اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 فلسفة مرض السرطان
 

فلسفة مرض السرطان

 

في العلم والفلسفة..

 الأسس الفلسفية للبيولوجيا:

 

                    =  فلسفة مرض السرطان

 

يدعو بعض الباحثين الواسعو الأفق الى فهم شامل للحياة والكون لكي يستطيعوا أن يعرفوا حقيقة هذا المرض كأنهم يرون أن حقيقة المرض غير منفصلة عن حقيقة الحياة والكون وسرهما الواحد.

==========

 

في مبحثنا هذا* نحاول معرفة الانسان أولا وتفسير حقيقة وجوده من خلال مبادئ جدلية تحكم كل شىء في الكون وتلتقي عليها المعرفة الفلسفية والعلمية والدينية وقد تكلمنا عليها باسهاب في كتاب ( القانون المطلق ) الذي نشرته دار الفارابي ، بوصف الانسان وكما قيل يجمع في داخله مختصر مضغوط لبرمجة الكون كله أو إنه العالم الأصغر الذي انطوى فيه العالم الأكبر . ولا بد هنا من أن نذكر بتلك المبادئ العامة التي قررناها في الكتاب وباختصار لأننا انطلقنا منها في تفسير حقيقة الانسان كما سننطلق منها هنا في تفسير حقيقة المرض .

(1)       إن التناقض يتخلل عالم الفكر والمادة، وإن وجود أحد النقيضين يقتضي وجود الآخر، فهما يرتبطان بعلاقة تناقض لا معنى لهما خارجها، وللحقيقة أطرافها الثلاثة: الشيء ونقيضه والعلاقة بينهما.

(2)                   إن التناقض حالة وجود، وهو حالة حركة تقابل حالة أخرى هي حالة سكون واستقرار. والسكون هو أحد النقيضين خارج علاقته بالآخر. وهو عدم لأنه لا معنى لأحد النقيضين خارج علاقته بالآخر، او لا وجود له الا بها. وهي وجود لأنها تناقض. واذا كان السكون او العدم لا يتعرف او لا يوجد الا بالعلاقة او الحركة، فإن هذا يعني أسبقية وجود الحركة على وجود السكون او العدم، إذ العلة سابقة على المعلول. واذا كانت الحركة تناقضاً (نقيضين)، وكان السكون بعد وجوده هو أحد هذين النقيضين، فإن أسبقية وجود الحركة على وجود السكون يعني أسبقية وجودها على وجود أحد طرفيها، أي أسبقيتها بأحد طرفيها. ولكننا قلنا إنها ليست حركة الا اذا كانت تناقضاً، وهي بأحد طرفيها نقيض واحد، فكيف نقول إن الحركة سابقة في الوجود؟… وهنا استعملنا تعبير (أصل الحركة) وأطلقناه على الحركة عندما كانت بأحد طرفيها، عندما كان أحد طرفيها سكوناً او عدماً قبل أن يوجد. أي ان أحد النقيضين (في علاقة الحركة بالسكون) هو أصل الحركة وهو الحركة بعد وجود نقيضه..

وقد تساءلنا عن معنى قولنا بأسبقية (أصل الحركة) حيث أحد النقيضين قبل وجود الآخر، ونحن قلنا ان لا وجود لأحد النقيضين الا بوجود الآخر. واجبنا بأن العدم له نوع من التعريف، وهو يستمد تعريفه من خلال نقيضه الحركة او الوجود. وإذا كانت هذه تناقضاً او وجود نقيضين، وان العدم او السكون هو أحد هذين النقيضين خارج علاقته بالآخر، فإن الحركة في مقابل السكون او العدم ستكون عبارة عن نقيضين ناقصاً أحدهما (أصل الحركة)، أي ان الحركة ستكون وجوداً يعاني من خلو، وان العدم هو هذا الخلو او الفراغ او النقص. فالتناقض اذن بين الوجود(أصل الحركة) والعدم تناقض بين امتلاء وخلو ايجاب وسلب. وقد عبرت الفيزياء عن العدم بأنه فراغ او ثقوب تخلو من الوجود. وهذا الفراغ يتعرف عليه من خلال الامتلاء او الوجود الذي يحفه. فالحيز الذي تشغله الجسيمات هو وجود وما يخلو منها فهو فراغ او عدم. إن العدم فراغ يقابل امتلاء، فراغ في امتلاء. وهذا الفراغ قابل للظهور كثقب فارغ في وسط ما، مما يؤدي الى ظهور التناقض الذي ظل كامناً ما دام العدم لم يوجد او لم يظهر بعد. إن وجود العدم او السكون (النقيض المتأخر) وجود ظاهر، أي في حالة ظهوره. أما النقيض السابق (أصل الحركة) فهو وجود كامن ما دام مصاحباً العدم نقيضه قبل أن يحيله الى وجود ليوجد التناقض او يظهر.

(3)       إن التناقض او العلاقة حركة وإن صورة الحركة هي صراع بين المتناقضين يسعى أحدهما فيه الى نفي الآخر او تجاوزه واخراجه من وحدة العلاقة. وإن التناقض أو الصراع ليس بين النقيضين في داخل العلاقة فقط، فهناك صراع آخر هو بين هذا النقيض السابق (أصل الحركة) وبين  صورته الأخرى عندما يتحول الى حركة أي الى علاقة تناقض. فهو عندما كان سابقاً كان بأحد طرفي العلاقة، نقيض واحد، وعندما يتحول الى علاقة او حركة فهو نقيضين. واذا كان النقيضان يتصارعان، وأن أحدهما الذي كان سابقاً على وجود العلاقة هو الذي سينتصر وسيطرد نقيضه، وأن العلاقة او الحركة ستنتهي اليه فإن هذا يعني أن الصراع بين هذا النقيض السابق وبين صورته الأخرى بعد أن تحول الى علاقة سينتهي الى انتصاره وبقائه وحده بعد طرد نقيضه.

(4)       الصراع إذن يرتبط بغاية هي انتصار أحد النقيضين على الآخر. أي نفيه له وقضاؤه على التناقض. وهو يبقى مستمراً طالما وجد تناقض مع الغاية التي يريد بلوغها هذا النقيض حتى اذا ما بلغها وقف عندها. واذا انتفى التناقض انتفت الحركة واستقرت، فقد قلنا إن التناقض حركة،  أي ان الحركة  لها أجل  مسمى تنتهي عنـده.

(5) إن الصراع تحكمه غاية هي البداية التي تحرك بها الصراع وهي النهاية التي ينتهي اليها الصراع. والغاية هي انتصار أحد النقيضين الذي هو سابق او ثابت، وانتصاره يعني نفيه للآخر أي وجوده بغير وجود نقيضه. وهذا كان قبل وجود الصراع، أي قبل وجود النقيض الآخر ويكون بعد نهايته، بعد نفيه للآخر. أي ان أحد النقيضين هو الغاية التي يتوجه اليها الصراع كما أنه البداية، وعندما تكون النهاية هي البداية فمعنى هذا أن مسيرة حركة الصراع تتخذ شكلاً دائرياً.

(6) إن الوجود الكامن (أصل الحركة) جوهر او مضمون او فكر وبعد أن يخلق نقيضه ويتم التحول الى علاقة تناقض فإنه يصبح وجودا ظاهرا ولكنه لايظهر منه الا الجزء المحدود الذي يعادل الجزء المحدود الذي يظهر من نقيضه (إذ لا يظهر كل العدم مرة واحدة لأن وجوده وجود جزئي) أما الوجود الجوهري السابق فإنه يبقى يمثل وجوداً كامناً الا ما ظهر منه جزئيا . وهنا تنشأ علاقة صراع جديدة بين الوجود الكلي الكامن والوجود الجزئي الظاهر(وهذا يعني أنهما مختلفان) وأن علاقة الصراع بين الوجود الكلي الكامن او الجوهر او الفكر وبين الوجود الظاهر او الفعل او الواقع(الذي تحقق جزء منه في العلاقة) تبقى مستمرة ، إذ لا يكون  التحول الى فعل او واقع يظهره مرة واحدة فهذا يحدث على مراحل حتى ينتقل الى الكمال الذي يمثله هو، أي ان الفكر يتناقض مع فعله. واذا كان التناقض صراعاً فإن الصراع يبقى طالما وجد تناقض بين الفكر والفعل، بين المضمون والشكل. وإنهما متى  ما تطابقا انتهى التناقض وتوقف الصراع لأن غاية الصراع أن يبلغ بالفعل الى كمال الفكر. والفكر يستفيد من فعله الذي هو بمنزلة خبرة تعين على بلوغ الكمال، ومرحلة متجاوزة الى الكمال. والفكر في تجاوزه المتواصل او في حركته الرافضة لا ينسى هذه المراحل التي يتجاوزها، إنما يحتفظ بها أجزاءً من غايته الكلية. إن الفعل مصدره فكر والشكل مصدره مضمون. فالفكر خالق للفعل، والمضمون خالق للشكل، وبهذا فلا وجود للثاني من هذه الا بالأول منها.

........

هذه المبادئ العامة تتضح في كل علاقة تناقض أي في كل الظواهر والموجودات، لأن التناقض يتخللها كلها ـ كما ذكرنا ـ وسنحاول أن نتلمس هذه المبادئ في الانسان إذ انه محكوم بمبادئ قانون ثابت لأنه تضمه ثنائية متلازمة مكونة من ذكر وأنثى وهما مختلفان في الجنس. كما أن كلاً من طرفي العلاقة، أي كل من الذكر والأنثى عبارة عن علاقة بين عامل ذكري يأخذه من الأب وعامل أنثوي يأخذه من الأم، فهما علاقة بين ذكر وأنثى. وسنحاول أن نتتبع تطور العلاقة بين الذكر والأنثى عبر تاريخ الإنسان وما تفترضه المعرفة التي قررناها لهذا التطور. ونتتبع تطور هذه العلاقة في جسم الانسان. وسنتعرف على طبيعة الصراع بين الأطراف المتناقضة أو المختلفة وتطوره ونتيجته التي ينتهي اليها.

لقد ذكرنا أن الانسان علاقة بين ذكر وأنثى. وقلنا في بحثنا الذي سبق إنه ما دامت العلاقة مصدرها أحد النقيضين المكونين لها فإن الإنسان مصدره أحد هذين العاملين ونقصد به العامل الذكري. واذا كان الانسان مصدره العامل الذكري فإن هذا يعني أن العامل الأنثوي مصدره العامل الذكري من حيث أنه مصدر للعلاقة التي تضم الذكر والأنثى. وقلنا إن الفكر الديني أكد هذا وكذلك العلم. فالعلم يرمز الى العامل الذكري برمز XY والى الانثوي برمزXX. ويلاحظ أن العامل الذكري ينطوي على الأنثوي، وأنه علاقة بينه وبين العامل الأنثوي. ولقد قلنا إنه مصدر العلاقة السابق على وجودها والسابق على وجود نقيضه (الأنثوي) . وعندما كان سابقاً فإنه يكون بأحد طرفي العلاقة ، وهو بهذا ليس رجلاً، ليس إنساناً. الرجل علاقة (XY) وبهذا  فإننا نعني بأسبقية وجود الرجل او العامل الذكري أن له أصله السابق او الثابت في الوجود، اما المرأة فإن وجودها او ظهورها يقترن بوجود العلاقة (الرجل)، ووجود الرجل يقترن بوجودها لأنها أحد طرفيه.

عندما يكون الرجل سابقاً على وجود المرأة فهو يمثل هذا النقيض الذي سميناه (أصل الحركة) الذي هو عبارة عن الحركة أي العلاقة ولكن بأحد طرفيها، أما طرفها الآخر فهو عدم مما يجعل التناقض غير ظاهر، مما يجعل هذا النقيض السابق (أصل الحركة) وجوداً كامناً او جوهراً. فالرجل هو جوهر أو وجود كامن قبل أن يوجد العدم (المرأة) لتوجد العلاقة أو يظهر النقيضان. وبوجود المرأة يظهر الوجود الذي كان كامناً. أي ان وجود المرأة يعني وجود الشكل وانتقال الوجود الإنساني الى عالم المادة، والدليل على أن وجود المرأة وجود(ظاهري) لكلا الطرفين، أن العامل (X) يضمه كلا الطرفين(XY) و(XX)، وهو ضروري لوجودهما أو لظهورهما كما سنعرف .

إن الرجل عندما كان سابقاً كان يمثل وجوداً كامناً، وبعد وجود المرأة وتحوله الى علاقة أي الى وجود ظاهر فإنه يبقى يمثل وجودا كامنا لأنه يحمل وجودا كامنا ، ذلك لأن المرأة التي فيه وهي أحد طرفي العلاقة التي يمثلها مازالت تمثل عدماً او غياباً . وهي لا تمثل كل العدم الذي يجب أن يظهر إنما تمثل نسبة منه وهذه النسبة لا تعادل كل الوجود الجوهري الكامن في العلاقة التي يمثلها جنس الرجل إنما تعادل نسبة منه بمقدار ما يسمح بظهور الرجل الواحد، فهي تشبه الالكترون او الشحنة السالبة في النترون والتي تعادل في نسبتها الشحنة الموجبة للبروتون وليست كل الشحنة الموجبة الكامنة في المادة كما إنها ليست كل السلب الذي يجب أن يظهر أو أن يطرد من المادة ولهذا يبقى الرجل يمثل وجوداً كامناً[1]  أي ان في الرجل وجودا جوهريا كامنا لم يظهر بعد لأن نسبة العدم التي وجدت فيه هي نسبة جزئية وهي لاتعادل كل الوجود الجوهري الكامن في الرجل . إن وجود الرجل يمثل إذن الجوهر أو المضمون لأنه ينطوي على وجود جوهري لم يظهر بعد، أي انه بالنسبة الى المرأة التي هي وجود ظاهر يمثل اللاظهور. إن الرجل والمرأة حالتان للوجود، كلاهما وجود، الا أن الفرق بينهما أن المرأة شكل، والرجل جوهر لأنه مازال يحمل عدماً ، مازال يحمل شحنة سالبة لم يقذفها عنه, مازال يحمل وجودا قابلا للظهور وجوهرا قابلا للظهور. ونحن نشبه التناقض الذي بين الرجل والمرأة والصراع الدائر بينهما بالتناقض الذي بين النترون والشحنة الموجبة، والصراع الدائر بينهما في العلاقة التي تمثلها نواة الذرة. وهذا يعني أن وجود المرأة له مظهران: وجود سالب في الرجل، ووجود موجب تمثله هي. وقد ذكرنا في (القانون المطلق ) أن وجود العدم يعني شحنة سالبة هي الالكترون الذي هو أحد الطرفين المكونين للنترون، قبل أن ينفي عنه الشحنة السالبة وينشطر ويؤول أمره الى الشحنة الموجبة او البروتون. أي ان البروتون مازال يمثل في النترون جوهراً كامناً لم يتجل بعد، يتمثل بوجود الرجل وبعد خروجه منه فإنه يمثل وجوداً ظاهراً او امرأة.

إن المرأة هي الشكل الذي يظهر الوجود السابق (الوجود الكامن) لأن وجودها يظهر وجود الرجل الذي قلنا إنه وجود جوهري . المرأة هي الوجود الظاهر، الوجود المتأخر. وإن الشكل او الوجود الظاهر يوجد بعد ايجاد العدم، يوجده هذا الوجود السابق ليخلق شكلا يظهره. واذا كان الوجود السابق يوجد العدم على مراحل او أجزاء ـ كما مر معنا ـ فإن وجود المرأة على مراحل او أجزاء أي ان وجود المرأة وجود جزئي ، أما الرجل فإنه يرتبط بالوجود الكلي الجوهري . إن هذه الأجزاء التي يمثلها وجود المرأة على الأرض لا تمثل او لا تظهر الوجود الجوهري السابق عليها كاملاً حتى يتم إيجاد آخر جزء من العدم او نفي آخر جزء من العدم في آخر علاقة وهي العلاقة التي تراكمت فيها كل الأجزاء التي تم إيجادها، إن الجزء الأخير او المرأة الأخيرة تعكس الوجود الكامن او الجوهر السابق عليها . الشكل الذي لا سلب فيه اذن هو امرأة أخيرة. إن غاية التطور الطويل في تاريخ الانسان هي الوصول الى هذه المرأة فهي غاية استمرار الجنس البشري وغاية وجود الانسان، إنها الغاية التي يسعى اليها الكون كله.

إن الرجل كالنترون في الذرة يمثل العلاقة بين عاملين وهذا يعني أن العلاقة لم تنته، أي ان هناك وجوداً كامناً وان هناك عدماً. فالرجل يمثل وجوداً كامناً بما يتضمنه من الوجود الجوهري الكامن فيه والذي لم يظهر منه وجود العدم إلا وجودا محدودا يتمثل بإنسان واحد. أما المرأة فهي تمثل البروتون، وهو الشحنة الموجبة التي تبقى كامنة في النترون حتى ينشطر النترون ليؤول اليها. إنها الوجود الذي يكشف عن الوجود الذي كان كامنا  في الرجل، إنها تكشف عن وجود الرجل الجوهري وعن وجودها الظاهري . إن المراة اذن  تكشف عن الوجود الإنساني، ولهذا فإن وجود الانسان يكون عن طريق المرأة، إنه يخرج من المرأة، لأنها تظهر الوجود.  

إن العامل الأنثوي الذي في الرجل يمثل الشحنة السالبة التي في النترون ـ كما قلنا ـ والتي لم يطردها النترون بعد ليتحول الى بروتون، (وهو ما تمثله المرأة) وذلك لأن في الرجل جوهرا لم يتجل تماما في كل الوجود الإنساني ،أي ان هناك بشرا آخرين هم في أصلاب الرجال. ووجود الرجل_مفردا_ يمثل جزءا أو بعضا من هذا الوجود الكلي الذي يرتبط به. إن الرجل يمثل جوهراً لم يتطابق بعد مع شكله حتى يوجد هذا الشكل او المظهر الأخير. وهذا المظهر الأخير تظهره المرأة الأخيرة التي تمثل إظهارا لكل الوجود الجوهري. فالرجل كالنترون، وقد قلنا في ( القانون المطلق ) إن النترون يتم تجاوزه باستمرار عن طريق خلق الشحنة الموجبة لكي يتخلص من الشحنة السالبة فيه او العدم. وإن التجاوز المستمر للنترون هو في الوقت نفسه تجاوز للشحنة الموجبة التي تخلق باستمرار لأنها تمثل اشكالاً ناقصة لا تمثل تماماً الجوهر الكامل، الكامن او لا تظهره. وإن التناقض الذي بين النترون والشحنة الموجبة (وهي البروتون الذي يتولد من انشطار النترون بعد نفيه للالكترون)، والتي ماتزال تمثل جوهراً كامناً في النترون ـ كما قلنا ـ يبقى مستمراً حتى يتم نفي الشحنة السالبة التي ما تزال تصارعها الشحنة الموجبة في داخل علاقة التناقض التي يمثلها النترون. والتناقض بين المرأة والرجل يبقى مستمراً حتى يتم اظهار كل الجوهر الكامن في الرجل وتحويله الى وجود ظاهر، أي حتى يتم إيجاد آخر امرأة تمثل إظهارا  لكل الجوهر الكامن في الرجل. فالرجل يمثل مرحلة في المادة قبل أن ينطبق عليها شكلها الكامل. وقد قلنا إن الصراع يبقى مستمراً بين النترون والشحنة الموجبة حتى يتم نفي الشحنة السالبة كلها، فيتكرر التحول الى نترون ثم الى بروتون. وهذا عين ما يحدث في العلاقة التي تضم الرجل والمرأة، فيستمر الصراع أو التفاعل بين المرأة والرجل الذي يمثل صراعاً بين الشكل والجوهر.. الجوهر الذي يمثله الرجل يمثل عدماً أو غياباً لكل الشكل الذي يمثله وجود المرأة في الأرض، ولذلك يحتوي الرجل المرأة في داخله (العاملX) ولكنه لا يمثلها، بل يمثل غيابها أو عدم ظهورها أو عدمها، ويستمر الصراع بين الحضور والغياب حتى تحضر جميع الغائبات، وهذا هو سر استمرار وجود الجنس الإنساني.

إن جنس الرجل يمثل المادة في مراحل تطورها، في مراحل تناقضها مع جوهرها الكامن فيها قبل أن تصل الى المرحلة الأخيرة. هو يمثل مرحلة عدم تحقق الجوهر تماماً في المادة قبل أن تصل الى الشكل الأخير أو المرحلة الأخيرة. والجوهر يبقى يوجد العدم ويستمر في تجليه حتى تنطبق عليه المادة، حتى ينطبق الشكل على مضمونه تماماً، حتى يتم إيجاد كل الجوهر الكامن الذي يرتبط به الرجل أو حتى يتم نفي كل العدم الذي فيه ليتجلى كل الوجود الكامن بأن يصبح وجودا ًظاهرآ، أي بأن تخلق المرأة الأخيرة. فكل امرأة تمثل شحنة موجبة، وكل رجل يمثل نتروناً أي شحنة موجبة لم تستكمل نفي ما فيها من سلب او عدم. ويستمر الصراع بين الرجل والمرأة في الجنس الإنساني باستمرار هذا الجنس. واذا كانت نهاية النترون هي التحول الى شحنة موجبة وقذف الالكترون فإن هذا يعني أن نهاية الصراع أو غايته هي خلق المرأة_ الشحنة الموجبة_ التي تمثل وجوداً ظاهراً يعكس الوجود الكامن في الرجل . واذا كانت غاية الخلق هي تحويل الوجود الكامن الى وجود ظاهر، فإن إيجاد المرأة هو ما يحقق الغاية. وإن الصراع يستمر للوصول اليها، كما أن الصراع يستمر في الذرة ويتصاعد مع تصاعد ذرات العناصر التي يكبر كل عنصر منها سابقه بشحنة موجبة واحدة لكي تصل الى العنصر الأخير الذي يحوي من الشحنة الموجبة ما يعادل الجوهر الذي يحرك تطور المادة . إن الوصول الى هذا العنصر هو الغاية التي تحرك تطور المادة. وإن عناصر المادة التي نعرفها في جدولها الدوري تتطور لكي تصل الى هذا العنصر الأخير الذي استكمل الجوهر فيه تجليه كاملاً في المادة. إن هذا العنصر الأخير تمثله _ بالنسبة الى الوجود الإنساني_ المرأة الأخيرة لأنها تمثل مادة او شكلاً يظهر الجوهر الكامل. إن المرأة الأخيرة هي الوجود الذي يسعى اليه الجنس الإنساني من وراء عملية التناسل المستمرة. إن الوصول الى هذه المرأة يمثل انتهاء علاقة التناقض بين المرأة والرجل ، بين الوجود الظاهر والوجود الذي يمثل جوهراً لم يتجل تماماً. وانتهاء علاقة التناقض يعني انشطارها، أي ان الوصول اليها يشطر كل علاقات التناقض السابقة (الناس كلهم) التي بقيت تحتفظ بكيانها لأن الجوهر الكامل لم يستكمل تجليه في المادة، لم يستكمل نفيه للعدم. وانتهاء التناقض يعني انتهاء الحركة (لأن التناقض حركة) وعودة الى الاستقرار وهو ما بدأت منه.

إن انشطار علاقة التناقض يعني انتهاء علاقة الصراع أو التفاعل بين الذكر والأنثى. فالوصول الى هذه الأنثى التي تجلى كل الوجود الكامن في الرجل من خلالها ، ينهي التناقض . أي ان هذه المرأة تمثل اتحاداً بين الرجل والمرأة، تمثل انطباقاً بين شكل المرأة وجوهر الرجل. وعندها تنتهي العلاقة التي يمثلها الجنس الإنساني. إن الوصول اليها يعني انتهاء استمرار وجود الجنس الانساني. وهنا نذكر بالآية الكريمة التي تتحدث عن يوم القيامة ـوهو اليوم الذي تنفصل فيه العلاقة بين الله والشيطان بنفي الشيطان، الجانب السالب او العدم تماماً من العلاقة التي تربطهما وهي المادة ـ ومنها الانسان ـ أي اليوم الذي تكون المادة فيه على قدر جوهرها (الجنة بإنسانها الكامل) بعد الصراع الطويل منذ خلق الكون والى نهايته ـ تتحدث عن هذا اليوم بأن النفوس فيه تتحد: "واذا النفوس زوجت[2]" إذ سيشهد هذا اليوم انطباقاً كاملاً لشكل المرأة على جوهر الرجل لتكون النشأة الأخرى للإنسان:"وإن عليه النشأة الاخرى[3]". ولقد وقفنا – في الكتاب المذكور - عند الآية الكريمة التي تبين أن الصراع بين الله والشيطان حدث بخلق الانسان، وأنه يدور بينهما من خلاله أي إن الشيطان يحارب الله من خلال الوجود الجزئي المحدود الذي يمثله الإنسان وليست له طاقة الله اللامحدودة أو وجوده اللامحدود إنما هو محدود بحدود الإنسان وليس له وجود خارج وجوده . وقد تحدى الشيطان الله بأنه سيعمل على حرف الانسان اليه، لكنه اعترف بأنه لن تكون له سلطة على عباد الله المخلصين الذين سيعملون على ترجيح كفة الصراع لصالح الله، الوجود  السابق . وبينت الآية أن الصراع لن ينتهي بجولة واحدة أي من خلال الانسان الأول الذي تم خلقه، وإنما سيستمر عبر تاريخ الإنسان الطويل كله من خلال قول الشيطان إنه سيقعد للناس أجمعين يعمل على إغوائهم الى يوم يبعثون…

………

إن حقيقة أن تطور الجنس البشري غايته الوصول الى الإنسان الأخير، الإنسان الأعلى هو ما تذهب اليه فلسفة نيتشه في الإنسان المتفوق (السوبرمان) حيث أن غاية التزاوج بين البشر هي انجاب هذا الإنسان الكامل ـ حسب تصور نيتشه للكمال ـ  .

إن البشر مراحل الى الانسان المتفوق وكل مرحلة يـتم تجاوزهـا بالموت حتى نصل الى الحلقة الاخيرة "الانسان الأخير[4]" في سلسلة حلقات وجود الانسان عبر تاريخ خلقه المستمر. فالموت تجاوز لهذه الحلقات او لهذه المراحل حتى يقف التجاوز عند آخر المراحل.

*  *  *  *

لقد تحدثنا عن العلاقة بين ثنائية الرجل والمرأة وعن التفاعل أو الصراع الدائر في هذه العلاقة والقوانين التي تحكم هذا الصراع والغاية التي توجه الصراع والتي ستوصلنا الى آخر المخلوقات ونقصد أكملها في نهاية الزمان. وكان حديثنا في إطار الفلسفة، ونحن حاولنا أن نؤكد الفروض الفلسفية بالنتائج العلمية، او أن نعطي النتائج العلمية أبعادها الفلسفية لكي يصح لنا تسمية ما نتحدث عنه من حقائق بالمطلقة الثابتة. ولهذا سنحاول أن نتلمس هذه القوانين الجدلية في تكوين الإنسان، في بنية جسمه، من خلال وصف العلم لجسم الانسان، أوليس الانسان علاقة بين عامل ذكري وأنثوي كما يقول العلم أوليس العاملان مختلفين، أوليس الاختلاف او التناقض يدعو الى الصراع؟.. فالعاملان فيه إذن يتصارعان (كما انهما يتجاذبان لتكوين الإنسان) ويتجهان الى غاية حسب افتراضنا الفلسفي. وعلينا أن نعرف هل تحتكم العلاقة بين هذين العاملين ـ اللذين يبنى منهما الجسم الإنساني او تبنى خلاياه ـ الى قوانين الصراع الجدلية التي قلنا إنها تحكم كل الثنائيات المتقابلة في الكون والتي منها الرجل والمرأة؟... إننا نحاول أن نتلمس مظاهر الصراع او التفاعل والأسس التي يستند اليها والأطراف المتصارعة والغاية التي يتجه اليها الصراع من خلال ما يصفه العلم في جسم الإنسان:

(1)       لنبدأ من الأسس الأولية التي قامت عليها فروضنا الفلسفية وهي التي تقوم عليها حقيقة الإنسان في أصل خلقه… لقد قلنا إن للحقيقة أطرافها الثلاثة: الشيء ونقيضه والعلاقة بينهما. وجسم الإنسان يقوم على هذه الأركان. فلقد ذكرنا أن الانسان علاقة تناقض او اختلاف بين عوامل وراثية ذكرية وأخرى أنثوية من ناحية بناء جسمه، وأنه في أصل تكونه نشأ عن علاقة بين عاملين مختلفين، مصدرهما الأب والأم. واذا كنا قد اعتمدنا الاختلاف الجنسي أساساً فإننا سنرصد هذا الاختلاف من خلال الكروموسومين الجنسيين (X Y) و(X X) اللذين يميزان بين الذكر والأنثى. وتذكر الدراسات أنهما مختلفان، فالكروموسوم (Y) ليس عليه مورث مشابه للمورث الموجود على كروموسوم(X) الذي تحمله الأنثى وحده ولا تحمل الآخر المختلف. والاتحاد بين العاملين المختلفين الذكري والأنثوي(الحيمن والبويضة) شكل أول خلية هي أصل تكون الانسان. وعندما يبدأ الإنسان ينمو ليكون انساناً متكامل الأعضاء فإن خلايا جسمه تقوم على ذلك الأساس الأول الذي صنع منه، فهي علاقات بين هذه العوامل الوراثية المحمولة على الكروموسومات. هذه العوامل الوراثية المتحدة في العلاقات او الخلايا تمثل أصل بناء الانسان، البرنامج الذي صمم على وفقه، البنية الجوهرية، الأساس الثابت الموحد والعام المطلق الذي يكمن وراء كل المظاهر المختلفة التي يبدو عليها البشر.. إنها الحدث الوحيد الموحد للخلق: "كان هنالك عملية خلق واحدة فقط، حدث وحيد عند ولادة الحياة، وقد يجد المتدينون أن هذه حجة مفيدة"[5] فهذا الحدث الوحيد او الأساس الوحيد يؤكد فكرة التوحيد التي منها ينطلقون.

  إن العوامل الوراثية المتحدة في العلاقات او الخلايا، تختزن معلومات كلية عن الإنسان، فيها تكمن البنية الكلية للانسان, فالانسان كائن موجود بالقوة في كل خلية من خلاياه. إن من أهم الانجازات النظرية للبنيوية البيولوجية المعاصرة الذهاب الى أن هناك بنية سابقة التكون على التطور نفسه، هذه البنية السابقة تتضمنها العوامل الوراثية، وهي تؤمن بأن كل ما يحتويه التطور الكامل وكل ما سيصدر عن هذا التطور او يعبر عنه إنما هو محدد سابقاً في العوامل الوراثية. ولا تلعب هذه العوامل دورها كعازف انفرادي وانما كاوركسترا كاملة، فلا تمثل أي منها عوامل منعزلة إنما تمثل المجموع لأنها تتضمن نظاماً عاماً وهي تتقيد بهذا النظام[6].

إن العوامل الوراثية تتحد لتكون العلاقات او الخلايا . ولقد بدأ خلق الانسان من خلية واحدة(أ) تحتوي على (46) كروموسوماً مكونة من (23) زوجاً، كل زوج عبارة عن كروموسومين متشابهين الى حد كبير إن لم يكونا متطابقين، جاء أحدهما من الأب والآخر من الأم.

والكروموسومات أجسام على هيئة قضبان(ب)، يحمل كل منها عدداً ضخماً من المورثات التي تسمى الجينات وتوجد في نواة الخلية التي هي مكون أساسي من مكونات الخلية إذ تسيطر على فعالياتها ويسبب فقدانها موت الخلية(ت).

وتنتقل الكروموسومات من الأبوين عن طريق الحيوان المنوي (الأب) والبويضة (الأم). فوظيفة الحيوان المنوي والبويضة هي نقل الكروموسومات من الأب والأم لتكوين الجنين. والفرق بين الحيوان المنوي والبويضة والخلايا العادية في باقي الجسم (وتسمى الخلايا غير الجنسية) هو ان عدد الكروموسومات في البويضة والحيوان المنوي هو (23) كروموسوماً فقط، بينما يكون في الخلايا الاعتيادية(46) كروموسوماً، هي عبارة عن (23) زوجاً. وعندما يلقح الحيوان المنوي البويضة (أي يندمج معها) فإن العدد الكامل للكروموسومات يكتمل فيصبح في داخل الخلية الجديدة هذه (46) كروموسوماً. ومن هنا يبدأ خلق الانسان وعبر سلسلة طويلة ومحكمة من انقسام لهذه الخلية والخلايا الأخرى الناتجة منها ليصبح إنساناً كاملاً. وتنقسم الخلية الأولى، العامة التي يبدأ منها خلق الإنسان الى خلايا متخصصة، وكلما زاد تخصص الخلية فقدت قدرتها على الانقسام، بينما تبقى خلايا أخرى محتفظة بقدرتها على الانقسام في حالات محددة لتعويض الخلايا التالفة[7].

إن الخلايا تتشابه في أساس عام، ولكنها تختلف فيما بينها حسب تخصصها، فتوجد أعداد كبيرة من الخلايا في الجسم تعد بالبلايين وليس الملايين ولكنها متنوعة، فهناك الخلايا الجلدية، الخلايا العصبية، الخلايا العضلية، الخلايا الجنسية، الى آخر أنواع الخلايا.. هذه الخلايا تتشابه ـ كما ذكرنا ـ في أساس عام، ففي كل خلية العدد نفسه من الكروموسومات الموجودة في بقية الخلايا، لذلك فإن كل خلية تحتوي الوصفات الوراثية (المعلومات) نفسها لتحضير جميع المواد التي تحتاج اليها (البروتينات). أي ان كل خلية لديها القدرة على انتاج جميع هذه المواد من غير استثناء. ولكن لا تقوم كل خلية بانتاجها، ليس لأنها لا تستطيع، ولكن لأنها لا تحتاج اليها كلها. فلذلك تنتج الخلية المواد التي تحتاج اليها على حسب تخصصها ومكانها في الجسم. أما بقية المواد الأخرى فلا تقوم بتصنيعها،فاستنادا الى تخصصها لا تعبر الخلية الا عن جزء من جيناتها . فمثلاً  خلايا الكبد تنتج فقط المواد التي تحتاج اليها، وكذلك خلايا المخ تقوم بأعداد المواد التي تحتاج اليها خلايا المخ فقط، وإن كانت لديها القدرة على انتاج جميع المواد. فلكل عضو وظيفة خاصة به تتحدد بنوع المواد التي يتخصص بانتاجها. فالكبد له وظيفة محددة، والعين لها وظيفة محددة، وكذلك لبقية الاعضاء. إن هذا يعني أن كل خلية من خلايا الجسم الإنساني تمثل وجودين: وجود خاص، ظاهر، تمثله الخلايا المتخصصة. ووجود عام، كامن هو المعلومات العامة الموجودة في داخل الخلايا المتخصصة، أي ان كل خلية من خلايا الجسم (التي هي أساساً علاقة) هي عبارة عن علاقة أخرى بين وجود ظاهر، نسبي أو جزئي لا يعكس كل المعلومات، ولا ينتج جميع المواد، ووجود كامن، كامل ينطوي على كل المعلومات لانتاج جميع المواد. وهذا يعني أن كل خلية من الخلايا المتخصصة تبقى ترتبط بما هو عام. وهذا العام يمثل البرنامج العام للإنسان، الإنسان كاملاً، يمثل (الشفرة) التي تترجم الانسان كله، كل المعلومات التي ينعكس عنها الانسان. ولهذه الحقيقة أهميتها في تفسير مرض السرطان (الذي سنتكلم عليه لأنه يرتبط بالحقائق الفلسفية التي نحن بصدد تأكيدها). وهذه الحقيقة تفسر لنا كذلك استطاعة استنساخ الكائن الحي من خلايا جسم الانسان، لأنها تحتوي على المعلومات التي تمثله كاملاً، أوالتي تمثل أساسه العام، أو الوصفة الكاملة له.. ولكن هنالك جينات تتحكم في تخصص الخلية مما يجعل الخلية عامة وخاصة، فهي علاقة بين عام وخاص، كلي وجزئي كما قلنا.

وبالنظر الى تخصص الخلية أو عدمه توجد أنواع من الخلايا، فهناك الخلايا الأولية والخلايا الجذعية ، وهي خلايا عندها القدرة على التكاثر الى ما لا نهاية، ويمكن أن تعطي أنواعاً من الخلايا المتخصصة. وهذه الخلايا الأولية هي الخلايا التي يبدأ منها تكوين الإنسان بإخصاب الحيوان المنوي للبويضة لتتكون البويضة المخصبة. وهذه الخلية او البويضة المخصبة، تسمى (كاملة القوة). وفي الساعات الأولى بعد الإخصاب يبدأ تكاثر البويضة المخصبة الى مجموعة من الخلايا الكاملة القوة ايضاً. ويمكن لكل خلية من هذه الخلايا اذا زرعت في رحم أنثى أن تنشئ جنيناً كاملاً مع الأنسجة المدعمة له من المشيمة والأغشية المحيطة به، وهذا بالضبط ما يحدث في التوائم المتماثلة. وبعد أربعة أيام من الإخصاب وبعـد عدة دورات من انقسام الخلايا تبدأ الخلايا كاملة القوة في التخصص وتكون الخلايا الداخلية قادرة على تكوين أي نوع من خلايا جسم الانسان الا أنها لا تستطيع تكوين كائن حي بمفرده لأنها غير قادرة على تكوين الأنسجة الداعمة للجنين. لذا تسمى هذه الخلايا بالخلايا الأولية (وافرة القوة) التـي تعطي العديد من أنواع الخلايا ولكنها لا تستطيع أن تعطي كل الخلايا اللازمة لنمو الجنين. بعد هذا تخضع هذه الخلايا لعمليات انقسام متكررة مكونة خلايا أولية أكثر تخصصاً وهذه الخلايا تسمى الخلايا (متعددة القوة).

وجميع خلايا الجسم تموت، ولكن أجسامنا وباستمرار تنتج خلايا جديدة على مدار الساعة لتعويض النقص ويستثنى من ذلك الخلايا العصبية. [8].

إن الذي ننتهي اليه بعد هذه المعلومات الموجزة عن الخلية أن جسم الانسان عبارة عن علاقة بين أطراف مختلفة. وهي علاقة كبرى تمثلها الخلية الأولى، كاملة القوة التي نشأت عن تخصيب الحيمن للبويضة مؤلفة من علاقات أجزاء، وكلها تقوم على الأساس نفسه، أي العلاقة بين العامل الذكري والعامل الأنثوي. وفي الحقيقة فإن هنالك مظاهر أخرى من العلاقات بين أطراف خلاف او تناقض أخرى في الجسم. فالجسم وخلاياه مؤلف من تراكيب كيميائية، وهذه المركبات مؤلفة من ذرات. وخواص هذه المركبات وفعاليتها يعتمد على طبيعة هذه الذرات والعلاقات فيما بينها. والذرة علاقة بين عامل موجب وسالب. كما أن الذرات تكون علاقات فيما بينها لأن بعضها يمثل آيوناً موجباً وآخر سالباً وتدعى الآصرة الآيونية. ومن هذه الأواصر والعلاقات تتكون الجزيئات، وهناك جزيئات بسيطة مكونة من عدد بسيط من الذرات، وهنالك جزيئات ضخمة تحوي أعداداً كبيرة من الذرات والأواصر الكيمياوية المختلفة.. وهكذا[9].. ونحن كنا قد تناولنا الإنسان بوصفه ذرة هي علاقة بين عامل موجب وسالب عندما درسنا مادة الكون ـ والانسان منها ـ وهي تتألف من ذرات. أما هنا في بحثنا هذا ـ وكما ذكرنا ـ فإننا سنتناوله بوصفه علاقة بين العامل الذكري والعامل الأنثوي: الذكر والأنثى، ومن خلال كروموسومات الجنس خاصة التي تميزهما، وسنتابع التفاعل بينهما من خلالها.

2ـ إن العلاقة صراع، فالاختلاف والتناقض يقتضي صراعاً. واذا درسنا الإنسان أو خلاياه بوصفها علاقة بين عوامل ذكرية وعوامل أنثوية، فإن هذه العوامل تتفاعل وتتصارع، وهي تشتبك في معركة. ونحن نقرأ في ما توصل اليه العلماء بعد فك الشفرة الوراثية للانسان أن هناك صراعاً بين مكونات الجينوم. وتتردد لديهم كلمات من مثل: حرب، أعداء، تضاد، وتضاد جنسي. وهذا التضاد الجنسي يعني حرباً، فالإنسان مزيج من حلقات متحاربة من الكروموسومات، متشابكة في نزاع منذ ملايين السنين، مما يجعل من الجينوم ميداناً لمعركة من نوع ما بين الجينات الذكرية والجينات الأنثوية. وكل هذا قصة قلما يوجد من يعرفها خارج مجموعة صغيرة من البيولوجيين التطوريين، الا أنها هزت عميقاً من الأسس الفلسفية للبيولوجيا[10]. وسوف نعرف أن الصراع بين الجينات الذكرية والأنثوية إنما هو صراع بين الوجود والعدم, وهذا هو تفسيره الفلسفي .

3ـ قلنا إن أحد النقيضين سابق على الآخر، وهذا يمثل الوجود. وإن النقيض الآخر هو العدم قبل أن يخلق ليظهر الى الوجود ويكون وجوداً ظاهراً وليكون الوجود السابق بوجوده ظاهراً بعد أن كان كامناً. فالنقيض السابق كان يمثل وجوداً كامناً قبل أن يخلق الآخر ليظهر الطرفان. وبالنسبة الى العاملين الجنسيين الذكري والأنثوي اللذين تابعنا من خلالهما هذه الحقائق الفلسفية، فإننا نفترض أن الذكري هو السابق لأنه علاقة، والعلاقة بها يتحدد او يعرف أو يوجد طرفاها، فهي مصدر لوجودهما، وهي بذلك علة الوجود، والعلة سابقة على المعلول. ولكنها عندما تكون سابقة فإنها بأحد طرفيها ـ كما ذكرنا ـ وإن أحد طرفيها كان عدماً. ونحن نفترض أن العامل (X) هو الذي كان عدماً في العلاقة (XY) التي يمثلها الرجل. وبعد وجود هذا العامل وجدت العلاقة أي الرجل. والعامل (X) في الرجل يمثل عدماً أي انه يحتفظ بصفة ضد الوجود مع وجوده كالشحنة السالبة في النترون ولهذا فإنه يدخل  في طور صراع مع العامل الذكري ـ لأن العلاقة صراع كما ذكرنا ـ ويسعى الصراع الى نفي العدم وبنفيه ينكشف الوجود السابق أو يتجلى أو يتحدد ويتعين كما قلنا في حديثنا الفلسفي .

إن العامل (X) في الرجل يمثل عدماً ، ولهذا فإن المرأة في الرجل غير ظاهرة، وصفة الأنوثة غير متغلبة، إنما المتغلب هو صفة الذكورة. فوجود الكروموسوم (Y) في خلايا الجنين الجديد يحفز الغدة الجنسية الجنينية في مرحلة معينة من التطور الجنيني لتفرز فيما بعد التستيرون ـ ذلك الهرمون الذي يعمل بمنزلة مفتاح تشغيل محرك التطور الذكري لجنس الجنين ـ وهذا الهرمون يرتبط مع منتجات جين آخر خاص مكوناً حافزاً لتشغيل كافة الجينات اللازمة للتكشف الذكري، ثم، صيرورة الجنين فرداً ذكراً. وبغياب الكروموسوم (Y) الذي يستبدل عادة  بـ(X) تصبح تلك  الغدة مبيضاً فينعدم افراز التستيرون وبذا يتجه التطور نحو الأنوثة. وبعد أن يكتمل الصراع وينفى العدم يظهر الوجود الذي يمثل وجود العدم ويتمثل بالمرأة ومصدر المرأة هو الرجل لأنه علاقة كما قلنا. إن العامل الأنثوي يصدر عن الذكر فأحد الحيامن الذي يحمل (X) والذي يخصب البويضة يولد الأنثى، فالأنثى تصدر عن الذكر والعامل الذكري هو المسؤول عن تحديد جنس الجنين بما يعطيه من العامل(X) أو (Y)، إذن فالذكر مصدر الأنثى وهو السابق عليها.

واذا أردنا أن نعبر عن العاملين الجنسيين أو ما يرتبطان به من معان فلسفية من خلال المركبات الكيمياوية التي تمثلهما او تعبر عنهما في الخلية، فإننا وجدنا أحد طرفي التفاعل (الحوامض النووية) يرتبط بمعنى الوجود الجوهري (الوجود الكامن)، ووجدنا الطرف الآخر(المركبات الكيمياوية في الخلية وهي الكربوهيدرات والدهون والبروتينات) يرتبط بمعنى الوجود الذي يتحقق بنفي  العدم أي الوجود الظاهر. لنقل إن الحوامض النوويـة والبروتينات تحدد كيمياوياً هذا التناقض أو الاختلاف الذي بين الوجود الكامن والوجود الظاهر. فالحوامض النووية تحمل الجينات او العوامل الوراثية التي يتكون منها وفي ضوئها الإنسان أو يوجد، ففيها معلومات تحدد صفاته الظاهرة والباطنة وكل ما يتعلق بوجوده، أي ان الانسان كائن فيها او كامن فيها، ففيها سر الوجود.

لقد وجد الباحثون أن الـDNA هو المادة الوراثية في نواة الخلية(ث)، وأنه الحامل الرئيس للمعلومات الوراثية وليس البروتينات او الـRNA في أغلب الكائنات الحية. وأن حدوث الطفرة وهي تغيرفي المادة الوراثية ما يدلل على أن الـDNA هو المادة الوراثية، فإذا تغير جين واحد أو أكثر فأصبح لا يعمل بشكل صحيح فإن الجين في هذه الحالة يسمى جينا معطوبا أوبه طفرة وسيقوم حينها بإنتاج بروتين غيرطبيعي أوبنسبة غيركافية. كما أن كمية DNA وثبات تركيبه وعددالصبغيات تدل على أن المادة الوراثية تكمن فيه وليس في الـ RNA اوالبروتين الذي تختلف كميته وأنواعه.

ويرتبط الطرف الآخر (البروتينات) (ج) بمعنى الوجود الـذي يتحقق بنفي  العدم أي (الوجود الظاهر) وهو الوجود المتأخر الذي قلنا إنه يرتبط بالمرأة أو إن المرأة هي التي تمثله. ويفهم من كلامنا أن البروتينات كانت عدماً قبل أن تصنع ما دامت ترتبط بهذا الوجود الظاهر الذي يخلق من العدم. ونحن نقصد بالعدم ما حددناه به في حديثنا عن الذرة (في كتاب القانون المطلق ) وهو الطاقة الكامنة التي ترتفع من مستوى طاقة سالبة الى مستوى طاقة موجبة (الكترون) والتي بوجودها يحدث التفاعل في داخل الذرة بين الشحنة الموجبة والسالبة، وهذا الوجود للشحنة الموجبة والسالبة وجود للذرة أي وجود للمادة أو الوجود الظاهر. والبروتينات لها هذه المواصفات، فهي توصف بأنها من المواد او الجسيمات التي توجد في الخلية نتيجة لنشاط مكونات الخلية الحية ولعملية إنتاج أوتحرير الطاقة. وبعضها مفيد تستهلكه في نشاطاتها المتنوعة، وبعضها الآخر نواتج عرضية للعمليات الأيضية، أي عمليات البناء والهدم. وتقوم الخلية بالتخلص منها بطرق شتى أو قد تخزن في داخلها، والمح الذي يدخر في البيوض والأجنة هو من هذه المحتويات غير الحية في الخلية الأنثوية.

فالبروتينات إذن هي ناتج لفعالية الطاقة الكامنة التي تحرر نتيجة التفاعل  لتبنى منها ومن المركبات الأخرى في الخلية المادة الحيوية (مادة الخلايا)، إنها طاقة تتحول الى مادة أو تساعد في التحول الى مادة وهذا هو ما نقصده بالعدم فهو طاقة كامنة أو شحنة سالبة، هو (الممكن الوجود) في لغة الفلسفة أي القابل للتحول الى الوجود كالطاقة التي تتحول الى المادة . وعملية تكوين البروتين توصف بأنها انتاج للطاقة. إن مادة الخلايا تبنى من خلال تحرير الطاقة وخزن الطاقة، وهذه العمليات تسمى بـ(الأيض الخلوي) وهو مجموع التحولات الكيميائية التي تحدث بمساعدة الانزيمات في الخلية وتتضمن عمليات بناء المواد والمركبات المختلفة في الخلية وعمليات تقويض المواد والمركبات المختلفة. وتتصف عمليات البناء باستهلاكها للطاقة عادة، بينما يرافق العمليات التقويضية تحرر للطاقة. فالبروتينات هي مادة العمليات التي تؤدي إما الى خزن الطاقة حيث تكون المواد المختلفة التي تبنى منها مكونات الخلية والكائن الحي وهو ما يعرف بالعمليات البنائية، وإما الى تحرير الطاقة واطلاق نواتج يلفظ بعضها الى خارج الخلايا والكائن الحي وهو ما يعرف بالعمليات التقويضية. وكل إنزيم مسؤول عن تفاعل محدد، وعليه إذا ما تضرر ذلك الإنزيم او انخفض تركيزه فإن التفاعل المسؤول عنه يتأثر فيلحق الضرر بالخلية او الكائن الحي[11]. إن عمليات إنتاج واستهلاك أو تحرير الطاقة التي هي عمليات تحرير العدم او اظهاره تؤدي الى إظهار الوجود او الى إيجاد الوجود الظاهر الذي تمثله الخلايا أو مادة الجسم الحي. ومصدر ذلك هو البروتينات التي هي مادة عمليات تحرير الطاقة وخزنها وكذلك الإنزيمات التي تساعد هذه العمليات والتي هي بروتينات كذلك. البروتينات إذن تمثل الوجود الظاهر لا الوجود الكامن الذي قلنا إن الجينات تمثله. فالبروتينات ليست حاملة العوامل الوراثية، ولذا يذكر أن لها أهمية بنائية او تركيبية وأنها بعد تصنيعها تظهر المعلومات الوراثية ، تجلي صفات الإنسان ومعناه او جوهره الذي تحدده المعلومات الوراثية . أي إن البروتينات هي المادة التي ستتجلى بها المعلومات الوراثية التي سيصبح بها الكائن الحي انساناً بعد أن كان مجرد معلومات او جوهراً او معنى او مضموناً. إنها تعطي الصبغيات DNA نمطاً بنيوياً وتنظيمياً[12]. إن الهدف الرئيس للجينات هو اختزان وصفة لصنع جميع أنواع البروتينات التي هي المواد الأساسية لبناء الخلية ولاستمرارها في العمل . إن الجينات مسؤولة عن انتاج البروتينات التي يحتاج اليها الجسم للنمو وليؤدي وظائفه بشكل طبيعي. وعندما تحدث العلماء عن كيفية تكون أجسامنا شبهوا جسم الإنسان ببناية من الطوب الذي هو الوحدة الأساسية التي يبنى منها جسم الإنسان. وهذا الطوب هو الخلايا، وهو ليس مصنوعاً من الاسمنت بل من مادة تسمى بروتين يحصل عليها جسمنا من الغذاء اليومي بعد أن تهضمه المعدة ويتحلل الى أحماض أمينية. البروتين يمثل إذن المظهر، ويمثل الـDNA الجوهر او المعلومات التي يظهرها البروتين. وهما طرفان لا ينفصلان في بناء الخلية والجسم. لايمكن للحامض النووي DNA أن يؤدي وظيفته بدون وجود بروتينات مساعدة أو انزيمات ولا وجود للبروتين بدون ال DNA . الكروموسومات هي كتل من الحمض النووي الملتفة داخل غطاء بروتيني . وهذه البروتينات تلعب دورا مهما في المحافظة على هيكل المادة الوراثية وتنظيم نشاط تعبير الجينات الذي يؤدي الى تكشف وتكوين الفرد الكامل من خلية الزيكوت . البروتينات هي جينات مترجمة , كل بروتين هو جين مترجم، هو معلومات مترجمة مادياً[13].

ولأن البروتينات تمثل الوجود الظاهر لذا توجد كمية كبيرة من الماء والبروتينات في السايتوبلازم الذي يقوم بمعظم أعمال الخلية  وهو المظهر الخارجي للخلية[14]. ولذلك يسمى السايتوبلازم الهيولى وهذه الكلمة تعني في الفلسفة الصورة أو المادة التي يتشكل بها الجوهر أو التي تتقبل الجوهر. والبروتين يخلق في السايتوبلازم حيث لا يوجد الـDNA هناك إنما تنسخ المورثة المحمولة على جزيء  DNAعن طـريق شريط فردي من الـ RNA الرسول لينتقل بها الى السايتوبلازم (ح) وهناك تبدأ عملية خلق البروتين وتترجم الشفرة هناك[15]. ولأن البروتينات تمثل الوجود الظاهر الذي يظهر الوجود الكامن، ولأن المرأة تمثله، لذا تكثر البروتينات في البويضة وهي الخلية الأنثوية. وتتألف من البروتينات حبيبات المح الذي قلنا عنه بأنه مادة غير حية قبل الإخصاب والانفلاق، وهي التي ستكون غذاءً للجنين النامي، أي إنها مادة نمو وبناء . وتذكر المعلومات العلمية أن تكوين البروتينات أي المادة الحية يكون بعد الإخصاب والانفلاق أما قبل ذلك فهو حبيبات المح غير الحية. أما في الحيمن فلا يوجد سوى القليل جداً من المواد الغذائية، ويطرد معظم السايتوبلازم ويضمحل عند تخصيب البيضة فيبقى  خارج البيضة على عكس الخلية الأنثوية فتزداد كمية السايتوبلازم الذي يحتوي على كمية كافية من المواد الغذائية كما قلنا. وتتحدد مناطق تكوين الأعضاء فيه بحيث أنه يمكن تحديد خريطة مبدئية لتكوين الأعضاء المقبلة للجنين، فالجهة التي تكثر فيها حبيبات المح تكون طبقة الأديم الداخلي للجنين[16]. وهذا يعني أن هيكلية الإنسان وشكله الظاهري يرتبط بالبويضة او الأنثى التي قلنا إن البروتينات ترتبط بها.

 ويؤكد العلم أن الجسيم المسمى الميتاكوندريا(خ) وهوالمسؤول عن تكوين الطاقة ثم تكوين البروتينات وتحديد كميتها إنما هومرتبط بالأنثى. إن أهم ما يؤكد تمثيل المرأة للجانب المادي وجانب الظهور هو امتلاك البويضة  للميتاكوندريا دون الحيمن فيتم توارث جينات الميتاكوندريا الموجودة في البويضة ولا يسهم الحيوان المنوي بأي منها. فعند تخصيب البويضة يساهم الحيمن في جينوم النواة فقط إذ ان نواته فقط تدخل البيضة بينما يطرح اويبقى السايتوبلازم الذي يحوي نسبة بسيطة من الميتاكوندريا خارج البيضة . إن ميتاكوندريا الحيمن التي توجد في القطعة الوسطى منه أ وغمد الذيل لا تدخل البيضة ووظيفتها أنها تزود الحيوان المنوي بالطاقة التي يحتاج اليها في حركته السريعة باتجاه البويضة . ولأن الرجل لا يسهم في توريث الحمض النووي الموجود في الميتاكوندريا لذلك يرثه الرجال من أمهاتهم ولا يستطيعون أن يورثوه. أما النساء فيتوارثنه من الأم الى الابنة من جيل الى آخر بشكل ثابت تقريبا وبهذه الطريقة يمكننا أن نتعقب ماضينا رجوعا الى الحواء الجينية وبناتها فنكتب تاريخ نساء العالم ومن بعد تاريخ العرق البشري .

 ما هي هذه الميتاكوندريا التي تجعل الأنثى توصف بأنها تمثل الوجود الظاهر وأنها التي تمنح الإنسان وجوده المادي ؟.                    

الميتاكوندريا تركيبات صغيرة جدا تعيش في داخل كل الخلايا البشرية في السايتوبلازم ويتراوح عددها من (1000-2000) ويقال إن نسخ وترجمة الحامض النووي  للميتاكوندريا مسيطر عليه من نواة الخلية . ولقد وجدت الجينات الميتاكونديرية مكررة مرة أخرى في النواة ومثال على ذلك سيتكروم سي cytochrome_c الذي توجد الجينات المكونة له مرتين : مرة في النواة ومرة في الميتاكوندريا . وهذا قد يؤكد تأثير وتفاعل النواة مع الميتاكوندريا. وهناك رأي يذهب الى أن ال DNAالموجود في الميتاكوندريا يتكاثر بالانشطارمثل البكتريا دون أن يطرأ على الDNA الذي تحتويه تغيرفي أثناء انشطارها  فهو عديم التغير تقريبا من جيل لجيل بينما يكون التغير في DNA النواة  الذي يحدد طول قاماتنا ولون أعيننا وصفاتنا الأخرى أمرا ملازما . وهذا يعني أن الميتاكوندريا تمتلك نظاما جينيا خاصا بها, فهي الجسيم الوحيد في الخلية الذي يحتوي الDNA خارج النواة ، ومن ذلك جاء اسمها فهي توجد في سايتوبلازم الخلية لا في نواتها وهذا يساعدها على الانقسام في داخل السايتوبلازم دون الحاجة الى انقسام الخلية. ولهذا يصفها بعض الباحثين بأنها خلية مستقلة في داخل الخلية، ففي حين يتكون الDNA في النواة من خليط شفرتي الأم والأب تكون للميتاكوندريا نسخة خاصة من الشفرة الوراثية . ونحن نرى أن هناك تفاعلا بين عمل الDNA في الميتاكوندريا والنواة ولكنه يتصل بنوع محدد من المعلومات في كل منهما. والذي يدعو الى التفاعل أن ما يحمله DNA النواة من معلومات لابد من أن يترجم من خلال البروتينات التي تصنع من خلال انتاج الطاقة، أي من خلال عمل الميتاكوندريا ، أي ان عمل DNA الميتاكوندريا يتصل بإنتاج الطاقة لا بالمعلومات الوراثية الأخرى الموجودة في جينات النواة، فنوع المعلومات الوراثية في كل منهما مختلف ولكنهما متعاونان ومشتركان بالمعلومات التي تتصل بانتاج الطاقة . إن ال(37)جينا وهو عدد الجينات التي تمتلكها الميتاكوندريا تتحكم في عملية الأكسدة الفسفورية للخلية وهي وظيفة في غاية الأهمية لذلك فإن الطفرات التي تحدث في المحتوى الوراثي للميتاكوندريا تسبب ظهور الشيخوخة أي تقدم العمر . أما من يرى أن جينات الميتاكوندريا لها عمل شبه معزول عن عمل جينات النواة فإنه يستدل بعملية الاستنساخ فعندما تنزع النواة من البويضة التي ينقل اليها نواة خلية جسمية منزوعة من سايتوبلازمها فإن هذه النواة تستطيع أن تنتج كائنا كاملا مشابها للكائن الذي أخذت منه نواته . أي ان البويضة التي نزعت منها نواتها بقيت مجرد وعاء لاستقبال النواة الجديدة المراد استنساخها وهذا الوعاء عبارة عن مادة بنائية خارجية لا دخل لها في تكوين صفات الفرد . في حين يرى فريق من العلماء أنه بالرغم من احتواء الجنين المتكون بالاستنساخ على النسخة الجينية الكاملة المطابقة للنواة المنقولة الا ان خلاياه بها أيضا DNA  آخر مورث من البويضة التي يزعم أنها مفرغة وموجود في مئات عدة من الجسيمات الصغيرة المسماة الميتاكوندريا. ولذلك فإنه من الخطأ_كما يرى هذا الفريق_ أن نعتقد أن نقل النواة الى البويضة المفرغة سوف ينتج عنه نسخة طبق الأصل من الشخص الذي أخذت منه النواة . وكذلك عند تخصيب النساء العقيمات بوساطة حقنهن بكمية صغيرة من السايتوبلازم البويضي الحاوي للميتاكوندريا من نساء خصيبات فإن الأولاد المولودين يحملون نظريا سايتوبلازما او ميتاكوندريا من امرأتين مختلفتين او بلازما متباينة غير متجانسة فهناك مقدار ضئيل من المعلومات الوراثية التي تحملها خلايا الميتاكوندريا البديلة. ومن المعروف علميا أن هناك بعض الأمراض تنتج عن وجود بلازما غير متجانسة بخلايا الميتاكوندريا وغالبا ما تنشأ هذه الأمراض بعد سن البلوغ او في مراحل متأخرة من حياة الإنسان . كما تلعب التغيرات دورا مهما في الشيخوخة، مما يؤكد أن الميتاكوندريا تنقل صفات وراثية مهمة. وبناء عليه فإن التعديل الوراثي كائن لامحالة اذا ما تم نقلها الى الأجنة او التلاعب بمحتوياتها الوراثية. ونحن نرى أن الميتاكوندريا لا تنقل صفات وراثية تحدد خلقة الانسان الراسخة والمميزة له كالصفات الجسمانية والمظهرية إنما هي صفات تتعلق بعملية بناء الخلايا ومستوى الطاقة والمادة المتوفرة لذلك وما تتعرض له الخلايا من خلل وأمراض مما يتصل بعمل جهاز الطاقة والبناء الذي هو الميتاكوندريا وهذا هو تفسيرنا لعمل ودور الDNAالذي تحتويه الميتاكوندريا فهو يتعهد بالجانب البنائي الشكلي للإنسان في حين يتعهد DNA النواة بالجوانب الجوهرية له .

توصف الميتاكوندريا بأنها لولاها لا تكون الحياة _وهذا يؤكد وصفنا السابق لدور الحمض النووي فيها _ فلولاها يكون الانسان مجرد معلومات جوهرية كامنة في العوامل الوراثية لآبائه ولا يكون وجودا ظاهرا . فالوجود الظاهر يرتبط بالميتاكوندريا وهذه ترتبط بالأنثى فقط ولولاها لا تستطيع الخلية أن تعمل لأنها مصدر الطاقة والحيوية للخلية للقيام بفعالياتها المختلفة فتزود التفاعلات الكيمياوية في الجسم بالطاقة التي تحتاج اليها ولذا سميت بيت الطاقة أو محطة انتاج الطاقة أومولد الطاقة والبطاريات الإنزيمية التي تختزن الطاقة. وهي المسؤولة عن أكسدة المواد الغذائية والسكر بوساطة الانزيمات الموجودة فيها فتستخلص الطاقة من المركبات الموجودة في الخلية لتنفيذ العمليات المختلفة مثل عملية الأيض او البناء التي تحتاج اليها الخلية لانتاج أنواع الهرمونات والخمائر والبروتينات التي تلعب دورا فاعلا في وظائف الجسم ومنها التحكم في تصرفاتنا . وتصنع البروتينات من الحوامض الأمينية التي تبنى في الميتاكوندريا بوجود الريبوسومات التي تلعب دورا مهما في صنع وانتاج هذه البروتينات التي تشكل المادة البنائية المظهرية للجسم . ومن الخمائر المهمة التي تصنعها جينات الميتاكوندريا خميرة السايتوكروم سي_ اوكسيديس ومادة ATPعظيمة الطاقة التي تعد مصدرا سهلا وسريعا للطاقة إذ تحررها بشكل كبير في أي مكان في الخلية يحتاج الى طاقة [17].

ويترشح عن عملية توليد الطاقة وصنع وحدات الطاقة فيض من الشوارد الحرة . والشوارد هي كل جزيء او ذرة فقدت الكترونا واحدا من الكتروناتها بحيث تصبح من ذوات العدد الفردي مما يجعلها غير ثابتة وقابلة للاتحاد بمركبات أخرى متعددة . وفي الخلايا تبعث هذه المركبات الهدامة الاضطراب في التراكيب الحية فتهاجم بطاقتها الزائدة أثمن محتويات الخلية مثل البروتينات و الDNAالخاص بالميتاكوندريا وDNAالخاص بالنواة فتشوه جزيئاتها التي تقوم بدور عظيم لاستمرار الحياة . وبمضي الزمن فإن هذا يؤثر بشدة على انتاج ATP مما ينقص من كفاءة الحياة فتبدأ في التدهور على مستويات عدة سواء في مجال توليد الطاقة او أداء وظائفها كافة . والواقع أن التأكسد والتلف الذي يصيب الخلية هو الذي يؤدي الى التدهور الذي نراه في  الشيخوخة .

 الميتاكوندريا تتشوه وتتضاءل وينعدم فعلها بتقدم العمر فتقل الطاقة الخلوية وتموت الخلية وتكون الشيخوخة التي يصحبها الوهن. وتظهر الشيخوخة على الحمض النووي للميتاكوندريا الذي ينهكه انقسام الخلايا المتكرر فيصبح هشا رقيقا . وعندما تشيخ الميتاكوندريا ينضب مصدر طاقة الخلية فتشيخ ويشيخ الجسم كله ويكون هذا سببا لتضاؤل الأنسجة والعضلات التي تحتاج الى طاقة كبيرة للقيام بالأعمال الفيزيائية البدنية . وتشير الدراسات الطبية الى أن النقص في وظيفة الميتاكوندريا يؤدي الى قلة افراز هرمون النمو وهذا يؤدي الى اضمحلال الأنسجة العضلية في الشيخوخة . إن هذا يعني أن حياة الميتاكوندريا وتقدمها في العمر وشيخوختها ترتبط  بعملية صرف الطاقة وعملية انقسام الخلايا التي هي عملية صرف للطاقة[18]..

 إن عملية انقسام الخلايا ترتبط بعملية التقدم في العمر فهناك برنامج داخلي يحدد عدد مرات انقسام الخلايا ثم يقف هذا الانقسام وتموت الخلية. وهذا معناه أن هناك عمرا محددا للطاقة او مستوى محددا لها وأن هذا المستوى يستنفد باستمرار عملية انقسام الخلايا والتقدم في العمر، فهذا المستوى المحدد يرتبط بعمر الانسان فهناك انقسام مبرمج للخلايا وهناك تقدم مبرمج لعمر الإنسان وهناك وقت محدد لعمر الإنسان لأن هناك خزينا محددا للطاقة يكفيه مدة عمره فقط .

إن برمجة انقسام الخلايا وبرمجة صرف الطاقة من أجل هذا الانقسام ثم برمجة عمر الإنسان كل ذلك يرتبط بالأنثى دون الذكر. فلقد وجد الباحثون أن العوامل البيولوجية التي تحدد مدة ظهور الوجود الإنساني أي عمر الانسان ترتبط بها ، فالجينات التي تحدد عمر الانسان ترتبط بالعامل الأنثوي X. ولقد بَين العلماء أن هناك جدولة لعمر الانسان في داخل الخلايا وأن قدره محتوم من خلال انقسام محدد للخلايا . وهذا القدر من الانقسام قد رسم وحتم في جينات الخلايا نفسها وأن الجسم يستهلك نفسه بموجبه مع كل انقسام من خلال ساعة بيولوجية تدق مربوطة الى منبه انذار الموت.  فكما يربط منبه الساعة الى  وقت محدد فإذا دخل الوقت استيقظنا على رنينه  فهنا منبه الموت يدعونا من داخل الخلايا للرحيل .

لقد حددت الساعة البيولوجية عمر الإنسان من خلال عدد مرات الانقسام في الخلايا فخلايا كل كائن حي تنقسم عددا معينا من المرات ثم تتوقف بعدها عن الانقسام وتهرم وتموت . فهناك مدة محددة لحياة الكائن الحي وهناك مدة محددة لحياة خلاياه . فخلايا جسم الانسان تتجعد وتموت بعد نحو 50_70انقساما . إن الذي يحدد عدد مرات انقسام الخلايا هو ما يسمى بالتيلومير(د) وهو قطع مكررة من الحمض النووي  TTAGGG  لا تضم مورثات وتقع في نهاية الكروسومات وأهم وظائفها هو منع الكروموسومات من أن تفقد متتاليات أساسية عند نهاياتها وتقوم  بحماية تلك الكروموسومات. وتعتمد التيلوميرات في عملها على إنزيم يسمى التيلوميراز(ذ) الذي يجب ان يتوافر بكميات مناسبة . ومع كل انقسام خلوي يفقد جزء من التيلومير فيتقلص طوله إذ يفقد في كل انقسام نحو مئة وحدة من مكوناته وبعد عدد معين من الانقسامات تصبح التيلوميرات أقصر من أن تسمح للخلية بمعاودة الانقسام وترميم الأجزاء المفقودة من الكروموسومات فتومئ للخلية بالتوقف عن الانقسام ثم تبدأ بالاضمحلال والموت . إذن فالتيلومير يعمل مثل الساعة البايولوجية التي تدق في كل خلية والتي توقف انقسام الخلية وتؤدي الى الشيخوخة والموت.

إن الانزيمات التي تقوم بمضاعفة الDNA في أثناء عملية الانقسام الخلوي لا تستطيع نسخ الكروسومات على مدى طولها حتى الأطراف بل انها تترك دوما في كل دورة تضاعف منطقة صغيرة عند النهاية (قطعة من التيلومير) من دون نسخ . ففي كل مرة ينسخ فيها كروموسوم يحذف جزءا من التيلومير . ولا بد للتيلومير من أن يتآكل مع توالي عمليات الانقسام وبالتدريج يقل في أجسامنا طول التيلومير وتبدأ الخلية في الدخول في طور الشيخوخة والانهيار. ولكن الخلية تمتلك طريقة حيوية للتعويض عن طريق الإنزيم الباني للتيلومير وهو التيلوميراز. فهذا الإنزيم هو الذي يمكنه ترميم الأطراف البالية للكروموسومات وإعادة تطويل التيلوميرات وانه بهذا يكون في الخلايا كأنه إكسير الحياة الخالدة. وتقوم الخلايا الجنينية فيما قبل مرحلة التمايز الخلوي بصنع انزيم التيلوميراز واليه تعود قدرتها على الانقسام والتكاثر. وما أن يكتمل تكوين الجنين حتى يتم كبت وإيقاف تشغيل الجينات التي تصنعه في كل أنسجة الجنين فيما عدا أنسجة محددة . ولقد اكتشف العلماء أنه باضافة انزيم تيلوميراز الى كروموسومات الخلية فإن الخلايا تستمر في الانقسام دون أن تظهر أية علامات على الشيخوخة والموت وهذا يوضح إمكان أخذ خلايا انسان ما لكي تعالج لمقاومة الشيخوخة ثم تعاد الى صاحبها لكي تعالجه بشبابها من أمراضه المختلفة . وأمكن انتاج إنزيم توليميراز من الخلايا القابلة للانقسام مثل الموجودة في البيض والخلايا المنوية وبعد ذلك يتم حقنها في كروموسومات الخلايا . وقد يتعرض عمل جين التيلوميراز الى الاضطراب فتستمر الخلية في التكاثر بدون ضابط وبلا توقف مسببا مرض السرطان . وفي الطبيعة لا يمكن للخلية أن تنتج انزيم التيلوميراز ولكن يمكن ذلك للخلايا الجنسية والإنجابية وكذلك للخلايا السرطانية وهو ما يجعلها تنمو باستمرار .

 لقد أكد العلماء أن الجينات المؤثرة في طول عمر الانسان والتي ترتبط بالتيلومير والتيلوميراز ترتبط بالكروموسوم الأنثوي X . وهذه الجينات تنتقل من الآباء والأمهات الى أولادهم من خلال الكروموسوم الجنسي X . وهذا تأكد للعلماء من خلال مقارنة العلاقة بين طول شريط الحامض النووي عند الاطفال وعند أي من أبويهم . وعندما تم قياس ذلك وجدوا علاقة واضحة في طول هذا الشريط بين الأمهات وأبنائهن من الذكور ولم تكن هناك علاقة واضحة بين الآباء وأبنائهم من الذكور . وذلك يشير الى أن الجينات المؤثرة في طول العمر وأمراض الشيخوخة موجودة على كروموسوم X. إن تأثير هذه الجينات يكون بنسبة القصر في طول شريط الحامض النووي وهذا يؤثر في طول العمر وفي ظهور أمراض الشيخوخة. إن كل هذا الشرح يؤكد أن المرأة تمثل جانب الظهور والمادة بالنسبة للوجود الإنساني وتمثل كذلك  جانب مدة ظهور هذا الوجود المادي أي عمر الإنسان . ومن الجدير بالذكر أن النساء تمثل نسبة 85% من المعمرين في اليابان[19]. .

وهكذا  نرى أن العامل الأنثوي الذي تقترن به وحده الميتاكوندريا وتقترن به الجينات التي تتحكم بمدى انقسام الخلايا عن طريق تحديد عدد الوحدات المفقودة من التيلوميرات ، هذا العامل الأنثوي هو الذي يعطي للانسان مظهره الخارجي لأن الميتاكوندريا هي المسؤولة عن انتاج الطاقة وصنع البروتينات والمواد الأخرى التي هي المادة الخارجية للجسم وعندما تتضاءل وتضعف تضعف خلايا الجسم وتمر بمرحلة الشيخوخة فالموت، وكذلك لأن الجينات التي تتحكم بطول التيلوميرات والتي ترتبط بالعامل الأنثوي ترتبط بعمر الانسان ومستوى الطاقة المخصص لمدة هذا العمر أي بمدة ظهور الأنسان على الأرض .

وما يدلل على أن الأنثى تمثل الجانب المادي الذي يظهر الجانب الجوهري أو الصفات الوراثية أن البويضة هي المسؤولة عن تغذية النطفة حتى تعلق في جدار الرحم (وهذا يفسر سبب كبر حجم البويضة ) لتصبح بذلك العلقة . وهكذا فإن الأم هي التي توفر له الغذاء والهواء والحماية الكاملة وتأخذ منه السموم التي يفرزها جسمه في أثناء نموه حتى يأذن الله بخروجه متكامل البناء فتلقمه ثديها وتغذيه بلبنها وتنشر المواد الغذائية والأوكسجين من دم الأم الى دم الجنين عبر المشيمة . وبهذا يرى الباحثون أن المرأة تساهم في انتاج الاطفال أكثر مما يساهم الرجل بيولوجيا . ومما يؤكد أن العامل الأنثوي الذي تقترن به الميتاكوندريا يمثل الجانب المادي أو الوجود الظاهري للانسان أنه إذا حدث خلل في البويضات بسبب وجود بعض التشوهات أو العطب في الميتاكوندريا فإنه يعد من أسباب العقم لدى النساء.

ولهذا طورت تقنية جديدة تقوم على حقن بويضات المرأة العقيمة بكمية صغيرة من السايتوبلازم البويضي الحاوي للميتاكوندريا( حوالي 5%) مأخوذ من بويضات نساء خصيبات متبرعات . وطبقا لهذه التقنية فإنه حدثت ولادات.

وفي عملية الاستنساخ ما يؤكد أن الجانب الأنثوي يعطي الشكل الظاهري للجينات في النواة المنقولة من الخلية الجسمية الأصلية الى البويضة المنزوعة عنها النواة والتي بقيت تحتفظ بالسايتوبلازم ومحتوياته من الميتاكوندريا وغيرها. فالكائن الحي الناتج عن عملية الاستنساخ يكون صورة طبق الأصل للكائن الذي منح النواة التي نقلت وزرعت وليس صورة عن الكائن الذي أخذت منه البيضة المنزوعة النواة . وهذا يعني أن في البويضة (العامل الأنثوي) الجانب المادي الظاهري للانسان. وفي أول عملية استنساخ ناضجة للنعجة دوللي أخذت نواة تحتوي على البصمة الوراثية الكاملة الخاصة بالنعجة (من النعاج الفنلندية دورست البيضاء الوجه ) ثم تم دمجها في بويضة مأخوذة من نعجة ثانية (من النعاج الاسكتلندية ذات الوجه الأسمر) بعد أن فرغت من نواتها للتخلص من البرنامج أو الوصفة الوراثية الكاملة للنعجة الأخرى ولم يتبق من البويضة سوى مادة السايتوبلازم المغذية التي أصبح لها نواة جديدة تأتمر بأوامرها بدلا من نواتها التي فرغت منها لأن الDNA هو الآمر الذي تأتمر الخلية بأوامره وتنتهي بنواهيه . وبعد شتل العلقة او الخلية الجديدة الناتجة عن الاندماج في رحم حيوان حاضن وبعد اتمام فترة الحمل ولدت نعجة هي نسخة طبق الأصل من النعجة الأولى التي أريد استنساخها [20]..

 4-ذكرنا في تدليلنا الفلسفي إن أحد النقيضين سابق على نقيضه في الوجود، أي ان أحدهما عدم عندما كان السابق موجوداً. وعندما يوجد هذا النقيض السابق نقيضه الآخر الذي كان عدماً، فإنه تخلق بعد إيجاده  العلاقة بينه وبين نقيضه. ونحن نربط بين هذه العلاقة التي تصدر عن النقيض السابق والعامل الذكري (الحيمن)، فهو علاقة بينه وبين العامل الأنثوي (XY)، ونربط بين العامل الأنثوي (X) والنقيض الآخر الذي كان عدماً والذي يوجد من العدم.

إن العامل الذكري علاقة، إذ انه يتكون من عاملين مختلفين، وإنه أصل للعلاقة من حيث ارتباطه بمصدر العلاقة. وعندما يكون أصلاً فإنه يكون بأحد طرفيها، العامل (Y) ثم يوجد نقيضه ليتحول الى (XY)، أي الى رجل، فالرجل علاقة بين عاملين. وعندما كان بعامل واحد لم يكـن انساناً، إنما كان وجوداً يتصل بوجود سابق على الخلق، فعندما نقول إن الرجل سابق فهذا يعني أن له أصله السابق في الوجود. وعندما يوجد نقيضه أو يظهر يظهر هو كذلك فقد قلنا إنه يتحول الى علاقة (XY) والعلاقة وجود متعين . والعامل الأنثوي سالب في هذه العلاقة، فهي تمثل وجود الرجل لا وجود الأنثى لأن الأنثى مازالت تمثل عدما في هذه العلاقة -كما ذكرنا- ، فالرجل يمثل ظهور أحد الطرفين (الذكري) وغياب الآخر (الأنثوي) وتصف الدراسات ذلك بالقول بأن الهرمونات الذكرية تعمل ولا تعمل الهرمونات الأنثوية.

ونعود الى قولنا بأن الرجل علاقة (XY) وأنه يوجد نوعان من الحيوانات المنوية بعضها تحتوي على نسخة من كروموسوم (X) وبعضها الآخر يحتوي على نسخة من كروموسوم(Y)ِ. أما البويضة، فإنها تحمل العامل (X) وحده. فالبويضات جميعها متشابهة حيث تحتوي كل واحدة منها على نسخة واحدة من كروموسوم (X) فضلاً عن بقية الـ(22) كروموسوماً الأخرى. ويختلف الأمر عند الرجل. واذا لقح حيوان منوي يحمل كروموسوم (X) بويضة فإن الجنين يكون أنثى. أما اذا كان الحيوان المنوي يحمل كروموسوم(Y) فإن الجنين يكون ذكراً. فالعامل الذكري هو الذي يحدد وجود الطرفين: الذكر والأنثى لأنه علاقة. ولقد قلنا إن العلاقة بها يظهر أو يعرف طرفاها، لذا فعن طريقها يظهر العامل الأنثوي. أي ان هذا النقيض السابق الذي يوجد العلاقة هو الذي يوجد النقيض الآخر من  حيث أنه مصدر للعلاقة. فهذا النقيض الآخر كان عدماً عندما كان الوجود يمثله الوجود السابق الذي يرتبط به الرجل. ثم إنه يوجد عن طريق العلاقة أي الرجل. فالعامل (X) الذي يتحرر من الرجل يلقح العامل (X) الأنثوي لتخلق المرأة، فالعامل الذكري مصدر لوجود الذكر والأنثى .  وتؤكد الاكتشافات العلمية في العلوم الحيوية والوراثية دور الصبغي الجنسي (Y)  في تحديد الجنس في الثدييات والانسان وعليه فإن تحديد الجنس فيها يستند الى أساس واحد هو وجود أو غياب الصبغي(Y)[21].

واذا أردنا أن نعبر كيميائياً عن الأطراف الجنسية المتفاعلة في جسم الإنسان، فإن العامل الذكري تمثله الحوامض النووية(DNA) كما أنها تمثل العامل الأنثوي لأن الDNA هو الوجود الجوهري المتحقق من خلال وجود الرجل ووجود المرأة . ويتمثل وجودهما من خلال اتحاد الكروموسومات الذكرية والأنثوية وهذا الخليط يمثل نواة كل الخلايا للذكر والأنثى . واذا كان كل من العامل الذكري والعامل الأنثوي يمثلان الوجود فإن العامل الأنثوي يمثل جانب العدم كذلك لأن أصله العدم ثم تحول الى وجود ظاهري. ولأنه كذلك فإن عملية توليد الوجود الظاهري من العدم وهو ما تمثله البروتينات والمواد المادية التي يبنى منها الجسم ترتبط به . ولقد قلنا إن الميتاكوندريا وهي بيت الطاقة ومصنع البروتينات ترتبط بالجانب الأنثوي لا الذكري. ولهذا تحتاج كل الخلايا سواء كانت خلايا الذكر أم الأنثى للعامل الأنثوي(X) . إن الخلايا الجسمية الأنثوية تحتوي كروموسوماتها على كروموسومين جنسيين أنثويين في حين تحتوي خلايا الذكر كروموسوماً أنثوياً واحداً. ويبدو أن الخلية لكي تمارس فعالياتها الطبيعية تحتاج الى وجود كروموسوم(X) واحد بحالة نشيطة وفاعلة. وفي الخلية الأنثوية يكون أحد هذين الكروموسومين بحالة ممدودة لتأدية فعالياته. أما الثاني فيبقى في حالة مكثفة وملفوف بشكل رصين وثخين مما يمكن رؤيته ككتلة صبغية. ويبدو أن هناك ميكانيكية محددة تمنع أحد الكروموسومين من أن يمارس وظيفته وتبقيه ملفوفاً ومكثفاً وهو ما يسمى بجسيم بار. إن جسيم بار عبارة عن كروموسوم مكثف وغير فاعل، لأن الخلية تحتاج الى كروموسوم واحد فقط ونعتقد أنه الذي يرتبط به نشاط الميتاكوندريا وتوليدالطاقة وبناء البروتينات.

  إننا سنعبر إذن عن الجانب أو العامل الأنثوي_ في عملية التفاعل الدائر بين العوامل الذكرية والأنثوية_ بالبروتينات والمواد التركيبية الأخرى التي تعطي الجسم تركيبه الظاهري. وسنعبرعن العامل الذكري الذي هو وجود جوهري  بالحوامض النووية DNA أي اننا سنعبر عنهما من خلال ما يختلفان به مما يمثل أصلهما مع أنهما يشتركان في أن كلا منهما وجود جوهري ووجود مادي. الرجل وجود جوهري ولكنه يحتاج الى المرأة ليظهر فهو يحتاج الى البروتينات والتركيبات المادية الأخرى التي تمكن جسمه من بناء وجوده الظاهري ولذلك يضم اليه في العلاقة التي تمثل الرجل كما ذكرنا العامل(X) الذي أخذه من جانب الأنثى (الأم) فهو يرث الميتاكوندريا من أمه وليس من أبيه فالرجل وجود جوهري تظهره المرأة وهو يخرج من المرأة . وهكذا فإننا سنعبر عن التفاعل بين الرجل والمرأة من خلال هذين  المكونين ( الحوامض النووية والبروتينات)  لأنهما يمثلان الاختلاف بينهما وإننا سندير التفاعل أو الصراع بينهما من خلالهما .

لقد تساءلنا عن أسبقية أحد هذه العوامل ـ أي الحوامض النووية والبروتينات ـ على الآخر، وهذا الأمر شغل العلماء سابقاً، فلقد تساءلوا أيضا عن أسبقية أحد هذه الجزيئات العضوية على الآخر..فأيها نشأ اولاً قبل نشوء الحياة الخلوية؟.. هذه الأسئلة حيرت العلماء ردحاً من الزمن الى درجة أنهم انقسموا الى (الديئنئيين) و(الآرئنئيين) و(البروتينيين). وكل فريق منهم حاول اثبات صحة وجهة نظره تطبيقياً… لم يكن أحد منا حاضراً حين نشأت الحياة او هذه المركبات على الأرض، لكن قد يكون فريق واحد منهم فقط على صواب، فأيهم هو على ذلك؟…[22]

هنالك من ينسب هذه الأسبقية الى الـDNA وهذا ما نؤيده. فنرى أن الـ DNA هو الأصل السابق للطرفين الآخرين، وأن البروتينات هي الطرف المتأخر في الوجود او الظهور، وإن الـRNA هو العلاقة بينهما. ولكن الـ DNA وحده لا ترتبط به حياة بشرية او وجود بشري الا بتحوله الىRNA، الا بتحوله الى العلاقة، أي بعد ارتباطه بالحياة في داخل الخلية التي هي علاقة  بين الـ DNA والبروتينات كما قلنا. ان الـ DNA والـ RNA في الحقيقة وجهان لجسيم واحد، أحدهما سابق على الوجود المادي البشري والآخر مرتبط به لأن وجود الخلية التي هي اللبنة المادية التي يبنى منها جسم الانسان يكون بعد ان يرسل الDNA  الRNA الى السايتوبلازم لصنع البروتينات . وعلاقة ال DNA و RNAفي الخلية تشبه علاقة البروتون والنترون في الذرة فهما كذلك وجهان لجسيم واحد هو النوكلون، وأنهما يتحول أحدهما الى الآخر. وإن أحدهما سابق على الآخر، وهو الذي تؤول اليه حركة النوكلون أي البروتون لأن هذه الحركة تؤول الى انشطار النترون وانتقاله الى البروتون وطرد الالكترون. وكذلك يؤول الـ RNA الى تكوين بروتينات تترجم الـ DNA او تحاكيه او تعكسه او تجليه في المادة. لذا فإن الـ DNA هو المبدأ والموجه للحركة وهو غايتها، لأن الـRNA ينتهي اليه، الى تجليه في المادة.

واذا كانت العلاقة هي التي  تحدد الحياة والوجود الظاهر او ترتبط بهما، فأن الـ DNA والـ RNA يمثلان الحياة والوجود، لأنهما يمثلان هذا النقيض الذي هو العلاقة وأصل العلاقة. ولقد قلنا إن أصل العلاقة يمثل وجوداً كامناً او جوهراً قبل أن يتحول الى العلاقة ليتحول الى وجود مادي هو مادة الجسم البشري. فهو يحمل الرسالة الوراثية مثلما يمكن للأفكار في كل اللغات أن تجد تعبيرها في حروف أبجدية وكلمات . إنه كالمعنى من الكلمات، كالفكر او المضمون منها. ولهذا تصفه الدراسات بأنه شفرات او رموز كيميائية للحياة، شفرات تنطوي على قصص للحياة, كل منا يمثل قصة منها[23]. وعندما يسعى الى التجلي من خلال البروتينات يتحول الى الـ RNA فيقترن به الوجود المادي او الحياة البشرية. لذا يرى الـ(آرئنئيون) أن الحياة تقترن بهذا الجسيم، وأنه أصل الحياة، وأن وجوده اقترن مع بداية أول وجود لكوكب الأرض، وأنه أول جين كان يعمل كناسخ وحافز، وأنه حافز وأداة ربط، فهو الأول والسلف السابق للجسيمين الآخرين[24] في نظر (الآرئنئيين). ونقول إنه الأول في الوجود المادي، ولكنه ليس أولاً في الوجود الجوهري الذي يمثله الـ DNA. إنه الأول في الحياة العضوية. ولقد دعمت آراء العلماء الرأي القائل إن الـ RNAهو الأب الأكبر للجزيئات الحية. وان الحياة العضوية بدأت بصيغة مجتمعات أفرادها من الـ RNA التي كانت تؤدي وظيفتي: مادة وراثية ومحفزات معاً. إنها محفز ومادة وراثية في آن واحد، أي DNA وبروتينات. وهذا يبين أن الـ RNA عبارة عن علاقة بين DNA والبروتين. ويرون أن القدرة على إقامة حياة على الأرض من جديد حتى بعد انقراض الحياة الخلوية مازالت محفوظة في الـRNA[25]، لأن الحياة علاقة والـ RNA علاقة بين التكوينين الآخرين أو رابط أو جسر بينهما. ولقد وصف بأنه يخيط التكوينين الآخرين[26] ليلبسنا ثوب الحياة.

أما البروتينات فلا يمكن أن تكون سابقة لأنها تخلق وتصنع في الخلية لتكون على قدر الشفرة الوراثية التي يمثلها الـ DNA . فالمورثة المحمولة على جزيء الـ DNA تنسخ عن طريق شريط فردي من الـ RNA الرسول المماثل للشفرة التي يحملها الـ DNA لينتقل بها الى السايتوبلازم، وهناك تبدأ عملية خلق البروتين(ر). فالـ RNA يقوم بدور الوسيط في عملية تصنيع البروتين، فاتجاه الحركة والتطور من الـ DNA الى الـ RNA الى البروتين. وهذا الأخير لا يعد النتاج الأول أو المباشر للـ DNA[27]، فهو يأتي بعد الـ RNA. إن الـ DNA هو إذن مبدأ الحركة والوجود.

5ـ ذكرنا أن هذا النقيض السابق بعد أن يوجد العلاقة فإنه يوجد الحركة بعد أن كان السكون، فالعلاقة حركة. والعامل الذكري علاقة فهو حركة، لذا تبين الدراسات أن الحيوان المنوي يبحث و يتحرك باتجاه البويضة وهو يخترق في حركته أغلفتها، ويلجها او يدخل فيها لإخصابها فهو رسالة بريدية لها ذيل يساعدها على الحركة والبحث والسباحة نحو البويضة  وهي جالسة  في مقرها محاطة بالغذاء تخصص وتقسم العمل[28]، فهو حركة، أي إنه هو المتحرك والآخر (الأنثوي) يمثل السكون أو العدم.

وقلنا إن الحوامض النووية التي ترتبط( أصلا ) بالعامل الذكري مع ارتباطها بالعامل الأنثوي كذلك، هي موجودة في النواة في مركز الخلية، أي في قلبها ومكمنها الداخلي مثل البروتون، فهي العامل الأساسي أو الجوهري. وإن البروتينات التي ترتبط بالعامل الأنثوي موجودة في السايتوبلازم، تخلق في السايتوبلازم، أي في محيط الخلية، مثل الالكترون، ومحيط الشيء ظاهره الذي يعكسه.وكما تضم نواة الذرة البروتون والنيوترون( الذي هو علاقة بين البروتون والالكترون ) كذلك تضم نواة الخلية جسيما يشبه النترون يسمى النوية وتسبح هذه وسط السائل النووي وتحتوي على كميات كبيرة من الRNA الذي قلنا عنه إنه علاقة بين الDNA والبروتينات ، ولذلك فإن النوية  تلعب دورا أساسيا في انتاج الريبوسومات التي هي معامل انتاج البروتينات ثم تنظيم انتاج البروتينات ولهذا يطلق عليها( ضابط ايقاع الخلية ). وتصبح النوية أكبر حجما عند تركيب الخلية للبروتين بشكل فعال[29] . وكما أن الذرة تحتوي على عدد من النيوترونات قد  يفوق عدد بروتوناتها  فإن النواة الواحدة قد تحتوي على أكثر من نوية واحدة . وكما ينتقل البروتون الى نترون فإن الDNA  ينتقل الى ال RNA وان الـ DNA عندما ينتقل الى RNA (الذي قلنا عنه إنه علاقة بين الـ DNAوالبروتين) فإنه يغادر النواة الى السايتوبلازم لينقل الشفرة اللازمة لخلق البروتينات في السايتوبلازم، أي انه يتحرك لأنه علاقة. أما الـ DNAأو الجينات التي تعني الوجود الكامن فهي وجود ثابت في نواة الخلية. ولقد ذكرنا في تدليلنا الفلسفي أن الوجود السابق الذي هو وجود كامن ليس متحركاً. وتحدث الحركة بالانتقال الى المرحلة الثانية أي العلاقة، فهذه هي الحركة، أما أحد أطرافها وحده فإنه سكون وثبوت، أي انه غير متغير. وهذا على عكس الوجود الظاهر الذي تمثله البروتينات فهو نسبي ومختلف وغير ثابت، لأنه ينمو ويتطور ويتهدم. إن كل خلايا الكائن الحي تحتوي على الكمية نفسها من الـ DNA بينما خلايا من أنواع مختلفة لدى الكائن نفسه تحتوي على كميات وأنواع مختلفة من البروتينات.

6ـ ذكرنا أن أحد النقيضين مصدر لنقيضه من حيث أنه يخلقه أو يظهره لكي يظهر نفسه ويكون وجوداً متعيناً، وذلك باستنفاد أو نفي الطاقة التي يمثلها هذا النقيض الذي يمثل العدم في عملية بناء وجود ظاهر يعكس الوجود الكامن والجوهري في وجود مادي. والحيوان المنوي هو مصدر الفاعلية وهو الذي يحدد الجنس، فعنه يصدر العامل (X) الذي يخصب البويضة لتخلق المرأة. ومن البويضة المخصبة التي يخصبها الحيمن يخلق الانسان، فهو مصدر الخلق. ولأنه مصدر الوجود الإنساني لذا فإنه أصل لجوهر الانسان . ولأنه كذلك يلاحظ أن جينات العامل (Y) قليلة بالنسبة الى جينات العامل الأنثوي (X). فبينما تتناسب وتتطابق بقية الصبغيات نجد هذين الصبغيين (Y ) و(X ) مختلفين للغاية. فالكروموسوم الأنثوي يمتلك (3000 ) مورثة مختلفة في حين أن الذكري لم يبق فيه الا (50) مورثا.  ولحسن الحظ أن الرجل يمتلك النصف الآخر الأنثوي الذي يزوده بالمورثات الضرورية. ويرى العلماء أن الوظيفة الوحيدة الباقية للكروموسوم الذكري هي إبقاء الذكورية أي حمل الصفات الجنسية، وهذا يعني أن الكروموسوم الذكري يحتفظ بالجينات التي تشير الى صفة الوجود مجردا ، الوجود الجوهري. أما الكروموسوم الأنثوي فإن كثرة المورثات تعني كثرة الصفات وهذه تعني الوجود الظاهري . وبالنظر الى عدد الجينات التي يحملها كل من الكروسوم الذكري والأنثوي أصبح حجم الكروموسوم الذكري بنسبة واحد الى ثلاثة بالنسبة الى حجم الكروموسوم الأنثوي[30] (ز).

واذا كنا قد ربطنا بين الوجود الجوهري للإنسان والحوامض النووية ، فإن الـ DNAالموجود في النواة يحمل المعلومات الجوهرية التي يتكون في ضوئها جسم الإنسان (ماديا) عن طريق صنع البروتينات التي تعكس أو تظهر المعلومات الوراثية وتتكون في ضوئها. ولقد عرفت المورثة بأنها عبارة عن قطعة من جزيء الـ DNAمسؤولة عن تركيب بروتين نوعي واحد. وتنجح المورثة بالسيطرة على تركيب البروتين المطابق لها، وتعمل على تحديد بنيته وتشرف على جميع الخطوات الكيمياء حيوية المؤدية الى تركيب هذا البروتين[31]. وينقل الـ DNAالموجود في النواة المعلومات الوراثية التي يحملها ليتم صنعها في السايتوبلازم. إنه يرسل المعلومات الخاصة بصنع المواد البروتينية، أو ما يدعى بالشفرة الوراثية الى السايتوبلازم عن طريق نوع من الحوامض النووية يدعى MRNA أي الحامض RAN المراسل والذي ينقل الأمر بصنعها. ولقد وجد أن كل مورثة واحدة أو جين مسؤولة عن صنع بروتين خاص، فالـDNA إذن هو الصانع. واذا كان الـDNA يصنع البروتين على وفق المعلومات التي يرسلها فمعنى هذا أن المعلومات تتجلى كما هي من خلال البروتين، وأن البروتين (الذي له أهمية بنائية) هو المادة  والطاقة المتحولة الى مادة التي تتجلى بها المعلومات الوراثية التي قلنا عنها إنها جوهر الوجود. أي ان البروتين يستحيل الى وجود يجلي الوجود الذي يكمن في الـ DNAاو يظهره. إنه يصبح على قدر المعلومات التي فيه. ولقد ذكرنا أنه توجد في كل خلية من خلايا جسمنا نسختين من كل مورث، واحدة منها موجودة على الكروموسوم الذي ورثناه عن الأب، والأخرى موجودة على الكروموسوم الذي ورثناه عن الأم. تحتوي هذه المورثات على وصفات (كمقادير إعداد الطعام) لتحضير جميع البروتينات بأنواعها، وكما ذكرنا فالبروتينات هي المواد الأساسية لبناء الخلية ولاستمرارها في العمل.

إذن فالمعلومات او الأفكار تترجم الى وجود ظاهر، فالوجود الكامن يخلق الوجود الظاهر. والبروتينات تمثل هذا الوجود الذي يعكس الوجود الكامن او يترجمه. وهذا يعني كذلك أن الوجود الظاهر يكون على قدر الوجود الكامن ، أي انه يجلي الوجود الكامن تماماً. إن المورثة تحتوي على كل المعلومات اللازمة لتكاثر الخلية الحية على شكل شفرة ضرورية لتحديد الأعداد الهائلة من جزيئات البروتينات وتصنيعها واستخلاص الطاقة عن طريق تمثيل الأطعمة[32]. والبروتينات هي المكون الأساسي للأنسجة الحية في جسم الانسان . وتدخل في تركيب الإنزيمات والهرمونات التي هي أداة عمل الخلية و تتحكم في عمليات النمو والتطور والتكاثر. كما تدخل في تركيب هيموغلوبين الدم والعضلات وهي العنصر الأهم في عملية نمو الجنين وتشكيل المشيمة وتطورالرحم والثديين . ولأنها المكون الأساسي للأنسجة وللخلايا فإنها تكون البروتوبلازم  وهو مادة الحياة للأنسجة . كما أنها مصدر طاقة للكائن الحي عندما تنضب موارد الطاقة عند نقص الكربوهيدرات التي هي المصدر الرئيس للطاقة .

تعمل المورثات على وفق نظام دقيق في بناء البروتينات او المادة الحية وهي لا تصنع البروتينات مباشرة ـ كما ذكرنا ـ انما بوساطةRNA الذي ينقل المعلومات الوراثية من النواة الى السايتوبلازم حيث يتم تخليق البروتين والانزيمات التي تحدد الخصائص المظهرية والتركيبية المختلفة المميزة للكائن الحي[33].

إن تركيب البروتينات لا يتم بشكل مباشر بالاتصال مع جزئ الـ DNA

بل يتم بعيداً عنه في السايتوبلازم تحديداً حيث لا وجود لهذا الحمض النووي هناك . وبناء على ذلك تم التوصل الى استنتاج هام مفاده أن البروتين لا يعد النتاج الأول او المباشر للمورثة وهذا يؤكد الحقيقة الفلسفية التي أكدناها والتي تذهب الى أن النقيض المتأخر يظهر ويعرف بالعلاقة او عن طريقها، لذلك فإنه يظهر عن طريق الـRNA وهو الجسيم الذي يمثل العلاقة في الخلية، وهو الرسول الذي يقوم بدور الوسيط في عملية تصنيع البروتين[34]. إن الـ DNAهو مصدر الصنع، أي صاحب الأمر بذلك. اما الـRNA فهو الوسيط الذي ينقل الأمر ويظهره، فالوجود الظاهر يرتبط به، وعن طريقه يتجلى. البروتينات هي الناتج النهائي لعمل الجينات وهذه رموز للبروتينات. وكل بروتين يحتاج اليه الجسم محفوظ كشفرة في كيميائية الحامض النووي DNA . الحامض النووي شريط ممغنط كشريط التسجيل والريبوسوم جهاز التسجيل والبروتينات هي موسيقى الحياة في لحظة معينة[35] .

7ـ ذكرنا أن الصراع بين النقيضين يرتبط بغاية هي انتصار أحد النقيضين على الآخر. وانتصاره عليه يعني نفيه من وحدة العلاقة التي تجمعهما. والنفي لا يعني هدماً فقط ، بل هو بناء . فالنقيض الغالب الذي قلنا إنه السابق وإنه (الوجود) ينفي نقيضه العدم أو الطاقة السالبة وينتج من عملية نفي العدم أو استنفاد الطاقة وجود مادي، يعكس الوجود السابق، وبهذا ينتصر على نقيضه. وهو ينفيه على أجزاء أو مراحل. وهو في نفي كل مرحلة يوجد العلاقة ثم ينفي نقيضه من تلك العلاقة، وهكذا… وتبقى العلاقات أو الأجزاء أو المراحل تتراكم حتى الوصول الى أعلى مرحلة او أعلى علاقة. وبنفي نقيضه منها او بتجاوزها تنفلت علاقة التناقض العامة التي كانت تضمه الى نقيضه، والتي تضم كل العلاقات الأجزاء.

لقد ذكرنا أن أصل الوجود او الوجود الكامن او الجوهر يسعى الى نفي نقيضه (العدم) وبناء وجود ظاهر مكانه وذلك لأنه يتحدد أو يتعين أو يظهر بنفي نقيضه أو إظهاره. وعرضنا لما يجري من صراع بين المرأة والرجل من أجل ذلك، وما يجري في الذرة من صراع بين الشحنة الموجبة والنترون في نواة الذرة وانه سعي لتجاوز العدم او الشحنة السالبة فتتجلى الشحنة الموجبة التي بقيت في النترون تعاني من عدم تجليها حتى تنفي عنها الشحنة السالبة. وبنفي الشحنة السالبة (عن النترون) ينقسم النترون وتتكون شحنة موجبة.

وإننا نلاحظ من دراسة ما يجري في الخلية أن هناك ارتباطاً بين عملية انقسام الخلية وعملية تكوين البروتين التي قلنا أنها تعني تحويل الوجود الكامن الذي تمثله جزيئة الـ DNA الى وجود ظاهر تعبر عنه البروتينات فتتضاعف مادة الـ DNA في داخل نواة الخلية وتترجم الى بروتينات في سايتوبلازم الخلية عن طريق M_RNA مما يستدعي انقسام الخلية وظهور خلية جديدة. وكما أن الشحنة الموجبة التي ظهرت بعد انقسام النترون تعود فتتحول الى نترون، كذلك تتكون خلية جديدة من مادة الـ DNA التي تضاعفت في هذه الخلية، وهكذا..

لقد بينا أن الشفرة الوراثية في الـ DNA تنتقل بطريقة الاستنساخ الى الـMRNA إذ يعمل الـ DNA بمنزلة قالب للـMRNA، وبانتقال الـ MRNA الى السايتوبلازم فإنه يحمل تلك الشفرة الى المكان الذي يتم فيه صنع المواد البروتينية ليترجم الرموز التي يحملها في صناعة البروتينات، وهذه العملية تسمى بالترجمة. وهكذا فإن الجينات التي هي وحدات من جزيء الـ DNA تحدد شكل ونوع وخواص جزيء البروتين وبهذا تسيطر على فعاليات الخلية.

إن الشفرة الوراثية في سلسلة الـ DNA تنتقل بالاستنساخ الى MRNA وهذه تنقلها بالترجمة الى البروتين، أي ان البروتين المصنوع يشبه الشفرة او المعلومات الموجودة في الـ DNA. إن هذا يعني أن انقسام الخلية يرتبط بغاية هي إيجاد بروتين يشبه الوجود الذي يمثله جزيء الـDNA، إيجاد وجود ظاهر يشبه الوجود الكامن، يشبه المعلومات المخزونة في جزيء الـ DNA.

إن الخلية تنقسم وإن انقسام الخلية او انتهاء علاقة التناقض بين الوجود الكامن( الجوهر) والعدم الذي تحول الى وجود ظاهر يشبه الوجود الكامن لا يعني موت الخلية _ وهي علاقة تناقض ـ او انتهاء وجودها، لأن علاقة التناقض الكلية بين كل الوجود الكامن في الجسم والمادة (التي ماتزال لم تعكسه تماماً لما فيها من سلب او عدم)، لم تنته بعد، فتبقى الخلايا محتفظة بكيانها في بنية الجسم وتبقى عملية توليد خلايا جديدة مستمرة حتى انتهاء علاقة التناقض العامة التي يعني انتهاؤها موتاً للجسم الانساني، لأنها هدم للأساس الذي يبنى عليه، وهذا الأساس هو كونه علاقة.

 

مرض السرطان :

ونرى أن انتهاء علاقة التناقض العامة في الجسم تتمثل بمرض السرطان، فالسرطان هو تحويل كل الوجود الكامن في الجسم الى وجود ظاهر، فيتطابق هذا الوجود الظاهر مع جوهر الوجود او المعلومات التي تختزنها جزيئات الـDNA، وعندها تنتهي علاقة التناقض العامة لتنتهي بانتهائها كل علاقات التناقض الأجزاء(الخلايا)..

إن السرطان يعني تشابهاً بين الجوهر والمادة، يعني تحويل كل الجوهر الى مادة، حيث يسعى هذا النقيض الفعال الـDNA الى أن يحيل العدم الكامن في الجسم او الطاقة الكامنة فيه الى بروتينات، الى وجود مثله، يعكسه، في عملية الصراع بينهما لتنتهي العلاقة التي يمثلها الإنسان أو خلاياه الى الانشطار او الانقسام.

وإذا كان الانقسام المتسلسل للخلايا أو للعلاقات أو توليدها، توجهه غاية هي إظهار كل الجوهر الكامن عبر خلق الخلايا أو العلاقات حتى  آخر علاقة او خلية، فإن بلوغ هذه الخلية أو العلاقة الأخيرة يعني انشطار كل العلاقات التي بقيت تحتفظ بكيانها ضمن بنية الجسم لأن علاقة التناقض العامة لم تنته بعد. وهذا يعني أن الجسم الإنساني سيشهد ـ من خلال تطور الصراع وتكرار تكون الخلايا التي هي علاقات جديدة تخلق من خلال تطور هذا الصراع ـ سيشهد الإنقسام الأخير الذي يعني إنتهاء كل علاقات التناقض التي يتألف منها وهي الخلايا. وهذا يعني موته كما قلنا، لأنه مبني على أساس هذه العلاقات او الخلايا. وإن مظهر حدوث ذلك الإستنفاد الكلي المؤدي الى الموت يتمثل كما نرى بالانقسام السرطاني الذي يعني استنفاد كل الطاقة أو كل السلب الموجود في الجسم لخلق ما يعادل كل الجوهر الكامن فيه من الوجود الظاهر. وهذا الاستنفاد الذي يحدث في السرطان لا يحدث وفقا للبرنامج الوراثي الذي يقتضي التدرج في عملية صنع الخلايا والتدرج في عملية الاستنفاد والصعود في هذه العملية حتى الوصول الى الخلية الأخيرة.  

إن انقسام الخلايا حالة طبيعية مستمرة في الجسم لبنائه او لتعويض التالف منه في كل حياة الانسان. ولكن هناك مظهراً لنمو الخلايا ولانقسامها في الجسم يتمثل بمرض السرطان الذي يعني الموت المحقق للانسان لأنه يعني انتهاء علاقة التناقض العامة بين الوجود والعدم في الجسم الإنساني. إن الدراسات تصف السرطان بأنه تأيين لذرات الجسم، أي اخراج الكتروناتها وهي الجانب السالب في العلاقات التي تمثلها ذرات الجسم أيضا، وذلك عندما يتعرض الجسم الى ما يؤين ذراته. واذا نظرنا الى الجسم على أنه علاقات من خلايا وليس من ذرات، فإن الدراسات تصف السرطان بأنه نمو او انقسام مستمر للخلايا. وقد قلنا إن الخلايا تولد باستمرار ويتم تجاوزها لكي يتم استخراج كل ما في الجسم من سلب أو طاقة مما لم يتحول بعد الى وجود ظاهر، نفيه كله. وهذا النفي الكامل يتمثل بمرض السرطان. واذا كان السرطان يعني نفي الجانب السالب من الجسم تماماً، فإنه يعني انتهاء علاقة التناقض العامة بين الوجود والسلب او العدم في الجسم التي بانتهائها تنتهي كل علاقات التناقض الأجزاء التي تنضوي تحتها (أي خلايا الجسم من أعلى خلية الى أول خلية) والتي بقيت تحتفظ بكيانها لأن علاقة التناقض العامة لم تنته بعد. واذا كان التناقض هو الأساس الذي يقوم عليه بناء الجسم أو بناء خلاياه، فإن انتهاء التناقض يعني انتهاء هذا الأساس أي انهدام هذا الأساس ولذلك يعني السرطان الموت المحقق.

إن الفرق بين الإنقسام السرطاني والإنقسام الطبيعي للخلية أن الانقسام السرطاني يعني تحويل كل الوجود الكامن في الجسم الى وجود ظاهر. أما في انقسام الخلية فإنه يعني تحويل نسبة منه تمثله مادة الـDNA الموجود في تلك الخلية والتي تتضاعف قبل انقسام الخلية ليحل نصفها في الخلية الجديدة المتولدة عن الإنقسام او ليتجلى من خلال الخلية الجديدة التي تمثل وجوداً مادياً ظاهراً. إن الخلية تنقسم لتولد خلية جديدة، وانتهاء علاقة التناقض الذي يعنيه انقسامها، لا يعني موتاً للخلية لأن علاقة التناقض الكلية بين كل الوجود الكامن وكل المادة التي ينبغي لها أن تمثله في الجسم لم تنته بعد، فتبقى الخلايا التي تنقسم محتفظة بكيانها حتى انتهاء علاقة التناقض العامة التي يعني انتهاؤها مرض السرطان. فالسرطان هو تحويل كل الوجود الكامن في الجسم الى وجود ظاهر، تشابه كل الوجود الظاهر مع جوهر الوجود او المعلومات التي تختزنها جزيئات الـDNA. ولقد قلنا إن هذا يعني بناء متواصلاً للخلايا حتى الوصول الى آخر خلية يستنفد من خلالها آخر نسبة من العدم او الطاقة الكامنة.. وهنا نتساءل: إذا كان السرطان يرتبط باستنفاد كل العدم او كل الطاقة الكامنة، وإذا كان هذا الاستنفاد يعني الوصول الى آخر خلية وانقسام آخر خلية، فأين هي هذه الخلية الأخيرة، وإننا نعرف أن السرطان يضرب خلايا كل أعضاء الجسم، وأن كل خلية من هذه الخلايا مؤهلة لأن يضربها المرض، فكيف نجيب؟..

لقد ذكرنا أن المورثات في كل خلية، وهي أحد طرفي العلاقة التي تمثلها الخلية، تحمل الوصفات لبناء جميع أنواع البروتينات، وهي الطرف الآخر. ولكنها لاتنتجها كلها، بل يكون ما تنتجه حسب تخصصها، وهي بذلك علاقة بين عام جوهري وخاص مظهري، كلي ثابت وجزئي متغير. وهذا معناه أن كل خلية تمتلك ما هو عام، أي انها عامة وخاصة. ولإنها كلها عامة، أي فيها معنى إنسان كامل او جوهرإنسان كامل وطاقة لإظهار جوهر إنسان كامل فإنها كلها مرشحة لأن تكون الخلية الأخيرة التي يستنفد منها انسان كامل . وقلنا إن هذا فيه تفسير للسبب في أن تكون كل أجزاء الجسم وأعضاؤه وخلاياه عرضة للاصابة بالسرطان. فإذا كان السرطان قضاء على العلاقة العامة بين كل الوجود وكل العدم في الجسم الإنساني ، فإن كل خلية من خلاياه تمثل هذه العلاقة العامة لأن كل منها يتصل بما هو عام، كل منها فيه الجوهر العام الذي يستطيع بناء كل الخلايا وجميع أنواع البروتينات لا البروتينات الخاصة فقط التي كان قبل إصابة الخلية بالسرطان ينتجها فقط. إن السرطان يلغي تخصص الخلية فتصبح عامة، لأنه يتطلب خلية عامة يستنفد منها الإنسان كاملا، كل مافيه من مادة وطاقة كامنة لإظهار وجوده وجوهره الكامن كله. ولهذا تشبه الخلية السرطانية الخلية الجنينية في كونها عامة وفي انقسامها المستمر[36]، فهي تنقسم باستمرار لاستخراج كل الطاقة ولبناء كل البروتينات التي يستطيع الجسم بناءها في عملية بناء الخلايا الجديدة . ولأن الخلايا جميعاً فيها هذا الأساس العام لذا يستطيع السرطان الانتشار في الجسم الإنساني كله ذلك لأن خلاياه كلها ترتبط بهذا الأساس العام وإن اختلفت فيما بينها حسب تخصصها، وان لها صلة بالعلاقة العامة التي تضم الإنسان كله، لذا فإن أية خلية يمكن أن تكون هذه الخلية العامة التي يمكن منها استخراج كل الطاقة الكامنة في الجسم والتي يحددها البرنامج العام الذي أسس الانسان في ضوئه، وهي كمية الطاقة التي يستغلها الجسم لبناء كل خلاياه من أول خلية حتى آخر خلية. اذن فإن هذه الخلية الأخيرة يمكن لأية خلية أن تكونها كما قلنا ما دامت كل خلية تمتلك البرنامج الوراثي العام نفسه، ولهذا فهي تستطيع أن تستخرج كل الطاقة الكامنة في الجسم إذا ما أصيبت بالسرطان.

  لقد أصبح الوصول الى سر هذا المرض معضلة المعضلات، ولربما انتظر لكي يعرف سره الى حين معرفة سر الحقيقة الكلية لأن الذي يبدو أن سرهما واحد. والحق إنني ـ وأنا اقرأ عن السرطان ـ وجدت من الباحثين الواسعي الأفق من يدعو الى فهم شامل للحياة والكون لكي يستطيعوا أن يعرفوا حقيقة هذا المرض كأنه يرى أن حقيقة المرض غير منفصلة عن حقيقة الحياة والكون وسرهما الواحد. والمرض بحاجة الى مثل هذا الطبيب، الطبيب الفيلسوف. إن هناك ما يشير الى أن السرطان محكوم بقانون الحقيقة المطلق، وأنه هو الذي يكمن وراءه ما دام الإنسان محكوماً به، والسرطان مرض يغزو جسم الإنسان.

ونريد بعد الوصول الى هذه النتيجة أن نعطي بعض المعلومات الأساسية التي يعطيها الطب عن هذا المرض، وهي ترتبط بما نتحدث به عنه..   تقول المصادر العلمية إن السرطان مرض تنقسم فيه الخلايا انقساماً غير منتظم، فوضويا. وتستمر هذه الخلايا في الانقسام ولا تتعرض للتثبيط الذي تتعرض له الخلايا العادية. وهذا الانقسام والاستمرار فيه دون توقف يؤدي الى خرق بالغ للوظيفة الحيوية لتلك الخلايا، ومن ثم الأعضاء والأنسجة المختلفة التي تكونها ويقود الى الموت.

وهناك عوامل عدة تعمل على ظهور هذا المرض منها: العوامل البيئية  والعوامل الإشعاعية المؤينة. ويطلق اسم الإشعاعات المؤينة على جميع الإشعاعات النووية كالجسيمات المشحونة ( البروتونات وجسيمات ألفا وبيتا والالكترونات والإشعاعات الكرومغناطيسية والأشعة السينية وأشعة جاما والنيوترونات وغيرها ) لأنها تقوم بتأيين الوسط الذي تمر فيه بما يؤدي الى تغيير في تركيب ذلك الوسط الذي تمر فيه وهو ما نعبر عنه بالآثار الصحية . وكلما زادت كمية الإشعاع زادت احتمالية الآثارالمتوقعة . فالجسيمات المشحونة تقوم بتأيين الوسط مباشرة عند المرور فيه وذلك بسبب الكهربية التي تحملها . وتعرف طاقة التأين بالطاقة اللازمة لإخراج الالكترون من ذرة الهيدروجين المستقرة علما أن جميع أجسام الكائنات الحية تحتوي على نسبة عالية من الهيدروجين . ويعرف جهد التأين بأنه الجهد الكهربائي اللازم لخروج الالكترون من ذرة الهيدروجين المستقرة . ومعنى العناصر المستقرة هي العناصر التي تكون فيها النسبة بين عدد النيوترونات وعدد البروتونات 1/1[37]

 ومن العوامل التي تعمل على ظهور المرض العوامل الوراثية التي يدخل فيها التاريخ الوراثي للفرد والتشوهات الصبغية الكبيرة والاختلال الوظيفي الهرموني والفيروسات. ومع تقدم علم الكيمياء والوراثة تم تحليل عدد كبير من المواد المسرطنة، ووجد أن معظمها هي مواد كهرومغناطيسية تتحد بقوة مع الأحماض النووية الخلوية DNA وRNA والبروتينات. حيث ثبت أن معظم هذه المواد المسرطنة عند اتحادها مع المادة الوراثية فإنها قد تسبب سرطاناً وذلك بإحداث تغييرات في المعلومات الوراثية، والتي تؤدي في معظمها الى طفرات في المادة الوراثية. إن السرطان يحفز بوساطة هذه العوامل التي تؤثر في الخلايا وتسبب تحولات خلوية فيها مما يجعلها تفقد السيطرة على الإنقسام المنظم وتبدأ بالإنقسام الفوضوي السرطاني.

 من هذه العوامل أيضا ، المواد الكيمياوية التي تفقد ذراتها بعضاً من الالكترونات النووية، حيـث تتحد بسبب نقص الالكترون فيها بالذرات الغنية بالالكترونات الموجودة في الأحماض النووية والبروتينات. وتبدو المواد المسرطنة متخصصة في تأثيرها، فبعضها يحفز ظهور السرطان في عضو من أعضاء الجسم دون الآخر.

 ومن نظريات تكون السرطان نظرية التغير في المورثة، وتعتمد هذه النظرية على مفهوم التغير في المادة الوراثية عن طريق تغير في المورثات. والأدلة عديدة التي تثبت ذلك التغير وتدعم النظرية. والتغير الوراثي عادة ما يكون ثابتاً، فيحدث ضرر بالمادة الوراثية في شريط DNA او بإضافة مادة وراثية الى المادة الوراثية الأصلية، او تغير مورثة واحدة او نقص صبغي. ومعظم السرطانات التي تصيب الإنسان لها علاقة باختلال العدد الصبغي، وإن الخلية تصبح أكثر تسرطناً كلما زادت التشوهات الصبغية في التركيب الوراثي للفرد المعني.

 وتبين المصادر الطبية أن السرطان يتصل بعلم الأورام لأنه ورم، أي ازدياد في صنع الخلايا. وقد ذكرنا أن صنع الخلايا يعني تحويل العدم الى وجود ظاهر، تحويل الطاقة الى مادة تعكس مضمون وجوهر الإنسان. إن البروتينات ومواد مادية أخرى قبل تصنيعها هي عبارة عن مادة غير حية بلا مضمون ولا جوهر ولا تعبر عن معنى. وبعد تصنيعها تعكس المعلومات الوراثية وتعبر عن معنى الانسان. والجسم الإنساني ومن خلال القانون العام الذي يحكمه لديه القدرة على صنع عدد هائل من الخلايا. فعدد الخلايا التي يصنعها الجسم في اثناء الحياة كبير جدا[38]، وهناك ـ ضمن القانون العام الذي يحكم وجود الإنسان او حياته ـ معدل لحياته او لعمره،  فهناك حد لعمره. فالزمن هو أحد ابعاد المادة، هو البعد الرابع لها. وللجسم الإنساني بعد زمني او عمر يحدده بسنين معدودة، وهو ضمن هذا الحد وفي خلال العمر المحدد له يصنع مقداراً من الخلايا يتفق وهذا العمر.

وهذا يعني أن صنع الخلايا له مدى، وأن النمو له حدود [39]، ففي التنامي الطبيعي للانسان يصل نمو الخلايا الى حد او نقطة معينة يبلغ فيها ما حدد له من مدى ويدعى عندها الى التوقف . وهذا المدى يرتبط بالعدم الكامن في الإنسان، أوبالمادة التي من الممكن تصنيعها لتخلق خلايا جديدة، يرتبط بمقدار البروتينات غير المخلقة فيه. وهذا المقدار يرتبط بالبرنامج او القانون العام الذي صنع الإنسان في ضوئه وعلى وفقه والذي يضع حدوداً لعمر الانسان كما يحدد كل شيء فيه. وتبين قراءة العلماء للجينوم البشري أن كل نوع من أنواع الكائنات له برنامج يخطط لزواله . إذ يبدو أن كل نوع من أنواع الكائنات يأتي وقد جهز بهذا البرنامج الذي اختير ليناسب مدى ما يتوقع له من الحياة والعمر[40]، أي ان هذا البرنامج يحدد نهاية لعمر الإنسان حتى لو سلم من كل الأمراض التي تؤدي الى الموت، ومن كل الاحداث التي تؤدي اليه، فهنالك برنامج يخطط لموته. وهذا البرنامج يرتبط ـ في تفسيرنا ـ بكمية ما يصنعه الجسم من الخلايا، فكل خلية تصنع هي درجة على سلم الصعود الى النهاية المحتومة. وإن قدرة الجسم على صنع الخلايا لها حد تنضب فيه وإن بلوغ هذا الحد يعني شيخوخة الجسم وموته. ولذا يقال إن تضاعف الخلايا يؤدي الى شيخوخة الخلايا لأنه نضوب لطاقتها، ولذا يقال كذلك إن السرطان يرتبط بالشيخوخة[41] وإن معدلات السرطان تتزايد مع العمر باطراد، وعامل الخطر الأول في السرطان هو السن[42]. ولكن السرطان لا يرتبط بما تعنيه الشيخوخة فقط  إنما بما يؤدي اليها . فإذا كانت هذه تعني لدينا فيما تعنيه نضوباً في الطاقة او القدرة على صناعة البروتينات التي يمكن تحويلها الى خلايا جديدة، فإن هنالك محفزات تؤدي الى هذا النضوب. وإن وجود هذه المحفزات يؤدي الى إخراج كل الكمية التي أعدها البرنامج الذي صمم عليه الإنسان . وهذه الكمية تشمل كل ما يمكن للجسم أن يصنعه في خلال عمر الإنسان من البروتينات والمواد البنائية الأخرى. فهذه المواد التي كانت غير مصنعة وطاقة كامنة تصنع عن طريق توليد الخلايا الجديدة بدون حاجة الجسم الى هذا . إذ إن الجسم يصنع ما يحتاج اليه من خلايا في عمليات البناء او إعمار التلف. أما أن يصنع الخلايا بلا انقطاع، فذلك ما لا يحتاج اليه، بل على العكس إنه وسيلة لتدميره. إن السرطان انفلات في عملية صنع الخلايا[43] وتزايدها الى ما لانهاية وحتى إخراج كل ما يختزنه الجسم من طاقة كامنة او بروتينات من الممكن تصنيعها، وحتى استنفاد كل قدرته على صنعها. ولهذا يشهد الجسم ورماً سببه تزايد صنع الخلايا. وينسب السرطان الى أمراض الاورام ـ كما قلنا ـ والورم نمو ولكنه نمو غير مسيطر عليه إذ إن الخلايا تنسخ نفسها وتتزايد بحماس. لذلك فإن الأنسجة التي تكون معرضة بوجه خاص للسرطان هي تلك التي تنزع لأن يكثر فيها انقسام الخلية طيلة الحياة إما للترميم او لأسباب أخرى كما في الجلد والخصيتين والثدي والقولون والمعدة وخلايا الدم البيضاء. ولذلك يوصف السرطان بأنه مرض للجينات التي تشجع نمو الخلية وهي الجينات الورمية. وهو مرض للجينات التي تكبح الورم، ولذا فإن العطب الذي يصيب جين تي بي(53) الكابح للورم هو علامة على وجود سرطان قاتل، ولهذا يكتسب هذا الجين لقب حارس الجينوم[44].

إن السرطان إذن انفلات في النمو يعني تعطيل كل ما يكبح هذا الانفلات. والنمو يعني صنع الخلايا، وصنع الخلايا يعني صنع البروتين. ولهذا يرتبط السرطان بزيادة تكوين البروتين، ولهذا تشبه الخلايا السرطانية الخلايا الجنينية في أنها تنمو بسرعة مثلها، وأنها من أجل ذلك تنتج كميات كبيرة من البروتينات. ولهذا تبدو النوية التي ذكرنا أنها جسم صغير يقع عادة حول مركز النواة أكبر حجماً في هذه الخلايا النشيطة في تكوين البروتينات، لأن النوية هي محل تكوين الرايبوسومات التي هي بدورها تكون بمنزلة المعمل الذي تبنى فيه البروتينات[45]. إن السرطان هو استنفاد صنع البروتين الذي كان يمثل جانب العدم او جانب السلب او جانب الطاقة. وهذا هو غاية التفاعل او الصراع بين طرفي الاختلاف او الصراع في الجسم. فعملية الصراع أو التفاعل التي قلنا إنها تدور بين الكروموسومات الذكرية والكروموسومات الأنثوية وهو ما يسميه العلماء بالحرب البيولوجية  في خلايا الجسم هدفها تحويل العدم او الوجود الذي لم يخلق او لم يظهر بعد_والذي يقترن بالكروموسومات الأنثوية_ الى وجود ظاهر عن طريق صنع البروتين وصنع الخلايا الجديدة. وبعد كامل تحويله، او بعد استنفاده كاملاً يكون السرطان هو النتيجة.

إن الصراع او التفاعل الذي عرضنا قصته في الجسم الإنساني إنما هو صراع بين الوجود الذي يمثله وجود الرجل والمرأة (وهو ما تمثله الكروموسومات الذكرية والأنثوية المتحدة في نواة الخلية ) والعدم الذي قلنا إنه يقترن بالمرأة فقط وإن هناك عدما كامنا في المرأة وإن هناك صراعا بين الوجود والعدم الذي مازال( وجودا ممكنا). وإن الصراع أو التفاعل بين الكروموسومات الذكرية والأنثوية يستمر حتى يتحول كل العدم الى وجود. وهذا يشبه ما يحدث في الذرة عند إيجاد العدم فيرتفع الالكترون من مستوى طاقة سالبة أو عدم(بوزترون) الى مستوى طاقة موجبة (الكترون) ووجود الالكترون او ظهوره يقابله ظهور للشحنة الموجبة  (البروتون) وبهذا توجد الذرة  التي هي مادة بناء الكون .

إن الذرة تشبه الخلية وإن ما يحدث فيها يحدث في الخلية . وإن وجود الذرة ووجود الخلية وجود مادي ظاهر . والخلية توجد من خلال عملية إيجاد العدم الكـامن في الجانب الأنثوي فقط , ولذلك فإنها تمتلك وحدهـا ( الميتاكوندريا ) وهي الجسيمات التي يتم فيها ومن خلالها استخلاص الطاقة واستخدامها في عملية البناء المادي لجسم الانسان .

 إن المرأة هي سبب الوجود المادي للإنسان . وإن عملية إيجاد العدم في الخلية تتمثل بعملية صنع أو انتاج الطاقة أو استخلاص الطاقة من المركبات أو المواد الغذائية الموجودة في الخلية فتحدث عمليات أكسدة الدهون والسكريات داخل الميتاكوندريا التي قلنا إنها تقترن بالمرأة فقط وتنبعث الطاقة فيمكن تنفيذ العمليات المختلفة من بناء للبروتينات وغيرها من المواد ومن عمليات الهدم . ولأن الميتاكوندريا هي المركز النشط لإنتاج الطاقة في الخلية فإنها تموج بالعديد من الشوارد الحرة التي تسبب تلف الخلايا فتشيخ ويضعف انتاجها للطاقة وتموت وقد تهددها بالإصابة بأمراض أخرى مثل السرطان وهو موضوع بحثنا . ويعبر عن هذه العملية بعملية الأكسدة التي تنتج ذرات الأوكسجين الحرة غير المستقرة التي تنتج هي الأخرى الشوارد الحرة وهي ناتج ثانوي عن عملية إنتاج الطاقة في الخلية . والشوارد الحرة آيونات سالبة حصلت على الكترونات غير مرتبطة (حرة) منفردة أي غير مزدوجة وتستطيع أن تقوم بمهاجمة الخلايا في تفاعلات متسلسلة وأن تؤكسد الDNA  والبروتينات وجزيئات أخرى في كل أنحاء الجسم وتتلفها . وهي تستطيع أن تنتج مزيدا من الشوارد والمؤكسدات ذات القرابة بها مثل فوق أوكسيد الهيدروجين ومن ثم تحفز سلاسل طويلة من النشاط التدميري كما تؤدي الى إحداث طفرات جينية تعجل عملية الشيخوخة وتثبط بعض الإنزيمات وتؤدي الى ظهور بعض السرطانات وحدوث طفرات في المحتوى الوراثي للميتاكوندريا أو جيناتها ومن ضمنها الجين المهم الذي ينتج خميرة سايتروكروم سي أوكسيديس والخمائر التي تساهم في إنتاج الطاقة المعروفة بـ ATPالتي تزود التفاعلات الكيمياوية في الجسم بالطاقة التي تحتاج اليها .

وتعرف الأكسدة بأنها عملية فقدان للالكترونات من الذرات أو الجزيئات او الآيونات . وتعمل الجذور الحرة على الأرتباط بأي شيء يصادفها كالDNA والبروتينات والشحوم فتسبب تلف الخلية وتظهر علامات الشيخوخة او تتحور الجينات السليمة الى جينات سرطانية . إن عملية الأكسدة هي عملية فقدان للطاقة التي تعمل بها خلايا الجسم [46]..  وتشترك الشيخوخة والسرطان في أنهما ظاهرة لعملية فقدان الطاقة ولذلك تظهر النتائج على الميتاكوندريا التي هي مولد الطاقة كما تظهر النتائج على التيلوميرات التي ذكرنا أنها تتصل بعمر الإنسان ومستوى الطاقة المقررة لهذا العمر والتي يتضمنها البرنامج الوراثي له. ولهذا ترتبط التيلوميرات بعملية انقسام الخلايا _وهذا كنا قد شرحناه_ فهي تحدد مرات الإنقسام  وتحدد مستوى الطاقة المخصصة لكل إنقسام . ولأن السرطان هو استخراج لكل الطاقة الكامنة أي المخصصة لعمر الإنسان والتي تتضمنها المعلومات الوراثية في DNA  التيلوميرات لذلك فإن السرطان يصاحبه نشاط للتيلوميرازات وهي الإنزيمات التي تعمل على تطويل التيلوميرات من أجل إدامة عملية انقسام الخلايا وتطويل عمرها وجعلها خالدة لا تموت لكي تصرف كل الطاقة الكامنة أو المقدرة لعمر إنسان كامل ..

إن موت الخلية وشيخوختها أو فقدانها للطاقة هو أمر مبرمج مسبقا.  فهذه العمليات تجري تحت سيطرة برنامج وراثي جيني مسبق ، وإن الجينات تلعب دورا قويا في هذه العمليات ولكنه في الحالة الطبيعية من حياة الإنسان وحياة خلاياه يحدث تدريجا ومع تقدم الإنسان في العمر، أما في السرطان فإنه يحدث مرة واحدة ولذلك فإن الخلايا تنقسم باستمرار ولا تتوقف عن الانقسام حتى تهدر كل الطاقة المقدرة لها في أثناء عمرها . إن عملية إنتاج الطاقة وعملية الأكسدة والأيض أو البناء والهدم (التي قلنا إنها عملية إيجاد للعدم أو إيجاد الوجود المادي المتمثل بالخلايا ) تحدث في الميتاكوندريا التي تقترن بالجانب الأنثوي فقط . وهذه العملية ترتبط _كما ذكرنا سابقا_ بعمل جزيئات أخرى ترتبط بالجانب الأنثوي كذلك ويكمل عمل بعضها بعضا ونقصد بها التيلوميرات . فعمل الميتاكوندريا وعمل التيلوميرات يرتبط بعملية إنتاج الطاقة وعملية إنقسام الخلايا وبناء الخلايا.

إن بناء خلايا الجسم  يستدعي انقسام الخلايا وهذا يستدعي انتاج الطاقة الذي يحدث في الميتاكوندريا وإن استمرار هذه العملية أو حدوثها بوتيرة متصاعدة يضعف الميتاكوندريا فتشيخ الخلية وتموت او تنتقل الى الحالة السرطانية . إن تكرار عملية انتاج الطاقة وتكرار عملية الانقسام يؤدي الى قصر التيلوميرات ويؤدي كذلك الى أن تشيخ الخلية وتموت أو تتحول الى خلية سرطانية .إذن فعمل الميتاكوندريا يرتبط بعمل التيلوميرات والاثنتان ترتبطان بالجانب الأنثوي كما قلنا . واذا كان عمل الميتاكوندريا هو انتاج الطاقة وصرف الطاقة على العمليات الحيوية التي تحدث في الخلية لاسيما بناء البروتينات والمواد الأخرى بما يؤدي الى تكوين المظهر الخارجي للجسم فإن عمل التيلوميرات هو تنظيم عملية صرف هذه الطاقة وضبطها أي ان عمل التيلوميرات هو عملية زمنية تضبط عملية الإنقسام خلال وحدات زمنية وتتأثر بها ، فإذا زادت عملية الإنقسام عن هذه الضوابط وزاد صرف الطاقة وقصر التيلوميرات اضطرب أمر هذه العمليات واختل وانفلت من عقاله ولا يعود الصرف مقننا على وفق جدول زمني محدد ويتمثل هذا المظهر بحدوث السرطان . فالسرطان هو صرف غير محدود للطاقة عن طريق صنع غير محدود للخلايا .

ويقوم التيلومير بدور هام في عملية التئام الجروح وإعادة بناء الأنسجة التالفة نتيجة الأمراض من خلال عملية إنقسام الخلايا . ولكن مع كل إنقسام للخلية يحدث قصر في طول التيلومير _كما قلنا_ويؤدي الى ظهور أعراض الشيخوخة على الخلية . لذا ذهب بعض العلماء الى أننا لو استطعنا إعادة تطويل هذا التيلومير فسوف يعيد ذلك الشباب للخلية ويجعلها تبدو أصغر سنا ويعيد الشباب الى الجسم كذلك . فبإعادة تطويل التيلوميرات تعود الخلايا طبيعية ويشفى المرض . وعلى العكس من ذلك عندما يختل أمر الانقسام ويصبح منفلتا كما في السرطان فإن العلماء يعملون على استحداث أدوية مضادة للتيلوميرات لإحداث قصر بها من أجل السيطرة على عملية الانقسام وتقنينها وبرمجتها فلا تعود منفلتة وغير مسيطر عليها مما يؤدي الى العلاج المبكر للسرطان[47]..

 إن هذا يدلل على أن صرف او انتاج الطاقة يرتبط على المستوى الخلوي والجزيئي بآليات الهرم وآليات التحول الى السرطان . فتقييد صرف الطاقة والسعرات الحرارية يطيل أمد الحيوية والبقاء ويجعل عملية انقسام الخلايا تحدث بانضباط وسيطرة وعكس ذلك يدفع اليه صرف ونضوب للطاقة.  وقد يكون الصرف هائلا مما يؤدي الى انقسام هائل وهذه الظاهرة تتمثل بمرض السرطان . فهناك إذن صرف مبرمج للطاقة يؤدي الى عملية انقسام مبرمجة للخلايا ويؤدي الى شيخوخة مبرمجة وموت مبرمج وهذا ما تذهب اليه نظرية الجسد المستهلك . وعملية الإخلال تؤدي الى التعجيل بالنهاية المحتومة عن طريق الشيخوخة أوالسرطان . إن الخلايا تحتوي على ساعة توقيت محددة هي التيلومير التي تحدد وتضبط عملية تقدم الخلايا الى مرحلة الهرم او الموت . ففي كل انقسام للخلية هناك فقد لجزء من التيلومير الذي يقع في نهايتي جميع الكروموسومات حتى يدفع هذا التقاصر الخلايا الى الهرم او الموت . فهناك اذن ارتباط بين ما يجري في الميتاكوندريا وما يجري على التيلوميرات كما قلنا . لقد عرفنا أن انقسام الخلية يؤدي الى استهلاك جزء من الطاقة في الميتاكوندريا وجزء من التيلومير على نحو يسرع في إيقاع ساعة الشيخوخة وساعة موت الخلية المبرمج . وهكذا نجد أن عملية صرف السعرات يسرع في إيقاع تقدم الخلية في العمر وبالعكس فإن تقييد السعرات الحرارية أهم العوامل التي تبطيء الايقاع . وهذا التقييد في صرف السعرات يصون بنية الخلية من أن ينالها التلف الذي تسببه الشوارد الحرة . ويوجب هذا التخريب والتلف على الخلية إجراء مزيد من الترميمات عبر معاودة الإنقسام مرة ومرات [48].. وهذا الإنقسام يعني استهلاك للتيلوميرات واستهلاك للطاقة في الميتاكوندريا على نحو يسرع إيقاع ساعة الشيخوخة المبرمجة أو الموت المبرمج للخلايا ويقصر في الأعمار. لقد وجد الباحثون أن الشيخوخة ترتبط بالسرطان لأنهما الاثنين يعنيان صرف كل الطاقة الكامنة في الجسم .

هناك ما يعرف الآن بالبيولوجيا الزمنية وهو علم حديث يهتم بدراسة إيقاع الحياة الداخلي في الكائنات الحية والعلاقة بين الزمن والحياة في داخلها . ولقد كانت نظرية آينشتين قد بينت أن الزمن هو البعد الرابع للأشياء ولهذا فإن بنية الانسان ترتبط بعمر محدد وهناك ما يسمى العمر الافتراضي للإنسان وهو أقصى مدة زمنية يمكن للكائن أن يحياها . إن دقات الساعة البيولوجية في الإنسان والكائنات الحية هي الزمن الذي يعيشه الإنسان اويتقدم اليه . هذا الإيقاع الداخلي هو العمليات الحياتية التي تحدث في الخلايا ، فعمليات البناء والهدم التي تحدث عن طريق إنتاج وصرف الطاقة هي عمليات إيقاع لخطوات الزمن الذي يمر على جسد الإنسان . وهو إيقاع فطري يتم ضبطه والتحكم فيه عن طريق الساعة البيولوجية . هذا الإيقاع اليومي النهاري والليلي يعمل على تزامن وظائف الجسم مع التغيرات الزمنية اليومية في الضوء والظلام مثل دورة النوم والاستيقاظ في الإنسان.  وقد استنتج العلماء أن الساعة البيولوجية لا بد من أن تكون قديمة قدم الحياة نفسها وأن الخالق العظيم وهبها لجميع المخلوقات كل وما يناسبه ولم يحرم منها كائن من كان حتى لو كان هذا الكائن وحيد الخلية كما اعترفت بذلك الأبحاث الحديثة . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية الوقت في حياتنا وحياة جميع الكائنات[49]..إن جسم الإنسان يموج بأعداد هائلة من الساعات البيولوجية تضمها خلايا الكائن الحي وتدق فيها معلنة تقدم الوقت وهذه هي التيلوميرات التي ترتبط بالأنثى  .

إن تاريخ الوجود الإنساني إنما هو تاريخ النساء اللواتي يظهرن الإنسان الى الوجود، لأن النساء هن سبب ظهوره وبهن ترتبط المواد البانية لهذا الظهور وبهن ترتبط الساعات التي توقت مدة إظهار هذا الوجود الظاهر بجزيئاته الصغيرة المكونة لبنائه العظيم وهي الخلايا .

إن الذي نستنتجه من هذا أن هناك تناسقا بين عمل الميتاكوندريا التي مصدرها الأنثى فقط والتي تقع في السايتوبلازم (ويقال إنها تقع في النواة كذلك) وعمل التيلوميرات التي تقع في النواة وترتبط بالكروموسوم الأنثوي. وإن هذا العمل يرتبط بعملية إنتاج أو صرف الطاقة واستغلالها في  بناء الجسم عن طريق تكوين خلاياه وهي الوجود المادي الظاهر للإنسان . وإن الميتاكوندريا والتيلوميرات ترتبطان بالأنثى ، فالأنثى هي التي تحقق الوجود المادي الظاهر للانسان . وإن تحقق كل الوجود الظاهر أو استنفاد كل الطاقة الكامنة في الجسم أو تحويل كل (الوجود الممكن التحقيق) الى (وجود كائن) يؤدي الى الشيخوخة أوالسرطان، وإن هذين يعنيان استنفاد وصرف كل الطاقة التي خصصت للإنسان في أثناء مدة وجوده لكي يصرفها في عملية بناء نفسه، كالوقود الذي تزود به السيارة مثلا لتقطع مسافة ما في وقت محدد فإذا ما انتهى توقفت عن العمل وعن الحركة بعد أن تكون قد قطعت مسافة محددة في مدة محددة . إن السرطان هو إذن نتيجة للصراع أو التفاعل بين العوامل الذكرية والأنثوية لإظهار ما في جعبة الأنثى من وجود قابل للظهور .

والآن لنا أن نتساءل : ما الذي يجعل الجسم يتجاوز توجيه هذا البرنامج الداخلي الذي يبرمج عملية تقدم العمر ويأمر بالصرف المقنن للطاقة والانقسام المحدد للخلايا فينصرف عن هذا ويعمد الى عملية انقسام للخلايا مستمرة وعملية صرف للطاقةغير متوقفة ؟.

لقد ذكرنا أن كيان الجسم الإنساني يقوم في أساسه على أساس التوازن  ما بين الوجود والعدم في خلاياه وبين الشحنة الموجبة والشحنة السالبة في ذراته فإذا ما اختل هذا التوازن_ كأن يتعرض الجسم الى أشعة مؤينة تعمل على إخراج كل الجانب السالب او الطاقة السالبة في الجسم والمخصصة له ضمن برنامجه الوراثي _ يلغى عمل البرنامج الذي يعمل على توجيه عملية صرف الطاقة على وفق جدول محدد ومقنن، لأن الطاقة المطلوب إخراجها منه في هذه الحال طاقة هائلة لذا يعمد الى عملية صنع مستمر للخلايا إذ قلنا إن كل خلية تصنع تستخرج أو تصرف نسبة من الطاقة . وإذا ما حدث خلل للجينات التي تحكم عمل البرنامج الذي يحدد عملية صرف الطاقة أو صنع الخلايا او انقسام الخلايا ومنها ما يتصل بعمل التيلوميرات التي قلنا إنها الساعة البيولوجية التي تحدد عمر الخلية وعمر الانسان وعدد ما يصنع من الخلايا خلال عمر الانسان ، فإن هذه الجينات سيضطرب عملها وتنفلت عملية صنع الطاقة او صنع الخلايا من عقالها. ولهذا نجد عند السرطان أن التيلوميراز وهو الإنزيم الذي يسيطر على عمل التيلومير سيزداد إفرازه في الخلايا السرطانية ويعمل على إطالة نهاية التيلوميرات في الخلايا وجعلها خلايا خالدة تنقسم دائما ولاتتوقف عن الإنقسام والتكاثر.

إن ما يحدث في السرطان هو صرف كل الطاقة الموجودة في الجسم ابتداءا من الطاقة الموجودة في الخلايا المتخصصة وصولا الى الخلايا الأولية أو العامة التي هي القاعدة التي انطلقت منها الخلايا المتخصصة أو هي أسفل الهرم الذي تجلس على قمته . ولذلك يقال إن السرطان يلغي تخصص الخلايا ويعم كل الخلايا ويشملها لأنها كلها يرتبط بعضها ببعض وأنها كلها تشتمل على البرنامج الوراثي نفسه وأن المعلومات الوراثية هي نفسها في كل الخلايا.

وإذا درسنا الجسم من خلال الخلية فإننا ندرسه كذلك من خلال وحدته الصغرى التي هي الذرة ذلك لأن الخلية تشبه الذرة في أنهما الاثنين علاقة بين جانب موجب وجانب سالب . والسرطان هو إخراج للجانب السالب من ذرات الجسم ، إخراج له من وحدة العلاقة التي تربطه الى الجانب الموجب فيها . فلقد ذكرنا أن من مسببات السرطان او من محفزاته الأشعة المؤينة او بعضا من المواد الكيميائية فيما سميناه الشوارد الحرة  التي  تفقد ذراتها بعضاً من الكتروناتها النووية، فتتحد بسبب نقص الالكترون فيها بالذرات الغنية بالالكترونات الموجودة في الأحماض النووية والبروتينات فتخرجها من ذراتها في هذه المواد الجسمية .

 ومن المعروف أن هناك قوى كهربائية تحافظ على شكل وبنية الخلية بصورة عامة وأن هناك تجاذبا ما بين الدقائق الذرية الموجبة الشحنة والالكترونات السالبة الشحنة وأن هذا التجاذب هو الذي يربط الأجزاء المختلفة للخلايا وأن انفلات هذا التجاذب او انتهاؤه بخروج كل الجانب السالب من الذرات يؤدي برأينا الى مرض السرطان وذلك اذا تعرض الجسم الى الأشعة ذات الطاقة الكبيرة . ومن المعروف كذلك أن خلايا الجسم البشري من أهم مكوناتها الحامض النووي DNA وهو يتأثر بالحقول السالبة والموجبة وهو يتألف من ذرات تتأثر بهذه الحقول . فعندما تدخل الأشعة السينية او الجسيمات النووية السريعة جدا الى الخلايا فإن تأثير هذه العملية يمكن أن يكون مدمرا للغاية وذلك بسبب طاقة هذه الإشعاعات التي تفوق مئات المرات القوى التي تربط أجزاء الخلية الى بعضها . وعليه فإن الضررالذي سيلحق بالخلايا سيكون كبيرا بسبب تلف البناء الكهربائي الذي يحافظ على بنية الخلية وعندئذ تموت الخلية . أما اذا كانت طاقة الإشعاع أقل تأثيرا فإن الخلايا قد تبقى حية لكن الإشعاع يؤثر في هذه الحالة على فعاليتها الحيوية التي تتضرر الى حد كبير يؤدي الى تغيير هندستها او شكلها الأصلي ومن ثم فإن الخلية التي بقيت حية قد تتحول تدريجيا لتصبح خلية سرطانية تقوم بصورة ذاتية بتوليد خلايا سرطانية أخرى. وهناك أضرار خفيفة للإشعاع وهذه من الممكن تلافيها وتقويمها لتواصل الخلايا نشاطها الاعتيادي .

إن الخلية تحتوي على المركبات والمعادن الضرورية للجسم ويكون الماء معظم أجزاء الخلية ويختلف الإشعاع النووي بضمنه الأشعة السينية في تأثيره عن باقي أنواع الأشعة كالضوء والحرارة في أنه يقوم بتأيين الماء الموجود في الخلايا الحية مما يؤدي الى اختلال نظام عمل هذه الخلايا . ونتيجة لهذا التأين تتكسر الكروموسومات او تتكون سلسلة لولبية الجذور تعيق الكروموسومات من إعادة التكوين المماثل للأصل [50]..

السرطان إذن اختلال للعلاقة التي تبنى منها خلايا الجسم وذراته. وهذه العلاقة هي البرنامج أو البنية العامة التي يبنى في ضوئها الإنسان . ولذلك فإن جميع البشر معرضون للاصابة به، ذلك لأنه يتصل بالتصميم الداخلي الذي جاء الإنسان تعبيراً عنه، فإذا ما اختل هذا التصميم وانهدم هذا البرنامج قضي على الانسان بالموت لانهدام الأساس او البنية العامة التي بني عليها. إن البنية العامة للخلايا قائمة على علاقة اختلاف بين مصدرين يأخذ أحدهما من الأب والآخر من الأم . ولإنها بنية عامة يمتلكها كل البشر يقال إن كل البشر يملكون المورثات التي باستطاعتها تحويل الخلايا العادية الى خلايا سرطانية. ولكن ظهور السرطان يعتمد على وجود العوامل والمحفزات وتنشيط المورثات من عدمه الى جانب حالة الجسم ومقاومته وقدرته على القضاء على مثل تلك الخلايا المتحولة[51].

إن القول بأن البشر كلهم يملكون المورثـات التي باستطاعتها تحويل الخلايا العادية الى خلايا سرطانية يدلل على أن السرطان إنما هو خلل او تطور ينتاب القانون العام الذي يحكم تكوين وخلقة الجسم الإنساني ما دام كل البشر يملكون استعداداً للاصابة به. وما دام هذا المرض ليس مرضاً معديا فهو يتصل بالقانون او البرنامج او التصميم الداخلي الذي صمم عليه جسم الإنسان او بنيته العامة ـ بلغة البنيوية ـ التي هي بمنزلة الهيكل الذي يؤسس لبناء الجسم الانساني. وهذا القانون أو البرنامج او التصميم الداخلي أو البنية العامة، إنما هي (العلاقة) التي ينبغي أن تكون قائمة لكي يبقى بناء الجسم قائما فإذا ما انتهت هدم بناء الجسم لهدم أساسه .

العلاج :

وإذا كان السرطان انتهاءا  لهذه العلاقة فإن إعادة العلاقة الى وضعها السابق هو الذي يقضي عليه. وإعادة هذه العلاقة يكون بإعادة الطاقة المفقودة او الجانب السالب في خلاياه. إن إعادة هذه الطاقة الكلية إليه هي الكفيلة بالتصدي لهذا المرض . ولأن السرطان هدم لبنية كل خلايا الجسم لذلك فإنه يمتد على كل هذه الخلايا . وهنا نسأل : كيف نعيد الجانب السالب أو الطاقة المفقودة الى خلايا الجسم؟.

لقد قلنا إن الجسم الإنساني كله يبدأ من خلية واحدة وبالاستنساخ والتكاثر تتكاثر خلايا الجسم حتى تصل الى العدد(60_100) ترليون خلية. ولكن هذا العدد الضخم من الخلايا يرتبط ببعضه من خلال العلاقات بين هذه الخلايا ومن خلال البرنامج الوراثي الموحد الذي تشتمل عليه كل الخلايا . ففي كل خلية العدد نفسه من المورثات الموجودة في بقية الخلايا ، فهذا النظام أو البرنامج الوراثي يتسم بالعمومية مع تخصص الخلايا لذلك فإن كل الخلايا تستطيع أن ترجع الى الحالة العامة أو الحالة الجنينية وتلغي تخصصها وهذا ما يحدث في السرطان . إن الجسم الإنساني ينطلق مما هو عام ، من خلية واحدة ، وتبقى هذه العمومية محفوظة في كل الخلايا بعد توسع الجسم. هذه الخلايا تختزن كل المعلومات التي تخص الجسم الإنساني :شكله، حجمه ،أعضاؤه،عدد خلاياه،تخصصها،عملها،العمر الذي تعيشه...وأخيرا العمر الذي يعيشه الإنسان والذي قلنا إنه يرتبط بعمل التيلوميرات التي ترتبط بالجانب الأنثوي.  وإذا كان السرطان هدما لبنية كل خلايا الجسم لإنه إخلال بالتوازن الذي تقوم عليه هذه الخلايا بين الوجود والعدم أو بين الجانب الموجب والسالب فيها بإخراج كل الجانب السالب أو الطاقة التي تشتمل عليها فبإعادة هذه الطاقة كلها الى الخلايا نستطيع القضاء على السرطان كما قلنا. ولكن كيف نفعل ذلك وقد أخرجت الطاقة من كل خلايا الجسم وهدم الجسم الإنساني كله من خلال هدم كل خلاياه؟. . نقول لعل الأمل يطالعنا في عملية الإستنساخ العلاجي التي توصل اليها العلماء . وبهذا الإستنساخ لخلية من خلايا الشخص المريض يمكن أن نحصل على خلية أولية كالخلية الأولى التي انطلق منها الجسم الإنساني وبعد زراعتها في الجسم المريض تكون قادرة على بنائه كله من جديد . فهذه الخلية قادرة على بث الطاقة المتأينة أو الجانب السالب الذي خرج من خلايا الجسم كلها لإنها  تمتلك المعلومات والطاقة التي تمتلكها الخلية الأولى (زيكوت) التي خلق منها الإنسان والقادرة على أن تخلق الجسم من جديد بعد أن هدم من أساسه .

والاستنساخ العلاجي أصبح الآن وسيلة علاجية مهمة لغرض الحصول على الخلايا الأولية لبلوغ أهداف لم يستطع الطب علاجها سابقا . فهذه الخلايا الأولية يمكن أن تتحول الى خلايا متخصصة مثل خلايا القلب والجهاز العصبي والعضلي والبنكرياس .. ويمكن أن تزرع في جسم الإنسان في المكان الذي به تلف في أحد هذه الأنسجة لاستعادة وظيفتها . ويمكن الحصول على هذه الخلايا المستنسخة بنقل نواة أحدى خلايا الشخص المراد علاجه الى بويضة مفرغة من النواة وذلك للحفاظ على المعلومات الجوهرية في النواة المنقولة وأخذ الطاقة المراد تعويضها من البويضة المنقول اليها وبذلك تكون الخلية المستنسخة وما ينتج عنها من خلايا متخصصة نسخة طبق الأصل من التكوين الجنيني للشخص المريض وهذا شرط أساسي وحيوي لعدم لفظ أو طرد الأنسجة عندما تزرع في جسم المريض [52] .

إن استخدام الاستنساخ لإنتاج مثل هذه الخلايا يعد أكبر الاكتشافات العلمية وأكثرها خطورة في هذا الزمن وسوف يكون لها دور كبير في علاج كثير من الأمراض مع أن هناك من يعترض على تقنيات الاستنساخ التي يستعاض فيها عن بويضة الأم ببويضة بديلة متبرعة .

ولقد شاع في العالم الآن ما يسمى العلاج الجيني الذي هو عملية زرع أو دمج لجين معين سليم تم نزعه من كائن آخر أو من نفس الكائن بوساطة إنزيم قطع معين ويكون هذا الزرع بداخل المادة الوراثيةDNA   للخلية المريضة . ومن ثم تنشأ القدرة على التضاعف وانتاج مادة وراثية جديدة تحتوي على صفات الجين الجديد السليم فتشفى بذلك الخلية المريضة.  فإذا زرع الجين الطبيعي السليم فإنه يسود ويتغلب على الجين المعطوب وبذلك تسود الصفة الجديدة المعالجة على الصفة المريضة ويشفى المريض من دائه . وفي علاج الشيخوخة مثلا وضح العلماء إمكان أخذ خلايا إنسان ما لكي تعالج جينيا في مقاومة الشيخوخة ثم تعاد الى صاحبها لكي تعالجه بشبابها من أمراضه المختلفة . وأمكن إنتاج إنزيم توليميراز من الخلايا القابلة للانقسام مثل الموجودة في البيض والخلايا المنوية وحقنت بعد ذلك في كروموسومات الخلايا ثم تركت الخلايا لكي تنقسم ووجد العلماء أن الإنزيم ساعد التيلومير الموجود في الكروموسوم على النمو مرة أخرى وازدادت فرصة إطالة العمر. وهناك ما يسمى الآن بالمكتبة الجينية وهي ستمثل لنا المخزون الوراثي الذي سيمكننا من مضاهاة جيناتنا المعطوبة بالجينات السليمة ويتيح لنا انتقاء التقنية الجينية المناسبة للعلاج. ويؤمل أن تكون من تلك التقنيات استئصال أو تثبيط الجينات المسرطنة من خلال تقنية البتر الإنزيمية [53]..

إن عملية الاستنساخ العلاجي التي نفترض أنها تعالج السرطان لا تعتمد على زرع أو استئصال جينات محددة في الجسم المصاب إنما زرع خلية هي في الحقيقة تمثل إنسانا كاملا . وعملية استنساخها تتبع الآليات نفسها التي تتبع الآن في العمليات الجارية في المؤسسات العلمية والطبية في العالم لصناعة هذه الخلايا الأولية البكرالتي لديها القدرة على النمو وتكوين إنسان كامل . ونفترض أن عملية الاستنساخ هذه تعيد برمجة مورثات هذه الخلية التي تؤخذ من الجسم المريض بالسرطان وتزودها بالطاقة التي فقدها الجسم من خلال ما تمتلكه البويضة المنقول اليها النواة المستنسخة من السايتوبلازم والميتاكوندريا غير المستنفدة لتعمل على إنتاج أو بناء وضع جديد للخلايا في داخل جسم المريض يوقف عملية انهيارها وانقسامها المتسلسل إذ يعيد اليها ما فقدته ويبرمجها من جديد بعد أن كانت قد فقدت كل طاقتها أو الجانب السالب منها مما أخل في نظامها الذي تقوم عليه وهدم بنيانها . وبعد زراعة هذه الخلية في الجسم المصاب بالسرطان ستعمل على إعادة التوازن الى كل خلايا الجسم أو ستقوم ببنائها من جديد  وذلك لأنها ترتبط مع خلايا الجسم المريض بعلاقات عامة وتقوم معها على أساس واحد هو الأساس الواحد الذي بنيت عليه وانطلقت منه أول خلية تكون منها هذا الجسم . وكما أن الخلية الأولى (الزيكوت) لديها القدرة على بث الحياة في كل خلايا الجسم_إذ تكونت منها كل خلايا الجسم_ فإن هذه الخلية الأولية المزروعة لها مواصفات وقدرة هذه الخلية الأولى.

وكان بعض المختصين قد أثاروا شكوكا حول إمكان إعادة برمجة مورثات  الخلايا المزروعة لتصبح خلايا جديدة تحل محل الخلايا التالفة وان البرنامج الوراثي فيها سيتمكن من استعادة ذاكرته القديمة مستردا قدرته الأولى في انتاج إنسان جديد متكامل الاعضاء.

إن الاستنساخ العلاجي الذي نفترضه علاجا للسرطان هو استعمال المادة الوراثية الجينية من خلايا المريض ذاته لتوليد خلايا أولية يبنى منها الجسم.  ولقد عرفت هذه الخلايا الأولية بقدرتها على تخليق الأنواع المختلفة من الخلايا وبأنها أصل كل خلية في الجسم بغض النظر عن مكان هذه الخلية  وبأنها ذات مكونات متعددة بمعنى أن فيها طاقة كامنة تمكنها من أن تتحول الى أي نوع من الخلايا الأخرى . وتكون هذه الخلايا الأولية متشابهة وتنتهي بتكوين الخلايا المتخصصة . والفرق الوحيد بين هذه الخلايا في الأوامر التي تتلقاها والتي تقودها الى تكوين نسيج ما مختلف عن الآخر ، فهي تبقى غير متخصصة الى أن تتلقى مؤشرات خاصة تدفعها للتطور الى خلايا متميزة . إن التقنية المستخدمة  تقوم على إعادة زراعة هذه الخلايا الأولية العائدة للمرضى في أجسامهم بما لها قدرة على التغيير والنمو داخل أنسجة الجسم. وتعمل هذه الخلايا فيما بعد كجهاز إصلاحي للجسم بإصلاح الخلايا العاطلة والحفاظ على وظيفة الأعضاء الجسمية . إن هذه الخلايا بقدرتها هذه قادرة على تغيير تاريخ الأمراض البشرية [54].

هناك جدل أخلاقي قائم الآن حول استخدام طريقة الاستنساخ العلاجي باعتبار أن الخلية الأولية الناتجة يمكن أن تكون حياة إنسانية قائمة والتلاعب بها أو تدميرها حتى لو كان علاجا هو أمر مرفوض . ويرد دعاة الاستنساخ العلاجي بأن هذا الاستنساخ الذي يوافقون عليه هوغير الاستنساخ التكاثري الذي يعارضه أكثر علماء الاستنساخ . فالاستنساخ العلاجي يلقى قبولا لدى كثير من العلماء ورجال الدين لأنه لا يقتل أجنة كاملة النمو ولا يمس الموروث الجيني للبشر كما خلقه الله أو يتلاعب بمورثاته التي ميزت البشر وجعلتهم بشرا [55].   ونرى أن الاعتراض الأخلاقي على تقنية استخدام الاستنساخ العلاجي لا تصح مع هذه الطريقة التي نفترضها في علاج السرطان لأن الخلية التي انتجت بعد عملية الأستنساخ ستنتج حياة جديدة تعيش في جسم المريض مكان الحياة التي توشك أن تغادر جسدها .

 

 

 

الهوامش:

 

[1]     نستطيع ان نشبه وجود الرجل وهو الذي قلنا انه يبقى يمثل وجوداً كامناً بالنسبة الى المرأة بوجود الماء الذي يكمن فيه سر الوجود او الحياة. وهو يمثل وجوداً كامناً حتى في مظهره، فهو عديم الخواص، لا يظهر خواصاً. اما وجود المرأة فنشبهه بالارض التي تظهر الوجود (بعد لقائها بالماء) ولولا الأرض لظل الوجود الكامن في الماء كامناً غير ظاهر.

[2]        سورة التكوير، الاية(7)..

[3]        سورة النجم، الاية (47).

[4]        ينظر: هكذا تكلم زرادشت فريدريك نيتشه/ ترجمة فليكس فارس/ دار القلم/ بيروت ـ لبنان/ ص346.

[5]ينظر: الجينوم، مات ريدلي، ترجمة: د.مصطفى ابراهيم فهمي، سلسلة عالم المعرفة، رقم (275)، الكويت، 2001،ص29.

 [6]ينظر: البنيوية، جان بياجيه، ص41ـ43.

[7]ينظر: الخلية، الدكتور محمود حياوي، الجمهورية العراقية، ص45، 131.

[8] ينظر: بنوك للخلايا بدلا من الأعضاء ، د.سحر طلعت ، (من الإنترنيت)

[9]ينظر: الخلية ، الدكتور محمود حياوي، ص27،30ـ31.

[10]ينظر: الجينوم، ص131،137،144.

[11]ينظر: علم الأحياء، للصف السادس العلمي، الجمهورية العراقية، مديرية مطبعة وزارة التربية، الطبعة الثانية، 1407هـ1987م، ص6،25. وينظر: الخلية، ص103.

[12]ينظر: علم الوراثة، تأليف أ.د. عثمان عبدالرحمن الانصاري/ أ.د.ناصر محمد سلامة، منشورات شركةELGA، مالطا، 1999. ص57،59،62ـ64.

[13]ينظر: الجينوم، ص14،23،52.

[14]ينظر: الخلية،ص61.

[15]ينظر: علم الوراثة، ص83،87.و: الخلية...(من الإنترنيت).

[16]ينظر: الخلية، ص150ـ152.

[17] ينظر:الميتاكوندريا بيت طاقة الخلية مصدرها المرأة فقط ،د.بهجت عباس ، الحوار المتمدن ، العدد 598، 21/9/2003. و: هل الميتاكوندريا التي تورث من الأم فقط هي سبب شيخوخة الأنسان ؟  د. بهجت عباس ، الحوار المتمدن ، العدد 1212 ، 29/5/2005. و:زوبعة حول الأطفال المعدلين وراثيا ، طارق يحيى قابيل ، و: الاستنساخ ...(من الإنترنيت) .و: حقيقة حواء أو حواء الحقيقية ...(من الإنترنيت) .

و : بحث جديد واعد يقترب من حل هذا اللغز . L.R. رستنك محرر  مجلة ساينتفك امريكان ، مجلة العلوم ، سبتمبر 1995 ، المجلد (11) .

[18] ينظر :اكتشاف جديد للعلماء / انزيم يحمي الخلايا من الموت والشيخوخة ..(من الإنترنيت ) .  و : هل الميتاكوندريا التي تورث من الأم فقط هي سبب شيخوخة الإنسان؟.....و: اتجاهات في البيولوجيا / لماذا نشيخ / الإجابة مدونة الى حد كبير في جيناتنا ولكن في أي منها

[19] ينظر:التيلوميرات والتيلوميراز والسرطان ، W.Cكريدر _  H.E  بلاكبيرن ، مجلة العلوم ، يونيو، 1996، المجلد (12) .  و : اكتشاف جديد للعلماء / انزيم يحمي الخلايا من الموت والشيخوخة....و: الساعة البيولوجية /كيف تعمل وكيف تؤثر في صحة الإنسان وحياته ؟ الأستاذ الدكتور مسعد شتيوي ، مجلة أسيوط لدراسة البيئة.و:العلم يقترب من معرفة الجين المسؤول عن طول العمر ...(من الإنترنيت). و: لتحديد تاريخ ميلادك..طريقة جديدة لفك الشفرة عمر الانسان ..(من الإنترنيت) . و: مشكلة الشيخوخة ، الانسان والحياة ، نعيم نمورة _ الخليل ، مجلة العربي الحر .

[20] ينظر : الميتاكوندريا بيت طاقة الخلية مصدرها المرأة فقط ...... و : السر في الفرق بين حجم البويضة والحيوان المنوي...( من الإنترنيت) .  الاستنساخ ، د. خليل البدوي . عمان _ الأردن ، الطبعة الأولى ، ص ، 50 _ 57.

  [21]ينظر: علم الوراثة، ص195.

[22]ينظر: الدجاجة، البيضة، أم الديك، أيهم الأصل؟..الدكتور عبدالاله صادق، جريدة  الجمهورية، الثلاثاء10/12/1985.

[23]ينظر: الجينوم، ص61،66.

[24]ينظر: المصدر السابق، ص24،25،29.

[25]ينظر: الدجاجة، البيضة، أم الديك، أيهم الأصل؟..

[26]ينظر: الجينوم،ص26.

[27]ينظر: علم الوراثة، ص87.83.

[28] ينظر :امرأة ورجل ، محمد زكريا توفيق (من الإنترنيت ، موقع الوارف للدراسات الانسانية ) .

[29]ينظر : الخلية ( موسوعة تشريح جسم الانسان ، من الانترنيت )...

[30]ينظر: الأنثى هي الأصل ...(من الإنترنيت) .

[31]ينظر: علم الوراثة، ص74،79.

[32] ينظر : المصدر السابق ، ص79.

[33]نفسه، ص75 ,80, 94.

[34](نفسه، ص83،87.

[35]ينظر: البروتيوم ، عالم ما بعد الجينوم ، طارق قابيل (من الإنترنيت) .

[36] ينظر : علم الوراثة ، ص388.

[37] ينظر : اشعاع مؤين (الموسوعة الحرة ، من الانترنيت ) و : تعريفات فيزيائية ، مجلة الفيزياء العصرية ، العدد السادس (من الإنترنيت) .

[38]ينظر: الجينوم، ص374.

[39]ينظر: المصدر السابق، ص234.

[40]نفسه، ص235.

[41]نفسه.

[42]نفسه، ص240.

[43]ينظر: الخلية، ص140.

[44]ينظر: الجينوم، ص240،372،375.

[45]ينظر: الخلية، ص58، 63.

[46]ينظر :اتجاهات في البيولوجيا ، لماذا نشيخ ؟ الإجابة مدونة الى حد كبير في جيناتنا ولكن في أي منها ، بحث جديد واعد يقترب من حل هذا اللغز ، L.R. رستنك محرر مجلة ساينتفك امريكان ، مجلة العلوم ، سبتمبر ، 1995، المجلد(11) .

[47]ينظر: الشيخوخة ربيع العمر (من الإنترنيت) .

[48] ينظر: اتجاهات في البيولوجيا ، لماذا نشيخ ، الإجابة مدونة الى حد كبير في جيناتنا ولكن في أي منها ...

[49]ينظر : الساعة البيولوجية ، كيف تعمل وكيف تؤثر في صحة الإنسان وحياته ، الأستاذ  الدكتور مسعد شتيوي ، مجلة أسيوط لدراسة البيئة ( من الإنترنيت ) .

[50]ينظر: التأثير البايولوجي والوقاية من الأشعة السينية ، قاسم أمين الهيتي ، الحوار المتمدن ، العدد 2015 ، 22/7/2007 .و: الإشعاع وتأثيره على الخلية ، تعليق على مقال د. أسعد الخفاجي ، بهجت عباس . الحوار المتمدن ،العدد ، 686 ، 18/12/2003.

[51]ينظر: علم الوراثة، ص394.

[52]ينظر: الاستنساخ ....(من الإنترنيت) .

[53]أفكار علمية: العلاج بالجينات...(من الإنترنيت).

[54] ينظر: مأخوذة من أماكن عادية بالجسم : تحويل أنسجة بشرية لتحل محل الخلايا الجذعية ...(من الإنترنيت).

[55]ينظر : الأستنساخ ، د. خليل البدوي،....و: استنساخ الخلايا الجذعية ضرورة أم افتعال ؟ طارق قابيل ....( من الإنترنيت) . و: استنساخ علاجي ...(من الإنترنيت) .

 

 

                                                                 د. بتول قاسم ناصر

                                                                  بغداد - العراق


 

* ملاحظة: الإشارة الى المصادر بالأرقام والى الصور بالحروف.

 

ملحـق الصـور

--------------------انتهت.

 

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster