|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
الحياة على شجرة
الأمازون، كاتدرائية خضراء هائلة، يعتبرها علماء الأحياء غابة أسطورية لا تتعب من استكشافها، ومكان تعتمد فيه على المفاجآت.
ولا شك أن عالم حشرات يعتبره أشبه بمنجم للذهب.
هناك ما يزيد عن مليون نوع من الحشرات هنا، وربما كانت أكثر.
أما بالنسبة لسر هذه الوفرة، فيكمن بالشجرة. يمكن أن تجد على كل شجرة من هذه مئات من النفصلّيات التي تمثل أكثر من ألف نوع مختلف.
ليس من السهل الوصول إلى الأمازون، فالزوارق هي طريقة النقل الوحيدة في هذا الجزء البرواني. هناك زوارق ملاحة كبيرة تعبر الأمازون نحو البرازيل.
تسجل هذه المنطقة رقما قياسيا في تنوع الأشجار، إذ يمكن في أكر واحد من الغابة العثور على ثلاثمائة نوع منها، أي ما يقارب نصف الأنواع المتوفرة في الولايات المتحدة بكاملها.
تسكن المفصليات هنا في أجواء تبلغ فيها الرطوبة مستوى مائة بالمائة لكثافة الخضرة من حولها.
تسكن عقارب السوط عديمة الذيل، أو أمبلي بيجي في الكهوف مع أنها عادة ما تجد في أخاديد جذوع الأشجار ظروفا من الرطوبة شبيهة جدا بكهوفها.
وهي تستريح نهارا وتتسلل مع غروب الشمس لتطوف المناطق السفلية لمدينة الشجرة. لا تعاني هذه الضواري من خطر الجوع حتى عند أسفل الشجرة، فتحت الفضلات هناك عالم يزدحم بالحشرات المنهمكة في العمل طوال اليوم.
يصل طول الحشرة بلابيروس جيغانتيوس إلى ثلاثة إنشات، وهي تتغذى على الفضلات والعضويات الفاسدة. هناك عضو آخر من مجتمع هائل من آكلات الفضلات التي تسكن تحت الأشجار، ومن بينها الدودة الألفية والنمل الأبيض والبني وصرصار المنشار.
تكمن مهمتها بإتلاف ما يسقط من أوراق وأغصان وورود وحشرات ميتة تسقط نحو التربة التي تغذي الشجرة.
أنجزت محطة التحويل والتدوير هذه عبر ملايين السنين من التطور، وهي فعالة جدا لدرجة أنها تمكن التربة الفقيرة والخفيفة في البلدان الاستوائية من دعم وتغذية هذه العمالقة القديمة.
بق اللحى. قد لا تراها ، وهذا أمر طبيعي، لأن جسمها مسطح كصفحة الورق، كما أنها تقلد ملامح ولون لحى الشجر تماما.
يعتبر بق اللحى كغالبية المفصليات الأخرى التي تسكن جذوع الشجر بارعا في فن التمويه. ولكن التمويه لديه يمتاز بصفة إضافية. عند انسياب المطر على الجذوع لتصبح اللحى داكنة، يكتسي هذا البق أيضا لونه الداكن. فالغلاف الخارجي لهيكل الحشرات الأخرى ضد الماء، أما بق اللحى فهو يمتص الماء لهذا ينجح التمويه لديها بامتياز.
يجب أن نتخيل طبعا بأن وفرة النسغ في الجذوع تجلب الكثير من الحشرات، لهذا نستطيع هنا اكتشاف أشياء مدهشة.
خنفساء الدمى. ليست مجرد خنفساء عادية. هذه الخنفساء أشبه بوسيلة النقل العام في المدينة. أو ما قد نسميه بحافلة النقل العام أو خنفساء النقل العام. والحقيقة أن خنفساء الدمى تنقل ركابا غرباء جدا، هي شبه العقارب.
عادة ما تسكن شبه العقارب تحت اللحى، ولكن الإناث منها تحب التسلل إلى ما تحت أجنحة الخنفساء عندما تحط قريبا منها. وهي تجد هناك كثير من العث والقرادة لأكلها. ولكنها تقدر جدا فرصة السفر لرؤية العالم. فهي تتمسك بارتياح هناك بانتظار لحظة الإقلاع.
أخيرا وليس أخرا يشكل الجذع نظاما للمواصلات نحو أعالي المدينة.
يبني النمل الأبيض على جذوع الأشجار الاستوائية أنفاقا من التربة والفضلات واللعاب.
تربط هذه الأنفاق مناطق صيدها تحت الأرض بمدينتها الهائلة في أعالي الشجر. تشيد أنواع من النمل بيوتها على الأرض كما هو حال قاطعات ورق الشجر التي تشيد طريقا شاسعا على الجذوع حيث تنقل الورق لاستعماله كجزء من الفطريات التي تفضل أكلها.
ما نراه الآن هو جزء بسيط من شبكة طرقات معقدة، تأخذ بالتفرع في وسط الشجر لتصبح طرقات ثانوية حول الأغصان الصغيرة، وصولا إلى أعالي الشجر.
هذا عالم غريب معلق في الهواء، هو عالم لا تستطيع الغالبية منا إلاّ تخيله. يقع أعالي الشجرة على ارتفاع مائة وثلاثين قدم على الأقل. وهي مسافة عالية لغالبية الناس. لا يكتفي بعض الباحثين بالتخيل فحسب بل يجدون سبلا للوصول إلى هناك.
لا يزدحم أعالي الشجر بالكائنات ولكنه مسكون بأنواع حشرات مختلفة. قد نجد حوالي ألف ومائتي نوع من الخنافس على شجرة واحدة في باناما، ما يوازي سدس جميع أنواع الخنافس المنتشرة في كندا، ثاني أكبر بلدان العالم مساحة. نجد في وفرة النباتات في أعالي الشجر جزءا من أسباب هذا التنوع. عادة ما يتطور الحيوان من جذوره البدائية حين يجد نفسه معزولا أمام عدد من الحواجز البيئية. أما في غابات المطر فهذه الحواجز هي النبات.
كل نبات هنا يشكل جزيرة تتمتع بأنواع خاصة تسكنها.
أي أن الحشرات في الأعالي تسكن بجوار بعضها البعض، ولكن لكل منها غرفة خاصة به.
بروميلياد، بروملياد، تعتبر البروملياد من أفضل المناطق السكنية في كبرى المدن المعلقة.
بالبروملياد وهي نباتات تعيش على أغصان الشجر، وهي تمتص الغذاء من الهواء والمطر.
تشكل هذه النباتات حدائق معلقة رائعة في غابات الأمازون لتثير إعجاب علماء الحشرات ذلك أنها مسكونة بأعداد ضئيلة ومميزة من السكان.
تؤلف التشكيلات الوردية لأوراقها أنواع مختلفة من الأحواض التي تجمع فيها مياه المطر.
يمكن لنبتة البروملياد أن تجمع حوالي غالونين من الماء. ما يوحي بأن هذه الحدائق المعلقة أشبه بمستنقعات صغيرة.
لا شك أن هذه البيئة تجلب الضواري أيضا، من أشدها إثارة للدهشة يرقة اليعسوب. لن نعثر على يرقة الحشرات فحسب في هذه البروملياد، بل سنجد الشرغوف أيضا. والحقيقة أن كثير من سكان هذه المدينة المعلقة يعتبرون البروملياد حضانة لإنجاب الصغار وتنشئتها.
والحقيقة أن العلماء ما زالوا في بداية أبحاث هذه الحدائق المعلقة، مع أنهم فتحوا الآن آفاق جديدة.
قد نكتشف أن هناك ثلاثين مليون نوع من الحشرات على وجه الأرض، يمكن العثور هنا على كثير منها على ارتفاع مائة وثلاثين قدم عن سطح الأرض. تمكن العلماء من تحديد مليون وأربعمائة ألف نوع من الحيوانات والنباتات حتى الآن.
يعيش أربعين بالمائة من النباتات والحيوانات في أعالي الأشجار التي تعتبرها موطن لها.
تعتبر أعالي الأشجار مهد حقيقي للمخلوقات.
يوجد عدة أنواع هنا قد يبدو الفرد منها في حالة من الفوضى، ولكن تحت هذه الحالة من الفوضى لا شك في سيادة القانون والنظام الطبيعي الذي لا نفهمه حتى الآن.
من المحتمل أن تختبئ هنا في أعالي الأشجار بعضا من أهم أسرار الحياة. هذا هو المكان الذي تستطيع أن تبدأ منه محاولة فهم التوصل إلى هذا التنوع رغم شح المواد الخام.
لا شك أن الأجيال القادمة ستفخر جدا في تكريس علماء الحشرات مزيدا من الجهود في الحفاظ على هذا التنوع من الخليقة الذي يتجسد في الحياة على شجرة واحدة.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م