|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
فيديل كاسترو
اجتمعتُ في الساعة التاسعة من صباح الحادي والعشرين من
أيلول/سبتمبر الجاري بأكثر من 600 مسافر ضمن الرحلة البحرية من
أجل السلام "Peace
Boat"،
وجميعهم تقريباً يابانيون، ومن بينهم ناجية من عملية القتل
الجماعي في مدينة هيروشيما، كانت في الثانية من عمرها عندما
وقع ذلك الحدث.
التلفزيون الوطني الكوبي نقل وقائع اللقاء، لكن الترجمة في قاعة قصر
المؤتمرات لم تكن ترجمة فورية وكانت أصوات الرفيقات اللواتي قمن بهذه
المهمة الصعبة تطغى على كلماتي. ولذلك، فقد قررت أن أكتب تأملاً حول
هذا الموضوع.
استغلّيت الفرصة لكي أوجز ما قلته وأنظّم بشكل أفضل الأفكار التي
نقلتها بوفاء مطلَق لمضمون ما قيل.
ما قاله باقي الأشخاص المشاركين سأنقله كاملاً.
بالرغم مما بذلته من جهد جاء التأمل طويلاً، إذ أن اللقاء استغرق
ساعتين ونصف الساعة، ولهذا فقد قررت أن أقسمه إلى ثلاثة أجزاء، سيتم
نشرها على مدى ثلاثة أيام متتالية.
بدأ اللقاء بكلمة ألقتها رئيسة المعهد الكوبي للصداقة مع الشعوب، كينيا
سيرّانو:
صباح الخير:
في الثالث من أيلول/سبتمبر الجاري بعث مدير المنظمة غير حكومية "رحلات
بحرية من أجل السلام"، السيد يوشيوكا تاتسويا، لقائدنا العام برسالة
يطلب منه فيها استقبال المسؤولين ضمن الرحلة والناجية من هيروشيما
وناغازاكي الآتية على متنها؛ القائد العام وافق على الطلب، كما دعا
بسرور وفداً واسعاً من المسافرين للمشاركة في اللقاء.
إننا نشارك في هذا اللقاء اليوم، الموافق الحادي والعشرين من
أيلول/سبتمبر، الذي أعلنته منظمة الأمم المتحدة يوماً عالمياً من أجل
السلام، وطبعاً، وفي ما سيشكل ذكرى خالدة بالنسبة لنا، بحضور قائدنا
العام العزيز فيدل كاسترو روز (تصفيق).
يتواجد ضمن طاولة رئاسة لقائنا السيد ناو إينوي، مدير هذه الرحلة
البحرية من أجل السلام (تصفيق)؛ السيدة ماتسومي ماتسومورا، وهي أيضاً
من طاقم "الرحلة البحرية من أجل السلام"، والتي ستساعدنا في ترجمة هذا
اللقاء إلى الإسبانية (تصفيق)؛ والسيدة جونكو واتانابي، عضو حركة
"هيباكوشا"، وهي ناجية من هيروشيما وناغازاكي؛ والبروفيسورة سوسانا
غارسيّا، من جامعة هافانا، والتي تساعد أيضاً في نقل هذا الحوار إلى
اليابانية، كما تلاحظون (تصفيق).
أيها القائد...
القائد العام:
ماذا عليّ أنا، أن ألقي خطاباًُ؟
كينيا سيرّانو:
أن تتوجهوا بالتحيّة، فجميعنا توّاقون لذلك؟
القائد العام:
لا، لقد أتيت أنا للرد على الأسئلة، هذه هي الحقيقة. سألتُ ما الذي
عليّ أن أفعله ولم يرد عليّ أحد بشيء.
الواقع أنني أودّ أولاً أن أشكركم على ما يعنيه هذا من شرف بالنسبة لي.
لقد كنت غائباً بعض الشيء، كما تعرفون، كنت أقرأ الصحف؛ ولكنني ضيّعت
الكثير من لقاءاتكم، لأنني عرفت بعد ذلك كل القصة بالتفصيل. لقد تعلمت
الكثير منكم: المرّات التي تواجدتم فيها في كوبا، حيث بدأتم عام 1990،
وعدتم في الأعوام 1995 و1997 و1998؛ وفي الأعوام 2000 و20001 و2002
مرتين؛ ثم في الأعوام 2005 و2007 و2009، واليوم، في ما بلغ حسبما علمي
14 رحلة.
حسناً، المسألة أنه حين تلقيتُ الدعوة، أسعدني أن أتمكّن من التحدث
إليكم نظراً لأهمية اللحظة التي نعيشها، فهي ليست كأي لحظة أخرى؛
وبالإضافة لذلك، انطلاقاً من شعور بالامتنان، إذ أنني أعرف تضامنكم على
مدار كل هذه السنوات والصعوبات والتحركات النضالية ضد أنواع الحصار
وعَلَم وجنسية السفينة نفسها، والمرافئ التي تستطيعون أو لا تستطيعون
الرسّو فيها، وإن كان يتم تزويدكم بالوقود أم لا، وغيرها من الحماقات
المشابهة المرتكبة من قبل خصمنا الرئيسي، الذي لن يكون بالوسع أبداً
عبر أساليبه الوصول إلى عالم تفاهم وسلام على وجه كوكبنا الأرضي.
استذكاراً منّي لشعاركم، ذي القيمة الخاصة جداً بنظري: "تعلّم من حروب
الماضي لكي تبني مستقبل سلام"، وهي بدون شك عبارة سيكون لها مغزى
دائماً، ولكن مغزاها في هذه اللحظات أقوى من أي لحظة أخرى أبداً؛ أتجرأ
على القول، من دون أن أخشى الوقوع في خطأ، بأن تاريخ البشرية لم يشهد
لحظة بالغة الخطورة كاللحظة الراهنة. وهكذا فإن الأمر لا يتعلّق بمجرّد
رحلة، يتعلّق الأمر بكفاح فعلي، جاد، ويمكن إثبات قولي هذا، آمل أن
نتمكن من خلال تبادلنا من التعرف على أفكار بعضنا البعض أو على الصيغ
الممكنة؛ الحلول الواقعية، وليس مجرّد التعبير عن أماني نبيلة.
برأيي أن للقاء أهمية كبيرة جداً، وذلك بالذات لما راكمتموه من خبرة
حول هذا الموضوع.
حلّت في هذه الأيام ذكرى سنوية جديدة على ذلك العمل الهمجي والفريد
الذي تم فيه وللمرة الأولى استخدام الأسلحة النووية وإلقائها على مدن
مسالمة.
الحقيقة أن العالم بأسره استذكر كثيراً ما حدث في هيروشيما يوم السادس
من آب/أغسطس 1945. أذكر أنه عندما ورد النبأ، كنت أنا قد أنهيت دراستي
الثانوية، وكنتُ في زيارة صيفية لسنتياغو دي كوبا، ولم يكن عند أحد أي
فكرة عن وجود سلاح من هذا النوع. أظن أنه بعد ذلك بثلاثة أيام تم إلقاء
القنبلة الذرّية الثانية.
يمكنني أن أحكي المزيد عن هذا في ما بعد، عما انتابني من شعور وما كان
عليه رأيي طوال حياتي بذلك العمل؛ ولكنه مجرد مثال على الأشياء التي
تساعد المرء على اكتساب الوعي، لأن عرض كل ما حدث هناك والأذى البشري
الذي ألحقه، رغم كل ما انقضى من وقت، عاد ليحرّك مشاعر وشجون الرأي
العام العالمي. لا أظن أن شيئاً آخر أشد من هذا تعبيراً عمّا هي الحرب
قد حدث.
حسناً، أظن أنني قد أخذت الكثير من الوقت لهذه الكلمات الأولى. نريد أن
نسمعكم أنتم. أنا على استعداد للرد على أي سؤال ترغبون بتوجيهه لي، في
أي مجال كان. ليس لديّ أسراراً من أي نوع كان، يمكن تناول أي موضوع
كان.
بودّي أن أسأل مترجمتنا كيف سارت عليه أمورها. أنتِ، أنتِ (ضحك
وتصفيق).
المترجمة:
بشكل جيد، يبدو أنه بشكل جيد، أيها القائد العام.
القائد العام:
جيد جداً.
كينيا سيرّانو:
شكراً، أيها القائد العام.
سيد ناو إينوي، من فضلك.
ناو إينوي:
صباح الخير! (رد الجموع: "صباح الخير!)
قبل كل شيء، بودّي أن أعبر عن امتناننا العميق لاستقبال حضرتكم لنا هذه
المرة.
اسمي ناو أينوي، مدير الرحلة البحرية في جولتها السبعين. أود أن أتوجّه
بكلمة وجيزة إليكم باسم جميع أعضاء "Peace
Boat".
يبدو لنا بوضوح أن حضرتكم تعرفون الكثير عن منظمتنا. أسَّسنا هذه
المنظمة عام 1983، منذ أكثر من 27 سنة. قمنا حتّى الآن بسبعين رحلة
بحرية عالمية شارك فيها أكثر من 40 ألف ياباني.
كما تعرفون حضرتكم، قمنا حتى الآن بأربع عشرة رحلة إلى كوبا، ورحلة هذه
السنة هامة جداً بالنسبة لنا، لأنها تتوافق مع الذكرى العشرين، ولهذا
فإنه يكتسي أهمية كبيرة اللقاء بكم والتعرف إليكم مباشرة، أيها القائد
العام.
على مدار هذه السنوات العشرين الخالية، ركّزنا كل جهدنا على أن نكون
جسراً بين الشعب الكوبي والشعب الياباني، كما أننا وقفنا دائماً ضد
الحصار الجائر، الجائر بالفعل.
نحن نرى أنه من الهام جداً أن نظل جسراً، ليس فقط بين الشعبين الكوبي
والياباني، وإنما إدراج البلدان الأمريكية اللاتينية أيضاً. الدافع
لعملنا الدؤوب في هذا المجال هو الدعوة لعالم سلام ومستدام، على رأسه
كوبا، وقد شرعنا بتعميق عرى الصداقة والأخوّة مع كل من فنزويلا
وإكوادور ونيكاراغوا. من بين هذه البلدان، البلد الذي زرناه في أكبر
عدد من المرات هو كوبا. سوف تتاح لنا الفرصة أيضاً للتعرف إلى الرئيس
النيكاراغوي، السيد دانييل أورتيغا.
بمناسبة تعميق أواصر الصداقة والأخوّة بين شعوب مجموعة "ألبا"
واليابان، ها قد شرعنا بتنفيذ مشروع أُطلق عليه اسم "الرحلة البحرية
الشبابية ’للألبا‘"، ندعو في إطاره شباناً من بلدان مجموعة "البا"
للسفر معنا، ونجري لقاءات ومحافل ومحاضرات بحثية، وبودّنا أن نطلب من
حضرتكم، أيها القائد العام، أن تدعمونا في هذا المشروع.
وكما ذكرتم حضرتكم، نحن البلد الوحيد الذي تعرّض لقنبلة نووية، فنرى أن
واجبنا وكذلك مهمتنا توجيه رسائل من أجل عالم خالٍ من الأسلحة النووية،
وفي سبيل القضاء على الأسلحة النووية بودّنا أيضاً أن نتعاون معكم.
أردنا أن نذكر هنا أيضاً أن اليابان، بلدنا، لديه دستوراً مسالماً،
يتخلّى بموجبه عن الحروب وكذلك عن أسلحة الدمار الشامل.
كما علمنا في البلدان الأمريكية اللاتينية أن لديكم دستوراً مسالماً
أيضاً، كما تمنعون وجود قواعد عسكرية أجنبية. ونحن نفكّر بأن نطرح على
منظمة الأمم المتحدة، العمل على توجيه جميع بلدان العالم نحو حيازة مثل
هذا الدستور المسالم الرائع.
لا نريد الحرب أبداً، ليس بمقدورنا أن نسمح باستخدام السلاح النووي
أبداً. وكما يقول الناجون من هيروشيما وناغازاكي دائماً: "لا نريد
تكرار هذا النوع من المأساة الهمجية". نريد أن نقيم عالماً، والمجتمع
الذي يريد الناس أن يعيشوا فيه، لا يريدونه مجتمعاً فيه فقر ومثل هذه
الأمور. لهذا نحن نعتبر أنه من الهام جداً أن يكون لدى جميع البلدان
هذا النوع من الدستور. لقد قطعنا العهد بأن نقيم عالماً بلا فقر، بلا
جوع، وإنما وافر السعادة ومستداماً.
وأخيراً، أيها القائد العام، أنا معجب جداً بحضرتكم (ضحك وتصفيق). يبدو
أننا جميعاً معجبون بحضرتكم.
نحن نعلم بأن حضرتك مشغول جداً، ولكننا نريد دعوتكم للسفر معنا على متن
السفينة حتى نيكاراغوا. ما هو رأيكم؟ (تصفيق) ماذا ترون؟ (تصفيق)
القائد العام:
رائع! (تصفيق)
ناو إينوي:
سوف أنهي كلمتي بالدعوة. شكراً جزيلاً (تصفيق)
القائد العام:
لن يكون ذلك في موسم الأعاصير، أليس كذلك؟ (ضحك)
قيل لي بأنكم ستصلون يوم أمس، ولكن كان هناك بعض الأعاصير في الأطلسي.
في نهاية الأمر، في أي ساعة وصلتم؟
ناو إينوي:
وصلنا في الساعة الخامسة صباحاً.
القائد العام:
وهل يمكن معرفة سرعة الـ "Peace
Boat"؟
(ضحك)
ناو إينوي:
أشبة ما تكون بسرعة دراجة سريعة تقريباً (ضحك).
القائد العام:
حسناً، هذا يعتمد، فالبطلة الرياضية أظن أن سرعتها تزيد عن الستين
كيلومتراً في الساعة (ضحك).
أظن أنه في هذا الزمن، يجب على "البيس بوت" أن تسير بسرعة أكبر، فلفّ
العام أصبحت عجالته أكبر (تصفيق).
من واجبي أيضاً أن أتقدم منكم باعتذار. وردتنا أنباء يوم أمس بالذات
صباحاً، وشرعت بالتفكير في كيفية اجتماعي إليكم، إذ قيل لي بأنكم طلبتم
أن يكون الاجتماع مع بعضكم، فقلت: "حسناً، إذا كان بالوسع، سأحاول أن
أحييهم جميعاً"، غير أنني لم أكن أعرف ساعة وصولكم، كما أنه كان لديكم
برنامجاً يغطي اليوم كلّه. حسناً، ما العمل في سبيل عدم عرقلة نشاط
الآخرين ولا أي برنامج آخر؟ وكان لهذا السبب أن جاءتنا فكرة هذا
الاجتماع في ساعة مبكرة جداً. جميعنا اضطررنا للنهوض في ساعة مبكّرة
جداً. أتصور أنكم كنتم...، لا أدري أين كنتم، إن كان على متن السفينة
تشاهدون مدخل هافانا أو كنتم نائمين. أريدكم أن تعذروني، لأنني المسؤول
عن اضطراركم لتكثيف برنامجكم (تصفيق). حينها، نظّمنا، أو على الأصح
ارتجلنا، الاجتماع في هذه الساعة، لكي تتمكنوا من القيام بباقي
النشاطات وعدم تخريب علاقاتي مع باقي المؤسسات التي ستعتني بكم.
أظن أنهم أعطونا ساعة ونصف الساعة. أجبتهم: على كل حال، كانوا سيصلون
اليوم وسوف يصلون غداً، هناك مرونة في الأمر. أظن أن الباخرة كانت
ستغادر في الساعة الخامسة من عصر هذا اليوم.
كينيا سيرّانو:
الشروع بالصعود في الساعة الخامسة والمغادرة في الساعة السابعة.
القائد العام:
كانت ستغادر في السابعة؟
كينيا سيرّانو:
بالضبط.
القائد العام:
نعم، في الخامسة كان موعد انتهاء نشاطهم.
حسناً، ما دام إعصار أرغم السفينة على التأخر، إذا غادرتم في التاسعة
أو غادرتم في العاشرة، فإنكم تقضون بذلك مزيداً من الوقت في هافانا،
وليس هذا بمأساة. لحسن الحظ أن الزيارة تمت بدون وجود حرب. تمت في وقت
السلام.
ولهذا طلبت المعذرة منكم.
هل لديك فكرة كيف سيسير عليه؟
كينيا سيرّانو:
أيها القائد العام، إنه أمر محرّك للمشاعر، كلّما تصل الرحلة البحرية
–في السنة الماضية وفي هذه السنة- يكون على متنها ناجون من هيروشيما،
والآن لدينا السيدة جونكو واتانابي. اقترح الاستماع إلى شهادتها.
جونكو واتانبي:
قبل كل شيء، أيها القائد فيدل كاسترو، إنه شرف عظيم ومبعث سرور بالنسبة
لي التعرف إليكم، وبودّي أن أعبّر لكم عن امتناني العميق لاستقبالكم
لنا بكل هذا القدر من المودة.
وأود أن أعبّر أيضاً عن الامتنان على ما عند الشعب الكوبي من اهتمام
ومعلومات عن هيروشيما وناغازاكي. كما أن الحركة الكوبية من أجل السلام
أقامت يوم أمس لقاء شهادة لي، وكذلك احتفالاً بمناسبة يوم السلام
العالمي، وأقمنا لقاءاً جميلاً جداً في دار الصداقة.
ولدتُ أنا في هيروشيما ثم تزوجت من ياباني وانتقلت للعيش في البرازيل.
توجهت للبرازيل وأنا في الخامسة والعشرين من العمر، ثم عدت إلى اليابان
وأنا في الثامنة والثلاثين، ولكن كان في تلك اللحظة أن علمت، للمرة
الأولى، بأنني من ضمن الناجين من هيروشيما وناغازاكي.
ولدتُ في وسط هيروشيما، ولكن أثناء الحرب العالمية الثانية كانت عائلتي
قد أخليت إلى خارج هيروشيما، وبما أنني كنت في الثانية من عمري، فإنني
لا أذكر ما حدث؛ ولكن حين أخبرني والداي بأنني من ضمن الناجين، أصبت
بصدمة قويّة.
في السادس من آب/أغسطس في الساعة 18:15 كانت أمي في المنزل مع شقيقي
الأصغر. وكنت أنا وشقيقي الأكبر نلهو في باحة معبد يقع على مقربة من
المنزل. آنذاك شعرت أمي بريح شديدة، مريعة، كما شاهدت أوراقاً محروقة
تسقط قبالة المنزل. أُذهلت أمي، فأتت لأخذنا من المعبد، كان في تلك
اللحظة أن سقط علينا المطر الأسود. كان المطر أسوداً ولزجاً.
قبل إلقاء القنبلة، في ذلك اليوم السادس من آب/أغسطس، كان الطقس جميلاً
في الصباح، ويقال بأن القنبلة الذريّة انفجرت على ارتفاع 580 متراً فوق
الأرض.
القائد العام:
كم متراً؟
جونكو واتانبي:
خمسمائة وثمانون متراً فوق الأرض.
القائد العام:
كانت نووية.
جونكو واتانبي:
قنبلة نووية.
القائد العام:
هذه الطاقة هي من اليورانيوم، لم تكن من البلوتونيوم. قنبلة
البلوتونيوم ألقيت على مدينة أخرى.
جونكو واتانبي:
نعم، على ناغازاكي.
وبما أنها انفجرت على علو مرتفع، فإن أثرها كان بالغاً من خلال الأشعة
الساخنة والريح الساخنة إلى أن يحترق البشر. وبعد القنبلة صعد كل
الغبار والورق إلى الأعلى، ثم سقط المطر الأسود حاملاً الإشعاع.
بعد تعرضي للمطر الأسود أصبح وضعي الجسدي على الشكل التالي.
القائد العام:
كيف، أعيدي؟
جونكو واتانبي:
تضرر جسدي، سوف أشرح لكم الآن كيف كان عليه.
كنت أعاني يومياً الإسهال. كان بوسعي أن أتناول الطعام، ولكن فيما بعد
لا يبقى أي غذاء في جسمي، كنت أتقيأ كل ما أتناوله. ظن والداي أن
ابنتهما ستموت.
الحقيقة أنني كنت في الثانية ولا أتذكّر مشاهد مأساوية.
عندما بلغت الستين من العمر بدأت أشارك في جمعية برازيلية. يعيش اليوم
في البرازيل 132 ناجياً من هيروشيما وناغازاكي.
القائد العام:
أين، في البرازيل؟
جونكو واتانبي:
في البرازيل.
القائد العام:
هل ذهبوا إلى هناك وهم أطفال؟
جونكو واتانبي:
بأعمار مختلفة.
القائد العام:
هل ذهب آباؤهم معهم أم لا؟
جونكو واتانبي:
معظمهم تزوجوا وذهبوا بدون آبائهم، أي وهم كبار.
متوسط أعمار الناجين يبلغ الآن 75 سنة، أصبحوا على عتبة الشيخوخة.
ولهذا فقد طلب مني رئيس الجمعية البرازيلية أن أساعد الجمعية، باعتبار
أني ناجية شابة.
مع أنني ناجية، وبما أنني لا أتذكر ما حدث، لم أكن أعرف شيئاً عن
القنبلة الذريّة قبل أن أشارك في هذه الجمعية.
بعدها أتيحت لي الفرصة لقراءة كل الوثائق التي أعدها مائتا ناجٍ من
هيروشيما وناغازاكي يعيشون في البرازيل وكتبوا فيها حقيقة ما حدث في
هيروشيما وناغازاكي. كانت تلك أول لحظة أعرف فيها شيئاً عن القنبلة
الذريّة في هيروشيما. قاموا هم بوصف المشهد بالغ الهمجية.
نظراً لما ألمّ بي من حزن وحقد، شعرت بأسى شديد وبأنني أرتجف.
كما عثرت على فيلم وثائقي صوّره صحافي ياباني. ولكن بعد القنبلة
الذريّة قام الأكاديميّون الأمريكيون بسرقة تلك المعلومات وأخذوها إلى
بلدهم، وبعد ذلك لم يعرضوا علينا أبداً شريط الفيديو الذي وجدته في
المكتب.
كانت مشاهدته صعبة بعض الشيء، لأنه شريط قديم. حينذاك طلبتُ من صديق لي
أن يحوله إلى قرص مدمج "دي في دي".
نحن شاهدنا الفيلم مع عشرة أصدقاء من الناجين.
المشاهد التي احتواها هذا الفيلم بالغة الهمجية، وقد شاهدته بحزن شديد،
وكانت مدينة هيروشيما آخذة بالاندثار.
لقد شاهدت ذلك في الفيلم الوثائقي، شاهدناه، وتظهر فيه المباني محروقة
تماماً، والمدينة سوداء بالكامل. ويظهر فيه أيضاً الناس الذين كانوا
يسيرون على غير هدى، وجلدهم يتدلّى من أذرعهم، لأن حالها متردّي،
وعيونهم خارجة من مكانها. يظهر فيه الناس يسيرون، ولكن من غير وعي.
حين رأيت ذلك في الفيلم الوثائقي، مع أنني لم أكن أذكر المشهد، أدركت
بأنني كنت هناك في تلك اللحظة، وسلّمت بأن ذلك هو من فعل البشر، فشعرت
حينها بحقد غائر وحزن شديد.
وهكذا بدأت أفكر: علينا نحن أن ننقل تلك الشهادات إلى الأجيال الجديدة،
وقبل سنتين، عام 2008، شاركت في "مشروع هيباكوشا" الذي قامت به منظمة
"بيس بوت"، ودُعي إليه مائة من الناجين، نقلنا شهاداتنا عبره في كل
مرفأ رسونا فيه، كما تعرفت إلى "هيباكوشا" آخرين في العالم.
في فيتنام تعرّفنا على ضحايا العنصر البرتقالي، الذين أنتجتهم حرب
فيتنام، وما عانوه هم وآباؤهم. الأثر الذي أصيبوا به هم ينتقل من جيل
إلى جيل.
شقيقي الأكبر الذي كنت ألهو معه في المعبد توفي قبل سنتين عن عمر 67
سنة.
بعدما سقط عليه المطر الأسود، كما سقط عليّ أنا، عانى على الدوام من
هشاشة في العِظام وعاش ضعيفاً جداً. توفي عن 67 سنة بسبب إصابته
بالسرطان في الكبد.
مع مشاهدتي للناجين وهم يموتون، أعيش اليوم في حالة من القلق الشديد
على وضعي الصحي.
بودّي أن أعرض أيضاً قصة من الأوريغامي، وهي عبارة عن مطويّات ورقية
وترمز للسلام بالنسبة لنا، والآن على المستوى العالمي أيضاً، مشفوعة
دائماً بقصة طفلة اسمها ساداكو ساساكي توفيت وهي في الثانية عشرة من
عمرها بسبب إصابتها بسرطان في الدم.
هذه السنة، حين شاركت في مؤتمر منع انتشار الأسلحة النووية في نيويورك،
في شهر أيار/مايو، أتيحت لي الفرصة للتعرف إلى شقيق ساداكو ساساكي.
دعوني أشرح قليلاً قصة ساداكو ساساكي. لقد سقط عليها المطر الأسود، كما
هو حالي أنا، ونمت بصحة سليمة حتى بلغت العاشرة. بعد ذلك، على أثر
اعتلالها، أُنزلت في المستشفى ومكثت فيه.
كان لديها اعتقاد بأنه إذا صنعت ألف مطويّة من الورق سوف تتحسن، وحسب
القصة التي يرويها شقيقها، فقد واصلت طيّ الأوراق إلى أن... حسناً، في
تلك الفترة لم يكن لدينا ورق، فاستخدمت الأوراق التي تغلّف بها الأدوية
كما كانت تطوي الأوراق بالإبر. وكانت تقول دائماً، حتى اقتراب لحظة
وفاتها: "أريد أن أعيش أكثر، أريد أن أعيش أكثر".
نحن الآن في ذات وضع ساداكو ساساكي، نحن الذين سقط علينا المطر الأسود؛
هي ماتت وأنا ما أزال باقية. ولهذا أشعر بمسؤولية كبيرة للتعريف
بالقنبلة الذريّة، والتعريف بالناجين. على الناجين أن يعيشوا وتعيش
معهم مشكلات بدنية وكذلك ذهنية كبيرة، وبمباعث قلق كثيرة إلى أن
يموتوا، وهذا علينا أن ننقله إلى الأجيال الأخرى.
الآن نتعلّم نحن على المستوى العالمي بأنه يوجد في العالم أنواع عديدة
من الـ "هيباكوشا"، في أماكن مختلفة، على سبيل المثال السكان الأصليون
عندما يستخرجون اليورانيوم من المناجم يتضررون جداً من الإشعاع، وكذلك
الناس الذين يعيشون على مقربة من المفاعل النووية، وهذه الأمور علينا
أن نتعلّمها، وأن نعلّمها للناس أيضاً.
عندما شاركت في مشروع "هيباكوشا" قبل سنتين، كان هناك فتى ياباني، مخرج
الفيلم الوثائقي، الذي غطّى حضوري على متن السفينة، كما أجرى مقابلة
لاحقاً مع والدي وهو في الثامنة والتسعين. ما قاله والدي هو ما لم أكن
أعرفه أنا حتى تلك اللحظة. هذا ما قاله والدي. سأله المخرج: "لماذا لم
تخبر جونكو بالحقيقة؟"
منذ أن ألقيت القنبلة وحتى الآن، الفتيات اللواتي تأثّرت من القنبلة
الذريّة، مع أنهن ناجيات، عانين التمييز وواجهن صعوبات في الزواج.
علمنا آنذاك بأنني، أنا الناجية، لم أصَب ولحسن الحظ بأي مشكلة جسدية،
ولكن أطباء كثيرون يقولون بأن أثر الإشعاع يظهر أيضاً في جيل آخر.
يُتبع غداً...
فيدل كاسترو روز
24 أيلول/سبتمبر 2010
الساعة: 3:38 عصراً
القائد العام:
عن أي عمر توفي والدك؟
جونكو واتانبي:
عمره 98 سنة، ما زال حياً.
بودّي أن أعاهدكم، بمناسبة نقلي إليكم مشاعر أخي، الذي توفي، ونقل
رسالة جميع الناجين، ولكي ينقل الجيل الجديد شهادتنا إلى الجيل التالي،
بأن أواصل تقديم شهاداتي. شكراً جزيلاً (تصفيق).
القائد العام:
أرجوكم أن تعذروني إن توجهت إليها ببعض الأسئلة، فالمسألة هي أننا
مهتمّون بنشر كل ما روته هي، وبالطبع، إذا لم يكن لديكم أي اعتراض،
سنقوم بنقل هذا اللقاء من خلال التلفزيون الوطني (تصفيق). نحن مهتمون
جداً بأن يعرف الرأي العام عندنا كل ذلك، وليس بثه هنا فقط، وإنما بثه
في بلدان أخرى، إيصال أنباء هذا اللقاء إليها. إنه لأمر بالغ الأهمية
التعريف بكل ما حدث هناك، بغض النظر عمّا تم نشره وتصويره حتى الآن،
وكل الأمور الجديدة التي تتكشف اليوم.
سأشرح لكم لاحقاً لماذا أتوجّه أنا ببعض الأسئلة، إضافة لتلك.
روت هي أنها كانت في مكان قريب، أنها كانت في الباحة مع شقيقها، عندما
وقع الانفجار ونشأت سحابة الغبار. ومن خلال أشخاص آخرين ممن كانوا
راشدين في تلك اللحظة، تعرف هي كم احتاج ذلك الغبار من وقت لكي يصل إلى
الأشخاص الذين كانوا هناك.
جونكو واتانبي:
نحو ثلاثون دقيقة، ولكن المسألة أنها لم تمطر في كل مكان، وإنما في
النواحي التي يجرف الريح المطر إليها.
القائد العام:
المطر. ولكن كان هناك مطر وكان هناك رماد.
جونكو واتانبي:
الحقيقة أن مطر الرماد لم يكن له وجود، وإنما هو ذلك الغبار الممزوج
بالمطر هو الذي وصل إلى حيث كانوا هم، لم يكونا منفصلان، وإنما كانا
كلٌّ واحد، ممزوج بكل الأوساخ وكل الأشياء التي جرفها معه.
القائد العام:
أولم يكن هناك سقف حيث كانت هي، هل كانت في الباحة؟
جونكو واتانبي:
نحن كنّا على مسافة 18 كيلومتراً عن المكان الذي سقطت فيه القنبلة.
القائد العام:
ثمانية عشر كيلومتراً؟
المترجمة:
ثمانية عشر كيلومتراً.
القائد العام:
هذا ما كنت سأسألك إياه، لأن هناك جسر، قيل بأنه الهدف الذي سقطت فيه
القنبلة. هل كان على مسافة 18 كيلومتراً؟
هل كان والداك يتواجدان في مكان مسقوف؟
جونكو واتانبي:
كانت أمي تحمل شقيقي الأصغر في الجزء الخارجي من المنزل، وأبي كان في
هيروشيما، حيث كان يعمل ويعود ليلاً إلى المنزل؛ ولكن الغبار وصل إليه
وهو في داخل مبنى. حتى أنه شاهد الطائرة التي كانت تحلّق فوق هيروشيما.
القائد العام:
قبل أن تلقيها،
وأمك أصيبت بحروق أيضاً؟
جونكو واتانبي:
لا. الحقيقة أنه في المكان الذي كنّا نتواجد فيه، على مسافة 18
كيلومتراً، ما وصل إلينا هو كل تلك الكمية من الأوراق المحروقة، تلك
الموجة، تلك الريح التي وصلت إلينا، ولكن الاحتراق بحد ذاته، فإن ذلك
لم نتعرض له.
لو أننا كنا على مسافة أقصر، أي على مقربة من محور الهدف، لا أظن بأنه
كان سيُكتب لنا أن نتواجد هنا لنروي القصة.
القائد العام:
حسناً.
أردت أن أروي لكم أنه قد زارنا مؤخراً باحث شهير جداً، وهو بروفيسور
مرموق في جامعة روتجيرز، نيوجيرسي، وهو صاحب نظرية الشتاء النووي. هذا
الأمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا، لأن له صلة بالمخاطر الراهنة التي
تواجهها البشرية وهناك الكثير من الأمور المجهولة.
قام هذا البروفيسور بزيارة بلدنا، وخلال اجتماع لعلماء أجرى عرضاً
رائعاً لنظريته، وهي نظرية تحظى بأهمية كبيرة؛ برأيي أنه لا يمكن
دحضها، وتتعلق بنتائج أي حرب نووية. لا تتحدث بالذات عن الدمار الذي
تلحقه –وهو دمار لا بد وأنه هائل-، وإنما تحكي عن المخاطر التي يعنيها
بالنسبة للبشرية، اندلاع حرب نووية إقليمية فحسب، وليس حرب كونيّة.
تنطلق النظرية من واقع اليوم، المختلف جداً عن تلك اللحظة التي أطلقت
فيها أول قنبلة نووية، وتأخذ بعين الاعتبار الوضع السائد في هذه
اللحظة، حيث يوجد 25 ألف قنبلة نووية في العالم. أتصور أن كثيرين منكم
يعرفون هذه المعلومات. يقول العالِم أنه يكفي انفجار مائة قنبلة نووية
لكي يحدث ما يصفه هو بالشتاء النووي.
يستند في نظريته إلى سلسلة من الأبحاث التي أجراها علماء أمريكيون
وعلماء سوفييت قبل اندثار الاتحاد السوفييتي، حول الآثار التي يمكن أن
يُحدثها عدد من القنابل النووية التي تنفجر في حرب ما. قدّر هؤلاء
العلماء أن ما مجموعه مائة انفجار نووي هو عدد كافي للقضاء على الحياة
البشرية على وجه الأرض، بشكل يجعل أي حرب تنشب، بين الهند وباكستان على
سبيل المثال، بما تمتلكه كل واحدة منهما من قنابل، كافية للإجهاز على
جنسنا.
برأيي أنه، رغم تمتعكم بما يكفي من المعلومات، نستطيع أن نزوّدكم بنسخة
من محاضرة ألان بروك –وهو اسم البروفيسور التي قدمها هنا قبل أيام
قليلة- وتحتوي على معطيات قيّمة جداً يمكنها أن تفيدكم لنشر ما تترتب
عليه من عواقب، وليس فقط الضرر المباشر الذي تلحقه؛ الأسلحة المعاصرة
بالطبع هي أشد فتكاً بكثير، وأكثر دقة بكثير، وهي أسرع بكثير. قدرة
الأسلحة المتوفرة تعادل 440 ألف ضعف قوة أي من القنبلتين اللتين تم
إلقاؤهما في اليابان فوق هيروشيما أو ناغازاكي. لقد جربوا الاثنتين،
واحدة انطلاقاً من اليورانيوم وأخرى انطلاقاً من البلوتونيوم. كل هذه
التكنولوجيات أصبحت موضع تحكّم ويتم استخدام الأسلحة بدقّة كاملة.
المعاهدات التي توصلت إليها القوتان العظميان لا قيمة لها عملياً،
لأنها لا تترجَم بتقليص فعلي لعدد الأسلحة.
يدور في ذهني أنه لو أجرت منظمتكم اتصالاً به، وهو رجل كريم وعلى خلق
رفيع، يمكنه أن يلقي عليكم محاضرة حول هذه المسألة.
أنا سألته عن الضباب، لأنه يشرح ويثبت بأنه كمحصّلة للانفجارات
النووية، فإن كل شيء يشتعل؛ الخشب، وكل ما هو مشتق من النفط وغيرها
أشياء كثيرة، كما يشرح هو، تشتعل، وحين تمتزج بالتراب، ينتج عنها
تركّزات من الغبار. لقد درس كل شيء: ماذا يحدث لو وقع انفجاران أو وقع
عشرة أو وقع مائة، ويضع حدوداً معينة. هذه السحابة من الغبار من شأنها
أن تنتشر في العالم كلّه خلال مدة زمنية، أظن أنها لا تتجاوز الثلاثة
أسابيع، ودرجة الحرارة يمكنها أن تنخفض إلى ما دون درجة التجمّد. يترتب
عن ذلك، على سبيل المثال، ليلة تستغرق عدة أشهر، لا تسمح بعبور نور
الشمس. فيندثر إنتاج المواد الغذائية وعواقب ذلك مريعة؛ أكثر من 6000
مليون شخص سيفتقدون للغذاء، هذا بالإضافة للبرد.
توجهتُ إليه بسؤال عندما انتهى من إجراء عرضه الذي استغرق ساعة،
مستعيناً بخرائط ورسوم بيانية؛ فقد درسوا كل آثار انفجار البراكين؛
ودرسوا الكيفية التي ينتشر بها الغبار كلما وقع انفجار بركاني. بل وأن
انفجاراً وقع مؤخراً في إيسلاندا، في أوروبا، تسبب بمشكلات بالغة
الخطورة. كما درسوا أيضاً الحرائق الكبرى التي وقعت بصورة طبيعية، أو
نتيجة حرب أو حادث. وسألته: "كم عدد الأشخاص الذين يعرفون هذه المعطيات
في العالم؟". أجابني بأنه "لا أحد تقريباً". فقلت له: "وفي بلدكم، كم
يبلغ عددهم؟" أجاب: "قليلون جداً". قلت له: "وكيف يمكن تفسير هذه
الظاهرة؟". وأضفت له أيضاً: "ربما يحتاج الأمر لجلب أخصائيين في علم
النفس وفي مجالات أخرى في سبيل العثور على تفسير لهذه الظاهرة"، فقال
لي حينها "أنا لدي إجابة: إن هذا اسمه نفي". وشرح ذلك بالقول أنه عند
احتمال وقوع أمور مريعة، يرفض الناس فكرة التصديق بأن وقوعها هو أمر
ممكن.
هذا التفسير الذي قدّمه هو يمكن أن يضاف له تفسير آخر، وله علاقة
بوسائل الإعلام، احتكار وسائل الإعلام. الأمور التي تحدث في العالم
بالرغم من الوسائل الحديثة المتوفّرة، من إذاعة وتلفزيون يتم التصرف
بالمشاهد المصوَّرة بالطريقة التي تتتالى بها الأنباء، لكن لا يتم
شرحها، والحقيقة أن كثير من أهم المشاهد المصوَّرة المتوفرة في العالم
ليست معروفة، أو يتم تقديمها كأخبار من دون تحليل. يوجد حول هذا
الموضوع كتب هامة جداً، عن احتكار وسائل الإعلام؛ فالحقيقة مخطوفة،
ليست معروفة. إنهما ظاهرتان.
شرحتُ له بأننا لسنا متشائمون في ما يتعلق بإمكانية خلق الوعي. أقول
لكم: يمكن خلق وعي أو عدم خلقه. طبعاً، إذا لم تكن الجماهير تعرف
القراءة ولا الكتابة فلا يمكن ولا حتى محاولة ذلك؛ وإذا كان المجتمع
يتمتع بمستوى من المعارف كالذي يتمتع به المجتمع الياباني، فإن وسائل
الإعلام نفسها، ليس الورقية فقط، وإنما المحكيّة، وبالمشاهد،
وبالموسيقى، وبمظاهرات أخرى، يمكنها اليوم أن تخلق وعي.
أقول لكم بأن هذا ما كان عليه حال كوبا. لو لم يكن الناس يعرفون
القراءة والكتابة... ماذا يستطيع أن يفعل شخص لا يجيد القراءة ولا
الكتابة؟ إذا كانوا قد وصلوا أم لا إلى الصف السادس؛ وإذا كانوا قد
تخرجوا أم لا من المرحلة الثانوية؛ وإذا كان مئات الآلاف يجتازون
الدراسة الجامعية؛ وإذا كان لديهم أساتذة جيدون؛ تنجم ظواهر مختلفة.
الثورة لم تدافع عن نفسها بالقوة، دافعت عن نفسها بالمعارف، بالوعي.
كيف أمكن لبلد صغير ككوبا، أن يقاوم خمسين سنة من الحصار والمضايقة؟
كانوا يظنّون أن بإمكانهم إركاع البلاد، أو أن بوسعهم خداعها، ولكنهم
لم يتمكنوا. وبرأيي أن ذلك كان برهاناً على أنه يمكن خلق الوعي، لأنه
إذا تخلينا عن الفكرة القائلة بأنه يمكن خلق الوعي، فماذا سيكون عليه
نشاطكم أنتم؟ فأنتم تجولون العالم وتشرحون، وتحملون إليه أشخاصاً عرفوا
ما حدث عن قرب، فيروون وقائع تفتت القلوب في الحقيقة. وأنا أفهم بشكل
أفضل ما تفعلونه، لأنكم تحسّون به، وتحملون أشخاصاً عاشوها، ولديكم
المشاهد، ولديكم الكثير من الأمور.
لقد ذهبتُ إلى هيروشيما. زرت هناك المتحف. وقد شرحوا لي كل شيء هناك:
من قاوَم وتحمّل، ومن لم يقاوم ولم يتحمّل؛ وأحد المشاهد المذهلة
للمأساة البشرية هي صورة الأطفال الذين لم يكونوا قد وُلدوا بعد، أمهات
حوامل قبل موعد ولادتهن بشهر واحد أو شهرين أو ثلاثة أشهر؛ تلك المشاهد
بقيت محفورة هناك ولها أثر كبير؛ وأظن أن هناك مواد تسمح بتحقيق الغاية
المنشودة. بوسعي القول أنه يتوفر اليوم وعي أكبر بكثير، ولكن الأمر
يحتاج لما يزيد عن المتوفر بكثير. والواقع الفعلي هو أن البشرية جمعاء
مهدَّدة اليوم بالتعرض لشيء رهيب كالذي رويتموه أنتم هنا، بل وأكثر
رُعباً منه بكثير، لأننا سمعنا ذلك من الأشخاص الذين كانوا متواجدين في
منطقة سقوط القنبلة الأولى، ألمهم على الأشخاص الذين قضوا هناك،
الأشخاص الذين احترقوا، الذين أصيبوا و أصابتهم الإشعاعات وعاشوا أكثر
من خمسين سنة. في الواقع أنها مرت 65 سنة على إلقاء تلك القنبلتين،
واليوم يهدد الآلاف منها، وأشد قوة وأكثر دقة منها، البشرية.
يؤكّد العالِم النظرية التي تقول بأنه كلّما زاد عدد الأسلحة النووية
التي يمتلكها بلد ما، كلّما تدنّت أكثر إمكانيات هذا البلد في السلام
والأمن. هو من دعاة القضاء على كافة أنواع الأسلحة النووية. وأنا أذهب
إلى ما هو أبعد من ذلك بقليل. أظن أنه إذا تم القضاء على الأسلحة
النووية ولم يتم القضاء على الأسلحة التقليدية، فإن الحال سواء
تقريباً.
القدرة التدميرية عند هذه الأسلحة التقليدية هي اليوم هائلة. فقنبلة
بأجزاء من التنجستين، محمولة في رأس ثقيل، ومن دون استخدام طاقة نووية،
تكتسب قوة في الفضاء تصل إلى 25 ألف كيلومتر في الساعة، أي أكثر من
سُرعة الصوت بعشرين مرة؛ ثم تنخفض بعدها إلى ما لا يقل عن عشرين ألف
كيلومتر. المنطقة بأكملها الواقعة تحتها تتعرض للدمار الكلي. لا تبقى
قيادة أركان، ولا تبقى حكومة، ولا يبقى شيء من المرمى المستهدَف. لقد
تم نشر ذلك، وتم شرحه. الحرب العالمية الماضية كلفت أرواح خمسين مليون
شخص، ضحايا أسلحة تقليدية، من دون إدراج ضحايا القنبلتين النوويتين
وأضرارهما البشرية، حيث تسببتا بمقتل أكثر من 150 ألف شخص وعددا أكبر
من هذا من الأشخاص تعرضوا لحروق وإشعاعات وغيرها كثير من الأضرار.
الدمار والجوع والأمراض أصابت جزءاً كبيراً من العالم في تلك الحرب.
إذا ما وقعت حرب عالمية أخرى فإنها ستكون الأخيرة، فلا يمكن وجود واحدة
أخرى بعدها.
أينشتاين نفسه أكد ذلك بقوله أنه لا يعرف كيف ستكون عليه أي حرب عالمية
أخرى في العصر النووي، ولكن الحرب التي تليها ستكون بالعصي والحجارة.
كنتُ قد أحضرت رسالة بعث لي بها روبوك، العالِم المذكور، رداً على سؤال
وجهته إليه بعدما كان قد أصبح في المطار في طريق عودته إلى بلاده. كان
قد نقل في محاضرته بعض المعلومات عن كوكب المريخ؛ اتصلت هاتفياً وسألته
من أين يمكنني الحصول على المزيد من المعلومات عن هذا الكوكب. شرح لي
أن للمريخ غلافاً جوياً، وهو أمر كنت أنا أجهله، نظراً لضيق سماكته.
وعدني بأن يرسل لي المزيد من المعلومات.
بعد ذلك بيومين أو ثلاثة قام بإرسالها.
"للمريخ غلاف جويّ أقل سُمكاً بكثير من سمك الغلاف الجوي الأرضي، بنسبة
7 بالمائة فقط من الهواء... يعادل كثافة هواء الأرض على ارتفاع 21
كيلومتراً".
ويضيف أن "الغلاف الجوي للمريخ يتكون، بمجمله تقريباً، من ثاني أكسيد
الكربون".
ما سبق له صلة بما نحكي عنه الآن: آثار الانفجارات النووية. عواقبها
بالنسبة للمناخ. ماذا قيل عن البيئة؟ ماذا قيل عن التغير المناخي؟ هل
أن هذه المشكلة الخطيرة غير موجودة يا ترى؟ هل أنه لم يتم إجراء بحوث
حولها؟ هل أنه لا وجود لفيلم سينمائي شهير تم تنفيذه بالتعاون مع أبرز
العلماء حول التغير المناخي وآثاره على الأمطار والاقتصاد وحياة البشر؟
لقد تم بحث ذلك كمشكلة ثانية في التغير المناخي. أي أنه لا حاجة
لانتظار وقوع حرب نووية لكي تندثر الحياة من على وجه الأرض. هكذا كما
أقول لكم، لكي تندثر الحياة من على وجه الأرض.
يقوم اقتصاد الأمم وحياتها اليوم على استهلاك المواد الأولية غير
المتجددة، ومن بينهما، الأهم هو النفط، وهو مادة أولية نُستهلَك بوتيرة
100 مليون برميل تقريباً في اليوم.
ولنأخذ بعين الاعتبار أن النفط احتاج مئات الملايين من السنين ليتكون
انطلاقاً من مادة حيّة.
400 مليون سنة تقريباً هي المدة الزمنية التي لزمت لكي يتكون النفط
والغاز والفحم. خلال أي مدة يقوم الإنسان باستهلاك النفط الذي راكمته
الطبيعة على مدار 400 مليون سنة؟ لقد استهلك البشر خلال 130 سنة بالكاد
ما يزيد عن نصف كمية هذا الوَقود، الذي ينطوي استهلاكه أيضاً على آثار
هائلة مضرة بالبيئة. ثاني أكسيد الكربون، بالغ الوفرة في الغلاف الجوي
لكوكب المريخ، هو بالذات ما ينتج عن استهلاك النفط. إنها عوامل يتعيّن
على البشرية معرفتها ومواجهتها وحلّها. إنه ثمن وجودها.
لا يستطيع سكان العالم أن يتكاثروا بلا حدود، إذ أن الكوكب الذي نشأنا
ونعيش فيه له حدود. إذا لم تخنّي الذاكرة، يقدَّر أن عدد السكان سيبلغ
عام 2050 أكثر من تسعة آلاف مليون نسَمة. قبل مائتي سنة فقط، بالكاد
كان يصل عددهم إلى ألف مليون. عواقب ذلك بالنسبة للمياه والغذاء
والطاقة والمواد الأولية هي في الواقع ما فوق العادية.
اليابان هي بلد ذو مساحة محدودة جداً بالنسبة لعدد سكانه، يصل عدد
سكّانه اليوم إلى نحو 130 مليون نسَمة، حسب معرفتي؛ هناك تأكيدات بأنه
البلد صاحب أعلى معدّل في أمل الحياة وذو ثقافة رفيعة، وأن عدد سكانه
سيحدَّد في ما يزيد عن 100 مليون نسَمة بقليل. بعد ذلك يمكن تحقيق
الاستقرار في عدد السكان.
هناك بلد مجاور لبلدكم، وهو الصين، يطبّق سياسة صارمة في تحديد النسل؛
ولو أن الصين لم تعتمد هذه السياسة، لبلغ عدد سكانها اليوم ثلاثة آلاف
مليون نسَمة. في الصين والهند يتواجد نحو نصف سكان المعمورة.
إنها وقائع. ويجب على الأشخاص أن يتمتعوا بالجرأة على مواجهة الوقائع
ومعرفتها، كما أنتم فاعلين في ما يتعلّق بالعواقب المريعة للانفجارات
النووية. الذين يتولّدون اعتباراً من اليوم يجب أن تتوفّر لهم شروط
ضرورية، والاستمتاع بحياة طبيعية وبقدر ما أمكن من الكمال. وليس هذا ما
يحدث حالياً. يموت سنوياً ما بين ثمانية وعشرة ملايين شخص بسبب الجوع
وانعدام العناية الطبية. من يتكلّم عن ذلك؟ بعض العلماء وبعض
السياسيين. بالكاد يتم الحديث عن هذه الأخبار؛ فالشركات الكبرى العابرة
للحدود لا يهمها هذا الموضوع.
لقد عرفت أنكم، وخلال هذه الرحلة نفسها، قد طلبتم منّا إرسال طبيب ذي
تجربة أممية، وليس أحدٍ يفكّر بأن يكون كذلك. من هؤلاء الأطباء
الكوبيين يوجد الآلاف في العديد من البلدان. من المؤكد أنكم ستندهشون
إذا عرفتم ما يستطيع بلدنا الصغير أن يفعله من أجل شعوب أخرى، على سبيل
المثال. وما أؤكده ليس بمهام غير قابلة للتحقيق.
ماتسومي ماتسومورا:
أيها القائد العام، ما أريد أن أقوله لكم من جانبنا، أن حضرتكم ذكرتم
الأممي...
القائد العام:
وهل هو هنا؟
ماتسومي ماتسومورا :
نعم.
القائد العام:
أين هو؟ يستطيع أن يرفع يده.
دعني أرى إن كنت أشاهدك بشكل أفضل.
قيل لي أنك كنت في هايتي أليس كذلك.
ماتسومي ماتسومورا :
السيد الدكتور ليفان توريرو، الذي عمل كثيراً في خدمة سكان هايتي بعد
الإعصار، دعوناه إلى سفينة السلام لكي ينقل إلينا تجربته هناك في
هايتي. ولدينا أيضاً إلى جانبه خوسيه رامون، راقص الصالصا، ومن المهم
بالنسبة إلينا التعرف إلى ثقافته؛ أظن أنه نوع من الرقص التقليدي، وقد
تعلّمنا نحن الكثير عن رقصة الصالصا.
الحقيقة أننا نشعر بعميق الامتنان على توجيه هذه الدعوة إلينا. شكراً
جزيلاً، أيها القائد العام (تصفيق).
القائد العام:
أهنئك، وشكراً جزيلاً. لقد ذكرتك لأنني أعرف المهمة التي تقومون بها
وكنت سأذكر حال هايتي كدليل على ما يستطيع أن يحققه الوعي.
في بوليفيا نفسها يوجد اليوم نحو ألفي طبيب، وهم يتواجدون في أماكن
مختلفة. وفي إكوادور، البالغ عدد سكانها 15 مليون نسَمة يقوم أطباؤنا
بالاستقصاء وتوفير العناية لكل أولئك المعاقين لأسباب جينية أو لأسباب
أخرى، فتولّدوا كفيفين أو بلا قدرة سمعيّة. عندما لا يتمكن طفل من
السمع، يصبح أخرساً؛ فإذا لم يسمع الأصوات، لا يستطيع تقليدها. هناك
مشكلات كثيرة توجد لها حلول باستخدام جهاز ما، وعبر وضع سمّاعات لهم
يستطيعون الكلام والتواصل.
إذا ما وُلدوا كفيفين وصمّاً فإن الوضع يضحي أكثر تعقيداً. كيف تكون
عليه حياة شخص كفيف أو أخرس، لم يسمع ولم يرَ في حياته أبداً؟
أعرف نتائج المزدرع الحي القوقعي وكيف يتعلمون السمع والكلام والإصغاء
للموسيقى ومعرفة العالم؛ وتتبدل حياتهم.
أعتقد أن من واجب المجتمع توعية الآباء، ومحاولة التنبيه من المخاطر؛
وأنه في حالات معيّنة لم يكن يتعيّن عليهم التناسل. برأيي أن كل كائن
بشري يولد يجب أن يأتي إلى العالم بكل قدراته الكامنة. إذا ما تولّدوا
بعاهات حيوية غير وراثية لأي سبب من الأسباب، يجب فعل كل ما يمكن فعله
في سبيل إغناء حياة هؤلاء الأشخاص. وأولئك الذين لا يمكن تغذيتهم،
وأولئك الذين لا يمكن تعليمهم، أولئك الذين لا يستطيعون التمتع بحياة
طبيعية، حياة يستحق الأمر عيشها، لا يتعيّن تكوينهم، بكل بساطة.
أعرف أن الجميع لا يفكّرون بذات الطريقة بالضبط، فهناك تأثيرات دينية،
وأنا أحترم كل ذلك؛ ولكنني أعبّر بصراحة عن رأيي ولماذا. بالنسبة للجنس
البشري، يتعلّق الأمر في الوقت الراهن بالمشكلة الشهيرة "يكون أو لا
يكون"، إن كان هذا الجنس البشري سيحافظ على بقائه، وهو الجنس الذي أنزل
الكثير من الضرر بباقي الكائنات الحيّة. منذ أن نشأ الكائن البشري قلبَ
كل شيء رأساً على عقِب، وقد شكّل الذكاء حتى الآن كارثة بالنسبة
للطبيعة، ويمكن عبر الأسلحة النووية قيام مشكلة تبلغ من الخطورة ما
بلغه ذلك الكوكب الذي سقط –حسبما يقال- في برزخ تيهوانتيبيك في
المكسيك، قبل عشرات الملايين من السنين وأحدث شتاء طويلاً.
لم يقم أي جنس آخر بمثل هذا الفعل، بل حافظ على التوازن مع الطبيعة على
مدار آلاف الملايين من السنين، نحو أربعة آلاف مليون. الإنسان جديد.
نشأ هذا الكائن الذكي قبل أقل ما مائتي ألف سنة –في ما يتعلق "بالذكي"،
أظن أنه أمر قيد الإثبات، إذا لم يثبت بأنه قادر على المحافظة على
وجوده. اعذروني على قسوتي بعض الشيء على افتقارنا للتفكير السليم.
الشيء الوحيد الثابت حتى يومنا هذا هو أنه لا يوجد أدنى دليل على أنه
قد سبق وجوده وجود جنس آخر.
في نهاية المطاف، كل هذه المشكلة مترابطة فيما بينها، وبرأيي أنه يجب
ربطها ببعضها في سبيل كسب المعركة التي لا بد وأن تكون هدف البشر.
آنذاك ربما يكون بالإمكان إبداع أشياء رائعة كثيرة.
كم يبلغ ما في هذا العالم من أشخاص مؤهلين علمياً ومن العباقرة؟ ثمانون
بالمائة من مهندسي الولايات المتحدة يشتغلون في الميدان العسكري وفي
ابتكار الوسائل والعلوم الرامية للتدمير والقتل، وذلك بفضل نظام غادِر
أدى بهم إلى هذا المصير.
طموحنا هو أن يحقق الأشخاص مستويات علمية رفيعة. من قبيل الصدفة، أثناء
مجيئي إلى هنا، تناولت نشرة إخبارية وقرأت أحد الأنباء الواردة فيها،
ويشير إلى أن كوبا تحتل المكان الأول في العالم من حيث نسبة الطلاب
المسجَّلين في مراكز تعليم عليا. فنزويلا تحتل المكان الخامس؛ والأمكنة
الثاني والثالث والرابع تحتلها جمهورية كوريا وفنلندا واليونان؛ أما
الولايات المتحدة فتأتي وراءنا، في المكان السادس.
لقد ذكرتُ الطبيب لأن هؤلاء الرجال والنساء –ومعظمهم من النساء- يعملون
اليوم في بوليفيا وفي نيكاراغوا وفي فنزويلا وفي بلدان كثيرة من العالم
الثالث. لكن، لماذا؟ يدهشني ذلك: يأتون لقضاء إجازة لمدة 15 يوماً، على
سبيل المثال، وتراهم توّاقين للعودة إلى أماكن عملهم، مشتاقين لمرضاهم.
لا بدّ من سماع المرضى وما يقولونه. إنه نتيجة الوعي، فهذا الشيء لم
يتم اقتناؤه من أي مكان ما، ولا يصنعه المال.
المهمة التي يقوم بها الرفاق في هايتي ناتجة عن الوعي. لهذا أتجرأ على
الحديث عن الوعي، لأنني رأيت بأن الوعي قد مكّن من الثورة، مكّن من
المقاومة، بغض النظر عن الانتقادات التي يوجهونها إلينا ومن الأخطاء
التي يمكننا ارتكابها، فليس هناك من عمل إنساني كامل. لا يراودنا أدنى
حرج في الحديث عن أخطاء، لأن ما لا يمكن عذره هو ما يتم فعله عن وعي في
إلحاق الضرر بالآخرين.
ليس هناك من عمل إنساني كامل، ولكننا نؤمن بهذا العمل، ولو لم نكن
مؤمنين به لما كنّا نقوم بما نقوم به اليوم، ولا ما تقومون به أنتم
بدرجة عالية من النبل.
أعتذر لشغلي الكثير من وقتكم.
يُتبع غداً...
فيدل كاسترو روز
25 أيلول/سبتمبر 2010
الساعة: 12:14 ظهراً
ما لا يمكن نسيانه أبداً
(الجزء الثالث)
ماتسومي ماتسومارا:
أيها القائد العام، لقد تواجدنا ضمن الفرقة التي كانت تعمل في شيهان
وأتيحت لنا الفرصة لنتعرف إلى ذوي الأبطال الخمسة وتعلّمنا الكثير عن
موضوع الأبطال الخمسة. وعلى متن السفينة أيضاً عرفنا الكثير حول هذا
الموضوع.
كما ذكرت حضرتك للتو، في الثاني عشر من أيلول/سبتمبر حلّت الذكرى
الثانية عشرة للأبطال الخمسة، ونحن، أعضاء منظمة "بيس بوت"، نطالب
أيضاً بالإفراج عنهم، وكلما قرب ذلك كلّما كان أفضل. من ناحيتنا، نعاهد
بدعم هذه الحملة ولو من بعيد، من اليابان (تصفيق).
أيها القائد العام إذن، ما قلتموه للتو هو ما أخذنا بتعلّمه.
بالإضافة لذلك، ذكرت حضرتك موضوع نظام التعليم وكذلك نظام الصحة في
كوبا. الآن نحن نتواجد هنا، ولكن، كما تعرف حضرتك، هناك منظمات كثيرة
بانتظارنا، ومن المفيد جداً أن يتيح لنا الوقت أن نتعرّف إلى بعضنا
البعض مباشرة الشعب الياباني والشعب الكوبي. ألا تظنون ذلك؟
القائد العام:
إن هذه اللحظة هي لحظة هامّة. يجري في منظمة الأمم المتحدة –وأعرف أنكم
تنتمون لمنظمة الأمم المتحدة بصفة عضو في المجلس الاقتصادي الاجتماعي-
مناقشة أهداف الأمم المتحدة، حيث ينعقد مؤتمر هناك يسبق انعقاد الجمعية
العامة. حسناً، الأمم المتحدة هي الشيء الوحيد الذي يفترض بأننا نملكه،
لأنه يبدو في بعض الأحيان وكأنها غير موجودة، يجري بحث مشكلات التنمية،
وأهداف التنمية، وأهداف التعليم، وأهداف الرعاية الصحية، وهي أهداف يتم
تنفيذها بقدر أقل يوماً بعد يوم، بل وأنه كلّما حدثت أزمة يحصل تراجع.
القدرة الشرائية عند الأمريكيين أنفسهم انخفضت بنسبة 43.6 بالمائة.
أنتم تتصورون اقتصاداً تتراجع القدرة فيه على شراء الكثير مما تنتجه
الخدمات، الصناعة، إلى آخره، والبطالة التي يتسبب بها ذلك.
لسوء الحظ أن الحال اضطر لجمع الكثير من المعلومات عن الولايات
المتحدة، وأستطيع أن أؤكد لكم بأنها كارثة. إنها "ديمقراطية كبرى"،
لدرجة أن لديهم 1200 عضواً في مجموعة ضغط داخل الكونغرس الأمريكي
يعملون لصالح الشركات العابرة للحدود، ويكلّفون 3500 مليون دولار
سنوياً. إنها إجراءات تعود إلى عهود سالفة وقد بليت على نحو لا يصدَّق.
النتيجة: جميع الشركات الكبرى تسيطر على كونغرس الولايات المتحدة
وتتحكم به، وهو يستمتع بالقدرة على المصادقة على قرارات أو الموافقة
على موازنات وقوانين. إذا كان هناك قرار يتعلق بنزع السلاح أو قرار
بتقليص الأسلحة النووية، بغض النظر عن ضيق مداه، يجب إقراره من قبل
الكونغرس.
لم يعد أحد يعرف ما هو عليه دور رئيس الولايات المتحدة، الذي لا يستطيع
في كثير من الأحيان فعل شيء، وهو الرجل الذي يحمل حقيبة نووية من دون
أن يعرف أحد أيضاً لماذا تنفع هذه الحقيبة. لا ينبغي النسيان بأنه
عندما أُلقيت القنبلة على هيروشيما وناغازاكي كانتا القنبلتين
الوحيدتين المتوفّرتين، وقرر رئيس رديء وجاهل أن يلقيهما. أنا على ثقة
بأنه ما كان من شأن روزفلت أن يلقي هاتين القنبلتين، فقد كان من نوع
آخر، رأسمالي طبعاً، وزعيم الدولة الرأسمالية والإمبريالية الأغنى،
ولكنه رجل ذو علم واسع وخلقية سياسية معينة، أقل ارتباطاً من الناحية
الشخصية بالثروات الكبرى. الرئيس الذي أتى من بعده، لم يخبر حتى حلفاءه
السوفييت بأنه يملك تلك القنبلتين. وأقسى ما في الأمر ليس بالضرورة أن
يكون استخدام تلك القنبلة، وإنما هو أنه ثابت تاريخياً بأن معظم القوات
الإمبراطورية اليابانية، المحتشدة في منشوريا، كانت مهزومة كلياً، ولم
يكن بوسع الحكومة العسكرية اليابانية أن تبقى طويلاً بعد ذلك. في سبيل
تحقيق النصر، الذي كان قد أصبح بيد جيش الحلفاء، لم تكن هناك حاجة
لإلقاء تلك القنبلتين؛ والأسوأ من ذلك هو أنهم لا يستطيعون الإدّعاء
بأنهم كانوا يحاولون تفادي سقوط الأرواح؛ فالجيش السوفييتي كان يتقدم
في منشوريا بدون عراقيل، ولم تكن نهاية الحرب إلا مسالة أيام معدودة.
كان يجري البحث عن حجة أو ذريعة، فلماذا لم يتم إلقاء القنبلتين على
منشآت أو قواعد عسكرية؟ لماذا ألقوها على سكان مدنيين؟ لماذا اتخذوا
القرار بقتل أكثر من 100 ألف شخص والتسبب بذلك القدر من العذاب؟ فهم،
نعم، كانوا يعرفون فعل تلك القنبلة. لقد تم قبل أيام قليلة عرض فيلم
تظهر فيه الطائرة التي حملت القنبلة، أطلقوا عليها اسم والدة الطيّار.
لاحِظوا كم هو من فخر! كم هو من شرف! كيف يمكن وضع اسم أم للطائرة التي
ألقت القنبلة التي قتلت أكثر من 100 ألف شخص خلال دقائق معدودة؟
كان عملاً قاسياً، تجربة لا توصَف على حساب عذاب مئات الآلاف من
الأشخاص العزّل الذين لم يكن لهم أي ذنب في وقوع الحرب.
روَت جونكو بأنكم قد ذهبتم إلى فيتنام لرؤية أثر العنصر البرتقالي. كم
طفل، كم مليون فيتنامي قُتلوا في تلك الحرب؟ نحو 4 أو 5 ملايين. كم
الذين تعوّقوا بسبب تلك المواد الكيماوية التي استخدموها؟ لقد استخدموا
الأسلحة الكيماوية في حروب أخرى، فسلّموها للعراق أثناء حربه مع إيران.
وقد استخدمت حكومة الولايات المتحدة الأسلحة الجرثومية أيضاً،
واستخدمتها ضد كوبا، كما استخدمت كذلك الفوسفور الأبيض والقنابل
العنقودية والنابالم وغيرها من الوسائل المشابهة عبر حلفائها.
يبقى لدى الرئيس صلاحية استخدام السلاح النووي أو شن حرب. وبعدما تقوم
الحرب... ولهذا الأمر أهمية بالغة، لأنه في هذه اللحظة بالذات هناك وضع
قائم ينطوي على خطر فعلي وحرب نووية. جميعنا نعرف الوضع القائم اليوم
في إيران وجميعنا نعلم أن هناك تهديدات لإيران بسبب الخلاف على معاملة
اليورانيوم. لم يتمكنوا من الإثبات بأن إيران تقوم بصنع قنبلة نووية أو
أنها تعتزم القيام بذلك. لديها مراكز بحث طبي، كما هي موجدة عند بلدان
كثيرة، وفي الواقع العملي يوجد اليوم نحو أربعين دولة يمكنها صنع
السلاح النووي، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم.
يوجد لدى الإيرانيين مراكز بحث، وهم يملكون محطات كهربائية تعمل
بالوَقود النووي. من أي معمل كهربائي يستخدمون فيه هذه الطاقة تخرج
المادة الأولية للبلوتونيوم، وهو السلاح النووي المستخدَم في ناغازاكي.
وقّع الروس معاهدات مع الإيرانيين: يقومون بتسليمهم اليورانيوم،
والإيرانيون يستخدمونه في إنتاج الكهرباء وهم يأخذون ما يتبقى بعد
إنتاج الكهرباء.
إنني أنبهكم إلى أن هناك وضعاً بالغ الخطورة. لقد أرسلوا أسطولاً
أمريكياً-إسرائيلياً إلى سواحل إيران، والسفن تتواجد هناك، وجعلوا مجلس
الأمن الدولي يتخذ قرارات انطلاقاً من حسابات خاطئة، اعتقاداً منهم
بأنهم سيثنون المقاومة. برأيي أنهم لن يثنوا المقاومة، وأنهم لن يحققوا
أي اتفاق بالقوة.
دولة إسرائيل عكفت على تنفيذ برامج، ويمكن القول أنها تحوّلت إلى القوة
النووية الخامسة في العالم، وهي عاقدة العزم... وقد وفعلت ذلك في
العراق وهاجمت مفاعل البحث النووي؛ وفعلت ذلك في سورية، وهاجمت مركز
البحث، وكان هذا في عام 2007؛ الهجوم على مركز العراق كان في عام 80؛
وحسب مقالات لصحافيين واسعي الاطلاع وتصريحات أدلى بها قادتها، من
المعروف أنهم عاقدي العزم على مهاجمة إيران بأنفسهم إذا لم يفعل
الأمريكيون ذلك، بغية تدمير مراكز البحث وتدمير المحطات العاملة أو هي
على وشك تشغيلها لإنتاج الكهرباء.
لقد كتبتُ عن هذا الأمر، لا سيّما عن مخاطر قيام حرب في تلك المنطقة.
بلغ عدد ما كتبته عنه 26 تأملاً مع التأمل الأخير الذي تحدثتُ فيه عن
الغجر، وهي مجموعة أخرى من ضمن المجموعات البشرية التي تعرضت للإبادة
في معسكرات الاعتقال النازية؛ الضحايا الرئيسيون كانوا العبرانيون
والغجر والروس، وذلك استناداً إلى عقيدة المجال الحيوي الهتلرية
الدنيئة.
لي مواقفي بشأن كل ذلك، ولم أتردد أبداً بإدانة الهولوكوست، لأنه كان
عملاً قاسياً، ولكن هذا موقف وما يتعلق بالنزعة التدخلية والمشاريع
الحربية الإسرائيلية هو موقف آخر.
كل هذه المشكلات سارية اليوم، وأنا أنصحكم بأن تولوا الاهتمام لكل ذلك.
لا أدري أي مادة يمكننا أن نرسلها لكم، ربّما التأملات التي نشرناها
حول هذا الموضوع.
حسناً، كم يبلغ عدد مترجمي اليابانية لدينا؟
كينيا سيرّانو:
في كوبا، قليل؛ ولكن هم يستطيعون المساعدة في نقلها إلى اليابانية.
القائد العام:
سوف نرسل لكم أيضاً محاضرة روبوك ومادة ما أخرى.
وهكذا فإن ما نستطيع فعله بتواضع هو التعاون معكم في كل ما نستطيع. من
المؤكد أنه متوفر لديكم فيلم "Home"،
للمخرج الفرنسي جان آرث بيرتران. حول البيئة. إنه واحد من أفضل الأفلام
التي تم إنجازها.
إذا ما هاجموا إيران من أجل تدمير المفاعل، فإن الحرب ستصبح حرباً
نووية، ببساطة، لأن الإيرانيين طوّروا أسلحة تقليدية دفاعية، طوّروا
الطائرات بدون طيّار، ولديهم المئات من منصّات إطلاق الصواريخ؛ لن تسلم
سفينة عائمة واحدة، فهذا النوع من السفن يستطيع الدفاع عن نفسه من
صاروخ أو اثنين، ولكن ليس من صواريخ عديدة يتم إطلاقها بشكل متزامن،
حسبما علمت. هل تتصور هكذا وضع؟ إذا ما استخفّوا بالإيرانيين وشنّوا
هجوماً على هذه الأماكن، فإن خسائر المعتدين ستكون مرتفعة جداً. ويعلم
المعتدون أنه ستبدأ بذلك حرب لا نهاية لها. من يمكنه السيطرة على وضع
كهذا؟ من السهل إصدار أمر بشن الهجوم، فهكذا بدأت جميع الحروب، ولكنها
برأيي ربما تكون الحرب الأخيرة، لأنه في هذه الحالة ستتحول حتماً إلى
حرب نووية، من وجهة نظري. ليت أن ذلك لا يحدث، ولكنه أحد المخاطر التي
أعتبرها وشيكة على المدى المنظور.
كما ذكرتُ لكم، نحن على استعداد للتعاون بتواضع، ونكون شاكرين لكم على
كل الأخبار التي تستطيعون إرسالها لنا، وإذا ما واصلتم المجيء واتسع
لنا الوقت، وأقول الوقت، إذا لم تمنعنا شؤون أخرى، نلتقي مجدداً. أعدكم
بذلك.
شكراً (تصفيق).
ناو إينوي:
شكراً جزيلاً.
نحن استغلينا الفرصة وتعلّمنا الكثير أيضاً.
من أجل التعرف على حقيقة ما يجري هنا في هافانا، نحن المشاركون في
سفينة السلام –حسناً، لقد وصلنا للتو- لا نعرف إلا المرفأ الذي ترسو
فيه السفينة. بعد ذلك سنخرج للتعرف على النشاطات أيضاً، الأعمال التي
يقوم بها الكوبيون، وكذلك لكي نرى بشكل مباشر النشاطات والسياسات التي
يقومون بتنفيذها.
بالفعل، شكراً جزيلاً.
ماتسومي ماتسومارا:
نمرّ بجامايكا، ثم بقناة بنما، وبعدها إلى كورينتو، نيكاراغوا.
بودّي هنا أن أقدّم مدعواً هام جداً موجود هنا، وهو وزير الثقافة
النيكاراغوي، السيد لويس مورا (تصفيق).
القائد العام:
لكن، هل هو أتى معكم أم كان بانتظاركم هنا؟
لويس مورا:
كنتُ هنا في كوبا من أجل الصعود إلى السفينة.
القائد العام:
ولكن أنت ستذهب إلى جامايكا؟
لوس مورا:
إلى نيكاراغوا، إلى كورينتو.
القائد العام:
والآخر، من هو؟
لويس مورا:
يطيب لنا جداً أن نكون مع حضرتكم هنا. تحيات من دانييل ومن روساريو،
ومن الشعب النيكاراغوي إلى الشعب الكوبي الشقيق، الذي نكنّ له حباً
كبيراً وساعدنا كثيراً.
القائد العام:
شكراً جزيلاً.
لويس مورا:
طبعاً، طبعاً.
ماتسومي ماتسومارا:
شكراً جزيلاً.
إلى جانبه، مستشار أيضاً، من الطرف الكاريبي، السيد جون هوبكيسون.
المترجمة:
من الطرف الكاريبي من نيكاراغوا.
جون هوبكيسون:
تشرّفت، من الساحل النيكاراغوي، من بلوفيلدس، حيث تواجدت حضرتك، أيها
القائد، وسرت في شوارع بلوفيلدس قبل سنوات كثيرة.
القائد العام:
نعم، نعم، يسرّني ذلك جداً (تصفيق).
ناو إينوي:
هذا جرس وأتمنى أن تهبّ في غرفة حضرتكم ريح سلام وأن يدق بسلام أيضاً
(يسلّمه الجرس).
بودّي أن أقدم لكم كهدية أيضاً سفينتنا، "بيس بوت"، التي تتواجد الآن
في مرفأ هافانا، "Oceanic".
كينيا سيرّانو:
السفينة التي يبحرون فيها اسمها "SOS
Oceanic"،
وترفع العلم البنمي.
القائد العام:
حسناً، سوف أحتفظ به.
ناو إينوي:
بالفعل، شكراً جزيلاً على استقبالكم لنا. نعاهدكم على السير قدماً
بنشاطاتنا، لا سيّما بالتعاون مع "المعهد الكوبي للصداقة مع الشعوب" (ICAP)،
الذي وفّر لنا الدعم دائماً في تنفيذ نشاطاتنا هنا وإجراء اللقاءات،
وعلى رأسه كينيا وكذلك نائبة الرئيسة أليسيا كورّيديرا، التي تساندنا
دائماً.
شكراً جزيلاًُ، أيها القائد العام (تصفيق).
(يسلّمه هدايا).
القائد العام:
أظن أنني أخذت من وقتكم ساعة إضافية، ولكنني آمل أن تستطيعوا تنفيذ
باقي البرنامج. بسببي سوف تتأخرون ساعة بالمغادرة (ضحك وتصفيق).
عند هذه النقطة انتهى اللقاء. يمكن إثبات موضوعية ما قلته لهم.
تمكنتم من الملاحظة أنه عندما تكلّمتُ عن فرانكلين د. روزفلت، قلت أنه
ما كان من شأنه أن يلقي تلك القنبلتين برأيي. كان ببساطة مناهضاً
للفاشية، وضمن النظام الاقتصادي والسياسي لبلاده لم يقلّص بل رفع
الضرائب المفروضة على أصحاب الملايين، لدرجة أن اليمين كان يحقد عليه؛
هذا اليمين كان يمثّله هارّي ترومان في قلب الإمبراطورية.
يتعيّن على العالم أن يعرف وأن يتمعّن بحقيقة أن هارّي س. ترومان قال
حرفياً في خطاب إذاعي موجّه للأمة في التاسع من آب/أغسطس 1945:
"سيعرف العالم أن أول قنبلة نووية قد تم إلقاؤها على قاعدة عسكرية في
هيروشيما. وكان ذلك لأننا أردنا في هذا الهجوم الأول أن نتفادى قدر
الإمكان قتل مدنيين...".
لم يكن يوجد في هيروشيما أي قاعدة عسكرية. النقطة التي تم اختيارها هي
جسر صغير في وسط المدينة.
إشاعة تلك الأكذوبة كان عملاً دنيئاً مثيراً للاشمئزاز. كان ترومان
يدرك وعلى دراية كاملة بالقدرة التدميرية لتلك القنبلة.
في السادس من آب/أغسطس الماضي، مع حلول الذكرى الخامسة والستين لتلك
الجريمة الشنيعة، نقل الأكاديمي الكندي ميشيل شوسودوفسكي، ما كان هاري
س. ترومان نفسه قد كتبه في مذكّراته قبل 11 يوماً من إلقاء القنبلة:
" لقد اكتشفنا القنبلة الأكثر هولاً في تاريخ البشرية. يمكنها أن تكون
الدمار الناري الذي سبق ذكره في عصر وادي الفرات، بعد سفينة نوح... سوف
يتم استخدام هذا السلاح ضد اليابان... [نحن] سنستخدمها لكي تكون
المواقع العسكرية والجنود والبحارة هدفها وليس النساء والأطفال. بل
وأنه إذا كان اليابانيون متوحّشون وبلا رأفة ومتعصبون، فإننا كقادة
للعالم في سبيل الخير المشترك للجميع، لا نستطيع إلقاء هذه القنبلة
المخيفة على العاصمة القديمة أو الجديدة... الهدف سيكون عسكرياً
صرفاً... ربما تكون الشيء الأكثر إثارة للجزع تم اكتشافه، ولكنه ربما
يكون عملياً أكثرها نفعاً".
بدون أدنى شك، كانت أكبر عملية قتل وأكثرها دناءة في التاريخ.
فيدل كاسترو روز
26 أيلول/سبتمبر 2010
الساعة: 11:45 صباحاً --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م