اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 مصر، أعظم صروح القدم
 

أخناتون

عام ألفين وثلاثمائة وخمسون قبل الميلاد أقيمت مراسيم دفن فرعون اسمه أوناس، ولكن هذا لم يكن يوم حداد بل يوم احتفالي.

تعلق المصريون لأكثر من ثلاثة آلاف عام باعتقاد آمنوا من خلاله بانبعاث الروح البشرية.

اليوم، تبدأ روح الفرعون بالانبعاث. ولكن جولته بعد الحياة لا تخلو من العوائق.

فهناك التعويذات السحرية ستضمن له عبورا آمنا.

سعي الفراعنة للخلود دفعهم إلى تشييد أعظم الصروح الهائلة في العصور القديمة.

تعتبر أهرامات الجيزة القريبة من مصر الحديثة بعضا من أكثر الشواهد تغلبا على الزمن.

ويعتبر الهرم العظيم أقدمها وأكبرها حجما، إذ بقي لأكثر من أربعة آلاف عام أعلى صرح بناه الإنسان على وجه الأرض.

شيدت الأهرامات بالصخور الكلسية التي يقال أنها تطلبت نقل وتثبيت أكثر من ثلاثة ملايين صخرة، بلغ وزن بعضها أكثر من خمسة عشر طنا.

دفع الإعجاب الشديد بدقة الأهرامات الرحالة الغربيين إلى التساؤل عمن قام بتشييدها فعلا ولماذا؟

لا يمكن لأي مخلوق بما في ذلك المصريين القدامى أن يحملوا صخورا بهذه الأحجام الهائلة.

فهل قام بذلك الخالق نفسه؟ ليكمل بذلك خلقه المتعلق بالكون؟

أم أنها حضارة أتلنتا الخرافية التي أرادت أن تدفن حكمائها القدماء؟

أو ربما كانوا زوارا من الفضاء الخارجي.

ولكن ما أخفق الخبراء والمراقبون في معرفته هو أن أهرامات الجيزة لم تكن ظاهرة معزولة.

من القاهرة حتى أسوان على طول ستمائة وخمسين ميلا نحو الجنوب على ضفاف وادي النيل تنتشر الأهرامات في مناطق عدة، يشغل غالبيتها الفراعنة وزوجاتهم، وهي جميعا على صلة بالسعي إلى الخلود.

تجد مصر القديمة ومبدأ قيام الأهرامات جذورها مع فجر العصور.

ففي البداية ساد الظلام وسط محيطات من الفوضى العارمة.

ثم نشأت الرابية من بينها، وعلى هذه الرابية ظهر الإله را، ليجسد كل أشكال الحياة والطاقة، والدفء والنور.

عبر را السماء، ولكنه عند الغروب عاد للسقوط في هاوية الفوضى ليعاود الانبعاث عند الشروق صباح اليوم التالي.

أمل المصريون في أن يؤدي توحيد أرواحهم بآلهة الشمس لانضمامهم إلى دائرة الحياة الأبدية.

كانت الأهرامات وسيلة تقودهم إلى الخلود. وكأنها عربة الانبعاث.

اعتبرت تلك الوسيلة جزءا من عملية إجهاد تستهدف مساعدة الفرعون في رحلته نحو الحياة الأخرى.

ولكن الأهرامات لا تتشابه فيما بينها.

كتبت على جدران مقبرة الملك أوناس توجيهات ترشده إلى الخلود.

إنها تسمى بنصوص الأهرام، وهي مجموعة من الألغاز والتعويذات.

خصص أحدها لتخليص الملك من جميع الأفعال الخاطئة. على اعتبار أن الروح الخاطئة لا يمكن أن تصعد إلى السماء.

وأخرى تحميه من العقارب والثعابين التي قد تعترضه في الطريق.

وثالثة تعلن وصوله إلى آلهة الشمس را.

يعطينا قبر أوناس رؤية واضحة عما يعنيه ما بعد الحياة، ضمن هذه الآلة الذاتية للانبعاث، التي نشأت من أرض وعقلية الشعب المصري القديم.

ولكن الغموض ما زال يكتنف القصة الحقيقية للأهرام حتى الآن، تماما كما يكتنف الذين قاموا ببنائها.

يعلو أول هرم مصري إحدى القبور القديمة في سقارا الواقعة على مسافة عشرة أميال جنوبي القاهرة.

يطلقون عليه لقب هرم الأدراج، وهو أول بنية عالية شيدها الإنسان بالحجارة.

خصص هذا الهرم لانبعاث الملك دجوسر عام ألفين وستمائة وعشرة قبل الميلاد، فكان هرم الأدراج حينها شيئا جديدا.

شيد المصريون قبل ذلك نصبهم التذكارية من حجارة الوحل والأخشاب.

كما يمكن أن نرى بأن مجموعة كاملة من قاعات البلاط قد شيدت من الحجارة والصخور سعيا للخلود.

يقف وراء مجمع دجوسير وزير الملك ومهندسه المعماري إمحوتيب.

اعتبر هذا الرجل أكاديميا صنع نفسه بنفسه وقد جعله هذا الإنجاز أهلا للقب وزير، الذي كان أرفع لقب رسمي حينها. حتى أن المصريين كان يعتبرونه بعد ذلك قديسا.

ولكن منذ بعض الوقت حصل اكتشاف جديد إلى الجنوب من سقارا في مقبرة أبيدوس الملكية، يحدد بدقة الشخصية العبقرية التي تقف وراء آلة الانبعاث.

هنا وقبل خمسمائة عام من وصول الأهرام، دفن أول ملوك مصر تحت هضبة مثلثة من الرمال والحصى.

يعمل عالم الآثار غونتر دراير منذ عام خمسة وتسعين مع فريق من معهد الآثار الألماني، في حفر مقبرة الملك خاسيخيموي، الذي حكم مصر عام ألفين وستمائة وثمانين قبل الميلاد.

تحتوي المقبرة الملكية الأكبر في أبيدوس على غرف تناسب الملك.

شيدت المقبرة من حجارة الوحل المجفف، وهي تحتوي على خمسة وستون غرفة قد يصل طولها الإجمالي إلى مائتي قدم.

غطيت الغرف بالأعمدة الخشبية وضعت من فوقها طبقات من حجارة الوحل. ثم ملئت حفرة القبر الكبيرة بالرمال لتظهر فوق مستوى الصحراء ربوة كبيرة من الرمال والصخور.

شكلت الربوة التي أطلق عليها علماء الآثار لقب المسطبة صدى أساسي لربوة الخلق، ورمز للتجدد الشاب.

على مسافة نصف ميل من الحدود الصحراوية بنى خاسيخيموي أيضا هيكل هائل مثلث الأضلاع، بلغ ارتفاعه خمسة وثلاثون قدم، طوله ما يقارب الأربعمائة قدم، ليشكل واحدا من أقدم المباني المصنوعة من الحجارة في العالم.

اعتقد العلماء لعشرات السنين أنها حصن عسكري، بينما اعتبرها السكان المحليين مستودع ليوسف عليه السلام الذي تنبأ بسبع سمان وسبع عجاف كما ورد في الكتب السماوية.

ولكنهم يعرفون اليوم أنه كان قصر الخلود الفرعوني.

يعتبر عالم الأثار ديفيد أوكونور، العامل في معهد نيويورك للفنون الجميلة، أنه من روائع الهندسة القديمة.

رغم بناء هذا الصرح قبل خمسة آلاف عام، إلى أنه شيد على مستوى واسع النطاق وبنجاح كبير جعل جانب كبير منه ينجو حتى يومنا هذا، ما يجعلنا قادرين على إعادة بنائه كما كان أصلا حتى يبدو كما كان عليه حينها. فعلا سبيل المثال كانت الأسطح الخارجية للمبنى مغطاة بلوحات من الفجوات العازلة والدعامات، لتليها لوحات أخرى. عززت هذه بغشاء من الوحل، ثم طليت باللون الأبيض، وهكذا بدل أن يكون لها جدران عادية ترتفع لثلاثين أو أربعين قدم، نجد جدرانا عبر الواجهات تستمتع بمتغيرات دائمة بين الضوء والظل طوال النهار أثناء حركة الشمس من حول البناء.

تعتبر الجدران نسخة عن تلك التي تحيط بقصور وبلاط الملوك الحقيقية. أما اللوحات فهي شعارات للسلطة.

كان البلاط في حياتهم مقرا للمراسيم والمهرجانات المصرية القديمة. أما بعد مماتهم فتتحول إلى نماذج عن إيمانهم بالخلود.

تعتبر مقبرة خاسخيموي الأكبر بين تلك التي شيدت في أبيدوس.

ولكن الملك يعتمد خطة أشد طموحا.

فقد تحول إلى أول بان للتاريخ المصري القديم، وهو يسعى لتشييد أفضل آلة للانبعاث.

في ظلال هرم الدرج، عند سقارا، يبحث إيان ماثيسون من المتحف الوطني في اسكتلندا عن مسألة غامضة حيرت علماء الآثار لسنوات عدة.

وقد استخدم جهاز استكشاف يستعمل في البحث عن النفط لاستكشاف نقطة علام تعرف باسم غسر المدير، أو سياج الزعيم.

عام ألف وتسعمائة وأربعين، كشفت صورة من الجو عن الحدود الخارجية لمبنى هائل من الحجارة يبلغ طوله نصف ميل تقريبا، وهو بعرض ربع ميل.

لم يبق على السطح إلا بعض أجزاء من بقايا الجدار.

كان الجانب الداخلي من الجدار في الجهة الشمالية يمتد من نحو الأفق حيث يتسع خمسة عشر مترا عند النقطة المصنوعة من الصخور الكلسية المحلية.

ثم يستمر الجدار حتى النهاية، لتتسع حفرة السياج لتبلغ ثلاثمائة وخمسون مترا من جهة إلى أخرى، وعبر مسافة ستمائة وخمسين مترا فوق خط الجدار الجنوبي نحو الأفق.

يبلغ الحجم الحقيقي للسياج حوالي ضعف حجم الهرم الذي يضمه.

إنها بنية مدهشة لأنك إذا تأملت بحجمها سترى بأنها كانت أكبر بنية من الحجارة يمكن لأي شخص التعامل معها في تلك المرحلة من الزمن، التي مر عليها أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة عام.

تشير مصانع الفخار التي تم العثور عليها إلى أن السياج قد يعود إلى ما قبل عصر الملك دجوسير بخمسة وعشرين عام، ما يجعله أقدم المباني التي شيدت من الحجارة بكاملها.

إن كان هذا صحيح فمن شيدها؟
وحده الملك خيسخوي القادر على صنع مقام أكثر دواما للخلود.

ولكن أحدا لم يستطع إثبات ذلك حتى تمكن غونتر دراير من تحقيق اكتشاف هام في أبيدوس.

عثر أثناء البحث على عدد من التعليمات والإرشادات المطبوعة، والأكثر إثارة للدهشة من بينها تلك التي تحمل اسم الملك دجوسير، لنستخلص منها أن هذا الأخير هو الذي دفن خاسيخيموي. وكأنه جاء بعده مباشرة.

هذه مسألة بالغة الأهمية في فهم تطور المقابر الملكية.

ملأ الكشف عن حقيقة أن دجوسير قد خلف خاسخيموي فراغا كبيرا في فهم التاريخ المصري. كان علماء الآثار يعلمون بأن دجوسر هو ابن زوجة خاسخيموي، ولكنه عاش وسط منافسة كبيرة على العرش.

وقد أدى الاكتشاف إلى توضيح ذلك، ما يساعد علماء الآثار للمرة الأولى في تعقب تطور الأهرامات منذ طفولتها.

انطلق الملك دجوسير من ميراث آبائه في السعي إلى الخلود فتقدم خطوة أخرى على هذا الطريق.

عند قيام الملك دجوسير ببناء قبره قرر أن يجمع العنصرين معا، أي القبر والسياج الكبير. ولكن ماذا جرى؟

بنى أولا مقصورة القبر، ومن ثم الغرفة ومن فوقهما الربوة، المسطبة الأساسية ومن بعدها شيد جدار السياج من حولها، علما أن الربوة الهامة لم تعد مرئية. أعتقد أنهم لحل هذه المشكلة قاموا ببناء مجموعة من المسطبات الأصغر، فوق الأولى فأصبحت شديدة الوضوح فوق جدار السياج، وهكذا تم التوصل إلى هرم الدرج.

شيدت له الأبراج لأنه قد يصعد إلى السماء. هذا ما تقوله أجزاء من الكتابات المصرية القديمة.

تنطلق الرحلة من كومة الركام إلى أول أهرامات العالم من رؤية قوية لما بعد العالم، وهي رؤية قد تغير كليا المناظر العامة في مصر.

رغم فشل المحاولات التالية القليلة في بناء الهرم، إلا أن نصب سقارا ألهم حالم آخر بالسعي لبلوغ النجوم.

تقع هذه الأطلال القريبة من قرية ميدوم على مسافة خسين ميل إلى الجنوب من القاهرة، وهي تشكل مرحلة جديدة من تطور الأهرامات.

إنه أول هرم برج من الحجم الكبير ينجز بعد عهد الملك دجوسير، كما أنه آخر هرم شيد على هذا النحو.

يسمى هذا الهرم محليا بالهرم المزيف، وقد انهار بالكامل نتيجة ما تعرض له من عملياتسلب متككرة.

ولكن سقوطه تم بعد أن قررت الشخصية البارزة التي تقف وراءه القيام بمحاولة مختلفة.

وصف الملك سنيفرو بأنه فاعل خير يتمتع بروح مرحة. كما جعلته المخيلة الواسعة يتحول إلى أعظم بناء للأهرامات في مصر.

كانت ميدوم بالنسبة له مجرد البداية فحسب، إذ انتقل بعدها شمالا إلى داشور ليشيد اثنين من النصب الأخرى.

كاد ما يعرف ب بنت الهرم أن يتفوق على هرم الجيزة العظيم، لو التزم البناءون بتنفيذ الخطط.

ولكنه بدأ ينهار وهم في منتصف الطريق لإنجازه.

يعتبر راينر ستادلمان خبيرا من المعهد الألماني للآثار في شؤون مشاريع الملك سنيفرو.

وقد أدرك بعد أن تعرف على عدد لم يسبق له مثيل من مداخل الهرم تعرف على مكامن الخطأ فيه.

حصل الكثير من هذه التشققات في فترة بناء الهرم، لأنه شيد على أرضية ضعيفة. وقد انتاب الملك والمهندسين القلق والحزن الشديدين لهذا السبب. حتى أنهم حاولوا تقليص زاوية الهرم، ليتوصلوا بذلك إلى شكل هرم بنت، ولكنهم لم يتمكنوا من عمل شيء في النهاية، فأجبروا على التخلي عن الهرم.

أقيم الهرم فوق سهل من الرمال بدون أسس صلبة. فأخذ يتصدع أخيرا، ما جعل البناءون يغيرون الشرائح لتوازنه من أربعة وخمسين درجة إلى ثلاثة وأربعين، على أمل تخفيف الوزن.

ولكن الوقت كان متأخرا.

على مسافة ميلين منه أطلق سنيفرو مشروع هرمه الثالث والأخير.

تعلم البناءون من أخطائهم بسرعة، فوضعوا أساسا من الصخور الكلسية لتفادي التصدعات واستقروا على زاوية بثلاثة وأربعين درجة، بما يوازي قمة هرم بنت.

سمي هذا بالهرم الأحمر نسبة للون الصخور الكلسية المحلية التي تميل إلى الحمرة، وهو أول هرم هرم هندسي حقيقي، كما يعتبر الهرم الرابع من حيث الارتفاع.

وكأن سنيفروا أصبح قادرا على الصعود إلى السماء من على منصة تتمتع بوميض أشعة الشمس.

يخترق الهرم ممر طويل وسعه ثلاثة أقدام مربعة.

في أعماقه ثلاث غرف متصلة فيما بينها، يرتفع كل منها أربعون قدم، يتشكل سقفها من سلسلة أطناف، صمم ليحمل وزن الهرم الذي فوقها. أي أنهم قاموا ببناء هرم درج معكوس.

لا يعزز بناء هرم داخل أخر البنية فحسب، بل اعتقد البناءون بأنها تضاعف فرص الملك في الانبعاث.

عبر هذه السلسلة من الغرف العالية والكبيرة، حصل الملك سنيفرو أخيرا عل مقبرته الملكية، ومقر خلوده الذي يستطيع أن يسعد جدا به. شيدت هذه الغرف بصخور كلسية كبيرة، كما سقفت بطبقات من من الصخور الكلسية، يبرز من كل منها خمسة عشر سنتيمترا. عبر هذا الصرح العبقري يمكن لحجم الهرم المبني فوق الأساس أن يكون محمولا. هناك أكثر من مليوني طن من الصخور في هذه الغرف. ولكنها لا تعرف التصدعات كما أنها ليست في خطر. يمثل السقف من الناحية الدينية السماء التي تستريح فوق التابوت الخشبي الذي يستريح الملك ستيفرو إلى الأبد.

من أهم اكتشافات راينر ستادلمان في داشور، ذلك الذي يجيب فيه على سؤالين عقيمين. من الذي شيد الأهرام، وكم استغرقت من الوقت؟

عندما بدأ الحفر عثر على جزء من الغشاء محفوظ بعد. وقد سقطت بعض الحجارة. وجد على مؤخرة الحجارة المبنية اسم مجموعات العمل التي بنت الهرم. على سبيل المثال الأخضر في المصرية القديمة، واتشيت، اسم الملك، الملك سنيفرو، والتاريخ. يمكن عبر هذه التواريخ أن نتبين أنه قد انجز ست طبقات من الهرم بعد عامين. وبعد عامين من ذلك أنجز خمسة عشر مترا من الهرم. وقد عرف من تاريخ آخر أن إنجاز الهرم بكامله استغرق سبعة عشر عاما.

جمع الملك سنيفرو لبناء أهراماته كميات أكبر من الحجارة وجند أعدادا أكبر من البشر بالمقارنة مع غيره من الفراعنة خلال المملكة القديمة.

ولكن خليفته ركز طاقته على هرم واحد هو أعظم آلة انبعاث بينها جميعا.

تنبعث من ساحات الجيزة أرقى تعابير السعي إلى الخلود.

شيدت هذه الأهرامات على أيدي خلفاء سنيفرو وهم خوفو، وخفرا ومينكاورا، لتبدو كأنها جبال حقيقية من صنع الإنسان.

وحده الهرم الأكبر الذي بناه خوفو، منحه شهرة الطاغية العنيف، وهو يحتوي على عدد من الصخور الكافية لبناء جدار علوه ثلاثة أقدام يحيط بفرنسا كاملة، حسب تقدير نابليون الذي أعجب جدا به عام ألف وسبعمائة وثمانية وتسعين.

كان الدهر أرحم بهرم الملك خفرا الذي هو أصغر من الهرم الأعظم بقدمين فقط، ولكنه حفظ بشكل أفضل، وما زالت الصخور الكلسية الأصلية تزين قمته.

كما أنه يحتوي على بقايا عدد من البنى التي تشكل جزء أساسي آلة الانبعاث.

عند قاعدة الهرم نجد معبد الموت المعزز بقرابين يومية من الطعام والشراب، على اعتبار أن الملوك يحتاجون إلى الغذاء حتى في موتهم.

من هنا يقودنا ممر ضيق عبر مسافة ثلث ميل إلى معبد الوادي، وهو نصب لبوابة تصلنا عبر الصحراء إلى مياه النيل التي تمنح الحياة وتطهرها حسب اعتقادهم.

ولكن خفرا أضاف شيئا جديدا على مجمع الهرم التقليدي.

إنه السفينكس، أو أبو الهول، وهو أحد أهم الصور المصرية إثارة للدهشة، إذ أنه يجمع بين جسم الأسد ورأس الإنسان، وقد تمكن من تخطي عثرات الزمن ليعلن أنه الملك سيد العالم.

في الزيارة التي قام بها المؤرخ الإغريقي هيرودوس إلى مصر عام أربعمائة قبل الميلاد، قيل له بأن العبيد هم الذين شيدوا الأهرامات.

ولكن يبدو أن آثارهم اختفت جميعها دون أن يبقى منها أي أثر إلى أن بدأ عالم الآثار الأمريكي مارك ليهنير بوضع خريطة للجيزة.

منذ ذلك الحين كشف عن أن الجيزة لم تكن ساحة للعمل بل تجمع مزدهر للعمال بحجم مدينة صغيرة مخصصة لخدمة الملوك.

إلى الجنوب من الأهرامات، عثر على جدار يفصل القبور والمعابد\ في الجيزة عن أربعين أكر من الصحراء الخاوية. هنا بالتحديد جاء ليهنير وفريق عمله لبدء الحفريات.

يعرف أحد الجدران محليا بحائط الغراب. وهو يلعب دورا هاما في الأفكار المتعلقة في مكان الحفريات. لو وجد هذا الجدار في أي مكان آخر من العالم لاعتبر ثروة وطنية. والحقيقة أنه تم تجاهله في الجيزة على اعتبار أنه قُزّم من قبل الأهرام وأبو الهول.

لكنه أكبر مما يعتقد. تشير المقاييس حتى الآن أن ارتفاعه يزيد عن عشرة أمتار أو ثلاثين قدم، كما أن ارتفاع المدخل يصل إلى واحد وعشرين قدم. ما يجعله أحد أكبر المداخل الرئيسية في العالم القديم.

عام ألف وتسعمائة وواحد وتسعين حفروا خندقا خاطروا فيه بآلاف القطع الفخارية التي تعود إلى عصور الأهرامات.

جاءت الفخاريات من غرفتين يعتقد أنها مخابز قديمة.

يحتوي عدد من القدر على ما يبدو أشبه بالحبوب.

للتأكد من ذلك سلمت هذه إلى خبراء في الزراعة الأثرية مثل ماري أن موراي. وضعت الحبوب في مستوعب فغرقت الأوساخ إلى القاع، ليتبقى منها النباتات. ثم أكدت التحاليل اللاحقة أنها حبوب قمح من تلك التي تستخدم في صنع الخبز.

ألحقت المخابز في مؤخرة مبنى أكبر شيد من الطوب، تحيط بها جدران بسماكة خمسة أقدام.

في داخله معالف وأحواض جميلة صنعت من الطين الصحراوي.

على مسافة قريبة من هناك، تظهر مقبرة قديمة شاهدا على مجموعات العمال والفنيين الذين بقوا هناك في خدمة الملوك بعد موتهم.

شيد بعضها من بقايا حجارة الهرم، شكل بعضها مصغرات لمسطبة تشمل بلاط صغير، وأبواب مزيفة تحمل أوصافا لأصحابها.

بينما يقتصر سواها على مجرد قبور على شكل قبب، تشكل انعكاس خام للهرم. ولكنها جميعا آلات للانبعاث.

يمكن أن نتعلم من الجدران المدفونة لإحدى أكثر المقابر أهمية، المزيد عن حياة الأشخاص الذين كانوا مجهولين يوما ما.

حمل أحد الموتى لقب نيفيرتيث، وقد تزوج من امرأتين، والظاهرة الغريبة أنهما كانتا تعيشان معه في آن معا. وقد أنجب حوالي أحد عشر طفلا، ولكن الشيق في الأمر هو أن زوجته الأساسية كانت تحمل لقبا ما يصعب تحديده. ولكنها كانت تقوم بأعمال الحياكة، كما يمكن أن نرى تحت الباب المزيف مشاهد شيقة لم يسبق لها مثيل، في أي مقبرة أخرى. فهذا الرجل كان يخمر النبيذ ويصنع الجعة. حتى أنك ترى على مائدة القرابين أربعة أنواع من النبيذ وخمسة أنواع من الجعة، على اعتبار أن العمال والملوك في مصر القديمة كانوا يأكلون ويشربون أنواعا مشتركة من الخبز والجعة. أعتقد شخصيا أن هذا الرجل نيفيرتيث، كان في أحد الأيام مسؤولا عن المخبز الواقع إلى الشرق من مقابر العمال.

تم حتى اليوم اكتشاف أكثر من ستمائة قبر.

يبدو اليوم أن جدار الغراب كان الحاجز الفاصل بين أراضي الأهرام المقدسة وتلك الخاصة بالعامة العاملين على بنائها.

هناك تقديرات تتحدث عن عشرين ألف مصري عملوا على بناء هرم واحد في الجيزة.

لا يمكن في السنوات القادمة أن نرى شيئا من هذا القبيل يحدث مرة أخرى على الإطلاق.

لم يكن الزمن لطيفا مع سلالة الملوك التالية في مصر.

أطلق على أطلال بعض الأهرامات لقب الأهرامات المنسية، وهي تقع على مسافة قريبة إلى الجنوب من الجيزة في موقع يعرف بلقب أبوصير، وهي أصغر من سابقاتها الهائلة، كما تغلب عليها الظروف البائسة، حتى أن غشاء الصخور الكلسية قد نفض عنها في العصر الروماني.

عام ألف وثمانمائة وثلاثة وتسعون، عثر المزارعون وهم يحفرون حول بعض الأهرامات على ثلاثمائة قطعة من ورق البردي. وبما أن قراءتها كانت عصيبة تناثرت أجزائها وتبعثرت.

عام ألف وتسعمائة وستة وسبعون، لفت أحدها انتباه عالم الآثار ميروسلاف وارنر، مدير البعثة التشيكية لاستكشاف أبوصير، وأدرك إنها تتحدث عن مدفن معبد لملك مغمور اسمه رانيفيريف، لم يتم العثور على قبره أبدا.شك فيرنير في أنها تقع تحت أطنان من الرمال القريبة من هرم لم يكتمل. بما أن الهرم غير مكتمل، اعتقد علماء الآثار أنه لم يستعمل إطلاقا. ولكنهم كانوا على خطأ.

عثر فيرنير عند القاعدة على مدفن كامل ملحق بالمعبد وهو يضم عدد من تماثيل السلالة الخامسة، بما في ذلك لوحة غريبة مرسومة على صخرة كلسية، تضم صورة للملك، يقي رأسه درع من حاميه آلهة الصقر، هوروس.

سبق أن تعرضت مجموعة الأهرامات إلى عدة مواسم من أعمال الحفر، وقد تحقق مؤخرا النجاح في العثور على مدخل المدفن الخاص بالملك رانيفيريف. ومن المتوقع العثور عند القاعدة على ما وجد في تلك المنطقة من بقايا أدوات دفن الملك، ومن المحتمل العثور على بقايا تابوت الغرانيتالأحمر وربما أيضا على بقايا من موميائه.

إذا تم العثور على مومياء رينيفيريف سيعتبر هذا الملك الذي كان منسيا الفرعون الوحيد من المملكة القديمة الذي أبقي على قبره دون عبث.

ربما مات رينيفينيف في العشرينات من عمره، أي قبل انتهاء الأعمال في هرمه.

ولكن أعمال الانبعاث أجريت له في معبد المدفن.

لقد تأكدت أهميته عبر اكتشاف فيرنير التالي، الذي يتألف من أرشيف يحتوي على وثائق غريبة تكشف عن أوجه نشاط الملوك الديني.

ندرك من خلال وثائق البردي التي عثر عليها في هذا المكان بأن معبد مدفن رينيفيريف كان مركز ديني مزدهر، طوال مائتي عام بعد موت الملك. وقد عمل أكثر من مائتي كاهن قسموا إلى خمس مناوبات لمتابعة الشعائر الدينية للملك الميت ليلا نهارا.

كانوا في النهار يأتون بالقرابين اليومية التي تتألف من الخبز والجعة واللحوم والخضار والفاكهة إلى آخره. أما في الليل فكان بعض الكهنة يراقبون حركة النجوم من المصطبة ويسجلون مسارها.

تكشف السجلات المكتوبة في أبوصير عن حالة من البيروقراطية المتمسكة بالتفاصيل.

سجلت تقارير بأدق التفاصيل عن المحتويات بعد انتهاء الشعائر، لتشمل كميات الطعام الواردة والمداخيل المجموعة من ممتلكات الملك، والأجور المدفوعة للكهنة مقابل شعائرهم اليومية.

كانت المهمات تشمل إنعاش روح الملك، وتلبيس تمثاله، ووضع موائد من الطعام فوق المذبح.

كان الكهنة يأكلون ما لم يأكله الملك. تؤكد إحدى الوثائق أنه تم ذبح مائة وثلاثون ثور لإي أحد المهرجانات التي دامت عشرة أيام، كلها لتبجيل ملك لم يعش طويلا.

دامت طقوس رينيفيريف طوال مائتي عام، إلى أن تم التخلي عنها كليا وضاعت في عالم النسيان.

بعد قرون من ذلك غابت آلة الانبعاث من المناظر المصرية، لتعاود الظهور في شكل آخر.

عام ألف وخمسمائة قبل الميلاد، قام الفرعون ثوتم أوسي الأول، بتوجه الأوامر لبنائه إينيني، كي يبني له قبرا.

عثر على المكان المناسب على الضفة الغربية من النيل، مقابل ثيبس، المركز الديني الأكثر أهمية في مصر القديمة. يتألف المكان من واد منعزل، يشرف عليه جبل على شكل هرم اسمه قرن.

هنا، في أعماق الصخور، حفر إينيني قبرا لنفسه.

بعد أن تأكد من أن جثة فرعونه ستكون بأمان، ترك رسالة على جدران قبره الذي يبعد بضعة أميال عن سيده يقول فيها: بنيت مدفن لجلالته، كي لا يراه أو يسمع به أحد.

دفن بعد ذلك حوالي ثلاثين فرعونا فيما يعرف اليوم بوادي الملوك. تأكد الخلود عبر مجموعة من النصوص التي تزين الجدران.

بعد رحيل المصريين القدامى إلى ما تحت الأرض، عاودت الأهرام ظهورها في مملكة قديمة أخرى غير معروفة.

بعيدا في أحضان منطقة نوبيا التي تنتمي اليوم للسودان، يخبئ التاريخ أحد أهم أسرار. هذه الأهرامات هي من بقايا حضارة كانت قوية في أحد الأيام وقد عرفت بلقب مملكة كوش.

بدأت قصة أسباب بنائها عام ألف وأربعمائة قبل الميلاد. كانت مصر تسعى للاستيلاء على ثروات نوبيا لعدة قرون، كان أبناء الكوش يسيطرون على مصادر غنية بالذهب وغيره من المعادن. كما أنهم سيطروا على طرق التجارة الرئيسية المؤدية إلى قلب أفريقيا.

تمكنت مصر أخيرا، وفي عصر الفرعون تحوتموس الثالث من غزو نوبيا، لتتحول مملكة الكوش إلى جزء من مصر.

بعد سبعمائة عام من ذلك، أخذ حكام الكوش في ذلك العصر يطالبون بعرش مصر.

ركزت مطالبتهم حول منطقة مسطحة فوق أحد جبال نوبيا يسمى جبل بارقال.

أعجب المصريون بالجبل، على اعتبار أن سفحه الغربي يتخذ شكل القبة الغريبة، ما جعلهم يعتقدون بأنه جبل مقدس.

أمضى عالم الآثار الأمريكي تيموثي كيندال من متحف الفنون الجميلة في بوسطن مساشوسيس، أمضى سنوات في محاولة الكشف عن أسرار جبل بارقال.

وهو يقول أنه عندما جاء المصريون إلى هنا رأوا في التشكيلات الصخرية الغريبة صورة لرمز مألوف جدا لديهم، وهو الكوبرا المتراجعة التي يسمونها أورايوس، وهي رمز الملوكية الذي يعتمره الملوك فوق تيجانهم. بدى شكل الكوبرا وكأنها تعتمر التاج الأبيض الخاص بالجنوب، ما يرمز إلى الملوكية على الجنوب.

عنى رمز الكوبرا والتاج الأبيض فوق جبل بارقال وجود آمون را، وهو أهم آلهة في مصر القديمة، الذي كان له معبد الكرنك الأساسي في ثيبس.

ساد اعتقاد حينها يقول أن آمون را يسكن داخل تلك الصخرة كما أن وجوده هناك يؤكد انتشار المملكة فوق وادي النيل كاملا بما في ذلك نوبيا.

قام ملوك الكوش إكراما لأمون را بتشييد معبد داخل الصخرة، وزينوا أحد جدرانه بصور عن الجبل المقدس والإله القاهر.

نجد في المعبد الذي بناه طهارقو، أعظم حكام الكوش المصريين نموذجا عن جبل بارقال، كما يمكن أن نرى السفح والجبال المطلية باللون الأحمر والبني، ونرى من خلال الجبل صورة لآلهة برأس الخروف.

مثل رأس الخروف في نوبيا الآلهة آمون سيد العروش في المنطقتين، الذي يسكن في الجبل الطاهر، الذي اعتبروه حينها جبل بارقال. وهنا يمكن أن ترى شكل القبة تمثل الكوبرا المتراجعة أو أورياوس، تحمل على رأسها قرص الشمس.

عندما ترى الشمس من الجانب الغربي، تلاحظ أن القبة في الواقع تبدو وكأنها تحمل مدارا فوقها. وإذا وقفت هناك بعد وقت قصير من بزوغ الشمس، تشعر وكأن الشمس تخرج مباشرة من القبة لتقف عاموديا فوقها.

عام سبعمائة وخمسون قبل الميلاد، اعتبر حكام الكوش فراعنة حقيقيين، وعرفوا بالسلالة المصرية الخامسة والعشرون. حكم خمسة ملوك لمدة نصف قرن أغنوا خلاله التقاليد والألقاب المصرية، كما أثروا في الفنون والعمران المصري، وافتتحوا عصرا جديدا من الأهرامات استمر لألف عام، أنتجوا خلالها مائتي هرم، أي أكثر من كل ما كان في مصر.

ولكن أهرامات الكوش تتمتع بأسلوب خاص بها.

إنها أصغر حجما لها زوايا أشد انحدارا من الأهرامات المصرية، كما أنها مسطحة في القمة.

تبدو قاعات القرابين لديهم أشبه بالمعابد المصغرة.

ولكن الفارق الأكبر يكمن بطريقة بنائها.

كان ملوك مصر يشيدون أهراماتهم ليدفنوا في داخلها.

أما ملك الكوش فعند موته، كان يدفن تحت الأرض ليشيد فوق قبره الهرم.

نجد في موري أحد أهم حقول الأهرامات.

تعرضت جميع المدافن للسلب في العصور القديمة إلا مدفن واحد هو قبر الملكة أمانيشاخيتي.

عثر مغامر إيطالي في القرن الماضي هو جوزيف فيرليني، على كنز من المجوهرات والذهب. أثار عثوره على الكنز موجة مستمرة من محاولات اختراق الأهرامات، فسلب العديد منها كما دمرت غالبيتها.

شيد آخر هرم في القارة الأفريقية أربعة قرون بعد الميلاد. وقد تحول اليوم إلى كومة من ركام.

ما زالت منطقة ميروي حتى اليوم شاهد حي يذكرنا بتقاليد عاشت لثلاثة آلاف عام، منحت العالم الرمز الدائم لعراقة الزمن.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster