اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بعثات 6 - ساري سارينياما، نزول إلى عالم الغرق
 

نهر اورينوكو

 

  تولد الأحلام في قلوب وعقول جميع الرجال. ولكن تحويل الحلم إلى حقيقة مهما كلف الثمن هو من عمل حفنة معدودة.

          كان حلمنا عاديا، وجدنا الجبل هناك، فأردنا بلوغه.

          وما جعل هذا الجبل فريدا  هو أن المرء لا يتسلق أعاليه، بل تكمن المغامرة في استكشاف أعماقه.

          يمتاز هذا الجبل بحفر هائلة، تشبه العيون المتطلعة إلى الجو، وكأنها تبحث عمن يجرؤ على النظر إليها.

          تسمى هذه المناطق المنهارة في فنسويلا بعبارة سيماس. وهي انخفاضات طبيعية فريدة في جبل سارينياما.

                             سارينياما/ نزول إلى ما تحت العالم

 استعد فريقنا في تشرين الثاني نوفمبر لانطلاق بعثته من كراكاس. تطلب الإعداد لرحلة شهر كامل أكثر من ألفي رطل من المعدات اللازمة لأربعة عشر شخصا.

تلقينا مجموعة  من جلسات التمرين على الحبال المضاعفة وهي السبيل الوحيد لبلوغ قلب سارينياما. الوصول إلى عمق يزيد عن ألف قدم يعتبر تحديا كبيرا دون شك.

 اعتمدنا في التدريبات خبير الكهوف لويس أولاستيا والدكتور ويلمير بيريز المتخصص في تسلق الجبال.

تلقى الجميع بدءا من فريق التصوير إلى أعضاء الفريق توجيهات محددة حول تقنيات تسلق الجبال.  النصائح  جميعها حيوية، خصوصا وأنها تشكل وقاية من الكوارث.

تم التأكد من جميع المعدات وحبال الكهوف والخوذات والمعدات. تأكدنا من أنها بأحسن حال، لأن أي انزلاق قد يسبب الخسائر بالأرواح.

 يعمل أومار ليناريس أستاذ أحياء جامعي، بالتعاون مع مساعده إرنستستو بانير يشكلان فريق الأبحاث العلمي.

تعتبر ساري ساريناما منطقة حديثة نسبيا من حيث الأبحاث العلمية. تخيل خجم المعلومات البيولوجية والجيولوجية المتوفرة هناك، والتي تنتظر أن يتم اكتشافها.

 وأخيرا حل اليوم الموعود. أصبح الفريق الأول جاهزا للانطلاق. أما الهدف فهو جنوب فنزويلا إلى ما وراء نهر أورينوكو.

          يعبر أورينوكو هذا البلد فيقسمه إلى جزئين، القسم الشمالي بمدنه المزدهرة، والجنوب الذي تغلب عليه السهول الشاسعة وبحار من الغابات التي تأوي تشكيلات غريبة وسفوح قديمة تعرف باسم تيبوي، أي جبال أعلى الطاولة.

          هناك ثلاث جبال من هذا النوع في جنوب فنزويلا، وهي خاوا، وغواناكوكو، وهدفنا النهائي ساري سارينياما.

          بعد ساعتين وعلى مسافة خمسمائة ميل من العاصمة كراكاس، أصبح المشهد أمام أعيننا، إنها أخاديد عميقة تصطف الواحدة منها تلو الأخرى.

          ساري سارينياما هو اسم أطلقه هنود اليكوانا على هذا المكان. ولكن يقال أن الاسم قد نشأ عن الصوت الصادر عن الآلهة حين تلتهم البشر.

حالت الأشجار الكثيفة دون قدرتنا على الهبوط مباشرة فوق الجبل. وجدنا أقرب مهبط هناك يقع في منطقة لهنود يحملون اسم نهر كاناراكوني الذي يمر بجوارهم.

 أجبرنا لحجم الأمتعة وعدد أعضاء البعثة على القيام برحلات جوية ثلاث عبر طايرة خفيفة تسمى بكرفان. الطائرات الصغيرة هي أفضل وسيلة للوصول إلى هنا. ولكن الوصول إلى أعلى الجبل يتطلب هليكوبتر. 

          قلما يأتي الزوار إلى هذه المنطقة النائية، التي استعملت كمخيم مؤقت حتى وصول الهليكوبتر.

          سبق لساري سارينياما أن استكشفت من قبل، ولكن الهدف هذه المرة مضاعفا، فهو يشمل توثيق النزول إلى القاع، وجمع نماذج عن المخلوقات التي بقيت معزولة في هذا المكان الذي يصعب بلوغه.

          تقع منطقة كناراكوني إلى الجنوب من ولاية بوليفار، وقد عرف واديها الازدهار في الماضي، ولكن سكانها تقلصوا مؤخرا بحثا عن سبل العيش في مناطق أخرى. ولا يبقى اليوم فيها كثر من مائة مواطن ينتمون إلى قبيلة يكوانا، والمعروفة أيضا بلقب ماكيريتاري، أو سكان النهر.

          يسكن أبناء القبيلة في كوخ صمم بطريقة فريدة ليضم عدة عائلات. جدران الطين سميكة جدا وفيها فتحات تسمح بالتهوئة. تحول قلة الضوء المتوفرة في الداخل دون تسلل البعوض  إلى الكوخ. كما يمنح الكوخ نوعا من الخصوصية لجميع الأعمال المنزلية في هذا البيت الجماعي.

          يعتبر الكسابي أو خبز اليوكا غذاء رئيسي للجميع.

          لم يضيع الفريق العلمي وقته، فبعد ترتيب المخيم المؤقت أعد أومار فخا للخفاش.   لم يعد هناك ما يمكن القيام به سوى الانتظار.

=-=-=-=-=-=-

الجزء الثاني

 وصلت طائرات الهليكوبتر في اليوم التالي.

أهلا توقعنا وصولكم بالأمس هل أجبرت على العودة؟

فعلا واجهنا عاصفة مطر أجبرتنا على العودة إلى مدينة بوليفار بالأمس.

أمضيتم أوقاتا صعبا، وصلنا بالأمس إلى هناوكان المناخ سيئا.

مؤكد، نجحنا في الوصول بفضل هذا الرجل خوليو.

مرحبا لويس، نعم لقد علقنا في الليل.

 أخرجنا أبواب الطائرة ومقاعدها الخلفية لفسح المجال للشحنة والركاب. انتهز أومار  وإرنستو الفرصة لتصنيف ما علق في الشباك.

هذا خفاش صغير من أمريكا الجنوبية، وهو متخصص بصيد البعوض في الغابة. أذنيه كبيرتان جدا، وقادرتان على التحرك بانفصال عن بعضها. ما يمكن الخفاش من تحديد موقع الطريدة بدقة أثناء تدليه من أشجار غابات المطر.

 ثارت الجلبة بين السكان في الحادية عشرة، وقالوا انهم يسمعون صوت محرك طائرة. مع أننا لم نرى أو نسمع شيئا. هذا هو اليوم المفترض أن يصل فيه الفريق الثاني من كراكاس. إلا أننا لم نتمكن من سماع الطائرة أو رؤيتها.

          وبعد قليل ظهرت الطائرة في الأفق بشكل مفاجئ. فوجئنا جميعا بقدرة السكان المحليين على اكتشاف الطائرة عبر هذه المسافة. أي أن الطبيعة منحتهم قدرة على السمع تفوق قدرتنا العادية بكثير.

          لم تأت الطائرة بجزء آخر من الفريق بل وبغالبية المعدات، بما في ذلك خمسة وعشرون برميل وقود للهليكوبتر، ومولد الطاقة لدينا.

          نصبنا ليلة أمس على ضفاف النهر شبكة أخرى ليعلق فيها خفاش يصيد الأسماك. إنه خفاش قوي جدا، يتمتع بأجنحة طويلة وضيقة كجناحي النورس، تمكنها من التحليق فوق الأنهر والبحيرات. وهي تتغذى على الأسماك حين تلتقطها بهذه المخالب الصلبة. لا يعيش هذا الخفاش إلا في المناطق الاستوائية من أمريكا.

 كثيرا ما تأتي قبائل أخرى لزيارة سكان يكوانا، ومنها قبائل يانومامي الرحالة، التي تأتي بين الحين والآخر لتبادل البضائع مع السكان.

طلبت مني السيدة قميصا فلم أشعر بالارتياح لتقديم هدية لا أعرف إن كنت أقوم بعمل مناسب، لا أعرف إن كانت ستنفعهم وما إذا كان من المناسب تعويدهم على طلب الهدايا كلما جاء الغرباء إلى الجوار.

 تقع ساري سارينياما على بعد خمسة عشر ميل من الحدود البرازيلية، وهي مرتفعات قديمة تغطيها الأشجار الكثيفة. يبلغ ارتفاع الأشجار هنا أكثر من عشرين مترا، أي أن الصعود من شبه المستحيل. عندما زحفت مياه البحر  لتغطي سهول فنزويلا الواسعة قبل ملايين السنين، استمرت الازدهار في أعالي هذه الجبال على حاله. إنه عالم مدهش، عالم من الغرائب التي تنتظر اكتشافها.

نحن الآن هنا، في سهول كناراكوني، وهذا هو الوادي الذي نراه أمامنا.

وهذا هو الشلال.

نعم، إذا توجهنا الآن حوالي خمسة عشر ميل إلى الشمال، سنصل إلى قمة ديلا جوفيا، وموقع المخيم الذي اختاره لويس. إنه هنا أليس كذلك لويس؟

نعم إلى جانب النهر.

إذا تابعنا شمالا سنصل إلى قمة مايور، وقمة مينور، ومن ثم الوادي على حدود الجبل. الموقع الذي اختاره لويس مثالي، فهناك مصدر مياه قريب منا.

فعلا هناك مورد مياه دائم والمكان مناسب للمخيم.

 تعتبر ساري ساري نياما جزء من حاجز غوايانا، وهي من اقدم السلاسل الجبلية في العالم، إذ يزيد عمرها عن أكثر من ثلاثة مليارات عام.

          يغطي سطحها ثلاثمائة وخمسون ميل مربع، كما ترتفع حوالي ميل واحد فوق السهول المحيطة.

          يعتبر العلماء أن المنطقة لم تستكشف بعد، ما يجعله أشبه بمختبر حي. وهي على خلاف أعالي الجبال الأخرى في أنها مغطاة بالأشجار والنباتات التي تنضح بالحياة.

          أما بالنسبة لنا، فسنركز جل اهتمامنا على الأخاديد

مرتفعات الصخور الرملية، ذلك أن استكشافها هو التحد الأكبر على الإطلاق.

 =-=-=-=-

الجزء الثالث

 تولى الطيار القديم خوليو سيمانكا نقل جميع أفراد الفريق ومعداته إلى قاعدة المخيم في أعلى الجبل.

          قام ثلاثة من هنود البيمون بمهمات الدليل الذي لا بد منه. وقد استفدنا من براعتهم الطبيعية في التعامل مع البيئة لاستخدام الموارد المتوفرة لبناء ما سيصبح بيتنا لثلاثة أسابيع.

          تقع على مقربة من المخيم بركة تسكنها أنواع كثيرة من الحيوانات.

هذه ضفدعة مثيرة. أنظر كم هي شفافة. تكاد ترى أمعائها وقلبها م هنا. هذه ضفدعة صغيرة جدا، وهي ليلية تعيش فوق الأشجار. كما تمتاز بوضع البيض على أوراق الشجر القريبة من الماء. عند ولادة الشراغف تسقط في الماء مباشرة.

 انطلق الفريق  في اليوم الخامس لاستطلاع الفتحة الأولى والمعروفة باسم سيما مينور، أو القمة الأصغر. يتدفق نهر باطني من الهاوية الرئيسية إلى الصغرى. ويتابع مسارة، بحفر نفق يؤدي إلى فتحة في الشمال. هنا يتحول النهر الباطني إلى شلال رائع. وصلنا إلى القمة الصغرى بعد عشرين دقيقة من التحليق.

لم نتمكن من الهبوط لكثافة النباتات هناك. ما أجبر بعضنا على قطع الأعشاب وتجهيز المنطقة للهبوط. لا يتمتع هنود البيمون بتجربة كافية في هذا المجال. فاستعان لويس بتقنية الاحتكاك العلوي لإنزالهم إلى كنت بانتظارهم.

          كان على خوليو أن يتنبه لأي تغيرات مفاجئة في الريح قد تؤثر على الهنود أثناء نزولهم.

 ستعود الطائرة عندما يصبح المدرج جاهزا.

          ترتفع قمة مينور أربعة ألف وخمسمائة قدم فوق سطح البحر، وهي تقع على الجانب الشمالي من ساري سارينياما. وهي بعمق يقارب الأربعمائة قدم، بقطر يقارب الأربعمائة وخمسون قدم. وهي مغطاة كليا بالنباتات الكثيفة.

علينا أخذ عدة مسائل بعين الاعتبار للنزول إلى أعماق قمة مينور. منها بروز النباتات من كل مكان، كما أن نتوء الجذور والأغصان الكثيفة  يجعل  من الهبوط عملية متعبة. أضف إلى أن التربة الموحلة لم تساعدنا. وكان علي التعاون مع ويلمير في مساعدة فريق التصوير على تطبيق ما تعلموه من دروس مختصرة في كراكاس. هناك فرق بين التدرب على جدار بارتفاع عشرة أمتار، والعمل في هاوية عمقها مائتي متر. هذا ما يخلق  التوتر  لدي ولدى ويلمر وفريق التصوير.

أليهاندرو، انحرف نحو اليسار لتفادي البروميليا، كل شيء على ما يرام، فأنا أمسك بالمثبت جيدا.

  وأخيرا تمكنا من إنزال المؤن وجميع المعدات اللازمة للتصوير. تابعنا النزول من هنا عبر مناطق موحلة لحوالي الساعتين. عند بلوغ الأعماق لم نتوقف عن التساؤل، كيف تشكلت هذه الهاوية المدهشة؟

 العامل الأساسي هو الماء، الذي اخترق الجبال، وحفر الأنفاق، بحثا عن ممر له، فحفر ثقوبا أكبر في المناطق الأضعف من الصخور ليزيد من تآكلها. حملت المياه المواد المتآكلة إلى خارج الأنفاق، مخلفة وراءها خواء فراغي.

          في هذه الأثناء أخذت المياه المتسربة من السطح تضعف الجذور تدريجيا حتى انهارت، لتفتح بذلك أخدودا على شكل جرس مقفل. بقي الركام الذي سقط من أعلى ساري سارينياما على حاله دون تغيير يذكر.

          هناك مغارتين في القمة الصغرى، وهما مغارة الشلال ومغارة طيور أولبيرد. فقررنا استطلاع الأخيرة أولا. لاحظنا أثناء النزول شيئا غريبا يتعلق بالأرض، فهي مغطاة بأكوام من ملايين البذور.

=-=-=-=-=-=

الجزء الرابع

 يبلغ طول المنحدر حوالي مائة وعشرون قدم  وهو يؤدي إلى القاعة الأساسية، حيث تصدح أصوات الطيور.

          تسكن هذه الطيور في الجانب الشمالي من أمريكا الجنوبية. وهي تعيش حياة الأسراب الاجتماعية وتقطن الأخاديد العتمة من الكهوف. تتغذى هذه الطيور على الفاكهة وحدها، وهي تقذف البذور على أرض المغارة بعد أكلها. ما يثير الغرابة هنا هو أن المغارة بالغة النظافة رغم كميات البذور الهائلة فيها.

ويلمير لا أرى أي بعوضة هنا. كما أن كميات البذور  أقل من الكهوف الأخرى.

لاحظ أن هذا الكهف يختلف عن بقية مغر الأويلبيرد في أن كميات البعوض فيها أكثر بكثير من هنا، إلى جانب الصراصير والحريش بكمية البذور نفسها. هذه المغارة شبه نظيفة بالكامل. أصبح فراشي جاهزا

 شاهدنا تحليق طيور الأويلبيرد  عند انطلاقها بحثا عن الطعام في طقوس لم تنقطع منذ آلاف السنين. وأكوام البذور المتراكمة هنا أكبر دليل على ذلك.

          تم الكشف عن مشهد آخر في الطرف الجنوبي من الهاوية. نحن الآن في مغارة الشلال. تنهمر المياه من على ارتفاع ثلاثين قدم نحو بركة تنساب منها المياه فيما بعد ضمن ما يبدو كنهر تحت الأرض. يفترض بالمياه أن تقودنا إلى داخل الكهف، وهذا ما حاولنا التأكد منه.

          هذه مغارة من الصخور الرملية، التي تميل موادها إلى الذوبان في الماء بتأثير الضغط. عثرنا هنا على الرمال التي توحي بهذا التحلل. يتطلب هذا عمل المياه طوال ملايين السنين للنحت في الصخور الرملية. لا شك أن هذه مغارة قديمة جدا.

نجمت أكوام الرمال هذه عن نحت المياه في الصخور الرملية طوال عدة سنين ما يفقد الصخور تماسكها لتنقل عبر المياه إلى خارج المغارة.

          توسعت المغارة نتيجة التلف المادي الناجم عن تفاعل المياه الدائم مع الصخور، بالإضافة إلفى سقوط قطع هائلة منها.

   يبرز دور المياه في النحت هنا من خلال فتح عدد من المداخل والمخارج، ما يؤدي إلى عدم توازن ينجم عنه مع مرور الوقت انهيار الأعمدة وتساقط الصخور التي نراها في جميع أرجاء الكهف.

          أنظر إلى هذا الجدار الذي انشق عن الحائط الأساسي، والذي سينهار بالكامل قريبا. أما السبب فهو عامل المياه أيضا.

          نرى في هذه الحالة أن ضغط المياه طوال ملايين السنين ترك على هذه الصخور أثر أمواج واضحة.

          تابعنا الاستطلاع سائرين على خطى المياه التي انسابت منذ عدة سنوات لتفتح هذا النهر تحت سطح الأرض. لا شك أن هذا النهر كان عامل أساسي لتشكيل هذه المغارة وغيرها.

  أما في القاعدة فأعد إرنستو مصيدة للقوارض. ولكن يبدو أن الحظ كان يحالف أومار.

كدت لا ألاحظها، لروعة التمويه الطبيعي. إنه ثعبان ماء لا يؤذي، ينتمي إلى فصيلة ثعابين حاجز غوايانا التي عادة ما تتواجد عند اسفل الجبل. لا شك أن هذا النوع تسلق ألفي متر لبلوغ هذه المنطقة. وهي ليست من الأفاعي العادية كما لا نعرف الكثير عنها.

          يبلغ المعدل السنوي للأمطار هنا أربعة آلاف ميلمتر. أي أنها تمطر باستمرار. أما اللون الأحمر الغالب على المياه فله صلة بالرواسب العضوية. أما الفقاعات فتنجم عن ارتطام المياه المستمر بالصخور. نلاحظ انهلا يوجد أسماك هنا. فالفقاعات تسبب الكثير من الأكسجين في الماء، وهو ما لا تحبه الأسماك، لأنه يصيبها بالسكينة.

 استمر هطول الأمطار وارتفع منسوب النهر بما يسبب القلق. ساهم تحسن المناخ في إنجاح أعمال البعثة حتى اليوم، ونأمل أن يستمر على هذا النحو.

          انطلقنا في اليوم السابع لاستطلاع الأخدود الثاني الواقع على مسافة ثمانية أميال من المخيم. تم اكتشاف قمة دي لا جوفيا من قبل أومار ليناريس عام ألف وتسعمائة وستة وسبعين.

إنها هناك، عند انتهاء الممر مباشرة. افضل ما يمكن عمله هو المتابعة في فتح الطريق دون الحاجة لاستخدام الحبال. سيقودنا هذا إلى الكهف مباشرة،  باعتبار أن الكهف هو أهم ما في هذه القمة، إنه الكهف البلوري.

=-=-=-=-=-=-

الجزء الخامس

 وضع إرنستو  أكثر من مصيدة على الطريق، فتابعت بقية الفريق طريقها نحو ما يعرف بهاوية تساقط الأمطار.

          رغم عدم الحاجة لاستخدام الحبال على الطريق، إلا أن الطريق موحلة جدا، ما جعل تقدمنا بطيئا ومتعبا. الجدار الغربي عمودي بالكامل، أما البقية فهي مقعرة أو على شكل جرس مقلوب.

          وصلنا إلى القاع بعد ساعتين من السير دون توقف. عند الوصول إلى هناك شعرنا بأن المكافأة على جهودنا تستحق العناء.

          هناك عدة ستائر من المياه تنهمر عبر الجدران من على ارتفاع يزيد عن ثلاثين قدم. ما يوضح معنى الاسم الذي تحمله هاوية تساقط الأمطار.

          تقع المغارة البلورية الشهيرة على الطرف الشمالي. لاحظ أومار ليناريس مدخل هذا الكهف عام ستة وسبعين ليتبين أنه أطول باب كهف من الكوارتز في العالم.

          كان الانحدار خطيرا، إذ جعل ضعف الصخور في كل خطوة مخاطرة، كما أخفى الظلام مزيدا من المصاعب أمامنا.

          عادة ما ترتكز الكهوف على الصخور الكلسية، أما الكهوف البلورية فترتكز على الصخور الرملية. علما أن كهوف الصخور الرملية ليست كثيرة في العالم.

ليس للصخور الرملية أن تكون هائلة الحجم باستمرار، فعند امتزاجها بعناصر أخرى كالأوبال أو الكوارتز، تشكل بلوريات رائعة.

          هذه هي قاعة الهوابط، التي تتشكل عبر سقوط المياه من السطح وقسوتها على مر العصور.

          أما الصواعد فهي تتشكل انطلاقا من أرض المغارة.

          يستغرق تشكيل الهوابط في الكهوف الكلسية آلاف السنين، ولكن هذه مغارة صخور رملية، تتشكل من عناصر يصعب ذوبانها. تخيل الفترة الزمنية اللازمة لتشكيل الهوابط، ما يشكل دليلا قاطعا على قدم هذا المكان.

 توحي هذه الكهوف بإحساس من السكينة، إحساس يتناقض مع ما في المناطق المدنية، فالهدوء هو ما يميز مثل هذا العالم الغارق.

الحقيقة أننا لم نقبض على أكثر من عشرة جرذان، واثنين من المرموط، ما لا يتناسب مع ما بذلناه من جهود بنصب مائة وعشرين مصيدة.

بل بالعكس أعتقد ان لدينا مجموعة جيدة هنا. خصوصا نوع التيبوي التي لم أتوقع العثور على الكثير منها. كما أن هذا المرموط هو نموذج لنوعية فريدة. كما أني لست متأكدا من بعض القوارض الأخرى. صحيح أنها تقليدية في غابات المطر، ولكن أنظر إلى هذا، إنه شاحب بالمقارنة مع الآخرين. أما المرموط فمن الشيق التعرف على هذا النوع من المرموط الطويل، ذات اللون المختلف، كما ينتمي إلى غابات المطر أعتقد أن لدينا تشكيلة شيقة هنا.  

إرنستو لكني أرى أن الجهد أكبر بكثير من هذه العينة  الصغيرة.

 استمر منسوب النهر بالتصاعد، كما تحول رذاذ الظهيرة إلى أمطار غزيرة.

          أيقظنا غضب النهر في تلك الليلة بعد طوفانه ليشكل تهديد جدي لقاعدة المخيم، فأجبرنا على نقل غالبية الخيم.

          يبدو أننا سنضطر لتأجيل استطلاع القمة الكبرى أو الهاوية الرئيسية إلى أن يتحسن الطقس.

          أتلف تدفق المياه شباك أومار.  استمر المطر طوال ثلاثة أيام أخرى. قد تفشل البعثة بكاملها إذا استمر الأمر على هذا الحال.

 وأخيرا حل اليوم الثالث عشر. بدأت تسطع الشمس، فسارعنا للاستفادة من صفوة السماء للقيام بتحليق فوق فوهة ساري سارينياما الكبرى. يبلغ قطر هذه الفوهة حوالي ألف ومائة قدم. وهي بعمق يزيد عن ألف قدم. استخدام حبال التسلق هنا ضروري جدا. لن يكون النزول سهلا، فهل نستطيع مواجهة هذا التحدي؟

=-=-=-=-=-=-

الجزء السادس

 انطلقنا في العاشرة صباحا نحو الفوهة الأكبر. هذه أول فرصة لنا لإلقاء نظرة قريبة على الفتحة.

من أين سنبدأ إذا من تلك السلسلة هناك؟

هل ترى بقعة الجدار الأبيض هناك؟ سأعمل مع لويس على تثبيت أنظمة الحبال هناك كي تستخدمونها. لن تكون مهمة سهلة، ولكن الطريق نظيف نسبيا. وسنثبت الكاميرات عند السلسلة التي هناك، ليتمكنوا من تصويرنا أثناء الهبوط.

 يصل ارتفاع الفوهة ألف قدم، لا بد من طريق جديد واتباع استراتيجية فعالة لتفادي العوائق.

يثبت الحبل الذي سأستعمله مع لويس هنا، بينما يمكن للمصور الآخر وهو إدواردو أن يبقى هنا حتى أنزل مع لويس ليحصل على نظرة شاملة من أعلى نقطة نربط فيها الحبلين معا. سينزل فني الصوت والعلماء عبر الأخدود الذي أعتقد انه بعمق مائة وعشرين قدم. أرى أن هذا هو المكان المناسب لقضاء الليلة فيه.

 حان الوقت الذي كنا بانتظاره. نحن في ساري سارينياما منذ أسبوعين وقد شحنت جميع الأيام بالمغامرات. ولكن الفريق بكامله يعتبر أن هذا هو اليوم الأهم. ونحن مستعدون لمواجهة التحديات الصعبة في ساري سارينياما.

تمتاز الفوهة الكبرى بجدران صعبة. فهو مقعر تكثر فيه النباتات والأسطح القاسية. تكمن المشكلة  الأخرى بحجم المعدات التي أجبرنا على نقلها. أردنا الاعتماد على طريق جديدة لم يسبق لأحد أن اتبعها من قبل. لهذا أردت النزول أولا، لمساعدة الآخرين في النزول. وأخيرا يتبعنا لويس.

زاد كوني مصورا من صعوبة الأمر بالنسبة لي. كان علي التصوير والتعامل مع أنظمة الحبال في نفس الوقت، دون تثبيت قدمي على الأرض باستمرار.

كان علينا تقسيم الحبال إلى أجزاء تفاديا للاحتكاك. من هنا سينزل فريق التصوير. سيحصلون من هنا على فرصة مؤاتية لتصويري مع ويلمير. أي أنها ستكون طريقا صعبة، لأنها أكثر جوية وبالتالي أشد خطورة.

          تأرجح ولمير من على ارتفاع مائتي قدم رغم صعوبة رؤيته. أخذ فريق التصوير يتخذ مواقعه بينما بدأت بتجهيز نفسي مع ويلمير.

يصل ارتفاع هذا المنحدر إلى مسافة مائة متر، علما أن طول الحبل لا يزيد عن الخمسين فقط. لهذا أجبرن على ربطه بحبل آخر في الجو، والمرء  هناك. لا يرتكز الأمر على قوة العقدة هنا، وعلى المرء أن يتمتع بالهدوء اللازم لعملية الانتقال من مجموعة الحبال الأولى نحو الأخرى. إنها مناورة دقيقة يمكن لأي سوء حسابات فيها أن يكون فتاكة.

نستخدم كاميرات ثلاث في تصوير عملية الهبوط. الأولى مع إدواردو على سلسلة الصخور، والثانية في الهليكوبتر، والثالثة منصوبة في نقطة أعلى.

نقطة الانطلاق هي جدار مقعر بالكامل تغطيه النباتات. بعبارة أخرى تتخذ هذه الفوهة الهائلة شكل الجرس. فكلما انحدرنا كلما ابتعد الجدار عنا، لنجد أنفسنا ين في الهواء. اجتمعنا في السلسلة الصخرية أخيرا لقضاء الليلة هناك.

 قطعنا ثلاثمائة قدم. وسنتابع في الغد بقية الطريق. أصبحت الصخور الهائلة ة فوقنا. استسلمنا للنوم يتملكنا أمل كبير في ألا تقرر الصخور المتدلية من فوقنا السقوط نحو الأسفل.

          شعرنا بعد النوم أننا دخلنا إلى عالم آخر، عالم لم يتغير منذ بداية الدهر. وحدها الأدوات الحديثة كانت تذكرنا بالحاضر.

بدأ الشخص الأخير هبوطه في الثامنة صباحا. ما زال أمامنا مائتي متر، أي ضعف ما عبرناه بالأمس.

          وجدنا أخدود اعتبرناه نقطة بداية مناسبة، لخلوّه من النباتات ما يسهل التعامل مع الحبال. ما علينا سوى التنبه لقسوة أسطحه، وحروفه الحادة التي قد تقطع الحبال كالسكين.

 الانحدار عبر هذا الجدار أشبه بالانحدار من مبنى إمباير ستيت، إذ أنهما على ارتفاع مشابه.

كان الهبوط بطيئا ومخيفا، كما أنه أتعب الجميع، خصوصا وأن وصولنا إلى القاع  استغرق أربع ساعات كاملة.

 وصلنا إلى قاع الفوهة الكبرى في منتصف النهار، وصلنا إلى أعمق فوهة طبيعية في ساري سارينياما، التي تعتبر من الأشد إثارة للدهشة في البلد.

          تستمر الجدران بانهياراتها في أماكن أخرى من الجبال. وتستمر الأنهر الباطنية باختراق الجدران الداخلية، لتولد ظواهر طبيعية كهذه.

          هذا عالم لمن يمسه الإنسان. نشأت هذه الغابات الكثيفة قبل بروز جبال همالايا على سطح الأرض. كما عاشت  مجموعات كبيرة من الحيوانات هنا قبل أن تغطي الرمال مراعي الصحراء الكبرى. توجت فوهة الهاوية هذه بكبد السماء منذ ما قبل عصر الديناصورات، وبقيت بعد آلاف السنين من انقراضها.

          أثناء التحليق والعودة إلى المخيم، عثر ويلمير ولويس على فوهة على وشك التشكيل، إذ أصبح انهيارها حتميا، فأطلقنا عليها لقب قمة الخنشار. ولكن استطلاعها سيتأجل  للمستقبل.

          أعددنا الطائرات الشراعية في اليوم الأخير، لإلقاء نظرة جوية على ساري سارينياما، لنتلقى بذلك  درس آخر  حول هذا المشهد الضخم.

          تستغرق الطبيعة فترة طويلة لتتعافى مما تتعرض له من متغيرات. لهذا فإن أفضل ما يمكن أن يفعله الانسان هو احترام الطبيعة وإبقاء ساري سارينياما على ما هي عليه اليوم.

          عدى هذا، كيف نستطيع التغيير فيما استغرقت الطبيعة في تصميمه ملايين السنين.

          علما أن ساري سارينياما هي روعة هائلة شيدت للطبيعة نفسها وللإنسان.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster