"بعد 200 سنة، ستتبنى أميركا التبادل الحر، بعد أن تكون قد استنفدت كل
فوائد الحمائية"
أوليس غرانت Ulysses Grant
رئيس الولايات المتحدة 1868-1876
"في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وضعت إدارة الرئيس الأميركي
كينيدي خطة لوقف توسع الحركات الثورية التي استلهمت النموذج الكوبي في
أميركا اللاتينية.
انطوت هذه الخطة على سياسة إصلاحية اقتصادياً واجتماعياً. وعرفت هذه
السياسة تاريخياً باسم "التحالف من أجل التقدم". وبالطبع لم ينجم عن
هذه السياسة الأميركية لا عدالة اجتماعية ولا تنمية عادلة ولا تقدم.
كان هذا في زمن صعود الحركات المعادية للامبريالية في أميركا اللاتينية
حيث نشأت أو بدأت بالنشوء أهم القوى التي لعبت دوراً في الستينيات
والسبعينيات من القرن الماضي. وكانت الحرب الباردة تشكل الخلفية
الحاسمة للدبلوماسية العالمية.
في حينه انعقدت قمة مجلس الدول الأميركية الاقتصادي والسياسي، في 8 آب
1961. وفي تلك القمة صرح دين راسك
Dean Rusk
وزير خارجية الولايات المتحدة: "تكمن الخطوة الأولى الأساسية في عزل
كوبا عن أميركا اللاتينية". واقترح طردها من منظمة الدول الأميركية.
في نفس آب 1961، وفي صالة كازينو رافاييل، في بونتا
ديل إيستي Punta del Este
في الأوروغواي، عرض تشي غيفارا حجج السلطة الناشئة في كوبا الثورية
لرفض الفكرة الأساسية التي طرحها جون كينيدي في خطته "التحالف من أجل
التقدم".
ولعل تاريخ الصراع مع الإمبريالية الأميركية لا يفتأ يتكرر باستمرار،
ولكن بلاعبين جدد، وبمشاهد مسرحية جديدة. فثمة نقاش يدور منذ أشهر
قليلة في أميركا اللاتينية، في محطة أخرى، مار ديل بلاتا
Mar del Plata،
في الأرجنتين، في 4و5 ت2 2005.
منذ 45 سنة وقف غيفارا ليقول في مؤتمر "مجلس الدول الأميركية الاقتصادي
والسياسي" (8 آب 1961) في بونتا ديل إيستي: "يجب أن تكون التجارة
متوازنة من أجل ضمان الحرية". وأضاف بحضور وزير خزانة الولايات المتحدة
وهو يستعد للانسحاب من القاعة: "تعتبر كوبا هذا المؤتمر سياسياً، وترفض
كوبا فصل الاقتصاد عن السياسة، فالأمران متلازمان دوماً. ولهذا ليس
بالمعقول الإتيان بالفنيين ليناقشوا مسائل تقنية، عندما يكون مصير
الشعوب هو المطروح على جدول الأعمال".
هذا ما تكرر بعد 45 سنة، عندما وقف شافيز، في مار ديل بلاتا، بمناسبة
قمة الأميركيتين في 4و5 ت2 2005، ليعيد إلى الأذهان، أمام
وفود جاءت من جهات الأرض الأربع، خطة كينيدي التي أراد بها مواجهة
الثورة الكوبية. وأضح أن مشروع الإدارة الأميركية منذ أكثر من عقد، ومع
رئاسة بوش خاصة، هو تكرار لنفس خطة الهيمنة على أميركا اللاتينية، من
خلال طرح "منطقة التبادل الحر في القارة الأمريكية"، المعروفة
بالاسبانية ألكا ALCA Area de Libre Commercio
de las Americas.
بالأمس البعيد، منذ 45 سنة، كان "التحالف من أجل التقدم" واليوم "منطقة
التبادل الحر في القارة الأميركية".
لقد نشأ الاقتراح الأميركي بإنشاء "منطقة التبادل الحر في القارة
الأميركية" لتدعيم الإصلاحات الاقتصادية المحافظة والنيوليبرالية التي
اجتاحت المنطقة الأميركية والعالم، لترسخ بذلك هيمنة الولايات المتحدة
من ألاسكا حتى بلاد النار.
لقد تم دفن هذا المشروع في مار ديل بلاتا، كما أوضح شافيز. إن العجز عن
إصدار بيان نهائي لقمة الأميركيتين الأخيرة بيّن إلى أي مدى أن
المبادرة الأميركية سقطت فعلاً. ولم تتوفر لسيد البيت الأبيض أن يستعرض
نفسه أمام عدسات المصورين وهو بابتسامته العريضة. لقد فضّل الانسحاب من
القمة قبل إعلان الهزيمة، تاركاً المجال لبعض أتباعه الفاسدين ليحاولوا
إصدار إعلان منقذ لهم أمام مواطنيهم.
قمة الشعوب الثالثة
منذ أن تم وضع برنامج قمة مار ديل بلاتا، تداعت المنظمات الاجتماعية في
العالم أجمع إلى عقد "قمة الشعوب". وكما هي الحال في "المنتدى
الاجتماعي العالمي" حضر القمة ممثلو حوالي 500 منظمة نقابية واجتماعية
وجمعيات حقوق الإنسان، إلى جانب آلاف الناشطين الميدانيين، وشاركوا في
حلقات حوار وندوات لمناقشة السياسات البديلة عن سياسات الدول الكبرى.
وهذه القوى الاجتماعية والسياسية التي عبّرت عن حضورها في شوارع مار
ديل بلاتا، كذلك المظاهرات المعادية لبوش في العديد من مدن الأرجنتين
وغيرها كان لها صداها في الاجتماعات المغلقة حول "منطقة التبادل الحر
في القارة الأميركية".
لقد اعترف مرافقو الرئيس بوش أن خطاب الرئيس الأرجنتيني كيرشنر كان
مفاجئاً ومزعجاً، وهو المضيف الذي افتتح قمة الأميركيتين، وخاصة نقده
العلني، من على المنصة، لسياسات الولايات المتحدة ولوصفات البنك الدولي
وصندوق النقد الدولي، وتوجهات إجماع واشنطن.
كان الرئيس الفنزويلي نجم "قمة الشعوب". وأكد في كلمته المطولة عزمه
على دفن المشروع الأميركي، لأن العالم وأميركا اللاتينية أمام حرب
طويلة ضد الرأسمالية والنيوليبرالية ومن أجل الاشتراكية. وجعل من كلمة
روزا لوكسمبورغ "الاشتراكية أو البربرية" شعاراً من شعاراته. ورفض منطق
الاشتراكية الواقعية فهي تعهر الاشتراكية. وأكد أن الرأسمالية تؤدي،
بفعل جموحها الإنتاجي الاستهلاكي الماحق إلى تدمير البيئة وإفناء
الحياة البشرية.
ولم ينس استحضار قدامى "محرري" أميركا اللاتينية من ميراندا
Miranda
إلى بوليفار Bolivar
وسان مارتن San Martin،
معرجاً على ذكر غيفارا وكاسترو.
--------------------انتهت.