|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
صخور جيولوجية
تترك
آثارها المتحجرة على هذه الصخور. لا شك أن هذا حدث محلي ولكن المهم بالنسبة لعلم
الكائنات هو سبب انقراضها.
انقرض
تسعة وتسعون فاصلة تسعة بالمائة من جميع الكائنات التي سكنت الأرض. أي أن الانقراض
حتمي بالنسبة لجميع الأنواع. علينا أن نتقبل ذلك لأن هذا ما يقوله تاريخ الأرض.
الانقراض الجماعي كما نراه في الأحافير يكمن في حقب تنقرض خلالها مجموعات كاملة
من الحيوانات ضمن ما يعرف بأزمات في تاريخ الحياة. تختفي كائنات كثيرة، ثم نرى فجأة
ظهور أنواع جديدة مختلفة ، عند ذلك نبدأ البحث عن الأسباب.
بما أن
غالبية الأنواع التي سكنت الأرض قد انقرضت نستطيع القول أولا أن الانقراض سائد منذ
زمن بعيد، وثانيا أننا نفهم الآن السبب. ولكنا سنكون على خطأ. لنأخذ الديناصورات
مثالا. لم نشك في بداية القرن التاسع عشر بوجودها أصلا، أما اليوم فما زلنا نحاول
فهم أسباب انقراضها.
ثم بدا في الثمانينات أن الأحجية قد حُلّت. أدى اكتشاف عنصر غريب بين صخور عمرها
خمسة وستين عاما تعرض الأرض لضربة بشيء هائل سقط من الفضاء الخارجي.
تؤكد
جميع المؤشرات إلى احتمال اصطدام الأرض بمذنب، وقد بلغ حجم الطاقة الناجمة خلال
دقائق إلى ما يقارب العشرة ميغاطن. هذه مسألة أبعد من قدرة الإنسان على إدراكها.
هناك
أدلة كيميائية في أرجاء الأرض تؤكد هذه الفكرة. في بعض الأقسام التي تعود إلى ما
قبل خمسة وستين مليون عام، هناك طبقة وحل قديمة وغنية بعنصر يعرف باسم إريديوم.
نعلم اليوم أنه عنصر شائع في بعض الأجسام الفضائية كالمذنبات والنيازك والشهب، لهذا
من المنطقي الاعتقاد بأن الإريديوم المنتشر في طبقة عمرها خمسة وستين مليون عام قد
جاء من الفضاء الخارجي.
قد لا
نتخيل ذلك الرعد الهائل ينتشر عبر مسافة آلاف الكيلومترات عن موقع الارتطام الذي
وقع في المكسيك. فغاب نور الشمس مباشرة لدرجة تعجز فيها عن رؤية يدك من شدة الظلام.
وبعد ذلك تحولت السماء إلى ما يشبه الآتون. ثم بدا وكأن هذا الاشتعال العشوائي عبر
القارات هو جزء من الأسباب الرئيسية التي أدت لاختفاء الديناصورات.
علينا
أن نسأل أنفسنا لماذا قضى ذلك مثلا على الديناصورات وليس الثدييات التي عاشت على
الأرض حينها. ولماذا قضت على الأمونيات في البحر دون أن تمس في الأسماك هناك؟ يشكل
هذا السؤال عائلا أمام إيجاد سبب واحد لتلك العملية.
من
الممكن أن الصدمة أدت إلى بعض الانقراض، إلا أن البيئة كانت تشهد متغيرات متنوعة
ومتعددة الأشكال. لهذا شكلت ضربة قاضية لبعض الكائنات، كما انقرض البعض قبل
الصدمة بزمن بعيد، كما اختفى البعض الآخر بعد ذلك بعدة آلاف من السنين. كلما عرفنا
المزيد عن منظومة الأرض المعقدة نجد صعوبة أكبر في إيجاد سبب منفرد للانقراض
الجماعي. وقد نجد صعوبة كبيرة في إقامة سلسلة كاملة من الأسباب والنتائج الخاصة
بعمليات الانقراض الحديثة كاختفاء الماموث.
شهدت
شواطئ نورفولك القريبة من كرومر في بداية التسعينات اكتشاف هيكل عظمي لماموث بكامله
عند أسفل جبل.
أدى اكتشاف الماموث الصوفي إلى تقديم بعض أسباب انقراضه بعد ستمائة ألف عام من ذلك.
يعتبر
فيل وست رونتن من أهم الأحافير التي تم اكتشافها منذ سنوات طويلة. فهو هيكل عظمي
شبه كامل للماموث، ولكنا لم نعثر عليه في مخزون البلستوسيني الذي عادة ما ينتشر
فيه الماموث، بل وجد في مواقع أحدث تعود إلى ست مائة ألف عام في وسط البلستوسيني.
يشكل الماموث الصوفي نموذج شيق للانقراض وذلك لعدة أسباب، أولها أنه قريب من
الإنسان زمنيا بالمقارنة مع انقراض الديناصورات وما شابه، فقد اختفى الماموث قبل
آلاف السنين فقط مع غيره من عمالقة حيوانات العصر الجليدي، لهذا نستطيع الإطلاع على
حقيقة ما جرى لبيئة الأرض، وما سببها. هذا ما يكثر في الأحافير، وقد تحول إلى نوع
من نقطة ارتكاز لمسألة الانقراض.
يبدو
أن فيل وست رونتون كان يزن عشرة أطنان أي أنه يشكل ضعف وزن الفيل الأفريقي المعاصر.
قد لا يشكل ضعف حجمه تقديرا لنسبة الوزن الذي يوازي ضعفه، كما بلغ ارتفاع كتفيه
أربعة أمتار، ما قد يجعله أكبر الفيلة على الأرض.
يتطلب
علم الكائنات جهدا ومثابرة، فالأدلة نادرة جدا ما يجعل التفاصيل ثمينة جدا.
تكمن
الفوائد الأخرى لماموث وست رونتون في إيجاده ضمن منطقة غنية بأنواع أخرى من الأدلة
البيولوجية، إذ تحتوي على أحافير حشرات ونباتات ولقاح وأصداف وغيرها، ما يساعدنا
على تكوين فكرة تفصيلية لبيئة الحيوانات هناك.
مختبر
الفيل الذي يجمع فيه كل عظام الماموث وبقاياه الأخرى التي توضع في غالبيتها في إطار
من الصمغ الصلب على الأرض لتماسكها ذلك أنها ضعيفة جدا.
هناك
ثلاث أجزاء مندمجة من فقرات نخاع الفيل الشوكي، يلاحظ أن أقواسها ما زالت سليمة،
يظهر على الجانب الآخر أنها ليست بحالة جيدة وقد نجم ذلك عن أضرار الضباع. كل عظمة
تتحدث عن قصة خاصة حول ما حدث بعد الدفن.
ويوجد
ثقوب وآثار لأنياب الضباع وهي تمسح العظام. ويمكن رؤية بقايا براز الضباع التي
تحولت إلى أحفور متحجر، والتحمت فوق العظمة التي سقطت عليها. يقال أن الضباع تفعل
ذلك للقول أنها ستعود مجددا إلى تلك العظمة فيما بعد.
تعود
جذور العلوم العصرية لدراسة الكائنات إلى القرنين الثامن والتاسع عشر، حين ساد نوع
من الهوس بالأحافير وجمعها. ولكن الناس حينها بقوا زمنا دون معرفة الأحافير،
فتعاملوا معها بنوع من الفضول وكأنها قطع سحرية بعيدا عن كونها أدلة على تاريخ
الحياة على الأرض، حتى أنجز عمل عالم تشريح فرنسي بارع غير وجهة العالم إلى الأبد.
بدأ
سيمون كونواي موريس التركيز فعلا في باريس من خلال جون كوفير الذي تنبه إلى أن
الأحافير قد تمنحنا معلومات تساعد على الخوض في عالم قد اختفى. وأحيانا ما يساعدنا
حتى جزء بسيط من الأحفور في التعرف على ما كان يبدو عليه الحيوان بكامله.
كان من الأشخاص القادرين على الرؤية من خلال الأحفور كمن يصفه بعالم يتمتع بنظر
أشعة إكس قادر على رؤية مجمل الأحفور بمفاخرته الشهيرة وما كان قليل الغرور، إلى حد
أنه كان يمسك بناب ليستنتج من خلاله ملامح بقية الحيوان بكامله. علما أن فخره
وغروره لم يكن عجرفة فارغة، بل اعتمد على معرفة عميقة.
أخذ
الناس يرسلون أشياء مثل أسنان الفيلة الهائلة فعلا ولا شك أنها كانت لفيلة من
أنواعه مختلفة. فنظر إلى مختلف أسنان الفيلة التي لديه ليتنبه أخيرا إلى أن هناك
أنواع متعددة من الفيلة. يوجد أنواع من الفيلة المعاصرة اليوم. فطرح السؤال التالي:
هل هذه فيلة مختبئة في الغابات الاستوائية اليوم؟ فهي أنواع كثيرة. هل من المنطق
القول أنها تختبئ جميعها في غابات اليوم؟ أم من المحتمل أنها لا تعيش اليوم؟
وجد
الكثيرون صعوبة في تقبل فكرة أن تكون هذه بقايا حيوانات منقرضة. لم يتقبلوا حتى
فكرة الانقراض في عالم خلقه الله بكمال.
عندما
استخرجت أحافير حيوانات مجهولة كالماموث والمستودون الأمريكي كان الناس يعتقدون
أنها حيوانات ما زالت تعيش في مكان ما من العالم ولم يعثروا عليها بعد، ومن أبرز
الأمثلة على ذلك توماس جيفرسون الذي كان رئيسا للولايات المتحدة. عثر على بركة
المستودون وسط غربي أمريكا أميركا الشمالية، فأرسل جيفرسون بعثات إلى الغرب
الأمريكي لمحاولة للعثور على المستودون، على اعتبار أن الكائنات لا يمكن أن تنقرض.
ولا شك أن جورج كوفير قد طور الفكرة القائلة بأن هذه الحيوانات ما عادت تعيش على
الأرض بل انقرضت بالكامل.
شكل
هذا تحول هائلا في المفاهيم، لأنك عند تقبل احتمال عيش الحيوانات في الماضي
المختلفة عن تلك التي تعيش اليوم تفتح أمامك الآفاق لرؤية عالم مختلف.
اتضح
تماما في الواقع أننا نجلس فوق مقبرة لأنواع منقرضة. غالبية الكائنات التي عاشت في
الماضي اختفت عن وجه الأرض، عند التأكد من قدم سجلات الأحافير وطولها ووفرتها،
وهكذا اتضح أنه لا بد من الاعتراف بعصور الانقراض.
وهكذا اكتسبت فكرة وجود تحولات انقلابية تؤدي إلى حصول الانقراض، كما وصفها جورج
كوفيير، اكتسبت أهمية بالغة.
عرفت
نظرية كوفير الخاصة بالانقراض بلقب الكوارثية، والتي تختصر بتكرر أحداث مدمرة في
تاريخ الأرض الناجمة عن الطوفان أو الحرائق أو الزلازل دون أن نعرفها، ولكن هذه
الأحداث المدمرة مسحت كثير من الأنواع عن وجه الأرض.
برز
أكبرها قبل مائتين وخمسين مليون عام والتي عرفت بمرحلة الانقراض الشامل. تشير
الحسابات التقريبية إلى أن نسبة الأنواع التي بقيت على قيد الحياة بعد ذلك الحدث
قبل مائتين وخمسين مليون عام هي أربعة بالمائة. أي أن ستة وتسعين بالمائة من
الأنواع قد انقرضت ضمن عملية فناء مدهشة.
ربما كان السبب في تلك الكارثة انخفاض مستويات الأكسجين في الجو لظروف مجهولة ما
أدى إلى حالة من الضيق الفيزيولوجي. يعتقد البعض أن الأجواء تغيرت بطرق أخرى.
ولكنها مسألة محرجة فنحن هنا أمام أدلة موضوعية مدهشة في تاريخ الأرض تؤكد أن
الكوكب لا يتعرض للأزمات فحسب بل عاش في ظروف الأزمات حادة وقاسية لعدة ملايين من
السنين قبل أن يتعافى بطيئا وتدريجيا دون أن نعرف بعد سبب وقوع هذا الحدث الغريب
جدا.
كثيرا
ما تشير أدلة الانقراض الشامل إلى مجموعة عوامل تلاقت معا، كالمتغيرات المناخية
ومستويات البحر ومستويات الأكسجين وتغيير في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو
نتيجة الأنشطة البركانية، وكلها عوامل مترابطة معا. والانقراض الشامل لا يحدث فجأة،
فهو أحيانا ما يستغرق ثلاثة ملايين عام.
اعتبر
علماء القرن التاسع عشر هذه الحسابات الزمنية فوق التصور، خصوصا في أعمال
الأكاديميين المتدينين الذين قدروا عمر الأرض بستة آلاف عام حشدت أولى محاولات
إعادة بناء الحياة المبكرة على الأرض أنواع مختلفة من المخلوقات التي تفصل بينها
مسافات زمنية شاسعة. حتى ظهور علم الجيولوجيا الذي أخذ يبلور مفاتيح المعلومات
المخبأة في الصخور.
يبلغ
عمر هذه الصخور مائتين وعشرة ملايين عام. وإذا استوعبنا العملية التي تراكم
الصخور، ونتفهم البيئة التي وضعت فيها، سنحصل على معلومات عن البيئة التي عاشت
فيها الحيوانات. والمعلومات متوفرة في هذه الصخور. يوحي اللون الأحمر أولا أنها
كانت حارة. ثانيا، نعثر على تشكيلات كهذه الدوائر البارزة وهي تموجات متحجرة، يجب
أن نتذكر دائما أن هذه العلامات طبعت على الصخر قبل مائتين وعشرة ملايين عام.
المدهش هو أنها طبعت في يوم واحد. تعود هذه الآثار لمياه تغطي رواسب ناعمة. ولكن
هذه الآثار نجمت عن أمواج ضربت شاطئ بحيرة ضحلة. أي أنها بيئة يابسة، ما يعني
ضرورة العثور على آثار لحيوانات برية عاشت في الجوار، يجب أن نراها في هذه المنطقة.
تمنحنا سجلات الأحافير مقياس زمني نسبي. يمكن الذهاب إلى مقلع لاستخراج صخر من قاعه
لتقول أن هذه الصخرة في القاع أقدم زمنا من تلك التي في أعلى المقلع. هذا ما يعنيه
المقياس الزمني النسبي. وقد تم على مدار القرن التاسع عشر وضع مقياس زمني عالمي
نسبي محدد. يمكننا التعرف تقريبا على أقدم الحيوانات على الأرض وأحدث الحيوانات
أيضا، كما يمكن وضع ترتيب أولي للتطور الحاصل في العالم.
اهتم
الناس في عصور ما قبل التاريخ البشري وتحديدا تاريخ الحيوانات لأنها تختلف عن تلك
المعاصرة. والحقيقة أن الجيولوجيا كانت تشبه علم الفضاء اليوم من حيث الإثارة، إذ
كانوا يتحدثون عن الأحافير القديمة ويجدون جمهورا واسعا. كان هذا العلم الأساسي
الحاسم في ذلك الوقت.
كان
شارلز لايل من الشخصيات الطليعية وقد كان محاميا في البداية حتى أخذ يلتفت إلى
الجيولوجيا ويجمع المعلومات عنها، كان منكبا على محاولة تفسير دينامكية الأرض، وقد
نجح في وضع كتاب رائع اسمه مبادئ الجيولوجيا، الذي تألف من أجزاء ثلاثة على
التوالي، أخذ داروين الجزء الأول معه كما أرسل الجزء الثاني وهو ما يزال في بيغل.
وما قاله لايل من حيث المبدأ كان بديهيا. عندما ننظر إلى الأنهر والبحيرات اليوم
نرى أن الرواسب استقرت في القاع، وعندما نتأمل تفجر البركان نرى الحمم تنساب على
الأطراف، كل ما يحدث أمامنا اليوم كان يحدث دون مصاعب في الماضي.
يكمن
تبسيط نظرية لايل في قوله أن الحاضر مفتاح الماضي. ولا مجال للشك في أن ما نراه
يحدث اليوم هو تعبير عما حدث في الماضي. تعتمد هذه العمليات على حرارة الشمس التي
تشكل عامل أساسي للكائنات الحية. فهي تجفف البيئة وتسخنها وتبردها، وهكذا تسبب
الرياح، لينجم عنها التآكل، الرياح تلاطم المحيطات نحو اليابسة في محاولة دائمة
لإنهاك الكوكب.
تكمن القوة الثانية بالجاذبية، التي تساعد الشمس أيضا من خلال التجاذب الدائم بين
الشمس والقمر وما يسببه من مد وجزر، لتساهم أيضا بعملية التآكل ولكن الجاذبية تحاول
أخذ كل ما ينجم عن التآكل نحو مستوى واحد مشترك هو قاع البحر.
يمكن
تخيل كميات الرواسب الناجمة عن استهلاك تلك الجبال العالية، تتوالى طبقات هائلة من
الرواسب نحو أعماق الأنهر والبحيرات، ثم تتراكم هذه الكثافة من الرواسب فوق بعضها
عبر الزمن، وإذا عدنا عبر طبقات الرواسب هذه نستطيع الاطلاع على سجلات الأحافير
لتصبح أعدادها كبيرة جدا عبر ملايين السنين، أي أن هناك مفهوم هائل من التحول هناك.
الطريقة التي تغيرت فيها وجهات النظر خلال السنوات المائتين الماضية تشكل بحد ذاتها
أولى ملامح ما عرف لاحقا بالأزمان الغابرة. يعتقد أن الناس في القرن الثامن عشر ما
كانوا يكترثون بما إذا كان عمر العالم آلاف السنين أم ملايين السنين. ولكن هذه
المسائل تغيرت حين بدأ يتضح تماما أنه مع اكتشاف مزيد من الأحافير وإخضاع مزيد من
الصخور للدراسات بدأنا نخوض عميقا في العصور الزمنية الغابرة، حتى بدأنا تدريجيا
نستوعب أن عمر العالم يزيد عن ملايين السنين، وربما مئات ملايين السنين، حتى أدركنا
اليوم أن عمر الكوكب يزيد عن أربعة آلاف مليون عام.
تشكلت
هذه الصخور في العصر الجوراسي قبل حوالي مائتي مليون عام. وهي رواسب تراكمت في
أعماق البحر طبقات فوق أخرى من الوحل. عندما نمعن النظر في هذه الصخور نلاحظ أنها
من الكلسيات الصلبة الفاتحة اللون تليها صفائح الفخار الأسود. يبدو أن الصخور
الكلسية تشكلت عندما كانت أعماق البحر مفعمة بالحياة تحفر الديدان في أرجائه وتسكن
الأصداف قاعه، وبعد ذلك نرى أن هذا كله قد تعكر ليبدو القاع وكأنه بركة موحلة كريهة
سممت ما فيها من حياة. لو أخذنا أحفور الاتشيصور الشبيه بالدلفين بعد موته وسقوطه
إلى أعماق البحر الموحل، سنجد أنه قد نجى من عبث الحيوانات الأخرى، وحافظ على شكله
المتحجر كاملا.
تعتبر
عمليات الانقراض التي جرت في نهاية العصر الطباشيري عمليات كارثية، إذ بلغ فيها
الدمار حجم الكوارث. ولكن الناس لاحظوا من جهة أخرى أيضا أن هناك جانب خلاق إذ أنها
منحت فرصا وخلفت مواقع شاغرة، حين خلت السماء من الزواحف الطائرة، كما خلت البحار
من الزواحف العائمة وخلت اليابسة من الديناصورات. عند ذلك انتهزت مجموعتين هذه
الفرصة حين ملأت الطيور الجو، بدل الزواحف المجنحة، وعلى الأرض ومن ثم المحيطات
شهدت الثدييات عصرها الذهبي بعبارة أخرى ما أن وقعت الكارثة حتى انطلقا معا. أي
أننا نستطيع القول أنه لولا اصطدام المذنب بالأرض قبل خمس وستين مليون عام، لما
سنحت الفرصة أمام تطور الثدييات التي أدت في نهاية المطاف إلى ظهور الكائن البشري.
توالت
على كوكب الأرض أنواع كثيرة من الثدييات على مدار الملايين الخمسة وستين سنة
الماضية، ولكن سرعة الانقراض أخذت تتسارع بشكل هائل مؤخرا. قبل خمسة عشر ألف عام
بدأ أقارب عمالقة الحيوانات بالاختفاء. انقرض في أمريكا ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين
ألف نوع من الكائنات. فقدت أستراليا تسعة عشر، كما اختفى العمالقة من أوروبا. وبعد
سبعة آلاف عام اختفى الماموث أيضا، دون أن نعرف السبب.
شهدت
الثلاثين عاما الماضية نقاشات حول ما إذا كان المناخ سببا في انقراض الماموث أم
الصيد البشري. فهناك توافق مؤسف مع نهاية العصر الجليدي الأخير بين قدوم بشري هائل
نحو أمريكا الشمالية وأماكن أخرى من أوروبا، ومرحلة من السخونة البالغة التي شهدتها
الأرض قبل عشرة آلاف عام، لا نعرف بعد أي من هذين الحدثين هو السبب في انقراض
الماموث.
تشير
سجلات الأحافير أن أجداد الماموث والفيلة المعاصرة ظهرت في أفريقيا قبل ستة ملايين
عام.
وبعد ثلاثة ملايين عام خرج بعض الفيلة البدائية من أفريقيا نحو الشمال فتأقلمت على
الطريق مع ظروف جديدة.
شهدت الفيلة البدائية عملية تطور نحو أنواع مختلفة نسبيا، نجمت عنها الفيلة
الأفريقية والفيلة الآسيوية والماموث. غطى الماموث مساحات شاسعة بالهجرة شمالا
وجنوبا حتى حدود الجليد. وأخذ يتأقلم مع البرد إثر تنقله شمالا ليولد بذلك الماموث
الصوفي، الذي بدأ يختفي مع نهاية العصر الجليدي الأخير قبل خمسة عشر ألف عام.
قبل
خمسة عشر ألف عام كانت تنتشر قطعان هائلة من الماموث إلى جانب حيوانات أخرى كوحيد
القرن والأيائل وثيران البيسون وغيرها تسعى في سهول شاسعة مفتوحة خالية من الأشجار
عبر القارة الأوروبية والآسيوية وأمريكا الشمالية. كان ذلك عصرا من الجفاف النسبي،
أبرد من اليوم بمناخ وظروف تربة مناسبة لنمو الأعشاب والزهور التي يتغذى عليها
الماموث الصوفي وغيره من الحيوانات كوحيد القرن الصوفي الذي سمي بقاطع الأعشاب
العملاق في عصر الجليد.
حتى
ظهرت مرحلة من الانقراض قبل عشرة آلاف عام حين اختفت أعداد كبيرة من تلك الحيوانات
الهائلة بالكامل.
تطورت
المعارف حول المتغيرات المناخية خلال العقد الأخير تقريبا، لأنه من خلال النماذج
التي اقتطعت من طبقات الجليد يمكن الحصول على سجلات واضحة لتغير درجات الحرارة
ويمكن اختراق طبقات الجليد وتقسيمها إلى سنوات من الثلج للحصول من خلالها على أثر
للعوامل والعناصر الكيميائية التي تقول الكثير عن المناخ في كل عام على حداه.
شهد
المناخ قبل خمسة عشر ألف عام قفزة مفاجئة بسخونة قد تزيد عن ثماني درجات خلال عقدين
أو أقل من الزمن. أدى ذلك إلى حصول تغيرات في نباتات العالم، ما غير كليا المشهد
الطبيعي.
اعتبر ذلك مشكلة للماموث ذلك أن تغير المناخ قلص مساحات السهول المنتشرة في الشمال
وزاد حجم المستنقعات ونسبة الضباب والبرد، وما عناه ذلك من بطئ في نمو النباتات
التي يتغذى عليها. أما في الجهة الجنوبية من السهول انتشرت الغابات. يحتاج الماموث
لأربعمائة رطل من الأعشاب الندية يوميا ما لم يتوفر هناك كما أنه لم يتأقلم مع
تناول تلك النباتات.
هناك
من يعتبرون صيد البشر سببا في انقراض الماموث، وقد استعانوا الكمبيوتر لتمثيل ما
جرى حينها.
يساعد
الكمبيوتر على رؤية نموذج للهجرة البشرية إلى أمريكا الشمالية لمجموعة من المتغيرات
المناخية، واصطياد الماموث والعواشب من قبل السكان الجدد الذين جاءوا إلى القارة.
تشكل
ألوان المربعات مجموعات مختلفة من الكائنات، يرمز الأخضر للماموث والعواشب، ويرمز
الوردي لتجمعات البشر. ماذا سيحدث لو اصطاد البشر واحد بالمائة من الماموث كل عام؟
لا
تتأثر أعداد الماموث جديا بهذا المستوى من الصيد. هناك بعض الصيد ولكنه ليس أساسي.
أي أنه حيال بعض المتغيرات في مساحات القارة، إلا أن هذا لا يؤثر جديا على أعداد
الماموث. ولكن مقابل ما سبق وصفه يمكن اجراء تعديل بسيط على النموذج بجعل البشر
يصطادون ثلاثة بالمائة من الماموث بدل الواحد بالمائة. يوجد نفس الخريطة للانتشار
البشري عبر ألاسكا والعبور نزولا نحو بقية أرجاء القارة، أصبحت أعداد السكان كبيرة،
لنجد بالمقابل أن أعداد الماموث قد انهارت. يعتقد أن هذا ما يؤكد لنا إحساس فطري
يقول أن البشر قد يكونوا السبب في انقراض الماموث، فقد رأينا أن مجرد تغيير بسيط في
المقاييس المتعلقة بمستوى الصيد البشري، تؤدي إلى نتائج هدامة لأعداد الماموث خلال
فترة زمنية قصيرة.
أصبحت
هذه المسألة من اختصاص الأكاديميين وحدهم سواء كان المناخ أو الصيد البشري أو
المزيج بينهما هو السبب في القضاء على الماموث. مع أن الكثيرين في هذا المجال
يعتبرون أن هذا الانقراض يشكل نموذج مبكر لنزعة عميقة تثير القلق.
تؤكد
سجلات الأحافير أن غالبية الأنواع تتمتع بالمرونة، فمعدل بقاء الأنواع على قيد
الحياة عبر سجلات الأحافير يؤكد استمرارها خمسة ملايين عام، ولكن مشكلة ما تقع فجأة
لتعرضها للخطر.
المؤكد اليوم هو أن البشر يؤثرون على الكائنات بطريقة لم تعهدها كائنات أخرى من
قبل، وذلك عبر تدمير البيئة والتلوث والصيد وما شابه.
ينقرض الآن ما يقارب الخمسين نوعا من الكائنات يوميا. تعتبر هذه السرعة أكبر بكثير
من الانقراض الشامل في الماضي.
تعتبر
هذه أكثر عصور الكوكب تنوعا. يمكن القول أننا نحن البشر قد ولدنا في ما يشبه الجنة،
ولكن حماقتنا تدفعنا إلى القيام بما يشبه الدمار الشامل، لأن الكائن البشري سيصبح
مسئولا عن انقراض آلاف بل مئات الآلاف وربما ملايين الأنواع في القرن القادم. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م