اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 الرادارات
 

 

مازالت النكبة موضوعا حيويا للتفكير السياسي العربي برغم مرور أكثر من نصف قرن عليها. وربما يعكس اهتمام المفكرين العرب بهذا الموضوع اعتبارهم هذا الحدث الكبير محورا أساسيا في التاريخ العربي الحديث..

حجب التفكير بالنكبة كثيرا من الوقائع أكثر بكثير مما أظهر منها، فحكى جانبا من الرواية وسكت عن جانب آخر منها، لأغراض متباينة، وهكذا أحيل فعل النكبة إلى عملية مؤامرة على العرب، أو إلى جهود أطراف خارجية، أو إلى فرص أضاعها العرب سواء في تعاطيهم مع القوى النافذة على الصعيد الدولي أو في عدم أخذ ما يمكن أخذه؛ ومثال ذلك قرار التقسيم الذي يقبل، العرب والفلسطينيون خاصة، بما هو أقل منه الآن، وبعد خمسين عاما من الصراع الطويل والمرير!.

وطوال العقود الماضية، استمرأ معظم المفكرين الحديث عن المؤامرة ودور العامل الخارجي، والفرص الضائعة، ولكن قلة منهم تحدثوا عن النكبة بمعناها الحقيقي والشامل، كاشفين عن دور العوامل الذاتية، الداخلية، التي أدت إلى حصول النكبة، وإلى استفحالها واستمرارها، والتي من ضمنها: تخلف البني الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية العربية، وضعف البني المؤسساتية، وغياب أو تغييب دور القوى الاجتماعية، في مواجهة مجتمع حديث، يعتبر جزءا من الغرب وامتدادا له، بكل ما يعنيه ذلك، وبما يمثله من قيمة مضافة بالنسبة إلى إسرائيل، كما فعل قسطنطين زريق ووليد الخالدي. أما حديث المؤامرة فيكشف زيفها كثرة الوثائق والوقائع التي تؤكد معرفة الرأي العام العربي والفلسطيني، بمخططات بريطانيا والحركة الصهيونية، بدءا من نشاطات هرتزل والمؤتمرات الصهيونية، مرورا بوعد بلفور ودعم الدولة المنتدبة (بريطانيا) للنشاط الصهيوني، وصولا إلى هجرة اليهود وتزايد النشاط الاستيطاني في فلسطين والذي تجسد في مؤسسات سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية، وهو ما يفضح ضعف الاستعداد العربي لمواجهة هذه المخططات، على مختلف المستويات، ومن ضمنها المستويين السياسي والعسكري، كما يكشف "السكوت"، الضمني لبعض زعامات الاستقلالات العربية، عن مشروع الحركة الصهيونية، سواء بسبب ضعف وعيهم بالمخاطر التي يمثلها هذا المشروع، أو لاعتقادهم بضرورة تركيز الجهود على مشروعهم الاستقلالي، وأيضا بسبب تبلور الوعي القطري لديهم على حساب الوعي القومي، في مستهل قيام الدول الوطنية بعيد انحسار أنظمة الانتداب الاستعمارية. عموما فقد انعكس ذلك على شكل العلاقة مع الحركة الوطنية الفلسطينية، في الوصاية عليها، وصولا إلى تهميشها، فضلا عن تدني الاحتضان والدعم السياسي والمادي لها، كما انعكس ذلك في تباين التوجهات، وضآلة الجهود الموجهة للحؤول دون قيام إسرائيل وحصول النكبة.

أما مزاعم الفرص "الضائعة"، فهي لا تصمد أمام أي تفحص منطقي وواقعي للأحداث ولموازين القوى وللفاعلين، آنذاك، إذ لم يكن بالإمكان تصور أن يقبل الفلسطينيون والعرب عموما، آنذاك، باقتطاع جزء كبير من وطنهم لإقامة دولة غريبة عليه لمجموعة من المستوطنين، طوعا وعن طيبة خاطر، بخاصة وأنهم لم يكونوا يملكون التحكم بالسيادة على أرضهم، إن بسبب الانتداب البريطاني أو بسبب هيمنة النظام الرسمي العربي على قراراتهم وتوجهاتهم. وبالمحصلة، وبغض النظر عما أراده الفلسطينيون والعرب، فقد تم حسم المسألة بفضل الدولة المنتدبة (بريطانيا) وبالتعاطف الدولي مع اليهود، وبفضل تنظيم المستوطنين لأوضاعهم، وبخاصة لاستخدامهم القوة العسكرية والمذابح والأعمال الإرهابية، وهو ما جعلهم يسيطرون على 77% من الأراضي الفلسطينية، في حين أنهم لم يتمكنوا طوال نصف قرن، من النشاط الاستيطاني وحكومة الانتداب، من السيطرة إلى على حوالي 7% من هذه الأراضي.

وهكذا فإن مراجعة متأنية للفكر السياسي العربي الذي تصدى لموضوع النكبة يكشف كم هي الحاجة ملحة لمشروع فكري جديد لإعادة قراءة النكبة، ونقد الفكر الرسمي والأساطير السائدة حولها. في هذا السياق، وبمناسبة مرور نصف قرن على النكبة، طرح عدد من المفكرين والكتاب، على صفحات "الحياة" تساؤلات مهمة وجوهرية، حول هذا الموضوع، فقد أشارت غادة الكرمي، إلى أنه: "حان الوقت، تماما كما فعل بعض الإسرائيليين، بالسعي إلى مراجعة ماضيه بصدق، لنتعامل نحن أيضا بصدق مع ماضينا ونثير أسئلة مزعجة. بالأحرى أن تثار تساؤلات عن الجانب العربي: هل يتحمل الفلسطينيون و/أو العرب أي مسؤولية في هذه القصة؟ هل كان في إمكان أي منهم أن يفعل شيئا لتجنب النتيجة النهائية أو تحسينها؟ هل ساهم سلوكهم بأي شكل في تطور الأحداث التي نجم عنها فقدان فلسطين؟ هذه أسئلة مؤلمة وصعبة، ولا يثير الاستغراب أنها لم تصبح موضوعا لتحقيق جدي حتى الآن". (الحياة 18 5/98)

 ما يلفت الانتباه، بهذا الخصوص، أن الرواية الرسمية العربية حول النكبة، دعمت الرواية الرسمية الإسرائيلية التي تحدثت عن هجوم جيوش سبع دول عربية على الدولة الإسرائيلية الناشئة، وكيف أن هذه الدولة الصغيرة تغلبت على الجيوش العربية الكبيرة!، ولكن عن أية جيوش يجري الحديث والدول العربية خارجة للتو من ظل أنظمة الانتداب، لا سيما وأن عدد أفراد هذه الجيوش بالكاد بلغ بضعة عشرات الآلاف، لم تزيد عن أفراد الجيش الإسرائيلي، محملة بأسلحة فاسدة كانت عبئا عليها، هذا فضلا عن تشتت قياداتها وارتهان إرادتها. وهذه الجيوش للآسف ليس أنها لم تستطع التغلب على "العصابات الصهيونية"، بل أنها لم تستطع الحفاظ على المناطق التي حددت للعرب في قرار التقسيم. فيما بعد أجهضت التجربة الكيانية الأولى للفلسطينيين بيد النظام الرسمي العربي، وتمت التغطية على هجرة اليهود من البلدان العربية، بخاصة من العراق وشمال أفريقيا، هذه الهجرة التي ضاعفت عدد اليهود في إسرائيل، في السنوات الخمس الأولى لقيامها، وأمدتها بالقوة البشرية اللازمة لمجمل أنشطتها، وجرى استقبال الفلسطينيين المشردين باعتبارهم كلاجئين غرباء، وأصبحوا موضوعا ديمغرافيا وأمنيا، وفي الغالب مرت هذه التطورات من دون أي تفحص أو تفسير جدي. ولم يقل أحد شيء عن عدم تمثّل الفلسطينيين في المجتمعات العربية وكأن المعاملة التمييزية تثبّت وطنيتهم!، ولم يفسر سبب تعطّش الفلسطينيين إلى كيان وإلى جواز سفر، كما لم يفسر سبب اصطدام البعد التحرري الفلسطيني بالنظام الرسمي العربي، أو الميل الرسمي لتدجين الحالة الفلسطينية وعلاقة ذلك بعملية التسوية.

في البداية صوّر النظام الرسمي الفلسطيني كلاجئ مسكين يحتاج إلى العطف، واعتبرت القضية الفلسطينية، مبررا لوجود أحزاب ودول وسياسات، ثم تحولت الصورة إلى الفدائي، بعد نكسة حزيران (1967) للتعويض عنها، ولتحسين صورة الأنظمة، كما جرى تظهير الصورة، في زمن سياسي آخر، إلى إرهابي أو مشاغب، وباتت القضية الفلسطينية عبئا أو مجالا لعدم الاستقرار، وتحولت الآن الصورة إلى شكل مفاوض أو مساوم. بالتأكيد لا يحتاج الفلسطينيون إلى صورة الضحية ولا إلى صورة المخلص، ولا إلى غيرها من الصور، لتبرير الواقع الرسمي، بل يحتاجون إلى صورة الإنسان العادي الإنسان الفاعل الذي يصنع تاريخه أو يساهم بصنعه باعتبار ذلك قضية سياسية ووجودية في آن معا. ولكن الواقع الرسمي العربي الذي يضغط على الفلسطينيين، من جهة، واستمرار النكبة، باعتبارها حالة قطع قسرية لتاريخهم وتطورهم، من الجهة الثانية، جعل مشروعهم التحرري يتركز على حلمهم بمحاولة استرجاع الماضي كما هو وكما تركوه، في العام 1948، بالعودة إلى قراهم ومدنهم التي لم تبقى على حالها فهي إما دمرت أو جرى تغيير معالمها، وقد نشأ معها واقع جديد أنتج حالة جديدة إسرائيلية، كما أنشأ معها حالة فلسطينية جديدة، وإن لازال الوعي بهذه وتلك متخلفا عن التعايش الواقعي معهما، لأسباب ذاتية وموضوعية، سياسية وثقافية. كما لو أنه كتب للفلسطينيين أن يكونوا ضحايا أو مخلّصين إلى الأبد، لإرادة فيهم أو لإرادة من غيرهم، فكلا الاتجاهين يضع الفلسطيني في وضع تصبح فيه ذاكرته أو أيدلوجيته، سببا في توقف تاريخه. ما يحتاجه الفلسطينيون وعيا جديدا للنكبة، لأسبابها ولنتائجها، كما لكيفية تجاوزها، وعيا يمكنهم من العودة للانخراط في التاريخ الواقعي، وعيا لا يتأسس على النسيان كما ولا على إعادة إنتاج الذاكرة، إلا بما يؤدي إلى تجاوزها بنقدها والبناء عليها، بما يخدم الوحدة المجتمعية للفلسطينيين وتعزيز هويتهم، في إطار وعيهم التاريخي لانتمائهم العربي، في مواجهة سياسات التغييب والإلغاء الإسرائيلية، وعيا يتأسس على معادلات الحاضر، للانتقال من حيز الذاكرة إلى الحيز المعاش ومن نطاق الحلم إلى نطاق الواقع، ومن مفاهيم الأيدلوجيات إلى مفاهيم الاستراتيجيات، بفهم إيجابي للسياسات ولموازين القوى وللواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بخاصة في هذا الزمن زمن الدولة القطرية، والمصالح والنسبيات.

كما قدمت، برزت المساهمات المذكورة التي نشرتها "الحياة"، باعتبارها محاولة أولية لإعادة قراءة تاريخ النكبة ونقدها، من أجل تجاوزها، وبرغم أنه من الصعب في مقالات صحفية إنتاج أفكار متكاملة، فإن هذه المحاولات بحاجة إلى مشروع فكري متكامل ومتواصل، وفي هذا السياق يمكن فهم المساهمات الغنية التي قدمها: وليد الخالدي وإدوارد سعيد وعزمي بشارة ومحمود درويش والياس صنبر وغادة الكرمي وحازم صاغية وسلمان أبو ستة، كل في نطاق اختصاصه. وفي هذا السياق يمكن فهم الجهد الجاري لجمع الرواية الشفوية الفلسطينية الذي تقوم به جمعيات ومؤسسات أهلية، كما في هذا السياق يمكن فهم التوجهات الجديدة للتفكير السياسي الفلسطيني، التي تحاول إيجاد معادلة تضمن إعادة الفلسطينيين للانخراط بالتاريخ كفاعلين، والتي تحاول إيجاد معادلة بين موازين القوى وقيم الحرية والعدالة، وبين الواقع والحلم. في العام الماضي وفي إطار مسيرة المليون فلسطيني، في رام الله، لمناسبة مرور نصف قرن على النكبة، تحدث الشاعر الكبير محمود درويش عن فهمه لتجاوز النكبة، داعيا إلى تسوية تاريخية تتضمن العيش المشترك في إطار دولة ديمقراطية علمانية يتعايش فيها الجميع على قدم المساواة. وقال: "من منطلق الإيمان بالسلام قيمة إنسانية عليا ومصلحة وطنية، كان علينا أن نميز بين حدود وطننا التاريخي وبين حدود حقنا المعترف به دوليا في إقامة دولتنا المستقلة على جزء أرض فلسطين، إلى جانب دولة إسرائيل، التي كان إنشاؤها مرتبطا بنشوء الدولة الفلسطينية. لقد تبنيا الحل القائم على مبدأ دولتين لشعبين، وهو حل لا يعتمد على موازين القوى وحدها، لأن مثل هذا الحل سيبقى حلا مختلا باختلال هذه الموازين. فالحل الحقيقي يقوم على أسس العدالة والحق وتوازن المصالح، ويستند إلى وعي تاريخي جديد، وإلى ثقافة جديدة، تعيد قراءة الماضي، وتجري مراجعة جذرية لحجم المأساة التي ألحقها نشوء إسرائيل بالشعب الفلسطيني. (الحياة 15 /5/98). المهم أنه ثمة بدايات ولكن من المطلوب بناء مشروع فكري متكامل للإجابة على كل تعقيدات القضية وصعوباتها.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2006م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster