|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخرا مدينة للانتاج الإعلامي في دبي بلغت كلفته 817مليون دولار، وذلك في مسعى منها لترسيخ مكانتها الإقليمية للإنتاج الإعلامي في المنطقة، لما تتمتع به من تجهيزات تقنية عالية تمكنها من التحول إلى جسر ثقافي وحضاري هام بين البلدان العربية.
والحقيقة أن المواطن العربي بأشد الحاجة إلى مثل هذه المشاريع إذ أنه ما زال يشكو عميقا من مستوى انحياز الرأي العام العالمي وبعض وسائله الإعلامية إلى جانب الكيان الصهيوني، الذي يتقبل منه ما لا يقبله من أحد ويبرر له ما يرفضه لأي دولة أخرى من العالم جملة وتفصيلا.
والحقيقة هي أن لهذا الانحياز أسباب جوهرية وموضوعية ليس لها صلة بانحياز الشعوب إلى ما تعيث به "إسرائيل" من دمار وخراب في منطقتنا، بقدر ما هو على ارتباط بما زرعته الصهيونية العالمية من أفكار سامة منذ بدايات القرن العشرين لتحصد اليوم ثمارها.
رغم الأزمة التي يتخبط بها الكيان الصهيوني الآن داخليا وحتى على المستوى الإعلامي الخارجي، لا بد من الاعتراف بأنه تمكن من تحقيق "إنجازات" ما زال يعتمد عليها في مواجهة شعوبنا عبر وسائل إعلام البلدان الأخرى التي تساهم العولمة في إيصالها إلى بيوتنا. اعتمدت الصهيونية في أمريكا اللاتينية منذ ما قبل قيام الدولة العبرية على ما عرف بداية بلجان دعم فلسطين، التي أسست بهدف تأكيد حق اليهود بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين. تأسست فروع لهذه اللجان في تموز يوليو من عام 1945 في كل من بوليفيا وتشيلي وكوبا وكوستا ريكا وكولومبيا والمكسيك، لتعمل بالتعاون مع لجنة دعم فلسطين الأمريكية المسيحية عبر مقرها في نيويورك.
وقد ضم الصهاينة أكبر عدد ممكن من الشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية اللاتينية في هذه اللجان، التي كانت مهمتها تكمن بإقامة احتفالات حاشدة وتجنيد الأقلام التي تروج الأفكار الصهيونية بين تلك الشعوب.
فكان أن ضمت إلى صفوف تلك اللجان شخصيات بارزة على غرار خوسي فيغيريس، رئيس كوستا ريكا، وأدولفو موري رئيس البرلمان التشيلي، وفروكتووسو بيتالوغا، وزير الخارجية في الأوروغواي، وخوسي غالفيس نائب رئيس البيرو وعميد جامعة سان ماركوس في ليما وغيرهم.
في تشرين الثاني نوفمبر من عام 1945 انعقد في واشنطن مؤتمرا صهيونيا تحت عنوان ندوة فلسطين المسيحية العالمية، شارك فيها ممثلون عن 30 دولة، كان 14 منها أمريكية لاتينية.
توصل المؤتمر إلى قرارات تدعو جميع الدول إلى إزالة العوائق من طريق الهجرة اليهودية إلى فلسطين وشراء الأراضي العربية وطالب هيئة الأمم بأن تعترف بفلسطين دولة تاريخية لليهود، وأهم ما في هذه القرارات هو ما شرعته من أنشطة صهيونية. 9;
وقد عزز نمو رأس المال اليهودي الصهيوني وشركاته الاحتكارية التغلغل في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في القارة ، ما يساهم حتى اليوم في الانتقاص من سيادة شعوب أمريكا اللاتينية وخياراتها السياسية. وقد كرست الدعاية الصهيونية جل اهتماماتها منذ أواسط القرن على رسائل محددة تعمل ضمن خطوط عريضة تخدم مصالح “إسرائيل” والمشروع التوسعي الصهيوني على حساب الحقوق العربية، فبنت حملاتها الدعائية على الأسس التالية:
1)-التشجيع الدائم للهجرة اليهودية إلى فلسطين. 2)- التأكيد المستمر على العلاقة التاريخية والدينية التي تربط اليهود بفلسطين.
3)- التذكير بوعد بلفور الذي يسمونه "أسس الدعم المشروع"، لإضفاء الشرعية على إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين.
4)- إبراز البطولات اليهودية في محاربة النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
5)- استغلال مشاعر الرأفة تجاه ما تعرض له اليهود من معاناة خلال الحرب العالمية الثانية.
6)-ممارسة الضغوط على المؤسسات الحكومية لاتخاذ قرارات مؤيدة للدولة العبرية.
7)- المبالغة في إبراز العنصر اليهودي كحقيقة فوق العادة في مجالات البحث والثقافة والعلوم والفن، فينشرون قوائم بأسماء المبدعين من اليهود في مختلف أرجاء العالم ويتفاخرون بها.
8)- يبررون دعم “إسرائيل” للأنظمة الدكتاتورية التي حكمت بلدان أمريكا اللاتينية بحجة مواجهة الامتداد الشيوعي.
9)- يدعون أن بلدان أمريكا اللاتينية تستفيد في علاقاتها مع “إسرائيل” من تجارب هذا البلد الاقتصادية الغنية، علما أن استيراد الأسلحة هو العلاقة الأهم التي تربط هذه الدول ب”إسرائيل”.
تعتمد الحركة الصهيونية في تنفيذ حملاتها الإعلامية في جنوب القارة بشكل أساسي على الاحتكارات المالية وما ل”إسرائيل” من اتفاقات متعددة مع المؤسسات الثقافية والتربوية والعسكرية في هذه البلدان، هذا إلى جانب العمل على احتكار الصناعة الثقافية بحد ذاتها.
ومع ذلك يمكن اعتبار سلطة الإعلان والملكية المالية المباشرة لمؤسسات الثقافة والإعلام السبيل الرئيسي لتحديد سياسات وسائل الثقافة والإعلام مباشرة في هذه البلدان.
نذكر من هذه الوسائل على سبيل المثال نشرة (كرونيكاس) الأسبوعية التي يوزع منها 66 ألف نسخة على غالبية المراكز الثقافية في الأرجنتين، وهي تصدر عن مركز يعد المقالات والتحقيقات الصحفية لتوزع على وسائل الإعلام. كما توزع في هذا البلد سلسلة (“إسرائيل” دي أوي) أي “إسرائيل” اليوم، باللغة الإسبانية وهي نشرة نصف شهرية تشمل أهم الأحداث الإسرائيلية وتوزع على الصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة.
تصدر الصهيونية في الأرجنتين أيضا عددا من الصحف والمجلات الموجهة إلى جميع الفئات الاجتماعية هناك، نذكر منها ثلاث صحف يومية هي (دي بريس)، و(نويفا برينسا)، و(موندو “إسرائيل”يتا). بالإضافة إلى مجلة (لا لوس) وهي نصف شهرية، ومجلة(بلورال) الشهرية التي توزع على 22 ألف مشترك.
إلا أن الأمر لا يقتصر على ذلك لأن رؤوس الأموال الصهيونية المحلية والأجنبية تشكل وسيلة ضغط تنال من الفنون التشكيلية والكتابة والسينما والمسرح والإنتاج التلفزيوني أيضا.
يمكن أن نرى أهمية الإنتاج التلفزيوني في أمريكا اللاتينية بالنسبة لمجتمعاتنا العربية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن خمسة مسلسلات من جنوب القارة الأمريكية التي تعرف إقليميا بالمسلسلات المكسيكية، تعرض في آن واحد على مختلف المحطات الفضائية العربية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المسلسلات تصل إلى بلداننا وهي محشوة بالكثير من الرموز والصور والحوارات الصهيونية العنصرية المعادية لحضارتنا وتقاليدنا ومفاهيمنا من جهة، بينما تبالغ في احترام الحكمة والفكر اليهودي العميق من جهة أخرى.
لدينا أهم مثال على ذلك في مسلسل أرجنتيني استوردته ومنتجته شركة (فيلمالي) اللبنانية في أواسط التسعينات، وقد جاء تحت عنوان (سيليستي)، يحمل فيه الكلب اسم (أربي) أي عربي، أما شخصية السيدة العجوز الحكيمة المتواضعة والإنسانية جدا فيه فهي تعتنق الديانة اليهودية.
لا بد هنا من تقدير الدور الهام الذي لعبه المخرج الكبير الأستاذ نقولا أبو سمح والفريق المخلص الذي عمل معه على إزالة جميع المحاذير الرقابية من هذا المسلسل ومن غيره حتى أصبح بالإمكان عرضها على المحطات الفضائية العربية.
هذا ما ينطبق أيضا على مسلسل يتم عرضه الآن على إحدى المحطات العربية، وقد استورد تحت عنوان (كاليبسو)، المستورد من فنزويلا عبر شركة (سوبر إم) ومركزها في بيروت، حيث بذل العاملون فيها جهدا كبيرا في إلغاء مشاهد تحتوي على صور لرموز صهيونية وتلافي حوارات تبالغ في تقدير الحكمة والفلسفة اليهودية التي تنقل على لسان شخصية المخرج السينمائي (هاسينتو)الأساسية في القصة.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن فنزويلا لا تقل شأنا عن الأرجنتين بالنسبة لتأثير الإعلام الصهيوني الذي يتبع نفس النهج المعتمد في البلدان اللاتينية الأخرى إلا أنه يركز بشكل خاص هناك على التعاقدات ومشاريع التعاون والاتفاقات الموقعة بين الكيان الصهيوني والوزارات والجامعات ومؤسسات ثقافية متنوعة.
وهذه اتفاقات تتجدد باستمرار إلا أن أهمها هو ما وقعته سلطات تل أبيب عام 1981 مع كافة الجامعات الوطنية، والتي لم يكن لبنودها أي مبررات أكاديمية أو علمية، إنما هي اتفاقات سياسية وذات أهداف سياسية.
تؤدي هذه الاتفاقات إلى جلب مجموعات من المحاضرين التي تأتي أربعة أو خمسة مرات كل عام، لتشارك خلال زياراتها في طاولات مستديرة تناقش خلالها مسائل سياسية وثقافية تتعلق بآخر التطورات في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. هذا ما يؤدي في نهاية المطاف إلى جعل كوستا ريكا أول بلد في العالم، وربما البلد الوحيد الذي نقل سفارته من تل أبيب إلى القدس وهو طبعا من بلدان أمريكا اللاتينية التي ما زالت ترفض حتى اليوم إعادة النظر في سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. قد يشكل ما حدث لبرنامج تيستيمونيو السياسي للقناة الرابعة في تلفزيون البيرو شاهدا حيا على مستوى التأثير الصهيوني على الإعلام في بلد آخر من أمريكا اللاتينية حيث هددت رؤوس الأموال الصهيونية بحجب إعلاناتها كاملة عن المحطة إن لم توقف هذا البرنامج.
عالج هذا البرنامج السياسي قبل توقيفه القضايا السياسية الساخنة وقد أوضح معد هذا البرنامج ومقدمه سيزار إيلدبرانت، أن أشد ما أغضب الصهاينة هو أن يجرؤ أحدا في البيرو على توجيه إصبع الاتهام إلى تورط “إسرائيل” في المجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في مخيمات بيروت.
لم يكتف الصهاينة بتوقيف البرنامج عبر ابتزازهم المالي بل أجبروا القناة على تقديم إدواردو بييخو، رئيس لجنة العلاقات الإنسانية للتجمع اليهودي في البيرو حينها، للتحدث عن قضية إيلدبرانت قائلا أن “إسرائيل” هي المثال الوحيد للديمقراطية والإنسانية في العالم.. قد لا نستغرب ما جرى عند الاطلاع على ما تداولته الإحصاءات هناك من أن المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بالحركة الصهيونية تمول ما يقارب 80% من الإعلانات التجارية في الصحافة المحلية على أنواعها.
والأمثلة أكثر من أن يتسع صدر هذه الصحيفة لها، إلا أنها جميعا تؤكد على ضرورة إحراز المزيد من التفاعل بين شعوبنا المتشابهة في العديد من المجالات، والتي قد تجمعها مصالح مشتركة لا تقل أهمية عن بلدان أخرى تقع على نفس المسافة الجغرافية منها.
كما تؤكد أيضا ضرورة إبراز أهمية ضلوع وسائل الإعلام العربية بواجباتها في التوجه الجدي والحضاري إلى هذه الشعوب حاملة معها الرسالة الإنسانية للهوية العربية عبر كل السبل المتاحة انطلاقا من ظروف العولمة نفسها التي يتوجهون هم إلينا من خلالها. تعزيز العلاقات الدبلوماسية والثقافية والتقارب مع جنوب القارة الأمريكية انطلاقا من الهامش الديمقراطي الكبير الذي تنعم به اليوم والذي يسمح لها بإقامة علاقات متوازنة تخدم المصالح المشتركة بالتساوي.
كل هذا ضمن إشراك الجاليات العربية بفعالية أكبر في قضايا أمتها عبر مشاريع اقتصادية وثقافية وإعلامية تعود بالنفع على جميع الأطراف وتقيم جسور علاقات متينة ودائمة لا تقتصر على قضية واحدة فحسب ..
هذه مجرد أفكار يتم تداولها في أوساط الجاليات العربية هناك وهي تعبر عن الرغبة الشديدة في العمل على إقامة جسور مباشرة مع قارة بكاملها كانت وما زالت تتأثر جديا بمختلف الحملات الإعلامية المعادية لجميع القضايا العربية المحقة.
من هنا تأتي أهمية ما أكده الشيخ محمد بن راشد بن سعيد آل مكتوم ولي عهد إمارة دبي ووزير الدفاع في دولة الإمارات حين قال في مناسبة افتتاح مدينة دبي الإعلامية: "نريد لهذه المدينة أن تكون جسرا من جسور تواصل العرب مع أنفسهم ومع مستقبلهم، وجسرا من جسور تواصل العرب مع العالم".
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م