اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 نزعة القتل - الديّنغ
 

الكلب البري

    حين يخيم الظلام على براري أستراليا تنبعث أصوات تثير الخوف والرعب، أصوات لها أصداء التاريخ لترعب قلوب الكثيرين ممن يدركون قوتها القاتلة.

     إنها تصيد جماعات، وتحمي مناطقها وتستعمل ملامح الذئاب ورشاقتها للنيل من أسرع الحيوانات البرية والأليفة دون أن توفر البشر أحيانا.

     أصبح عدو العامة الشائع في أستراليا يعرف باسم الدينغ.

 يعرف الدينغ بقاتل البراري، فهو يتمتع بكل تفوق ضواري الثدييات الأسترالية، وقد تمكن من احتلال مكانة دموية في التاريخ.    

   يعتقد الكثيرون أن الدينغ يتوسط المسافة بين الذئاب والكلاب المعاصرة. ولكن الدقة تؤكد أن الدينغ هو أول الكلاب التي تحدّرت منها الكلاب الأليفة جميعا. برز التطور الأول في جنوب شرق آسيا قبل مائة وخمسة وثلاثين ألف عام، حيث يعتقد أن الدينغ قد وصل إلى أستراليا عبر التجار القادمين من تيمور قبل أربعة آلاف عام. أي أنه من الأنواع الدخيلة التي لم يعتبر في البداية ضارا.

   يطلق السكان المحليين عليه لقب واريغال، الذي كان يصطاد مع السكان المحليين، كان يحرس المخيم، ويأكل فتات الطعام، كما كان يدفئ الأسرة، كان حيوان أليف محبب. والأهم من هذا أنه كان يعتبر جزء من القبيلة.

    يمكن تسمية الدينغ ذئب أستراليا، فهو من ضواري الذروة، كالذئاب والدببة والكوجر في أمريكا. من سوء الحظ أنه في الحدائق الوطنية حيث يتواصل الناس معه، وتفقد الحيوانات خوفها من البشر، يمكنها أن تصبح خطيرة، سبق لها أن قتلت أشخاصا.  

   حين تأتي بها من الصغر وتشرف على تربيتها كالكلاب، لا تصبح كأي كلب في المنزل بل مجرد شخص آخر.

  وجد الدينغ غذاء غني بالبروتين في طيور الأمو، وما زال المزارعون يأسفون على إدخال هذا الصياد البارع. 

   من المعروف أن الأوروبي وضع الدينغ نصب عينيه، وقد بذلت الحكومات والمزارعين طوال مائتي عام مضت كل ما بوسعهم للقضاء على الدينغ، لأنه يقتل المواشي، وليس هذا مفاجئا، فقد كانت عقوبة القتل تواجه سارق الماعز أو البقر في المستعمرات الأولى.

أي أن المواشي كانت فريسة سهلة للدينغ، ما يعني أن ازدهار أستراليا بالاعتماد على المواشي أدى إلى ازدهار الدينغ أيضا.

     لكن الدينغ لعب دورا هاما في حياة سكان أستراليا الأصليين، وقد شكل هذا موضوع لوحة حفرت هناك منذ آلاف السنين، حيث تعاملوا مع الدينغ من وجهة نظر مختلفة.

     تعامل السكان الأصليين مع الدينغ كحيوان أليف، ورفيق درب، وكلب صيد.

   يبدو أنه لا يوجد حلول وسط فيما يتعلق بمحبة أو كراهية الدينغ.

   ليس غريبا اعتباره أول عدو للرأي العام. ولكن قصة الدينغ أكبر من مجرد كلب بري يطارد الأغنام.  فالدينغ يطارد الخنازير البرية أيضا، والماعز، والأمو  وحتى الأرانب. يقال أن الدينغ يستطيع بعد الجفاف خفض عدد الأرانب لعامين متتاليين.

     أجبرت بريطانيا بعد حرب الاستقلال الأمريكية على البحث عن مناطق أخرى تتخلص فيها مما لديها من سجناء، فوجدت المكان المناسب في مساحات أستراليا الشاسعة، حيث وصل أول المحكومين المستوطنين عام ألف وسبعمائة وثمانية وثمانين.

     وقد جلبوا معهم الطعام والمواشي، ولكنهم حملوا الكلاب الأوروبية أيضا. ما أدى إلى انقلاب حياة الدينغ الأسترالي نهائيا. 

     في كانون الثاني يناير من عام ألف وسبعمائة وثمانية وثمانين أبحر القبطان آرثر فليب في خليج بَتني بأول أسطول، وقد جلب المستوطنون معهم الكلاب الأوروبية بنوعيها الرمادية والأيرلندية، ما شكل بداية النهاية لنقاء الدينغ. 

   لا يختلف الدينغ الأسترالي كثيرا عن الكلاب العادية الأليفة، والحقيقة أن كل أنواع الكلاب هناك قد هجنت معه.  هناك ما يقارب الألف نسل منها. 

     الفارق الوحيد هو أن الدينغ الأسترالي لا ينبح، بل يكتفي بالعواء. هناك كلاب شبيهة جدا في تايلاند لكنها تنبح، أما السبب في ذلك فيعتقد أنه حين دخلت هذه الكلاب إلى القرى أرادوا كلابا تحذرهم، لهذا كان النباح يناسبهم، فهجنت فيها، وعند خروجهم للصيد، كان نباح الكلاب يسهل اتباعها، فعاد الدينغ الأسترالي إلى تقاليد الذئاب في العواء.

    تتكاثر الكلاب الأليفة مرتين في العام، أما الدينغ فيتوالد مرة فقط. ملامح الدينغ المتناسقة وخصره النحيل ونقاط ذيله البيضاء  هي ما يكشف عن هويته. 

   الدينغ من الضواري البارعة القوية الصلبة، فالدينغ النقي  صياد بالفطرة، مفترس يأكل كلما جاع.

     حين يساهم المناخ بسنوات من الوفرة، تصبح أعداد الكنغر هائلة جدا، فتدمر سياج المزارع وتحرم قطعان الماعز من مراعيها القيمة، عند ذلك يتدخل الدينغ للسيطرة على أعداد الكنغر.

     ولكن لماذا يطارد كنغر سريع إذا توفر الماعز البطيء والأشهى طعما لهذا الفك المجرب؟

     وهكذا تحول الدينغ إلى قاتل من الضواري القاسية. فانضم مع زمر من الكلاب البرية  توافقت على هجمات مشتركة. عرف عن الكلاب البرية اتفاقها على النيل من حيوان تعمل لاحقا على تقاسم أحشائه من كلى وكبد وقلب تاركة الحيوان يتعرض لميتة بطيئة.

     ولكن الدينغ الأصيل والكلاب البرية تتقاسم فيما بينها غريزة القتل، فكلها مستعدة لمطاردة وقتل أي حيوان أصغر منها حجما، يبدي الخوف بالفرار منها.

     يفاجأ بعض الباحثين المحترفين في شؤون  الحيوانات  بغريزة الدينغ  القاتلة.

    من أهم التجارب  مع الدينغ منذ عدة عقود هو مشاهدة حيوان لم يسبق له أن قتل أو شاهد شيئا يقتل من قبل، وعند رؤيته الماعز لأول مرة، يلاحظ أنه يقترب منها انطلاقا من بعض الفضول،  وفجأة تتغير سلوك الدينغ بكامله فيحني رأسه وما إن يبدأ الماعز بالفرار حتى تثير كل الغرائز في رأس الدينغ فينطلق نحوها مباشرة  ليستولي على عنزة بالقرب منه.

   هناك مئات من أنواع الكلاب ولكنها جميعا متقاربة، أنظر إلى أقرب كلب منك، أيا كان نوعه أو لونه وحجمه فهي قريبة للدينغ، وتأكد أنها تتمتع بغريزة القتل نفسها.

     كل ما هناك أنها غريزة في سبات لأننا نطعمه ونقدم له المأوى، لهذا يخمد جماحها.

     المأساة الآن هي أن غريزة الكلاب القاتلة في أشدها.          

  كان أصحاب المزارع في الماضي يستعينون بصيادين يطلقون النار على الكلاب البرية. في ولاية واحدة بين عامي ألف وتسعمائة واثنين وثلاثين والف وتسعمائة وسبعة وستين جمع الصيادين جثث ستمائة وخمسة وثمانين ألف كلب. وقد كانوا يتلقون أجورا وفق أعداد جثث الدينغ التي يأتون بها.

     وفي أرياف الجبال في جنوب أستراليا يمكن أن تتعرف على طريقة القتل المتبعة من قبل الدينغ.

    إن السجل التاريخي يقول أن الدينغ أو الكلاب البرية تسبب المشاكل منذ الأيام الأولى للمستعمرات الأسترالية.

    كان تأثير الكلاب على موارد غذاء المستعمرات القليلة أصلا يشبه الكوارث. 

   يجب أن نتذكر بأن الدينغ يسكن أستراليا منذ أربعة آلاف عام، حيث كان موقع كبير الضواري شاغرا، فجاء الدينغ ليملأ الفراغ بسهولة.

   مع تنامي المستوطنات خلال القرن التاسع عشر، انتشرت القرى والمدن في أرجاء القارة حيث أدخلت أعداد الخراف الهائلة. هناك مثل يقول أن أستراليا نشأت على ظهور الخراف، ذلك أن اقتصادها اعتمد على اللحوم وصناعة الصوف.

     هذا ما منح الدينغ المحلي دعوة مفتوحة إلى وليمة لا حدود لها.  ومع نهاية القرن التاسع عشر انتشرت الكلاب الأوروبية في كل مكان، فتم التزاوج بين الكلاب والدينغ.

   ليست هذه من الكلاب الصغيرة، بل  هائلة قد تزن خمسة وثلاثين كيلو غرام. علما أن معدل وزن الدينغ يصل إلى عشرين كيلو غرام. لهذا تسبب أضرارا جسيمة.     

   هذا ما يجعل منه قاتل أشد شرا وعدوانية جعلت من الكلاب البرية في أستراليا أشبه بآلات قتل بارعة، أسلوب عمل كلاب المراعي هذه شبيه جدا بغريزة الدينغ القاتلة.

     أخذ القلق يتملك الحكومة بشأن خسائر المواشي الهائلة، ما دفعها للبحث عن الحلول الممكنة.

   أصبح مؤكد من جهة أن الكلاب البرية وزمر الدينغ المحلية تصطاد الخراف، ولكن جزءا كبيرا من المجتمع يؤكد من الجهة الأخرى أنها من المخلوقات الأصلية في هذا البلد وأنها تستحق الحماية.

   ولكن هذا هو سبب استمرار الجدال، تأكد أن الدينغ من الضواري القادرة على التأقلم، فقد استغرقت أعداد كبيرة منه أربعة آلاف عام للتأقلم على الظروف الأسترالية، ما يجعله نوع دخيل تمكن من الاستقرار جيدا. يقف الزمن في صالح الدينغ وممارسة غريزته القاتلة سريعا.

     يسعى أصحاب المزارع بيأس للتوصل إلى حل إنساني ينقذ قطعان المواشي الثمينة.

   هناك شرك يصنع من المطاط، يناسب البيئة، مع أنه لا يحتمل البقاء أسبوعا كاملا.

   شرك اليوم أكثر إنسانية حين يعلق فيه الدينغ يقتل سريعا ومباشرة.    

   قد يبدو فخ الكلاب هذا عديم الإنسانية، ولكنه الخيار الأفضل، فهو يعتمد على فك مطاطي لا يحطم قوائم الدينغ، كما يوضع بطريقة لا تمس إلا بالكلاب، أما الخيارات الأخرى فتعتمد على طعم سام لا تميز بين الكلاب والصقور والغوانا وغيرها. يستطيع هذا الشرك القبض على ما يتراوح بين ثمانين وتسعين كلب سنويا، تغطي الحكومة نفقاتها، لا يسمح للمزارعين بنصبها، فهم لا يتمتعون بالوقت اللازم أو الخبرة. من أكبر مشاكل التحكم بهذه الكلاب في المنطقة، هي كثرة النباتات التي تختبئ فيها. فغالبية المنطقة محاطة بالغابات.

   أجبرت الحكومة في مناطق أخرى من أستراليا على اتخاذ إجراءات مختلفة. كانت نتيجتها بناء أطول سياج في العالم.  

   إنه جزء من أكبر سياج في العالم، فهي تبلغ ستة آلاف كيلومتر أي أنه يوازي ضعف سور الصين العظيم.

   شيد السياج في الخمسينات ولكنه أصبح في الثمانينات في حالة من الإهمال، ثم أعيد بناءه مجددا في التسعينات، وقد شيد لأن الدينغ تحول إلى مشكلة ما كانت صناعة المواشي في كوينزلاند لتستمر بدونه.

  صيانة السياج أمر ضروري ومكلف، تخصص له إحدى الولايات مليون دولار سنويا.

  يوجد ثلاثة وعشرون شخصا يعملون بدوام كامل في كوينزلاند، وهناك ثلاثة عشر سيارة تجول السياج أسبوعيا أي يخضع السياج أسبوعيا على طول خمسة وعشرين كيلومتر.

  قد يصعب العثور على الدينغ في البراري، يتطلب ذلك خبرة كبيرة، لذا يجب تتبع أثرها في التراب. 

   كل الحيوانات تترك أثرا لها على الأرض.   

    من المؤكد أن الدينغ يولد بغريزة قاتلة، وهذا ما يمكنها من البقاء في ظروف أستراليا البيئية، من الشمال الاستوائي، وعبر الصحاري القاحلة، وصولا إلى جبال فكتوريا الجنوبية.

     لم تستطع الوصول إلى جزيرة تاسمانيا، هذا ما يؤكد عدم وجودها قبل ثمانية آلاف عام، الشيق في الأمر كما يقول العلماء، أن هذا ما جعل نمر تاسي تبقى في تاسمانيا حتى بدايات القرن العشرين. يبدو أن نمور تاسي لم تتمكن من البقاء على قيد الحياة في أستراليا لعدم قدرتها على منافسة الدينغو.

   عند تأمل النموذجين المحنطين لنمور تاسي في متحف جنوب أستراليا، أحدهما راشد والآخر رضيع، ترى في ملامحها أن لها ذيل صلب شبيه جدا بالكنغر، سوى أنه يتحرك في نهايته. كما أن قوائمه قصيرة نسبيا، بالمقارنة مع جسمه لهذا لا يعتقد بأنه سريع جدا. أي أن سباقا مباشرة بينهما، سيعني تخلف النمر، كما سيتغلب الدينغ في العراك المباشر أيضا لما يتمتع به من رشاقة.

   لعب قانون الطبيعة وتغلب الأقوى لعبته القديمة المعهودة. بقي الدينغ على قيد الحياة، واختفى نمر تاسمانيا عن وجه الأرض.

     كان لا بد من موت الدينغ في الماضي للتأكد من نقائه النوعي، كانوا يغلون الجثة لإزالة اللحم، ثم يقاس الهيكل العظمي.

    إن الأراضي الأسترالية قديمة جدا، وكأن الزمن توقف في عدة أماكن منها. كهوف أخفيت ثم تكشفت مع مرور الزمن عن أسرار غابت طويلا.

    عثر في جنوب  أستراليا على هيكل الدينغو ذات الثلاثة آلاف عام.

    استراحت بقايا الدينغ تحت حماية صخرية لأكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام. في الفترة التي ظهرت فيها ملامح الدينغ في فنون السكان الأصليين.

    هناك كهف عثر فيه على هيكل الدينغ، عثر عليه العلماء وهم يبحثون عن أثر السكان الأصليين. المدهش هو أن التاريخ يفرج لنا عن أسراره. نعرف أن الدينغ، تنجب صغارها في حزيران، هيكل الدينغ لصغير في السادسة من عمره، ونعرف أن الطوفان في هذه المنطقة يحدث في كانون أول. يحتمل ان يكون الدينغ قد مات في تشرين الثاني ما جعل المياه تغطي المنطقة في  كانون أول. جرى تغطيتها سريعا لهذا حفظ الهيكل جيدا.

   تعود العلاقة بين السكان الأصليين والدينغ إلى زمن بعيد.

   تكمن الطريقة التي تميز فيها العلوم بين الدينغ الحقيقي والهجين في استعمال تقنية الجزيئات الحديثة،  كبصمات الدي إن إيه وهي نفس الأشياء التي استعملت في الدراسات الأبوية، يبحث من خلالها على ما يعرف بالعناصر المجهرية للكلاب. 

     لا يقتصر الهجين بين الكلاب والدينغ على البراري والأرياف، فقد شوهدت الكلاب البرية على أطراف المدينة وسط النفايات.

   حين تكسح الكلاب وسط النفايات يعتقد الجميع مباشرة أنها من الدينغ، ولكن الاحتمال الأرجح هو أنها هجين بين الدينغ وأنواع أخرى. هذا ما يجعلها خطيرة جدا، لأن أحدا لا يتوقع ما ستفعله.

   لا يفاجئ مجيء الدينغ إلى الضواحي، خصوصا أنها بدأت الصلة مع البشر في القرى الآسيوية القديمة قبل آلاف السنين.

   يكمن الخطر في أنها قد تشكل تهديدا للصغار أو الكهول أو الحيوانات الأليفة.

   جاءت إلى أستراليا أيضا ككلاب منزلية، دون أن تنمو وتزدهر حتى جاء الأوروبيون بالمواشي.

   تغادر الأنثى زمرتها الاجتماعية وتذهب للبحث عن وكر للإنجاب، قد يكمن بجحر في جذع شجرة أو حفرة في مكان آمن. عندما تصبح صغارها في سن الرابعة عشر يوما، تخرج الأنثى لإحضار طعام لها، ليتعرفون بهذا على الطعام الصلب لأول مرة.

     من السهل رؤية قدرة القتل لديها بين الحين والآخر.

في أيام السفن المبحرة، كان البحارة ينزلون الماعز في الجزر، تحسبا لتحطم السفن، ولكن الماعز تسبب في أستراليا بمشاكل بيئية حادة،  بددت الحكومات ملايين الدولارات للتخلص منها بطرق تقليدية بالصيد على أشكاله، ولكنها فشلت جميعها.

     تخيل ما قد يحصل إذا دخل شخص إلى منطقة الدينغ.

     عام ألف وتسعمائة وثمانية وسبعين علق شاب من الشرطة في صحراء سيمبسون عند تعطل سيارته. أثناء مشيه ليلا عبر خمسين كيلومترا في الطريق إلى موقعه، تعرض لمطاردة زمر من الدينغ طوال الطريق. حتى أنها قفزت عدة مرات في محاولة لمهاجمته، كان يبعدها بأغصان شجر هائلة، كما أشعل النار في وجهها. حتى تم إنقاذه في اليوم التالي.

     ولكن المؤسف أن هذه مجرد إشارة إلى ما قد يحدث. بعد قليل مقتل طفل يعزز سمعة الدينغ السيئة إلى الأبد.

    يمكن لعالم الطبيعة أن يكون في غاية القسوة، فالكثير من الضواري تستعين بغريزتها القاتلة للبقاء، وعندما يدخل الناس إلى مناطق خاصة بالضواري، تصبح الكوارث على مقربة منّا.

    عام ألف وتسعمائة وثمانين وقعت كارثة في قلب أستراليا عند منطقة أولورو الأسطورية المعروفة سابقا بصخرة إيرز، كان الطفل أساري كيمبيرل  يخيم مع العائلة، أما البقية، فقصة محزنة. 

   كان الدينغ في تلك الفترة يهاجم الخيم المهملة، وأكوام النفايات، وهي تحب الحفاضات المتسخة.

   شكل هذا الحدث المأساوي قضية ترددت أصداءها في مختلف أنحاء العالم.  

   ساءت سمعة الدينغ وصيته.

   في نيسان أبريل من عام ألف وواحد قتل الدينغ مجددا، وقعت الحادثة في جزيرة فرايزر، بالقرب من ولاية كوينزلاند الأسترالية. 

   تعتبر فرايزر أكبر جزيرة رمال في العالم. وقد تحولت إلى حديقة وطنية لتصبح مكانا رائع الجمال من غابات المطر، وقنوات المياه العذبة مئات من أنواع الطيور، ومئات من الدينغ، التي تعتبر هنا من أكثر أنواع الدينغ نقاء في أستراليا، وذلك بفضل عزلتها في الجزيرة، والقوانين التي تمنع دخول الكلاب الأليفة إلى الحديقة الوطنية.

   لا يعتبر الدينغ عدواني في طبيعته  وهذا ينطبق على جميع الحيوانات والكلاب. ولكنهم في جزيرة فرايزر يطعمونها، وحيثما تفقد الحيوانات البرية خوفها من البشر، يمكن أن تصبح خطيرة.

   ما إن تفتح الدينغ في جزيرة فرايزر عيونها حتى ترى البشر، الذين لا يؤذونها، أي أنها لا تخشى البشر، مع أنها متوحشة. لا يمكن الاحتفاظ بثلاثمائة حيوان بري حول ثلاثة أو أربعمائة سائح، لا يمكن أن تتوقع منها عدم المهاجمة نهائيا.

   وفي أحد الأيام غادر طفلين مخيمهما وخرجا في نزهة. طاردهما زوج من الدينغ أنثى وذكر. المأساة هي أن ابن التاسعة قد مات، أما أخيه الأصغر فتعرض لجروح خطيرة قبل إنقاذه من قبل والده، ما شكل صفحة سوداء في سمعة الدينغ.

    في أستراليا، كل الهجمات التي انتهت بالموت، حصلت لأطفال بمفردهم. عادة ما يتم الهجوم على أطفال يفرون. أما سبب ذلك فهو أن الكلاب تحب مهاجمة الأشياء التي تهرب، فالهرب يوحي بضعفها.

     رغم انتشار غريزة القتل بين جميع الكلاب، إلا أن سلوك الكلاب البرية لا يمكن تقديره، لمجرد أن لا أحد يعرف ما هي الجينات التي يتكون منها.

     هنا يطرح السؤال نفسه هل هي من الدينغ، أم كلاب برية؟ والحقيقة أن تحليل الدي إن إيه يحدد ذلك. تعمل الحكومة في أستراليا على مساعدة المزارعين في السيطرة على زمر الكلاب البرية التي تهدد بتدمير الحياة هناك.

     وفي نفس الوقت هناك أشخاص مثل بروس جاكوب يعملون على حماية الدينغ الأصيل كما يحمي أي حيوان آخر.

     استعمل الدينغ غريزة القتل ببراعة ليطارد فريسته في أستراليا منذ آلاف السنين. أما وقد أخذ البشر يلاقون الدينغ في عدة مناسبات، أخذت احتمالات المآسي تتزايد، فهو يعتبر على أي حال العدو الأول للرأي العام.

     عند التأمل بالكلب المنزلي، تأمل مرتين، ربما نجد  ملامح الدينغ يرمقنا بنظراته.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster