سنتحدث هنا عن ديمغرافية البشر، وأستطلاع الرأي، ومفهوم الاعراق، فلا تذهب بعيدا.
في الحادي عشر من تموز يوليو من العام 1987، احتفلت البشرية بيوم ميلاد لم يسبق له مثيل. ففي ذلك اليوم، وفق احصائيات هيئة الامم المتحده بلغ عدد سكان الكرة الارضية خمسة بلايين نسمه. عدد السكان ينمو بنسب خطيره. فهل يمكن ان تتوقف يوما ما؟
مع بداية القرن المنصرم بلغ عدد سكان العالم ثمانمئة مليون نسمه. لتقفز عام 1987 الى الخمسة بلايين. وبعد مئة عام من الآن ستقفز الى الاحد عشر بليون. ماذا سيحدث حينها؟
يتوقع علماء الديمغرافية ان عدد السكان حينها سيستقر. الا انهم قلقون بين اليوم والغد على تأثيرات الأنفجار السكاني الذي قد يحدث في المناطق الاشد فقرا في العالم.
اذ اننا نشهد اليوم على انقسام العالم الى جزئين، تقف فيه البلدان الفقيرة جانبا.
تعاني البلدان الفقيرة من صعوبات كبيرة في تنمية شعوبها، التي لم يبلغ اكثر من نصفهم سن العشرين بعد.
النصف الاخر من العالم يتمثل بالبلدان الغنيه. والتي يتقدم سكانها بالسن وهم بالكاد يستطيعون انجاب البديلين عنهم.
في محاولة للتنبوء بالتوزع الديمغرافي عالميا، يقوم الديمغرافيون بأجراء مقارنات بين المواليد والاموات والمهاجرين.
تساعدهم هذه المقاييس على دراسة حركة السكان بشكل سنوي.
يتبدل السكان بأستمرار حسب اكتسابهم وفقدانهم للافراد.التوالد والهجرة يعنيان الكسب، بينما يعني الموت والهجرة المعاكسة الخساره.
الصلة بين هذه العناصر هي ما يسمح للاخصائيين بقياس تنامي نسبة السكان.
التوالد والوفيات بين سكان البلدان الغنية متساويان، ما يوضح ان نسبة نموها منعدمه.
بينما ترتفع نسبة النمو في البلدان الفقيرة نتيجة زيادة التوالد عن الوفيات.
الخصوبة هي عنصر حاسم اخر في هذه المعادله. اذ انها تتعلق بعدد الأطفال مقابل كل امرأه.يحدد هذا المقياس قدرة السكان على تجديد انفسهم.
خصوبة النساء في المجتمعات الغربية تعادل اثنين. وهي النسبة المطلوبة للسكان كي يحافظوا على عدد الاشخاص نفسه بين الجيل والاخر.
تعتبر نسبة الخصوبة في غالبية بلدان العالم الثالث مرتفعه. في افريقيا واسيا والشرق الاوسط على سبيل المثال يصل معدل الخصوبة الى خمسه، في حين يرتفع احيانا اخرى ليقارب الثمانية اطفال لكل امرأه.
مؤشر هام اخر على التغير الديمغرافي له صلة بالتوزع السكاني على الاعمار.
يشار الى هذه التركيبة من خلال التدرج الهرمي للاعمار، وذلك بتحديد نسبة اعداد السكان من مجموعة اعمار محدده وفي فترة تاريخية محدده.
كلما اتسعت قاعدة الهرم، كلما ازداد عدد الشبان، او اباء المستقبل.هذا هو نوع الهرم الذي يميز غالبية البلدان الناميه، كالمكسيك مثلا.
اما في البلدان المتقدمه بالمقابل نرى ان القاعدة الهرمية للاعمار اقل ضيقا، لتشير الى قلة الاطفال. هرمية الاعمار هي احصاءات يمكن الاعتماد عليها.
والحقيقة ان اطفال اقل تعني اباء اقل لدى الجيل المقبل.
بعد جمع مختلف ملاحظاتهم معا، توصل الديمغرافيون الى مجموعة من النتائج المحدده. يؤكد اكثرهم تشاؤما ان الانفجار في اعداد الأطفال المقبل سيتم في البلدان الفقيره. الا ان الاعداد ستتضاءل على المدى المتوسط نتيجة قلة الاغذيه، التي ستزيد من نسبة الوفيات.
يمكن ان نرى تضاؤل النمو السكاني الناجم عن قلة الاغذية في العديد من الانواع، فمثلا اذا وضعنا بعض الباكتيريا في اجواء غذائية ملائمه ستتضاعف اعدادها مع مرور كل وحدة زمنيه.
حتى يصل نموهم الى مستويات غير محدده. مع ذلك يتوقف نموهم السريع هذا حين لا تعد الاغذية كافية لضمان هذا النمو.
لا يؤمن غالبية علماء الديموغرافيا بأنطباق هذا النموذج من النمو على الجنس البشري. ويؤكدون ان النمو السكاني في العالم سيستقر عند نقطة محدده. ليس لفقدان الاغذيه بل لاننا سندخل في مرحلة من التحول الديمغرافي.
وفقا لهذه النظريه، يغير تحديث المجتمعات في المفاهيم الديمغرافية. كان المقياس القديم يقارن بين ارتفاع نسبة التوالد ونسبة الوفيات.
كان هذا هو السائد في غالبية انحاء العالم، بما في ذلك اوروبا وامريكا الشماليه قبل ما يزيد عن مئة عام.
اما الديمغرافية هذه الايام فتتميز في البلدان الغنيه بنسب قليلة من التوالد ونسب قليلة من الوفيات. تتأثر هذه المتغيرات بتحسن مستوى المعيشة والعناية الصحية، كما وبتغيير المفاهيم.
يعتقد ايضا انه مع الوقت ستسود هذه المقاييس ايضا في البلدان الفقيره. على اعتبار ان مراحل التحول وحدها السبب في عدم التوازن هذا.
بما ان الوفيات تتضاءل بسرعة اكبر من الخصوبه، سيسجل نمو واضح بعدد السكان.
يعتقد غالبية العلماء ان عدد السكان سيتضاعف للمرة الاخيرة خلال المئة عام المقبله، الى ان يستقر. السواد الاعظم من هذا النمو ستشهده بلدان العالم الثالث.
ويعتقد انه سيكون هناك ما يكفي من المصادر لاطعام الجميع. ولكن لا احد يستطيع التنبوء بعد فيما اذا كانت هذه المصادر ستوزع بعدالة اكبر حول العالم.
*************
كان غالبية رجال السياسة ورجال الدين والقادة العسكرين في العصور القديمة يستشيرون الكهنة قبل اتخاذ اي من القرارات الهامه.
اما زعماء اليوم فلا يحتاجون بعد لمثل هذه الاستشارات، اذ يفضلوا ان تحل محلها اصوات المقترعين.
على خلاف الاحصاءات التي تتوزع فيها الاسئلة على جميع السكان، يعتمد الاقتراع او استطلاع الرأي على مجموعة صغيرة من السكان.
يستهدف الاقتراع، حسب ما هو متعارف عليه، انتخاب نماذج من الافراد موزعين حسب الاعمار، والجنس او المهن وفق تركيبة المجتمع.
نظريا النموذج الانسب لتمثيل مجموع السكان هو الأختيار العشوائي للافراد.
النموذج الذي يتم انتخابه عشوائيا او المعروف بلقب نموذج الاحتمال، يضمن ان يكون لكل عضو في المجتمع ممثلا في هذا النموذج.
بالاعتماد على هذه اللوائح يقومون برسم خطوطهم. على سبيل المثال، ان يتم اختيار الشخص الاول عشوائيا، ومن ثم نتخطى الف شخص في اللائحة، وهكذا دواليك.
يطلب من الاشخاص المنتخبين بعدها ان يجيبوا على مجموعة من الاسئلة على الهاتف.
يمكن ان يتم ذلك بأختيار شقة في مبنى لطرح اسئلة عائلية من بين خمسة شقق، او طرق باب في هذا المبنى بين كل ثلاثة ابواب .
يمكن الاعتماد جديا على الاحصاءات العشوائية هذه، كما يمكن تحديد دقتها. ولكن قلما يمكن الثقة بها لانها تحتاج الى لوائح كاملة للسكان، لهذا يفضل الجميع الاعتماد على نماذج النخبة التمثيلية المحدده.
النخبة التمثيليه هي مجموعة مصغره من الاشخاص الذين يمثلون بدقة تركيبة المجتمع الذي يخضع للدراسه.
عند تشكيل النخبة التمثيليه، يعمل الخبراء على ان تعكس هذه النخبة تشكيلة المجتمع بدقه.
على سبيل المثال نسبة الرجال هي ثمانية واربعين بالمئه من النموذج بينما المرأة اثنين وخمسين، كما هو الحال بالنسبة للمجتمع ككل.
يمكن ان يكون النموذج اكثر مصداقيه اخذا بعين الاعتبار نسب السن والجنس والمهن.
النخبة التمثيلية تقدم سهولة في التعامل وكلفة اقل من تقنيات الاستطلاع الاخرى، بما ان المستطلع يعرف مسبقا اي نوع من الناس سيقابل.
نوعية الاستطلاع في النخبة التمثيلية تعتمد بشكل رئيسي على من يجري المقابلات. فأذا ما فشل في تطبيق النموذج بدقه، ستتأثر مصداقية الاستطلاع جديا.
تتطلب النخبة التمثيليه معلومات مفصله حول السكان. في اغلب الاحيان تجري هذه الاستطلاعات اجهزة مختصه لا تورد اسم الشخص وعنوانه.
علما ان هذه المعلومات مؤرخه. ولا تمتلك الكثير من البلدان اي احصاءات تذكر.الا ان تقنية احصائيه سليمه قد توازي غياب نخبة تمثيلية تعتمد على احدث الاحصاءات في البلد.
يكمن ذلك بتحديد المعلومات بمعاينة صور الأقمار الصناعيه.
تضمن هذه التقنية معلومات حديثة يمكن استخدامها حول سكان المدينه.
تكمن الخطوة الاولى بأختيار احياء سكنية برسومات منظمه. يتم ذلك اولا بوضع قصاصة ورقية على صورة القمر الصناعي،واختيار الوحدات التي تقع عند تقاطع الطرق .
ومن ثم يتم اختيار صاحب البيت الذي سيخضع للاستطلاع عشوائيا من كل حي.ايا كانت التقنية المتبعه لا بد لنتيجة الاستطلاع ان تمر بمراحل من التحليل المعقد.
يعالج الاستطلاع المتخصص النتائج احصائيا.
ليحدد التحليل احتمالات الخطأ الوارده، التي تعتمد بين امور اخرى، على تجاوب النموذج وطريقة اختياره، ما يعرف بتصميم النماذج.
على سبيل المثال احتمال الخطأ في استطلاع اجري لالف شخص سيكون اقل بكثير من نظيره الذي اخضع له مئة شخص.
احتمالات الخطأ تعتمد ايضا على الفارق في النتائج.فعلى سبيل المثال حين يجيب ثمانين بالمئه من الاشخاص بأنهم سيصوتون لصالح المرشح الفلاني، هناك احتمال شبه مؤكد بفوز هذا المرشح.
تجرى اليوم كميات كبيرة من استطلاعات الرأي التي تمنح الخبراء معلومات متكامله عن المجالات الحياتيه المختلف، الاقتصاديه والسياسية والثقافيه. ولكن هل نحن متأثرين بأستطلاعات الرأي؟
كثيرا ما يكون موضوع استطلاع الرأي يستحق الاهتمام.
************
هناك مسألة رئيسيه تحدد القيمة العلمية لاي استطلاع، وهي انه يمنح الاجابات واراء اصحابه الاهمية نفسها. مع ان الناس لم يعتبروا يوما متساوين، كما يرد في التعريف القديم لمفهوم العرق البشري.
يتم تعريف العرق من خلال تحديد السمات التي تتقاسمها مجموعة محدده من الناس. ولكن كيف يتم اختيار هذه السمات؟
يصنف التعريف القديم انواع البشر وفق سماتها الفيزيائية المرئيه. وقد رفض هذا التعريف اليوم بعد اكتشاف الجينات.
كتب المستطلعون في القرن الثامن عشر، وكثيرا ما كانوا يبالغون، ان العلماء قد اجروا مقارنات بين السمات الفيزيائية للسود والبيض.
وقد وصف السود بأن لهم انف افطس، ورأس مدفوع الى الخلف، واسنان بارزة بوضوح.
يوحي هذا الوصف بأن البشر ينحدرون من سلالات مختلفه، علما ان الجنس البشري يمكن ان يتوالد بين بعضه البعض، بغض النظر عن عرقه واصوله.
هذا هو التعريف البيولوجي للعرق البشري. والذي يعترف بأن جميع البشر هم من نوع واحد واصول مشتركه.
الا ان حقيقة اصول البشر المشتركه لم تضع حدا لمبدأ العرق، الذي يؤكد ان قيم افراد من الناس تعتمد فقط على اشكالهم الفيزيائيه.
اسهاما في ايضاح هذا التعريف الغامض اسس العلماء الأوروبيون في القرن التاسع عشر ما يعرف بعلم الجماجم. اما الهدف منه فهو اجراء مقارنة بين حجم الجمجمة الانسانية ومستوى الذكاء.
وقد استقر الرأي على ان حجم الجمجمه يجب الا يقل عن الالف واربعمئه سنتمتر مكعب. علما ان العرق الوحيد الذي يصل فيه حجم الجمجمة الى هذا الحد هو العرق الابيض.
وقد اكتشف فيما بعد ان حجم عدد من الفائزين بجوائز نوبل لم يصل الى هذا الحد. ما يخطيء نظرية علم الجماجم تماما.
لهذا بقي تعريف العرق يسير على غير هدى. وفق دراسات السمات، كلون البشرة والطول على سبيل المثال، كان عدد الاعراق يقارب الثلاثة والستون.
مع اكتشافات القرن العشرين والجينات،حاول العلماء الاسهام في تعريف اكثر موضوعية عن العرق، فتخلوا عن تعريف الناس حسب سماتهم وعاداتهم الى ما هنالك...
بل اخذ التصنيف يعتمد على مجموعات الجينات، اي حسب الجينات التي يتقاسمونها.
تعزز هذا المبدأ بالقول ان جينة واحده او اكثر يمكن ان تتواجد بكميات كبيرة لدى بعض الناس، بينما تغيب نهائيا عن سواهم. ما يعني ان هوية الجينات هي ما يحدد اعراق البشر.
اكتشاف ال ABO في الدم البشري عام الف وتسعمئه، فتح المجال للمرة الاولى الى عالم الجينات، اي مزايا الجينات المختبئة في البشر.
نظام ال ABO جعل من الممكن مقارنة الجينات بين ابناء البشر. والحقيقة ان مجموعات الدم المختلفه تعود لتركيبات محدده من الجينات.وقد حسب العلماء النسب التقريبية لتركيبات الجينات في البشر. و تمكنوا من اثبات ان تركيبات الجينات تختلف بين مجموعة من البشر واخرى.
على سبيل المثال بين سكان اوروبا نسبة جينات B تقل في الشرق مقارنة مع الغرب.
علما ان الفوارق الجينيه لا تعكس وجود مجموعتين عرقيتين. وما يثير الدهشة اكثر ان البحوث اكدت وجود فوارق اكبر بين المناطق الجغرافية منها بين الاعراق.
شخصين من السكان انفسهم قد يبدون فيزيائيا بالشكل نفسه اما الجينات لديهما فتختلف تماما. كما يمكن ان تتشابه الجينات جدا شخصين من لونين مختلفين .
تؤكد الدراسات انه لا توجد حدود فاصله بين البشر، بل هناك تماسك ثابت.
يؤكد علماء التاريخ ان تشابه الجينات بين الناس يمكن ان يعتمد على اصولها المشتركة، التي ربما كانت من افريقيا ، وعلى الهجرات المتكررة لبني البشر.
الفوارق الفيزيائية بين الناس، قد تعود الى قدرات اسلافنا في التعود على المناخات المتعدده.
ففي البلدان الحاره تساعد البشرة السوداء على الحماية من اشعة الشمس واشعتها ما فوق البنفسجيه، على اعتبار ان الصباغ الأسود يمتص هذه الاشعه.
اما في البلدان التي تكون فيها حرارة الشمس اقل كثافة، فالبشرة البيضاء اكثر نفعا بما انها تمتص الاشعة ما فوق البنفسجية التي تنتج فيتامينD.
بالنسبة لعلماء الجينات، ليس لمفهوم العرق اي اسس بيولوجيه. بل ان هذا المفهوم ناجم عن اعتبارات تتعلق بمخيلة المجتمع. فما وصلت اليه الاثباتات العلمية اليوم يؤكد الا دلائل واضحه تسمح لنا برسم الحدود بين البشر.
بهواجهسهم واصرارهم على تحديد الأعراق تجاهل اجدادنا عنصرا هاما، وهو ان لاي رجل القدرة على انجاب طفل من اي امرأه، وهذه مسألة واضحه، حتى اننا نستطيع الجزم، بأن اكثر من خمسة الاف طفل قد ولدوا في هذا العالم منذ بدء هذه الحلقه وحتى هذا اللحظه.
--------------------انتهت.
