اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 مصر، استعراض في السويس
 

قناة السويس

في التاسع والعشرين من تشرين أول أكتوبر من عام ستة وخمسين، شنت إسرائيل هجوما صاعقا على أعماق صحراء سيناء المصرية، وقامت الطائرات الفرنسية والبريطانية بتحطيم الأهداف العسكرية. كان ذلك جزء من اتفاق سري يهدف إلى إسقاط حكومة الرئيس جمال عبر الناصر، الذي أمم قناة السويس وجعلها ملكا لبلاده.

كان عليه الاختيار بين القتال أو الموت. وقد أبلغ ناصر الشعب المصري بذلك.

إنه سيناريو مخيف كاد يشعل الحرب العالمية الثالثة، ويقضي على الأمم المتحدة، المنظمة الدولية التي أقيمت لمعالجة النزاعات الدولية.

كان الجميع قلقا بهذا الشأن، فهو ينطوي على مشكلة بالغة الخطورة.

في هذا المحفل الدولي، لعبت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ومصر والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أدوارا رئيسية. ومن الجناح دخل الدبلوماسي الكندي لاستر بي بيرسون إلى الساحة للتخفيف من حدة الأجواء التي كادت تشعل حربا شعواء.

=-=-=-

بدأت المراحل الأولى من القصة في مصر، عام اثنين وخمسين حين قامت مجموعة من الضباط بانقلاب عسكري أطاح بالحكم الملكي، وأرسل الملك فاروق إلى المنفى.

برز جمال عبد الناصر كزعيم وطني لمصر، طبق مجموعة من المشاريع الإصلاحية الطموحة والجريئة، الواعدة بإخراج البلاد من الفقر. عزز وصوله إلى السلطة من حجم التوتر مع إسرائيل، الذي ساد منذ قيام الدولة الصهيونية عام ثمانية وأربعين.

رحب جزء من الإسرائيليين بهذا التغيير على اعتبار أن السلطة المصرية السابقة للملك فاروق كانت فاسدة، لهذا توقع الإسرائيليون أن يحقق ناصر بعض الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما قام به فعلا.

لاستير بيرسين، الذي يعرفه المقربون والأصدقاء بلقب مايك، التقى بناصر لأول مرة، خلال جولة عالمية سنة خمسة وخمسين.

ابن لاستر:

كان يتمتع بشخصية فريدة وأسلوب مميز وأخلاق رفيعة جعلت والدي يعجب جدا به. كان هذا على المستوى الشخصي، لا أتحدث هنا عن ناصر العلني، لذا أقول أنهما كانا على صلة وطيدة فعلا.

وضع ناصر نصب عينية ضرب الصلة الاستعمارية مع بريطانيا التي تحتل البلد منذ عدة عقود. عام أربعة وخمسين، تفاوض ناصر على الانسحاب العسكري، احتفل المصريون بعدها بمغادرة آخر جندي بريطاني يوم الثالث عشر من حزيران يونيو من عام ستة وخمسين.

بقيت إحدى أشكال التواجد الاستعماري تتجسد بشركة قناة السويس، التي تملكها بريطانيا وفرنسا. كانت قناة السويس تعني لفرنسا وبريطانيا ضمانة لمرور النفط الشرق أوسطي الرخيص الثمن. أما المصريون فاعتبروا ذلك استمرارا للسيطرة الاقتصادية.

عدم إنجاز تأميم القناة يعني أن الاستقلال المصري غير مكتمل. تم بناء القناة بجهد المصريين، ومن خلال العمل الإجباري، حيث شارك سبعة وعشرون ألف مواطن مصري وعملوا كالعبيد حتى شيدوا القناة، ليصبح فيما بعد ملكية أجنبية على الأراضي المصرية. لذا يشكل ذلك انتهاكا للعزة الوطنية المصرية، ومجرد استمرارية للتواجد العسكري الأجنبي في البلد.

عندما انتخب ناصر رئيسا وعد بمعالجة مشكلة القناة، ولكن بناء سد أسوان العالي أمام نهر النيل كان على رأس أولوياته الشعبية. وقد اعتمد في ذلك على وعود بالدعم المالي من الولايات المتحدة وبريطانيا والبنوك العالمية. علما أن إصلاحاته كانت تزعج الغرب إلى جانب علاقاته المقربة من المنظومة الاشتراكية.

في تموز يوليو من عام ستة وخمسين، قرر وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دلاس وبعد استشارة الرئيس أيزنهاور، أن يسحب الدعم المالي الأمريكي لمشروع بناء السد. وقد بلغ ناصر بالقرار عبر التقارير الصحفية.

ناصر:

فاجأني التصرف المهين الذي أعلن الرفض من خلاله، وليس الرفض بحد ذاته، ولا شك أن المهانة في الأمر تكمن بما قيل عن أن الرفض نابع من ظروفنا المالية والاقتصادية وما إلى هنالك..

سرعان ما تبعت المصارف البريطانية والعالمية الخطوات الأمريكية وألغت قروضها للمشروع الضخم. ما دفع عبد الناصر إلى البحث عن مصادر تمويل أقرب إلى مصر من أي شيء آخر، وهي عائدات شركة قناة السويس. فقرر الاستيلاء على منشآتها، ولكن بعد أن يعطل القدرة البريطانية على الرد.

ناصر:

درسنا كل الظروف العسكرية البريطانية بالطبع، وظروفها الاقتصادية، درسنا جميع الأجواء قبل الإعلان عن التأميم. كان من الضروري التأكد أولا من أن بريطانيا لن تتمكن من الرد العسكري قبل ثلاثة أو أربعة أشهر على الأقل.

أي أنه اتخذ قرارا بتأميم القناة وبأسرع ما يمكن، وإعلان ذلك، دون إبلاغ البريطانيون أو الفرنسيون أو الأمريكيون أو باريس أو لندن، بل إعلان ذلك على الملأ ليعرفوا بالأمر عبر التقارير الصحفية، تماما كما علم هو بسحب التمويل المالي للسد العالي.

اختار عبد الناصر ساحة شعبية قديمة في الإسكندرية لإطلاق حملته الهادفة لتأميم قناة السويس، والأزمة التي نجمت عنها.

كان صياح المشاركين في الحفل الخطابي متتاليا وعاليا لدرجة أجبرت ناصر على الانتظار والبدء من جديد في إعلان تأميم القناة.

في اللحظة المحددة التي ذكر فيها ناصر اسم فيرندناند دليسيبس المهندس الفرنسي الذي شيد قناة السويس، قامت مجموعات من المهندسين والجيش بالاستيلاء على منشآت ومكاتب شركة قناة السويس.

أراد إيصال الفكرة القائلة بأنه إما أن نقاوم أو نموت. وأنه لا يوجد أي خيار بينهما. أذكر جيدا حين كنت شابا، أثناء سماعي لناصر حينها، أنه على حق، إما أن نقاوم وندافع عما هو لنا، أو أن نموت، بهذه البساطة.

أصيبت بريطانيا وفرنسا بالصدمة والذهول، وطالبت الصحافة البريطانية رئيس الوراء البريطاني أنطوني إيدين بالعمل الفوري.

ما أن أعلن قرار تأميم القناة حتى صاغوا الشعار الذي يطالب إيدن بعمل واسع النطاق، حتى أن إحدى الصحف قارنت تأميم القناة بالأعمال التي قام هتلر بها قبل الحرب.

أدرك إيدين ورئيس الوزراء الفرنسي غيمولي، أن القوانين الدولية تقف إلى جانب ناصر.

تبين أننا لا نملك أي حقوق قانونية في التدخل، نتيجة تأميم القناة، لأنه لم يحاصرها، وكل البنود الواردة في معاهدة ألف وثمانمائة وثمانية وثمانين، كانت تتحدث عن حصار القناة، وبما أنه لا يحاصرها فهو لا يمنحنا أي حق قانوني غير الاحتجاج.

ولكن بريطانيا وفرنسا تصران على جعل ناصر يدفع الثمن، ذلك أن السيطرة المصرية على موارد القناة تشكل ضربة مؤلمة لاقتصاد البلدين. كما أن لفرنسا أسباب أخرى تدفعها لمواجهة الزعيم المصري، وهي دعمه لحرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي.

اعتقد الفرنسيون حينها أن المقاومة الجزائرية للاحتلال تنبع من مصر وتحديدا من شخصية جمال عبد الناصر. واعتقدوا أنهم إذا نفذوا عمل عسكري مشترك يتعلق بشركة قناة السويس، قد يطيح بناصر، ما يؤدي إلى انهيار المقاومة الجزائرية بمفردها.

أعدت الأجواء للنزاع المسلح، بدأت بريطانيا وفرنسا بالتخطيط لاجتياح مصر، ضمن عملية موسكيتير، في محاولة مشتركة من إيدين ومولي للتخلص من ناصر.

=-=-=-=-=-

بعد يوم واحد من إعلان ناصر لتأمكيم القناة، أبلغت بريطانيا حلفاءها في الغرب بأنها مستعدة لاستخدام كل ما يلزم لحماية مصالحها.

اعتبر وزير الخارجية الكندي لاستر بيرسين، أن هناك خطر يحدق بحليف مقرب.

ابن لاستر:

وجد احتمال شبه مؤكد لاستخدام القوة العسكرية. نحن أعضاء في الكومنويلث ولكنا كمستعمرة سابقة، نعتبر أن زمن الإمبراطورية العظمى قد ولى.

لاستر بيرسن:

التجربة الإمبراطورية لبريطانيا في مصر دفعتها للاستهانة باحتمال عودة مصر إلى الساحة الدولية، عبر كفاءتهم وشعورهم الوطني الذي كان مغيب كليا في الحكومات السابقة عندما كانت بريطانيا تسير البلد.

حذر بيرسن البريطانيون من استخدام القوة، ولكنهم تجاهلوا نصيحة رجل سيتزايد تأثيره بسرعة مع تفاقم تلك الأزمة.

نشأت تجربة بيرسن من عمله العسكري خلال الحرب العالمية الأولى.

ابن لاستر:

ولكن التجربة الأهم نالها عبر ما قام به من مهام بعد انتهاء الحرب كدبلوماسي، حيث اكتسب البراعة اللازمة للعثور على السبل المناسبة لتفادي الحروب ووقفها بعد أن تبدأ عبر العمل الدولي.

كان يتمتع بشخصية غير عدوانية على الإطلاق وغير متواطئة. كما أنه كان يتقن التفاوض، وكان يتردد على هيئة الأمم المتحدة منذ تشكيلها، كما نشط في شؤون الشرق الأوسط، وعين رئيسا للجمعية العمومية، حيث أقام العديد من اللجان والبعثات، لذا أعتبر شخصيا أنه كان من بين الشخصيات القيادية الأولى لهيئة الأمم المتحدة في ذلك العقد.

دعى بيرسن فرنسا وبريطانيا للبحث عن حل سياسي لأزمة السويس، عبر هيئة الأمم. ولكن بريطانيا وفرنسا تجاهلتا مرة أخرى نصائحه، وتابعتا التحضير لعملية انتقام ضد ناصر.

في الثامن والعشرين من تموز يوليو من عام ستة وخمسين، جمدت بريطانيا وفرنسا الأرصدة المصرية في الخارج، بما يشكل ضربة مالية تردان فيها على تأميم ناصر لقناة السويس.

توقع ناصر ألا تقبل القوى العظمى بسهولة التحدي الذي يمثله ذلك، وأنها سترد بعنف، على قيامه بتأميم القناة. ركز ناصر على بريطانيا وهو يدرك بأن إيدين سوف يتحرك.

يوم الثاني من آب أغسطس بدأت فرنسا وبريطانيا بتحريك الأساطيل، عبئ الآلاف من القوات البريطانية وتم طلب الاحتياط.

أرسلت ثلاث حاملات طائرات بريطانية إلى مالطا. استنفرت فرنسا فرقتين من جيشها، وبدأت بجمع أسطول المتوسط في تولان. سيعتمد الطرفان على القاعدة الجوية البريطانية في قبرص لإنجاز عمليات القصف الجوي.

دعا الفرنسيون والبريطانيون مواطنيهم بمغادرة مصر. أصر إيدن على معاقبة ناصر.

إيدن:

مشكلتنا ليست مع المصريين، وليست مع العالم العربي، مشكلتنا مع العقيد الناصر. لقد أثبت بأنه ليس أهل بالثقة، للحفاظ على العهود.

توجه إيدن إلى واشنطن طلبا للمساعدة، ولكن محاولاته لم تنجح، فالرئيس أيزنهاور يدعو للتوصل إلى حل سياسي وليس عسكري. نظم وزير الخارجية الأمريكي فوستر دلاس محاولتين للتوسط، فشلتا معا، حين رفض ناصر التفاوض، متهما الغرب بالتحالف ضده.

امتدت شعبية جمال عبد الناصر إلى العالم العربي، حيث أعلن العمال إضرابات عامة ضد الإمبريالية.

يوم الثالث من أيلول سبتمبر من عام ستة وخمسين، عقد لاستر بيرسين اجتماعا مغلقا مع وزير الخارجية البريطاني سلفين لويد.

ابن لاستر:

كان يعرف سلفين لويد منذ أن كانا يعملا في الأمم المتحدة معا في الجمعية العمومية لبضع سنوات، لذا كان يثق به، ولكنه لم يكن متأكدا بعد مرور عدة أسابيع من أن لويد، كان صريحا معه لأنه لم يجب على الأسئلة المباشرة حول ما قد يفعلونه.

خرج بيرسين من اجتماعه مع لويد وهو على قناعة بأن بريطانيا على وشك الخوض في نزاع عسكري يسبب الكارثة. فكتب إلى رئيس وزرائه لويس اليرون في أوتوا يقول: لدي انطباع بأن الأحداث على الساحة الدولية تجر الحكومة البريطانية وراءها، بدل أن توجه وتتأثر بتلك الحكومة. ما ينجم عن ذلك برأي فقدان الوجهة، وعدم الثقة بالأداء.

ما زال إيدين على ثقة بإقناع الأمريكيين لدعم العملية العسكرية، بينما فقدت فرنسا الأمل وتوجهت إلى إسرائيل، الحليفة التي كانت تمولها بالأسلحة سرا.

عزز دعم ناصر لحركات التحرر في المنطقة من رغبة إسرائيل في التخلص منه، فأصبحت على ثقة بضرورة إزاحته عن السلطة. وهكذا شكلت إسرائيل بديلا للرفض الأمريكي في المشاركة.

يبدو أن فوستر دلاس كان يحاول إقناع بريطانيا بالتراجع عن العملية العسكرية. في تلك اللحظة فقد الفرنسيون الثقة في التوجه الذي تتبعه بريطانيا، كان كل شيء جاهز ولكن إيدين كان متردد. وكانا معا يفكران بما إذا كان التدخل الإسرائيلي سيعجل في العملية مع الفرنسيين وما الذي يمكن أن تفعله إسرائيل بهذا الشأن. ولكن إسرائيل أعربت عن استعدادها للمشاركة في النزاع.

رغم انشغال فرنسا وبريطانيا في التحضير لخوض الحرب، كنتا تتحدثان عن قرارات سلمية، فحملتا النزاع إلى الأمم المتحدة.

يوم الثالث عشر من تشرين أول أكتوبر تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا بالإجماع كأساس للتوصل إلى حل للنزاع حول قناة السويس. حينها فقط أبلغ إيدين كبار الدبلوماسيين لديه حول استراتيجيته الحقيقية.

بلغه ذلك من لويد الذي كان وزير خارجية بريطانيا في ذلك الحين، فعاد إلى لندن لترويج الاتفاق الجديد، ثم طلب من بروس أن يصعد الطائرة ويذهب إلى باريس كي توقف التحضير للهجوم على مصر.

دعا الفرنسيون بريطانيا إلى اجتماع حرب سري مع الإسرائيليين، ذلك أنهم يملكون استراتيجية لاجتياح السويس.

عقد الاجتماع في قصر صغير من سيفريس، أحد الأحياء الخاصة من باريس، رحب رئيس الوزراء الفرنسي دي مولي ووزير الخارجية كريستيان دينو بالوفد الإسرائيلي أولا.

تألف الوفد الإسرائيلي من رئيس الوزراء بن غوريون، وقائد القوات موشي ديان وشمعون بيريز وزير الدفاع، وعيمن هيل كان سكرتيرا للوفد.

وكان آخر الحضور سلفين لويد، الذي أصر على السرية المطلقة. أدرك المشاركون في الاجتماع أنهم يعبثون بالنار.

كنا نرى بأن لا أحد في الغرفة يريد أن يكون هناك، خصوصا سلفين لويد الذي بدا مكرها على الوضع وكأنه لا يريد أن يبدو كشخص يتحالف مع الصهيونية على المستوى العالمي.

أملت بريطانيا وفرنسا في التوصل إلى اتفاق شفهي يحترمه الجميع، ولكن رئيس الوفد الإسرائيلي بن غوريون لا يثق بهم، فأصر على اتفاق مكتوب. على مدار الأيام التالية انهمكت الدول الثلاث في الإعداد التفصيلي لضربة تسقط نظام عبد الناصر.

ينص الاقتراح الذي أصبح اتفاقا موقعا بين جميع الأطراف، على أن تنفذ إسرائيل هجوما عبر سيناء تستولي من خلاله على قناة السويس، تتفق بريطانيا وفرنسا بعد على إصدار دعوة لكل من إسرائيل ومصر للانسحاب من القناة، أما إذا رفض ناصر ذلك ستبدأ الطائرات البريطانية والفرنسية المتمركزة في قبرص بضرب الجيوش المصرية، لتنطلق بعدها السفن الحربية من مالطا كي تحط بعد أيام في ميناء بور سعيد المصري.

يعد الاتفاق السري بتوزيع الغنائم بما يرضي أطراف العدوان الثلاثي، بحيث تستعيد بريطانيا وفرنسا سيطرتها على القناة، مقابل استيلاء إسرائيل على صحراء سيناء.

عرقل هذا الاتفاق جهود الأمم المتحدة الهادفة لإنهاء النزاع سلميا، حتى أنه حول تلك الأزمة إلى حالة من الفوضى.

=-=-=-=-=-

يوم التاسع والعشرين من تشرين أول أكتوبر من عام ستة وخمسين، قام الجيش الإسرائيلي باجتياح الأراضي المصرية. قاد الجنرال موشى ديان قواته غربا عبر صحراء سيناء، أدى التحالف البريطاني الفرنسي الإسرائيلي إلى بدء العدوان الثلاثي على مصر.

عندما أصبح الجيش الإسرائيلي في منتصف الطريق عبر سيناء، أمر ناصر الجيش المصري بالانسحاب من الصحراء. كانت تلك أوامر خاطئة ذلك أن القوات الإسرائيلية كانت على مقربة من الوحدات المصرية وخصوصا الطيران الذي يسيطر على الأجواء بما يمكنه من اصطياد قوافل الجيش أثناء انسحابه بسهولة كبيرة. كما سادت نتيجة ذلك حالة من الذعر الشديد.

في اليوم التالي تقدمت الولايات المتحدة أمام مجلس الأمن باقتراح قرار، يدعو إسرائيل إلى سحب قواتها من سيناء، دون معرفتها بأن إسرائيل كانت على اتفاق سري مع فرنسا وبريطانيا.

مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن:

ترى الولايات المتحدة أنه من الضروري أن يعمل مجلس الأمن الدولي وبحسم، على تحقيق السلام، ووقف العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل على الفور، والتأكد من عودة القوات الإسرائيلية إلى ما وراء خطوط الهدنة المتفق عليها.

أثناء مناقش مجلس الأمن لقرار وقف إطلاق النار في نيويورك، ألقى إيدين بقنبلته من البرلمان البريطاني. معلنا تحذيرا أخيرا لمصر وإسرائيل، يدعوهما لوقف القتال خلال اثني عشر ساعة، وإلا ستتدخل فرنسا وبريطانيا.

من الواضح جدا أن الهدف من هذا التحذير البريطاني لمصر وإسرائيل، هو إعطاء حجة لمصر وإسرائيل بضرب مصر، أما الحقيقة فهي أن الاتفاق ينص على أن يستمر الهجوم الإسرائيلي رغم التحذير للسماح للقوتين العظمتين بتنفيذ تهديدها.

ما كنا لنصدق بأن قوتين عظميين تحظيا بالاحترام الكبير يمكنهما فجأة دون التواصل مع حلفائها الغربيين في العالم أو حتى مع مندوبيها الدبلوماسيين، والخوض في حرب كبيرة كهذه. شكل ذلك إحراج كبير لمندوب بريطانيا الدائم في مجلس الأمن بيرسين ديكسي، الذي لم يبلغ مسبقا بما سيحدث، فوجد نفسه في موقع دفاعي في مجلس الأمن، كان ذلك محرج جدا له.

طلب إيدن ومولي من مندوبيهما في الأمم المتحدة فرض حق النقض ضد اقتراح القرار الأمريكي لوقف إطلاق النار الصادر بحق إسرائيل. وهكذا تحولت مشكلة السويس بالنسبة لأمين عام هيئة الأمم المتحدة دايغ هاماتول، إلى أزمة للمنظمة الدولية.

أدلى الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة بتصريح مؤلم وحكيم في آن معا حين قال أنه لا يرى سبيلا لاستمرار عمل المنظمة الدولية إذا كان عضوين دائمين من أعضائها يرفضان الموافقة على قرار يدعو لوقف إطلاق النار ما يتناقض كليا مع ما يفترض أن يقومان به في المنظمة.

سادت حالة من الفوضى في تلك الفترة ذلك أن المنظمة الدولية والأعضاء الدائمين صبوا جل غيظهم على فرنسا وبريطانيا لتبقى إسرائيل جانبا وكأنها غير معنية بالأمر.

تصرفت إسرائيل بالتوافق مع نص المعاهدة الثلاثية الموقعة، فأعلنت رضوخها للإنذار الفرنسي البريطاني.

بينما رفضته مصر كما كان متوقعا.

شعر المصريون بالمهانة لتعرضهم لمثل هذه المؤامرة الدنيئة، لهذا شعر المصريون أنه لم يعد هناك حاجة للكلام، أو التفاوض على التحذير.

نفذت الخطوة التالية من المعاهدة الثلاثية ضد ناصر، فانطلقت الطائرات الفرنسية والبريطانية لضرب المطارات المصرية وأهدافها العسكرية والاقتصادية.

ناصر:

عندما سمعنا بالهجوم الجوي الفرنسي البريطاني إلى جانب إسرائيل شكل هذا كارثة لنا، إذ أصبح الأمر ميؤوس منه، والنتيجة الوحيدة لمثل هذا الأمر قد يكون التضحية بجميع قواتنا الجوية دون أي جدوى، وذلك لانتشار العديد من حاملات الطائرات بالقرب من حدودنا، لهذا قررنا إرسال بعض من طائراتنا إلى السعودية والسودان.

في واشنطن أدان الرئيس أيزنهاور الاجتياح.

أيزنهاور:

لم تتم استشارة الولايات المتحدة في أي من هذه الأعمال، لذا نأمل وسنسعى إلى رفع هذه القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، هناك يمكن للرأي العام العالمي أن يساهم في التوصل إلى نهاية عادلة، لهذه المشكلة .

السبب الذي جعل الولايات المتحدة تعرب عن غضبها الشديد هو أن اثنين من حلفائها المقربين في الناتو وغيره، قد تورطتا في حرب استعمارية على الطريقة البدائية دون التحدث بذلك معها. وكان هذا هو العام الذي انتخب فيه الرئيس أيزنهاور على أساس برنامجا يحمل عنوان السلام والازدهار.

في كندا أصيب لاستر بيرسين بغضب يوازي أيزنهاور، كما شعر بالخيبة والإحباط من بريطانيا.

تحدث في الأمر قائلا أنه يعتقد بأن إيدن ارتكب خطأ جسيما، فما كان يجب أن يورط نفسه في هذا المزيج الذي لن ينجم عنه إلى الكوارث والفوضى.

سرعان ما تنبه بيرسن إلى أن الأمم المتحدة قد تنهار إذا لم يتم التوصل إلى حل يحفظ ماء الوجه لبريطانيا وفرنسا، يحول أيضا دون النزاعات المقبلة.

توافق الكثيرون على ضرورة أن يتم القيام بعمل ما بهذا الشأن كي تتمكن هيئة الأمم من تخطي هذه الأزمة وإلا فقد تنهار كليا.

فجأة توجهت أنظار العالم إلى هنغاريا حيث قام الاتحاد السوفيتي بقمع تمرد هناك، لتجد هيئة الأمم نفسها عاجزة عن حل أي من المشكلتين.

برزت مشكلة أخرى بالغة الأهمية تحتاج إلى تضامن العالم الغربي، ولم تحظى بذلك، نتيجة ما يجري في قناة السويس. أي أن هناك مشكلتين على الساحة الدولية بعد ما جرى في هنغاريا. أصبح الجميع متحمسا للتخلص من هذه الظروف المعقدة والمسببة للحرج. وفي كلا الحالتين يمكن تحقيق تقدم على مستوى المنظمة الدولية، حيث يحتاج الناس هناك إلى وسيلة للخروج من أزمات لا يجدون طريقة أخرى لتخطيها، وهذا ما كان بيرسين يدعو إليه.

توصل بيرسين إلى حل نبيل، يعتمد على إنشاء قوة دولية متعددة الجنسيات قادرة على وقف النزاعات، قوة تسيطر عليها الأمم المتحدة، بدل القوى العظمى. كانت الولايات المتحدة قد وضعت نص مشروع لوقف إطلاق النار أمام الجمعية. بدأ بيرسين يعمل على ضمان تأييد المندوبين واضعا نصب عينيه تعزيز فكرة إنشاء قوات الطوارئ الدولية.

لا شك أن بيرسن كان نموذج فريد لما يمكن أن يفعله المندوب الدبلوماسي، فقد كان شخص يتخطى الشكليات ويتمتع بالصراحة الشديدة، وهذا ما يحبه الناس.

كانت شخصيات عديدة تأتي إليه من بعثات أخرى تسأله عن رأيه عما يجب القيام به للخروج من حالة الفوضى، من بينهم بعض السفراء والوزراء والمندوبين الدائمين وعلى جميع المستويات الأخرى.

طوال تلك الليلة من الاجتماع الطارئ للجمعية العمومية، طرح الاقتراح الأمريكي الداعي لوقف إطلاق النار على التصويت. فوافق عليه غالبية الأعضاء، إلا أن كندا تحفظت، اغتنم بيرسين هذه الفرصة لتوضيح أسباب تحفظه، وتقدم باقتراحه الداعي لإنشاء قوة أمنية تحت سيطرة الأمم المتحدة. تحدى بيرسين العالم للعمل بحسم.

بيرسين:

لنتحد من أجل السلام، والسلام هنا يتعدى كثيرا مجرد وقف لإطلاق النار.

قبل أن يتقدم باقتراحه المتعلق بإنشاء القوة الدولية تحدث مع فوستر دلاس فأبلغه وزير الخارجية الأمريكي أنه سيدعم اقتراحه على الفور، وهذا ما قام به فعلا، إذ دعاه لتقديم اقتراح مكتوب.

عاد بيرسين في اليوم التالي إلى أوتاوا لدراسة تفاصيل اقتراحه في حين كانت الاشتباكات على أرض المعركة تخرج عن السيطرة. أمر ناصر قواته بأن تغرق السفن وتحطم الجسور على طول قناة السويس. استولت إسرائيل على قطاع غزة، وتقدمت عميقا في أعماق صحراء سيناء، بينما أخذت الأساطيل الفرنسية البريطانية المؤلفة من مائتي ألف سفينة بالتوجه إلى منطقة النزاع، وعلى متنها قوات هجومية يزيد عددها عن اثنين وعشرين ألف جندي.

=-=-=-=-=-

أصبحت القوات الفرنسية البريطانية على مسافة الرماية لضرب مصر، ولكن رئيس الوزراء البريطاني أنطوني إيدين يتعرض لضغوط متنامية للتراجع، وذلك في الأمم المتحدة وفي الوطن حيث برزت حركة مناهضة للحرب. والأسوأ من ذلك أنه فقد دعم أحد كبار الضباط في الجيش، اللورد لوي ماونت باك.

عشية بدء الهجوم المصري على مصري أخذ يبحث عن ضابط يؤيد سياسته لقيادة الهجوم، ولكنهم كانوا حفنة قليلة.

قلت في نفسي يا إلهي إلى جانب عدم جدوى الهجوم فإن الخطة من الناحية العسكرية غير منطقية، ولا يمكن أن تنج في وقت قصير كهذا. فعادة ما تدعم الطائرات وحدات تكون قريبة من الشواطئ، ولكن هذه كانت في الطريق بعد.

في هذه الأثناء كان لاستير بيرسن يضع اللمسات الأخيرة على اقتراحه الخاص بإنشاء وحدات دولية للطوارئ، وقد تنبه إلى عدم جدوى المشروع بدون الدعم الأمريكي.

اعتمد في ذلك على الاقتراح الأمريكي الداعي لانسحاب فوري والذي كان الأمين العام يسعى للعمل عليه، ومن جهة أخرى لا شك أن الولايات المتحدة ستشكل المصدر الرئيسي للدعم اللوجستي لهذه القوة حال إنشائها.

استشار بيرسين الأمريكيين الذين تحمسوا للاقتراح. عند عودته إلى نيويورك كانت الاضطرابات تسود الأمم المتحدة.

سادت حالة من الاهتياج والاضطرابات الناجمة عن الاحتجاج العارم على استمرار احتقان الوضع من قبل فرنسا وبريطانيا وضرباتهما، حتى أن إسرائيل كادت حينها تصل إلى ضفة القناة..

وضع بيرسن أمام الجمعية العمومية اقتراحه للتصويت.

بيرسن:

تعتبر بعثتي هنا، أنه من أولويات الأمور أن يقدم لنا الأمين العام خلال ثمانية وأربعين ساعة، خطة تحظى بموافقة الدول المشاركة، لإنشاء قوات طوارئ تابعة للأمم المتحدة، تضمن وتشرف على وقف النزاعات، وفقا لما يتضمنه القرار الآنف الذكر.

اعتمد القرار بموافقة سبعة وخمسون صوتا، دون اعتراض أحد وتحفظ دول النزاع. لأول مرة في التاريخ تنشأ قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة، وقد تولى كندي آخر هو الجنرال تومي بيرن، العمل على ضمان الدعم اللوجستي لخطة بيرسين.

طلبت الجمعية العمومية من الأمين العام أن يقدم تقريرا خلال ثمانية وأربعين ساعة، حول إنشاء قوات الطوارئ. لم يكن هاماتول على قناعة تامة بالمشروع، ولكنه طلب من الجنرال تومي بيرن أن يأتي إلى نيويورك، ومع بدء العمل تنبه إلى أنه قد يكون الحل الوحيد الذي يمكن أن يعطي نتيجة.

تعززت فكرة إنشاء قوة الطوارئ، وعدد البلدان المتحمسة لدعمها بالقوات، حتى أرادت فرنسا وبريطانيا أن تشكلا جزءا منها، على أمل إجهاض السعي الدولي بتسمية الاجتياح قوة متقدمة لحفظ السلام.

أوضح الأمين العام بشكل قاطع أنه لا يرى سبيلا لتحقيق ذلك بالإضافة إلى أن مصر لن توافق إطلاقا على الفكرة، لأنها تتعرض لاجتياح، وأنتهى الأمر. ولكن بريطانيا استمرت لأسباب تفاؤلية بالقول:..

إيدين:

ما الذي نسعى لتحقيقه؟ الهدف الأساسي هو وقف النزاع، وفصل الجيوش، والتأكد من عدم معاودة القتال، لقد تدخلنا لأن الأمم المتحدة لم تتمكن من ذلك في الوقت المناسب، لو أن الأمم المتحدة..

سبب تحول إيدين العلني المفاجئ كارثة في العلاقات العامة، فقد أثار تحرك المعارضة وأربك الدعم القليل الذي بقي من حوله.

إذا كان صادقا فيما يقوله فهو أغبى بكثير من أن يكون رئيسا للوزراء. ولا يوجد إلا طريقة واحدة يعيد فيها الاعتبار لموقع رئاسة الوزراء، وهي برحيله ورحيله ورحيله.

اعتاد الناس على وجود أزمات في مصر ثم جاء الهجوم الإسرائيلي على مصر ليليه سقوط القذائف البريطانية عليها، لتتراجع بعدها فجأة أي أن الأمر كان مربك جدا. لذا قالت المعارضة أنها لو عرفت، فرضيا، بما يعرف به إيدين، لكانت ربما تقف إلى جانبه.

مع بزوغ الفجر أصبحت الأزمة أبعد من أن تحل. على الرغم من الرأي العالمي، وبغياب العقوبات الدولية، أنزل أكثر من ألف مظلي إنجليزي وفرنسي فوق الأراضي المصرية، ليجدوا أن ليس هناك جيوش للفصل بينها.

عند نزول المظليين البريطانيين فوق مدينة بور سعيد، كانت إسرائيل قد انتهت من الحرب، بعد أن استولت على شرم الشيخ وما ترتب عليها من مهام حسب الاتفاق. ثم انتظروا دخول البريطانيين والفرنسيين إلى القناة، على أمل أن يتمكنوا بعدها من الإطاحة بناصر.

رغبة منه في إبعاد الأنظار عما يجري في هنغاريا، ركز الرئيس نيكيتا خرتشوف جل اهتمامه على قضية السويس. فهدد بضرب لندن وباريس بالقنبلة الذرية إن لم تنسحب فرنسا وبريطانيا من هناك.

تجاهلت بريطانيا وفرنسا التهديدات السوفيتية، فقصفت وحداتها الشواطئ ثم أنزلت اثنين وعشرين ألف جندي على المدخل الشمالي لقناة السويس.

عند نزولهم على الشاطئ اعتقد الفرنسيون والبريطانيون أنهم سيستولون على القناة بسهولة كبيرة إذ أنهم لا يملكون الوقت الكافي، ولكنهم استولوا على عشرة أميال فقط واجهوا بعدها مقاومة صعبة ذلك أن المصريين كانوا قد عطلوا القناة كليا بعد أن وضعوا فيه كل أشكال العوائق بما في ذلك جسر لسكك الحديد وإغراق العديد من السفن المحملة بالإسمنت وغيره، أي أن القناة كانت معطلة، فعلق الفرنسيون والبريطانيون هناك.

=-=-=-=-

بدأ إيدين يواجه ضغوط لا مثيل لها في لندن، بعد استقالة ثلاثة وزراء من حكومته، وانقطعت إمدادات النفط البريطانية الرئيسية، وتعطلت القناة، والاقتصاد على وشك الانهيار.

تنامت الصيحات التي تطالب باستقالته. حتى أن هاري ماك ميلن مثلا، أشار بوضوح إلى حجم الأزمة الناجمة عن ذلك في الحكومة ثم دعا لاستقالتها.

تدعيما لممارسة الضغوط على بريطانيا رفضت الولايات المتحدة تقديم قرض مالي يهدف إلى تعزيز الجنيه الإسترليني إلا بتراجع لندن. فكنت تلك ضربة قاضية لإيدين. بلغت كارثة إيدن حدها يوم السادس من تشرين الثاني نوفمبر، حين وافق على وقف لإطلاق النار. ولم يترك لفرنسا خيارا آخر، فأوقفت القتال أيضا، وانتهت النزاعات في منتصف الليل.

سارعت الأمم المتحدة إلى إعداد ونقل قواتها لحفظ السلام. يوم الخامس عشر من تشرين الثاني نوفمبر بدأت هذه القوات تحل محل القوات الفرنسية والبريطانية في قناة السويس.

انهمكنا في العمل على جمع القوات اللازمة والحصول على السبل اللازمة لنقلها عبر إيطاليا من حيث اتفق على انطلاقها. وكنا نواجه عدم الثقة المصرية أيضا، وهذه مسألة عصيبة لأن مصر تعرضت لاجتياح من ثلاث قوى أجنبية ولا تثق جدا في نوايا القوة الرابعة التي تأتي بملابس عسكرية لاحقا. ولكن تمكنا في نهاية المطاف من دخول مصر خلال تسعة أيام وهو رقم قياسي فعلا.

نجحت الأمم المتحدة في إزالة فتيل أزمة السويس، ويعود الجزء الأكبر من الفضل في ذلك إلى السيد بيرسين، الذي صنف كندا كساع للسلام يستحق الثقة في ظروف النزاعات الدولية.

=-=-=-=-=-

أصيبت مصر بالجزء الأكبر من الخسائر في أزمة السويس التي سقط فيها ألف وستمائة شهيد. بينما خسرت إسرائيل مائة وتسعة وثمانون جنديا. أما بريطانيا وفرنسا فكانت خسائرها ثمانية وعشرون ضحية.

على مدار الأشهر التالية، انسحبت بريطانيا وفرنسا من منطقة القناة، حيث غادر آخر جندي أرض السويس يوم الثاني والعشرين من كانون أول ديسمبر.

وأزيلت آخر سفينة غارقة في القناة يوم الخامس والعشرين من آذار مارس من عام سبعة وخمسين. ثم أعيد فتح القناة، وبقيت تحت السيطرة المصرية حتى يومنا هذا.

ماطلت إسرائيل في انسحابها من سيناء عدة أشهر، بحجة التأكد من ضمانات هيئة الأمم للأمن على حدودها، ولكن الولايات المتحدة هددت بتطبيق عقوبات مالية إن لم تنسحب، ما ساعد على الخضوع الإسرائيلي.

أجبرت إسرائيل على الانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها خلال الأزمة، ما حرمها من رغبتها الشديدة في تحسين مواقعها الاستراتيجية. مع ذلك، أدى انتشار قوات الطوارئ لحفظ السلام في المنطقة، وما خلقته الأزمة من توتر، إثر استيلاء إسرائيل على سيناء، نعمت المنطقة الحدودية بعشر سنوات من الهدوء النسبي على هذه الجبهة.

مع نهاية هذه الأزمة أصيبت بريطانيا بما يشبه الانهيار المالي، بعد أن استنزفت احتياطاتها الدولية جديا. إقفال القناة وضرب أنابيب النفط أثناء النزاع، دفع بريطانيا إلى فرض حالة التقشف على النفط، فتحولت أمة الرولز رايز، إلى استعمال سيارات الأوستين ميني الاقتصادية، والتي صممت كنتيجة مباشرة لأزمة السويس.

سقط رئيسي الوزراء أنطوني إيدين وإيمولي ضحايا أزمة السويس، التي أدت إلى انهيار حكومة إيمولي، واستقالة إيدين.

أدى انتهاء التواجد البريطاني في الشرق الأوسط إلى إنهاء عظمة الطابع الثري لهذه القوة العالمية، إلى جانب العادة البريطانيةفي معاملة نفسها على هذا النحو. بدءا من أزمة السويس أخذت بريطانيا تحرص جدا على اتباع سياسة تتوافق مع الخط العام للولايات المتحدة.

لم يشكك أحد على الإطلاق خلال هذه الأزمة، بحق مصر أو غيرها في تأميم الشركات المتعددة الجنسيات. شعر ناصر بالفخر والاعتزاز لأن مصر تمكنت رغم ضعفها من بذل الكثير من الجهود، لتتحول بذلك إلى قوة لا يستهان بها.

اعتبر الكثيرون أن ما قامت به بريطانيا وفرنسا كان خطأ كبيرا، ولكنه خطأ كان في صالح إسرائيل من وجهة نظرها، على اعتبار أنها أصبحت أكثر استعدادا للجولة التالية عام سبعة ستين.

بعد عشرة أعوام دعا ناصر إلى سحب القوات الدولية من هناك، ثم اشتعلت حرب عام سبعة وستين التي عرفت بحرب الستة أيام، حين عاودت إسرائيل استيلائها على صحراء سيناء.

تمكن ناصر من بناء سد أسوان العالي بدعم مالي من الاتحاد السوفيتي، ولكنه لم يعش ليرى ثمرة إنجازه، إذ توفي بأزمة قلبية عام سبعين.

أعد خليفته أنور السدات لمحاربة إسرائيل عام ثلاثة وسبعين. تبعها توقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية سلام في كمب ديفيد يوم الرابع والعشرين من آذار مارس من عام ثمانية وسبعين.

أبرزت أزمة السويس لاستر بيرسين كواحد من أهم قادة صنع السلام في العالم. وقد استحق جائزة نوبل للسلام يوم الحادي عشر من كانون أول ديسمبر من عام سبعة وخمسين. ذلك أنه كما أوردت لجنة نوبل، ساهم أكثر من أي شخص آخر في إنقاذ العالم وهو على حافة النزاع الدولي.

ابن لاستر:

كان سعيد جدا دون شك، فقد اعتبر الجائزة بمثابة تقدير له ولهيئة الأمم ولكندا. كانت تلك لحظات عظيمة.

عزز إنشاء قوات حفظ السلام الدولية من تحسين سمعة كندا في الخارج، وسجل مرحلة جديدة من قرارات النزاعات في العالم.

لا شك أن سمعة كندا كانت عالية جدا في الأمم المتحدة منذ البداية، وما كانت في الواقع تحتاج إلى المزيد من الأدلة، فالحقيقة هي أن كندا كانت تعتبر ملاذا حقيقيا عندما كانت النزاعات الدولية على وشك الانفجار.

لاستر:

أكدت التجربة أن ظهور الجنود الدوليين على الساحة وهم يرتدون ملابس الأمم المتحدة، وهم متمثلون في اللجان الدولية بأعلى مستوياتها على غرار مجلس الأمن، يمكن أن يعني الكثير، وهو على وجه الخصوص يفتح سبل المستقبل.

استمر لاستير بيرسن بدعم الأمم المتحدة كوزير خارجة لكندا، حتى انتخب رئيس وزراء لكندا، من عام ثلاثة وستين حتى عام ثمانية وستين، ليموت عام أربعة وسبعين.

ما زالت أسطورة لاستر بيرسين تعيش حتى اليوم. منذ أزمة السويس انتشرت قوات الطوارئ الدولية في العديد من المناطق الساخنة حول العالم. من بينها قبرص والكونغو ولبنان وهايتي والبوسنة.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster