|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
حشرات محفوظة داخل الكهرمان(العنبر)
للحشرات طريقة فريدة في حماية تاريخه سانتو دومينغو. وهي من أقدم المدن في الأمريكيتين.
وصل كرستوفر كولومبوس إلى جزر الاسبانيولا عام ألف وأربعمائة واثنين وتسعين.
وكان يدرك من اليوم الأول أنه سيعثر على كنوز لا تقدر بثمن لأن السكان أهدوه حذاء زين بقطع من الكهرمان.
ومن المفارقة تمثاله يبدو وكأنه يؤشر نحو اتجاه متحف الكهرمان.
يعتبر هذا المتحف من أشهر الأماكن التي تجلب السياح في سانتو دومينغو.
يصنع الناس الحلي من الكهرمان منذ زمن بعيد. وقد اعتبر الكهرمان دائما من شبه الحجارة الكريمة. معه أنه في الواقع من البوليمير أي أنه من البلاستيك الطبيعي ناعم الملمس غني بلمعان الذهب.
تعرض في الطابق الثاني مجموعة سينيور كاريداد الرائعة، وهي تحمل اسم صاحب هذا المتحف.
جميع قطع الكهرمان هنا تحتوي على أحافير مدهشة، تشكل الحشرات عددا كبيرا منها.
بدأ العلماء في أواسط القرن التاسع عشر البحث في مزايا الحفظ لدى الكهرمان.
شجرة الغارّوبو، كان أجداد هذه الأشجار قبل عشرين مليون عام تسيطر على غالبية الغابات المنتشرة في الجزيرة. كل ما نجده اليوم من كهرمان هو من مشتقات نسغ هذه الأشجار القديمة.
كان هذا مشهد يومي منذ ملايين السنين في غابات الغارّوبو العظيمة.
تخرج سلحفاة من سكان لحى الشجر من الجحر لتقوم بدورية حول منطقة نفوذها.
على مسافة أعلى بقليل حطمت الرياح أحد الجذوع.
انساب النسغ من غصن الشجرة ليضمد جرحها، ومنع الحشرات من اختراقها.
سرعان ما تتحول قطرات السائل إلى تدفق يجرف معه أولى الضحايا. حشد من النمل يستعمل جذع الشجرة طريقا له. وقد فوجئت جميعها بتدفق النسغ.
غرقت جميعها لتشكل حشدا من العمالة علقت إلى الأبد بتشكيلة مسيرتها. جاء الدبور على رائحة النسغ المحلى، ليبالغ باقترابه من المصيدة اللزجة. أخذ النسغ يتصلب مباشرة حال اتصاله بالهواء.
ثم وقعت حادثة عجيبة فعلا. تمكنت مادة النسغ الحافظة من اختراق جسم الحشرة لتدمر كل ما فيها من جراثيم ومكروبات.
كما أزيل أي أثر للرطوبة والماء، لتجفف الحشرة كليا ليتوقف التلف في أنسجتها كليا.
لهذا يتم العثور على حشرات حساسة كذبابة مايو دون أن يصيبها أي تلف منذ ملايين السنين. لا تنتج الأشجار الحديثة وفرة من النسغ كتلك القديمة منها، ولكن الكهرمان يصنع بالطريقة نفسها. الجزيئات في قطعة الكهرمان هذه بدأت تنصهر، ولكنها ستستغرق بضع ملايين من السنين لتصبح بصلابة الكهرمان.
سرعان ما يغطي الغبار والفضلات هذا النسغ. تنجرف بعض القطع مع المياه نحو قاع النهر أو حتى نحو البحر، لتجثو مع الزمن تحت أطنان من الرواسب.
ولكن المدهش في الأمر هو أننا عادة ما نعثر على الكهرمان في الجبال.
رغم دفن الكهرمان إلا أننا نجبر على التسلق للعثور عليه.
تشكلت هذه الجبال بقوة جيولوجية فرفعت قاع البحر وطبقات الرواسب التي علق الكهرمان في ثناياها.
أحيانا ما يستخرج الكهرمان من حفر مناجم مفتوحة، ولكن شق الرواسب هنا يمر عبر هذا الجبل.
وأحيانا ما يحفر عمال المناجم أكثر من مائة متر لبلوغه. إنه عمل شاق كثيرا ما يتم وسط أجواء من السخونة والرطوبة. مع زيادة عمق النفق يصبح الأكسجين نادر جدا، ولكن إغراء الكهرمان قوي جدا.
يمكن أن ترى بأن كل شيء هنا يتم يدويا، لأن ارتجاج الآلات قد يحطم الكهرمان.
الحشرات التي اختفت منذ زمن بعيد، عادت لتنبعث مجددا.
ما تراعه هنا هو اللحى وخنافس عطر الآلهة. ولا غرابة في ذلك، لأن هدف غالبية النسغ النازف من أشجار الغارّوبو هو التحكم بآلة الحفر هذه.
ما زال أحفاد تلك الخنافس يمضون حياتهم في الحفر تحت اللحى أو داخل جذوع الشجر.
وأحيانا ما يمتطيها النمل الأبيض للتنقل مجانا من شجرة إلى أخرى.
تكشف كل قطعة كهرمان نوعا مختلفا من الحشرات التي كانت تعيش في الماضي على شجر الغارّوبو، هذا يعسوب ينتظر في كمينه.
وعلى مسافة قريبة من الجذور تجر أم أربعة وأربعين فريستها.
وعنكبوت ينسج خيوطه على غصن صغير. وعلى مسافة قريبة تقلع إحدى الذبابات. ضارية تحس بارتجاج في الهواء. إنها ذبابة تقترب لتحط في الشبكة. ينقض العنكبوت على فريسته بلمح البصر. تحط أشعة الشمس على بعوضتي جرجسة في رقصة التزاوج. ذكور وإناث في مطاردة وإغواء متبادل، فزواج، أبدي خالد. عندما ندرس الحشرات في الكهرمان ندرك أن بعضا منها كان متقدما على عصره. لنأخذ النحل الخالي من اللسعات. كانت تبني مدنها منذ عشرين مليون عام.
وما زالت تستعمل النسغ في صنع البنية الهائلة لأعشاشها.
وقد كان أجدادها يستعملون مثلها نسغ الشجر نفسه، ما يؤكد ذلك هو العثور على الكثير منها عالقا في النسغ.
لم يكن جمع النسغ بالمهمة السهلة ذلك أن كثيرا من الضواري كانت تطوف حول برك النسغ هذه.
ربما كانت أشدها سوءا البقة القاتلة، كانت هذه الحشرة تبلل قوائمها الأمامية بالنسغ وما عليها بعد ذلك سوى الإمساك بالنحلة المسكينة بقوائمها اللاصقة وطعنها بمنقارها المدبب. المدهش في الأمر هو أن بعض البق القاتل ما زال يتبع هذا التكتيك حتى هذا اليوم.
وهي أحيانا ما تتخذ موقعا لها على مدخل قفير نحل لا يلسع. وهكذا تستطيع القضاء على قفير بكامله لأن النحل يصبح ضعيفا عند الإقلاع والهبوط.
ولكن لدى البق القاتل خدعة أخرى تحت أكمامه.
النحل العالق في الشبكة مرتعب. لهذا تطلق مادة كيميائية تحذر غيرها من النحل.
ولكن البقة القاتلة تعرف هذه الرائحة أيضا، لهذا تسرع في دخول الشبكة للحصول على وجبة سهلة.
قد يشك المرء في استغراق البقة القاتلة ملايين السنين للتعرف على هذه الرائحة، ولكن الكهرمان يساعد على إثبات ذلك.
تمنح حشرات الكهرمان معلومات قيمة عن الغابات الاستوائية القديمة التي كانت تسكنها.
لنأخذ عمل المخرمات الرائع هذا، إنه جناح أنثى ذبابة هائلة.
يشكل هذا دليلا على وجود البروملياد في الجزر الإسبانية، لأن أسلافها المعاصرة لا تضع البيض إلا في مياه مخزون أوراق هذه النباتات.
كما يمكن لجزيئات النبات أن تثبت وجود بعض الحشرات المحددة.
تؤكد زهور السنط المحفوظة في الكهرمان أن نمل الميرمكس المزيف قد وجد حينها، لأنها كانت دائما تعيش في أشجار السنط.
يمكن القول أن الحياة الاجتماعية للنمل بدأت منذ أكثر من عشرين مليون عام، كما يثبت هؤلاء الجنود الشجعان الذين ماتوا في ساحات القتال بشرف.
تركت متجانسة الأجنحة هذه ميراث صلب لأحفادها من هواة الشمع فعبرت آلاف السنين دون أن تفقد ريشة منها.
تكشف الحشرات التي تجدها في الكهرمان عن نجاحها الفائق ومراحل من الفشل التي رافقت تطورها.
يمكن القول أن غالبية الحشرات التي تجدها اليوم في الكهرمان قد اختفت وذهبت، ضحية الانقراض الجماعي. ربما بدأت الكارثة بمتغيرات مناخية. أو ربما باجتياح أنواع منافسة من القارة.
من المحتمل جدا أن تكون الحشرات التي تتأثر بأدنى تغيير هي الأولى في الانقراض.
وقد شكل غيابها بداية لعملية سيطرة جديدة. أدى انقراض الملقحات إلى انحدار عدد كبير من النباتات التي سرعان ما ساهمت بتعثر نظام بيئي بكامله.
حتى أشجار الغارّوبو قد اختفت مخلفة وراءها آلاف الحشرات المنقرضة والمتجمدة في كهرمان للأجيال القادمة.
وهكذا وجدت الضواري المتخصصة بين ليلة وضحاها كالبق القاتل الذي يعيش على النحل الغير لاسع أن ليس لديه غذاء.
أدى اختفاء هذه الحشرات جميعها أيضا إلى عواقب وخيمة على الزواحف والطيور وغيرها من الثدييات آكلات الحشرات في الجزيرة.
تسبب النشاطات البشرية اليوم مرحلة انقراض جماعية أخرى أشد وأكثر ضررا من بعض الكوارث الطبيعية السابقة.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م