سنتحدث في هذه المادة عن كائن ذو دم ساخن.الثديات. كما سنتحدث ايضاعن الكلاب ونتعلم شيئا من لغتي الحيتان والدلافين.
عندما كنت صغيرة بعد، كانت الحيوانات بالنسبة لي بأربعة قوائم، ناعمة الملمس، كما تتميز بكونها كائنات عاطفيه. لاكتشف فيما بعد ان معرفتي هذه كانت تقتصر على مجموعة ضئيله من الكائنات الحية تعرف بالثديات.
حكمت القوارض عالم الأحياء في الجزء الاكبر من تاريخ الكرة الارضيه.
ولكن قبل حوالي الخمسة وستين عاما، وصل عصرها الذهبي الى نهايته لاسباب ما زالت غامضه. فتركت مكانها الى كائنات اخرى لديها القدرة على الاعتناء بصغارها، هي الثديات.
احفاد القوارض كانت تولد عبر مراحل التطور بأشكال واحجام متنوعه. عاشت غالبية الثديات على الارض، الا ان بعضها ، كما هو حال الحيتان، تحولت الى حيوانات بحرية بالكامل. كما ان غيرها، كحال الوطواط ، تعلم الطيران.
توزعت الثديات من الفئران الى الحيتان، على انواع مدهشة شملت الكثير من الحيوانات التي سكنت كل بقاع الارض.
يعود الفضل في نجاح الثديات الى حرارتها الثابته، تلك الظاهرة التي تعرف بيولوجيا بنظام الدم الدافيء، الذي يسمح لهذه الكائنات بالحفاظ على درجة حرارة ثابته، رغم الاجواء المحيطة بها.
تتراوح درجات الحرارة بين الخمسة والثلاثين والواحد واربعين درجه حسب نوع الثدي. ولا تختلف الحرارة في اجسادها باكثر من درجة واحده خلال اليوم.
منح نظام الحرارة هذه الكائنات حرية كامله فيما يتعلق بمحيطها البيئي.
على خلاف القوارض، التي يعتمد نشاطها على درجة الحرارة الخارجيه، يمكن للثديات ان تنشط في جميع الاوقات، ما يساعدهم على حماية انفسهم من الحيوانات المفترسة بشكل افضل .
ولكن للحفاظ على درجة حرارة ثابته، على غالبية الثديات ان تأكل بأستمرار.
طوال مراحل التطور، احتياجاتهم للطاقة اودت بهم الى تنمية انظمة عضوية عالية الكفاءه.
فأصبح الفك لديهم مثلا اشد تعقيدا من تلك التي كانت لاجدادهم القوارض.
تتأقلم الاسنان مع اغذية جميع الانواع. ويعتد الجسد بقوة عضلات وصلابة عود بالغه، بينما يساعد اللسان على مضغ الاطعمة بسرعة اكبر.
تعتبر الية الحركة لدى الثديات مقارنة مع القوارض اكثر كفاءة بكثير.
فقد طورت انحناء القوارض الى وضعية افضل للركض، وذلك بوضع الاقدام تحت الجسد.
عند الركض يعود جزء من الطاقة المهدورة الى الجسم ضمن تأثير النوابض، ما يمنحهم دواما اطول.
اضف الى ذلك ان الثديات طورت جلدا افضل بكثير من جلد القوارض المحرشف.
ويغطى الجلد بالشعر او بالصوف كما يتشكل من ثلاث طبقات. هي ما فوق الجلد، وما في الجلد وما تحته من انسجة داعمه.
الشعر هو تركيبات قرنية تطلق جذورها في الجلد، من حيث تنمو وتخرج الى سطح الجلد، ليتبع الاتجاه نفسه بأستمرار.
عادة ما يشكل الشعر غشاءا يحوي طبقة عازلة من الهواء. هذه الطبقة من الهواء هي التي تحمي الحيوانات من البرد.
يتعزز ثبات الحرارة على درجة محدده من خلال مجموعة من الغدد الجلديه.
تتولى الغدد الدهنية تغطية الشعر بمادة زيتية تؤكد عزل الحراره.
عبر التعرق الدائم الذي يتبخر من على سطح الجلد، تعمل غدد التعرق على التحكم بالحرارة ما يساعد الحيوان على تحمل الحراره.
الكلاب التي لا تعتد بغدد للتعرق، فهو يبرد الحرارة باللهاث، فيجف الماء من على لسانها.
غدد الثديات، من حيث تستمد اسمها، نمت مع الوقت عبر الغدد الجلديه.
رغم وجودها بأشكال بدائية حتى في الذكور، الا انها تعمل فقط لدى الاناث بعد الولاده.
تجتمع غدد الثديات في الجزء الاعظم منها على شكل عناقيد تستنسب الحليب عبر الحلمات التي هي دائما بطنية يعتمد عددها التقريبي على عدد ليترات الحليب المخصصة للمولود الواحد.
كانت الرضاعة مرحلة اساسية من مرؤاحل نمو الثديات.
اثناء مرحلة الحضانة، تتم حماية الاطفال من المفترسين، بما انهم يبقون دائما برفقة الام. ما يمنحهم فرص اكبر في الوصول الى سن البلوغ.
يوضح ذلك السبب الذي يجعل الثديات تنتج كميات اقل من الليترات مقارنة مع القوارض مثلا.
للرضاعة اهمية اخرى لها صلة في النمو، فهي تعجل في نمو الدماغ والتركيبة الاجتماعيه.
اضف الى ان مرحلة الرضاعة لدى صغار الثديات هي مرحلة التعليم التي تمنحه الام وعدد اخر من اعضاء المجتمع.
بين القرود مثلا تعبر التصرفات الاجتماعية من جيل الى اخر من خلال التوجيه والتعليم.
يؤدي تطور نماذج التصرفات الى نمو الدماغ والقدرة على التعلم وتطبيق هذه المعارف على الحياة.
مراحل التعلم اطول لدى الكائن البشري الذي يصبح مستقلا فقط عند بلوغه سن الرشد. ربما كان هذا هو السبب في تقدم الأنسانية من حيث الثقافة والفكر.
اما من حيث الاداء الجسدي فلا بد من القول ان غيرنا من الثديات تقفوقنا كثيرا.
اثر الانسان على نمو الثديات، من خلال تدجينها. والكلب اكبر مثال على ذلك. يعتقد ان الكلب هو من سلالة الذئب الذي هو كائن اجتماعي تماما كلانسان يحتشد بأعداد كبيرة حول زعيم له. ولهذا فهو لا يواجه المصاعب في التأقلم على الأنسان الذي غير زعيم القطيع.
وهكذا تحول الكلب الى صديق وحليف لا بد منه.
على مدار العشرة الاف عام الماضيه تقريبا، كان الكلب احد اصدقاء الأنسان الاشد وفاءا. فنمت بينهما صلة تبادلية بحيث يتولى الأنسان اطعام الكلب وتأمين مسكنه، مقابل خضوع الكلب نهائيا وبالكامل لرغبات سيده.
فعلى سبيل المثال تتعلم كلاب الشرطة ان تقوم بعمليات انقاذ، وملاحقة المجرمين بالتعرف على العبوات المتفجرة والمخدرات من خلال حاسة الشم . على كلاب الشرطة ان تتمتع بمواصفات جسدية مميزه، وان تكون قادرة على التأقلم الكامل.
عند بلوغها السنة الاولى يتم اختيار هذه الكلاب بعناية فائقه.
تخضع اولا لفحوصات بيطرية كامله. بحيث يقع الاختيار فقط على كلاب بصحة جيده.
ليخضع الكلاب بعدها الى مجموعة من التمارين على يد مدرب مجرب يتولى اختيار الكلاب ذوي المواصفات الفيزيائة والنفسية المناسبه: كالشجاعة والعدوانية والاستقرار والاهم من كل ذلك استعداده لتكوين جزء من الفريق، وهي مواصفات لا بد منها في التدريب.
بعد عدة اشهر من خضوعه لفريق من المدربين يصبح الكلب جاهزا للتماثل.
يكمن التماثل في ان يشكل جزءا من فريق، او تماثل الكلب لرجل شرطة محدد الذي سيكون صاحبه وسيده المطلق.
سواء كانت كلاب اثر او للصيد او لمرافقة الرعيان، فهي مستعدة للقيام بعدد من الوظائف. ولكن حسب نوعه المحدد يقوم الكلب بواجبات ومهمات محدده.
بعضها يبرع في العثور على المخدرات. وهي مطيعة جدا تحب اللعب وكالكثير من امثالها تتمتع بحاسة شم مدهشه وذاكرة للشم. قدرة الكلاب على الشم تفوق مثيلتها لدى الانسان بأربعة واربعين مره.
تكمن لواقط حاسة الشم في الجزء الخلفي الاعلى من الممرات الخلفيه. نعند خلايا الاحساس هذه بشعيرات عضوية مجهرية بالغة الدقه.
عند اتصال جزيئات الرائحة بخلايا هذه الشعيرات،تنتقل وضة عصبية الى مركز الشم في الدماغ. لتقارن هذه الرائحة بما سجل في ذاكرة الكلب من روائح اخرى. تعتبر ذاكرة الروائح لدى الكلاب هامة جدا لتمكينه من تحديد الروائح.
ضمن ظروغ التنفس العاديه لا يدخل اكثر من اربعة بالمئه فقط من جزيئات الروائح المحيطه الى حاسة الشم لديه.
رغم ذلك حين يشم الكلب بعض الهواء تذهب جزيئات الرائحة الى شعيرات حاسة الشم لديه بسرعة فائقه.
حاسة الشم المدهشة لدى الكلاب تساعدهم في التعرف على روائح محدده، كما هو حال المخدرات.
يستطيع الكلاب التعرف على المخدرات ذات الاصول النباتيه كما هو حال الخشخاش والكوكايين والهيروين. اي كانت مراحل التصنيع التي تمر بها فأن حاسة الشم لدى الكلاب قادرة على اكتشافها.
تتعلم الكلاب بسرعه كيف تتذكر رائحة المخدرات عبر لعبة محدده. تخبأ المخدرات اولا في لعبة الكلب. ثم يمنح الوقت اللازم للتعرف على الرائحة الجديده.
ثم يقوم سيده بأخفاء اللعبة ويدفع الكلب للعثور عليها. حين يعثر على اللعبة يتلقى الكلب مكافأة سيده.
تستطيع الكلاب المدربة على ايجاد المخدرات ان تعثر على كمية قد لا تتعدى بضعة غرامات. توجه في بحثها من قبل سيدها، الذي يحفز محاولاتها ويترجم تصرفاتها. انه عمل متكامل يعمل فيه الكلب وسيده بتلازم مستمر.
ذاكرة الرائحة لدى الكلاب تساعد ايضا في تحديد مكان شخص ضائع او هارب من العداله.
عادة ما يتم اختيار كلاب الشيفارد الالمانية للقيام بهذا النوع من المهمات. وذلك لقوتها وطاعتها وحاسة شمها العاليه. والاهم من ذلك انها مستعدة للقيام بمهماتها وفق ظروف متعدده.
لملاحقة شخص ما يعتمد الكلب على مركبين من رائحة هذا الشخص. خلايا الجسم الميتة وافرازاته.
يحتوي جسم الانسان على ما يقارب الستين مليون خليه. تموت كل ثانية منها اعداد محدده، لتخرج من الجسم عبر الجلد او التنفس او الجهاز الهضمي.
الخلايا التي تحمل الباكتيريا هي فريدة بين شخص واخر. عند اتلافها للخلايا الميتة في الجسم، تطلق الباكتيريا رائحة تميز صاحبها بالتحديد.
يترك كل شخص خلفه اثر يتكون من افرازات متنوعه كالتعرق بين غيرها.
العطور والسجائر هي ايضا روائح يسهل التعرف عليها عبر هذه الكلاب. حين يتم العثور على هارب، لا يجد امامه سوى التعاون، والا يتلقى الكلب امرا بأيقافه. تتصرف كلاب الشرطة وفق اوامر محددة وواضحه. كما انها مدربة على مهاجمة الاذرع والاقدام وحدها.
مع نهاية حياتهم المهنية، التي عادة ما تدوم لستة اعوام، يسمح لكلاب الشرطة بالتقاعد، ولكن الى جانب سيدها التي اعتادت على العيش معه.
المحبة التي نشعر بها تجاه الثديات الداجنة لدينا، لا ينبع فقط من طبيعتها العاطفيه، بل ومن ذكائها ايضا. والحقيقة ان علماء الاحياء قد اكتشفوا مؤخرا ان لدى بعض الثديات البحرية قدرات عالية على الاتصال.
غالبية الثديات لا ترى في المياه اجواء محببه. رغم ذلك فقبل خمسين الف عام تركت الثديات البرية القريبة من فصيلة الذئب البر لتسكن في البحر. على مدار الاف السنين، تعودت هذه الحيوانات على العيش والتأقلم تماما مع ظروف الحياة في الماء: انها الحيتان.
تتوزع الحيتان على مجموعتين تختلف كل منها عن الاخرى بغذائها. ذات الاسنان منها كالدلفين والحوت القاتل تتغذى على الاسماك والرخويات.
اما الانواع الاخرى من الحيتان فهي تتغذى على انواع جراد البحر المختلفه بشكل رئيسي .
تتكون اجسام الحيتان من اللحم والعظم. يصل طول البعض منها الى الثلاثين مترا،لتزن كمعدل عام ما يقارب الخمسين طنا. اي ما يوازي الخمسة وعشرون فيلا.
لا يمكن لهذا الحيوانات ان تتحرك نهائيا على الارض.
الا انها في الماء لا تعتبر شديدة التأثر بفعل الجاذبيه، حيث ان كثافة اجسامها شبيهة جدا بكثافة مياه البحر.
من ناحية اخرى لا تساعد مياه البحر على الحركه، ذلك انها اكثر كثافة من الهواء بالف مره واشد لزاجة بمئة مره منه.
وقد حلت الحيتان هذه المشكلة بأتخاذ الشكل الديناميكي المناسب.
اجسادها الشبيهة بجسم السمكة تنحسر عند الطرفين لتمكنها من السير بسرعة تفوق الستين كيلومتر في الساعه.
للتخفيف من قوة الاحتكاك الناجمة عن الحركه، لا يعلو جلد الحيتان الشعر بل تغطيه طبقة من الزيوت تضفي عليها لماعانا واضحا.
اضف الى ذلك ان جميع الاطراف السابقة للثدي التي يمكنها ان تغرقه قد اختفت نهائيا بأستثناء الزعانف التي تساعده في الحفاظ علىتوازن جسمه.
كثيرا ما تعوم الحيتان في المياه البارده، الا انها كباقي الحيوانات ذات الدم الساخن، يجب ان تحافظ على حرارة جسمها، لهذا فهي تعتد بطبقة من الشحم بسماكة تتراوح بين العشره والخمسين سنتيمترا، حسب نوعها. تساعد هذه الطبقة على احتفاظ الحيوان بحرارته وتمكنه من توفير الطاقه.
للحصول على غذائها تغوص الحيتان على اعماق كبيره حيث تبقى لفترة طويلة من الوقت حسب نوعها. الانواع الاضخم تستطيع الغوص الى اعماق تزيد عن الثلاثة الاف مترا. وتبقى دون تنفس لفترات تتراوح بين التسعين والمئة وعشرون دقيقه.
عندما تصعد الى السطح تبدأ الشهيق والزفير بسرعة كبيره.
اثناء عملية التنفس هذه تتخلص من الحامض الحليبي الذي يتراكم اثناء عملية الغطس. الحامض الحليبي هو ترسبات سامه تنجم عن التواء عضلات الحيتان ويتم التخلص منها على شكل ثاني اوكسيد الكربون.
يمكن رؤية حركة الزفير فقط في الحيوانات الكبيرة جدا، اذ تتكون نافورة من الهواء الرطب تخرج بسرعة من رئتي الحوت عبر ثغرة في اعلى رأسه. قد يصل زفير الحيتان الكبيرة الى ارتفاع يتراوح بين خمسة و ثمانية امتار.
عند غوصها الى ما يزيد عن المئتي متر تحت الماء تسبح الحيتان بحالة من العتمة الكامله، حيث تنعدم الرؤية نهائيا.
لاستكشاف ما يحيط بها واستطلاع سبيلها طورت بعض الثديات كالدلفين وسيلة احساس اخرى تعتمد على الصدى.
تعتمد هذه الحاسة على ارسال اصوات متعددة الذبذبات بأتجاه الهدف المحدد، والتقاط موجات الصدى لهذه الاصوات.
يعتقد ان هذه الاصوات تصدر عن الممرات الأنفية لهذا الثدي.
ومن ثم يتولى انحناء يعلوه الزيت فوق رأس الدلفين،عملية تحويل الصوت الى اشعاع يعود بعد ان يصطدم بالهدف الى صاحبه.
يتم التقاط الصدى من خلال اوتار متعلقه بعظام الاذن. تنتقل المعلومات التي يتم الحصول عليها الى دماغ الحيوان الذي يتولى بدوره تحليلها.
تستخدم الدلافين نظام الصدى لتحديد وجهتها، كما وربما كوسيلة اتصال لها ايضا.
تصدر بعض الاصوات بذبذبات قصيرة يمكن لأذن الانسان ان تسمعها.
هذه الاصوات كثيرا ما تشبه العويل، وهي تستمر لما يقارب العشرة دقائق، وان تتوالى عدة مرات ولساعات طويلة ايضا.
قد تعبر الاصوات القوية منها مسافات تصل الى التسعمئة كيلومترا اما كثافتها المئه وثمانين ديسيبل ، اي انه اشد الاصوات قوة بين الكائنات الحيه.
لا يعرف الكثير عن اهداف هذا الغناء، وقد تبدو احيانا كجزء من دروس تعلم اللغه. والحقيقة انها تختلف من شخص الى اخر ضمن النوع ذاته.
لا يعرف العلماء بعد ما اذا كانت اغاني الحيتان شيء من التعبير عن نوع من الذكاء.
الا انهم يعرفون بالمقابل ان لدى الحيتان القاتلة والدلافين قدرة هائلة على التعلم. ومن المحتمل جدا ان تكون بالغة الذكاء.
نتمنى ان يستطيع الانسان يوما ما من الاتصال عن قرب بهذا الحيوان المثير للدهشة والاعجاب.
--------------------انتهت.
