|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
جبران خليل جبران (1883 - 1931)
الأب لويس أبي عتمه
ويسألونكَ عن الأَدَب
الجبرانيّ؟! - (3)
السَياسَة هي مصدَرٌ
لفعل سَاس يسوس الرَّجل الأَمر، أَي نَظَّم شؤون الدولة، ورتَّب أمورها
وأَحوالها كافَّةً: الإِداريَّة والماليَّة، الإِجتماعيَّة
والإِقتصاديَّة، التربويَّة والثقافيَّة، الصحيَّة والإِنمائيَّة...
وَلِئن كانت السياسة من
أَرقى أَنواع الفِكر عند أَفلاطون في (جمهوريّته)، فهي مع ذلك، فَنّ
نبيل، عسير، صَعب المِراس، لأَنَّ كلّ إِنسان ليسَ مخلوقاً للسياسة ولا
هيَ له. لذلك قال الشَّاعر:
لا يعرف الحكمَ إِلاَّ
مَن يمارسه ولا السيـاسة إِلاّ مَنْ يُعـانيها
والحق يُقال: إِنّ
نابغتنا اللبناني جبران لم يكن سياسيّاً بالمعنى الإِداري، المهني،
التطبيقي، بل هو رجُل حُلم، وخيال، وإِنسان تصوّر ورؤيا. له رأيه
وكلمته، وموقفه. وإذا كان الأَدَب ثمرة موَلِّدات الفِكر البشري،
عَبْرَ العصور، المعبَّر عنها باسلوبٍ فنّيٍ راقٍ، بهيّ، فإِنّ الأَديب
المطبوع لا يتوقّف فقط عند دَواوين الأَدَب المنظومة والمنثورة، بل
يتخطّاها الى ما هو أَبعدَ، وأَكملَ، وأَرفع، ليكون منارة عصره، وضمير
أُمّته، بل مُهَذِّبَ مجتمعه، وهادي الناس الى قِيَم الخير والحقّ
والجمال والكمال. وقد يعتمد الأَديب الهادف النقد البنّاء بغية ترقية
الإِنسانية وإِصلاحها. وبناءً عليه، فاستمع جبران يخاطب الشَّرق،
مستشرفاً سياسته المستقبليّة قاصداً من وراء خطابه الشرقيين السَّاسة
عموماً، والحكّام اللبنانيين خصوصاً، مختزلاً إِيَّاهم برَجلَيْن
إِثنَيْن: تقدّمي ورجعي، بَنَّاء وهدَّام، معطاء وأَنانيّ، قائِلاً:
(أَيٌّ منهما أَنت أَيُّها الشَّرق؟ أَنت رجُل الأَمس أَم رجل الغد؟.
السياسيّ يقول في سِرّه أريد أن أنتفع من أمّتي أَم إِنسانيّ غيور،
متحمّس، يهمس في سِرّه أتوق الى نفع أُمّتي؟).
ثم يضيف: (أَحاكم أَنت
يتصاغر من ولاَّه، ويستصغر من تولاّه، فلا يحرّك يداً إِلاَّ ليضعها في
جيوبهم ولا يخطو خطوةً إِلاَّ لطمعٍ بهم، أَم خادم أَمين يدير شؤون
الشعب ويسهر على مصالحه، ويسعى الى تحقيق أماني هذا الشعب؟).
إِنَّ بعض الحكّام
والمتعاطين السياسة عندنا همُّهم الأَوّل والأَوحد جمع المال،
والانتشاء بخمرة السُّلطة والمركز، وإِذلال الآخَر، وكلّ هذا على حسَاب
الشَّعب البائِس وخيره العام.
لقد مضى على هذا الكلام
الجبراني المفيد الذي أَوردناه قرابة مئة عام وكأنّه قيل البارحة وفي
ظروفنا الراهنة. فمتى يرعوي المسؤولون، ومتى نطبّق كلام جبران واقعاً
حيّاً ملموسَاً؟!
فأَين التجرّد والإِخلاص
والشهامة عند مَن يتولّون أمورنا وشؤوننا وشجوننا؟ وأين السعي الدَّؤوب
الى خدمة جميع المواطنين ومصالحهم؟ أَين أولئك الساسة الذين يعطون
لبنان أَكثر ممَّا يأَخذون منه؟.
لقد كان أَديبنا الكبير
هذا مؤمناً بالأُخوّة الشاملة، والعدالة، والحريَّة، ساعياً الى
المسَاواة والتضامن الإِجتماعي، وطمأنينة اللبنانيين ورفاهيّتهم، فراح
يتنكّر للظلم، والطمع، والكبرياء، وروح التفرقة قائِلاً:
(ويلٌ لأمّةٍ مقسَّمة الى أَجزاء، وكلّ جزء يحسب نفسه فيها أُمّة!).
أَليسَت هذه صورة صادقة
استشرفها جبران عن واقعنا السياسي في أَيامنا الحاضرة؟.
أَضِف الى ذلك أَنَّه في
كتابه (البدائع والطَّرائِف) إِنبرى يحاور السّاسة الفاشلين بلغة
مزدوجة واضحة:
(لكم لبنانكم، ولي لبناني:
لبنانكم موظَّفون،
وعمَّال، ومديرون،
أَمَّا لبناني فتأَهّبُ
الشباب، وعزم الكهولة، وحكمة الشيوخ.
فهل بين أَبنَاء لبنانكم
من يمثّل العزم في صخور لبنان،
أم النّبل في ارتفاع
جباله، أَم العذوبة في مائِه؟).
ويضيف:
(هل بينكم من يتجرّأ على القول: إذا مُتُّ تركت وطني أَفضل قليلاً ممّا
وجدته عندما وُلِدْت؟
هل بينكم أَيضاً من
يتجرّأ أَن يقول: لقد كانت حياتي قطرة من الدمّ في عروق لبنان، ودمعة
بين أَحضانِه، أَو ابتسامة على ثغره؟).
لم يُنكر جبران دور
المدراء والعمَّال وتأَثيرهم في المجتمع، ولكنَّه نَفَح السَّاسة
والمتعاطين الشأَن العام بروح الطّموح والحكمة، والشجاعة، وبَثَّ فيهم
ديناميّة الإِقدام والنبالة، والسَّخاء. وبكلمة: فإن أَديبنا المرموق
هذا عِوَض أَن يسيّس الأَدَب، أَدّبَ السياسة، فحرّرها ونقَّاها،
ورقَّاها، جاعلاً إِياها في خدمة الشَّعب ومصالحه الحيويّة، وإِنماءِ
المواطن اللبناني ومناطقه اللبنانيّة كافَّةً.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م