اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 روائع التاريخ
 

أخناتون

كانت أشبه بحلم الجنة على الأرض. زوجان محبان حكما مصر ومنحا شعبها السكينة والسعادة. كانت نفرتيتي أجمل امرأة في المملكة، وأخناتون أعظم حالم في التاريخ. حتى انتهى الحلم بكارثة. فدمرت ملامح الزوجين الملكيين من الآثار، وأعلن الكهنة أخناتون مهرطقا.

كما نبذ القبر الملكي أيضا.

ولكن ما هو مصير المومياء؟

هل وقعت ضحية أحقاد الكهنة أيضا؟

أخناتون ونفرتيتي.

          مومياء الهرطقة.

عندما أصبح أخناتون فرعونا لمصر عام ألف وثلاثمائة وستين قبل الميلاد، أشعل حربا دينية عمل من خلالها على تكريس العبادة إلى آتون آلهة الشمس.

كانت مصر متعددة الأديان لأكثر من ألفي عام، فكان من الخطر فرض ديانة واحدة في هذا المكان أكثر من غيره.

          كيف لشخص واحد أن يؤمن بقدرته الفردية على إبادة التقاليد القديمة على ضفاف النيل؟

          في العام التالي من حكمه بعث أخناتون برسالة خطيرة إلى كبير كهنة أمون. أمر الملك ببناء حرم مقدس للآلهة آتون عديم الأهمية حينها.

كان ذلك أكبر مكان للصلاة يتم بناءه في مصر، حيث تقدم القرابين للآلهة الجديد في أكثر من أربعمائة  مذبح. بدا المعبد القديم الذي كان أعظم المعابد شأنا في مصر عديم الأهمية بالمقارنة مع الجديد.

شكل قرار الملك في السعي لهذا المشروع ما يشبه الفضيحة.

          كان الكهنة يرون في اللوحات الجدارية عمل استفزازي، فجاءت توقعات أخناتون في محلها.

          أخذ الزوجين الملكيين يظهران بصورة بشعة من البدانة وعدم التناسق في بلاد ترى في الجمال والتوازن ذروة الأشياء، وفوق هذا كله إله لم  يسبق أن شوهد على هذه الصورة.

كانت طريقة تقليدية لاستعراض آلهة الشمس المصرية، بجسمها البشري ورأس الصقر وقرص الشمس، وهو دائما جانبي. المشكلة هي أن شخصا واحدا يستطيع مواجهة الآلهة في أي وقت، وعادة ما يكون فرعون مصر. أما في مرحلة أمانا فكانت الظروف مميزة، إذ أصبح الملك والملكة يستفيدان معا من وجود إله واحد. أي أن ثورة أخناتون بدأت الآن تستعرض آلهة الشمس بكاملها، ما جعله يحول الشمس إلى الأمام، ليتمكن الملكة والملكة من الاستمتاع بالتساوي من علامات الحياة لدى آلهة الشمس.

ما كان حتى ذلك الحين ليسمح بتقديم الخدمات للآلهة إلا للملك وكبير الكهنة، أما الآن وبإذن من أخناتون صار يسمح لامرأة بذلك أيضا. وهي نفيرتيتي التي شكلت انتهاكا لحرمة لا تغتفر.

اعتبر الكهنة أن الفرعون قد أعلن الحرب على آلهتهم، ليشكلوا بذلك خطرا على بقاء مصر واستمرارها. فكان على كبير الكهنة أن يرفض الانصياع.

إلا أن أخناتون استولى عليه، فقام باقتحام المعابد وانتهاك الحرمات. ومنع تقاليد عمرها سبعة آلاف عام، ليطارد أتباعها دون رأفة. لم يكن لديه إلا هدف واحد يكمن بتصفية كل علامات الديانة القديمة. فدمرت كتاباتها حتى في أبعد الأماكن منالا.

ما حول نظام الاستقرار السائد إلى فوضى. هزت الثورة أركان البلاد، وانتهكت القوانين والأنظمة.

سعى كهنة آمون إلى إنقاذ ولو حفنة من آلهتهم.

تحول أمون إلى عدو لدود بين ليلة وضحاها، وبدأ يعاني من ظروف عصيبة على ضفاف النيل.

كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد؟

كان والد أخناتون أمنحوتيب الثالث قد حكم الإمبراطورية بكفاءة لما يقارب الأربعة عقود. ولكن مع اقتراب نهاية حياته، تم عزله عن الحكم، وبقيت السلطة بين يدي زوجته تي. فهل هي السبب في تمرد ابنها؟ هل أعدت أسباب اللعنة أثناء حكم زوجها؟

كان أمنحوتيب الثالث قد كرم الآلهة بهيكل فاخر في الأقصر، ما اعتبر تكريما لنفسه أيضا.

قام بناءيه العباقرة بتصميم هيكل عظيم، تعبد فيه الآلهة والملوك على حد سواء. كان ذلك عمل عبقري منح البنّاء شهرة دامت إلى ما بعد موته، وبقي الفرعون  محل تبجيل من قبل أتباعه.

ما زالت نقوش الجدران  تؤكد على ازدهار ذلك العصر، وما ساده من متاع ورفاهية. فالقرابين تحيط القبور الملكية بثروات لم يسبق لمصر أن عرفتها من قبل.

وكـأن الموت في هذه الأرجاء فقد طابعه المخيف.

قُدمت مئات الهدايا للميت في رحلته الأخيرة.

لقد أعدت أجواء ما بعد الحياة لتكون مريحة تشبه ما قبلها. هذا ما شهد عليه الفرعون والكهنة معه.

رغم تولي الكهنة نظريا الحفاظ على النظام في المعبد، إلا أنهم يتمتعون بسلطات واسعة. فهم يسمون أنهم عبيد الآلهة، ولكنه في المبدأ سيخدمون أنفسهم.

كان معبد الكرنك حصنا عظيما، وكان يخدم فيه وحده مئات الكهنة. كانت مستودعات وخزائن الكهنة المقدسين لا تقل ثراء عن تلك الخاصة بالفراعنة. إذ كانت نخبة البلاد تتردد على هذا المكان.

          كان الكرنك أشبه بدولة قوية  داخل أخرى. وكان كبير الكهنة خصما خطيرا للبلاط الملكي، وكان المسؤول عن إقناع الناس بمسؤلية الآلهة عنهم. وكان على قناعة تامة بأن البلد سيتعرض للهلاك إذا أعيقت الديانة.

          يعود المذبح الأبيض في الكرنك إلى عصر كان فيه آمون إله الأبرز في مصر.  تعكس لوحته حقيقة أبدية، فهي تعكس باستمرار وقوف الملك برفقة الإله. هذا ما تؤكده النصوص من وحدة ساحرة. والإله يعترف بالفرعون حين يقدم الأضاحي والقرابين، وهذا اتفاق متبادل شرط التزام كليهما بالقاعدة. والقاعدة تقول: فرق تسد. ومع هذا كلما زاد كبير الكهنة نفوذا، كلما وجد صعوبة أكبر في العمل بها. فكثيرا ما كان أسلافه يفرضون مشيئتهم على الملك. لم يجرؤ أحد حتى حينها على التمرد على الإله الأكبر، كانوا يستعرضون سلطتهم بمسيرات مقدسة، ولكنهم لم يتنبهوا إلى أن الثورة كانت في أوجها.

كان آمينحوتيب الثالث قد وضع نفسه في مرتبه الآلهة أكثر من مرة، إلا أن الفرعون ضرب كبير الكهنة في عقر داره.

كان أمينحوتيب قد جعلهم يحملونه على طريقة آمون إلى المعبد  الجديد  في الأقصر، وهو جالس على كرسي احتفالي محمول،  تبع ذلك إهانة أخرى لخصومه، نحت تمثال لفرعون بملامح الإله الأعلى خالق العالم، الذي كانوا يعبدونه منذ عصور منسية.

          كان أمينحوتيب الثالث يتحدى سلطات كبار الكهنة في معبد آمون بتقديم طقوس القرابين والأضاحي لآلهة مصر الأخرى. استمرت عبادة آمون كملك الآلهة، ولكنه لم يعد الحاكم المطلق.

          عند موت الفرعون العجوز وقيام إله الموت ذو وجه الثعلب بطقوس المأتم، كان كبار الكهنة قد فقدوا ما كانوا ينعمون به من سلطات في الدولة.

          وبهذا عبُدت طرقات إحدى أعمق المتغيرات في القدم وحكم على العصور الغابرة بالهلاك.

          حكم أخناتون عصرا جديدا من التاريخ المصري، وقد قسمت رؤاه البلاد في النهاية، كما هزت فكرته عن الإله الواحد العالم أجمع.

          ولكن ما سبب هذا الانفصال الجذري عن التقاليد القديمة؟

          هل كان الملك الشاب طاغية يتعطش للسلطة؟ أم حالم أصابه المس؟ هل كان حلمه ثمرة فكر عبقري؟ أم ينبع من عقل مضطرب؟

          اعتلى أخناتون السلطة في قصر والديه، فكان هذا الموقع المناسب لمشاريع الحاكم الطموح.

          جلس على عرش والده كطاووس أغر، وإلى جانبه والدته تي، التي تمكن أخناتون بعبقريته اللامعة من جعلها حليفة له. يشكل التمثال الصغير من متحف المصريات في برلين دليلا على ذلك.

تؤكد صور المسح الطبي أن تغييرا هاما قد حصل في الشخصية التاريخية الهامة تي، لحظة موت زوجها.

تؤكد  صورة المسح الطبي أن اخناتون قد أحب والدته بكل معنى الكلمة. فقد ظهر رداء رأس الملكة تحت ثقل جسمها. تمكن الابن من رفع أمه وهي حية بعد إلى جنة الآلهة، ليضمن بذلك ولائها التام. وهكذا لم تعد تي السيدة الأهم في البلاط. فقد انتقل هذا الموقع إلى امرأة مجهولة بالكامل، الغامضة نفرتيتي.

          كان اسمها بحد ذاته لغزا، إذ تعني ترجمته، أن الجميلة قد وصلت، فهل يشير ذلك إلى أصلها؟ هل تنتمي إلى عائلة مصر الملكية؟ هل هي من أقارب أخناتون؟ أم أنها أميرة ولدت في مملكة غريبة؟

          هل كانت جزءا من حريم أمنحوتيب الثالث لتتزوج أخناتون بعد موته؟ ما هو مدى نفوذها على الفرعون؟

          تعكس اللوحات الجدارية بعضا من لحظاتهما الحميمة. ما الذي قربهما إلى هذا الحد؟ هل هذه علاقة حميمة بامتياز؟ زوج من الخيال؟  أم تخفي الملامح أسرارا مأساوية؟

          تعكس غالبية اللوحات ملامح الزوجين مبهمة غامضة. هناك تماثيل هائلة تبرز أخناتون وهو عاريا، دون أي مؤشر لأعضائه التناسلية. أم أنها تماثيل المرأة، نفرتيتي؟ 

          يرمز اللون الأحمر إلى الذكورية في مصر القديمة، ما يؤكد أن هذا هو الملك. فما السبب في غموض اللوحة؟ هل كان أخناتون يعاني من مرض التشوه؟

          الغريب هو أن ملامح رؤوس بناته غريبة أيضا.

اعتمد على التكنولوجيا الحديثة في الكشف عن هذه الظاهرة بعمق، عبر قسم النيروراديولوجي  في مستشفى برلين الخيري، حيث تمكن فريق الاطباء من الكشف عن حقيقة مدهشة.

أثبتت صور الأشعة وجود نفس التشوه لدى الملامح.

يؤكد تشخيص الأطباء أن هناك ما يعرف بجمجمة تعاني من تشوه ناجم عن أسباب وراثية.

          تساهم الصورة الثلاثية الأبعاد بالغوص في رحلة داخل الجمجمة. لم تتوسع مساحات الجمجمة منذ أن كان صاحبها طفلا. إلا أن نمو الدماغ يزيد الضغط على الجمجمة من الداخل.  هل هذا ما أصاب أخناتون بالجنون؟

تعاني ابنته من نفس العوارض. ما يشير إلى ظاهرة وراثية محتملة لدى العائلة المالكة.

يقود هذا الشك إلى مختبر للطب النووي في أعلى الجناح الأمني.

يعمل الدكتور مايك أوربن في الجينات، وهو يدرس المتغيرات في الجينات البشرية عبر مواد إشعاعية نشطة. وقد ركز اهتمامه على تركيبة الجينات لدى الأشقاء. فهل تكشف هذه الأبحاث عن مصير أخناتون؟ تقود التحليلات إلى خلاصة مدهشة. تشير الأسهم الحمراء إلى تواصل في بنية الجينات.

          يؤكد الدكتور أربن أن ابنة أخناتون لا يمكن أن تتجنب هذا العجز الجيني. أدى ذلك إلى تسليط أضواء مختلفة على صور العائلة. فهل نفرتيتي هي أكثر من زوجة محبة لأخناتون؟ هل تجمعه بها صلة الدم؟ قد يكون في ذلك جواب لعدد من الأسئلة.

          كان أخناتون أسير هواجسه الدينية. كان يعتمد كل الوسائل في الترويج لعبادة إلهه، الذي غير اسمه من أجله. فتحول أمنحوتيب الرابع إلى أخناتون. الوحيد النافع لآتون. هكذا أراد العالم أن يكرمه.

          كأن الحرم الداكن كان أشبه بالسجن لديه. لا يمكن للإيمان الصحيح أن يزهر في جو كهذا. اتخذ أخناتون قراره النهائي. انتهى وقت الإله آمون. فأقفلت معابده.

          ولكن البداية الجديدة في الطيبة أمر مستحيل. فبحث أخناتون عن موقع مناسب لعبادة الإله الجديد بعيدا عن أماكن مقدسات الآلهة القديمة، فعثر على الموقع المرجو على أطراف إمبراطورية النيل المترامية بعيدا عن طيبة، الذي سمي بتل العمارنة.

 أصبح الزوج الملكي قادرا على تجسيد طموحاته بعد التخلص من ضغوط الماضي. تم بناء مدينة مقدسة في هذا الموقع تكريما لآتون. إله يراه الجميع بوضوح، باختراقه اليومي للسماء.

          كان موقع المدينة الجديدة ناء وقاحل، لكنه مناسب لمشاريع أخناتون. لم يسبق أن شيد مقام لأي إله في الموقع الذي سترفع فيه صروح معبد إلهه الجديد. نقشت هذه العبارة على الصخور المنتشرة على مساحات شاسعة. أنظر إلى أخت آتون التي أرادها آتون أن تكون نصب أبدي لأمجاده.

          خلال فترة قصيرة شيدت مدينة لم يسبق لها مثيل. مركز ثقافي هائل صمم على لوحات الرسم. أشرف الفرعون شخصيا على أعمال المسح، وأعلن أنه سيبقى في هذا المكان، حتى تنتصب الجبال وترحل، وتتدفق المياه صعودا.

          هذا ما كانت تبدو عليه المدينة. أعيد بناء اللوحة انطلاقا من معلومات عشرات السنين من الحفريات. كرس فرعون المباني الكبيرة لآلهته، حيث غمرت أشعة الشمس أرجاء المعبد. وأقيم عدد كبير من أماكن تقديم القرابين تحت أشعة الشمس. تكمن فكرة أخناتون في ألا يكون هناك عائقا في طريق آلهة الشمس: "فملأ الأرض بأشعته، ومنح الحياة لكل شيء، بهذا الذي يفعم عيناي كل يوم برؤيته، عندما يشرق على معبد آتون، في أخت آتون.

          هل هذه عبارات مجنون؟ أم أنه صاحب أعظم رؤية في عصره عاش بين جدران هذه القصور؟

كانت غرفة العرش في القصر لا توصف، وقد أراد أخناتون  الانطلاق بإيمانهم بالإله الواحد حول العالم أجمع.

عمل عشرات الآلاف من الأشخاص في بناء العاصمة الجديدة. جلبت الحجارة من الجوار، ولكن ملايين الصخور قد جلبت من أرجاء البلاد من أجل الأساس. استمر العمل في المحاجر دون توقف.

تعرض كبير كهنة آمون لمهانة لا مثيل لها. حُكم عليه بالعمل في مقلع حجارة نصُب ألد أعدائه. ولكن أخناتون لم يستطع حرمانه من الإيمان بربه.

          قاد أخناتون ونفرتيتي إيمان الناس بسمو في مدينة الشمس. بلغا ذروة حلمهما واعتقدا أنهما في الطريق إلى مستقبل مجيد.

كان أخناتون يجول في أنحاء مملكته يوميا في عربته الذهبية صباح كل يوم تماما كما تشرق الشمس في المخيلة المصرية.

توضح الصور في مقبرة أخناتون مستوى تجانس الملك مع إلهه، إذ كانت العربة الإلهية في كل مكان.

عمل على أن لا يكون هناك فارقا بين الإله والفرعون، في مخيلة أتباعه.

          أصبح الخروج الملكي نوعا من الطقوس الإلهية. ليس هناك لوحة واحدة في أي قبر لا يحتل فيها الملكين مركز الاهتمام.

          قضى أخناتون ونفرتيتي على آلهة العالم السفلي. من هنا فقط اتضحت أبعاد الثورة. إذ لم تعد الحياة بعد الموت قائمة في تل العمارنة. كل ما يهم الآن هو تكريم الفرعون وعبادة إلهه الحاضر باستمرار.

          كافأ الفرعون أتباعه بسخاء، فهل كانا يشتريان ولاء الناس أم أنهم كانوا يخضعون بإيمان عميق؟

استمتع البلاط الملكي  بما ينعم به حديثا من ثراء. الحياة هدية سخية من آتون، ولا بد من الاستمتاع بها.

كان المبدأ يقول أن الإله موجود في كل إبداع.

فصارت الموسيقى والرقص جزء من الحياة اليومية.

إلا أن الطبقة الراقية هي التي كانت تقرر أجواء البلاط. لم تعد شجرة النسب عاملا أساسيا. ولا أهمية هنا  إلا للأوفياء لكلا الملكين. وقد ساهم التسلق السريع للمراتب الاجتماعية في جلب المزيد من البشر إلى مدينة الشمس.

إذا اعتبرت مملكة أخناتون مرسومة على جدران المعابد، لوجد أنه لا ينقص  أتباعه شيئا، ولكن هل يظهر في اللوحات  انعكاسا للوقائع فعلا؟ يعتبر باحثي الآثار المصرية أنها دعاية  لا أكثر.

يصل طول الترميم لجزء من جدران المعبد إلى ثلاثة أمتار.

يرمز المشهد إلى حالة آتون في الصباح، وهو يعكس انبعاث الحياة في الحيوانات. يعني ذلك فلسفة أخناتون الطبيعية أن آتون هو المسؤول الوحيد عن كل جوانب الحياة، التي تبدأ صباح كل يوم مع بزوغ الفجر.

أخناتون أستاذ في الدعاية، حتى في مراقبته للطبيعة.

          فقد صاغ ثلاثين بيتا تجسد صلاته لإله الشمس الذي لا يحيا شيء بدونه. فهل هذه هواجس مريض بعقله؟  أم أنه عمل ملك وإله وفيلسوف؟ لا يمكن الاستخفاف بتأثيره. يمكن العثور على تمجيد أخناتون للشمس بكل تفاصيله في سفر مائة وأربعة في العهد القديم، ولكن هل كان كل ما في تل العمارنة ينعم بسعادة أشعة الشمس؟ 

لا يفترض بصور الطبيعة الودية في وصف القرابين أن تُغيب الواقع السياسي. لم يكترث الملك حينها إلا بتعزيز سلطته الشخصية، حتى أن الديانة كانت تخضع لتلك الهدف. أعلن الملك نفسه ابنا لآلهة الشمس، التي منحت السلطة للملك، وعلى الناس أن تطيعه.

لم يكن أمامهم خيار آخر، كان الملك قد احتكر الخدمات الدينية. كان وحده يفسر رغبات آتون، ولا يمكن بلوغ الإله إلا من خلاله. كان على الناس تمجيد فرعون إذا أرادوا إيصال صلاتهم.

ولكن، هل كانت طاعتهم عمياء؟ فما السبب إذا في كثرة صور الجنود والآلهة في قبور تل العمارنة؟ هل حكم أخناتون في عصر من عدم التعايش؟ هل اعتمد على الشرطة؟ الأمن الداخلي فُرض بالقوة. ما كان لدى  الموالون ما يخشون. ولكن ما هو مصير من لم يطيعون بلا شروط؟

          تردد الكثيرون في التخلي عن دياناتهم القديمة. واستمروا بعبادة آلهتهم القديمة، حتى في العاصمة الجديدة. فبحثوا عن راحة النفس من الشقاء اليومي، في كنف الآلهة القديمة، فاستمروا بتقديم القرابين لها رغم التهديد اليومي بكشفهم.

          هذا ما تؤكده قطعة أثرية عثر عليها في تل العمارنة.

لا يجدر بمزهرة آلهة بيز أن تظهر في تل العمارنة. لأن الآلهة الوحيدة المسموح بها من قبل أخناتون هو آتون آلهة الشمس، ومع ذلك كان إلى جانبه ومن ورائه خلف ستائر مسدلة نماذج عن مجموعة من الآلهة التقليدية الأخرى التي كان  يعبدها السكان سرا. ولا يمكن أن يكون هناك احتمالات أخرى. إذا صدر قرار من أعلى السلطة بالتخلص فجأة من جميع الآلهة التي عبدت منذ ألف وخمسمائة عام مضت، لا يمكن لهذا أن يحدث.

ما هو مستوى استقرار إمبراطورية أخناتون؟ كم يمكن أن تستمر الإمبراطورية إذا اعتمد في أمنها  على القمع وحده؟

          منح أخناتون نفسه كل السلطات. أما كان ليخشى الخيانة الضغينة والخيانة من جميع الجهات؟ كان أتباعه يقولون في صلاتهم: أنت صورة حية عن آتون. ولكن ما الذي كانوا يفكرون به؟ ربما لم يفكر أخناتون بهذا السؤال. كان يطالب بعبادته، كأنه صورة للإله على الأرض.  هل كان هذا سبب هلاكه؟ 

لا تظهرفي سفوح  تل العمارنة الصحراوية أي أثر للخمسين ألف شخص الذين عاشوا يوما هناك. اختفت مدينة الشمس منذ آلاف السنين، وجرى محو اسم أخناتون من السجلات المنحوتة.

وصلت أولى أنباء الفرعون المنسي إلى أوروبا مع أواسط القرن التاسع عشر.

تم العثور على أولى الأدلة من قبل الأكاديمي رتشارد لبسيس، الذي بدأ بتوثيق ثروات مصر القديمة عام ألف وثمانمائة واثنين وأربعين. فقام على رأس فريق استكشاف ملكي بالسفر عبر أراضي النيل، تحتوي مذكراته على نسخ من اللوحات المنقوشة الهائلة على الصخور  في مصر الوسطى جرى  تزيينها بأسلوب غير اعتيادي. يقال أن الفرعون الغامض قد شيدها.

لا تشير التماثيل الهائلة إلى وجود آثار مدينة في أي مكان. ولكن رمال آلاف السنين فقد المدينة التي كانت هناك.

مع بداية القرن العشرين توجهت بعثة ألمانية أخرى إلى تل العمارنة، حيث قامت بعمليات حفر دورية سجل فيها كل ما تم العثور عليه.

ساهمت أعمال حفر ورشة لأحد النحاتين في الكشف عن ثروات هامة، أبرزها وجود تماثيل بحالة جيدة أكثر من المعتاد، ما منح علماء الآثار بعض الأمل، علما أنهم عثروا حتى حينها على أجزاء فقط. وكأن المدينة قد دمرت عن قصد.

تحقق انجاز أثري هام في السادس من كانون أول ديسمبر من عام ألف وتسعمائة واثني عشر. عثر الباحثون المحليين في موقع بإدارة لودويغ بروكارد على آثار تحبس الأنفاس.

كان قد سجل في يوميات الحفر قائلا أنها بلا جدوى. وفجأة! تبين أنه لم يسبق أن عُثر على شيء كهذا من قبل. ليس مفاجئا أن يكون سكان أخيتاتون قد عبدوا نفرتيتي كآلهة، فهل يفسر هذا عدم معرفة شيء عن أصولها؟ هل هذا هو السبب في عدم ذكر أسماء والديها، لأن الآلهة لا يمكن أن تكون من بني البشر؟

ولكن رغم الأبحاث المكثفة، لم يعثر العلماء على أي دليل عن ماضيها. فهل جاءت إلى مصر من الخارج؟ هل هي منبع فكرة الإله الواحد؟   هل كان أخناتون مجرد أداة في يد هذه المرأة الغامضة؟

من المعلوم اليوم أن  كثيرا من نساء الشرق الأوسط أقمن في حريم الفراعنة، وكان الزواج السياسي وسيلة لتهدئة محبي الحرب من سكان الشمال.

          كان الميتانيون يسكنون في تلك الفترة بين الحتيين والبابليين.   فهل ولدت نفرتيتي هناك؟

لقد تم نسيان الميتانيين.

ومع ذلك عثرت زوجة أحد المزارعين  فجأة عام ألف وثمانمائة وسبعة وثمانين   على أثار بدلت ذلك. فقد عثرت في تل العمارنة على أقراص طينية تحمل ملامح غريبة.

فهل عثرت هذه المرة على كنز حقيقي؟ أم تفاهة لا قيمة لها؟

ظن جارها أن الأقراص الطينية مهمة، فدفع ثمنها جيبا من النقود. إلا أن أيا من الباحثين والمهتمين بالآثار لم يكترث بما عثرت عليه. حتى اعتبرها من القطع المزيفة الرديئة. لم يقدر أحدا قيمة أقراص الطين.

كانت تحتوي على المراسلات الكاملة بين فرعون، وعظماء العالم. فهل يمكن العثور هناك على طباع فرعون الحقيقية؟

إذا صدقت تقارير السفراء الأجانب، تصبح أمام مشهد يشبه الحلم. تبين في تقرير من بابل أن الفرعون جعل الرسل ينتظرون ساعات طويلة تحت أشعة الشمس حتى انهاروا من شدة التعب. يشكل هذا دليلا على أن أخناتون أهمل السياسة الخارجية بالكامل.

مع ذلك لا يوجد أي دليل على الأصول الأجنبية  لنفرتيتي.

خلال السنوات الثلاثة عشرة من حكم أخناتون غابت الملكة عن الحياة العامة، وما عاد اسمها يُتادول بعد ذلك رسميا. فهل تم إقصاؤها؟

يتم في مستودع المتحف المصري في برلين الاحتفاظ ببعض ما تم العثور عليه في تل العمارنة.

يبحث البروفيسور ديتريش ويلدون عن أدلة حول مصير نفرتيتي. تشير آلاف القطع المحطمة إلى أن العنف قد اجتاح المنطقة في ذلك العصر.

عثر من بين الأجزاء على قطعه من فم نفرتيتي. والسؤال يكمن في معرفة سبب وزمان تحطيم التمثال.

أمضت الملكة سنواتها الأخيرة منفصلة عن أخناتون. هل قام بنبذها؟ يبدو أن هذا ليس واردا، لأن نفرتيتي كانت عاملا لا يستبدل في معتقداته. علما أن هناك أدلة على موتها السلمي، ودفنها الملكي.

يعتبر الجزئين من التمثال الدليل الوحيد على دفن نفرتيتي، ورغم أنه لا يمكن جمعهما معا، إلا انهم تمكنوا من وضع جزء وسيط بينهما  ما يؤ كد أنهما ربما كانتا معا.

كتب عليها: السيدة النبيلة وعظيمة هذا القصر، والمفضلة لدى أخناتون،  والزوجة الملكية العظيمة نفرتيتي، لتحيا إلى الأبد!

هذا ما يؤكد أن نفرتيتي قد دُفنت، بل أنها دُفنت بتكريم وهي تحمل كل الألقاب التي عرفت فيها ولم يتم نبذها كما اعتقد الكثيرون طويلا.

لا يمكن أن يتم هذا التكريم إلا في مكان واحد، هو مدفن العمارنة الملكي، الذي كان مجرد واد منعزل، وقد أمر أخناتون بأن يتم دفن عائلته بكاملها هناك.

لكن جزءا من نقوش الجدران قد أنجزت جزئيا، بينما غاب الجزء الأكبر بالكامل. ما يوحي بأن النقوش لم تُكتمل. إلا أن جدارا جانبيا في القبر يعكس  أثرا للوحة مدهشة.

          تعكس الرسوم والنقوش حزنا عميقا على موت الابنة الثانية التي دفنها أخناتون ونفرتيتي هناك. لا شك أن موتها سبب صدمة كبرى. لم يتمكن حتى آتون من حماية العائلة الملكية من هذا الحزن.

هل يمكن ألا يتم تزيين جدران مقبرة العائلة الملكية؟ يثبت جزءا من قرص الشمس عكس ذلك. ولكن لا يوجد هناك أي أثر للزوج الملكي.

          تتوسط الغرفة لوحة صخرية فارغة. يفترض بالناموس الملكي لأخناتون أن يكون قد وضع هناك. فهل يمكن أن يكون الفرعون والملكة قد دفنا في أخت آتون؟ تم العثور على أجزاء من النواميس بين أطلال وادي الملوك، بعد أن دمرت عن قصد وتحولت إلى أجزاء صغيرة. دون العثور على أثر للمومياء.

          فهل تمكن أتباعا مخلصين من حملها إلى مكان آمن؟

قبل مائة عام عثر العلماء على اكتشاف هام في وادي الملوك. فقد عثروا في غرفة النواميس على مومياء لأهم فرعون في المملكة الجديدة.

ما هو السر الكامن وراء الغرفة الجانبية المقفلة؟

يأمل العلماء عبر فتحها العثور على معلومات حول مرحلة غامضة من عصر الفرعون. علىأمل أن يحل سر المومياء المختفية.

حقق اسكندر اكتشاف مذهل. عثر خلف الجدار على مخبأ للمومياء. فهل بلغ عالم الآثار هدفه؟

دمرت المومياء جزئيا، آثار العنف في كل مكان.

فهل نجمت عن عدم اكتراث في التحنيط أم من عمل لصوص المقابر؟

          يؤكد الدكتور اسكندر أن المومياء تعود إلى عصر كانت تحكم فيه مملكة عرفت في التاريخ المصري، بالهرطقة.

المومياء الأفضل حالا هي أنثى. فهل هي للملكة تي؟ تشير الأبحاث أن صاحبة المومياء قد ماتت وهي في الخامسة والثلاثين من العمر. وكانت تي في الخمسين عند موتها. يتحدث الدكتور اسكندر عن توقعات جريئة. هل هذه مومياء نفرتيتي نفسها؟

ولكن أين أخناتون؟

في مكان آخر من وادي الملوك  تمكن عالم الآثار الأمريكي ديفيس تيودو  عام ألف وتسعمائة  وسبعة من التوصل إلى اكتشاف مدهش. فقد عثر في مدفن بتول على بقايا أثاث محير. كانت الغرفة في حالة من الفوضى. عُثر هناك على أجزاء من نصب يحمل اسم الملكة تيا. وحجارة فاتنة تحمل اسم أخناتون، وناموس مرصع بالذهب يحوي جثة ملكية. فهل هي مومياء المهرطق؟

نزع الكهنة بحذر شديد القناع الذي يحدد وجه الفرعون، حتى لا يعرف أحد صاحب الجثمان. حتى ان اسمه نزع عن الصندوق أيضا.

عمل الدكتور اسكندر في مختبره في القاهرة على مقارنة جمجمة الملك المجهول بتلك الخاصة بتوت عنخ أمون.

          هناك تشابه كبير بين الجمجمتين ما يوحي بالقرابة بينهما. ربما كان أب وابن؟ هل هما توت عنخ أمون وأخناتون؟ كان الميت الغريب في العشرين من عمره عند موته، أي أنه أصغر بكثير من أخناتون.

          يحتفظون في المختبر بمومياء أخرى  منذ سنوات. يقول النص أنها لأمنحوتيب، أو أمنوفيس الثالث. ولكن الشك يراود العلماء. فالمقارنة بين هذه الجمجمة والخاصة بوالده المزعوم جاءت سلبية. فهي أكبر بكثير، وهذا مستحيل بين الأقارب.

 لا يعرف إن كان الناموس قد استبدل أو أن الاسم الذي كان على التابوت لا ينتمي إليه. لم يتأكدوا بعد مما إذا كانت المومياء لهذا التابوت لا يعرف بعد.

هل يمكن للخيال أن يكون حقيقة؟ هل نجا جثمان أخناتون من غضب مطارديه المدمر؟

من أمر بإنقاذ الملك المهرطق؟ لا يمكن أن يفعل هذا إلا شخص واحد.

الفرعون الوحيد الذي يبقي مدفنه دون أن تمسه يد بشرية لآلاف السنين. توت عنخ أمون.

يؤكد المدفن أن توت قد عاد إلى عبادة الآلهة القديمة، ومع ذلك تم نبذه كما حدث لوالده أخناتون.

مات توت عنخ أمون في أوائل العشرين من عمره. فهل مات بحادث عرضي؟ أم جرى اغتياله لأنه أمر بإنقاذ مومياء والده؟

          رغم مغادرة الشاب الفرعوني مع أخته وزوجته مدينة الشمس، وعادا لعبادة الآلهة القديمة، إلا أنهما صورا تحت حماية أشعة أتون. فهل مات توت عنخ أمون وشقيقته ماتا لتمسكهما بديانة والدهما؟

          عثر على قبر خلفه أيي في غرب وادي الطيبة. فقد تزوج أرملة توت عنخ أمون واعتلى العرش بنفسه. ليس في قبره أثر يدل على إيمانه بإله قرص الشمس، ولكن يبدو أن هناك عمل في هذا الاتجاه، فجزء كبير من اللوحة الجدارية قد اختفى. البحث هناك عن صورة الملك أو حتى اسمه بلا جدوى.

          أعيد الاعتبار للإله أمون مرة أخرى كملك للآلهة. وقد عمل تحت لوائه الإمبراطور الجديد حارمحاب على رفع ذكرى ملوك عصر العمارنة.

قام حارمحاب في الكرنك بتشييد بناء هائل لآمون، مستعملا كل حجارة هيكل آتون المدمر عماد بناء في الصرح الجديد.

يضع ترميم معبد آتون علماء الآثار اليوم أمام تحديات أثرية هائلة.

          فشلت نظرية أخناتون الداعية لعبادة إله واحد. وقد حصد بعد موته كل ما زرعه من عنف طوال حياته.

          تم استئصال كل أثره بلا رأفة. ولم تبق أي صورة  على حالها للمستقبل.

          فر الخدم من معبد آتون.

          حتى إله أخناتون ضاع في النسيان.

          ولكن مفهوم الإله الواحد بقي حيا، وقد حلم أخناتون بإله واحد مع الزمن في العالم أجمع.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster