اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بوريس يلتسين
 

بوريس يلتسين

قاد بوريس يلتسين الدولة الروسية نحو السوق الحر بعد عقود من الحكم السوفييتي. وكثيرا ما تصرف على طريقة الحكام الشيوعيين القدامى،  ولكنه مع ذلك يعتبر زعيما بالفطرة وشجاع لا يمكن التنبؤ به، وقد استعان بشعبيته لدى الروس العاديين لإجراء تغييرات عميقة في حياتهم.

        كان ديمقراطيا عندما تكون الديمقراطية جيدة. فبعد خمس سنوات أخذ يقصف البرلمان بالمدفعية.

        كان شعبيا، يحب أن يحبه الناس.

        لا شك أن يلتسين هو الذي وضع نهاية للاتحاد السوفيتي، هو الذي منع الحزب الشيوعي من الاستمرار في لعب الدور القيادي للحياة السياسية في روسيا.

وصل بوريس يلتسين إلى موسكو القلب النابض للسلطة الشيوعية عام خمسة وثمانين.

        كان الزعيم السوفيتي الجديد ميخائيل غورباتشوف يسعى لمتغيرات جذرية، فأخرج يلتسن من الظل ليعتمد عليه حليفا في الإصلاحات.

        تحول يلتسن إلى زعيم للحزب الشيوعي في موسكو يحتل مكانة له في المكتب السياسي. فجاءت تعليماته تدعو لهز العاصمة وإزاحة العناصر الميتة. ولكنه فوجئ بما وجده.  

        سادت حالة من الركود ساد الركود في جميع أرجاء موسكو، كان الوضع الاقتصادي في المدينة أسير كارثة حقيقية.

قام يلتسين بجولات علنية حول موسكو عبر وسائل النقل العام، فضرب ضباط الحزب الذين يسيئون استعمال سياراتهم وامتيازاتهم.

        مع تنامي شعبيته أخذ يقوم بعمليات تطهير واسعة. فاعتبره المحافظون مصدرا للرعب.

يوري بروكوفييف( مسؤول حزبي في موسكو): أطلق بشكل مفاجئ حملة طرد واسعة للموظفين. كان يعاقبنا على أمور تافهة. أصبحت المدينة مكان يصعب العمل فيه.

        أخذ يلتسين يواجه عوائق متنامية أمام الإصلاحات على جميع المستويات. وبعد أقل من عامين قدم استقالته لغورباتشوف.

        كتب لي رسالة أثناء وجودي في إجازة. كنت أعرف ما هو حاله. لا بد أنه سيهدأ. اتصلت به قائلا: سنعالج الأمور في موسكو.

        ولكن غورباتشوف ترك الوقت يمضي دون أن يفعل شيئا لتهدئته، انتهز يلتسين الفرصة وأدلى بخطاب شديد اللهجة في الكرملين أدان فيه أعداءه في المكتب السياسي واصفا إصلاحات غورباتشوف بالفاشلة.

        لا أعرف لماذا فعلت ذلك. ربما لأن هذه هي طباعي، لم أعد نص الخطاب، بل سجلت سبع نقاط عريضة على قصاصة ورقية، كي أضمن ما لدي. ولكني ارتأيت أن أستغل الفرصة كي أعلن موقفي.

        كانت لحظات لم يعرف يلتسن أشد منها في حياته، فقد تعرض للإدانة والسخرية حتى أصيب بالانهيار.

جرى الحديث عن نوبة قلبية. ولكن مساعدي يلتسن أكدوا لي أنه طعن نفسه بسكين لفتح الرسائل. أي أنه كان في حالة سيئة فعلا.

        لم أشعر بحالة أسوأ من قبل.  تعرضت  حياتي لمد وجزر، ولكني أصبت هذه المرة بضربة قاضية.

        استغرق يلتسن عشرون عاما لتعزيز سلطته في الكرملين.  وصفه أحد المعجبين بالقول أنه محرك بشري بلا فرامل.  أما الآن فقد أوقفت عجلاته.

    هناك مسألة كنت متأكد منها، وهي أنه لن يختفي. وقد تبين كما تعرف أني كنت محقا.

        أما خارج الحزب فقد زادت شعبيته لكونه ضحية.

عام تسعة وثمانون منحت الانتخابات التي دعا إليها يلتسين كل ما يلزمه للعودة. وقد حشد من حوله أثناء الحملة الانتخابية بعضا من الحركات الديمقراطية المتنامية.

أدركنا أن يلتسن قد يستعين بنا مستغلا الأفكار الديمقراطية للحزب وشبكة العمل وكل ذلك. ولكن المهم بالنسبة لنا هو أن أهدافه كانت تتوافق مع معتقداتنا وأفكارنا لهذا كنا مستعدين لأن نكون أدوات ووسائل بين يديه طالما أننا نسير في نفس الاتجاه.

         وهكذا أخذ يلتسن يفوز بأغلبية كبيرة ضمن دائرة موسكو.

        كما صوت له النواب الروس ليكون رئيسا لهم.

        ولكن كسب الدعم من الخارج استغرق فترة أطول، أثناء زيارة خاصة قام بها إلى البيت الأبيض كتبت إدارة بوش عنه تقول أنه أشبه بالمهرج. كما ورد أن مستشار الأمن القومي قد استسلم للنوم أثناء حديث يلتسن.

كان استعراضيا، ثقيل الظل، وبدل الخروج عند مغادرة البيت الأبيض وجد مجموعة من الصحفيين في الممر فذهب إليهم وقدم لهم بعض التصريحات. يمكن القول، أنه ريفي بشكل عام.

        أما في روسيا فلم يتأثر غورباتشوف أيضا بأفعال يلتسن.

        أخذ يلتسن يرى أنه لم يعد هناك داعيا لمحاولة تنفيذ الإصلاحات الشيوعية من الداخل. وهكذا وقف بجرأته المعتادة ليعلن تخليه عن بطاقته الحزبية أمام النخبة الأولى من الشيوعيين.

        لا أستطيع تنفيذ أوامر الحزب الشيوعي. وبما أني قائد لجمهوريتي، يجب أن أمثل لرغبات شعبي. لهذا أعلن انفصالي عن الحزب، لأتمكن من حكم الجهورية بشكل أفضل، والعمل مع الأحزاب والمنظمات.

        قال أثناء حوار صريح أن قرار التخلي عن الحزب الشيوعي كان حساسا ومؤلما بالنسبة له، لأنه كان عضوا فيه منذ سبعة وعشرين عاما وهو على قناعة صادقة بالقيم الشيوعية.

        حاول الشيوعيون سحق المعارضة، فقتلت الوحدات السوفيتية عشرة انفصاليين في احتجاجات جمهوريات البلطيق.

وقف يلتسين  مع الجانب الآخر، فدعم مطالب البلطيق في الاستقلال.

وهكذا أطلق أعنف هجوم له على غورباتشوف ردا على الوحشية السوفيتية.

        سبق أن حذرت من توق غورباتشوف للسلطة. وقد أصبح اليوم يمارس الدكتاتورية بلقب جميل اسمه الحكم الرئاسي.

أصبح يلتسن الآن يبدو عديم التوقف عام واحد وتسعين فأطلق حملة للفوز بموقع الرئيس الروسي الجديد. فاجأ يلتسن جميع معارضيه، فقد حاز على أربعة أضعاف الأصوات التي نالها المرشح الشيوعي.

        عندما أقسم يلتسن يمين الرئاسة للفدرالية الروسية، انتشرت شائعات تتحدث عن خطط شيوعية للعودة بالزمن إلى الوراء.

        ولكن يلتسن كان مصرا على التوجه بروسيا نحو عصر جديد.

         روسيا سوف تنهض من على ركبتيها. سوف نجعل هذا البلد سيدا لنفسه، سنجعل منه أمة ديمقراطية.

        أخذ يلتسن ينمو ويكبر بفضل انتصاراته الانتخابية، أما حزب غورباتشوف الشيوعي الذي لم يمارس الانتخابات الحرة فبدأ بالتراجع سريعا.

أثناء مفاوضات جرت خارج موسكو حول مستقبل الاتحاد السوفييتي، تمكن زعماء الجمهوريات ومن بينهم الرئيس الروسي بوريس يلتسن، من الحصول على تنازل هام من غورباتشوف.

        مع اقتراب عطلة آب وافق غورباتشوف على توقيع معاهدة جديدة تضمن الحكم الذاتي الكامل للجمهوريات، وذلك ضمن إطار عمل سوفيتي مشترك.

        فاجأ ذلك المحافظون، فعملوا على اعتقال غورباشوف في مقر إجازته أثناء التحضير لانقلاب ضده.

        أعلنت حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر بدءا من الساعة الرابعة بتوقيت موسكو في التاسع عشر من آب أغسطس من عام واحد وتسعين.

في موسكو توجه رتل من المدرعات إلى وسط المدينة.  

        ولكن الوحدات ما كانت تعرف ما يمكن أن تفعله عند مواجهة الحشود الغاضبة.

        خرج بوريس يلتسين من بيته للمواجهة رغم كونه الهدف الثاني بعد غورباتشوف لعملية انقلاب قادها الجناح الشيوعي المحافظ.

        كانت هذه أفضل أوقاته.

                ليلة الثامن عشر من آب أغسطس من عام واحد وتسعين، خلع الرئيس المنتخب بحكم القانون. لنتحدث بوضوح تام. نحن نتعامل مع حفنة من الرجعيين، حفنة من الانقلابيين الخارجين عن الدستور.

شعرت بالاحترام الشديد لرغبته بالوقوف في وجه الانقلاب. أعتقد أنه حاز على تأييد عالمي لمجرد وقوفه فوق تلك الدبابة، وهذا ما لم يفعله من قبل.

        احتشد مائة ألف مواطن خارج مبنى البيت الأبيض، مقر الكونغريس الروسي، وتحول هذا إلى مركز لمقاومة يلتسن.

أتذكر كلمات يلتسن بوضوح، يجب أن أفعل ما على القائد عمله. سوف أبقى هنا حتى النهاية، حتى آخر قطرة من دمي. سأقف بثبات.

عند استمرار الانقلاب أقمنا اتصالات هاتفية معه، وقد بالغ عدة مرات في حقيقة الخطر الذي يحدق به. تعرف أن هذه طبيعته الشخصية، التمثيل والدراما. ولكن ما لا شك فيه هو أنه انتهز الفرصة، لقد فهم أهميتها، واستغلها بالكامل.

        أراد بعض الانقلابيون اجتياح البيت الأبيض، ولكن القيادة العسكرية ترددت، وقد وقع في هذه الحيرة جنرال الوحدات الجوية ألكسندر ليبد.

        كان قائدي يقف على الحياد. فدعم الانقلابيين ويلتسين على حد سواء، ولكنه في اليوم التالي اتخذ قراره بدعم يلتسين.

        لم يكن ليبيد يعلم أنه سيلعب في أحد الأيام دورا آخر في إنقاذ يلتسن، وهكذا أرسل لمساعدة القائد الروسي.

        مع تحرك الضباط العسكريين تراجع الانقلابيين فأقفل غورباتشوف عائدا إلى موسكو، وهو مسرور لبقائه على قيد الحياة وفي السلطة. لكنه تأخر في استيعاب حقيقة أن الانقلاب قد غير كل شيء.

        حاول الزعيم السوفيتية المتابعة كالمعتاد، ولكن بعضا من أهم رجاله قد شاركوا في الانقلاب وكان يلتسن على علم بذلك.

        عاقب يلتسين غورباتشوف مهينا إياه عبر الأدلة.

        قدم لي يلتسن ملخصا لردود فعل وزرائي على الانقلاب، ولكني لم أقرأها بعد.

        هيا اقرأها.

                اقرأها فهي لاجتماع الحكومة السوفيتية. الاجتماع الذي انعقد أثناء مواجهة البرلمان الروسي لهجوم مسلح.

شعرت أن يلتسن بعد تمكنه من زمام المبادرة أخذ يتصرف بحكمة قليلة تجاه غورباتشوف، ولكني ما كنت لأتدخل في ذلك. مع ذلك شعرت بالأسى لحالة غورباتشوف.

عشية الانقلاب شاهد الغرب يلتسين بطريقتين. فقد كان ديمقراطيا ولكنه سبب المشاكل والاضطرابات. وبعد الانقلاب اعترف الجميع بيلتسين قائدا يمكنه ضمان الديمقراطية في روسيا.

        لم يعد هناك ما يوقف المد الانفصالي عبر الجمهوريات، فأعلنت أوكرانيا استقلالها بعد أن حلمت طويلا بالتخلص من روابطها مع روسيا، وهذا ما فعلته جمهوريات أخرى.

        أخذت الشمس تغرب عن الإمبراطورية. سافر يلتسين سرا عبر غابات غرب بيلاروسيا لمقابلة زعيمي جمهوريتي أوكرانيا وبيلاروسيا.

        اتفق الثلاثة على إقامة روابط جديدة بين دول مستقلة. واعتبروا بذلك أن الاتحاد السوفيتي لم يعد قائما.

        وجهت الضربة النهائية للاتحاد السوفيتي في منتجع صيد ناء. لم يستشر غورباتشوف في الأمر.

        اتصل يلتسين بالرئيس بوش ليبلغه بما فعلوه قبل إعلام غورباتشوف.

        ما كنت لأشعر بشيء غير الفرح لأن هذه البلدان ستصبح ديمقراطية حرة. فاعتبرت صراحة أن هذا سيكون في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.

سأل بوش وماذا عن غورباتشوف؟ فأجاب يلتسن لم نخبره بعد. سوف نتصل به على الفور.

        ما حصل فعلا هو أن يلتسن تصرف بغير علم من غورباتشوف. وهكذا تخلص من غورباتشوف عبر حل الاتحاد السوفيتي.

        في عيد الميلاد رفرف العلم الأحمر لآخر مرة فوق الكرملين، وقد تقبل الرئيس غورباتشوف حقيقة أنه لم يعد لديه عمل.

بعد تشكيل كونفدرالية الدول المستقلة، يجب أن أوقف نشاطاتي كرئيس لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية.

  أوضح لي غورباتشوف أن يلتسن لا يعجبه كما أنه لا يثق به. وقد لمست من يلتسين بأن هذه المشاعر متبادلة بينهما. مع ذلك لم نجد ما يدعو للتدخل وتغيير سياستنا باتجاه أو بآخر لهذا السبب.

        مع إنزال علم المنجل والشاكوش، أصبح سكان الكرملين الجدد، بوريس يلتسين وحكومته الروسية، أصبحا يواجهان احتمالات المجاعة.

لم يعد هناك أغذية والأسوأ من ذلك أنه لم تظهر أي آفاق لظهور الأطعمة فجأة.

لم نتمكن من إجبار المزارعين على بيع الحبوب بنقد لا قيمة له. ولم يكن لدينا نظام سوق. قدرنا أن لدينا ما يكفي من الحبوب حتى شباط فبراير.

        بدأ يلتسن بإجراء تغييرات اقتصادية جذرية. فألغى التحكم بالأسعار وخاطر بمصداقيته الشخصية عندما تولى بنفسه مهمات رئيس الوزراء. كما أنه اكتسب سلطات لفرض إصلاحاته بمرسوم.

        عام اثنين وتسعين دفعت الحكومة الروسية باتجاه الخصخصة وزرع الروح التجارية مقلدة بذلك الغرب.

        ولكن هذا تسبب بهجمات معارضة، جاء أبرزها من نائب الرئيس يلتسين نفسه.

طلبت عقد اجتماع مع الرئيس يلتسين، وقلت له أني لست من أفضل الخبراء الاقتصاديين كما هو حال مستشارك غايدر، ولكني أفهم بعض المسائل الأساسية. وهي أن مستشاريك يراهنون على مصير البلاد.

        سرعان ما طالب حلفاء روتسكوي الشيوعيين بكبش فداء، فكان المستشار الاقتصادي ليلتسين، إيغور غايدار.

        وقد رفضوه عندما رشحه يلتسين لاستلام السلطة كرئيس للوزراء.

إن كانت الأمور ستجري على هذا النحو، سأطلب من الشعب أن يتخذ قراره. فإما أن يقف مع الكونغريس أو مع الرئيس.

        تلقى يلتسين ضربة أخرى عند موت والدته مع بلوغ المعركة مع الكونغريس ذروتها.

        قدم أعداءه له التعازي، فقام بتراجع تكتيكي.

        لكن المعركة على حكم روسيا بين يلتسين والكونغريس لم تنته بعد.

كان من الواضح أن الأمور قد تنتهي بحرب أهلية، لأن البلد انقسم إلى قسمين، نصفه مع الرئيس والآخر مع الكونغريس. كان الوضع خطيرا. بل خطير جدا.

        لا أجد أمامي كرئيس إلا الإعلان بأن البرلمان الحالي أسرف بحقه في الحكم.

في أيلول سبتمبر من عام ثلاثة وتسعين، أعلن يلتسن حل الكونغريس. متهما اياه بالاستخفاف بإرادة الشعب.

        ولكن النواب كانوا على استعداد. فقد صوتوا بالإجماع على اتهام يلتسين.

        وانتخبوا نائب الرئيس روتسكوي رئيسا جديدا لهم.

        احتشد أكثر من ألفي شيوعي خارج مبنى الكونغريس وأخذوا يضعون الحواجز دفاعا عنه. أما في الداخل فرفض النواب التراجع.

        أمر يلتسين رجال الشرطة بمحاصرة المبنى، ولكن جنرالات الجيش رفضوا التورط فراوح الوضع مكانه.

وقف الجميع على الحياد بانتظار ما سينتهي إليه الأمر. رفض الجميع تنفيذ الأوامر وأعلن كل تخلفه لإصابته بالمرض. أصبح من المستحيل التحدث مع أحد هاتفيا. فالمخاطرة كانت هائلة.

        انعقدت اجتماعات تفاوضية في أحد الأديرة الواقعة خارج موسكو بين يلتسين ومعارضيه في الكونغريس، وذلك بوساطة رجال الكنيسة الأرتذوكسية.

استمرت المحادثات حتى منتصف الليل. تلقيت اتصالا من يلسين، الذي كان يحافظ على المسافة، ولكن يبدو أنه قد ضاق ذرعا، وحين سأل عن المفاوضات أجبته قائلا أنها فشلت.

        في اليوم التالي كان مؤيدي الكونغريس  غاضبون جدا أثناء مواجهتهم مع الشرطة.

        وقعت إصابات بين كلا الطرفين ولكن الشرطة قتلت اثنين من مؤيدي الكونغريس.

إذا وضعت قطا في الزاوية يتحول إلى نمر. والإنسان لا يقل شأنا، لقد وضعت في الزاوية ولم أجد أمامي أي خيارات أخرى.

        وجهت القوى المعادية ليلتسين  أوامر للعربات العسكرية بمهاجمة المباني الاستراتيجية.

        استمرت الاشتباكات بين رجال الشرطة والمدنيين للسيطرة على مبنى التلفزيون الروسي  حتى وقت متأخر من الليل.

        كاد يلتسين يفقد الأمل مع استمرار الجيش في الوقوف على الحياد.

        وأخيرا وافق الجنرالات على مطالب يلتسين بمهاجمة البيت الأبيض.

        وجه يلتسين ضربته في وضح النهار، وقامت الكاميرات بنقل الأحداث مباشرة إلى العالم.

        قتل أثناء الهجوم أكثر من مائة وخمسين شخص، دون أن يصب أحد من النواب بأذى.

        سرعان ما استسلم المدافعون عن الكونغريس.

        ثم ألقي القبض على زعمائهم بما في ذلك روتسكوي.

        أعرف أن الكثيرين منكم لم يناموا ليلة أمس. وأعرف أنكم تتفهمون ما حدث. ولكننا تعلمنا الكثير من هذه الليلة الرهيبة. لم نكن مستعدين للحرب، وتمنينا أن  يكون حفظ السلام ممكنا.

                لا أعتقد أننا اعتبرنا يلتسين مجرد ليبرالي أبيض. لهذا لم نشعر بالصدمة تجاه ردة فعله عند حدوث ذلك. كان شخصية قاسية طوال حياته. ولا شك أنه واجهة معارضة صلبة فتصرف معها كما يجب.

        أكد احتراق البيت الأبيض بأن الرئيس  هو صاحب السلطة الأولى في روسيا وليس الكونغريس. دعا  يلتسين لإحياء انتخابات حرة لتشكيل كونغريس جديد. ولكنه الآن أصبح متعبا.

ما كان لهذين اليومين من تشرين أول أكتوبر أن يكونا أشد قسوة على يلتسين، كان يدرك أنها ليست دعابة. ولكنه في العمق شعر بأنه قام بما أملاه عليه ضميره. وبعد ذلك أراد شيئا من السلام والهدوء. هذه هي طباع ثورة غضب عارمة ومن بعدها، الهدوء.

ولكن بعد انتهاء الأزمات وعدم استخدام الوحدات إلا للمراسيم، أخذ يلتسين يعاقر الكحول.

        أثناء وقوفه مع المستشار الألماني هيلموت كول للاحتفال بانسحاب الوحدات الروسية، حول يلتسين المراسيم الجدية إلى منصة للغناء.

كان ذلك مشهدا مزعجا. كانت ظروف صعبة. ولكن مهما بلغت من صعوبة كنت أقول في نفسي أن المعاني التاريخية للحدث أكثر أهمية. خصوصا وأن يلتسين هو الذي أستعاد قواتنا الروسية من ألمانيا.

        أخذت زيارات يلتسين إلى الكرملين تصبح أقل وتيرة. ليقول الناطق بلسانه أنه يعمل في البيت. أما المقربين منه فيقولون أنه يشرب هناك.

        أثناء رحلة ليبتسين عبر الأطلسي توقفت طائرته في ايرلندا. وكان قد اتفق على إجراء محادثات مع رئيس الوزراء الايرلندي.

        بعد توقف الطائرة انتظر رئيس الوزراء بحماس.

        ولكنه انتظر دون جدوى، إذ لم يتمكن من رؤية بوريس يلتسين.

  إنه متعب جدا بعد رحلته الطويلة وقد تعرض ضغط الدم لديه للارتفاع والهبوط. أتفهم جيدا أنهم لا يريدون إنزاله من الطائرة.

        ألغيت مراسيم الاستقبال الرسمية ولم يستيقظ يلتسين إلا عند عودته إلى موسكو.

        سأقول لك الحقيقة، لقد تملكني النوم. إنها رحلة ثمانية عشر ساعة، لم أتمكن قبلها من النوم. ولم يسمح حراسي الشخصيين لأحد بإزعاجي. سوف أهتم بهم. سأنزل بهم أشد عقاب. ولكن ما هي المشكلة؟ فقد تحدث نائب رئيس الوزراء إليهم. أليس كذلك؟

        انتقلت أخطاء يلتسين من الكوميديا إلى التراجيديا وذلك في شيشينيا. حين أعلنت هذه الجمهورية الصغيرة استقلالها عن روسيا بقيادة الرئيس جوكار دوداييف.

        دعا يلتسين لوضع خطة للإطاحة بالقيادة الشيشانية بالقوة. ولكن وزير دفاعه بافيل غراشيف  أعرب عن شكه في ذلك.

أعلن وزير الدفاع أن هذا ليس سهلا. وقال أنه يجب عدم اللجوء إلى القوة. وسألنا عما إذا كان الجيش قادرا على القيام بهذه العملية الجراحية، أعني بالمعنى المجازي. فقال نعم.

        ولكن لم يكن في حرب الشيشان التي تلت ذلك أي عملية جراحية.

        دمرت عاصمة الشيشان بالكامل.

        كلفت الحرب ثمانين ألف قتيل دون تحقيق أي هدف.

        بعد عامين فقط توصل يلتسين إلى اتفاق للسلام.

        هذا قرار يفترض اتخاذه من قبل. كما أسيء التعامل معه حتى بعد اتخاذه. ولكن من طباع يلتسين التوافق مع الوقائع بشكل مفاجئ وغير متوقع.

كان يلتسين يمثل نموذجا للقوة والفخر بالنسبة لنا، خصوصا أنه تمكن من تفادي سفك الدماء. أما بعد شيشينيا فأصبح كل ما له علاقة به ملطخا بالدماء.

        تسببت شيشينيا بالأذى ليلتسين. فقد أصبح الآن يبدو عجوزا ومتعبا وغير مطلع. حتى انخفض معدل آرائه إلى ستة في المائة.

        أثناء حملة الانتخابات الرئاسية لعام ستة وتسعون بدا المرشح الرئاسي غينادي زيغانوف مستعدا للفوز بالسلطة، ما أخاف التحالفات التي وقفت في الماضي إلى جانب يلتسين.

        توترت أعصابنا في الربيع وخصوصا مع بدايات الصيف. حتى أني شخصيا شعرت بأني مستعدة لدخول السجن. لو أنهم تسلموا السلطة لكنت الآن في السجن دون شك، أو ربما أعدمت.

        ولكن يلتسين وجد نفسه في الواجهة من جديد فاستعاد النشاط وتأهب للمواجهة.

أفعم يلتسين بالنشاطية  حتى تغلب في أدائه على المرشح الشيوعي الأكثر شبابا غينادي زوغانوف.

        مرة أخرى تمكن يلتسين المراهن والمحارب من إحراز النصر.

        ولكن الحملة الانتخابية سببت له الإرهاق، فأصيب بالمرض وأخضع لعملية جراحية في القلب ثم اختفى عن الأنظار لثمانية أشهر متتالية.

        وبعد ذلك عاد بحالة أفضل، وكسب الدعم الغربي لفريقه في تنفيذ الإصلاحات.

        حين قام طوني بلير بزيارة إلى موسكو عام سبعة وتسعين وجد يلتسين متيقظا وبحالة جيدة.

        بعد المراسيم بالغا في مدح بعضهما البعض.

        أنا معجب بالشبان الأذكياء. السيد بلير شخصية شيقة نشيطة.

  أعرف أني الآن أمام أحد أكثر قادة هذا العصر ديناميكية في العالم.

        ولكن روسيا كانت تواجه كارثة اقتصادية. تملك اليأس ملايين العمال كهؤلاء المضربين من عمال المناجم الذين أخذوا يتوسلون لقمة العيش بعد توقف دفع الأجور لعدة أشهر بل سنوات.

        ثم انهارت العملة النقدية الروسية، وقف الناس طوابير يائسة  للحصول على مبالغ نقدية مع تراجع البنوك وإفلاس الملايين من المودعين.

        أفرغت المتاجر لخوف المستهلكين، وتلقى المتقاعدون ضربات موجعة.

        تقول هذه المرأة بأنها شعرت بالرغبة في الانتحار.

        والآن أصبح يلتسين شخصيا يشعر بالانهيار السريع.

        أثناء زيارة قام بها إلى جمهورية سوفيتية سابقة بدا مرتبكا وعديم التوازن.

        استغرق خمسة وعشرون ثانية لتوقيع اسمه. ثم أجبر على قطع الزيارة لسوء حالته الصحية.

        أكد اغتيال الزعيمة الليبرالية غالينا ستاروفيتوفا، المستشارة السابقة ليلتسين، أن السياسة في روسيا هي أيضا مصابة بالمرض.

        قبيل عام واحد من اغتيالها رميا بالرصاص، أعادت يلتسين إلى عصر طرده المستمر للإصلاحيين في بداية التسعينات.

        شعر بأن شعبيته أخذت تنحسر بين الناس وهو شعبي. كان يستمتع بمحبة الناس له.  هذا مؤلم جدا بالنسبة له فقرر الابتعاد، والانغلاق على حياته الخاصة دون لقائه الدائم مع أناس عاديين. لا شك أنه تغير تدريجيا.

        رغم ضعفه الجسدي كان ينهض بلياقة من كل أزمة يمر بها.  قيل أنه يمض بضع دقائق في إدارة شؤون روسيا. لكنه أخذ يطرد رؤساء الوزراء بمعدل رئيس كل بضعة أشهر.

        تسبب إنهاء حرب الناتو الجوية للمجازر الصربية في كوسوفو بالإحراج ليتسين، مع إصابة الأهداف الصربية يوما بعد يوم أصيب الروس بالغضب لتضرر اخوتهم في السلافية الصرب.

        وجه ذلك إهانة أخرى لروسيا.

        ولكن مع دخول القوات الدولية إلى كوسوفو حافظت القوات الروسية على ماء وجه موسكو عند وصولها إلى العاصمة برستينا قبل خصومها في الناتو.

        لكن تورط الروس كان ضروريا لهزيمة الزعيم الصربي سلوفودان ميلوسفيتش.

        عند لقاء يلتسين بزعماء الغرب في ألمانيا سيطر على مزاجه المزاح، رغم أن أسلوبه الغريب وتر أعصاب الآخرين.

        لكن إطلاق يلتسين لحملة الجديدة على شيشنيا أثار تحفظ أصدقائه في الغرب، رغم تأكيده بأن الحرب تستهدف القضاء على الارهابيين الذين قتلوا عددا من الروس.

        إلى أن كشف الستار عن كارثة إنسانية أخرى حين تبين أن غالبية ضحايا الحرب كانوا من المدنيين.

        أثناء زيارته إلى الصين للقاء زعيمها لي بينغ، أعرب عن ردة فعل صارمة تجاه الإدانة الغربية للهجوم الروسي على شيشينيا. ثم أعاد إلى الأذهان ظروف الحرب الباردة حين توجه بالحديث إلى الرئيس كلينتون قائلا بأن روسيا لن تتقبل املاءات من أحد، وأنها ما زالت تملك مخزونا كاملا من الأسلحة النووية.

        في اليوم الأخير من عام تسعة وتسعين، استعد يلتسين في موسكو للادلاء برسالته التلفزيونية التقليدية في هذه المناسبة. ولكن رحلته هذه المرة انتهت بتصريح مفاجئ، حين قدم اعتذاره للشعب على فشله في تحقيق أمنياته.

        أعلن بمفاجأته المعتادة للمواطنين رغبته في التنحي، وأن الألفية الجديدة يجب أن تبدأ بسياسيين جدد وأقوياء وأذكياء.  ثبت في السلطة رئيس وزرائه الأخير فلاديمير بوتين، وهو ضابط سابق في الكي جي بي، جعله رئيسا بالوكالة.

        تبين أثناء نقل السلطة أن يلتسين قد حصل على سكن حكومي وحصانة تحميه من المقاضاة.

        عكست روسيا في عهد يلتسين تناقضات الإنسان الداخلية.

        لقد هاجم يلسين الامتيازات ولكنه سمح بازدهار الفساد.

        كافح من أجل الانتخابات الحرة، ولكنه كثيرا ما تصرف بدكتاتورية.

        ألغى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سلما، ولكنه أودى بحياة عشرات الآلاف في شيشنيا.

        حمل الديمقراطية إلى مبنى الكرملين، ثم جعله عديم الاستقرار ضعيفا، عبر تمسكه في السلطة رغم مرضه.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster