اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 أسرار الدورادو
 

الدورادو

آثار أعظم أسطورة في الأمريكيتين، إنها أسطورة تختفي في أدغال الأمازون. كان ياماكان مملكة ذهب عظيمة تعرف باسم الدورادو.

 جاء الإسبان إلى هناك في نهاية القرن السادس بحثا عن الدورادو. لم يعثروا عليها ولكن يعتقد أنها هناك.

 إنها قصة اكتشاف علماء الآثار لحضارة ضاعت خلف أسطورة الدورادو التي لم تكن مملك الذهب، لأن سر الدورادو الحقيقي هو أبعد من ذلك بكثير، لما يملكه من قوة تكفي لتغيير العالم.

 عام ألف وخمسمائة واثنين وأربعين قاد أوريانا حملته عميقا في قلب الأمازون. كان يبحث عن الدورادو، مملكة الذهب التي قال الهنود أنها تختبئ في الأدغال. لقد جال وسط غابات المطر طوال ثمانية أشهر. وحين عاد أخيرا إلى اسبانيا حمل معه حكايات مدهشة عن حضارة مجهولة.

 إنها مدينة تمتد على طول خمسة عشر ميلا دون أن توجد مسافة بين المنزل والآخر، ما يعكس مشهدا يثير الدهشة والإعجاب.

          هناك عدد من الطرق التي تدخلها وهي طرقات واسعة راقية.

          على مسافة ستة أميال من ضفة النهر توجد مدن كبيرة يغمرها البياض، وإلى جانبها أراض خضراء خصبة شبيهة جدا بأراضي إسبانيا

 ولكن حين عاد الاسبان مجددا إلى الأمازون بعد سنوات من ذلك لم يجدوا شيئا مما تحدث عنه أوريانا. سوى بعض القرى الهندية المتفرقة.

 حين جاء أوريانا نزولا عبر سولوميس وصعودا عبر النيغرو في المنطقة التي مر بها، يبدو أن أعداد الناس هناك كانوا بالآلاف وأن القرى كانت تمتد على مسافة أميال، ولكن بعد خمسين أو ستين عاما من ذلك لم يجد أحدا ما رآه أوريانا ووصفه بأدق التفاصيل.

 هل انتشرت هناك أي حضارة كالتي وصفها بالدورادو وسط الأمازون؟ أم أن هذه مجرد أجزاء من من مخيلة أوريانو؟ ومجرد قصص ابتدعها ليدهش البلاط الاسباني.

 يكمن السؤال الأهم فيما إذا كان هناك مجتمعات واسعة معقدة في وسط الأمازون كما قال أوريانا أواسط القرن السادس عشر. لا شك أن هناك أسطورة تتحدث عن بنية اجتماعية بالغة التعقيد على ضفاف الأمازون، أما الجواب على ذلك فيكمن في الغابات والأدغال.

          دفعت خرافة الدورادو طوال خمسمائة سنة عددا من المغامرين والمستكشفين إلى أعماق الأدغال في أمريكا الجنوبية، وقد عثروا خلف الأمازون على أشياء رائعة، منها أطلال قلاع مدمرة للإنكا كماشو بيشو المخبأة في أعالي الأنديس. كما عثروا في أمريكا الوسطى على مدينة المايا الضائعة، أما وسط الأمازون فلم يجدوا شيئا، لا أهرامات ولا معابد إلا الأدغال.

          وهكذا توصل الكثيرون إلى خلاصة مفادها أن الدورادو مجرد أسطورة وخرافة من صنع مخيلة شاسعة بلا حدود.

 لا يصدق المرء ما يقال حتى يتأكد أثريا لأن لهؤلاء الناس دوافع أخرى غير الحقيقة.

 على بيتي ميغيرز أن تعرف عما تتحدث، فقد عملت في المنطقة لفترة أطول من أي شخص، وقد أكدت قبل أربعين عاما أن حضارة الأمازون لا يمكن أن تتواجد، وأن لديها نظرية علمية تثبت ذلك. لكل شيء صلة مباشرة بالزراعة، فالزراعة هي قلب جميع الحضارات العظيمة في العالم. وحده النشاط الزراعي البالغ ينتج ما يكفي من طعام يكفي لأعداد كبيرة من تجمعات السكان، كما أن تجمعات السكان الهائلة وحدها تبني المدن ومراكز المراسيم التي تحدد محتويات الحضارة.

          لا يمكن أن يكون هناك حضارة بدون زراعات كثيفة.

   إلا أن جميع محاولات الزراعة الكثيفة في الأمازون قد أدت إلى كوارث. فتربة الأدغال الصفراء فقيرة جدا.

          حتى التقنيات الحديثة قد تسببت بكوارث بيئية، فبعد إزالة مساحات شاسعة من الغابات أجبر الناس على التخلي عن الأراضي.

 بذلت كل الجهود  لتطوير زراعة دائمة الاعتماد على نفسها، وقد بددت ملايين الدولارات في هذا المجال ولكن كل هذه الجهود باءت بالفشل.

 تؤكد خلاصة ميغيرز أنه بدون تقدم زراعي لا يمكن لسكان الأمازون تطوير أي حضارة تذكر. فالتجمعات السكانية المتباعدة هي بقايا من أسلوب حياة قديمة، جماعات من الرحل الذين خلفهم التاريخ.

لدى غالبية الناس فكرة أساسية عما تبدو عليه الأمازون بشكل عام. هم جماعات صغيرة يعتاشون على الطبيعة، أو ما نسميهم في الغرب متوحشي العصر الحجري الذين تجمدوا منذ فجر التاريخ.   يمكن القول أن شعوب الأمازون يمثلون إلى حد ما أجداد معاصرين، أي أنهم اليوم كما كانوا قبل عشرة آلاف عام. وكأن تاريخهم في بدايته.

 بغياب آثار الحضارة في وسط الأمازون والأسباب العلمية المقنعة لوجودها يبدو أن أوريانا كان يكذب فعلا، وأن الدورادو لم يوجد أصلا.

ولكن هذه النظرة التقليدية للأمازون قد تعرضت للتحديات على مسافة آلاف الأميال من حيث كان أوريانا، فعلى أطراف غابات المطر تقع سهول موهوس البوليفية. ما اكتشف في هذا المكان قد يشكل ثورة في فهم الأمازون ما قبل التاريخ.

كان كلارك إريكسون من بين علماء الآثار الغير اعتياديين الذين شاركوا في هذه الاكتشافات.

  أمضى إريكسون أكثر من عشرة أعوام في دراسة سهول موهوس. إنها بيئة تختلف كليا عن وسط الأمازون دون أن تقل صعوبة عنها. لا تغلب غابات المطر على المناظر الطبيعية هناك بل هي مساحات شاسعة من الأعشاب التي قد توصف بالسهول. تغمر المياه بعدة أقدام هذه السهول في فصل الشتاء، أما في الصيف فهي جافة جدا، ما يجعل من الصعب زراعة المحاصيل، وقد لا تجد اليوم  أحدا يسكن هناك. ولكن علماء الآثار وجدوا شيئا غريبا في تلك المنطقة، يكمن بخطوط غير طبيعية تغطيها أنماط غامضة، كما تنتشر فيها آلاف التلال المعزولة التي تغطيها الأشجار.

 الملامح الغالبة على تلك السهول انتشار جزر من الأشجار التي يسميها السكان المحليين إزلاس، ويعتقد أن هناك ما يتراوح بين خمسة وعشرة آلاف منها في تلك المنطقة من الأمازون.

 عثرإريكسون على حفنة من الفخاريات. والفحم النباتي أو بقايا طعام وعظام بشرية ما يشير إلى تواجد البشر هناك.ومنها قطعة من وعاء كبير جدا. يبدو من حجمه أنه كان وعاء للطهي. وهي قطعة تقليدية كالتي تجدها في الأماكن التي يسكنها الناس.

 يبدو لإريكسون أن الآلاف من جزر الغابات هي من صنع بشر ما قبل التاريخ، ولكن أي مجتمعات قامت ببنائها؟

عثر إريكسون تحت الأشجار على مواطن بشرية قديمة هائلة وأن آلاف الأشخاص كانوا يحتشدون هناك لإقامة المراسيم. كان هذا ما يميز الحضارات.

          جاءت أولى الإشارات لما قد تبدو عليه تلك المجتمعات  من تل مجاور اسمه إفياتو، وهو ما يزال  مسكون من قبل قبائل هنود سيريونو.

  ما زالت إفياتو تحتوي على بنى أثرية قديمة، بما فيها من مستويات ثلاث ما زالت واضحة.

  هو تل يصل ارتفاعه إلى خمسة أمتار، تبلغ مساحته حوالي ثمانية هكتارات. عادة ما يتمتع بسطح أساسي ثم يصعد تدريجيا إلى قاعدة أولى تعرضت لتآكل جدي، ثم يلي ذلك قاعدة ثانية ، والتي تقام عليها غالبية المنازل. وقد تكون أكثر بكثير  مما هي اليوم.

 يعتقد إريكسون أن مئات المنازل كانت تنتشر حول القاعدة الأساسية للتل قبل ألف عام وأن التركيز الاجتماعي كان في أعلى الهرم المقدس.

    الميزة في تلك التلال هو أنه على جانب من قمة السطح الثاني أو الثالث، وليس في الوسط، هناك مرتفع ترابي يشبه الهرم، ترى اليوم أن كنيسة سيريونو تحتل المكان، يتوقع أن المعبد كان يحتل مكانها في الماضي، أو ما يشبه بيت الكاهن.

 يشكل هذا دليل مقنع على وجود مواطن دائمة في مكان تسكنه اليوم قلة قليلة، مع أن هذا قد لا يبدو منطقيا. لأن المواطن الكبيرة تعني زراعات كثيفة ما يفترض أن يكون شبه مستحيلا.

 تحتوي لغة سيريونو على مجموعة من الكلمات الخاصة بالنباتات المدجنة، التي يبدو أنها من مشتقات لغة كانت تستعمل قبل ألفي عام، كانت على صلة بمجتمع زراعي.

          هي كلمات تشمل عبارات مثل أشيوتي وهي نبتة صباغ أحمر. وتحتوي على كلمة القطن. لديهم هذه الكلمات التي لم يستعيرونها من شعوب أخرى بل لأنهم حافظوا على زراعة هذه النباتات لزمن بعيد.

 يبدو أن الشعوب التي استقرت هناك في الماضي كانت مزارعة مثل سيريونو.  كانوا يزرعون نباتات صباغ متنوع وينسجون القطن لصناعة الملابس، ويسكنون في تلال جرت هندستها بحذر شديد وسط سهول تغطيها المياه في فصل الشتاء، ويتغذون على نباتات زراعية كالذرة. على خلاف ما ورد في حكايات أوريانا الخاصة بوسط الأمازون، فقد عثر إريكسون هناك على مزيد من الأدلة الخاصة بمجتمعات معقدة.

  جاءت بعثة سوليس دي أولغين إلى هناك عام ألف وستمائة وسبعة عشر، وقد وصفوا الطريق إلى تلك القرى بأنه يمتد لمسيرة أربع ساعات على الجياد، وأنها كانت هائلة بحجم المدن الإسبانية، أي أنهم كانوا متأثرين جدا بالطرق وباستقامتها وهندستها.

 تعززت الكتابات الاسبانية بأدلة وجدت على الأرض. فما زال أحد الشوارع قائما هناك.

          يمكن أن ترى في جزيرة غابة باوير حوالي مائة طريق شعاعي يربطها بجزر الغابات الأخرى.

 ماذا عن الخطوط النمطية الغربية؟ هل هي أعمال أرضية قديمة وحقول رفعت بضعة أقدام متعمدة عن سطح السهول؟ يعتقد إريكسون أنهم كانوا يزرعون الأرض هكذا في مناطق تصعب فيها زراعة المحاصيل.

          رفع الحقول عن مستوى السهل يبقيها جافة في فصل الشتاء ومحاطة  في فصل الجفاف بقنوات ضحلة تمولها بالمياه على مدار السنة.

 يعتبر رفع الحقول طريقة عبقرية لزراعة مناطق تعاني من ضعف التربة في الصيف والطوفانات في مواسم المطر.

  وجد إريكسون  أن بقايا الحقول المرتفعة تمتد على مساحة آلاف الكيلومترات المربعة ما يوحي أنها تكفي لأعداد كبيرة قد تصل إلى مئات الآلاف أو الملايين الذين عاشوا في تلك المناطق النائية من حوض الأمازون.

  عند التأمل بحجم الجهود التي بذلت في بناء المشاريع وكميات التربة التي أزيلت وساعات عمل الأفراد التي كرست لتحويل مسارات الأنهر لبناء قنوات ورفع الطرقات، تجد انها لا تقل أهمية عما قام به المصريين لبناء الأهرامات والمدن.

 تثير الاكتشافات البوليفية أسئلة بديهية: إذا تمكنت تلك الشعوب من التغلب على محيطها البيئي فهل يمكن لادعاءات أريانو ألا تبلغ هذا الحد من الخيال؟

          ربما كان الدورادو على بعد مئات الأميال من وسط الأمازون.

          عندما يبدأ العلماء بتأمل قبائل هنود الأمازون عن قرب يعثرون على أدلة تؤكد أنهم ليسوا شعوبا عاشت دائما في العصر الحجري.

          قام عالم الكائنات مايك هيكينبيرغ قبل سنوات قليلة بالعمل مع قبيلة كويكورو الأمازونية التي لا يزيد عدد أفرادها عن ثلاثمائة شخص. وقد توقع أنه يتعامل مع مجتمع صغير،  ليتبين له لاحقا أنه وسط أحجية بالغة التعقيد.

 هناك عدة جوانب لبنيتها الاجتماعية المشابهة جدا للبنية الاجتماعية المعقدة في أماكن أخرى. من عناصرها مثلا أبناء الزعماء الذين يختلفون منذ الولادة عن أبناء غير الزعماء.

 فوجئ هيكينبرغر حين وجد ما في تلك القبيلة الصغيرة من بنية أرستقراطية كاملة. يتم التعبير عن الفوارق الاجتماعية من خلال الشعائر خصوصا.

 تستعمل بعض المزامير مثلا للاحتفال بأبناء الزعماء.

 الغريب هناك هو أن مجموعة صغيرة كتلك تمتاز ببنية بالغة التعقيد. ولكن هيكينبيرغير وجد مؤشرات تؤكد أن قبيلة كيوكورو كانت تختلف جدا في الماضي. وقد عثر بالقرب من القرية الراهنة على بقايا مستوطنة تاريخية قديمة.

 كانت الساحة أشبه بحجم قرية معاصرة. ولكن المناطق السكنية المجاورة كانت أكبر بكثير حتى أنها أكبر بعشر مرات من القرية المعاصرة.

 قد تبدو القرية المعاصرة قزما أمام القرية القديمة، والغريب في الأمر هو أن تلك القرية الهائلة كانت واحدة من عدد كبير من قرى الأمازون في بوليفيا.

 حيث تجد اليوم قرية واحدة، كانت في الماضي على اتصال وترابط بالقرى المجاورة التي تبعد ثلاثة أو أربعة كيلومترات.

          يوحي هذا كله أن كيوكورو ما قبل التاريخ لم تكن قبيلة عصر حجري من شبه الرحل الذين علقوا في فجر الزمن، بل ربما كانت مع غيرها من قبائل وسط الأمازون قد عاشت في مجتمعات كبيرة مستقرة، شبيهة بتلك التي وصفها أوريانا.

          لهذا عاد علماء الآثار للبحث في غابات المطر التي وصفها أوريانا بحثا عن حضارته الضائعة.

          أثناء استطلاع نهر تباهوس البرازيلي عثر بيل وودس عن أدلة ضمنية ولكنها شديدة الأهمية.

 قد تجد صعوبة في رؤية ذلك ولكن بالقرب من أعالي الجرف المسطح على طول تاباهوس يمكن رؤية   تربة سوداء جدا. يشكل ذلك نموذجا عما كان يغطي عشرات الآلاف من الهكتارات في تلك المنطقة.

 تنتشر التربة السوداء أو تيررا بريتا كما يسميها البرازيليون، في جميع أرجاء غابات الأمازون، ولكن ما يثير علماء الآثار هو ما تحتويه.

 تتناثر على الأرض هناك أشياء مختلفة، يبدو بعضه كالحجارة والصخور ولكنها في الواقع أدوات، غالبيتها من الجرار والأوعية التي صنعها الهنود قبل أكثر من ألف عام. إنها متوفرة بكميات كبيرة ملفتة بكل معنى الكلمة.

  الفخاريات التي عثر عليها رائعة جدا كما أن معظمها يعود إلى ألفي عام، أي قبل وصول الأوروبيين بأكثر من ألف عام. كان هذا أول دليل قاطع على وجود حضارات متقدمة في غابات المطر.

          وعندما حفر العلماء عميقا في التربة السمراء عثر العلماء على اكتشاف باهر، فلم تكن التربة مليئة بالفخاريات فحسب بل كانت مشابهة بتركيبتها لتربة الأدغال الصفراء المحيطة بها، سوى أنها كانت ممزوجة بالنفايات العضوية، ما يعني ان التربة السوداء هي من صنع البشر.

 أخذ العلماء يرسمون خريطة لانتشار تلك التربة، حتى تبين لهم أن التربة انتشرت حيثما قال أوريانا أنه وجد مواطن بشرية. فقد عثروا على التربة السمراء على طول ضفتي ريو نيغرو نزولا نحو تباهوس. إنها مساحات شاسعة توازي ضعفي حجم بريطانيا.

 يقدر البعض أن حوالي عشرة بالمائة من  منطقة الأمازون مغطاة بالتربة السمراء أو تيرا بريتا. إنها مناطق واسعة إذا ارتبطت بالثقافة كما تعتقد الغالبية العظمى من العلماء وتوحي بأن حضارة السكان الأصليين لم تكن واسعة الانتشار فحسب بل كانت متعددة جدا.    

إنها تربة يسهل التعامل معها وهي خصبة جدا، يزرع فيها البابايا والموز والذرة. والفاصولياء والمنيهوت،  كل ما تزرعه في التربة الداكنة يثمر بسخاء.

 التربة الداكنة خصبة جدا يقدرها البرازيليون منذ عدة قرون. يبدو أن سكان ما قبل التاريخ في الأمازون قد تمكنوا من تحويل أسوأ تربة في العالم إلى بعض من أفضلها.

 من المحتمل جدا أن يكون السكان الأصليين هناك قد تمكنوا من إغناء التربة المحيطة بهم وقد مكنهم ذلك بالمقابل من تعزيز ثرواتهم الزراعية ما ساعدهم بالتالي على النمو عدديا ليصبحوا على المستوى  الذي وصفه أوريانا إذ أن ما قاله وارد جدا وفق هذا النص.

 أي أن هذه هي الحقيقة الكامنة وراء أسطورة  الدورادو. فقد تمكنت الشعوب التاريخية وسط الأمازون من تحويل التربة تحت أقدامهم. ومن تربتهم السمراء ولدت حضارة دامت أكثر من ألف عام. وقد صمموا أعمالا فنية تنافس روائع المايا والإنكاس. كما شيدوا بلدان ومدن انتشرت وسط الأدغال.

          وأخيرا استقروا في حوض الأمازون بالملايين.

          يبدو أن أوريانا كان في النهاية يقول الحقيقة. ولكن لو كان هناك حضارة هائلة فعلا فما الذي أصابها؟ كيف لها أن تختفي بهذه السرعة وبشكل كامل؟

          يبدو أن الاحتمال الأرجح بسيط ومأساوي.

 حين وصل الأوروبيون إلى هناك وجدوا سكانا ضعفاء جدا أمام المرض. فانتشر المرض بينهم كألسنة اللهب في أعشاب جافة. ما أدى إلى انهيار السكان خلال مائتي عام.

 الجدري والزكام والحصبة أدت جميعها إلى فناء كامل لحضارة الأمازون. فكان أوريانا أول وآخر أوروبي يلقي نظرة عليها. فقد تمكنت الأمراض خلال عقود قليلة من القضاء على  ما أنجز خلال عدة قرون. وهكذا اختفى شعب بكامله بعد أن تمكن من السيطرة والتحكم بالمنطقة دون أن يترك أثر يذكر.

          وقد تمكنت الأدغال من استعادة الأماكن التي كانت بلدات ومدن. ولكن هذه ليست نهاية القصة. فهناك جانب أخير في هذه الحكاية له صلة بتربة الهنود السوداء الغامضة.

          تعاني غابات المطر في الأمازون اليوم من مخاطر لم تشهد لها مثيل. يتم اليوم مسح ملايين الأكرات من الغابات سنويا على يد الفلاحين الذين يحرقونها على أمل تحويل الأرض إلى مزارع. ولكن المشكلة هي أنه ما أن تزال الغابات حتى تتولى الأمطار إزالة كل المنافع من التربة.

          غالبا ما يجبر الفلاحين على مغادرة تلك  الأراضي مخلفين وراءهم أطلال ونفايات، ما يشكل جزءا من الكوارث البيئية الخطيرة.

          ولكن العلماء اليوم أخذوا يتساءلون. إذا تمكن ملايين من السكان الأصليين من العيش في مناطق الأمازون بالاعتماد على أنفسهم،  ربما يتمكنوا اليوم التعلم منهم. فما هو سر التربة الداكنة؟

          ما هو سبب خصوبتها عاما بعد عام؟ لا بد من وجود أسباب يشرحها أوريانا فيما قاله عن أول زيارة له في الأمازون.

 دخل إلى منطقة أباريا يوم سان جون وكان الهنود قد بدءوا بإحراق حقولهم.

 إذا صدقت طروحات أوريانا فإن الهنود كانوا يستعملون النار ولكن ليس على طريقتنا في حرق الغابات.

          أثبتت التحليلات الدقيقة للتربة السمراء أنها مليئة بالنباتات المحروقة بشكل خاص الفحم النباتي.

 الفحم النباتي متوفر هناك في مناطق يختلط فيها بالتربة، وذلك بجمع جذوع أشجار لتحاط بأكوام من التراب والوحل، ثم تحرق بعزلها عن الأكسجين للحصول على الفحم النباتي.

 يمكن الحصول على الفحم عبر حرق الأشجار والنباتات جزئيا. هذا ما يجعلها تختلف كليا عن حرق النباتات كليا وتحويل ما فيها من مواد غذائية إلى رماد يمكن إزالته كليا بمياه المطر. أما الفحم فيمكنه البقاء في التربة لمئات السنين.

 أي أن إحدى النظريات تقول أن السكان الأصليين قد استعانوا بتقنية مزج التربة بالفحم النباتي كوسيلة لتعزيز خصوبة التربة.

 قرر كريستوفر ستينر، تلميذ جوهانس ليهمين الاستلهام بالسكان الأصليين للبحث عن السبل التي استعانوا بها لتسميد التربة فقام بزرع مجموعة من الأحواض التجريبية وأضاف على بعضها فحما نباتيا وترك البعض الآخر دون هذا المزيج. لم تنته التجربة بعد ولكن النتائج حتى الآن تبدو مذهلة.

  اتبع في الحوض تقاليد حرق النبات بعد الحصاد، بعد الحصاد الأول لم ينمو شيئا على الإطلاق وهذا هو الحصاد الثالث. أما هناك فاستعانوا بالسماد الغير عضوي، والنتيجة ليست مرضية. إذا نظرت إلى النبتة ترى أنها لا تحمل البذور. لا يمكن للعائلة أن تعيش على هذه.  أي أنه ليس محصولا مرضيا. بالمقارنة مع حوض مزج فيه الفحم الإضافي، لوحظ أن الثمار اكبر بكثير. أي أن فيها ذرة. وهناك حوض أضيف إليه سماد غير عضوي وفحم نباتي. لوحظ في الحصاد الماضي نموا بنسبة ثمانية وثمانين بالمائة بالمقارنة مع السماد الغير عضوي بدون فحم.

 نمو بنسبة ثمانية وثمانين بالمائة يشبه المعجزة. يبدو أن الفحم النباتي يحتوي على غذاء للتربة يحول دون زواله مع مياه المطر. إنها عملية بسيطة، يقول ستينر أنها قد تقضي على دورة حرق الأشجار المدمرة لتخفف من القضاء العشوائي على غابات المطر.

 نمو خصوبة التربة يعني زيادة حجم إنتاج المحاصيل واستعمال الناس لقطعة الأرض نفسها عدة مرات  لمزيد من المحاصيل فلا تجبر على تدمير قطعة جديدة من غابات المطر.

 يعتقد العلماء أن التربة الداكنة تخفي سرا آخر. يبدو أنها تحتوي على عنصر فريد إضافي، شيء  ربما ساعده في الانتشار عبر الأمازون، وقد يساعده اليوم في الانتشار حول العالم.

          هذا اكتشاف توصل إليه بيل وودس. فقد صادف قبل سنوات قليلة مكانا تستخرج منه التربة الداكنة وتباع لمزارعي المواشي.

 لديهم هناك مادة لها قيمة عالية، والناس يأتون بشاحنات لشرائها. هذا ما لا يتوقع أبدا.

 ندرة التربة الخصبة في الأمازون قد يجعل بيع التربة الداكنة غريب جدا بالنسبة للمزارعين.  ولكنهم يفعلون ذلك هناك منذ عشرين عاما إذ يبدو أن التربة الداكنة تعاود النمو مجددا.

 عندما تحفر التربة هناك تصبح أشد عمقا. يبدو أنها تتغذى على أوراق الشجر الذي يتساقط فوقها، هذا ما يمكنك رؤيته.

 يبدو أنه استخراج التربة من هناك وتغطيها بعشرين سنتمتر من أوراق الشجر وتركها تستريح، وبعد عشرين عاما تجد أن عمق التربة الداكنة يعود كما كان قبل استخراجه. هذه مسألة بالغة الأهمية، لأنها توحي بأن المواد حية، وأن هذه التركيبة الحيوية هي المواد الهامة التي تبحث عنها.

 إذا صدق تحليل وودس يعني ذلك أن التربة الداكنة قادرة على التوالد بطريقة غامضة كأي مخلوق حي.  يعمل العلماء اليوم على معرفة كيفية قيامها بذلك. هناك عشرات الآلاف من أنواع البكتيريا والفطريات في التربة، وهم يعتقدون انه لا بد من وجود عضو مجهري فريد يمكن هذه التربة الداكنة من النمو. وهم يأملون في الكشف عن الأسرار الكفيلة بتنامي التربة الداكنة في أي مكان، ما يساهم في إيصال المواد الغذائية إلى البلدان النامية، وبالتالي يمكن وقف عمليات حرق غابات المطر.

          إنها مسألة أروع من أن تصح. ولكن تربة الهنود الداكنة قد تساهم في إطعام بني البشر في العالم لتنقذ بذلك غابات المطر.

 نحن في عالم تواجه فيه الشعوب مشكلة في إطعام ذاتها. فإذا تمكنا من فهم آلية عمل التربة الداكنة سنعيش في عالم أشبه بالدورادو. هذه مسألة هامة للعالم أجمع.

 هذه هي المفارقة الساخرة في القصة الحقيقية للبحث عن الدورادو. انتشرت في الماضي حضارة زاهرة في الأمازون وقد دمرها الأوربيون أثناء استكشافها، ولكن سكان الأمازون قد تركوا ميراث أغلى قيمة من الذهب  الذي كان يبحث عنه الغزاة. لأن التربة الداكنة قد تضمن مستقبل أفضل للجميع.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster