|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
نابليون بونابارت
عام ألف وثماني مائة واثني عشرة هاجم نابليون بونابارت روسيا. راهن
نصف مليون جندي بحياتهم على خوض مسيرة جريئة نحو موسكو، ما كاد يغير
وجهة التاريخ.
عام ألف وثماني مائة، كان نابليون بونابارت جنرال شاب حير بدهائه
الحربي رجالات أوروبا.
ولد نابليون ابنا لمحام من كورسيكا. نشأ من بين حطام الثورة فصار
حاكما لفرنسا. وعندما بلغ الخامسة والثلاثين نصب نفسه إمبراطورا.
عام ألف وثماني مائة وأربعة، انطلقت نخبة جيشه الإمبراطوري من باريس.
وسرعان ما سيطر على مساحات شاسعة ما كان لأحد أن يحكمها غيره.
تمتع نابليون بأعصاب من حديد وهو جندي بعد، وتميز بفطرة المراهنة على
التكتيك العسكري الجريء. ما كان لأحد أن يتغلب عليه.
كان يحلم بإمبراطورية أوروبية لنفسه فيها حكومة واحدة، وعملة واحدة
وقانون مدني واحد يضمن حماية حقوق المواطن العادي.
عندما يتحقق حلمه، يلغي العائلات الملكية في أوروبا وسلطاتها
المتوارثة.
عام ألف وثماني مائة وسبعة، كانت روسيا وإنجلترا وحدهما يقاومان سيطرته
على أوروبا. ثم هزمت روسيا في معركة فريدلاند.
بعد انتصاره دعا نابليون السار الروسي ألكسندر الأول إلى محادثات سلمية
في تيلسيت.
كان متشوقا لمفاجأة ألكسندر فبنى رمثا جميلا فوق نهر نيمين.
تأكد لنابليون أنه بحاجة إلى حليف صلب للمحافظة على السلام في القارة،
واستقرار إمبراطوريته الجديدة. ما يعني بالنسبة لأصوله الكورسيكية صديق
حميم إلى الأبد.
شعر بأن أليكسندر قد يكون الصديق الذي يبحث عنه.
كان أليكسندر أرستقراطيا وسيما، يبلغ الثلاثين من العمر. وكان
دبلوماسيا فذا مكنته أفاكره الليبرالية من أن يصبح زعيما شعبيا.
حكم سار روسيا الإمبراطورية الأعظم في الشرق.
مع تقدم المفاوضات أوضح نابليون كيف يريد مساعدة ألكسندر.
إذا ما توحدت فرنسا وروسيا ستصاب إنجلترا، العدو الوحيد الباقي
لنابليون، بالعزلة التامة. فتصبح سيطرة نابليون على أوروبا كاملة.
ما كان لألكسندر أن يرفض ذلك. سرعان ما تم توقيع معاهدة سلام بين أكبر
إمبراطورتين في العالم.
التحالف بين نابليون والكسندر ألغى كل التعامل التجاري بين روسيا
والإمبراطورية البريطانية.
كان الهدف من ذلك إفلاس إنجلترا وإضعاف قوتها.
في باريس لاحظت جوزيفين تغيرا في تصرفات زوجها. بعد لقائه مع السار
أراد نابليون أن يتوجه بالصداقة مع ألكسندر إلى ما هو أبعد من ذلك،
أراد تعزيز التحالف بالزواج.
وكان كذلك يريد ابنا إذا ما أراد لسلالته البقاء والاستمرار. ولكن
نابليون يعلم بأن جوزيفين عاجزة عن الإنجاب.
وهكذا طلب من ألكسندر الزواج من شقيقته الصغرى آنا.
كان نابليون مستعدا للتضحية بالمرأة التي أحب في سبيل مستقبل فرنسا.
قال لجوزيفين: " لا مكان للقلوب في السياسة بل للعقول وحدها". ثم طلقها
يوم الخامس عشر من كانون أول ديسمبر من عام ألف وثماني مائة وتسعة، بعد
أربعة عشر عاما من الزواج.
ولكن والدة ألكسندر ارتأت أن نابليون مجرد طاغية وأنها لن تسمح
لابنتها بالزواج منه. صعق نابليون بالخبر.
بعد أربعة أشهر من ذلك تزوج نابليون من ماري لويس، ابنة الامبراطور
النمساوي.
أثمر زواجه منها الابن الذي أراده أن يكون وليا للعهد، فرانسوا جوزيف.
استمر التحالف الفرنسي الروسي لثلاثة أعوام أخرى حتى أصيبت روسيا
بالافلاس. فأجبر ألكسندر على التجارة مع أعداء فرنسا الإنجليز. شعر
نابليون بالخيانة، فقد كانت الصداقة بالنسبة له تعني كل شيء .
تردد نابليون في إعلان الحرب على ألكسندر. لم يسبق لأحد أن غزا روسيا.
فهل له أن ينتصر حيث هزم الآخرين؟
ولكنه كان بحاجة للتحالف مع روسيا، ولا بد لانتصار حاسم أن يجبر السار
ألكسندر على الدخول في محادثات سلام.
بالحرارة التي تميزه، بدأ نابليون يخطط للهجوم.
كان يوجه الأوامر بلا توقف لثلاثة وزارات مختلفة في وقت واحد.
في دماغه كان يحسب التمويل الذي سيحتاجه في اجتياح بلد هائل مثل روسيا.
ثماني وعشرون مليون زجاجة نبيذ، مليوني زجاجة براندي. ما يكفي من الذرة
والقمح لإطعام قواته لسبعة أسابيع، وهو الوقت اللازم لتحطيم ألكسندر.
في أيار مايو من عام اثني عشر، كان نابليون قد جهز نصف مليون جندي.
كان واحدا من أكبر الجيوش التي شهدها العالم، نصفه فقط من الفرنسيين.
حذره المستشارين أن في اجتياح روسيا مراهنة مخيفة.
ولكن خطة نابليون كانت جاهزة، فتخلص من جميع الشكوك التي لديه. الم يكن
هو الجنرال الأشد رعبا في أوروبا؟
في الطريق إلى روسيا أعلن نابليون:
"سوف نرى من منا سيتعب أولا: أنا من إطعام جيشي على حساب روسيا، أم
ألكسندر من المحافظة عليه على حساب دولته.. أصبح الأمر مسألة وقت".
في الرابع والعشرين من حزيران يونيو أطلق نابليون هجومه على روسيا.
كان يتوقع معركة سريعة على الحدود يجبر فيها ألكسندر على المجيء لتوسل
السلام. على أن يعود إلى الوطن قبل نهاية الصيف.
ولكن وحدات ألكسندر لم تكن هناك. فقد انقسمت إلى مجموعتين وأخذت تعمل
على تفادي مواجهة نابليون.
توجه الجنرال باركلي دي تولي، قائد الجيش الروسي الأول، نحو
الشرق،ليلتقي بالأمير باغريشين. قائد الجيش الروسي الثاني.
تابع نابليون مسيرته متعجلا المعركة الحاسمة. ولكن دي تولي رفض القتال
واستدرج الفرنسيين عميقا إلى داخل روسيا.
لم يتوقع نابليون الدخول إلى هذا العمق. بعد أربعة أسابيع من المسير،
أبعد جيشه أكثر من مائتي ميل عن منطقة الحدود. بدأ التمويل يتضاءل،
ونسور نابليون تزداد جشعا.
كتب أحد الجنود في ذلك يقول: كنا نترك خلفنا بيوتا خاوية، وحقول وغابات
أسيرة النهب والسلب. كانت نتائج الحرب مخيفة خصوصا وأنها اندلعت بهذه
الأعداد الهائلة من الرجال".
أخذ الجيش الفرنسي يزداد ضعفا مع كل خطوة يتجه فيها نحو موسكو.
أحرق الروس القرى التي تترامى على الطريق، كي لا يجد الفرنسيون مأوى،
فأخذت جيادهم تموت بعد تعرضها للمطر والرياح.
بعد سبعة أسابيع من المسير قتل التعب ما يزيد عن مائة ألف جندي فرنسي.
وأخيرا اجتمعت الجيوش الروسية في سمولنسك، وجهزت لمحاربة نابليون الذي
أنهكه التعب.
أصبح عدد جيش نابليون مائة وخمسة وستون ألف رجل، بعد أن ترك الباقون
لحراسة طرق التموين. أما الجيش الروسي فبلغ تعداده مائة ألف رجل.
رغم ذلك جرت معارك طاحنة بين كر وفر على مدار ثلاثة أيام، دون أن يكون
لأي منهما اليد العليا، ودون أن يتمكن أيهما من ادعاء النصر.
صعق الروس وهربوا باتجاه الشرق، ثم عاودوا مرة أخرى إتباع سياسة الأرض
المحروقة أثناء انسحابهم، فدمروا وأحرقوا القرى ومستودعات الغذاء
بكاملها.
عند انسحابهم كانوا يخططون لتجويع الفرنسيين خلفهم.
تزايد الشعور بالإحباط لدى نابليون. فكلما كان يطارد الروس نحو الشرق
يتزايد تعرض جيوشه للخطر.
ولكن العودة إلى باريس قد توحي بالفشل. أصبحت موسكو على مسافة أسبوعين
فقط. لا بد أنه إذا استولى على العاصمة الروسية العظمى سيسعى ألكسندر
لقبول السلام.
اعتياد نابليون على المراهنة، جعله يتابع المسير.
انسحب ألكسندر من موسكو إلى سان بيترس بيرغ. كان يواجه الكارثة،
فانسحاب قواته الجبان ترك آثارا مدمرة على المعنويات. على الجيش أن يقف
ويدافع عن موسكو.
لهذا أصدر أوامر بإقالة باركلي دي تولي وعين محله الجنرال كوتوسوف.
كوتوسوف كان داهية من المحاربين القدامى يبلغ من العمر سبعة وستون
عاما. أمر على الفور بوقف الانسحاب ودعا القوات الروسية للمواجهة
والحرب.
قام باختيار قرية بورودينو موقعا للدفاع عن مدينة موسكو.
كانت تلك هي الفرصة التي ينتظرها نابليون، معركة شكلية يمكنه الانتصار
فيها. وصول صورة لابنه الصغير عززت من معنوياته.
فقال لحراسه: "لو كان ابني في الخامسة عشرة لكان اليوم هنا بلا شك".
شاهد نابليون كل ما يجري في ساحات القتال من مرتفعات بورودينو يوم
السابع من أيلول سبتمبر من عام ألف وثماني مائة واثني عشرة. كان
الجنرالات في مواقعهم. أكثر من مائة وثلاثين ألف من أفضل رجاله بمواجهة
مائة وعشرين ألف روسي. كل ما عليه أن يفعله الآن هو الترقب والانتظار.
حتى يتقرر مصير أوروبا.
في تمام السادسة صباحا انطلقت عيارات نارية من خمس مائة بندقية فرنسية
نحو الجيش الروسي. ولكن لدهشة نابليون، قام الروس بالرد على مصادر
النيران بشدة وعزم.
جرى تبادل بإطلاق النار طوال اليوم، وكلما حاول الفرنسيون دفع الروس
إلى الخلف كانوا يواجهون ردا وحشيا من قبل الروس.
كتب أحد الجنود في تلك المناسبة يقول:" هدير البنادق والمدافع وعويل
الرفاق المصابين من حولي، ترك هذا كله أثرا وصل حتى عظامي".
مع حلول الظلام بدأت أصوات المعركة تهدأ وتموت.
وصف أحد الضباط ذلك المشهد بالقول:" سوي كل شيء بالأرض، واختلط القش
بالجثث وكأنها مؤامرة لجعل حقول بورودينو تصبح نموذجا عن الجحيم".
وقال نابليون فيما بعد:" كانت أشد المعارك التي شاركت فيها قسوة. أثبت
الفرنسيون هناك أنهم يستحقون النصر، وأثبت الروس أنهم لن يهزموا".
أصيب الفرنسيون بالرعب من حجم خسائرهم، حيث قتل أكثر من ثلاثين ألف
جندي وخمس وثلاثين ألف جواد.
صمدوا في ساحات القتال، ولكن نابليون لم يكن بحاجة إلى النصر.
في وقت متأخر من تلك الليلة، سمع نابليون نبأ انسحاب الجيش الروسي مرة
أخرى تاركا موسكو بدون دفاعات. فرصته الوحيدة هي احتلال المدينة
وإجبار ألكسندر على القبول بالسلام.
بعد ثلاثة أشهر من المسير، كان نابليون على مسافة خمسة وسبعين ميلا من
عرش الإمبراطورية الروسية.
هرب سكان موسكو من شدة الخوف والجزع.
يوم الرابع عشر من أيلول سبتمبر من العام نفسه، صار باستطاعة نابليون
أن يشاهد ضواحي موسكو.
القبب الذهبية لقصور الأثرياء كانت تلمع أمامه.
ولكن لم يحتشد المستقبلون لتحية الامبراطور المعظم. شعر نابليون
بالخيبة والغضب. لم يأتيه أحد بمفاتيح المدينة.. ولم يصل طلب السلام من
ألكسندر.
قام بالاستيلاء على الكرملين، قصر الإمبراطورية المحصن، وبعث برسول إلى
ألكسندر يعرض عليه السلام. ثم جلس هناك بانتظار أن يأتيه الجواب.
في الليلة الأولى، أيقظ الحرس نابليون يبلغونه بأن النيران تشتعل في
أنحاء موسكو.
اكتشف الفرنسيون أن الهاربين الروس فتحوا أبواب السجون وأخلوا سبيل
جميع المحكومين.
تسلحوا بملح البارود وعقدوا العزم على حرق مدينة موسكو.
علق أحد رجال الإطفاء على ذلك بالقول:" كنا نسير على أرض مشتعلة تحت
سماء من لهيب وبين جدران حارقة".
بعد أيام حرق السواد الأعظم من المدينة.
صعق نابليون. أحرق الروس مدينة العاصمة بأنفسهم، ولم يصله بعد أي رد
من السار.
كان نابليون على قناعة بأن التحالف بينه وبين السار ما زال واردا.
ولكنه بدأ يشك بذلك للمرة الأولى.
كان يريد عملا لهذا بعث مرة أخرى برسالة يائسة لبيترسبيرغ.
ولكن ألكسندر لم يكن راغبا بالسلام. كان يعلم أن
قسوة الشتاء الروسي ستتولى تصفية الفرنسيين بنجاح أكبر مما يمكن للجيش
الروسي أن يحققه. الصبر، سيؤدي به إلى النصر.
أصبح نابليون على شفير الهاوية وهو يجلس في موسكو قاطبا بانتظار جواب
من ألكسندر.
كان التمويل في المدينة يتضاءل يوما بعد يوم.
وكانت عصابات الروس القوقاز تهاجم خطوط الاتصالات الفرنسية كل يوم.
أصبح فصل الشتاء الروسي القارص يطل برأسه المخيف.
أراد نابليون أن يتوجه إلى سان بيتريس بيرغ، ولكن جنرالاته نصحوه بألا
يفعل، فالمسافة بعيدة جدا.
يوم الخامس عشر من تشرين أول أكتوبر، سقطت الثلوج على أطلال موسكو.
تأكد لنابليون أنه لا يستطيع الاستمرار في انتظار الكسندر حتى يستسلم.
عليه أن يغادر موسكو فورا.
بعد خمسة أسابيع فقط من الاحتلال ، أجبر جيش نابليون العظيم على مغادرة
موسكو، دون معاهدة سلام.
وضعت المؤن والغنائم في العربات.
كتب أحد الجنود عن ذلك اليوم يقول:" بدا الأمر وكأن إحدى الجيوش
القديمة تعود محملة بالعبيد والغنائم بعد دمار عظيم.
توجه نابليون أولا نحو جنوب غربي روسيا الأكثر دفئا، ولكن الروس دفعوه
نحو الخلف إلى بورودينو.
بعد أيام كان الجيش يمشي على جثث القتلى ممن سقطوا هناك في المعارك
التي وقعت قبيل شهر من ذلك.
بعد أن أحاطه الجليد،أخذ الجيش ينسحب عبر ساحات المعارك. لم يجد مأوى
من قسوة المناخ. وما كانت المؤن المتضائلة لتشبع من جوع .
واستمر الثلج بالهطول.
كان الجنود الفرنسيون يفتقرون للملابس الدافئة والأحذية. لم يكونوا
مستعدين لفصل الشتاء، وما أن بدأت الحرارة تهبط إلى ثلاثين درجة تحت
الصفر حتى بدأ الرجال يتجلدون.
حانت ساعة ألكسندر. فقام الجيش الروسي بمهاجمة نابليون سعيا للانتقام.
أقفل الشتاء الروسي طريق عودته إلى الوطن.
غطت الثلوج طريق العودة. وصل البرد إلى عظام جنود نابليون، فأخذوا
يتجهون غربا عبر مناطق لا حدود للثلج فيها. أصبحوا على مسافة ألف وخمس
مائة ميل من باريس.
كتب أحد الجنود عن تلك المسيرة يقول:" هلك الرجال على الطرقات. أخذت
مفاصلهم تتصلب تدريجيا، فيسقطون ثم يعاودون النهوض ويتابعون المسير.
كانت أصابع بعضهم العارية تخرج من أحذيتهم، كانت أولا حمراء، ومن ثم
زرقاء داكنة حتى تصبح سوداء بالكامل".
تخلى الفرنسيون عن سلاحهم. فيضعونها جانبا كي لا يأخذها الروس. دفنت
غنائم موسكو الثمينة في الخنادق.
مع توجه الجيش نحو الغرب أخذ من تبقى من الجنود الفرنسيين يأكلون
جيادهم.
في هذه الأثناء كانت جيوش الكسندر تطعن في خاصرة الفرنسيين وهم كالعين
من المخرز. قرر الروس اعتراض انسحاب نابليون عند نهر بيريزينا.
وزع الروس رسما لنابليون، وهم على ثقة بأنهم سيتمكنون من أسره. دمروا
الجسر الوحيد الذي يعبر نهر بيريزينا.
حين وصل نابليون إلى النهر واجه تيار من المياه الجليدية بعرض ثلاث
مائة يارد. وقع في المصيدة.
قام بحرق جميع ما لديه من أوراق شخصية خوفا من الوقوع بالأسر.
فجأة وكأنه استعاد لهيب النيران التي في عروقه، رسم نابليون خطة
جريئة، بأن يضع جسرا على النهر وينقذ كل جيشه. بعث بأشد رجاله جرأة
للعمل على تحويل النهر.
توجه أربع مائة من جنود الهندسة لتدمير أقرب مجموعة من المنازل.
بالاعتماد على الأخشاب بذلوا ما بوسعهم في المياه الجليدية لبناء جسرين
كبيرين.
بعد أربعة وعشرين ساعة كان الرجال المتعبون يعبرون النهر.
تنبه الروس إلى خطأهم وأخذوا يقصفون الجسرين. فقد النظام وتراكم الرجال
فوق بعضهم البعض لعبور النهر.
سقط الجسرين مرتين ، ثم أعيد بناؤهما.
وقع الآلاف إلى المياه الباردة وغرقوا. سد نهر بيريزينا لعدة أسابيع
بعدها بالجثث المتجمدة.
ولكن تم إنقاذ خمسة وعشرون ألف جندي. ما أن اصطف الباقون على قيد
الحياة حتى توقف الروس عن مطاردتهم.
نجا نابليون من بريزينا وخرج من المصيدة الروسية. ولكن مشاكله لم تنته
بعد. وصلت أنباء من باريس عن محاولة انقلاب لإسقاط الإمبراطور.
نصحه الجنرالات بالتوجه فورا إلى فرنسا.
فانطلق في رحلة تسع مائة ميل إلى باريس. كان يعلم بأهمية وصوله إلى
هناك قبل أن تشاع في أوروبا أنباء عن هزيمته النكراء.
قد يستغرق الأمر أربعة أشهر قبل أن يتمكن خمسة وعشرون ألف من أصل ربع
مليون جندي، من فتح طريق العودة إلى فرنسا عبر روسيا.
دفعت فرنسا غاليا لاعتقاد نابليون الخاطئ بأنه يستطيع غزو روسيا. وقد
اعترف بذلك فيما بعد حين قال:" لقد ضللت، كما ضللت نفسي".
شكلت الحملة الروسية الفاشلة،بداية النهاية لنابليون. لقد تحطم السحر.
كما تحطم حلمه في أن يصبح إمبراطورا على أوروبا الموحدة.
ألكسندر السار الروسي الذي لم يعد صديقه، هاجم فرنسا ودمر إمبراطوريته.
حشدت روسيا وإنجلترا قواتها مرة أخرى مع باقي أوروبا.
وأخيرا هزم نابليون في معركة واترلو عام ألف وثماني مائة وخمسة عشر.
تم نفيه إلى جزيرة سانتا إلينا في جنوب الأطلسي، بعيدا عن أوروبا. لم
يعاود رؤية عائلته أو بلاده مرة أخرى. إلى أن مات وحيدا عام ألف وثماني
مائة وواحد وعشرين.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م