|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
ياسر عرفات
نشرت وسائل الإعلام الصهيونية مؤخرا بعضا من معالم خطط وضعتها السلطات
الإسرائيلية لمجموعة من الخيارات العسكرية والسياسية التي قد تلجأ
إليها في الأراضي المحتلة في حال تمكنت من تدبير عملية اغتيال للرئيس
الفلسطيني ياسر عرفات.
منذ ذلك الحين والشارع الفلسطيني يتداول احتمالات تغييب زعيمه الأول
باعتباره مسألة واردة، وكأن هذا الشعب أصبح يدرك بأن حجم وتاريخ
الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بلا حدود، خصوصا وسط الظروف
الدولية الراهنة التي تحولت فيها الولايات المتحدة الأمريكية إلى
الحاكِم والحَكَم في آن معا.
يذكرنا ذلك بقصة الساق الثالثة التي تتلخص في أن سلطات الاحتلال أصدرت
قراراً بقطع الساق الثالثة لكل رجل يمتلك ثلاث سيقان، ما أثار حالة ذعر
بين الناس، دفعتهم إلى الجري في كل مكان محاولين النجاة بسيقانهم من
القطع، وحين قال أحد الذين يدعون الواقعية والعقلانية في الشارع
الفلسطيني بأن خوف الناس غير مبرر أجابه البعض:
“المشكلة
هي أن سلطات الاحتلال تقطع الساق أولا، ثم تَعُدّ".
أي أن الفكرة أصبحت قائمة في الأوساط الفلسطينية، الشعبية منها
والقيادية، فما عدنا نستغرب عبارة تصدر عن كادر أو مواطن عادي تقول بأن
هذا المسئول سينمو ويرقى بعد عرفات، وأن ذاك سيتدحرج ويعود إلى دكانه،
أو قيادة سيارة أجرة على خط المخيم، إن لم يكن ممن يعرفون "من أين
تُؤكل الكتف".
أما على الأرض فتوحي المعطيات بأن التغييرات المحتملة سوف تتعدى القوى
والفصائل المؤيدة للرئيس الفلسطيني في مخيمات لبنان، لتشمل الأطراف
المعارضة والإسلامية المقاومة، المتوقع لدورها أن يتعزز ولو جزئيا في
ضوء الضرورات الإقليمية والمحلية من جهة، ورهان ابتعاد البدائل
الفلسطينية القريبة من السلطة عن تلازم المسارين السوري واللبناني في
مواجهة إسرائيل من الجهة أخرى.
قد لا يعني ذلك بالضرورة توسع فصائل المعارضة الفلسطينية والحركات
الإسلامية المقاومة، كحماس والجهاد الاسلامي وتيار منير المقدح على
حساب الفصائل الأخرى المشاركة في السلطة، إلا أنها، ورغم تعرضها لحصار
اقتصادي شديد، من المتوقع أن تبقى وتنمو ولو جزئيا كضرورة فلسطينية
ولبنانية وإقليمية في آن معا.
يبقى الجانب اللافت في هذه المسألة والمتعلق بالقيادة الأولى ل"حزب
السلطة"، والذي يتميز بالتماسك رغم المنافسة الضمنية في أوساطه، إذ أن
جميع الأوراق، وتحديدا الإدارية والمالية منها، تتركز الآن في يد مسؤول
فلسطيني واحد، على خلاف ما كان الحال عليه في الماضي، حين كانت
الميزانيات الفلسطينية تأتي لعدة أشخاص يشتد النزاع بينهم ليبلغ أعنف
أشكاله.
قد يكون ذلك من أبرز الأسباب التي حالت دون الاقتتال الداخلي بين أبناء
الفصيل الواحد الذي استعاد مكانته خلال السنوات القليلة الماضية رغم
الملاحقة القضائية لمسئوله القيادي الأول وإبقائه في مخيم الرشيدية،
ورغم التباينات والمنافسة الداخلية التي لم تبرز على السطح.
ويبدو أن هناك مسألة تُجمع عليها القيادة الفلسطينية الأولى، لحزب
السلطة في المخيمات رغم تبايناتها، كما يبدو أنها في ذلك تستعد ولو على
طريقتها، لتعزيز مكانة هذا الفصيل أو ذاك التيار من الفصيل، في
الجمعيات والمؤسسات الخدماتية العاملة ضمن أوساط اللجوء الفلسطيني في
لبنان وذلك عبر إجراء مجموعة من التغييرات المفترض أن تكون متماشية مع
تلك الجارية في الوطن المحتل.
نسجل هنا أن هذه القيادة قد ساهمت في إجراء تحسينات على مرافق الخدمات
الحيوية في المخيمات، كتأهيل المدارس والمستشفيات وتقديم المساعدات
المالية لكثير من الحالات الاجتماعية والعمليات الجراحية التي لا
تغطيها وكالة الغوث، ويبدو أنها أخذت تتوج هذه الإنجازات بإجراء
تغييرات إدارية تتلاءم مع متطلبات تغييب عرفات.
تشمل هذه التغييرات فرض بعض الموظفين الإداريين في وكالة الغوث أو بعض
المدارس التابعة لها كما حدث في مدرسة تابعة لإحدى مخيمات الجنوب
أُجبرت على إقفال أبوابها لعدة أيام حتى اضطرت الوكالة لإجراء
التغييرات الإدارية المطلوبة منها في المدرسة.
وهذا ما شهدته المستشفيات الفلسطينية أيضا، حيث أُجريت العديد من
التعديلات الإدارية التي أخرجت منها وجوه كانت تمثل فصائل وأفرادا
مستقلين تم استبدالهم بآخرين يقال بأنهم أقرب إلى قدرة التعامل معهم من
قبل أصحاب النفوذ. إذ يُسجل على عمليات التغيير برمتها أنها لم تأخذ
آراء العاملين في هذه المؤسسات بعين الاعتبار.
ويقول بعض العاملين في المجال الصحي الفلسطيني أن هذه التغييرات قد جرت
على شاكلة تلك الجارية في مؤسسات الصحة في فلسطين، حيث أُعلن خروج
الدكتور فتحي عرفات، بعد أن قام شخصيا بتعيين الكفاءات التي يراها
مناسبة للحفاظ على مكانه ومكانته رغم غيابه الشكلي.
ومن القيادات المحلية على مستوى لبنان، من يعلقون آمالا على دور أكبر
لهم بعد عرفات، وهم لا يترددون في تعزيز حضورهم على مستوى المؤسسات
البعيدة عن العمل العسكري بأشكاله المختلفة، وكأنهم يراهنون على أن
الغلبة في القيادة الفلسطينية بعد عرفات ستكون "للحكمة والتعقل
والليبرالية".
على أي حال، وأيا كان ما يبشر به المستقبل في مخيمات لبنان، فإن
الاستعداد لمواجهة احتمالات قرار الصهاينة بقطع الساق الثالثة لكل
فلسطيني، أو اغتيال رمز القضية الوطنية لهذا الشعب، مسألة مشروعة، مع
أنها لا تتم على مستوى يشمل الجميع، بل تتخذ سمة استثناء الفلسطيني
الآخر، إذ يؤخذ على الحركات الإسلامية المقاومة عدم المشاركة الواسعة
في العمل الشعبي لجموع اللاجئين، كما يؤخذ على الفصائل الفلسطينية
المعارضة والمؤيدة معا، إصرارها على استثناء الجميع، بما في ذلك
الأعداد المتنامية للكفاءات المستقلة، التي أصبح عملها الوطني مشروطا
في ضرورة انتمائها إلى هذا الفصيل أو ذاك، حتى لو اعتبرت منظمة التحرير
وميثاقها الوطني سقفا لها.
قد لا تعيش مخيمات لبنان هواجس الترقب لما سيحدث بعد عرفات، فهي في
ظروف ينطبق عليها القول الشائع: "هذا الخد معود عاللطم"، ولكن حاجاتها
الإنسانية الماسة لتنمية ما لديها من مؤسسات خدماتية حيوية، وبقاء
المخيمات مخزونا وطنيا لقضيتي العودة والتحرير، تحتم عليها ضرورة
التعاون الجدي بين جميع القوى، جماعات وأفراد، استعدادا لما قد تجلبه
عليها رياح الغد.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م