لغتنا تواكب العصر

عصابات الحشرات

عصابات الحشرات غالبية الحيوانات والنباتات في مدغشقر فريدة، في هذه الجزيرة الغريبة التي انفصلت عن بقية الكوكب منذ ملايين السنين، يمكن القول فعلا أنها في نهاية العالم.           انطلقت جزيرة مدغشقر بكاملها في رحلة منفردة قبل خمسة وستين مليون عام. انفصلت قطعة أرض مساحتها ثلاثمائة كيلومتر مربع عن القارة الخارقة التي ربطت بين أمريكا الجنوبية وأفريقيا والهند وأستراليا.           هكذا ولدت مدغشقر، لتصبح أكبر جزيرة في كوكب الأرض.           مع ملئ البحر للفراغ الشاغر امتدت مساحات المياه لتبلغ مائتين وخمسين ميل.           يبدو أن الحيوانات والنباتات في هذه الجزيرة أشبه بسفينة نوح، لم تتنبه إلى سيرها نحو وجهات جديدة في بحر شاسع من التطور الطبيعي.           تطورت غالبية الكائنات هنا دون مواجهة نفس الظروف المحيطة بأقاربها على أراضي القارة.           هذا ما ينطبق بشكل خاص على الحشرات التي يمكن القول أن خمسة وتسعين بالمائة منها لا توجد إلا في مدغشقر.           سوسة عنق الزرافة أحد أغرب الحشرات في مدغشقر.           الحقيقة أن ذكور هذه الحشرة وحدهم يتمتعون بهذا العنق، ولا يعرف ما هو السبب.           يعرف أن الزرافات تستعين بأعناقها لبلوغ أوراق الشجر العالية، فهي حيوان نباتي، أما هذه السوسة فهي تستطيع التسلق بسهولة إلى الأوراق التي تريد قضمها.           وما عليها سوى حني رأسها لتأكل ما تشاء منها.           هناك مسألة مؤكدة وهي أن الزرافة لا تستطيع الفوز بأي جائزة على الكفاءة في تصميمها الجوي، مع أنها تستطيع التحليق بسرعة مدهشة.           هناك عدة أنواع من السوس في مدغشقر، تنفرد الجزيرة بتسعة وتسعين منها، لهذا فهي مطلوبة جدا من قبل العلماء وهواة جمع الحشرات.           تغطي الشعيرات جسم ما يعرف بسوس الأشنة لتمنحها قدرة مناسبة على التمويه في تحركها بين النباتات.           يقول المثل الشائع هناك أن شخصا يحمل السوسة يستطيع سرقة ثور جاره دون أن يراه أحد.           تعتبر السحلية مع قريبتها الحرباء من سادة التمويه.           يمكن للحرباء أن تصطاد الحشرة بلسانها بأقل من ربع ثانية. ولكن هجمات السرعوف لا تقل دقة كما لا تستغرق هجماته أكثر من واحد على عشرين من الثانية.           يمكن للحشرات أن تتغلب علينا في تناول الأطعمة السريعة.           هذا هو سيد التمويه، الحشرة العُصيّة. لا يمكن العثور على هذا النوع إلا في مدغشقر، يحتاج العثور عليه إلى كثير من الصبر والبحث بين أغصان الشجر، الواحد تلو الآخر. يتسلق الذكر ظهر الأنثى، مع أنها أكبر منه حجما، لا بد أن المسكين واجه صعوبة كبيرة في العثور عليها.       في المناطق الأشد جفافا من الجزيرة تأقلم التدرُج مع النباتات الشائكة، فهو أقل ألوانا تغطيه الأشواك.كما أن الأشواك لا تشجع الضواري على التهامه، بل يجعلها تفكر مرتين قبل ابتلاك قطعة من الأسلاك الشائكة.           الحقيقة أن أجمل حشرات العُصيّة تلونا في العالم تسكن في هذه الجزيرة. ولكنها ليست النجوم اللامعة الوحيدة في مدغشقر.           هناك أعداد من الورود في مدغشقر تفوق أي مكان آخر من العالم. تضم جزيرة الورود هذه ما لا يقل عن اثني عشر ألف نوع من النباتات المزهرة والسحلبية.           هذه حشرات سعيدة بلا شك، فهي لا تعاني من نقص في اللقاح والرحيق في الجوار.           المخلوقات الرائعة هي خنافس الورود، فهي تشرب الرحيق وتأكل اللقاح، كما تمتص وتلعق وتأكل الثمار الناضجة.           الفراشات هنا متخصصة بالرحيق، تأوي مدغشقر أربعة آلاف نوع من الفراشات البشّارة، وثلاثمائة نوع من الفراشات الأخرى.           جاءت عدة أنواع من فراشات مدغشقر أصلا من القارة الأفريقية، راكبة تيارات الريح لعبور أربعمائة كيلومتر من قناة موزمبيق لتحط هنا.           إن أكبر وأجمل فراشة في مدغشقر. الأنتينور.           لا أحد يعرف كيف وصلت إلى هناك.           الأنتينور ليست أفريقية الأصل.           ولكنها شبيهة جدا بفراشة جناح العصفور الكبيرة الحجم والتي تسكن جنوب شرق آسيا. لم يعرف كيف تمكن أجدادها من عبور المحيط الهندي والوصول إلى مدغشقر.           هذا سر ما زال غامضا. &إن دودة الألفية لا توجد إلا في مدغشقر وحدها. إنها مخلوقات لا تسبب الأذى بل تمضي أيامها في أكل الطحالب وغيرها من المواد النباتية البالية.           عندما ندعها وشأنها لبعض الوقت ستفتح مباشرة وهي في أيدينا.           تحمي هذه المخلوقات أنفسها بالتكور لتصبح قادرة على الاختباء في قشرتها.           بدأ كل شيء عام ألف وتسعمائة وأربعة، حين دهش داروين بالأشكال الغريبة لبعض السحالب في مدغشقر.           استنتج داروين أنه لا بد من وجود الفراشات البشّارة التي تتمتع بمناقير طويلة بما يكفي لبلوغ عمق الرحيق، سميت بالمتوقعة.           وبعد عام من ذلك عثروا على فراشة سفينكس في مدغشقر طول منقارها اثني عشر إنشا. فسميت بالمتوقعة تقديرا لتوقعات داروين.           الأرغيما تعتبر من أكبر فراشات البشّارة المنتمية لفصيلة ساتورنيدي في مدغشقر. يتغذى يسروع الأرغيما على عدة أنواع من النباتات، لهذا لم تعاني هذه الفراشة كثيرا من تدمير الغابات في تلك الجزيرة.           ولكن كبرى الفراشات تتواجد في الغابات الاستوائية الكبرى.           بعد خروجها من الشرنقة لا تستغرق أكثر من ساعتين فقط لإطلاق جناحيها عبر مساحة تفوق ثمانية إنشات لتعرف بفراشة أرغيما أو المذنبة، يبدو أنها اكتسبت الاسم عن جدارة.           من البيضة إلى يسروع، ومن يسروع إلى شرنقة، تحتاج الطبيعة إلى أكثر من عام لتطوير هذه الفراشة الهائلة. وهي لا تستطيع الأكل، ولن تعيش أكثر من خمسة أيام.           مدغشقر الفريدة في أحيائها مهددة اليوم بفناء جميع كائناتها الطبيعية.           يبقى هناك أمل كبير معلق على السياحة البيئية المهتمة بهذه الغابات الشاسعة، لأن مستقبل الغابات يضمن مستقبلا لجميع الأنواع المقيمة على أرض الجزيرة بما في ذلك البشر.   --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل