اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 حرب الخليج: الحرب القذرة النظيفة
 

 

 

إلى أي مدى كانت حرب الخليج نظيفة -كما ردد المسؤولون الغربيون- وإلى أي مدى كانت حقاً قذرة وبالغة الأضرار على المنطقة؟ هذا هو السؤال الذي يؤرق الكاتبة الفرنسية كرستين عبد الكريم ديلان في هذا الكتاب. ومن العنوان الذي اختارته لبحثها القيم نجد انعكاساً لطابع المفارقة الملازم لحرب الخليج الثانية التي شنتها قوى التحالف الدولي ضد العراق بهدف معلن هو تحرير الكويت.

فمن جهة كانت هذه الحرب حربا "نظيفة" قامت على استراتيجية التصويب العسكري الدقيق عبر استخدام أنجع أدوات التسلح الإلكتروني الذكي مع تجنب الاحتكاك العسكري المباشر على الطريقة التقليدية المعروفة حيث تتقاتل جيوش نظامية متقابلة على أرض الميدان. ولكنها من جهة أخرى كانت حربا قذرة بأتم معنى الكلمة استعملت فيها أخطر أنواع الأسلحة وأكثرها فتكا بالبشر والبيئة وكل الكائنات الحية، وهي أسلحة لم يشهد لها مثيل في الحروب الإقليمية والدولية السابقة.

كانت هذه الحرب حقل تجارب حية لاختبار فاعلية آخر منتجات الآلة العسكرية الغربية على وجه العموم والأميركية منها على وجه الخصوص، ولم تكن مادتها الاختبارية جيش العراق فحسب بل وشعب العراق أيضاً.

هذه الحرب كانت "نظيفة" كما تذكر الكاتبة على المنوال الذي قدمت فيه -أو بالأحرى سوقت فيه- للرأي العام العالمي عبر الشبكات الفضائية ومؤسسات الإعلام الخاضعة في غالبيتها للهيمنة الأميركية. وهي إلى جانب ذلك تعتبر "نظيفة" لأنها تمثل نوعا جديدا وغير مسبوق في الحروب اعتمدت بدرجة أولى على جيوش وترسانة تسلح سميت بالذكية تستهدف القيام بعمليات جراحية سريعة وناجعة عبر ضرب عمق العدو مع تجنب أكثر ما يمكن من الخسائر البشرية في صفوف القوة المهاجمة. هذه الحالة كان لخصها جورج بوش الرئيس الأميركي الأسبق بقولته المعروفة "لن تكون فيتنام جديدة". ومن هذه الزاوية كانت قولته إلى حد ما صحيحة حيث إن قوى التحالف الدولي لم يسبق لها تنفيذ عملية واسعة من الانتشار العسكري بهذا الحجم الهائل منذ الحرب العالمية الثانية دون تكبد خسائر بشرية تذكر. فهذه القوات لم تفقد في هذه الحرب سوى 192 قتيلا من بينهم 148 أميركيا لا غير.

ولكن هذه الحرب على الوجه الآخر من المشهد أي من جهة العراق ودول المنطقة عامة، كانت جحيما مشتعلا التهم الأخضر واليابس وخلف وراءه من البشاعات والكوارث التي ستظل الأجيال القادمة ولقرون متتالية تعاني من آثارها المكلفة التي لامست البيئة وأرواح البشر وسلامتهم الجسدية.

”لخصت المؤلفة هذه الحرب بمقولة الحرب الإلكترونية التي قادها ضباط العمليات الخاصة الأميركية مستهدفين تعطيل شبكات الاتصال الإلكتروني للجيش العراقي واستعمال فن الخديعة الإلكترونية لمغالطة سلاح الجو العراقي وإصابة الأهداف بدقة ودون مخاطر”

في يوم الثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول 1990 أي بعد ثلاثة أشهر من الغزو العراقي للكويت بدأت تتشكل معالم الخطة العسكرية الأميركية كما صاغها جنرالان شرسان هما شوارزكوف وكولن باول، خطة تقوم في مرحلتها الأولى على حرب جوية لمدة أربعة أسابيع متتالية ثم يليها هجوم بري بعد كسر شوكة الجيش المعادي وتعطيل فاعليته القتالية. وفعلا تم وضع هذه الخطة موضع التنفيذ الميداني يوم 17 يناير/ كانون الثاني 1991 في الساعة الثالثة صباحا تحت لافتة عاصفة الصحراء التي انطلقت بإطلاق مائة صاروخ توماهوك من البحرية الأميركية الراسية في مياه الخليج. ومنذ الساعات الأولى من القصف الجوي تم تدمير 90% من محطات الطاقة الكهربائية وأربع محطات كبرى لضخ المياه من مجموع سبع محطات يمتلكها العراق، كما تعرضت أغلب مواقع النفط ومخازن الوقود إلى جانب مراكز التموين الغذائي والمواقع المدنية من مساكن ومدارس ومستشفيات ومراكز اتصال ومساجد وكنائس إلى عمليات قصف مسترسل.

هذه الحرب لخصتها المؤلفة بمقولة الحرب الإلكترونية التي قادها ضباط العمليات الخاصة مستهدفين تعطيل شبكات الاتصال الإلكتروني للجيش العراقي واستعمال فن الخديعة الإلكترونية لمغالطة سلاح الجو العراقي وإصابة الأهداف بدقة ودون مخاطر. لقد نفذت طائرات التحالف ما يزيد عن 100 ألف طلعة جوية على امتداد 43 يوما من القتال حسب التقرير الرسمي الذي قدمته وزارة الدفاع الأميركية للكونغرس في شهر أبريل/ نيسان 1992 كانت حصة القوات الأميركية منها 56 ألف عملية وما تبقى منها كانت في غالبها من نصيب البريطانيين والفرنسيين. وتم إنزال ما يزيد عن 95 طنا من القنابل على امتداد ستة أسابيع متتالية أي بمعدل 16 ألف طن في الأسبوع وهو رقم يزيد كثيرا عن مجموع كمية القنابل التي تم قصفها على ألمانيا والأراضي الخاضعة لسيطرة الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية.

وقد لعب القصف الجوي الموجه بأشعة الليزر والمستخدم في جنح الظلام دورا أساسيا في إعطاء سبق هائل لجيوش الحلفاء على حساب الآلة العسكرية العراقية. ولكي يتسنى لهذه القوات كسب السيادة على الجو وتجميد فاعلية العدو فقد دمرت القوات الأميركية 18 محطة رصد جوي استراتيجية ودمرت 50 من الطرقات وما بين 600 إلى 650 من مرابض سلاح الجو التي يحتوى كل واحد منها على طائرة على الأقل.

وفي عملية خرق واضح للاتفاقيات الدولية تم استخدام قنابل النابالم ضد الجيش العراقي سواء في الثكنات أو الخنادق الأرضية علما بأن هذا النوع من الأسلحة الفتاكة لم يتم استخدامه منذ حرب فيتنام.. كما أن القنابل الانشطارية القاتلة والمحظورة دوليا والتي استخدمت للمرة الأولى في حرب فيتنام تم استعمالها هذه المرة ضد العراق بشكل أكثر "تطورا" وتعقيدا إذ أصبح بمقدور كل واحد منها الانقسام إلى مئات من القنابل الصغيرة وإحداث آلاف الانفجارات عند ملامسة الجو. لقد استخدم ما بين 60 ألفا و80 ألفا من هذه القنابل ضد السكان المدنيين العراقيين وقتل ما لا يقل عن 25 ألف شخص نقلا عن السلطات العسكرية الأميركية نفسها في الطريق الرابط بين الكويت ومدينة البصرة جنوبي العراق إذ تم قصف ما سمي بطريق الموت الرابط بين جنوبي العراق والكويت في الوقت الذي كان يمر به سرب من العربات العسكرية والمدنية يمتد على مساحة 11 كلم تقريبا رغم الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار من طرف القوات الأميركية.

وإلى جانب القنابل الخانقة للتنفس التي تعد علامة بارزة على التجديد العسكري الذي أدخلته الإدارة الأميركية ضمن ترسانتها التسلحية تم استخدام القنابل الموجهة بالليزر لاختراق المخابئ الأرضية الحصينة للجيش العراقي وهي قنابل تصل قدرتها على النفاذ إلى حدود 25 مترا أرضيا. وتذكر الكاتبة هنا أن طائرة A10 الأميركية الصنع كانت "بطل" هذه المعركة بامتياز وهي طائرة دخلت طور الاستعمال منذ سنة 1972 مستوحاة من حرب فيتنام، ولكنها منذ ذلك الوقت أدخلت عليها تطويرات هائلة إلى أن اكتملت نسختها الجديدة قبل حرب الخليج.

منذ أواخر سنة 1991 بدأت صورة الحرب النظيفة تتوارى في التراب ليحل محلها مشهد الحرب المدمرة والقذرة وكان ذلك منذ أن نشرت جريدة غارديان البريطانية مقالا تحت عنوان "دفن جنود عراقيين وهم أحياء نقلا عن ضباط أميركيين" في شهر سبتمبر/ أيلول 1991. ومن الوقائع المذهلة التي يذكرها الكتاب عملية انتشار ثلاث وحدات خاصة من الجيش الأميركي يومي 23 و24 فبراير/ شباط 1991 مزودة بصائدات أبرام التي تطير على ارتفاع منخفض بغاية ضرب الخط الدفاعي العراقي المتمركز في الحدود العراقية الكويتية البالغ عدد أفراده نحو 80 ألف جندي تقريبا. وكانت نتيجة هذه العملية وفاة العدد الأكبر من هؤلاء تحت الركام الأرضي بسبب الاختناق والإصابات الجسدية البالغة بعد قصف مخابئهم وتدمير تحصيناتهم الأرضية.

فهذه المعطيات كما تذكر الكاتبة لم تكن سرا محجوبا بل تناقلته العديد من وسائل الإعلام بما في ذلك صحيفتا واشنطن بوست وهيرال تربيون الأميركيتين فضلا عن شهادات موثقة صرح بها بعض القادة العسكريين الأميركان. فقد صرح العقيد بانتوني مارينو قائد الوحدة الثانية من الجيش الأميركي "من المحتمل أن نكون قد قتلنا آلاف الجنود العراقيين"، وأضاف بأنه قد رأى العديد من أذرع الجنود العراقيين الماسكة بالسلاح وهي تتململ تحت التراب. وهذه العملية من وجهة نظر هذا العقيد الأميركي قد تبدو قاسية ومقذعة ولكنها كانت ضرورية ومشروعة من وجهة متطلبات محاربة العدو وردعه.

”كانت حصيلة حرب الخليج التي أريد لها أن تضع حدا للاحتلال العراقي للكويت ما لا يقل عن مائتي ألف قتيل من الجنود والمدنيين العراقيين حسب الإحصائيات الرسمية العراقية المتواضعة إلى جانب التدمير الهائل والمخطط للبنية التحتية لبلد كان يعد من أكثر دول المنطقة تطورا ”

والخلاصة أن هذه الحرب التي أريد لها أن تضع حدا للاحتلال العراقي للكويت كانت حصيلتها ما لا يقل عن مائتي ألف قتيل من الجنود والمدنيين العراقيين حسب الإحصائيات الرسمية العراقية المتواضعة إلى جانب التدمير الهائل والمخطط للبنية التحتية لبلد كان يعد من أكثر دول المنطقة تطورا. فهذه الحرب "الإقليمية الدولية" كما تسميها الكاتبة كانت فريدة من نوعها في عالم الحروب الحديثة علما بأن طاقتها التدميرية بلغت أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما استنادا إلى تقويم الخبراء العسكريين.

هذه المعطيات الدامغة التي كشف عنها هذا الكتاب التوثيقي تفكك ألغاز ما سمي بأعراض مرض الخليج التي اجتاحت أجسام آلاف من جنود قوات التحالف على شاكلة أصناف مختلفة من السرطان وأمراض رئوية وضعف الذاكرة واضطراب السلوك والإخلال العصبية إلى جانب أعراض فقدان التغذية التي بدت على مواليد جنود التحالف. ورغم ما يبديه قادة السياسة والجيوش الغربيين من تكتم شديد بشأن هذا الموضوع وتجنب الخوض فيه إلا إن آثار الجريمة تبدو صارخة وفاضحة إلى الحد الذي لا يمكن إخفاؤه، أي جريمة استعمال الأسلحة المحرمة دوليا بما في ذلك الأسلحة الكيماوية والنووية والإشعاعات السامة واليورانيوم المنضب وغيره.

--------------------انتهت.

باحث/مهـندس حسـني إبـراهـيم الحـايك
فلسطيني من لبنان
hosni1956@yahoo.com

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster