|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
جبران خليل جبران (1883 - 1931)
لكم لبنانكم و لي لبناني
لكم لبنانكم و معضلاته ،
و لي لبناني وجماله .
لكم لبنانكم بكل ما فيه
من الأغراض و المنازع ، ولي لبناني بما فيه من الأحلام و الأماني .
لكم لبنانكم فاقنعوا به
، ولي لبناني و أنا لا أقنع بغير المجرد المطلق .
لبنانكم عقدة سياسية
تحاول حلها الأيام ، أما لبناني فتلول تتعالى بهيبة و جلال نحو ازرقاق
السماء .
لبنانكم مشكلة دولية
تتقاذفها الليالي ، أما لبناني فأودية هادئة سحرية تتموج في جنباتها
رنات الأجراس و أغاني السواقي .
لبنانكم صراع بين رجل
جاء من المغرب و رجل جاء من الجنوب ، أما لبناتي فصلاة مجنحة ترفرف
صباحاً عندما يقود الرعاة قطعانهم إلى المروج ووتصاعد مساء عندما يعود
الفلاحون من الحقول و الكروم .
لبنانكم حكومات ذات رؤوس
لا عداد لها ، أما لبناني فجبل رهيب وديع جالس بين البحر و السهول جلوس
شاعر بين الأبدية و الأبدية .
لبنانكم حيلة يستخدمها
الثعلب عندما يلتقي الضبع و الضبع حينما يجتمع بالذئب ، أما لبناني
فتذكارات تعيد على مسمعي أهازيج الفتيات في الليالي المقمرة و أغاني
الصبايا بين البيادر و المعاصر .
لبنانكم مربعات شطرنج
بين رئيس دين و قائد جيش . أما لبناني فمعبد أدخله بالروح عندما أمل
النظر إلى وجه هذه المدينة السائرة على الدواليب .
لبنانكم رجلان : رجل
يؤدي المكوس و رجل يقبضها ، أما لبناني فرجل فرد متكئ على ساعده في
ظلال الأرز و هو منصرف عن كل شئ سوى الله و نور الشمس .
لبنانكم مرافئ و بريد و
تجارة ، أما لبناني ففكرة بعيدة و عاطفة مشتعلة و كلمة علوية تهمسها
الأرض في أذن الفضاء .
لبنانكم موظفون و عمال و
مديرون ، أما لبناني فتأهب الشباب و عزم و حكمة الشيخوخة .
لبنانكم وفود و لجان ،
أما لبناني فمجالس حول المواقد في ليال تغمرها هيبة العواصف و يجللها
طهر الثلوج .
لبنانكم طوائف و أحزاب ،
أما لبناني فصبية يتسلقون الصخور و يركضون مع الجداول و يقذفون الأكر
في الساحات .
لبنانكم خطب و محاضرات و
مناقشات ، أما لبناني فتغريد الشحارير ، و حفيف أغصان الحور و السنديان
، ورجع صدى النايات في المغاور و الكهوف .
لبنانكم كذب يحتجب وراء
نقاب من الذكاء المستعار ، و رياء يختبئ في رداء من التقليد و التصنع ،
أما لبناني فحقيقة بسيطة عارية إذا نظرت في حوض ماء ما رأت غير وجهها
الهادئ و ملامحها المنبسطة .
لبنانكم شرائع و بنود و
أوراق ، و عقود و عهود في دفاتر ، أما لبناني ففطرة في أسرار الحياة و
هي لا تعلم أنها تعلم ، و شوق يلامس في اليقظة أذيال الغيب و يظن نفسه
في منام .
لبنانكم شيخ قابض على
لحيته ، قاطب ما بين عينيه و لا يفكر إلا بذاته ، أما لبناني ففتى
ينتصب كالبرج ، و يبتسم كالصباح ، و يشعر بسواه شعوره بنفسه .
لبنانكم ينفصل آناً عن
سوريا و يتصل بها آونة ثم يحتال على طرفيه ليكون بين معقود و محلول ،
أما لبناني فلا يتصل و لا ينفصل و لا يتفوق و لا يتصاغر .
لكم لبنانكم و لي لبناني
لكم لبنانكم و أبناؤه و
لي لبناني و أبناؤه .
و من يا ترى أبناء
لبنانكم ؟
ألا فانظروا هنيهة
لأريكم حقيقتكم .
هم الذين ولدت أرواحهم
في مستشفيات الغربيين .
هم الذين استيقظت عقولهم
في حضن طامع يمثل دورا أريحي .
هم تلك القضبان اللينة
التي تميل إلى اليمين و اليسار و لكن بدون إرادة ، و ترتعش في الصباح و
في المساء و لكنها لا تدري ترتعش .
هم تلك السفينة التي
تصارع الأمواج و هي بدون دفة و لا شراع ، أما ربانها فالتردد و أما
مينائها فكهف تسكنه الغيلان – أوليست كل عاصمة في أوروبا كهف للغيلان
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
هم الأشداء الفصحاء
البلغاء و لكن بعضهم لدى البعض ، و الضعفاء الخرسان أمام الإفرنج .
هم الأحرار المصلحون
المتحمسون و لكن في صحفهم و فوق منابرهم ، و المنقادون الرجعيون أمام
الغربيين .
هم اللذين يضجون
كالضفادع قائلين : لقد تملصنا من عدونا الطاغية القديم ، و عدوهم
القديم الطاغية ما برح يختبئ في أجسادهم .
هم الذين يسيرون أمام
الجنازة مزمرين راقصين ، حتى إذا ما التقوا موكب العرس تحول تزميرهم
إلى نواح و رقصهم إلى قرع الصدور و شق الأثواب .
هم اللذين لا يعرفون
المجاعة إلا إذا كانت في جيوبهم ، فإذا ما التقوا من كانت مجاعته في
روحه ضحكوا منه و تحولوا عنه قائلين : ما هذا سوى خيال يسير في عالم
الأخيلة .
هم أولئك العبيد الذين
تبدل الأيام قيودهم المصدأة بقيود لامعة فيظنون أنهم أصبحوا أحرارا
مطلقين .
هؤلاء هم أبناء لبنانكم
، فهل بينهم من يمثل العزم في صخور لبنان أم النبل في ارتفاعه أم
العذوبة في مائه أم العطر في هوائه ؟؟؟ هل بينهم من يتجرأ أن يقول :
إذا ما مت تركت وطني أفضل قليلا مما وجدته عندما ولدت ؟؟؟ هل بينهم من
يتجرأ أن يقول : لقد كانت حياتي قطرة من الدم في عروق لبنان أو دمعة
بين أجفانه أو ابتسامة على ثغره ؟؟؟؟؟؟؟؟
هؤلاء هم أبناء لبنانكم
، فما أكبرهم في عيونكم و ما أصغرهم في عيوني !!!!!!!!!!!!!
و لكن قفوا قليلاً و
أنظروا لأريكم أبناء لبناني :
هم الفلاحون الذين
يحولون الوعر إلى حدائق و بساتين .
هم الرعاة الذين يقودون
قطعانهم من واد إلى واد فتنموا و تتكاثر و تعطيكم لحومها غذاء و صوفها
رداء .
هم الكرامون الذين
يعصرون العنب خمراً و يعقدون الخمر دبساً .
هم الآباء الذين يربون
أنصاب التوت و الأمهات اللواتي يغزلن الحرير .
هم الرجال الذين يحصدون
الزرع و الزوجات اللواتي يجمعن الأغمار .
هم البناؤون و الفخارون
و الحائكون و صانعوا الأجراس و النواقيس .
هم الشعراء الذين يكسبون
أرواحهم في كؤوس جديدة ، و هم شعراء الفطرة الذين ينشدون العتابا و
المعنى و الزجل .
هم اللذين يغادرون لبنان
و ليس لهم سوى حماسة في قلوبهم و عزم في سواعدهم و يعودون إليه و خيرات
الأرض في أكفهم و أكاليل الغار في رؤوسهم .
هم اللذين يتغلبون على
محيطهم أينما حلوا و يجتذبون القلوب إليهم أينما وجدوا .
هم اللذين يولدون في
الأكواخ و يموتون في قصور العلم . هؤلاء هم أبناء لبنان . هؤلاء هو
السراج التي لا تطفئها الرياح و الملح الذي لا تفسده الدهور .
هؤلاء هم السائرون
بأقدام ثابتة نحو الحقيقة و الجمال و الكمال .
ماذا عسى أن يبقى من
لبنانكم و أبناء لبنانكم بعد مئة عام ؟؟؟ أخبروني – ماذا تتركون للغد
سوى الدعوى و التلفيق و البلادة ؟ هل تحسبون أن الزمن يحفظ في ذاكرته
مظاهر الخداع و المداهنة و التدليس ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أتظنون أن الأثير يخزن
في جيوبه أشباح الموت و أنفاس القبور ؟ أتتوهمون أن الحياة تستر جسدها
العاري بالخرق البالية؟ أقول لكم و الحق شاهد علي إن نصبة الزيتون التي
يغرسها القروي في سفح لبنان لأبقى من جميع أعمالكم و مآتيكم ، و
المحراث الخشبي الذي تجره العجول في منعطفات لبنان لأشرف و أنبل من كل
أمانيكم و مطامعكم . أقول لكم و ضمير الوجود صاغ إلي إن أغنية جامعة
البقول بين هضبات لبنان لأطول و أعمر من كل ما يقوله أوجه و أضخم ثرثار
بينكم . أقول لكم إنكم لستم على شيء .و لو كنتم تعلمون أنكم لستم على
شيء لتحول اشمئزازي منكم إلى شكل من العطف و الحنان ، و لكنكم لا
تعلمون .
لكم لبنانكم و لي لبناني
لكم لبنانكم وأبناء
لبنانكم فاقتنعوا به و بهم إن استطعتم الاقتناع بالفقاقيع الفارغة ،
أما أنا فمقتنع بلبناني و أبنائه و في اقتناعي عذوبة و سكينة و طمأنينة
.
هذا ما قاله جبران خليل
جبران منذ ما يقرب من مئة عام و كانه يكتبه لهذا الزمان !!!!!!!!!!!
و السؤال الأن ما بقيي
من لبنانهم و ما بقيي من لبنان جبران ؟؟؟؟؟؟؟
و هل ترون معي أنه هناك
ما زاد على لبنانهم و على لبنان جبران !!!!!!!!!!!! --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م