج العاصمة.

          كثيرا ما كانت تشكو من الوحدة واشتياق أبنائه، والمفاجئ هو أن حريقا اشتعل في القصر القديم، اشتعل جناح هوريم. لهذا تم نقلها إلى قصر توبكابي مؤقتا ريثما يرممون الجناح القديم، وهكذا دخلت إلى القصر ولم تخرج منه.

 أصبحت هوريم في مركز السلطة، تروج ليصبح ابنها وليا للعرش، منغمسة وسط مجموعة من المكائد والشائعات والشبهات المميتة.

 كانت شديدة الوفاء لزوجها. فاعتبرت أي تهديد لسليمان، تهديدا لها لا بد من التخلص منه. وقد جاء التهديد الأول من إبراهيم باشا، الذي اتخذ ألقابا لا تمنح إلا للسلاطين. أدركت هوريم أن شيئا ما سيحدث في النهاية، فعملت على حماية الإمبراطورية، والسلالة، بالتخلص من إبراهيم باشا.

 في الخامس عشر من آذار مارس من عام ألف وخمسمائة وستة وثلاثون تعشى سليمان مع إبراهيم باشا كما جرت العادة. في الصباح عثر على جثة إبراهيم بعد موته شنقا.

   ولكن أحزن سليمان بخسارته كانت في بدايتها.

          بعد سنوات قليلة من موت إبراهيم باشا ادعت هوريم اكتشاف مؤامرة للإطاحة بسليمان أعدت بمساعدة الصفويين لابنه الأول وولي عرشه مصطفى.

 هذه مشكلة دائمة في التاريخ العثماني، الأبناء يحاولون الإطاحة بآبائهم. حدوث ذلك في التعاقب الملكي يسبب مشاكل كبيرة والحقيقة أن سليمان نال حصته منها وربما  لم يقم بما هو مطلوب منه.

 لم يتردد سليمان بإصدار أمر بإعدام مصطفى. ثم جلس إلى جانب جثته عدة أيام، رافضا السماح لأي شخص بلمسه. وهكذا مات الأمل الأسمى لمستقبل الإمبراطورية.   

    بعد موت هوريم نفسها في العام التالي، غاب سليمان في بأس عميق، ليجد عزاء في أشعاره.

يعتقد أنه كتب غالبية أشعاره بعد موت زوجته. فهي تتحدث عن العزلة في العمل المكتبي وأنه لم يبقى له أحد، وأنه يموت شوقا للقائها.

 حتى لو بدا سلطانك على عرش الإمبراطورية خالدا، لا تنخدع. فالريح المعادية ستهب يوما وتأتي لبلادك الجميلة وجناتك سوء الطالع وعميق العذاب.

          لم يجد وسط عزلته إلا ملاذا واحدا لسلطان بدت أحزانه أكبر مساحة من سلطته.

          عاد إلى ساحات المعارك، إلى عهده في الغزوات.

 قاد شخصيا ثلاثة عشر حملة، كان آخرها في زيغتفار، وهي الآن في هنغاريا.

          يعتقد انه كان يعلم بأنها ستكون آخر حملاته، فقادها شخصيا، مدركا بأنه قد لا يعود حيا.

 عام ألف وخمسمائة وواحد وستون مات السلطان الذي حكم الإمبراطورية لفترة أطول من غيره، مات في السابعة والستين وهو في خيمته العسكرية الكبرى محاطا بجنرالاته.

          لم يتمكن أي سلطان آخر من إحراز عظمة مماثلة له. انتقلت سلسلة القوى العظمى من الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، مخلفة العثمانيين وراءها تدريجيا.

          ما زال دراويش استنبول اليوم يلفّون بدوران راقص يعود إلى عصر سليمان. إنها حركة للتأمل تعود جذور طقوسها إلى فترة أبعد قد تصل إلى زمن النبي محمد.

          "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله".  هذا ما يورده في القرآن لجميع المؤمنين.  

          للحضارتين الإسلامية والغربية نفس الجذور. فهما تبزغان من الهلال الخصيب، والإيمان بالله الواحد للديانات التوحيدية الثلاث، والثقافات الفكرية كالإغريقية والبابلية، بين الحضارتين نسب روحي مشترك، فهما متشابهتان رغم الاختلاف الكبير بينهما.

          يتداخل الميراث الإسلامي مع الغرب، ومليارات المسلمين الذين يشكلون اليوم ثان أكبر ديانة في العالم ما زالوا يعتبرونه ميراث حي وجزء حيوي من مخاض البشرية في الحضارة الإنسانية.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster