|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
الارض البدائية
إذا أردت أسئلة كبيرة في العلم عليك بهذه. لماذا أصبحت الأرض على ما هي عليه؟ كيف كانت من قبل؟ ماذا جرى خلال ملايين السنين وما هي العمليات الجارية في متغيراتها؟ يحاول بعض العلماء التعرف على طريقة عمل نظام الأرض، وهم يجربون أفكارا متنوعة، وهناك عدة نظريات سائدة، ولكن هناك نظرية محددة تبدو ثورية، لأنها تبرز من بين ما يطرح في الجدال، واستولت على مخيلة الجميع. إنها نظرية غايا، التي تحمل اسم آلهة الأرض. علما ان النظرية لا تحظى بالقبول، فهناك فريق يعتبر أن فيها بعض الإيجابيات، وآخر لا يرى ما يستحق العناء.
ولكن قبل تطوير لوفلاك لنظرية غايا كان ينعم بحياة مهنية محترمة كباحث كيميائي، ولا شك أن أفكاره تثير الجدل.
يرى جيم لافلوك في الأرض ما يتعدى مزيج الأشياء الحية والمادة الميتة، بل أعتبرها شخصية حية متماسكة، تشكل فيها الأشياء الحية وتطور المواد العضوية عملية واحدة لا تنفصل عن بعضها. إنها نظام متكامل. ظهرت الحياة على الأرض بطريقة أو بأخرى، لا يهمه إن كان أحد قد وضعها هنا عبر سلة نفايات أتلفت من قبل سفينة فضائية زائرة، أو أن الله حرك بعض العناصر الكيميائية لبدئها، أو أنها هبطت من السماء، المهم أنها بدأت بطريقة أو بأخرى. المهم أن الأرض كانت جاهزة حينها للحياة وإلا لما بقيت مستمرة. ولكن الأرض كانت تنمو جيوكيميائيا، ودون تردد، رغم استغراقها فترة طويلة، نحو حالة شبيهة بالمريخ أو الزهرة لتكون الحياة مستحيلة عليها. أي أن الحياة وصلت في الوقت المناسب.
غايا هو الاسم الذي منحه لنظام كوكب الأرض. كما أنه اسم نظرية الأرض كنظام وهذه هي نفس الفكرة ولكن بعبارات أخرى.
حصلت غايا على اسمها بطريقة غريبة، كان قبل سنوات طويلة يسكن في قرية اسمها باورشوك جنوب ويلشير. وكان يسكن في الجوار الكاتب الروائي وليام غولدينغ، وقد كانوا أصدقاء يخرجون معا للتنزه والتحدث في الفلسفة. وعندما راودته فكرة غايا، لم يسميها غايا حينها بالطبع، كان يتحدث عن اعتقاده بأن الأرض نظام يعدل نفسه بنفسه، وأن العضويات تشارك بطريقة ما في عملية التعديل الذاتي. يبدو أن الفكرة أعجبته فقال له: يجب أن تمنحها اسما مناسبا. فسأله ماذا يقترح، فقال سمها غايا. وتابعا المسير بعدها لثلث ساعة. ظن حينها أنه قال "غاير"، أي الدوامة التي تدور في المحيطات، وقد شعر بأنها فكرة لا تتوقف عن الدوران في رأسه، ولكنه قال بأن الدوامة اسم مبالغ فيه، فرد على الفور ليس هذا ما كان يعنيه بل اسم غايا آلهة الأرض لدى الإغريق. عندها قبل الاسم طبعا. بدأ كل شيء في بداية عقد الستينات، حين عمل جيم لافلوك في وكالة ناسا، حيث نمت هواجسه للبحث عن الحياة في المريخ. قبل عشر سنوات من هبوط سفينة فايكينغ عام ألف وتسعمائة وستة وسبعين، أوضح جيم لافلوك أن الحياة كانت لتترك بصماتها على غلاف المريخ الجوي. ولكن تلك البصمات لم يترك أي دليل يذكر.
العلاقة بين غلافنا الجوي والحياة على الأرض قادت إلى أول تشكيل مفصل لنظرية غايا، وسرعان ما أصبحت تثير الجدل.
تقول نظرية غايا الفرضية كما طرحها لافلوك أن ما وجده عند تأمله في الأرض في إطار المريخ واكتشاف تلك الأجواء الرائعة، بكل ما فيها من غازات غير متوازنة ومع ذلك تبقى متكررة، أدرك أن هناك ما ينظمها، ومن الطبيعي الاعتقاد بأن الحياة هي التي تنظم ذلك، وأنها تفعل ذلك بطريقة تجعل فيها الأرض راضية عن نفسها.
يعني لافلوك في دخول مجال الكوكب الجوي وخروجه من التوازن أي أن النظام المتوازن هو نظام متعادل. يتمتع غلاف الكوكب الجوي بالتوازن عندما لا يتغير تركيبه. عند التعادل بين إنتاجه واستهلاكه. وهناك طريقتين للقيام بذلك. لنأخذ المريخ، فهو لا يشهد أحداثا كثيرة. فأجوائه تتألف من ثاني أكسيد الكربون وهو غاز بليد، لهذا لا يوجد أي تفاعل بين سطح المريخ، وغلافه الجوي، وبما أن غلافه الجوي لا يتغير يمكن اعتبار ذلك حالة من التوازن. ولكن الأرض مختلفة جدا. يتألف خمس غلافها الجوي من الأكسجين وهو غاز فعال جدا. ويبدو أن هذه التركيبة لم تتغير كثيرا منذ مئات ملايين السنين. كما أن دخول الأكسجين وخروجه متوازن بدقة عالية، أو في حالة عدم توازن. إذا أخرجت الحياة من الأرض الآن، سينفذ الأكسجين ويتفاعل بما يشبه الصخر، ليختفي ويترك أجواء مختلفة، شبيهة بكوكب المريخ. أي أن لافلوك لا يعتبر أن غلاف الأرض الجوي ليس في توازن، فالحياة قلبت المعادلة عبر غاز الأكسجين المتفاعل، وبصمات الحياة كما نسميها، الغير متوفرة في المريخ، هذا هو المفهوم الذي يعتمده لافلوك.
كما يعتقد أن قلة رأت عكس ذلك حين تواجه الأدلة التي قدمها. وهكذا بعد سنوات قليلة بدأ يجول بحثا عن أدلة تدعم ما يقوله من أن الحياة تنظم الكوكب وتبقيه مرتاحا مع نفيه. وقد تعرض لانتقادات حادة من قبل رتشارد داوكينز وفورد دوليتل بقولهما أنه لا يمكن للحياة أن تنظم أي شيء، وأن ما يقوله غير منطقي. هذا ما أدى إلى تطوير نموذج عالم زهور الربيع، الذي يؤكد في الواقع أن النظام بكامله وليس الحياة وحدها يتوافق بالكامل مع فيزياء وكيمياء هذا الكوكب ومع أجوائه التي تنظم كل شيء، باعتبار أن التنظيم هو ميزة عاجلة لهذا النظام المتماسك جدا، وليس شيئا يتطلب هدفا محددا من قبل الكائنات، يعتقد أن هذا ما يجيب نهائيا على انتقادات رتشارد دوكينز.
يعتقد أن عالم أحياء آخر أوضح الأمر بقوة أكبر من رتشارد دوكينز. لو صدقت نظرية غايا لتطلب الأمر اجتماعا سنويا لنقابات الكائنات الحية على جبل أرارات للتفاوض على مناخ العام التالي. وهذا سخيف جدا.
عالم زهرة الربيع هو نموذج أعد لإثبات أن التطور عبر الاصطفاف الطبيعي باعتماد أفكار الجينات الأنانية لزوجة رتشارد داوكينز، وهو قادر بشكل طبيعي، إذا ربطنا وثيقا تطور الكائنات بتطور عالمها المادي، قادر على إنتاج نظام يعدل نفسه بنفسه، دون الحاجة إلى هدف أو توقعات أو تخطيط. أما تفاصيل نموذج الزهور فهو كالتالي:
عليك أن تتخيل نموذج كوكب شبيه بالأرض. عالم زهور الربيع هو كوكب بسيط له مدار كالأرض، يدور حول شمس تزداد سخونة مع مرور الزمن.
ولكنه على خلاف الأرض فيه غلاف جوي بسيط بدون غازات الدفيئة التي تسخنه كثاني أكسيد الكربون. وليس فيه إلا نوعين من الكائنات، زهور سوداء، وزهور بيضاء. تمتص الزهور السوداء أشعة الشمس القادمة، لهذا تزداد سخونة، ومع سخونتها تشع حرارة، لتسخن المنطقة المجاورة. أما الزهور البيضاء فتعكس أشعة الشمس وتبقى باردة.
تعتبر الحرارة الأفضل لكلا الزهرتين اثنين وعشرون درجة ونصف الدرجة. تخيل الآن ما يحدث في دورة حياة عالم الزهور، مع ارتفاع الحرارة. كانت صغار الزهور باردة في البداية، بينما كان الكوكب باردا، تتفوق زهور امتصاص السخونة. تتفوق الزهور الداكنة حسب الاصطفاف الطبيعي، ومع نهاية الموسم الأول يلاحظ أن كميات الزهور الداكنة أكبر من الفاتحة، وفي الموسم التالي ستجد أن الداكنة ستبدأ مبكرا، وسرعان ما ستنتشر ولا تكتفي بتسخين أنفسها بل ستسخن جوارها. سيعني ذلك مباشرة أن الزهور الداكنة ستنتشر في جميع أرجاء الكوكب، لترفع درجة حرارته إلى مستوى قريب من تلك المناسبة لنمو الزهور.
تنمو الزهور الداكنة وتنتشر من المناطق الاستوائية الداكنة لتغطي غالبية أرجاء عالم الزهور، وتجعله أسودا. فكلما زاد سوادا زادت قدرته على امتصاص الحرارة. وعندما تصبح الحرارة مناسبة لجميع الزهور، تصبح الحياة أسهل للزهور البيضاء، فتنمو وتزدهر.
تنمو بداية على خط الاستواء الدافئ، ثم تخرج تدريجيا، مخلفة ورائها الزهور السوداء. ولكن في مناطق الإشعاعات المنخفضة تنجح الزهور البيضاء أكثر، لأنها تبرد أجوائها.
أما في مناطق أشعة الشمس المنخفضة، فتسيطر الزهور السوداء عبر تسخين أجوائها.
وهكذا يعتمد عدد الزهور السوداء في جميع المناطق بالمقارنة مع تلك البيضاء على نسبة السخونة أو البرودة اللازمة للحفاظ على حرارة النمو الأنسب.
يرى جيم لافلوك أنه ليس هناك أدنى شك حتى الآن أن الأهم في نموذج عالم الزهور هو ما يأتي به من آلية لشرح كيفية تنظيم الأرض لحرارتها. ترى أن غايا لم تكن مقبولة لدى غالبية علماء الجيو كيمياء والأحياء وغيرهم دون آلية محددة تشرح طريقة عملها. كانت بالنسبة لهم غامضة وليست متماسكة. كانوا يعتبرونها نظرية مشوهة عديمة الوضوح حتى توفرت الآلية التي لم يصدق أحد شيئا قبل ذلك وهذا ما ينطبق على غايا وقد منح نموذج عالم الزهور تلك الآلية المطلوبة. ولكن شمس عالم الزهور ما زالت تزيد سخونة، حتى وجدت الزهور السوداء صعوبة في التأقلم. أما البيضاء فبقيت منتعشة، وهكذا سرعان ما تفوقت البيضاء على السوداء عدديا، حتى أصبح عالم الزهور يصبح أكثر بياضا.
يمكن للكوكب الأبيض أن يعكس الأشعة الشمسية ويبقى باردا، ولكن حرارة الشمس زادت سخونة حتى أصبحت الحرارة أشد سخونة من قدرة الزهور البيضاء على تحملها. فمات عالم الزهور.
يعتقد جيم لافلوك أن عالم الزهور يرمز إلى الكائن الحي. على الرغم من أنه يعلم أن علماء الأحياء لن يحبون هذا الإيحاء ولكنها الحقيقة وربما كان ذلك التشابه يكمن في أن الكوكب قد يموت. إذا كانت الشمس أشد سخونة من تحمل الزهور البيضاء حتى لو غطت الكوكب سيعني ذلك أنها غير قادرة على تبريده بما يكفي لبقائها على قيد الحياة. وفي لحظة بدئ بعضها بالموت، تصبح المناطق الداكنة عرضة للخطر، ذلك عند رؤية ارتفاع الحرارة برجع الصدى الإيجابي المتفجر لما يفوق قدرة التحمل لدى أي نوع من الكائنات. أفضل حرارة لنمو الزهور اثنين وعشرين درجة ونصف. تعمل الزهور السوداء مع الشمس لتسخين الكوكب، بما يسمى رجع صدى إيجابي.
تعمل الزهور البيضاء بعكس الشمس فتربد الكوكب، المسمى برجع صدى سلبي.
ما يهم في عالم الزهور هو التأثير المشترك بين رجعيّ الصدى الإيجابي والسلبي. تعكس هذه الصورة حرارة عالم الزهور انطلاقا من متغيرات الإنارة الشمسية وحدها، بدون تأثير الزهور.
وإذا أضيفت الزهور تحصل على إنحناء، الذي يعكس رجع الصدى الإيجابي من الزهور السوداء، ورجع الصدى السلبي من البيضاء.
وهي معا تعدل حرارة الكوكب، فتنجم عنها بيئة مستقرة، رغم التغير في أشعة الشمس. يعتبرجيم لافلوك أن نظرية غايا كنظرية تطور لا يمكنها استثناء رؤية داروين العظيمة، بل تشمل أيضا التطور الجيولوجي للأرض وتربط الاثنين معا بتماسك.
ماذا ينشأ عن تآلف النظامين القديمين معا هو مزايا التعديل الذاتي، ما يعني تعديل المناخ والتركيبة الكيميائية للأرض بما يجعلها تبقى دائما مكان مناسب للحياة.
يعتبر نموذج عالم الزهور عام جدا، يمكن من القيام بكل الألاعيب. يمكن جعله واقعيا بمنح الزهور بعض المشاكل.
إذا أضيفت بعض الأرانب التي تأكل الزهور. ستحاول الأرانب أولا أكل جميع الزهور. ومع ندرة الزهور تجوع الأرانب. يؤدي ذلك إلى انحدار أعداد الأرانب. إذا تعافت الزهور بعدها، سيتبع ذلك زيادة بعدد الأرانب.
هذا نموذج آخر عن رجع الصدى الإيجابي والسلبي الذي يتوازن عبر الزمن.
فإذا تموج عدد الأرانب على هذا النحو. تتجاوب الزهور على هذا النحو.
أثناء دورات السكان هذه تظهر حالات من النمو مقابل أخرى من الانحدار بعدد الزهور والأرانب. عندما تقيس ذلك خلال فترة طويلة، يتم التوصل على توازن أو تعادل بين أعداد الزهور وأعداد الأرانب التي تعيش عليها.
يعني ذلك أن ليس للأرانب تأثير كبير على سلامة عالم الزهور.
سيبقى التوازن البعيد المدى قائما حتى لو أدخلت اضطرابات أخرى.
يمكن جلب ثعالب تصطاد الأرانب.
أو وباء يقتل نسبة عالية من الزهور.
أو منافسة بين زهور بألوان مختلفة.
أو كل ما تستطيع ابتكاره.
قال علماء الأحياء حينها أنه لو ظهرت في الكوكب زهور باللون الرمادي لا تستعمل الطاقة بألوانها البيضاء والداكنة ستسيطر على كل شيء وتغطي المشهد بكامله لتنهار عملية التعديل الذاتي، وقد سموا هذا خدعة. اتخذت لافلوك أقوالهم على محمل الجد، وصمم نموذج لعالم الزهور شمل فيه اللون الرمادي، ولزيادة الظروف تعقيدا بالنسبة للبيضاء والسوداء فرض عليها ضريبة خمسة بالمائة من معدل نموها لصنع الصبغ. شكل ذلك درسا هاما عند تشغيل النموذج ازدهرت الورود الفاتحة والداكنة بنفس القوة كما ازدهرت الرمادية أيضا، مع أنها لم تنمو بقوة الفاتحة والداكنة نفسها.
المسألة غاية في البساطة، عندما يكون المناخ باردا وحدها الزهور الداكنة تناسب البرد، دون الفاتحة والرمادية، وعندما يكون حارا وحدها الفاتحة تناسب الحر، دون الرمادية والداكنة، وهكذا حصلت الرمادية على مكانها. جاء رجع الصدى ليسجل نوعا من استقرار الحرارة في الكوكب، رغم المتغيرات في أشعة الشمس.
مع تغير أشعة الشمس ردت الزهور على هذه المتغيرات لتتمكن بهذا من تعديل حرارة عالم الزهور.
إنها عملية أوتوماتيكية بالكامل.
النتيجة الأهم التي استخلصها لافلوك من نموذج عالم الزهور هو إثباته بأن منظومة كعالم الزهور يمكنه تعديل نفسها دون أي هدف أو توقعات أو تخطيط مسبق لبناء منظومة تفعل ذلك. الخلاصة الأخرى التي استنتجها أيضا والتي تضاف إلى الأولى هو أن عالم الزهور يشكل أساس حسابي لنظرية غايا، وتفسير لكل ما يقصد في نظرية غايا.
كما يرى استمرارية بادية في حرارة الأرض طوال العصر الجيولوجي مدركا أن حرارة الشمس قد زادت سخونة بنسبة ثلاثين بالمائة خلال هذه الفترة، ما يشكل زيادة هائلة في انبعاث الشمس كافية لتغيير مناخ الأرض جذريا، فإذا كانت متجمدة في البداية يفترض أن تكون الآن على وشك الغليان، حتى لو كانت مريحة في البداية. لهذا يعتبرها من بين الأدلة الصلبة على نظرية غايا للتعديل الذاتي المنطبقة على كوكبنا الحالي.
ولكن معدل الحرارة التي يتم تعديلها هي أكثر تعقيدا مما ظن لافلوك في البداية. ففي المختبرات مثلا تنمو الطحالب البحرية بشكل أفضل على عشرين درجة. أما في المحيط فهي تنعم بحرارة أقل من هذه بكثير.
يضمن مزيج المياه تمويل غذاء صحي لازدهار الطحالب. يمكن أن نرى نمو هائل في الطحالب، حتى لو كانت حرارة المياه أقل بعشر درجات من ظروف نموها الأفضل.
يعتقد جيم لافلوك أن هذا ما يثبت أن المسألة لا تعتمد قصرا على حاجة الكائنات في تحديد التعديل الذاتي، بل حاجة المنظومة بكاملها، لأن حاجات الجيوفيزياء والكائنات تسير جنبا إلى جنب وكأنها منظومة واحدة.
تبدو نظرية غايا مقنعة حتى الآن، ولكن أفضل امتحان للنظرية يكمن في مدى فائدتها للتوقعات.
يرى جيم لافلوك أن الدليل الأول غريب جدا لحدوثه في مرحلة سبقت ظهور فكرة غايا. تحدث هنا عن توقعاته في أن المريخ كان خاليا من الحياة. كانت هذه توقعات أكدها إنزال سفينة فايكنغ التي هبطت على سطح المريخ لتثبت عدم وجود حياة هناك.
فلو عدنا إلى الأدلة التي تحدث عنها هنا، سنرى أنها تعتمد على فرضية أن الأرض منظومة لها غلاف جوي ينظم نفسه بنفسه بالطريقة التي وصفها، وانطلاقا من تلك الأدلة نرى أن في المريخ غلاف جوي متوازن لهذا فهو بالتالي عديم الحياة. ربما كان هذا هو التوقع الأول.
والمثال الثاني بالغ الأهمية وهو التوقع بأن تَجويه كيمياء الصخور يقبل التعديل من خلال الكائنات الحية على سطح الأرض، لهذا فإن تجاوبها مع متغيرات الحرارة يمكنه التحكم بمعدلات حصول التجويه وبالتالي مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وبالتالي المناخ. هذا هو الثاني.
أما التوقع الثالث فهو مضاعف.
ساد اعتقاد بأن السولفر لا يتوفر بكثرة على الأرض، وأنه يجرف عبر المطر والأنهر نحو البحر، فاعتبر أنه لا بد من وجود عملية حيوية تعيد نقل السولفر من البحر إلى اليابسة مجددا.
يعرف أن الطحالب تنمو في المحيط لينتج ديميثل السولفات، لأنه عام اثنين وسبعين سافر في سفينة من باري في ويلز نحو القطب الجنوبي ذهابا وإيابا حيث قاس إنتاج ذلك الغاز الغريب طوال الرحلة في السفينة في كل مكان مر منه في المحيط، وقد تفحص بيتر ليس من جامعة إيست أنغليا المعلومات وحسب من خلالها تدفق ديميثيل السولفات من المحيط إلى الهواء، والشيق في الأمر هو أنها توافقت والكمية اللازمة للتوازن في ميزانية دوران السولفر.
يعتقد أن هذا شكل أول امتحان اختباري يؤكد توقعات غايا، والقائل أنه سيتم ضخ الكميات المناسبة من العناصر اللازمة لتلبية الاحتياجات الحيوية للبقاء. لكن هذه التجربة لا تنتهي هنا، عام ستة وثمانين أمضى فترة قصيرة لدى جامعة واشنطن في سياتل، في قسم عالم الأرصاد الجوية روبرت شارلستون، فأخذ يناقش كيفية تشكيل الغيوم، فحدثه روبرت عن حاجة الغيوم للتكاثف النووي وإلا تستطيع التشكل فوق المحيط. فكر بعدها مباشرة أن سولفات الديميثيل يمكن أن يتأكسد في الهواء ليصبح مصدر التكاثف النووي الذي يتحدث عنه. ثم التقى لاحقا مع أندي أندري وعالم أرصاد آخر هو ستيفن وارين حيث توصلوا إلى أطروحة تم نشرها عام سبعة وثمانين. عصفت هذه الأطروحة بالأجواء العلمية ويعتقد أن عدة أفكار وأطروحات وأبحاث ودراسات تبعتها لاحقا في جميع أرجاء العالم. وقد سره جدا قيام روبرت شارلستون في اجتماع أكسفورد حول نظرية غايا في نيسان أبريل من عام أربعة وتسعين، بالاعتراف الكامل بحقيقة أنه لولا نظرية غايا لما تمكنا من التوصل إلى احتمال وجود صلة لطحالب المحيط بالغيوم والمناخ. ربما كان هذا التوقع الثالث الناجم عن النظرية.
تكمن أفضل طريقة لاختبار النظرية فيما لقبه الفيلسوف الشهير كارل بوبر بالتوقع الخطير. وذلك بالخروج إلى لعالم الواقعي لنرى إن كانت هذه التوقعات مبررة أم مزيفة. كان يفضل المزيفة لأنك بهذه الحالة ستتخلص من النظرية.
والأمر ليس في هذه البساطة فالعلماء في الواقع يعدلون في نظرياتهم إذا وجدوا أي زيف ما بدل التخلص منها، هذا ما يقومون به فعلا. لو التزموا بدقة النظريات لما أبحر داروين أبدا على متن بيغل. أين سنصبح حينها؟؟ --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م