إن تاريخ
كوبا خلال السنوات المائة وأربعين الأخيرة هو تاريخ النضال من
أجل صون الهوية والاستقلال الوطنيين وتاريخ تطوُّر إمبراطورية
الولايات المتحدة ومثابرتها في نيتها الاستيلاء على كوبا
والأساليب المريعة التي تستخدمها اليوم في سبيل المحافظة على
سيطرتها على العالم.
مؤرخون
كوبيون بارزون تناولوا هذه المواضيع بعمق في حقب مختلفة وكتب
متنوعة ورائعة تستحق أن تكون بمتناول أبناء وطننا. هذه
التأملات موجّهة خصيصاً للأجيال الجديدة لكي تتعرف على أحداث
هامة جداً وحاسمة في مصير وطننا.
الجزء الأول: فرض "تعديل بلات" كملحق
بالدستور الكوبي النيوكولونيالي لعام 1901.
عقيدة
"الثمرة الناضجة" هي عقيدة طرحها عام 1923 جون كينسي آدامز،
الذي كان يشغل آنذاك منصب وزير الخارجية ومن ثم تحوّل إلى رئيس
للولايات المتحدة. بموجب قانون الجاذبية، من المحتم أن تستولي
الولايات المتحدة على بلدنا عندما ينقطع حبل تبعيته لإسبانيا.
بذريعة
انفجار باخرة "ماين" (Maine)
–وهي حادثة ما لم يتم كشف خفاياها بعد، والذي تم استغلاله لشن
الحرب على إسبانيا؛ على غرار الحادث الذي وقع في خليج تونكين،
وهو حادث، خلافاً للأول، تم التأكد من افتعاله من أجل الهجوم
على فيتنام- وقّع الرئيس وليام ماك كينلي القرار المشترك
الصادر في العشرين من نيسان/أبريل 1898، الذي يعلن بأن "...
الشعب الكوبي هو شعب حر ومستقل ومن حقه أن يكون كذلك"، وأنه
"... لا رغبة ولا نية عند الولايات المتحدة بممارسة السيادة أو
فرض قانونها أو الهيمنة على الجزيرة، إلا من أجل إحلال السلام
فيها، وتؤكد أنه عندما يتحقق ذلك، فإنها ستترك حكم الجزيرة
والسيطرة عليها بيد شعبها". وسمح القرار المشترك للرئيس
باستخدام القوة من أجل القضاء على الحكم الإسباني في كوبا.
العقيد
ليونارد وود، القائد الرئيسي لكتيبة "روغ ريديرز"، وتيودور
روزفلت، القائد الثاني للمتطوعين التوسعيين الذين أنزلوا في
بلدنا عند الشواطئ القريبة من سنتياغو دي كوبا، بعدما دمّرت
البوارج الأمريكية الأسطول الإسباني، الباسل ولكن أسيء
استخدامه، ومعه قوات مشاة البحرية التي كانت على متنه، طلبا
دعم الثوار الكوبيين الذين كانوا قد تكلفوا ثمناً باهظاً من
التضحيات في استنزاف وإخراج الجيش الاستعماري الإسباني من
المعركة. وكانت كتيبة "روغ ريديرز" قد قامت بإنزالها البحرية
بدون الجياد.
على أثر
هزيمة إسبانيا، في العاشر من كانون الأول/ديسمبر من عام 1898،
تم توقيع معاهدة باريس بين ممثلين عن الملكة الوصية على العرش
الإسباني وبين ممثلي رئيس الولايات المتحدة، واتفق الطرفان
فيها، ومن وراء ظهر الشعب الكوبي، على تخلي إسبانيا عن كل حق
بالسيادة على كوبا ومُلكيتها وأنها ستجلو عنها. وهكذا تخضع
كوبا لاحتلال الولايات المتحدة بصفة مؤقتة.
بعدما تم
تعيينه حاكماً عسكرياً أمريكياً وعميد ركن للجيش، أصدر ليونارد
وود المرسوم رقم 301 في الخامس والعشرين من تموز/يوليو 1900،
ويوعز فيه بإجراء اقتراع عام لانتخاب مندوبين إلى جمعية
تأسيسية من واجبها الاجتماع في هافانا في الساعة الثانية عشرة
من أول يوم اثنين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1900، وذلك بهدف
صياغة وتبني دستور للشعب الكوبي.
في الخامس
عشر من أيلول/سبتمبر 1900 أجريت الانتخابات، وتم فيها اختيار
31 مندوباً جاؤوا من الأحزاب الوطني والجمهوري والاتحاد
الديمقراطي. وفي الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 1900 شُرع
بافتتاح المؤتمر الدستوري في قاعة مسرح "إيروخوا" في هافانا،
وفي تلك المناسبة أطلق عليه اسم مسرح مارتيه.
نيابة عن
رئيس الولايات المتحدة، أعلن الجنرال وود قيام الجمعية. وذكر
وود مسبقاً الأهداف التي كانت تضمرها الولايات المتحدة: "بعدما
تعطون صفة رسمية للعلاقات التي نرى بأنه يجب أن تقوم بين كوبا
والولايات المتحدة، ستتخذ حكومة الولايات المتحدة بدون أدنى شك
الإجراءات التي تؤدي من جانبها إلى اتفاق نهائي ومسؤول بين
شعبي البلدين، سعياً لدعم توطّد مصالحهما المشتركة".
نص دستور
عام 1901 في مادته الثانية بأن "أراضي الجمهورية تتكون من
جزيرة كوبا والجزر والجزيرات المتاخمة التي كانت تخضع معها
لسيادة إسبانيا حتى لحظة المصادقة على معاهدة باريس في العاشر
من كانون الأول/ديسمبر 1898".
بعد صياغة
الدستور حلّت لحظة تحديد طبيعة العلاقات السياسية بين كوبا
والولايات المتحدة. وعلى الأثر، تم في الثاني عشر من
شباط/فبراير 1901 تعيين لجنة مكوّنة من خمسة أعضاء مكلفة دراسة
واقتراح ما يلزم لتحقيق الغاية المنشودة.
في الخامس
عشر من شباط/فبراير دعا الحاكم وود أعضاء اللجنة إلى رحلة صيد
أسماك وأقام لهم وليمة في باتابانوه، المعبر الرئيسي للوصول
إلى ما تُعرف بجزيرة بينوس، المحتلة آنذاك من قبل القوات
الأمريكية التي تدخلت في حرب الاستقلال الكوبية. وفي باتابانوه
نفسها أعلن لهم عن رسالة من وزير الحرب، إيليهو روت، تحتوي على
الجوانب الأساسية من "تعديل بلات" المستقبلي. واستناداً إلى
التعليمات الواردة من واشنطن، فإن العلاقات بين كوبا والولايات
المتحدة يجب أن تحتكم إلى جوانب عدة. الجانب الخامس منها تمثل
في أنه من أجل تمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة للقيام
بواجبات كتلك التي تقع على كاهلها بموجب النصوص المذكورة، ومن
أجل دفاعها الذاتي، بوسع الولايات المتحدة شراء وحفظ ملكية
أراضي لإقامة محطات بحرية والمحافظة على هذه المحطات في بعض
النقاط المحددة.
عند معرفة
المؤتمر التأسيسي الكوبي بالشروط الموضوعة من قبل حكومة
الولايات المتحدة، أقرّ في السابع والعشرين من شباط/فبراير
1901 موقفاً يتعارض مع موقف الحكومة الأمريكية، شُطب منه موضوع
إقامة محطات بحرية.
اتفقت
حكومة الولايات المتحدة مع السيناتور الجمهوري عن كونيكتيكوت،
أورفيل هـ. بلات، على عرض تعديل على مشروع قانون موازنة الجيش
يحوّل أمر إقامة قواعد بحرية في الأراضي الكوبية إلى أمر واقع.
في هذا
التعديل الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي في 27 شباط/فبراير
1901 ومجلس النواب في الأول من آذار/مارس وصادق عليه الرئيس
ماك كينلي في اليوم التالي، كملحق "بقانون منح اعتمادات للجيش
في العام المالي الذي ينتهي في الثلاثين من حزيران/يونيو
1902"، أصبحت صياغة المادة المتعلقة بالقواعد البحرية على
النحو التالي:
"المادة
السابعة.- في سبيل توفير الشروط للولايات المتحدة لكي تحافظ
على استقلال كوبا وحماية شعبها، وكذلك من أجل دفاعها الذاتي،
ستبيع حكومة كوبا أو تؤجّر للولايات المتحدة ما يلزم من
الأراضي لمحطات تزويد بالفحم أو محطات بحرية في بعض النقاط
المحددة تتفق عليها مع رئيس الولايات المتحدة".
وتضيف
المادة السابعة: "تُدرج حكومة كوبا الأحكام سالفة الذكر في
معاهدة دائمة مع الولايات المتحدة".
إقرار
التعديل من قبل كونغرس الولايات المتحدة على وجه من السرعة
يعود إلى تواجد هذا المجلس على عتبة إنهاء فترته التشريعية
وتمتع الرئيس ماك كينلي بأغلبية مضمونة في كلا المجلسين من أجل
إقراره بدون صعوبات. وحين تولى ماك كينلي مقاليد عهده الرئاسي
الثاني في الرابع من آذار/مارس كان هذا التعديل قد تحول إلى
قانون أمريكي.
بقي بعض
أعضاء المؤتمر التأسيسي على طرحهم بأنهم ليسوا مخوَّلين لإقرار
التعديل الذي تطلبه الولايات المتحدة، إذ أنه يترتب عن ذلك
تقييد استقلال وسيادة جمهورية كوبا. حينذاك سارع الحاكم
العسكري ليونارد وود إلى إصدار مرسوم عسكري جديد في الثاني عشر
من آذار/مارس 1901 يعلن فيه بأن للمؤتمر صلاحيات للاتفاق على
إجراءات كانت هناك شكوك حول دستوريتها.
أعضاء
آخرون للمؤتمر، مثل مانويل سانغيلي، رأوا أنه يجب حل الجمعية
قبل أن تقر إجراءات مهينة لكرامة وسيادة الشعب الكوبي. ولكن في
جلسة السابع من آذار/مارس 1901 تم من جديد تعيين لجنة لصياغة
رد على الحاكم وود، ووقع طرحُها على كاهل خوان غوالبيرتو
غوميز، الذي نصح برفض البند المتعلق بتأجير المحطات البحرية أو
المزوِّدة بالوقود وغيره من البنود.
حافظ خوان
غوالبيرتو غوميز على أشد انتقاد "لتعديل بلات". وفي الأول من
نيسان/أبريل أخضعت للنقاش أطروحةٌ تطعن بالوثيقة لمخالفتها
مبادئ معاهدة باريس ومبادئ القرار المشترك. ولكن المؤتمر ألغى
المداولة حول أطروحة خوان غوالبيرتو غوميز وقرر إرسال لجنة
أخرى للاطلاع على "رؤى وأهداف حكومة الولايات المتحدة بشأن كل
ما له صلة بوضع صيغة نهائية للعلاقات، من الناحية السياسية ومن
الناحية الاقتصادية، بين كوبا والولايات المتحدة، والسعي لدى
الحكومة نفسها لوضع أسس لاتفاق حول هذه المسائل من أجل طرحها
على المؤتمر في سبيل إقرارها نهائياً".
في وقت
لاحق تم انتخاب اللجنة التي ستتوجه إلى واشنطن وتكونت من كل
من دومينغو مينديز كابوتي، دييغو تامايو، بيدرو غونزاليز
جرينتي، رافائيل بورتوندو تامايو، بيدرو بيتانكور، الذين وصلوا
إلى الولايات المتحدة في الرابع والعشرين من نيسان/أبريل 1901؛
وفي اليوم التالي تم استقبالهم من قبل كل من روت ووود، الذي
كان قد توجه إلى بلده مسبقاً لهذه الغاية.
سارعت
الحكومة الأمريكية إلى التصريح علناً بأن اللجنة تزور واشنطن
بمبادرة خاصة، من دون أي دعوة وبلا صفة رسمية.
وزير
الحرب، روت، استقبل اللجنة يومي 25 و26 نيسان/أبريل 1901 وأعلم
أعضائها بأن "حق الولايات المتحدة بفرض بنود تمت مناقشتها هو
حق أعلنته على مدار ثلاثة أرباع القرن من الزمن على وجه العالم
الأمريكي والأوروبي، وأنها ليست مستعدة للتخلي عنه لدرجة تعريض
أمنها نفسه للخطر".
وأكد
المسؤولان الأمريكيان بأن أي من بنود "تعديل بلات" لا ينتقص من
سيادة واستقلال كوبا وإنما، على العكس من ذلك، إنه يصونهما،
وأوضحا بأنه لن يكون هناك تدخل إلا في حال حدوث اضطرابات، ولن
يكون لهذا التدخل هدفاً آخر غير المحافظة على النظام والسلام
الداخلي.
قدّمت
اللجنة تقريرها في جلسة سرية انعقدت في السابع من أيار/مايو
1901. وظهرت داخل اللجنة خلافات حادة حول "تعديل بلات".
في 28
أيار/مايو أُخضعت للنقاش أطروحة قام بصياغتها كل من فيلوينديس
وتامايو وكيسادا وهي أطروحة تقبل بالتعديل مصحوباً ببعض
الإيضاحات وتوصي بالتوصل إلى اتفاق تجاري للمعاملة بالمثل.
هذه
الأطروحة تم إقرارها بأغلبية 15 صوتاً مقابل 14؛ ولكن حكومة
الولايات المتحدة لم تكن تعترف بهذا الحل، وأبلغت من خلال
حاكمها وود بأنها لا ترضى بالتعديل إلا كما هو، ونبهت المؤتمر
على شكل إنذار بأنه باعتبار "قانون برت" هو "قانون أقرته
السلطة التشريعية للولايات المتحدة فإن الرئيس ملزم بتنفيذه
على ما هو عليه. لا يمكنه تغييره ولا تعديله أو أن يضيف إليه
أو أن يشطب منه. التحرك الحكومي الذي يطلبه قانون التعديل هو
سحب الجيش الأمريكي من كوبا، ويسمح القانون بهذا التحرك حصراً
حين تكون قد قامت حكومة في ظل دستور يحتوي في نصه أو في
ملحقاته على أحكام محددة حاسمة مذكورة في القانون [...] إذا
وجدت الحكومة هذه الأحكام في الدستور، تكون مخوّلة آنذاك لسحب
الجيش؛ وإذا لم تجدها فيه، فإنها غير مخوّلة لسحب الجيش...".
وزير الحرب
الأمريكي بعث برسالة إلى الجمعية الدستورية الكوبية يعبّر فيها
عن وجوب إقرار "تعديل بلات" بالكامل ومن دون أي توضيح، إذ أنه
هكذا ظهر في قانون الموازنة الأمريكي؛ وأشار إلى أنه خلافاً
لذلك لن يتم سحب القوات العسكرية الأمريكية من كوبا.
في الثاني
عشر من حزيران/يونيو 1901، في جلسة سرية أخرى للجمعية
التأسيسية، جرى التصويت على ضم "تعديل بلات" كملحق بدستور
الجمهورية الذي تم إقراره في 21 شباط/فبراير: صوت 16 مندوب
لصالح الاقتراح، وصوت ضده 11. تغيب عن الجلسة كل من برافو
كوريوسو وروباو وخينير وريوس ريفيرا، ليمتنعا على هذا النحو عن
التصويت لصالح ذلك المسخ.
أسوأ ما في
التعديل هو النفاق والخداع والماكيافيلية والدناءة التي تم بها
إعداد خطة الاستيلاء على كوبا، لدرجة الإعلان جهراً عن ذات
الحجج المستخدمة من قبل جون كينسي آدامز عام 1823 حول سقوط
التفاحة بفعل الجاذبية. هذه التفاحة سقطت في نهاية الأمر،
ولكنها كانت متعفّنة، وهو ما تكهن به مفكرون كوبيون كثيرون على
مدار نصف قرن من الزمن، بدءاً من خوسيه مارتيه في عقد 1880
وحتى خوليو أنتونيو ميجا، الذي اغتيل في شهر كانون
الثاني/يناير من عام 1929.
لا يمكن
لأحد أن يكتب عما كان يعنيه "تعديل بلات" بالنسبة لكوبا أفضل
مما كتبه ليونارد وود نفسه في فقرتين من الرسالة السريّة،
المؤرخة في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1901، لرفيقه في المغامرات
تيودور روزفلت:
"عبر ‘تعديل بلات‘ لم يُترَك لكوبا طبعاً إلا القليل أو
لا شيء من الاستقلال، الأمر الوحيد الذي يُنصَح به الآن هو
السعي لضمها. غير أن هذا يحتاج لبعض الوقت، وخلال الفترة التي
ستتمتع فيها كوبا بحكومة خاصة بها، يفضَّل أن تكون لديها واحدة
تقودها نحو التقدم والتحسن. لا يمكنها أن تبرم اتفاقات معينة
من دون موافقتنا ولا أن تطلب من القروض ما يتجاوز حدوداً
تأملات
الجزء الثاني: تطبيق "تعديل بلات" وإقامة
قاعدة غوانتانامو البحرية كإطار للعلاقات بين كوبا والولايات
المتحدة.
في نهايات
عام 1901 بدأت العملية الانتخابية التي حقق فيها المرشح توماس
إسترادا بالما نصره بدون منافسين وحظي فيها بدعم 47 بالمائة من
أصوات الناخبين. الرئيس الذي تم انتخابه غيابياً غادر الولايات
المتحدة متوجهاً إلى كوبا في 17 نيسان/أبريل 1902 ووصل إليها
بعد ذلك بثلاثة أيام.
 |
كان فرض "تعديل بلات" من مسؤولية الحاكم العسكري اليانكي ليونارد وود. |
جرى نقل
السلطة في العشرين من أيار/مايو 1902 في الساعة
الثانية عشر نهاراً. كان كونغرس الجمهورية آنذاك
قد تأسس. ليونارد وود غادر متوجهاً إلى بلده على
متن البارجة "بروكلين".
في عام
1902، قبيل إعلان الجمهورية، أبلغت الحكومة الأمريكية رئيس
الجزيرة المنتخب حديثاً عن الأماكن الأربعة التي تم اختيارها
لإقامة المحطات البحرية –سيينفويغوس، باهيّا هوندا،
غوانتانامو، نيبي- المذكورة في "تعديل بلات". كما تم اعتبار
مرفأ هافانا، ولا أقل من ذلك، بأنه المكان الأنفع لإقامة
المحطة البحرية الرابعة".
منذ
البداية، ورغم افتعال نشوئها، اعترضت حكومة كوبا –التي كان
يشارك فيها كثيرون من المناضلين من أجل الاستقلال- على منح
أربع محطات بحرية، إذ رأت بأن اثنتين هما أكثر من كافيتين. بات
الوضع أكثر توتراً مع تشدد الحكومة الكوبية في موقفها
ومطالبتها بإعداد "اتفاق العلاقات الدائم" النهائية، وذلك لكي
"تحدد في ذات الوقت، وليس على أجزاء، جميع النقاط التي تمحور
"تعديل بلات" حولها ولتثبيت أبعاد نصوصه".
كان الرئيس
ماك كينلي قد توفي في الرابع عشر من أيلول/سبتمبر 1901 متأثرا
بأعيرة نارية أطلقت عليه في السادس من ذلك الشهر. تيودور
روزفلت كان قد بلغ من الصعود في حياته السياسية درجة شغله
لمنصب نائب رئيس الولايات المتحدة وعليه فقد تولّى الرئاسة على
أثر الأعيرة النارية القاتلة التي تلقّاها سلفه. لم يكن
ملائماً بالنسبة لروزفلت تحديد بُعد "تعديل بلات"، وذلك لكي لا
يؤخّر إقامة قاعدة غوانتانامو عسكرياً، نظراً لما تعنيه هذه
بالنسبة للدفاع عن القناة –التي بدأت فرنسا ببنائها في أمريكا
الوسطى ثم تخلت عنها- والتي كانت الحكومة الإمبريالية النهمة
تزمع إنجازها مهما كلّف الثمن.
في وقت
لاحق، وتنفيذاً للمادة السابعة من الملحق الدستوري المفروض على
المؤتمر التأسيسي، جرى توقيع الاتفاق من قبل كل من رئيس كوبا
في السادس عشر من شباط/فبراير 1903 ورئيس الولايات المتحدة في
الثالث والعشرين منه:
"المادة
الأولى: عبر هذه الوثيقة، تؤجر جمهورية كوبا للولايات المتحدة،
للمدة التي تحتاجها وبهدف إقامة محطات للتزويد بالفحم أو بحرية
فيها، المساحات المذكورة تباعاً من الأراضي والمياه الواقعة في
جزيرة كوبا:
"1. في
غوانتانامو..." (يظهر وصف كامل للخليج وللأراضي المتاخمة)
"2. في
باهيّا هوندا..." (يظهر وصف مماثل)
وينص ذلك
الاتفاق على:
"المادة
الثالثة.- مع أن الولايات المتحدة تعترف من جهتها باستمرار
السيادة النهائية لجمهورية كوبا على المساحات اليابسة والمائية
التي يرد وصفها سابقاً، وجمهورية كوبا تدرك من جهتها بأن تمارس
الولايات المتحدة سلطتها القانونية وسيادتها الكاملة على
المساحات المذكورة خلال الفترة التي تشغل فيها تلك المساحات
وفقاًَ لنصوص هذا الاتفاق، مع حقها بتملك أي عقار أو مساحة
أخرى تقع فيها لتحقيق الغايات العامة للولايات المتحدة، وذلك
عبر شرائها أو مصادرتها بالقوة مع دفع تعويض كامل لمالكيها".
في الثامن
والعشرين من أيار/مايو 1903 بدأت أعمال القياس من أجل تحديد
أطراف محطة غوانتانامو البحرية.
في إطار
اتفاق الثاني من تموز/يوليو 1903 حول هذا الشأن تم إقرار
"قانون تأجير المحطات البحرية ومحطات التزويد بالفحم".
"المادة
الأولى.- تقرر الولايات المتحدة الأمريكية وتلتزم بدفع مبلغاً
سنوياً لجمهورية كوبا قدره ألفا بيسو بالعملة الأمريكية من
الذهب خلال المدة التي تشغل وتستخدم بها هذه المساحات من
الأراضي بموجب الاتفاق المذكور".
جميع
الأراضي العائدة لملكية خاصّة وغيرها من العقارات الواقعة ضمن
تلك المساحات ستقوم جمهورية كوبا بشرائها بدون تخلّف. وتلتزم
الولايات المتحدة بأن تدفع لجمهورية كوبا المبالغ الضرورية
لشراء هذه الأراضي والأملاك ذات الملكية الخاصة، وستقبل
جمهورية كوبا هذه المبالغ بصفتها تسديداً مسبقاً من حساب
التأجير بموجب هذا الاتفاق".
الاتفاق
الذي حكم هذا الإيجار، والذي وقّعه في هافانا ممثلون عن
الرئيسين الكوبي والأمريكي، وافق عليه مجلس الشيوخ الكوبي في
السادس عشر من تموز/يوليو 1903 وصادق عليه كل من الرئيس الكوبي
بعد ذلك بشهر واحد، في 16 آب/أغسطس، والرئيس الأمريكي في
الثاني من تشرين الأول/أكتوبر وجرى في السادس من تشرين
الأول/أكتوبر في واشنطن تبادل الوثائق الوثيقتين المصادَق
عليهما، ونُشر في الجريدة الرسمية الكوبية في الثاني عشر من
ذات الشهر والسنة.
في الرابع
عشر من كانون الأول/ديسمبر 1903 أُبلغ أنه قد تم قبل أربعة
أيام من ذلك، في العاشر منه، تسليم الولايات المتحدة المساحات
المائية والأرضية لإقامة محطة غوانتانامو البحرية.
كان تسليم
جزء من أراضي كبرى جزر الأنتيل دافعاً للبهجة بالنسبة لحكومة
وبحرية الولايات المتحدة وسعت للاحتفال به. ولهذه الغاية تواجد
في هافانا الأسطول الكاريبي وبعض البوارج التابعة لأسطول شمال
الأطلسي.
الحكومة
الكوبية عيّنت رئيس الأعمال العامة في سنتياغو دي كوبا ليقوم
بتسليم ذلك الجزء من الأراضي التي كانت تمارس سيادتها عليها
نظرياً في العاشر من كانون الأول/ديسمبر 1903، وهو موعد
اختارته الولايات المتحدة. ربما كان الكوبي الوحيد الذي حضر
المراسم ولوقت قصير، ذلك أنه بعد قيامه بمهمته، بدون نخب ولا
معانقات، غادر إلى بلدة كايمانيرا المجاوِرة.
كان رئيس
الأعمال العامة قد انتقل إلى البارجة "كيرسيج"، وهي سفينة
القيادة الأمريكية، وكان يتواجد على متنها العميد البحري
باركر. في الساعة 12:00 أُطلق 21 عياراً مدفعياً، وعلى أنغام
النشيد الوطني الكوبي أُنزل العلم الكوبي الذي كان مرفوعاً في
تلك القطعة البحرية، ورُفع علم الولايات المتحدة على الفور على
اليابسة، عند النقطة المسماة بلاجا ديل إيستي (الشاطئ الشرقي)،
مع إطلاق ذات العدد من الأعيرة، وبذلك انتهى الاحتفال.
حسب قانون
الاتفاق، ينبغي على الولايات المتحدة أن تخصص تلك الأراضي
للاستخدام العام حصراً، ولا تستطيع أن تقيم فيها مراكز تجارية
أو صناعية من أي نوع كان.
تم ضرب
التزام متبادل بين سلطات الولايات المتحدة في تلك الأراضي وبين
السلطات الكوبية، على أن يسلم كل طرف للطرف الآخر الفارّين من
العدالة من البلد الآخر لارتكابهم جرائم أو جنايات بانتظار حكم
العدالة حالما طلبت ذلك سلطات البلد التي تقوم بمحاكمته.
المواد
المستوردة في أراضي المحطات المذكورة من أجل استخدام واستهلاك
تلك المحطات تكون معفية من دفع الضرائب الجمركية أو من أي نوع
آخر لجمهورية كوبا.
وشمل تأجير
المحطات البحرية المذكورة الحق باستخدام وشغل المياه المتاخمة
لتلك المساحات من الأرض والمياه، وبتحسين وتعميق مداخلها
ومراسيها، وكل ما يلزم من أجل الاستخدام الحصري المخصصة له.
مع أن
الولايات المتحدة كانت تعترف باستمرار السيادة النهائية لكوبا
على تلك المساحات من المياه واليابسة، فإنها كانت تمارس،
وبموافقة كوبا، "سلطتها القانونية وسيادتها الكاملة" على تلك
المساحات ما دامت تشغلها وفقاً للالتزامات الأخرى المذكورة
سابقاً.
في ما يسمى
"الاتفاق الدائم" الموقع في 22 أيار/مايو 1903 بين حكومتي
جمهورية كوبا والولايات المتحدة، كان قد تم تحديد العلاقات
المستقبلية بين البلدين: أي، تم ضمان ما أسماه مانويل ماركيز
ستيرلينغ "الخضوع الذي لا يمكن تحمّله ‘لتعديل بلات‘".
"الاتفاق
الدائم الموقع بين البلدين وافق عليه مجلس شيوخ الولايات
المتحدة في 22 آذار/مارس 1904 ومجلس الشيوخ الكوبي في 8
حزيران/يونيو من تلك السنة، وجرى تبادل المصادقتين في واشنطن
في الأول من حزيران/يونيو 1904. ولهذا فإن "تعديل بلات" هو
تعديل لقانون أمريكي وملحق بالدستور الكوبي لعام 1901 واتفاق
دائم بين البلدين.
الخبرة
المكتسبة من قاعدة غوانتانامو البحرية نفعت لتطبيق إجراءات
مماثلة أو أسوأ في بنما بالنسبة للقناة.
أسلوب
إدخال التعديلات في الكونغرس الأمريكي حين تتم مناقشة موضوع
غير قابل للتأجيل بالنظر إلى مضمونه وأهميته، هو أسلوب يجري
استخدامه بشكل متكرر عاد، مما يجبر المشرّعين على غض الطرف عن
وجهات نظرف مختلفة أو التضحية بهذه الآراء. مثل هذه التعديلات
لدغت في أكثر من مناسبة السيادة التي يناضل شعبنا من أجلها بلا
كلل.
في عام
1912 تفاوض وزير الخارجية الكوبي مع وزارة الخارجية الأمريكية
على اتفاق جديد تتخلى الولايات المتحدة بموجبه عن حقوقها
بباهيّا هوندا مقابل عملية توسيع لحدود محطة غوانتانامو.
في تلك
السنة، حيث وقع تمرد حزب الاستقلال الملوَّن، الذي قامت حكومة
الرئيس خوسيه ميغيل غوميز –من الحزب الليبرالي- بقمعه على نحو
همجي، خرجت من قاعدة غوانتانامو البحرية قوات أمريكية واحتلت
عدة بلدات من محافظة أوريينتي سابقاً قريبة من مدينتي
غوانتانامو وسنتياغو دي كوبا، وذلك بحجة "حماية أرواح ومزارع
مواطنين أمريكيين".
في عام
1917، بمناسبة التمرد المعرف باسم "لا تشامبيلومنا" في
أوريينتي، والذي قام به عناصر من الحزب الليبرالي اعتراضاً
منهم على التزوير الانتخابي الذي أدى لإعادة انتخاب الرئيس
ماريو غارسيا مينوكال، من الحزب المحافظ، خرجت فصائل يانكية من
القاعدة وتوجهت إلى نقاط مختلفة من تلك المحافظة الكوبية،
واستخدمت كذريعة لذلك "حماية تزوّد القاعدة بالمياه".
الجزء الثالث: الإلغاء الشكلي "لتعديل
بلات" والمحافظة على قاعدة غوانتانامو البحرية.
 |
سقوط دكتاتورية خيراردو ماتشادو في ظل ضغط حركة شعبية قوية شكلا عثرتين كبيرتين أمام تحقيق البرنامج الذي كان الشعب يطالب به. |
في عام
1933 أفسح وصول إدارة فرانكلين روزفلت الديمقراطية
إلى السلطة في المجال أمام عملية إعادة ترتيب
ضرورية لعلاقات الهيمنة التي كان يمارسها ذلك
البلد على كوبا. سقوط دكتاتورية خيراردو ماتشادو
في ظل ضغط حركة شعبية قوية، ومن ثم قيام حكومة
مؤقتة برئاسة الأستاذ الجامعي في علم الفسيولوجيا،
رامون غراو سان مارتين، شكلا عثرتين كبيرتين أمام
تحقيق البرنامج الذي كان الشعب يطالب به.
 |
بصفته وزيرا للاشغال العامة في حكومة غراو اصدر المناضل الشاب للامبريالية انطونيو غويتيراس اجراءات جذرية. |
في الرابع
والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1933 أصدر الرئيس
الأمريكي روزفلت بياناً رسمياً شجّع فيه تآمر
باتيستا والسفير الأمريكي لدى هافانا، سومنير
ويليسن، على حكومة غراو، وشمل بيانه عرضاً بتوقيع
اتفاق تجاري جديد وإلغاء "تعديل بلات". وشرح
روزفلت بأن "... أي حكومة مؤقتة يبدي الشعب الكوبي
ثقته فيها ستجد ترحيباً منا". توق الإدارة
الأمريكية للتخلص من غراو كان آخذاً بالازدياد،
ذلك أنه، ومنذ واسط شهر تشرين الثاني/نوفمبر، اشتد
نفوذ مناضل شاب معادي للإمبريالية، وهو أنتونيو
غيتيراس، داخل الحكومة، وهي حكومة قامت في
الأسابيع اللاحقة بالكثير من خطواتها الأشد
راديكالية. كان لا بد من الإطاحة بتلك الحكومة على
وجه السرعة.
في الثالث
عشر من كانون الأول/ديسمبر 1933 عاد السفير سومنير ويليس إلى
واشنطن نهائياً، وتم استبداله بعد ذلك بخمسة أيام بجيفرسون
كافيري.
 |
أصدر الرئيس الأمريكي روزفلت بياناً رسمياً شجّع فيه تآمر باتيستا والسفير الأمريكي لدى هافانا، سومنير ويليسن، على حكومة غراو |
 |
يناير 1934 دعا باتيستا وترأس اجتماعاً في كولومبيا اقترح فيه استبدال غراو وتعيين العقيد كارلوس ميندييتا ومونتيفور، وهو أمر اتفقت عليه ما تسمى هيئة كولومبيا العسكرية(في الصورة الى الوسط فريديريكو برو، الى البسار باتيستا والى اليمين رامون عراو). |
خلال يوم
13 و14 كانون الثاني/يناير 1934 دعا باتيستا وترأس
اجتماعاً في كولومبيا اقترح فيه استبدال غراو
وتعيين العقيد كارلوس ميندييتا ومونتيفور، وهو أمر
اتفقت عليه ما تسمى هيئة كولومبيا العسكرية. قدّم
غراو سان مارتين استقالته فجر الخامس عشر من كانون
الثاني/يناير 1934 وأبحر إلى المكسيك، منفياً، في
العشرين من ذات الشهر. حينذاك، حلّ ميندييتا كرئيس
عبر انقلاب حكومي في الثامن عشر من كانون
الثاني/يناير 1934. ومع أن إدارة ميندييتا حظيت
باعتراف الولايات المتحدة في الثالث والعشرين من
كانون الثاني/يناير من تلك السنة، الحقيقة أن
السفير كافيري وباتيستا كانا يديران دفّة الأمور
في البلاد، كما هو معروف.
الإطاحة
بحكومة غراو سان مارتين المؤقتة في شهر كانون الثاني/يناير
1934، التي ذهبت ضحية تناقضاتها الداخلية وضحية ترسانة الضغوط
والمناورات والاعتداءات التي شنتها عليها الإمبريالية وحلفائها
المحليون، عنت خطوة أولى وضرورية نحو فرض خيار
أوليغارشي-إمبريالي كمخرج من الأزمة الوطنية الكوبية.
 |
وقع على كاهل الحكومة التي ترأسها ميندييتا مهمة إعادة ترتيب علاقات التبعية النيوكولونيالية للبلاد. |
وقع على
كاهل الحكومة التي ترأسها ميندييتا مهمة إعادة
ترتيب علاقات التبعية النيوكولونيالية للبلاد.
لا
الأوليغارشية التي أعيد تنصيبها في السلطة ولا حكومة واشنطن
كانتا في ظروف تسمح في ظروف تسمح لهما بتجاهل شعور الشعب
الكوبي تجاه النيوكولونيالية وأدواتها. لم تكن الولايات
المتحدة تجهل أيضاً أهمية دعم حكومات أمريكا اللاتينية –ومن
بينها كوبا- للمواجهة التي كانت قد أصبحت آنذاك متوقَّعة مع
قوى إمبريالية أخرى ناشئة مثل ألمانيا واليابان.
في تلك
العملية التي كانت في بدايتها آنذاك، احتاج الأمر لهيكلة صيغ
لضمان العمل المتجدد للنظام النيوكولونيالي. سياسة "حسن
الجوار" كانت تأخذ تماماً بعين الاعتبار المعارضة الأمريكية
اللاتينية لنزعة التدخل المفتوح التي كانت واشنطن قد مارستها
في النصف الغربي من العالم. وكان من أهداف سياسة روزفلت التمكن
من إعطاء صورة جديدة لعلاقاته القارية من خلال الصيغة
الدبلوماسية "حسن الجوار".
كواحد من
إجراءات إعادة الترتيب، تم في التاسع والعشرين من أيار/مايو
1934 توقيع اتفاق جديد للعلاقات الكوبية-الأمريكية، في تعديل
للاتفاق الموقَّع في 22 أيار/مايو 1903، وقد وقّعه روزفلت آخر،
ربما كان على علاقة قربى بعيدة، يختلف عن روزفلت "الفرسان
القساة" الذي أنزل في كوبا.
قبل يومين
من ذلك، في السابع والعشرين من أيار/مايو في الساعة العاشرة
والنصف صباحاً، وفي اللحظات التي كان سفير الولايات المتحدة،
جيفرسون كافيري، يستعد فيها للمغادرة، كالعادة، تعرض مقر
إقامته في ألتوراس دي ألمينداريس (مرتفعات نهر ألمينداريس)
لإطلاق ثلاثة أعيرة نارية من قبل عدة أشخاص مجهولين من سيارة.
وفي اليوم التالي، 28 أيار/مايو، عند منتصف النهار، أثناء مرور
السيارة الموضوعة بخدمة السكرتير الأول لسفارة الولايات
المتحدة، هـ. فريمان ماثيوس، بالجادة الخامسة، في طريق عودتها
بعدما تركت الدبلوماسي في مقر السفارة، تعرضت لهجوم عدة أفراد
مسلحين برشاشات كانوا في سيارة أخرى. توجّه أحدهم إلى السائق
وقال له أن يبلغ ماثيوس بأنه يمهله أسبوعاً واحداً لكي يغادر
كوبا؛ وقام تباعاً بتوجه ضربة لزجاج السيارة وكسره ثم اختفوا
جميعهم بسرعة البرق.
هذه
الأعمال أظهرت شعوراً عاماً بالعداء للولايات المتحدة، وربما
أنها عجّلت في توقيع اتفاق العلاقات الجديد، الذي طرح ما زُعم
بأنها نهاية "تعديل بلات" المبغوض شعبياً.
نص الاتفاق
العلاقات الجديد على إلغاء حق الولايات المتحدة بالتدخل في
كوبا، وأنه:
"بدافع
بالرغبة لديهما في تطوير علاقات الصداقة بين البلدين، وتعديل
العلاقات القائمة بينهما استناداً إلى اتفاق العلاقات الموقع
في هافانا في 22 أيار/مايو 1903 لتحقيق هذه الرغبة، (...)
اتفقت جمهورية كوبا والولايات المتحدة الأمريكية على المواد
التالية:
[...]
 |
في التاسع من حزيران/يونيو، تم في واشنطن تبادل الوثائق المصادَق عليها من اتفاق العلاقات العائد إلى 29 أيار/مايو من تلك السنة، وبذلك اندثر "تعديل بلات" شكلياً، ولكن قاعدة غوانتانامو البحرية بقيت |
المادة
الثالثة.- ما لم يتفق الطرفان المتعاقدان على
تعديل أو إلغاء ما ينص عليه الاتفاق الموقّع من
قبل كل من رئيس جمهورية كوبا في السادس عشر من
شباط/فبراير 1903 ورئيس الولايات المتحدة
الأمريكية في الثالث والعشرين من ذات الشهر
والسنة، حول استئجار الولايات المتحدة الأمريكية
لأراضٍ في كوبا لإقامة محطات تزويد بالفحم أو
محطات بحرية، تبقى على حالها النصوص الواردة في
ذلك الاتفاق بشأن محطة غوانتانامو البحرية. وفيما
يتعلق بهذه القاعدة، يبقى ساري المفعول أيضاً،
بذات الأشكال والشروط، الترتيب الإضافي المتعلق
بالمحطات البحرية، والذي اتفقت عليه الحكومتان في
الثاني من تموز/يوليو 1903. ما لم تغادر الولايات
المتحدة الأمريكية محطة غوانتانامو البحرية
المذكورة، أو ما لم تتفق الحكومتان على تعديل
حدودها الراهنة، تواصل شغل ذات المساحة التي
تشغلها الآن، بحدودها القائمة في تاريخ توقيع هذا
الاتفاق".
صادق مجلس
شيوخ الولايات المتحدة على اتفاق العلاقات الجديد في الأول من
حزيران/يونيو 1934، وكوبا في الرابع من حزيران/يونيو. بعد ذلك
بخمسة أيام، في التاسع من حزيران/يونيو، تم في واشنطن تبادل
الوثائق المصادَق عليها من اتفاق العلاقات العائد إلى 29
أيار/مايو من تلك السنة، وبذلك اندثر "تعديل بلات" شكلياً،
ولكن قاعدة غوانتانامو البحرية بقيت.
الاتفاق
الجديد أعطى صفة قانونية لحالة الأمر الواقع التي كانت محطة
غوانتانامو البحرية عليها، ولذلك فإن ما تم هو إلغاء الجزء من
اتفاقات السادس عشر والثالث والعشرين من شباط/فبراير والثاني
من تموز/يوليو 1903 بين البلدين المتعلق بأراضي مياه باهيّا
هوندا، وعُدل الجزء المتعلق بمياه وأراضي محطة غوانتانامو
البحرية باتجاه توسيعها.
لقد حافظت
الولايات المتحدة على محطة غوانتانامو البحرية كموقع إستراتيجي
للمراقبة وكمتّسع مائي، من أجل ضمان هيمنتها السياسية
والاقتصادية على جزر الأنتيل وأمريكا الوسطى وللدفاع عن قناة
بنما.
معينة، ومن
واجبها الإبقاء على الشروط الصحيّة التي حُدِّدت لها، وكل هذا
يدلّ بوضوح على أنها بين أيدينا على نحو مطلق، ولا أظن أن
حكومة أوروبية ستنظر إليها للحظة واحدة خلافاً لما هي عليه،
تبعية كاملة للولايات المتحدة، وبهذه الصفة هي تستحق
اعتبارنا". "... مع السيطرة التي سرعان ما ستتحول إلى ملكيّة،
سنسيطر خلال وقت قصير عملياً على تجارة السكر في العالم.
الجزيرة ستتأمرك تدريجياً، وفي اللحظة المناسبة، سنتمتع بواحدة
من أغنى وأشهى الممتلكات في العالم".