اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 مصر، آلهة وشرور
 

ميتولوجيا الآلهة المصرية

كانت الحياة في مصر القديمة جيدة.

ولكنها كذلك محفوفة بمخاطر لا تفسير لها.

قام المصريون بعمل فريد ومميز لفهم واقعهم.

فقد علقوا آمالهم ومخاوفهم على مجموعة من الآلهة المدهشة فمنحوا كل منها اسما.

ولكن حتى في عالم الخوف الخارق، تخطت الآلهة المصرية حدود اللامعقول.

تعددت الآلهة في مصر القديمة، ولكنها كانت معقدة وغامضة بما يشبه الحضارة التي أنجبتها.

حاثور، هي امرأة بقرون بقرة، ترمز إلى آلهة الخصوبة. ولكنها إذا ما أصيبت يمكن أن تدمر البشر.

وترمز اللبوة سيكميت إلى دفء الشمس المغذي.

ولكنها تسبب الحرارة اللاسعة أيضا.

يمكن للعقرب سيلكيت أن ينفخ فيك الروح أو يقطع أنفاسك على السواء. إذ أن للسعته قوة منح الموت أو الحياة.

نشأت ازدواجية الآلهة من مراقبة دامت آلاف السنين، لتؤكد بأن الخير والشر يتعايشان معا في هذا العالم.

ولا بد من التأكد من ذلك على الدوام لضمان توازنهما.

للمحافظة على هذا التوازن الحساس، سعى المصريون طلبا لمساعدة الآلهة، التي ولدت مع بداية الزمن.

تؤكد المثولوجيا المصرية، أنه لم يكن هناك سماء ولا أرض، ولم يكن هناك ليل أو نهار، ولا حياة أو موت.

لم يكن هناك إلا ظلام دامس ومياه.

وبعد ذلك في اللحظة التي يحصل فيها الفيضان السنوية للنيل القديم، تراجعت المياه، وأطلت الأرض لتشكل ربوة الخلق.

وتتابع الميثولوجيا المصرية القديمة أنه منذ ذلك الحين، نشأ را، إله الشمس لأول مره، ناشرا أشعة نوره على العالم.

رغم أن شرح الخلق ليس فريدا، إلا أن الصورة المصرية كانت كذلك.

اعتقد المصريون أن الخلق ليس حدثا منفردا بذاته، بل دورة مستمرة تتكرر يوميا مع بزوغ الشمس.

تجسدت أسطورة الخلق في جميع المعابد عبر مصر القديمة.

على خلاف بيوت العبادة الحديثة، يؤدي المعبد المصري دور نوع من الآلة الهندسية التي تبقي على استمرار حركة العالم وتبعد الفوضى عنه. أطلق على هذه المعابد حرفيا لقب قصر الآلهة، وقد صمم كل منها ليصور الكون لحظة الخلق.

صمم برجان سميا بالبوابات عند المدخل، ليرمزا إلى الأفق، وقد أنشئا بتوازن كي تبزغ الشمس من بينهما.

زينت هذه الأعمدة لإبعاد الشر بصور للفرعون وهو يتغلب على أعدائه.

وكان البلاط في الداخل يستحم بأشعة الشمس التي تمنح الحياة. كان هذا المكان هو أبعد ما يستطيع بلوغه العامة من الناس.

من هنا كانت تنطلق مجموعة من الأعمدة المبنية على شكل ورق البردي ونبات اللوطس، لترمز إلى المستنقعات التي تميز حروف ربوة الخلق النابعة. أما البراعم والزهور فهي تدعو خصوبة الخلق كي تبزغ.

نجد بعد ذلك المعبد الداخلي، حيث كان تمثال الآلهة مركزا للشعائر المقدسة.

صباح كل يوم قبل بزوغ الشمس، يستحم الكاهن سعيا للطهارة ويرتدي الأبيض ليضيء الشعلة التي تقوده عبر الظلمات.

ثم يشعل البخور في المعبد الداخلي ليطهر الهواء ويوقظ الآلهة التي تستقر في ملاذها استعدادا لزيارة الأرض.

يقدم الكاهن نفسه للآلهة، وحده الملك، الذي يعتبر ملكا بحد ذاته، يستطيع الوقوف في حضور الآلهة. إلا إذا منح سلطاته إلى شخص يختاره.

فيقول الكاهن حرفيا: لقد أرسلني الملك إليك.

عند ذلك يفتح الملاذ ويكشف عن وجه الآلهة.

وهكذا تتكرر لحظة الخلق مرة أخرى، كما حصل يوما في بداية الأزمان.

يذكر ظهور الشمس بالغموض والمعنى الحقيقي للكون في مصر القديمة، والوعد في استمرارية الحياة والنصر على الموت.

كما أنه يؤكد البداية والنهاية للرحلة الملحمية.

يسافر إله الشمس را يوميا من الشرق إلى الغرب عبر زورق شمسي في مياه النيل السماوية.

وفي الليل يعاود الغوص في مياه الهاوية البدائية، وينزل إلى عالم العدم، حيث يسيطر الموت.

لا بد أن تكتمل الدورة ليعاود را انبعاثه.

ولكن عالم العدم مكان محفوف بالمخاطر، يعج بأشرار مخيفة تسعى لاستهلاك الآلهة. وكان أسوأهم مخلوق اسمه أبيب.

في غرفة مدفن الفرعون، تعرف حافظ الآثار المصرية القديمة في المتحف البريطاني فيفيان ديفيس على كتابات تصف أشد المراحل صعوبة في الرحلة.

يستعرض أحد المشاهد الهامة إله الشمس را مع مساعده السماوي في سفينتهما المقدسة، أثناء الرحلة تحت العالم. تصبح هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر، عندما يتعارك مع قوى الشر، المتمثلة بالظلام والفوضى. ومن بين أبرزها، الثعبان العملاق، أبيب، الذي يسعى للقضاء عليه.

ولكن هذه التعويذات الهيروغليفية، ستضمن خروج را دون أذى. تصور هذه الجمل الهيروغليفية أبيب وهو مقتول بسكين يقطع عنقه. وهكذا يتمكن را مع بزوغ الفجر من الشروق، وأن الملك الميت سينبعث معه من جديد.

يعتبر انبعاث الملك أشبه بتجديد الكون، وهذا مبدأ أساسي لاستمرارية العالم كما عرفه المصريون القدامى.

سيطر الكفاح المستمر للحياة ضد الموت والنظام ضد الفوضى على الحياة اليومية في مصر القديمة.

لجأ المصريون القدامى إلى الآلهة طلبا للمساعدة في خطوطهم الدفاعية الأولى. ولكن الوصول إلى الآلهة في المعابد لم يكن سهلا. بما أن الناس لا يستطيعون الدخول إليها، على الآلهة أن تخرج إليهم.

على الشاطيء الشرقي من النيل وفي العاصمة القديمة ثيبيس، ما زال معبد الكرنك الهائل في الأقصر يقف شاهدا حيا على قوة الآلهة حينها.

كان لكل مدينة وقرية في مصر القديمة إلاها خاصا بها، أما آلهة ثيبيس، فكان الآلهة أمون را.

إذا كانت المدينة تنجب سلالة الفراعنة، فلا بد أن يعظم شأن الآلهة.

لهذا كانت ثيبيس. مع بداية المملكة الجديدة عام ألف وخمسمائة وخمسين قبل الميلاد، حكم أمون را ملكا على جميع الآلهة في مصر.

وضع تمثاله في المعبد الرئيسي للدولة، الذي سمي بالكرنك العظيم، وهو الأكبر في العالم.

كان التمثال يخرج عدة مرات في العام الواحد من المعبد برفقة مجموعة من الكهنة، لزيارة معابد أخرى.

وكان من بينها معبد صغير على الضفة الغربية من النيل في مدينة حابو.

سجل بيتير دورمان من من المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو منحوتة تذكر باجتماع جرى بين الفرعون والآلهة.

كان المعبد مكانا مميزا، اعتقد سكان ثيبيس أنه يسجل نقطة الانطلاق في ربوة الخلق الأولى، إلى حيث جاء آمون را وغيره من الآلهة الأولى إلى الكون.

هناك بعض الأماكن المقدسة التي كان يوضع فيها تمثال الآلهة آمون مع نهاية مهرجانات العبادة. في سبيل الحصول على القرابين التي يقدمها الملك شخصيا للتمثال. على جدار هذه الغرفة نقرأ نوع القربان الذي قدمه الملك تحديدا. سبق أن أزيلت صور عن بعض الجدران في العصور الوسطى نتيجة المعتقدات البائدة. ولكن رغم ذلك يمكن أن نرى صورة الملك على الميمنة، وصورة الآلهة آمون على الميسرة جالسا على عرشه، وبينهما أكوام من القرابين التي تتألف من جرار الزيوت المعطرة وقطع اللحوم وأنواع من الفاكهة والخبز والخضار، وتحتها بقرة مذبوحة.

لا شك أن الملك يمثل الجنس البشري، وعبر تقديمه ثمار الأرض للآلهة يمكنها من تقديم أشياء هامة للملك بالمقابل، كما هو حال الخلود والملوكية، وإطالة سنوات جلوسه على العرش، وهكذا تؤكد القرابين خلق العالم، للعام التالي.

كان موكب الآلهة ينهي المهرجان، ما يعني لمصر وقت الاحتفال.

عبر ولادته في الجو ضمن مركب احتفالي، كان تمثال آمون يحمل لعبور جادة اسفنكس إلى معبد الأقصر.

كانت صورته أقدس من أن تراها الأعين، لهذا كان تمثال آمون يحجب عن الأعين بستار.

شيدت طوال الطريق ستائر خاصة ملئت بالقرابين لتمنح نقاط استراحة للآلهة والكهنة. بينما اصطف البائعون يقدمون الأطعمة للحشود.

كان الموكب من المناسبات القليلة التي يتصل فيها المصري العادي مباشرة بآلهة بتلك الأهمية.

كان الاتصال يأتي على شاكلة كاهن.

مع اقتراب موعد الموكب، كان السائل يرتمي أمام المركب لطرح سؤال يجاب عليه بنعم أم لا. هل سنتخلص من مسؤول بائس في العمل؟ هل سيعود إلينا العزيز الغائب من رحلته سالما؟ هل أشتري تلك البقرة؟

خطوة إلى الأمام تعني نعم، وإلى الخلف تعني كلا.

كان للكاهن الكلمة الفصل في التدخل الإلهي.

كان الملوك يستشيرونهم في أمور الدولة الهامة، كالحروب والبعثات الأجنبية، وحتى في الخلافة.

ولكن أحدا لم يستخدمهم إلى أقصى الحدود مثل حاتشيبسوت. الملكة التي ستصبح ملكا.

كانت هاتشيبسوت شقيقة وزوجة للملك تحوتموس الثاني.

عند موته كان ابنه تحوتموس الثالث صغيرا على الحكم، لهذا أصبحت هاتشيبسوت الحاكمة الفعلية.

وكان للملكة الطموحة خططا أخرى، فقد منحت سلطات الملك، وأعلنت نفسها فرعون.

هناك صخرة في المذبح الأحمر للكرنك، كانت محطة استراحة لآمون را في موكبه، تقص هذا الحدث.

تتحدث بعض الصخور عن الآلهة الهامة في مصر التي توجت حاتشيبسوت ملكا. والشيق في الأمر هو أن النصوص الهيروغليفية التي ترافق المشاهد، تتحدث عنها أحيانا كامرأة، وأحيانا أخرى كرجل. ولكن الصورة تستعرضها دائما كرجل. إليك هذه الصورة هنا، حيث تتوج من قبل الآلهة آمون را، مع الآلهة حاثور، التي حضرت وهي ترتدي الزينة الملكية المعتادة. وفي هذه الحالة تاج الحكم، والذقن الملكية، والتنورة الخاصة. ولكن يمكن أن ترى بأن جسمها هو جسم رجل، وكان هذا بالغ الأهمية لها، على اعتبار أن ملك مصر وحاكما يجب أن يكون على الدوام رجلا.

للاستفادة من هذه الحركة الرائعة، انتهزت حاتشيبسوت المناسبة ووقفت أمام موكب الآلهة آمون را تسأله وسط الحشود، فأعلنها عبر الكاهن الملك المناسب.

كان الكاهن يحمل أثقال الحقيقة سواء عبر التدخل الإلهي، أو التلاعب البشري. ما كان يناسب الآلهة يناسب مصر أيضا.

ولكن في الحياة اليومية، كان الإيمان بالآلهة وقدراتها يصبح أقرب إلى الجميع.

عام ألف وأربعمائة قبل الميلاد، كانت هذه القرية الصحراوية التي تسمى اليوم بدير المدينة، موطنا للحرفيين الذي بنوا المقابر في وادي الملوك.

الأجواء الحارة تساعدنا اليوم على إلقاء نظرة سريعة على حياتهم اليومية.

تلك الحياة التي تلامس الآلهة والشرور من المهد إلى اللحد وما وراءهما.

يأتي التهديد الأكبر للحياة عند الولادة، في عصر كان ثلث أطفال مصر يموتون، وكانت النساء الحوامل يعتبرن جاذبات للشرور.

كانت الولادة حدث احتفالي، ولكنه كان أشبه بالخلق محفوف بالمخاطر.

كان على الأم يوم الولادة أن تخرج من البيت كي تحول دون دخول الشر لاجتياح المكان.

تعرف علماء الآثار في كثير من المنازل على ما يعتقد أنه صندوق الولادة.

شيد هذا المكان لحماية الأم وطفلها، وقد زين بملامح الآلهة المخيفة.

كانت الآلهة تواريت تجسد جسم أنثى حصان النهر الحامل، بذيل تمساح تحمل السكين أحيانا. كان حصان النهر يشتهر بحمايته المستميتة عن صغاره.

كان الآلهة بيس مسلح بالقوس له ذقن الأسد ولسان بارز، وهي ملامح المقصود منها إخافة الأعداء.

مع اقتراب موعد الولادة يصنع صولجان من أنياب حصان النهر المزينة بصور تاوريت وبيست، وغيرها من القوى الإلهية التي كانت تستخدم لصنع دائرة واقية حول السرير، وبعد ذلك حول مهد المولود الجديد.

بمساعدة قابلتين، تمثلان الأم الكبرى إيزيس، وشقيقتها نيبثيس، كانت الأم تستلقي على حجارة ولادة خاصة، أثناء ترديد التعاويذ التي تدعو الآلهة للإسراع في الولادة الآمنة.

وكانوا يأتون بساحر يسمى العالم بالشيء، ليرأس الشعائر.

بوضعه القناع يتحول إلى وسيط للآلهة بيسيت أنثى بيس، التي عادة ما تبدو وهي تحمل ثعبان في كل من اليدين.

اعتبر العاج وسيلة لإخافة أي نوع من الخطر المحدق.

ساد في مصر اعتقاد يؤكد التغلب على مخاطر هذه الحياة في الحياة الأخرى، وذلك بدعوة الآلهة التي تغلبت على مصاعبها الخاصة، وتحديدا أيزيس وأوسيريس. وقد اعتبرت ملاحمهما البطولية أساسا لمعتقدات وممارسات الكثيرين في مصر القديمة.

يعتبر أوسيريس وفقا لأساطير الخلق، حفيد الآلهة را، وقد ورث الحق في أن يصبح ملكا.ولكن شقيقه سيث غار منه. كي يفوز بالعرش لنفسه وضع شقيقته في تابوت أقفله بإحكام ورماه في النهر.

خرجت إيزيس، زوجة أوسيريس وشقيقته تبحث عن زوجها الميت.

عندما عثرت عليه استخدمت قدراتها السحرية كي تعيده إلى الحياة.

ولكن شقيقه سيث لم يرتدع، فقام بتقطيع شقيقه إربا وعاود رميه في النهر مرة أخرى.

فاستعادت إيزيس ما يكفي من أجزاء زوجها لتحمل منه بطفل.

عند ذلك نزل أوسيريس إلى ما تحت العالم ليصبح ملك الموت، بينما اختبأت إيزيس بين المستنقعات لحماية مولودها الجديد هوروس، وريث العرش الحقيقي.

اعتبرت الودجات، وهي عين هوروس، من بين أشهر التعويذات في العالم، فأصبحت رمزا للبركة والشفاء. إنها تمثل العين التي فقدها هوروس أثناء محاربته لآلهة الشر سيث، انتقاما لمقتل والده أوسيريس.

انتشرت التعاويذ لإبعاد قوى الشر وجلب حسن الطالع.

تعني عبارة أنخ بالهيروغليفية الحياة، وهو رمز قوي للحماية.

تمثل الخنفساء السوداء تلك الحشرة التي تخرج من الأرض يوميا لتبعث نفسها من جديد.

إنها رمز قوي للتجدد، إذ تدفع الكرة أمامها كما تتدحرج الشمس عبر الفضاء.
كتبت التعويذات على قصاصات من ورق البردي كي توضع حول العنق أيضا.

تقول تعويذة خاصة بالصداع ما يلي:
أجبر ساحيكيك على التراجع، ذلك الشر الذي سقط على الأرض من السماء، والذي رسمت عيناه في رأسه، ووضع لسانه في مؤخرته، وهو يتغذى على الأوساخ..

أعرف اسم أمك، وأعرف اسم أباك ابق بعيدا عني.

ولكن أسباب المرض أو الإصابة لم تكن دائما واضحة.

ربما تعرضت الآلهة للمهانة.

كان الناس لحماية أنفسهم يضعون المقامات للآلهة في بيوتهم. كان الحرفيون في دير لمدينة يختارون الآلهة التي يفضلونها. أما الآلهة المفضلة لديهم فكانت آلهة الثعابين ميريتسيغير، التي تعشق الصمت.

لضمان سماعها لدعائهم، نقشوا صور الآذان على حبوب تصنع من الحجارة.

كانت الثعابين السامة تكثر في الصحراء. ساد لديهم مبدأ يقول أنه يمكن استخدام ما يمكن أن يضرك لمساعدتك. لهذا كان المصريون يؤلهون الحيوانات الخطيرة ويدعونها لتساعدهم وتحميهم.

في ظلال هرم الجيزة العظيم، اكتشف علماء الآثار مقبرة البناءين. رغم وضاعة مقابرهم، إلا أن سعيهم للخلود بعد الموت لم يكن أقل أهمية.

عثر زاهي حواس مدير ساحة الجيزة، على لعنة في أحد هذه القبور، تركها فنان حرفي اسمه بيتيتي.

يعود أحد القبور لأحد الفنانين العاملين في بناء الأهرامات. يمكن أن نرى أنه عاش قبل أربعة آلاف وستمائة عام، وكان اسمه بيتيتي، الذي بنى قبره من بقايا مواد بناء الأهرام. وقد أحضر صخرة كلسية كبيرة نسبيا كهذه ليخط عليها كتابات شيقة، هي محتويات اللعنة.

لنرى ما كتبه هنا حيث يقول من الميسرة: اسمعوا جميعا. لم يسبق أن أسأت بشيء في حياتي، لهذا السبب أحبتني الآلهة. فإذا قام أحد بإزعاج قبري، سوف يأكله التمساح وحصان النهر والأسد. وقد كتبت زوجته العبارة نفسها على الجانب الآخر، لكنها أضافت، تقول: والعقارب والثعابين. هذا ما يوحي بأن المرأة في الماضي كانت تنتقم بقوة أكبر من الرجل.

يمكن للموتى أن يكونوا لعنة شؤم، ولكنهم قد يكونوا حلفاء أقوياء أيضا.

بما أن الآلهة والشر يسكونون تحت الأرض، شيد سكان القرية مقاما يقدمون فيه القرابين لأسلافهم.

أصبح الموتى يتمتعون بقوة إلهية خاصة بهم، فهم على اتصال مباشر بالآلهة، ويستطيعون الدخل لصالح العائلة.

للاتصال بهم كتب المصريون رسائل للموتى، غطت العديد من المسائل القانونية والنزاعات العائلية، أو اكتفت بنقل التحية.

تقول إحدى هذه الرسائل: كيف حالك، هل يعتني الغرب بك كما تشاء؟

بينما تقول أخرى: أرجو أن تتحول إلى روح فعالة، واجعل ابنا سليما يولد مني.

ولكن الأسلاف لا يرغبوا جميعا بالمساعدة، إذ أن بعض الذين استخف بهم بعد الموت أو أسيء إليهم في الحياة، سوف يعاودون المجيء للانتقام من العائلة.

عام ألف ومائتين قبل الميلاد، اعتقد رجل ساء حظه أن زوجته الميتة قد تكون السبب في بؤسه.

فكتب إليها رسالة عتاب يذكرها في أنه كان زوج وفي ومخلص، وأنه ليس السبب في موتها أثناء رحلة عمل قام بها.

بقيت هذه الآثار كي نراها سواء كانت مذنبة أم لا. كان تحديد هوية الأرواح الشريرة والسيئة النوايا من الأعمال المعقدة.

ولكن في نهاية الرحلة بعد الممات لا يبقى أي مجال للخطأ.
عندما شيد الهرم الأكبر عام ألفين وخمسمائة وثمانون قبل الميلاد، كان عربة للفرعون تنقله إلى الخلود. لم يكن هناك شك في أن ابن آلهة الشمس را سيذهب إلى الجنة. ولكن حتى المصري العادي كان يوعد بما بعد الحياة، ولكن الوصول إلى هناك مليء بالعقبات.

يكمن سر الخلود في أسطورة الخلق، التي ينزل فيها را إلى ما تحت العالم لينضم إلى أوسيريس، إله الموت، لينبعث بعد ذلك عبر الشروق.

بما أن الرحلة كانت شاقة، جمع المصريون لائحة من التعويذات السحرية التي أطلقوا عليها اسم كتاب الموت.

كان هذا دليلا لما بعد الموت، وقد كتب على ورق البردي ليلحق بالجسم ليساعد الميت في التعرف على السكان والطرقات تحت العالم، ليتمكن من تخطيها بسلام.

من بينها تعويذات تساعد الميت على تذكر اسمه، ذلك أن الروح تختفي من الوجود عند نسيان اسمها.

هناك تعويذة للابحار في زورق عبر النهر السماوي.

ولتقوده عبر الواجبات اللازمة يوم الحساب.

ولتوحيد الجسم بروحه الانسانية.

ولكن لبلوغ النعيم في المفهوم المصري للجنة، حقول المزامير، على الميت أولا أن ينتقل من الغرب إلى الشرق عبر ما تحت العالم، من خلال عدة بوابات.

يحرس الشر كل من هذه الأبواب، ليأكل أرواح الذين يجب أن يموتون.

يكمن مفتاح تجريدهم في معرفة أسمائهم السرية.

مسقط الغروب، العواء، ومصاص الدماء، والأشد خوفا ذو وجه حصان النهر.

ولكن الموتى ليسوا الزوار الوحيدون في مملكة الموت، ففي الليل، يهبط النائمون والحالمون إلى ما تحت العالم، للاجتماع مع الآلهة.

يعتقد بأن الحلم هو كشف عن الحقيقة، رغم عدم وضوح رموزه الدائم، وما إذا كان فال خير أو شر.

لمعرفة ذلك كان المصريون يستشيرون اختصاصي موهوب في تفسير الأحلام.

كان أشهر هؤلاء من دير المدينة اسمه خينحير خوبشيف وقد صاغ كتاب أحلام خاص به، كان الكتاب الوحيد الذي اكتشف، وهو يحتوي على مجموعة من التفسيرات الجاهزة.

إذا رأى المرء نفسها ميتا في الحلم، فهذا يعني حياة مديدة.

وإذا رأى المرء أن سريره يشتعل في الحلم، فهذا يعني أنه سينفصل عن زوجته.

إذا رأى المرء نفسه يشرب جعة ساخنة في الحلم، فهذا يعني أنه سيعذب.

ولكن الذي يواجه المشاكل، يمكن أن يدفع لآخر كي يحلم نيابة عنه.

عام ثلاثمائة قبل الميلاد، كانت الأحلام صنعة في مصر القديمة، أما تفسيرها فهو مربح جدا.

في سقارا بالقرب من الأهرام خارج القاهرة، ترك الكاهن هور آثارا بارزة لحياته المهنية.

بعد أن تزايد الطلب على دقة تفسيراته، أخذ يسجل نجاحاته على الأواني الخزفية، فجمع خمسة وستون نصا يعود تاريخها إلى عام مائة وسبعة وأربعين قبل الميلاد.

وقد سجل على أحدها مجموعة من الأحلام حول رئيس مجموعة من العمال وشبح في المعابد التي يعمل بها.

قام عالم المصريات جون راي من جامعة كيمبريج، بترجمة نصوص هور.

شهد الكاهن هور السيبينيتي حلمين في ليلة واحدة محددة. كان أحدها فكاهي جدا، أما الآخر فهو أكثر جدية. حلم في الأول أنه في الطريق إلى إحدى الجادات، التي ترتبط بالمكان الذي يعمل فيه، وذلك في ليلة يضيئها القمر، فرأى نفسه محاط بالقبور. وقد شاهد في وسط الجادة شبحا. نظر إليه الشبح وقال: هل جئت بطعام الستون ألف أبو منجل؟ وهو نوع من الطيور. يمكن أن تتخيل كمية الطعام اللازمة لإطعام ستين ألف أبو منجل. فكر هور وأجاب، لقد تركتها في البيت. أعتقد أننا جميعا نحلم بأشياء كهذه، حيث تجد نفسك مجبر على القيام بعمل ما، وأنه عليك إيجاد مخرج كي لا تفسد أمرا بكامله.

أما الحلم الثاني فكان أكثر جدية، فقد حلم في الليلة نفسها أنه وسط مجموعة من العمال، وهو أمر لم يقم فيه كثيرا في حياته، كما أنه أمر غير سار لو فعله يوما. ثم جاء رئيس المجموعة إليه ليدفع له المال كي يهرب. أي أنه يدفع الكفالة لهور كي يرحل. فعاد هور إلى بلدته، ولكن مجموعة العمال أخذت تطارده، لمنعه من الرحيل، وعندما أحاطوا به نظر إلى أعلى ليجد رئيس العمال الذي دفع له المال، وهو يقول: أنت في مأزق حرج، فأنا لست رئيس العمال، بل من الآلهة. سبق أن حذرتك من قبل، بألا تعبد أي إله آخر سواي. فأجاب هور بالقول: لن أعاود ذلك من جديد.

فسر هو الحلم لنفسه قائلا أن عليه الذهاب إلى سقارا ليكرس نفسه لعبادة آلهة طيور أبو منجل، الإله ثوث.

دفع له في المساء كي يحلم.

أما في النهار فعمل كاتبا يسجل نشاطات المعبد. بعد ذلك لعب هور دورا هاما في الكشف عن فضيحة كادت تقضي على المعتقد.

كان آلاف الحجاج ممن يواجهون المشاكل أو قرارات صعبة، يأتون كل عام إلى ساقارا لطلب المساعدة عبر شراء حيوانات محنطة تقوم بأدوار الرسل إلى الآلهة. كانت الحيوانات ترمز لدى المصريين إلى قدسية الآلهة.

قد تبدو مشاهد كهذه غريبة للعقل المعاصر فعلا. هناك معابد مخصصة لعدة أشكال من الحيوانات كالقطط والكلاب والطيور، وغيرها. يتم دفن هذه الحيوانات وتحنيطها كي تذهب للانضمام إلى عالم الآلهة. وكان الناس يأتون من أنحاء مصر لعدة أسباب، وحتى من أرجاء العالم، لزيارة هذا الموقع. ولكن لماذا يفعلون ذلك؟ يفعلون ذلك لأنه يشعرون بأن هذه الحيوانات أصبحت جزءا مما وراء العالم وأنفسهم. عبر الذهاب إلى عالم الآلهة، تصبح الحيوانات في موقع للاتصال بها.

كان ثوث إله المعرفة والكتابة.

هوروس إله الصقر السماوي، كان منتقما لوالده أوسيريس.

رغم أن غالبية المعابد المصرية الكبرى بقيت بعيدة المنال، كان معتقد الحيوانات مفتوحا على العامة.

هنا لدينا شيء أكثر إنسانية وأكثر شخصية، لدينا آلهة تهتم بشؤون الإنسان العادي، يمكن أن تساعده في حل مشاكله.

هذا ما قد نسميه اليوم في العالم المعاصر بالعلاج الشخصي. إذا أردت اعتبار تلك المعتقدات في سقارا كنوع من العلاج، لن تكون بعيدا عن واقع ما كان يجري هناك حينها.

تحت معابد المعتقد، كانت تزدحم السراديب بالجرار المليئة بالحيوانات المحنطة، التي قدمت قربانا للآلهة.

في المعابد التي تنتمي لأبو منجل وحده، عثر على أكثر من مليون ونصف المليون.

قام فريث من علماء الآثار بقيادة بول نيكيلسون من جامعة ويلز بالعمل لصالح جمعية الاستكشاف المصرية، للبحث عن سراديب توثق تلاشي المعتقد.

كانت أبو منجل في الماضي من أكثر الطيور في مصر. ولكنها كانت تتوالد في الأسر عند بحيرة قريبة من المعبد بإشراف الكهنة. وكانت تقتل وتحنط عن اللزوم.

قد يكون ما جرى للطيور هو أنها كانت تؤخذ من البحيرة لتلف بشاش من الكتان الذي يمكن أن نرى آثاره في هذا النموذج هنا. وكانت أحشاؤها تنتزع في بعض الأحيان، أو توضع في الصباغ الأحمر، أو ما شابه ذلك، لتلف بعدها بالشاش. وهكذا يصبح هنا عصفورا، أو ما شابه ذلك. وهناك أنواع من سبل اللف في الشاش في بعض النماذج. قلما نجد أسبابا لهذه الممارسة التي تعرض إحدى صلات الآلهة بمقبرة الحيوانات.

الحجم الهائل للمومياء في سقارا يوحي بأنها كانت أشبه بمصنع للفساد. رغم ذلك لم يكن بول مستعدا لما عثر عليه في سراديب معتقد هوروس.

نعرف اليوم أن نفس العملية تقريبا كانت تجري لتحنيط الصقور. ولكن بما أن توالد طيور الصيد في الأسر أشد صعوبة من أبو منجل، عادة ما نعثر على هذا الأخير بدل الصقر المحنط أو غيره من الطيور الجارحة، ما يعثر عليه فعلا هو أجزاء من أبو منجل أو حتى عصي أو جزء من صقر ملفوف بطريقة توحي بأنه تحنيط كامل للآلهة، والحقيقة أن بدائل المومياء هذه هي التي تظهر في الأواني بدل الأشياء الأصلية.

سنة مائة وأربعة وسبعون قبل الميلاد، انتشرت الفضيحة.

يؤكد هور الذي سجل الواقعة، حوكم ستة كهنة ثلاثة من معتقد الصقر وثلاثة من معتقد أبو منجل، بتهمة خداع الحجاج وبيعهم مومياء مزيفة.

نجم عن ذلك مجموعة من الإجراءات الروتينية والتفتيش لتفادي مزيدا من الاستغلال.

مع استمرار التضحية بملايين المخلوقات في سقارا، كان موت حيوان واحد في مكان آخر مدعاة للحداد الوطني.

في أحد المعابد في ميمفيس، ساد اعتقاد بأن بأن ثور يدعى أبيس، يشكل تجسيدا للآلهة بتاه، خالق ميمفيس، وهو أحد أهم الآلهة في مصر.

عند موته تقام كل الشعائر والمراسيم الملكية، بدءا من الموكب وانتهاء بالتحنيط.

إلى جانب المعبد تعرف مايكل جونز من المركز الأمريكي للأبحاث المصرية على الموقع الذي تم فيه تطهير جسم ثيران أبيس.

نحتت بعض المساطب الرائعة من حجر المرمر الذي كانت العقول المصرية القديمة تربطه بالطهارة والنقاء. ما يوحي بأن العمل القذر الذي يتطلبه تحضير جسم الثور للتحنيط كان ينجز في مكان آخر أو في مبنى آخر، وأن هذا يستخدم لشعائر التطهير، أي المرحلة الأخيرة التي تحضر مومياء الثيران لدفنها في سقارا.

كان الكاهن ليأتي بالمومياء الجاهز محمول على إطار من الخشب، ليضعه فوق المصطبة ضمن إطار التضحية الذي فوق، ليصب المياه فوق المومياء، لتتجمع في الجرن عند النهاية . وبما أنها مشحونة بقوة مومياء الآلهة، يمكن أن تجمع في الحوض، دون أن يسمح لها بالتسرب بعيدا دون أن تجمع كاملة في حوض يوحي حجمه الهائل بكمية المياه اللازمة لمراسيم موكب الطهارة هذا.

بعد التحنيط يحمل الثور إلى سقارا ليدفن في السراديب الهائلة المعروفة بالسيرابيوم.

هذه قاعة طولها مئات الأقدام تتحول إلى ثمانية وعشرين غرفة هائلة، يصغر حجمها بتابوت عملاق نحت من صخرة رخام واحدة، يصل وزنها إلى ثمانين طنا.

بقيت ثيران أبيس في سراديب سيرابيوم لأكثر من ألفي عام. بعضها في توابيت من الصخور والبعض الآخر من خشب يعود إلى السلالة الثامنة عشر، عندما كانت مصر في قمة مجدها.

المفارقة هنا هي أن عبادة الحيوانات بلغت أوجها بعد أن تم الاستيلاء على مصر من قبل الأشوريين أولا والفارسيين ثانيا والإغريق أخيرا.

يعتقد علماء المصريات اليوم أن أن زيادة شعبيتها له صلة مباشرة في أزمة الشخصية هناك.

لأول مرة عبر تاريخها الطويل، لم تعد مصر تتوسط

الكون.

بعد بروز امبراطورية جديدة، أصبح جوهر أقدم حضارات العالم يتلاشى بعيدا.

وسط هذه الاضطرابات لجأ المصريون القدماء إلى الشيء الوحيد الذي ينتمون إليه فعلا، وهو ديانتهم الغامضة.

أصبحوا أمام عالم لم يعد يحسدهم على حضارة يتمسكون بعباداتها.

هذه هي آلهتنا وشرورنا، إنها مثلنا تماما. إنها ما يميزنا عن العالم، وقد جعلت منا مصريين طوال ثلاثة آلاف عام.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster