لغتنا تواكب العصر

الصحراء الكبرى

الصحراء المغربية        الصحراء الكبرى ضخمة جدا. انها بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدد سكان مدينة نورفولك. لكنها مغايرة وعدائية خلافا لأي مكان على الكوكب. الشاطئ في طنجة يبعد اثنا عشر ميلاُ فقط عن جبل طارق، ولكنه يبدو أفريقياُ بشكل جلي.                    كانت طنجة منذ عشرينيات القرن العشرين حتى خمسينياته مرفأ ً حراً بنى فيه الأوروبيين والأمريكيين فيلات رائعة مغرية بقيمٍ منعدمة واخلاقيات مباحة. أما اليوم فهي جزء من المغرب، والأخلاقيات أقل إباحة. شوارع المدينة القديمة التي جذبت أمثال اوسكار وايلد، وروني كراي وايرول فلين، لم تتغير كثيراً. الردهات الخارجية لكنيسة سان أندرو مكتظة بالنيجيريين الذين عبروا الصحراء في طريقهم الى الشمال.  العديد منهم اعتقل وتم ترحيله عبر الحدود الى الجزائر، لأن حكومتي المغرب والجزائر اعتادتا  إعادة الغير مرغوب فيهم كل إلى بلده.         ليس هناك من طريق للوصول الى الصحراء الكبرى دون عبور جبال الأطلس. تمتد سلسلة من المدايات الشاهقة الطويلة على طول الغرب، ووسطها تقع بعض أقدم المدن في أفريقيا الشمالية.              مدينة فاس. يعتقد بأنها أكثر مدن العصور الوسطى كمالاً في العالم الإسلامي.        هناك نقطة تقف عندها السيارات للتنقل على الحمير.        حالما تكون داخل أسوارها ستشعر بحالة من الدهشة، ولكنها تبهج كل الأحاسيس، البصر والسمع والشم.               هناك ممرات ضيقة تجد نفسك فجأة وسط مساحات شاسعة عدة، لم يسبق أن رأيت شيئا كهذا في مكان آخر من قبل. انه شيء لا يصدق، ما يجري هناك بوضوح،  أنهم يصبغون ويدبغون كل الألوان المختلفة.         انها مراحل مختلفة من معالجة جلود الحيوان.. هناك آلة الغسيل، وبعدها تأخذ الجلد الى الوجار مع بعض الكلس وروث الحمام.               بدأت فاس في إنتاج الجلود وبيعها داخل أسواق مفتوحة، أحيانا ما كانت تصل إلى أوروبا أي أنها قديمة فعلا.        يبدو أن عمرها أكثر من ألف عام، أو شيء من هذا القبيل.         فاس مدينة خيالية ساحرة.        إن كانت فاس محافظة قليلا، فان مراكش منفتحة أكثر، حين تصلها تزدهي وتتباهى بها، مهما كان الأمر وبلغت التكلفة.        من مراكش الى الصحراء، كلها صعوداً، تمر قبل أي شيء عبر مناطق البربر.         تقع قرية آريمد البربرية على ارتفاع ثمانية آلاف قدم في جبال الأطلس، وهي قرية مموهة من السهل إضاعتها. إنها باردة وغير مضيافة .        البربر  أقلية في المغرب وسط السكان العرب. أبراج بلدة آيت بن هادو جميلة جدا، ولكن من الصعب معرفة أيها مصنوع  من أرض الصحراء الحمراء الغنية وأيها مصنوع من الجص.        الحقيقة والوهم في هوليوود المغاربية هذه تلعبان خدعا غريبة.        علامات الحياة من الآن فصاعدا، أصبحت قليلة ومتباعدة.         وخلافا للمغرب فان الصحراء الكبرى غير ودية. إنها قاسية معادية وهي تبدو من الآن وصاعدا بالغة الجدية.        تقع أراضي الصحراء الغربية المتنازع عليها إلى جنوب وغرب المغرب،  كانت هذه المناطق في الماضي مستعمرة إسبانية، ولكنهم عندما غادروها عام ألف وتسعمائة وخمسة وسبعون، دخلها المغاربة، واجبر السكان الذين رفضوا أن يصبحوا مغاربة على الفرار. فمنحوا ارضا بالقرب من تندوف في الجزائر لإقامة أربعة مخيمات مؤقتة للاجئين، حيث ما زالوا يقيمون منذ أكثر من ربع قرن.         تدعى منظمتهم السياسية والعسكرية "جبهة البوليساريو"، وظيفتهم هي ابقاء العلم يرفرف، وهم متأكدين من أن العالم لم ينس محنتهم كما يعملون أيضا على تأمين الغذاء والماء لما يقارب مائتي ألف شخص  في أكثر زوايا الصحراء فجاجة        يعتبر مخيم  سمارا ثاني أكبر مخيمات اللاجئين إذ يسكنه حوالي أربعون ألف نسمة. ما كان يمكن التفكير قبل عشر سنوات في مخيم سمارا بوجود مركز تجاري للسوق  رغم  ضروراته الأساسية. وقد وافقت الحكومة الإسبانية مؤخرا على دفع تعويضات لأولئك الذين خدموا في جيشها.           هذا ما ضمن مالاً كافياً لبعض اللاجئين لبدء مشاريعهم الخاصة.   بالنسبة لهم المستقبل واضح، سيواصلون القتال حتى النهاية.                                                                                 على بعد ميل واحد عبر الوادي يوجد جدار بناه المغاربة لإبقاء البوليساريو خارج ما يعتبرونه وطنهم الأم. يمتد الجدار على طول ألف وخمسمائة ميل، وهناك مائة وخمسون ألف من القوات المغربية تسيّر دوريات لحراسته. الوضع إلى حد ما متوتر منذ تخلت البوليساريو  عن وقف إطلاق النار ولم تُسأل إذا ما كان رالي باريس-داكار سيمر عبر أراضيها، لذا يعتبر الوضع خطيرا إلى حد ما.               ربما تكون البوليساريو قد تخلت عن وقف اطلاق النار الذي طال عشر سنوات مع المغاربة، ولكن وحدة الجيش بالقرب من الجدار تبدو غير مجهزة للعودة إلىالسلاح.لديهم تجهيزات بدائية، وقليل من الرشاشات المضادة للطيران على ظهر شاحنات بيك – آب، ودبابات روسية مستخدمة من قبل الجزائريين.   لا شك بشجاعتهم، ولكن من الواضح تماما أنه إذا أراد هؤلاء المحاربون المنفيون استعادة أراضيهم فقد لا يتم ذلك عبر البندقية بل من خلال الاستفتاء.                      "زويرات" شركة في  بلدة ، غنية  بالحديد الخام  تحول هذه الزاوية من الصحراء إلى ثروة تعادل ملايين الدولارات. فالحديد الخام غالبا ما يدر نصف إيرادات موريتانيا الخارجية وإنتاجه المستمر على مدار الساعة يملأ القطارات الضخمة التي تحمله بعيداً.               رغم وجود المنجم، زوعرات مليئة بالفقر الشديد.        يتم هناك تدوير كل شيء، فبرميل النفط لا يتحول إلى جدار منزل فحسب بل إلى سقف وأبواب وجدران حديقة.  يبدو أن "فورت ساغاني" تمثل شيئاً جوهريا ضمن الأمبراطورية الفرنسية في إفريقيا، الا وهو فيلق فرنسا الأجنبي العظيم  مجد فرنسا، ثم أصبحت لقوة ألمانية، ولكن الإنجليز يعتبرونه لهم. استخدم هذا المكان مؤخراً من قبل جيرارد دس باردو في فيلم بعنوان "فورت ساغاني" أو حصن ساغاني ما يدهش هو المشهد المثير المطل من جهة على "شينغويتي" وهي مدينة هامة لدى المسلمين هناك وفي الجهة الأخرى نوع من الكثبان الرملية لا ترى إلا على غلاف علب التمر.         حرارة منتصف النهار شديدة جداً، أنها فوق أربعين درجة مئوية.  تبدأ الحياة في بلدة شينغويتي في ساعات ما قبل الظلام وعندها تتحول الشوارع إلى أماكن للقاءات الناس، وملاعب وساحات للرياضة.  هناك إحدى رياضات الصحراء في موريتانيا اسمها دايمون.  لعبة أشبه ما تكون بالداما.  كل ما تحتاجه في اللعب هو العيدان وكثير من بعر الجمال. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل