|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
اليونان
اليونان بلاد قديمة مفعمة بأسرار يجدر كشفها.
فهي مسقط رأس الحضارة الغربية.
وهي قبلة يؤمها السياح، إذ يأتي إليها سنويا تسعة زوار مقابل
كل عشرة مواطنين يونانيين.
يأتي البعض إعجابا بآلهة اليونان القدماء والمعاصرين.
ويأتي البعض الآخر للكشف عن أسرارها القديمة وهي كثيرة جدا.
كوجه المرأة الذي أطلق ألف سفينة.
والجزيرة التي قيل أنها ضاعت في أتلانتا.
ومهد الحضارة وموطنها.
ليس سرا على أحد أن الألعاب الأولمبية الشهيرة قد بدأت في
اليونان. ولكن قلة يعرفون أنها بدأت قبل ألفين وسبعمائة عام.
لهذا فإن زيارة مسقط رأس الألعاب الأولمبية أمر لا بد منه
لجميع محبي الرياضة.
بدأت قصة الألعاب الأولمبية بملك إغريقي أدرك أن المباريات
الرياضة وحدها كفيلة بإنقاذ اليونان من الحرب الأهلية.
وقد أدخل طباخه الشخصي في مسابقة للطهي فاز بها لتولد بذلك
الألعاب الأولمبية.
ومع أن الإغريق استعملوا الرياضة كوسيلة تدريب للحرب، إلا أن
الألعاب الأولمبية الحالية تجمع الشعوب معا.
عادة ما كانت تتوقف الحروب في هدنة مقدسة تمكن المتسابقين
والمتفرجين من السفر بأمان إلى أولمبيا.
كانت الألعاب في اليونان القديمة تقدر عاليا جدا حتى يمكن القول أن ابن
أثينا الذي يفوز في سباق العربات مثلا كان يعود إلى مدينته بطلا متوجا.
بالغار، يحصل على طعام مجاني لبقية حياته، ومقعد مميز في المسارح
المحلية حتى يعامل وكأنه أسطورة محلية.
من الأسرار الأولمبية أن الشيء الوحيد الذي لم يحصل عليه الفائز حينها
هو الميدالية الذهبية. بل كان إكليل الزيتون أهم ميدالية يحصل عليها.
وكان البطل الرياضي كشأنه على مر التاريخ يختار المرأة التي
يحب. ولكن هذا كان يحدث بعيدا عن مسرح الأولمبياد إذ كانت المرأة تمنع
من مشاهدة الألعاب تحت طائلة الإعدام.
لم تكن ردة فعل المرأة تجاه ذلك الخوف والرعب من القرار، فهناك قصة
شهيرة عن امرأة تنكرت بزي الرجال كي تدخل إلى الملعب لمشاهدة ابنها في
السباق. وعند فوزه رفعت ذراعيها تحيه فسقط زيها التنكري فاكتشف أنها
امرأة، ما أدهش كل الحاضرين من الرجال.
من حسن الحظ أنها بُرئت تقديرا لزوجها الذي كان بطل رياضي معروف أيضا.
اتبعت هذه الألعاب القديمة برنامج تقليدي. فقد خصص اليوم
الأول للتضحيات. ثم تبدأ الألعاب الجدية. والتي كانت الملاكمة الشعبية
من أبرزها. حيث كان المتبارون يلفون أصابعهم بالجلود للتخفيف من وقع
اللكمات، إلا أن هذا لم ينقذ الكثيرين من الموت.
كان سباق الجياد والعربات يقتصر على الأثرياء وحدهم، إذ كان
على كل من المتبارين أن يملك جواد خاصا به.
وأخيرا الألعاب الخماسية التي كانت تتألف من العدو والقفز
الطويل والرماح ورمي القرص والمصارعة.
لا يحصل الخاسر على أي شيء. بل تلحق به السخرية والازدراء. بل تؤكد
السجلات القضائية أنها كانت تسمح للناس بمهاجمة الخاسرين في السباق.
يحق للزوار التجول في مناطق تمرن الرياضيين السابقين التي كانت تسمى
جمنازيوم وهي عبارة يكثر اليوم استعمالها.
كان الرياضيون في الجوار يقسمون بالولاء للقواعد الأولمبية
التي تنص على عدم القتال والرشوة واستعمال المخدرات.
وإذا نكث الرياضي بعهوده يلحقه الخزي والعار.
تكمن ذروة الرحلة إلى أوليمبيا في الملعب نفسه، حيث يمكن
رؤية خطي البداية والنهاية ومواقع الحكام في آن معا. ماذا عن الأسرار
الكامنة وراء طول الملعب؟ يقال أنها حددت من قبل البطل الأسطوري هرقل
الذي قاسها بستمائة من قدميه.
لا شيء ينجز في اليونان القديمة دون مباركة إلهية. فكانت
الألعاب الأولمبية تتم إجلالا لألهة الإغريق سيوز، حيث يمكن رؤية بقايا
معبده العظيم.
في الداخل ينبلج تمثاله الذي كان يعتبر من عجائب الدنيا
السبع، فقد صنع من الذهب والعاج وبلغ ارتفاعه سبعة وثلاثين قدم، أي
سبعة أضعاف الحجم الطبيعي.
وقد كان التمثال مرغوبا إلى حد أن البعض في العالم القديم
كانوا يعجزون عن رفع أيديهم عنه. تقول الأسطورة أن الامبراطور كاليغولا
أمر بجلب تمثال سيوز إلى روما، وعندما وصل رجاله لنقل التمثال انفجر
التمثال بالضحك فجأة حتى أخاف الرومان فلاذوا بالفرار.
إلا أن إمبراطور روماني آخر سبب مزيدا من الأذى وهو
الإمبراطور المسيحي ثيودوسيوس الذي منع الألعاب الأولمبية عام ثلاثمائة
وثلاثة وتسعين باعتبارها مناسبة وثنية.
وبعد ألف وخمسمائة عام من ذلك أعيد الاعتبار للألعاب
الأولمبية في أثينا تقديرا للإعجاب المنبعث باليونان القديمة.
وهذا سر أولمبي آخر يقول أن أولى الألعاب الأولمبية المعاصرة
شملت لعبة إضافية هي المراتون. يقال أنها جرت إحياء لذكرى جندي كان
يعدو حاملا نبأ انتصار يوناني إلى أثينا. وقد أطلق على الألعاب لقب
مراتون تيمنا بالموقع التي شهد المعركة وما تلاه من عدو لمسافة ستة
وعشرين ميلا. ولكنه عندما وصل إلى أثينا انهار ومات.
وما زالت روح هذه الألعاب التي توحد بني البشر قائمة حتى
الآن. وما زالت الشعلة الأولمبية تشتعل كل أربع سنوات كما في العصور
القديمة، وإذا صادف وجود المرء هناك يمكنه رؤية بريق الماضي ساطعا،
تكفي جولة في الجوار لملاحظة الترابط القائم بين الماضي والحاضر.
لم تكن الرياضة وسيلة الترفيه الوحيدة في اليونان القديمة،
فقد كانوا يحبون الضحك والبكاء في المسارح.
يعتبر مسرح إبيداوروس من أفضل المسارح التي يتم الحفاظ عليها
في أعالي تل هادئ من غابات الصنوبر، وهو يتسع لأربعة عشر ألف شخص، كما
تعتبر شروطه السمعية الأفضل في العالم.
يعتبر مسرح إبيداوروس فريد جدا من حيث شروطه السمعية، إلى حد
أصبح من الشائع الذهاب إلى موقع الأوركسترا بهدوء لرمي قطعة نقدية
للتأكد من وصول الصوت إلى جميع أرجاء المكان، والمميز في المسرح هو أنك
تسمع ذلك في كل مكان.
من المدهش أنهم توصلوا إلى طريقة لإسماع الجميع كل شيء، إنها مسألة
مدهشة.
جادة إبيداوروس هي المفضلة لدى الجميع لأنها تبعد ساعتين بالسيارة عن
أثينا. لكن في إبيداوروس ما هو أبعد مما تراه بالعين المجردة.
فبالقرب من المسرح يوجد بقايا أشهر مركز طبي في العالم
القديم.
كان الناس يأتون إلى هناك للتداوي من كل ما يصيبهم. أما رئيس
الأطباء فلم يكن إلا الآلهة أسكليبيوس، إله الشفاء. أما أساليبهم فلم
تكن تقليدية بمقاييس اليوم.
كانوا يعتمدون على أدوية فولكلورية متعددة. فكانت الكلاب مثلا تتسكع
في المشفى مثلا، لإغذا كان المريض مصابا بالجرح كانوا يشجعونه على
السماح للكلاب بلعق جرحه. وقد تبين أن في لعاب الكلاب مادة تساهم في
شفاء الجروح. أي أنه لم يكن أسلوبا غير علاجي بالكامل.
قد تجد بين الآثار معبد مميز يمضي فيه المرضى ليلتهم، حيث يقوم
أسكليبيوس بجولة عليهم.
يبدو نظريا أن أسكليبيوس يظهر في ملامح أفعى هي رمز التجدد.
أما في الواقع فهي أفعى غير سامة تطلق في غرفة المرضى لتوزع لعاقها
الشافي.
كانت الأفعى تمنح المرضى نوعا من الإيمان بتجربة التداوي، أما من جهة
أخرى فهناك مجموعة من أدوات المعاينة والجراحة المشابهة جدا لتلك التي
تتوفر اليوم في المستشفيات.
تشهد على قدرات أسكليبيوس مجموعة من أجزاء الجسم المتناثرة في المكان،
والتي قدمها المرضى الشاكرين ممن تم شفاءهم هناك.
وإلى جانب هذه الهدايا الفاتنة التي خلفتها شعائر التداوي
يوجد كذلك ميراثا كبيرا من المصطلحات الطبية المعاصرة.
كان لأسكليبيوس أبنائه الذين سمي أحدهم هايجيا، والآخر كلاين، والثالث
باناسيا. أما هذا الاسم الأخير فهو يعني باللغة اليوناني علاج لكل شيء.
أما كلاين فتعني المعاينة أو التشخيص، وهايجيا تعني النظافة الوقائية.
والأهم من هذا ما يعرف بالقسم التقليدي الذي ينطق به الأطباء حتى هذا
اليوم، وهو يعود إلى التقاليد اليونانية، كما يوجه إلى الآلهة أسكلبيوس
شخصيا.
كل ما في إبيدوروس اليوم للترفيه. ففي أمسيات الصيف تقام في
المسرح أعمال من الكوميديا والتراجيديا التي يتبرع فيها الممثلين
بأقنعتهم الشهيرة والمفيدة.
المدهش في المسرح هو أن المرء يستطيع الوقوف وسط الأوركسترا أو في قاع
المسرح ويكفي أن يهمس حتى يسمع صوته في أرجاء المسرح. وهذا رائع
بالنسبة للسمع ولكنه لا يساعد على رؤية الشخص، إلا إن كان لديه منظار
أوبرا الذي لم يكن لدى الإغريق. ولكن يبدو أن الأقنعة كانت تتولى دور
التعبير عن ملامح الوجه التي تكمل ما يقال. أي أن المشاهد في أعلى
المسرح سيعلم بتفاصيل ما يجري.
يمكن للزائر في النهار أن يتولى بطولة العرض المسرحي. لا أحد يعرف ما
هو العرض الذي سيتبعه، أو من سيكون من بين المشاهدين.
يبدأ الكثيرون زيارتهم لليونان برحلة إلى بعض من
أشهر جزرها.
إنها أشبه بالجواهر الطافية على وجه البحر. ألف وأربعمائة
جوهرة من الزمرد. ولكن كريت أشدها حبسا للأنفاس.
إنها أكبر الجزر اليونانية، والأجمل على الإطلاق. يزورها
الآلاف سنويا للتمتع بمناظرها الخلابة، وشواطئها الغناء ونعيم العيش في
المتوسط.
ولكن كريت تخبئ سرا داكنا من ماضيها القديم.
دُفن السر في كنوسوس على بعد بضعة أميال من الجزيرة العاصمة.
تعتبر كنوسوس اليوم ثاني أكثر المناطق زيارة في اليونان،
وذلك لما فيها من مبان خيالية أعيد ترميمها.
وهي تصور ما كانت عليه الحياة هناك قبل آلاف السنين.
كان هناك في الماضي قصرا هائلا لمملكة عظيمة قادها طاغية
اسمه ماينوس.
وقد عرف أتباعه بلقب ماينونز، وهم من البحارة الذين حكموا
غالبية أرجاء المتوسط. وقد كانوا بتقدمهم ينتمون إلى حضارة اليونان
العريقة التي تنافس مصر القديمة.
التصميم الغريب للقصر هو جل ما يدهش الزوار، وذلك لما فيه من
غرف ومتاهات بمختلف الأشكال والأحجام.
أما سبب بنائه على هذا النحو فهو سر دفنه الدهر. ولكن
الأساطير تتحدث عن أهداف شريرة.
تقول الأساطير أن زوجة ماينوس خانت زوجها مع ثور وأنجبت وحشا
نصفه انسان ونصفه ثور عرف باسم مينوتاور.
سعى ماينوس لإخفاء عاره بجعل البناءين يشيدون متاهات يعجز
مينوتاور عن الخروج منها.
لا شك أن قصر كنوسوس يشبه المتاهات فعلا، لأنه يشكل أحجية رهيبة من
الممرات والسلالم والمعابر الداكنة. وليس من الصعب أن يرى المرء كيف
يمكنه الضياع فيها.
وكان ماينوس يطلب من سكان أثينا إشباع رغبات مينوتاور بإرسال
سبعة شبان وسبع فتيات سنويا.
وفي إحدى السنوات خرج معهم شاب أثيني اسمه ثيسيوس أقسم بأن
يقتل مينوتاور. وقد وعد والده الملك أنه إذا عاد منتصرا سيرفع شراعا
أبيضا.
عند وصول تيسيوس إلى كريت قدمت له أريادن ابنة ماينوس كبة من
الخيوط ليجد سبيلا له خارج المتاهات. ما أن دخل تيسيوس إلى وكر
مينوتاور حتى استل خنجره وذبح فيه الوحش.
أصيب الملك مينوس بالحنق والغضب ما أجبر تيسيوس وأريادن على
الفرار. ولكن المأساة تعقبتهما. فحين عاد تيسيوس إلى وطنه نسي رفع
الشراع الأبيض إشارة النصر.
كان أبيه أجيوس على الشاطئ ينتظر عودة ابنه، فشاهد زورقا يرفع شراع
أسودا يدخل المياه، فاضطرب ورمى نفسه في مياه البحر الذي عرف بعده باسم
بحر إيجه، تيمنا باسم أجيوس.
ولكن هل هذه قصة حقيقية؟
بعد الخوض عميقا في متاهات القصر يجد المرء نفسه في فناء
رئيسي، يعتقد الكثيرون أنه ساحة لألعاب الثيران لدى أبناء البلاط.
تنتصب في الطبقة العلوية نسخة عن لوحة جصية عثر عليها عالم
الآثار السير آرثر إيفانز، وهي تصور شابا وامرأة يجرؤان على القفز فوق
قرني ثور.
يعتقد بعض الأكاديميين أن للقصر أهدافا أخرى.
قصر كنوسوس بالغ التعقيد. ولكنه في الواقع لم يكن قصرا حقيقيا. بل من
المحتمل أن يكون قصرا لبعض الشعائر أو الطقوس.
لا شك أن تعقيد المبنى له صلة بالغموض، وكأنه يحاول إخفاء
بعض الطقوس السرية في مكان يعجز الذين في الخارج عن رؤيته.
أيا كان الهدف الكامن وراء هذا التصميم المميز فلا شك أنه كان وراء
مفهوم المتاهات.
الرسم الفني الذي تراه مرة بعد أخرى في أعمال الماينوس هو فأس ذو
حدين، يسمونه هناك بفأس المتاهات، من هنا جاء تعبير لابيريس أو
المتاهات في الغرب. لأن كنوسوس كان قصر المتاهات أو فأس الحدين.
تشكل أبرز المشاهد في قصر كنوسوس اسرارا بحد ذاتها.
الجادة الملكية الواقعة خارج القصر والتي كانت تقود إلى
الموانئ التي تخدم كنوسوس. قد تكون هذه أولى الطرقات التي شيدت في
أوروبا.
وهناك الجناح الملكي الذي يحتوي على الحمامات الخاصة
بالملكة، المعزز بمرحاض مائي، لا شك أنه الأول في العالم.
إلى جانب قاعة التاج المفترض أنها كانت لها أهداف سرية لا
يعرفها إلا الملك وكبار الكهنة. من المحتمل أن يكون حرم لآلهة أرضية
تستعمل الأفاعي في طقوسها. يوجد أدلة هناك تؤكد أن مملكة ماينوس كانت
تقدم القرابين البشرية.
تبين اليوم أن ما يقال من أن مملكة ماينوس كانت من محبي السلام
والمجتمعات البرونزية الهيبية اللطيفة لم تعد قائمة على الإطلاق.
أصبح هناك مجموعة من الأدلة القاطعة التي توحي بأنهم كانوا يقدمون
القرابين البشرية، وربما كانوا من آكلي البشر.
وجدت أدلة في حرم عال قدم فيه أحد الصبية قربانا على يد كبير الكهنة.
وقد حفظت عملية التضحية عبر الزمن، لانهيار السقف على رؤوسهم خلال
زلزال أرضي.
لماذا اختفت هذه الحضارات المتقدمة فجأة؟ تنقسم الآراء هناك وتشتت
الحقيقة.
توجد إحدى الأدلة في جزيرة سانتوريني الواقعة إلى الشمال من
كريت حيث تنتشر المنازل المطلية بالبياض فوق سفوح تحبس الأنفاس، مع
أنها ولد من رحم انفجار بركاني كان السبب في وجودها.
تعتبر إحدى الأساطير أكثر ما يلفت الانتباه في سانتوريني، إذ
يعتقد الكثير من أبناء الجزيرة حتى اليوم أنهم يعيشون على بقايا قارة
ضائعة.
يقول الفيلسوف بلاتو أن أتلانتيس كانت جزيرة مثالية، حتى
تحول أبناءها إلى شعب جشع يطمح إلى مزيد من الأراضي، ما أغضب الآلهة
التي أثارت زلزالا أرضيا جعل مياه البحر تغلي وتدمر أتلاتيس.
ولكن ما هي علاقة ذلك بسانتوريني؟
كانت سانتوريني في الماضي مركز أساسي لأبناء ماينوس، كما كان
ميناء أكروتيني يضم أسطولا هائلا.
هناك أدلة تؤكد أن انفجار هائل قد هز هذه الجزيرة قبل ثلاثة
آلاف وستمائة عام، كان انفجار بركاني بقوة عشر قنابل هيروشيما. أدى ذلك
إلى موجة مدِّ أغرقت كل أشكال الحياة على مسافة آلاف الأميال من حولها.
فهل سانتوريني من بقايا أتلانتيس؟
يعتقد بعض المؤرخين أن سانتوريني المعاصرة أو ثيرا القديمة قد يشكلان
أتلانتيس الأسطورية، ولكن المؤرخين الجديين يدعون إلى عدم تصديق هذه
الأسطورة. ويعتقدون أن بلاتو كان يسرد قصة الهدف منها إبلاغ رسالة عن
المثالية والنموذج الأكمل للوجود البشري.
يمكنك اليوم رؤية بقايا ميناء أكروتيري التابع لماينوس وهو بحالة جيدة
تحت الرماد، وهو يكشف الكثير عن حياة ماينوس، دون أن يكشف عن نهايتها.
حين أزالوا كل الرماد عثروا على شوارع ومنازل رائعة الجمال، كما وجدوا
الجدران مطلية بجص بلون بحالة براقة تشبه اليوم الذي طليت فيه. وجرار
وفخاريات مدهشة تميل على أرض المباني، ولكن المدهش في الأمر هو أنهم لم
يعثروا على أي أثر من البقايا البشرية هناك.
بغياب جثث بشرية تتحدث عما جرى يلجأ الخبراء إلى توقعات علمية تقول أن
هناك احتمال بانهيار حضارة الماينوس عبر الغزوات.
إن أبناء كريت كانوا يعتمدون على الأسطول مصدرا لقوتهم. ويعتقد اليوم
أنه عند انفجار بركان ثيرا دمر الأسطول بموجة مد بحري هائلة. وبعد
أجيال قليلة من ذلك هناك أدلة على وصول المسّينيين إلى كريت ليستولوا
على الجزيرة. ربما انعكس ذلك على التقليد الذي تحدث عن مجيء ثيسيوس إلى
كريت وقتل مينوتاور وفرض الهزيمة على مملكة ماينوس.
قد لا يعرف أبدا ما حصل لثيسيوس والماينوس، ولكن المناظر الخلابة في
كريت وسانتوريني تشعل المخيلة.
ما زالت القوة التدميرية حاضرة، لهذا يجب الاستفادة قدر
الإمكان من هاتين الجزيرتين الساحرتين في اليونان.
لا يوجد أماكن أفضل من هذه لمحبي المخاطر والدراما.
يأتي آلاف الزوار سنويا إلى اليونان لزيارة آثارها البارزة،
وهم يستلهمون أساطير ماضيها العريق، وما يكتنفها من حروب الطمع
والشهوات، ولكن ما هي الأسرار التي وراءها؟
أطلق أشهر الحروب اليونانية من مسّيني وهي حصن قديم يقع في
قلب شبه جزيرة بيلوبونيس، وهي تشكل اليوم إحدى أشهر الرحلات المطلقة
ليوم واحد من أثينا.
كانت هذه في الماضي عاصمة مملكة محاربة حكمت اليونان مئات
السنين.
أول ما يلفت النظر في مسّيني جدرانها التي ترتفع حوالي تسعة
وثلاثين قدم، بعرض أربعة وعشرين قدم.
من أبرز مزايا مسيني العمرانية ما يعرف بالجدران السيكلوبية التي
شيدت من قبل رجال ضخام قادرين على تحريك صخور هائلة مدهشة. حتى أن
المرء حين يمشي بينها يلاحظ تلك الجدران العملاقة المنتصبة دفاعا عن
الحصن.
يدخل المرء إلى مسيني عبر بوابة الأسود التي تعلوها منحوتة صخرية
لأسدين متواجهين. ما لا يعرفه الكثيرون هو ان هذا أقدم درع عسكري عرف
في الغرب.
يقال أيضا أن ملكا أسطوريا قاد جيشه عبر هذه البوابة
بالتحديد، وكان اسمه آغامينون وذلك في حرب شكلت العمود الفقري لأول
ملحمة شعرية عظيمة في الغرب هي الإلياذة.
تتحدث الملحمة الشعرية عن قيادة آغامينون للقوات اليونانية
في حرب عبر فيها البحر نحو طروادة.
وقد شُنت الحرب لاستعادة زوجة سبارتان، ملك مينيلاوس، التي
فرت من قصر زوجها مع أمير طروادة، لتثير بذلك حربا دموية دامت عشر
سنوات طوال.
من أشهر ما يقال في حرب طروادة أن هيلين طروادة أطلقت ألف سفينة
يونانية خرجت لاستعادتها من طروادة. ولكن ما الذي يكمن وراء هذه
القصة؟ ما ندركه عبر القصص القديمة هو أن النساء من العبيد يقدرن عاليا
من قبل الإغريق، لهذا كانوا يجتاحون المدن لسبي نسائها، ومن المحتمل أن
تكون هذه هي القصة الكامنة وراء حربة هيلين طروادة.
ولكن البعض اعتقد بأن قصة هوميروس واقعية فعلا بما في ذلك عالم آثار
ألماني من القرن التاسع عشر اسمه هنريش شليمان الذي عاش حياة تشبه
الأساطير.
لم يتعامل شليمان مع هوميروس على أنه مجرد شاعر كما عامله
بقية علماء الآثار، بل اعتبره مراسل حربي صادق.
لهذا قرأ القصة بعين الباحث عن الحقيقة بأدق تفاصيلها.
استعان شليمان بالإلياذة كدليل في رحلة قادته إلى غرب تركيا
المعاصرة، حيث بدأ بالحفر بحثا عن أدلة حرب عظمى وثروة هائلة.
وكان واثقا من عثوره على طروادة. ولكن هذه لم تكن بالنسبة له
إلا نصف القصة.
كان منطق شليمان يعتمد على أنه ما أن يعثر على طروادة عبر الحفريات،
حتى يتعقب الأبطال من حيث أتوا، لأن حرب طروادة لا تنتهي مع سقوطها، بل
عادت على الأبطال الإغريق بتبعات جدية حين وصلوا إلى ديارهم.
عاد الملك آغامينون إلى مسيني متوقعا استقبال الأبطال. إلا أن زوجته
كانت تتآمر ضده انتقاما لتضحيته بابنتهما في سبيل النصر. وقد شكل موته
بداية لنهاية مسيني.
أخذ شليمان يبحث عن هذه المدينة الأسطورية في الأراضي
اليونانية ليثبت وجودها.
حين عثر على أطلال مسيني توصل إلى قناعة بأنها موطن
آغامينون.
يمكن للزائر أن يرى في قلب الحصن سلسلة من القبور التي
اكتشفها شليمان وعثر فيها على الذهب.
حين عثر شليمان على القناع الذهبي المدهش، توصل إلى قناعة بأنه من
أعظم حكام مسيني القديمة. وبعد ذلك أرسل تلغرافه الشهير الذي يقول فيه،
لقد رأيت وجه آغامينون.
أسر بريق الذهب شليمان، فاستخف بجائزة حفرياته الكبرى، التي أثبتت صحة
ما كتبه هوميروس.
كانت الجثث التي عثر عليها في مقابر مايسيناي جثث أفراد يصل طولهم إلى
أكثر من ستة أقدام. وكانت هذه أطوال هائلة في القدم. ما يعيد إلى ما
يقوله هوميروس عن أبطاله القادرين على حمل أثقال تشبه الحلم في زمنه
وأنهم يستهلكون كميات هائلة من اللحوم وما شابه.
يكمن اللغز الأخير للزائر هناك خارج الحصن، حيث يرى قبرا كبيرا أشبه
بقفير لا بد أنه شُيد لشخصية عظيمة الشأن.
وجد شليمان القبر خاويا، فقد طارت محتوياتها على يد اللصوص.
فهل هذا آخر مرقد لراحة نفس آغامينون؟ هذا ما تظنه الغالبية، ولكن
الحقيقة قد لا تكتشف أبدا. فقد حمل آغامينون سره إلى القبر معه.
يمكن للزائر أن ينعم بتجربة مسيني الكاملة عبر إقامته في نفس
الفندق الذي سكنه شليمان، وقد يحالفه الحظ في الحصول على غرفته.
قبل مغادرة الفندق طلب شليمان من صاحب الفندق بأن يكرم سكان
مسيني القدماء بتسمية أبنائه بأسمائهم.
بقيت طروادة في عداد الأساطير، بينما أصبح بالإمكان استعادة
أحداث حرب إغريقية أخرى لحظة بلحظة.
إذا كان هناك موقع للمناوشات فلا شك أن الخالدين تخطوا
الجبال إلى ما وراء ليونيداس.
انه موقع سري وضروري لكل عشاق التاريخ العسكري.
ثيرموبايلا منطقة جبلية رائعة تقع إلى شمال أثينا. كان هذا
المكان الهادئ موقعة لأكثر المعارك دموية في التاريخ القديم.
إنها معركة تذكر بشجاعة حفنة قليلة من الأبطال، هم أبناء
سبارتا.
كانت سبارتا دولة مدينة معروفة في أرجاء اليونان بعظمتها العسكرية
ونظامها الحديدي.
وقد نهض الجيش لحماية سبارتا من قوة العبيد الكبيرة المعروفة
بلقب الهَلُّوت.
أدرك أبناء سبارتا أن عليهم تحويل أنفسهم إلى آلة حرب تعمل على مدار
الساعة ضد ثورة الهلوت الذين تفوقوا على أسيادهم بالعدد وكادوا يتغلبون
عليهم.
أمضى جميع رجال سبارتا حياتهم في التدرب على الحرب منذ الولادة.
هناك أدلة كثيرة تثبت أن سبارتا كانت تمارس التعرض للصعاب أكثر من
الدول الإغريقية الأخرى. أي أنهم كانوا يضعون الصغار الذين لا يبدون
قادرين على النمو ليصبحوا محاربين أشداء أو نساء جميلات شديدات.
وكان الناجين يؤخذون في السابعة من العمر كي يخضعوا للتدريب كجنود
أشداء.
كان التدريب يركز على تعلم مهارات الطاعة، وكان الهدف من ذلك هو أنه
حين يصبح جنديا فاعلا في جيش سبارتا، عليه تنفيذ ما يؤمر به. هذا ما
كان يميز جيش سبارتا عن بقية الجيوش اليونانية التي لم تكن مدربة ولا
تمتاز بالنظام.
كانت الصورة بالغة الأهمية بالنسبة لمحارب سبارتا. فكان يمشط شعره
الطويل قبل الذهاب إلى الحرب، معتقدا أن ذلك يمنحه القوة. كما كان يصبغ
عباءته بالأحمر الداكن لإخفاء بقع الدم.
وكان طعام سبارتا بسيطا لأسباب وجيهة.
لم تكن سبارتا المكان المناسب تقليديا لتناول الطعام. إذ كانت أطباقها
اقتصادية جدا. وكان لديهم مثلا حساء من المرق الشهير. أي أنهم لم
يبدعوا بأطباق الطعام كي لا يدفعوا الناس إلى النهم.
وحين كان الغريب يتذوق أطباقهم يفترض به القول: لقد عرفت الآن لماذا
لا يهابون الموت.
استعد أبناء سبارتا في ثيرموبيلاي لخوض أشهر معاركهم. وقف
ملك سبارتا مع حفنة من ثلاثمائة جندي محارب يحاولون وقف تقدم الجيش
الفارسي المؤلف من آلاف الجنود.
سمعة جنود سبارتا في حروب الهَبلِبت رائعة جدا فهناك عدة مصادر أدبية
وتاريخية تتحدث عن الخوف من جنود سبارتا القائم على الرعب النفساني
الشبيه بالخوف من مهرب المخدرات الكولومبي. لهذا كان الخوف يتملك الناس
حين يرون أبناء سبارتا الذين لا يفرون، بل يسيرون على أنغام المزامير
ما كان يخيف أعدائهم، هناك شواهد على فرار جيوش بكاملها من ساحات
القتال.
ولكن الفارسيين لم يفروا. بينما تمسك جنود سبارتا بالأرض وفاء لقادتهم
ورفاقهم.
كان ذلك أشبه بالوقفة الأخيرة التي قاتل فيها كل منهم حتى الموت بكل
ما في الكلمة من معنى.
استمر القتال على مدى ثلاثة أيام بلياليها ماتوا فيها جميعا بما في
ذلك الملك، باستثناء جنديين فقط.
يعتقد أن ليونيداس هو أفضل القادة القتاليين على الإطلاق. أكثر ما
يدهش في معركة ثيرموبيلا هو أن الملك ليونيداس كان يقف جنبا إلى جنب مع
جنوده. ولا يعتقد أنه كانت لديه أي فرصة بالرحيل. هذا ما تعنيه القيادة
القتالية.
هذا ما ثبت في الغرب مبدأ يقول أنهم قد لا يتفوقون في العدد والعدة،
ولكن يمكنهم صنع أيديولوجيا لدى المواطن، ليثبت جدارته حين يوضع في أرض
المعركة.
ولكن اليونان القديمة تنعم بما هو أكثر من الحرب.
يوجد بعضا من أسرار اليونان القديمة على مسافة رحلة يوم واحد
من العاصمة أثينا.
تقع ديلفي على مسافة ساعتين من المدينة ولكنها قد تبدو في
عالم آخر، إذا أنها في أعالي جبال وسط اليونان وهي إحدى أكثر المناظر
الخلابة إثارة للدهشة في المنطقة ولا بد لأي زائر أن يعرج عليها.
لا بد أنها كانت مذهلة حين شيدت لأول مرة كما أن المناظر الخلابة
المحيطة تجل كل شيء هناك أخاذ.
ولكن هذا الجمال يخفي سرا دفن في أعماق الماضي. ظن قدماء اليونان أن
دلفي هي سر العالم. وما زال السكان المحليين يدعون ذلك.
تقول الأسطورة أن الآلهة الإغريقي سيوز أراد البحث عن وسط
العالم فأطلق نسرين أحدهما من الشرق والآخر من الغرب فالتقيا فوق دلفي.
وضع في الموقع حجرا مقدسا تشكل علامة لم يبق منها اليوم إلا نسخة
مزيفة.
تدعي أسطورة أخرى أن الآلهة أبولو اختار دلفي كمكان للعبادة.
تقول الأسطورة أنه سبح في البحر على شاكلة دلفين إلى دلفي، وبما أن
دلفي تقع في أعالي الجبال عاد إلى شاكلة الآلهة لأن الدلافين لا
تستطيع تسلق الجبال.
كان يسكن في ذلك الموقع تنينا يسمونه الآصلة، فسعى إلى قتله.
قتله باستعمال سهامه، وبعد ذلك أقام أبولو معبده المهيب الذي
ما زال قائما في دلفي.
ولا بد كمن القول أن كلمة دلفي باليونانية تعني دلفين، تيمنا بتسمية
أبولو.
وبما أن آلهة الإغريق كانت تبصر المستقبل كما يدعون، فقد رأى
أبولو أن دلفي ستنعم بالشهرة ويسكنها كائن غامض هي أوراكل.
لقبت باسم بايثيا، وكانت نصائحها الحكيمة مطلوبة في جميع
المجالات من شؤون الدولة إلى قضايا القلوب.
كانت تجلس على تصدع في الأرض وتتنشق البخار المتصاعد من
الأعماق. وحين تفقد الوعي تهذي بلغات كما يفعل الوسيط المعاصر.
وكانت كلماتها غير مفهومة فيترجم نصائحها كهنة أبولو. ولكن
حتى تفسيراتهم عادة ما كانت غامضة.
كانت أقوال الوحي تأتي دائما بالألغاز.
منها النموذج الشهير الذي سبق الحروب الفارسية، حين بعثت
أبناء أثينا بسفرائهم إلى دلفي للسؤال عما يمكنهم عمله، فجاءهم الرد
على النحو التالي: ويحكم لا يوجد أمل! وبقي السفراء هناك للحصول على رد
أفضل. وأخيرا نصحتهم بايثيا بالاختباء وراء الجدران الخشبية.
فعاد أبناء أثينا إلى ديارهم يحكون رؤوسهم ويتناقشون حول ما يعنيه
أبولو. حتى خرج رجل الدولة الأثيني يقول: ما يعنيه أبولو هو أنه علينا
مغادرة المدينة، والبحث عن سلامتنا في أسطولنا الخشبي، وهذا ما فعله
أبناء أثينا حين تسلحوا بالأسطول وقاتلوا الفرس في البحر.
إلى جانب استلهام وسيطة الوحي بما تدعيه من صلة بالآلهة فقد كانت
تعتمد على مصادرها في الأرض.
فمن خلال زيارة جميع قادة الدول لدلفي طلبا للنصيحة كان
الكهنة يحصلون على معلومات كافية ووافية لاستخلاص جميع العبر.
ما كان الأمر يبدو مخيفا بل كانت خدماتها أشبه بالخدمات السرية أو
بالأحرى المعارف النادرة المفعمة بالألغاز. حتى بدا أن كهنة دلفي على
اطلاع نسبي بحقيقة ما يجري في العالم، وأنهم قادرون على تقديم
الاستشارات المفيدة جديا.
بقي الكثير من الأدلة على وجود الوحي، فما زالت الأسئلة المطروحة على
باثيا محفورة على الصخور مع صورة لملامح الكاهنة نفسها. ولكن ماذا عن
الشق الذي كانت تتوقع فيه؟
تقول الحكايات أن طالبي النصيحة كانوا يصعدون إلى معبد أوبلو
ويقدمون طلباتهم إلى الكهنة الذين كانوا يأخذونها إلى الوحي.
كانت تبقى بعيدة عن الأنظار مع أنه لم يتم العثور على غرفة
سرية في المعبد.
فهل كانت هناك فعلا؟
قد تجد الرد على ذلك في موقع سري في دلفي.
عند أسفل الجبال كانت تتفق مياه نبع كاستاليان التي يطهر
فيها الحجاج أنفسهم.
حفرت في الصخر سلالم صغيرة تقود إلى تصدع خفي ربما كان هذا
هو الموقع المقدس الذي تقرأ فيه بايثيا المستقبل.
أثبت الباحثون الأمريكيون أن المنطقة تعج بتصدعات ينبعث منها
غاز طبيعي يسبب الهذيان.
هذا ما قد يفسر الكثير لأن بايثيا قد عرفت بتنشق دخان السولفر من
الأرض.
وقد تكون الحقيقة أشد تشويقا إذ يعتبر البعض أن هذيان بايثيا الإلهي
كان ينجم عن نوع من العسل المخدر المتوفر في هذه الجبال.
المهم في الأمر، وأيا كانت الحقيقة، هو أن زيارة دلفي تستفز
العقل فعلا.
تعتبر كورينث القديمة من المناطق الأخرى التي يمكن بلوغها
بسهولة من أثينا، مع أن أسرارها تعتمد المدنسات على خلاف دلفي الإلهية.
كانت كورينث ميناء معروفا بسبله الضارة المؤذية، التي تبدو
آثاره واضحة أسفل الصخور البارزة في أكروكورينث.
ينتصب في القمة معبد كرس لآلهة الحب أفروديت، حيث كانت ألف
مومس تعرض بضائعها.
حين كان ابن أثينا يخبر جاره أنه ذاهب لقضاء نهاية الأسبوع في كورينث
كان جاره يدرك أنه سيمضي نهاية أسبوع فاسدة لأن كورينث كانت مرادفا
للمتاع.
كانت المومس تجلب الزبائن بالسير على الشاطئ بحذاء يطبع على الرمال
عبارة اتبعني.
وقد ساد اعتقاد حينها أن العاملات في كورينث يتمتعن بجاذبية
أكبر من المومسات العاديات.
كان معبد أفروديت يتلقى الخدمة من قبل خدمة المعبد اللواتي يلجأن
للدعارة لجمع المال اللازم لخدمة طقوس المعبد. كان المعبد يشتري بعضا
من هؤلاء العبيد بينما يتبرع بعض الأثرياء بالأخريات. فهناك مواطن من
كورينث مثلا تبرع بحوالي ثلاثين مومس لخدمة المعبد.
انتشرت سمعة كورينث على نطاق واسع حتى أن اليونانية القديمة اعتبرت
كلمة كورينثيني مرادفا للانغماس بالملذات.
وقد وجد بولص الرسول في منطقة كورينث المختلطة مكانا مناسبا
لنشر المسيحية. فقد حثه إغراءها على توجيه رسالته الشهيرة إلى أبناء
كورينث، التي يدعو المسيحيين فيها للبقاء على الاستقامة والفضيلة.
من أبرز آثار كورينث نبع بيرين وهو ينبوع طبيعي ما زال يمول
المدينة بالمياه. كما أنه يضم سرا كحدود الانتشار.
يقال أن الجواد المجنح بيغاسوس قد شرب من هذا النبع. وهكذا
تحول إلى رمزا للمدينة، وطبعت صورته على النقود.
تحولت كورينث في العالم القديم إلى محور تجاري هام بفضل
موقعها الاستراتيجي.
تحتل هذا الموقع الجغرافي الهام المسيطر على مساحة الأراضي الضيقة
التي تربط جنوب اليونان بوسطها. فكان لأبناء كورينث اتصال سهل عبر
السفن بغرب المتوسط كإيطاليا وغيرها، وشرقه في بحر إيجة وتركيا، ما جعل
منها مركزا تجاريا هاما.
وبدل الإبحار من حول بيلوبونيس كانت السفن تعبر مسافة قصيرة في كورينث
من ميناء إلى آخر تجنبا للضرائب المفروضة.
تشمل أي رحلة إلى كورينث محطة إجبارية في منطقة قريبة من سر
مجاور حيث قناة كورينث الشهيرة والتي تشكل روعة هندسية ومأثرة لا يحلم
بها إلا أبناء كورينث القديمة.
إنه ممر هائل للسفن، وإذا حالفك الحظ يمكنك رؤية العمل فيه.
لا تفصل بين ضفتي القناة إلا تسعين قدم فقط، وجدران صخرية بارتفاع
مائتين وسبعين قدم. لا بد من سحب السفينة بدقة متناهية تصل إلى بضعة
إنشات.
تعتبر اليونان محطة للزوار لا مثيل لها، يأتيها الكثيرون
بحثا عن الشمس والتسلية، بينما يأتي الآخرين إعجابا بالآثار والماضي
وما ورائها من أسرار تخفيها عن آلاف الزوار القادمين إليها سنويا.
محطة الوصول إلى اليونان، والبارز أي زيارة، هي أثينا مولد
الديمقراطية المعاصرة.
إنها عاصمة البلد، حيث يمكن الوصول إليها من أي مكان في
العالم.
أصبحت اليوم من أشد العواصم الأوروبية إثارة، فعناصر الدهشة
تنتشر في جميع الزوايا، فهي مناسبة للتسوق أو مجرد الترفيه فقط. أما
ذوي الفضول فأسرار أثينا لا تبعد كثيرا عنهم.
من بينها كيفية حصول أثينا على اسمها، فالقصة تبدأ بالآلهة
كالمعتاد.
كان هناك مباراة بين أثينا وآلهة البحر المسمى بوسيدون، حول من سيكون
سيدا على أثينا، فجاء كل منهما بهدية.
فقدم بوسيدون قلعة أثينا والرمح الثلاثي والبحر والمياه
المتدفقة. فقدمت أثينا شجرة الزيتون التي تشكل جزء أساسي من غداء
اليونان القديمة، وهو رمز السلام، فتقبل أبناء أثينا هدية الآلهة أثينا
لهذا حملت مدينتهم اسم أثينا.
أول مكان يود الجميع زيارته هو بارثنيون العظيم، الذي تغلب آثاره على
أكروبوليس المنطقة الأعلى في المدينة. تشهد هذه الحجارة على أحداث هامة
لأشخاص ساهموا في تغيير مجرى التاريخ.
من بين هؤلاء سقراط وهو أحد أعظم الفلاسفة عبر التاريخ.
ولكنه ساءل لسلطات، وسجن على يد شرطة الأفكار في عصره حتى أجبر على
الانتحار باحتساء شراب الشوكران. يقال أنه احتسى هذا السم في برج
الرياح، التي يمكن رؤيته حتى اليوم تحت جدران أكروبوليس.
وعند تسلق بارثنيون لا بد من جولة لمشاهدة الساحة، التي كانت تشكل قلب
أثينا النابض ومركز نشاطها الحيوي تماما كما ترى مدينة اليوم الحديثة.
ولكن لدى الساحة سرا لا يعرفه الكثيرون، فهي المكان التي
ولدت فيه الديمقراطية.
بدأ كل شيء بالثورة، فقد نهض سكان أثينا ضد الطغيان وطالبوا
بنوع جديد من المجتمع الذي يتمتع كل مواطن فيه بصوت في الحكم، مطلقين
شعار السلطة للشعب.
وضع إطار هذا العمل على يد مواطن أثيني حالم اسمه كليسثينيس،
الذي أقام جمعية ضمن الساحة يسمح فيها لكل مواطن بالإدلاء برأيه، شرط
ألا يطيل. استعملت الساعات المائية لقياس طول الخطاب. وأجريت
الانتخابات بالحصى، البيضاء للموافقة والسوداء للرفض.
وهكذا أخضعت الديمقراطية لأشد تجربة في التاريخ.
كانت أثينا مهددة باجتياح جيش فارسي تعداده مائة ألف رجل.
فصوت أبناء أثينا للقتال دون الاستسلام.
أوكلت مهمة الدفاع لقائد بحري لامع اسمه ثيميستوكليس الذي
تمكن عبر إحدى أشهر المعارك البحرية من إدخال الأسطول اليوناني إلى
مضيق مقابل أثينا حيث كمن للسفن الفارسية وأغرق غالبيتها رغم تفوقها
بنسبة ثلاثة سفن لواحدة.
وهكذا نجت أول تجربة ديمقراطية في العالم.
أدرك أبناء أثينا أنهم صوتوا للقتال، وأن القرار يعكس رغبة غالبية
المواطنين، وأن هذا لا ينطبق على الفرس، ما قيل عن الديمقراطية يكفي
لهزيمة الجيوش الوطنية والمتحمسة والكبيرة أيضا.
الوصول إلى أكروبوليس ورؤية الباثنيون عن قرب أمر مذهل. يعود الفضل في
ذلك إلى صانعه رجل الدولة العظيم بريكليس الذي أراد قبل أي شيء آخر منح
اليونان تفوقا ثقافيا.
فأقام معبد هائل للآلهة أثينا في أكروبوليس نفسها، فكان
معبدا تفوق على البقية جميعا. استغرق إنجاز هذه الروعة العمرانية تسعة
أعوام متواصلة، رغم كل مصاعبها.
أتهم بريكليس في جمعية أثينا بأنه يحشو المدينة، فقد خصص أموالا طائلة
لبناء مشاريع لا تساهم في الدفاع عن المدينة.
شيد في الداخل تمثال لأثينا بارتفاع أربعين قدم، رصع بكامله بالعاج
والذهب. وهناك سر آخر. من بين الأسماء الرسمية للآلهة أثينا العذراء،
أي بالإغريقية أثينا بارثينوس فحمل المعبد لقب بارثينوس.
أما السر الآخر فهو أن البياض الناصع للمعبد يبدو جزء من
جماله، ولكن قدماء اليونان كانوا يفضلون اللون الواحد، كان الكثير من
التماثيل يحمل ألوانا براقة، وكلما كان اللون سقيما كان أفضل.
يطل المشاهد من أكروبوليس على مناظر خلابة تحبس الأنفاس، يصر
الغرب علىأنها وضعت أسسا لحضارته المستمرة حتى اليوم.
فقد ساهمت في زرع جذور الطب ومهد الفنون ونماذج الشجاعة
ومنارة الود.
كما ساهمت أيضا في وضع حجر الأساس للحرية.
أما سر اليونان القديمة فهو أنها ما زالت حية حتى اليوم. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م