|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
حيد البحر
حيد البحر الصخري الذي يقع على شواطئ بيليز في بحر الكاريبي هو ثاني
أكبر حيد في العالم، إذ أنه يأتي بعد حيد أستراليا البحري الهائل
مباشرة، ومن السهل جدا أن يقع المرء أسيرا لجمال المناظر الطبيعية
الخلابة تحت الماء.
قلة من الناس يدركون فعلا أهمية هذا الحاجز الطبيعي الواقي من أمواج
المحيط العاتية. على مدار السنوات العشرين الماضية تعرض التوازن الحساس
الذي يتحكم بحياة عالم حيد البحر إلى تهديد جدي، نجم عن النفايات
الصناعية المتزايدة وأعمال الصيد العشوائي، والانفجار العمراني إلى
جانب عدم احترام السياح لهذه الثروة الطبيعية.
تتمتع جزيرة أمبرغريس الواقعة على مرمى حصى من المكسيك بحماية حيد بليز
البحري أيضا.
أشتهرت أمبرغريس لدى شعوب المايا القدماء قبل ألف عام بأرضها الزراعية
الخصبة وتجارة الملح إلى جانب الصيد الوفير والخضار. أما اليوم فلم يبق
أي أثر يذكر في الجزيرة من تلك الحضارة القديمة.
السكينة والهدوء المميز في الجزيرة يجعلها المكان المفضل لاستيطان طيور
البجع والغاق التي تضع في البيض، إلى جانب طيور بحرية أخرى.
كانت بلدة سان بيدرو عاصمة جزيرة أمبيرغريس قبل بضع سنوات تعتبر بلدة
صيد ناعسة، ذلك أن الحياة فيها كانت تدور حول صناعة صيد الأسماك
التقليدية والديانة وحركة المد والجزر.
إلى أن تبع ذلك متغيرات سياحية حاسمة أدت إلى تنامي عدد السكان فتحولت
الجزيرة إلى مركز اهتمام سياحي أساسي في بيليز. إلا أن هذا النجاح
يتحقق بثمن باهظ على حساب بيئة الجزيرة وما يعيش فيها من كائنات.
وهكذا أقيم ما يعرف بمحمية هول شان البحرية عام سبعة وثمانين لحماية
جزء من الجزيرة من رجال الصيد عديمي المسؤولية، ومن أضرار السياحة
الجانبية.
يتولى مسؤولية ذه المحمية البيولوجي جيمس أسويتا، وهو رجل متحفظ وخجول
جدا، حوله التزامه المهني إلى مدير بيئي ورجل شرطة في آن معا.
جيمس أسويتا/بيولوجي:
ولدت قبل عامين من ضرب إعصار هاتي لهذه الجزيرة وتدميرها كليا. ما زلت
أذكر جلوس المتقدمين بالسن قبل حلول الظلام ليقصون علينا حكايات
الأشباح، ورحلات الصيد، والأحداث التي وقعت في الجزيرة في أيامهم. أما
اليوم فقد رحل ذلك الجيل ولم أعد أسمع تلك الحكايات من أحد.
تلقيت عروضا للعمل في الخارج، كما أني مدرب على الغطس، والحقيقي أني
أستطيع الحصول على أجر يضاعف ما أحصل عليه هنا كبيولوجي بخمس مرات على
الأقل، ولكن لا بد من شخص يتولى مهمة حماية البيئة هنا.
تشمل مهمتي القيام بدوريات في المياه المحيطة للتأكد من أن الصيادين
ينفذون قوانين الصيد، التي تمنع اصطياد جراد البحر أو الأصداف من الحجم
الصغير، أو غيرها من أعمال الصيد الممنوعة. يشمل العمل أيضا نشر الوعي
الوقائي، بين الصيادين تحديدا كي يعو بأن حماية الكائنات البحرية
الصغيرة تكفل استمرار الصيد لأجيال قادمة.
لم يعد هناك الكثير من الأسماك في المنطقة، والصيد مجد هنا خلال مواسم
الهجرة فقط. عادة ما كنت أجلس للصيد هنا على الشاطئ لأمسك بأسماك كبيرة
جدا. أما اليوم فقد اختفى جراد البحر، ولم يعد الصيد سهلا. أعتقد أننا
بالغنا بالصيد، فقضينا على جميع الأسماك الكبيرة منها والصغيرة، فلم
نترك منها شيئا.
تعرضنا في البداية لكثير من المشاكل، واجهنا مشاكل مع الصيادين لأنهم
كانوا حديثي العهد مع هذه المفاهيم، وقد عارضوها بشدة. واجهنا حينها
نسبة ثلاثين بالمائة من المعارضة لفكرة الحماية في منطقة متعددة
الاستعمالات. ولكن من خلال إحصاء أجريناع قبل شهرين تبين أن نسبة
المعارضة بلغت اثنين بالمائة فقط. وهكذا يمكن أن نرى بأن رسالة الحماية
التي ننشرها تجد آذان صاغية وتساعد على حماية البيئة.
تقع محمية هول شان البحرية إلى الجنوب من الجزيرة، حيث تنقسم
الكيلومترات الخمسة التي تتألف منها إلأى ثلاث مناطق. تحتوي المنطقة
ألف على ثروات سمكية ومرجانية متنوعة جدا، وهي تقع بالقرب من ممر طبيعي
عبر الحيد كانت شعوب المايا تطلق عليه لقب هول شان.
تشمل المنطقة باء على بساط شاسع ووهادئ من الأعشاب البحرية التي تسكنه
أسماك الراي اللاسع والسلاحف وأسماك قرش صغيرة غير ضارة.
أما المنطقة جيم فتتألف من خمس جزر صغيرة مغطاة بالمنغروف الأحمر
والأصفر والأسود، تعبره الجذور المعقدة تحت الماء. يشكل المنغروف موطنا
لأنواع لا تحصى من الكائنات البحرية التي تنمو وتجهز نفسها هنا لمواجهة
تحديات البحار.
كثيرا ما كنت أصطاد في هول شان، أثناء تجوالي مرة بالزورق في أرجائه،
عثرت على ذئب بحري هائل، الذي كانت مجموعات منه تغطي المنطقة، فأصابني
الجنون. من الواضح جدا أن ما يجري اليوم رائع. فالأسماك تجد الوقت
الكافي للتوالد والنمو، لهذا أرى أن فوائد الحماية أكثر من مضارها
بكثير.
أقيمت محمية هول شان البحرية لتكون نظام كائنات بحرية متعدد الأهداف.
يتم التركيز أولا على استخدام الثروات كوسيلة إدارة أعمال الصيد، التي
يستفيد منها الصياد أولا. كما تستخدم كمنتجعات للراحة. يأتي اليوم إلى
محمية هول شان أكثر من خمسة وثلاثون ألف زائر. لا شك أن هذا رقم كبير
ولدينا تحفظاتنا على ما توقعه هذه المجموعة الكبيرة من أذى على
المحمية.
مرحبا، أنا هولي وقد جئتم من سمرفيل، جنوب كرولينا، وهذا ابني جيفري.
وقد جئنا إلى سان بيدرو لتمضية العطلة هنا وفي أمبيرغيرس أيضا. جاء
جيفري لتوه من نزهة للغطس. المكان جميل جدا هنا. والناس وديون جدا
والطعام لذيذ وشهي.
مع ذلك فإن حماية البيئة من هذا الاجتياح الجديد لا يكفي، لأن ثقافة
الصيد التقليدية في سان بيدرو بدأت تواجه الانقراض.
فيديل أنكونا/ نائب عمدة سان بيدرو:
كان الناس هنا قبل بضع سنوات يعيشون بدون خدمات داخل المنازل كالتيار
الكهربائي والهاتف والتلفزيون. كان سكان سان بيدرو يؤلفون أربع أو خمس
عائلات كبرى. وكان الجميع يعرف ويساعد بعضه بعضا. وكانت تسود البلدة
مجموعة قوانين غير مكتوبة يحترمها الجميع ما يجعلالحياة بغاية البساطة.
كان الجميع يكتسب عيشه من الصيد. أي أن والدي وجدي ووالد جدي ومن سبقه
كانوا يفعلون ذلك أيضا. عندما جاءت الصناعة السياحية تحول العديد من
الصيادين إلى مهنة الدليل السياحي، ذلك أنها تعود بدخل أكبر.
ألفريدو ألاميلا/ رئيس جمعية الكاريبي:
عندما شكلنا هذه الجمعية توحدت القرية كلها معا. كان الصيادون أشبه
بعائلة واحدة، وكنا نساعد بعضنا البعض، وكانت الأجور جيدة. أما اليوم
فقد شهدنا تطور صناعة منافسة، فالسياحة كبيرة جدا، ما جعل عضوية
الجمعية تتدنى، وهذا التدني يؤثر على قيم العائلة، التي طورت أخلاقيات
مختلفة، ما يسبب لنا القلق. الأمور تزداد صعوبة، والصيد يقل أكثر
وأكثر، بينما يتوافد المزيد من السياح إلى هنا.
مع ذلك لا يتفق جميع السياح القادمين إلى هنا على الرأي ذاته.
يعمل الكثير من السكان المحليين اليوم لدى السياح. ما جعل سبل الحياة
وأساليبها والكثير من التقاليد والثقافة كنظام آكلي اللحوم، ومراسيم
التعميد والزواج كلها تأثرت. أصبح لدينا الآن نسبة عالية من الطلاق،
وهو مسألة بالكاد كانت مسموعة قبل بضع سنوات فقط.
أنا من إنجلترا، وأصدقائي من كندا، كنا نجول في رحلة عبر أمريكا
الوسطى، فسمعنا عن هذا المكان. وعندما وصلنا إلى هنا تبين لنا أن بيليز
من البلدان الأغلى في العالم، وسان بيدرو هي الأكثر كلفة في بيليز. أي
أنها كانت مفاجأة سيئة بالنسبة لنا.
أشعر وكأن بيليز شيدت خصيصا للسياح، أما المواطنين فهي أغلى بالنسبة
لهم أيضا كما أظن. أي أنه لا توجد أماكن رخيصة الثمن هنا. أي أن البقاء
هنا ليست مسألة سهلة.
جزيرة أمبيرغريس سان بيدرو ليست مجرد جنان من المحال الفخمة. لدينا
العديد من المشاكل أيضا، لدينا هنا نمو عشوائي، ينجم تحديدا عن قوة
العمل المهاجرة، التي لا تتمتع غالبا بالمنشآت الصحية اللازمة التي
تشمل مياه الصرف الصحي وغيرها.
أثار الاستغلال التجاري للشواطئ قلق العاملين في البيئة. تهديد السياح
التكامل الطبيعي للجزيرة، يجعل منهم سببا للقضاء على أسباب مجيئهم إلى
هناك.
تعتبر هذه بعض من المشاكل التي نواجهها مع النمو السياحي، يسعى الإنسان
هنا للقضاء على المنغروف مع أنه بالغ الأهمية لنمو صغار الأنواع
البحرية التجارية، ومن بينها جراد البحر والقشريات.
تنشب معارك مستمرة في محاولة لتنظيم عملية النمو هذه، بما يضمن ازدهار
السياحة وحماية البيئة. إليك مثلا عربة الغولف هذه التي لا تستخدم
الوقود النفطي، أي أنا لا تصدر الدخان، ولكن علينا أن نشتري كل عام
مجموعة من البطاريات لأنها تعمل على الكهرباء. وبالتالي نواجه مشكلة
التخلص من البطاريات لأنها تحتوي على الرصاص الذي يعتبر شديد الضرر
بالبيئة.
حتى محمية هول شان البحرية نفسها التي أقيمت لوقاية جزء من حيد البحر
على الأقل، أخذت اليوم تعاني من تأثير السياحة عليها. الجهل والتخريب
والنتائج الحتمية للسياحة الجماعية جميعها تسبب أضرارا جسيمة بالظروف
البيئية الحساسة، التي يبذل جيمس أسويتا جهوده لحمايتها.
علينا أن نلتزم بمتطلبات الحيد، وأن نكرر دائما: نرجو عدم الوقوف على
المرجان. نرجو عدم لمس المرجان. نرجو ألا تعكر الترسبات بالزعانف لأن
هذه الترسبات يمكن أن تضعف المرجان وتؤدي بالتالي إلى موته. إذا انتهكت
أي من هذه القوانين ستدفع غرامة بقيمة ألف دولار.
أصبحت محمية هول شان ضحية لما تحققه من نجاح. أقول هذا لأن الحيد يجذب
الكثير من السياحة الشعبية إليه. أعرف أن عدد السباحين والغطاسين يصل
في بعض الأحيان إلى ثلاثمائة شخص في آن معا، ما يسبب الكثير من الأضرار
ويدعو بالتالي للقيام بعمل ما. كنت أفكر بضرورة فتح أماكن جديدة،
واعتبار مناطق أخرى محميات بحرية، كي نعطي لمحمية هول شان استراحة
تتراوح بين شهرين أو ثلاثة على الأقل.
تواجه جزيرة أمبيرغريس مشكلة جدية هي جزء من مشاكل جميع المناطق
الجميلة على الأرض. إذ تواجه من جهة الحاجة الماسة لحماية ما فيها من
جنان طبيعية، وما يعترض ذلك بالمقابل من تلوث تأتي به السياحة إلى
هناك.
هذه قناة باكالار التي تجعل من أمبيرغريس جزيرة حقيقية. على يساري يمكن
أن ترى المكسيك، وعلى يميني تجد بيليز. يقول علماء الآثار أن شعوب
المايا هي التي حفرت هذه القناة، الهامة جدا بالنسبة لمشروعنا، إذ أنها
ستستخدم للسياحة بين كوروسال في الغرب، والحيد البحري في الشرق.
مايكل سمرفيل/ بيولوجي:
يهدف مشروع باكالار تشيكو مبدئيا إلى حماية ووقاية وتطوير منطقة
باكالار تشيكو، التي خصصت حتى الآن لتكون جزءا من حديقة وطنية أو محمية
بحرية، ذلك أنها تضم عدد من الأنواع المعرضة للانقراض، كما هو حال
القطط البرية، والفهود والنمور والهر النمري والأسلوت وغيرها. ومع ذلك
فإن فرص انضمام هذه المنطقة إلى حديقة وطنية أو محمية بحرية ليست في
قمتها. هذه الأرض التي أجلس فوقها الآن، هي أملاك خاصة، وغالبية
أصحابها يسعون لإنشاء المباني والمنتجعات السياحية فوقها. وهذه مشاريع
إذا ما أنجزت ستحطم السلسلة البيولوجية ما قد يؤدي إلى وقوع كارثة
بيئية.
ما زلت أعتقد أن جزيرة أمبيرغريس وسان بيدرو من أفضل الأماكن التي يمكن
العيش فيها. أعتقد أن هناك متغيرات حصلت، ولكن سكان هذه المنطقة يشعرون
بالقلق، وهم يبذلون الجهود للمحافظة على جمالها. أعتقد أننا إذا أقمنا
التوازن بين حماية البيئة ونمو السياحة سنتمكن من الحفاظ على منطقة
جميلة يفخر بها السكان هنا.
لضمان هذا التوازن المنشود تحتاج هذه الجزيرة الكاريبية الصغيرة
والعالم أجمع إلى أشخاص من طينة جيمس أسويتا.
نعمل هنا بجد ونشاط لحماية البيئة، وما زال أمامنا الكثير من المهام
التي يجب القيام بها. يمكن للحماية والنمو أن يسيرا جنبا إلى جنب، إذا
تابعنا القيام بما نقوم به، سنتمكن أخيرا من حماية بيئتنا كي تستمتع
بها الأجيال القادمة.
--------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م