|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
حرب كندا 1759
عام ألف وسبع مائة وتسع وخمسين.
تقاتلت فرنسا وبريطانيا طوال أعوام ثلاث في نزاع للسيطرة على شمال
أمريكا.
وجد جنرالان أنفسهما متورطان في حرب يائسة لا مفر منها. كانت كل معركة
أشد مرارة ووحشية مما سبقها. وما كان لأي منهما أن يتقبل الهزيمة.
عندما تحاربت الوحدات البريطانية ضد الفرنسيين خارج مدينة كيبيك، سجل
ذلك منعطفا تاريخيا في مستقبل شمال أمريكا.
----------
كانت المساحات الشاسعة لأمريكا الشمالية غنائم ثمينة لحكومات أوروبا في
القرن الثامن عشر.
عام ألف وسبع مائة وخمسين أصبح لفرنسا تواجد واضح في كثير من أنحاء
القارة.
وكان الفرنسيون يطالبون بكندا التي أطلقوا عليها لقب فرنسا الجديدة،
كما وبأراضي لويسيانا، بما يشكل ثلث مساحة الولايات المتحدة المعاصرة.
ولكن مصالح البريطانيين كانت تتنامى. كانت شركة هودسون باي كومباني
الضخمة تتعدى على التجارة الفرنسية بالفرو.
في الشمال الشرقي كان مستوطني ماساشوسيتس وفيرجينيا يسعون للتوسع نحو
الغرب.
حتى أصبحت المواجهة حتمية.
عين الفرنسيون لويس جوزيفدي سان فيران، ماركيز مون كالم، منسقا للدفاع
عن فرنسا الجديدة.
في الرابعة والأربعين من عمره وصل هذا الأرستقراطي الصغير إلى امريكا
بهذه المهمة البدائية من التاج الملكي وبدأ بتشكيل نسخة عن دولته في
جنوب فرنسا.
مثل غالبية الأرستوقراطيين الذين قادوا الجوش الأوروبية، كان مونتي
كالم جنديا من المدرسة القديمة.
كان يرى أن على رجاله المقاتلة بطريقة محترمة. حيث يقف المتنازعين وجها
لوجه بأسلوب نظامي. كانت هذه هي الطريقة الأوروبية.
ولكن رجاله المستاءين من وجودهم بعيدا عن بيوتهم، بآلاف الأميال ما
كانوا يرغبون بالبقاء في كندا.
في حين كان المستوطنون يشعرون بالاستياء من الجنود الفرنسيين، الذين
يعيشون على كاهل ما يكدون ويتعبون لجمعه وتحقيقه.
كانت أولى بعثات المستوطنين الفرنسيين قد جاءت للتجارة مع الهنود،
ببيعهم السلاح والأدوات مقابل فرو القندس. ولكن الكثير منهم بقي ووضع
لنفسه جذورا هناك. فاديريل، حاكم كيبيك، كان واحدا من هؤلاء
المستوطنين.
حين بلغ الستين من عمره كان على صلة جيدة مع المستوطنين والهنود
الأمريكيين أيضا.
حين سمع بتعيين مونت كالم شعر فاديريل بالغضب الشديد. إذ أنه كحاكم كان
يسير أمور المحافظة أما اليوم فعليه أن يطيع مونت كالم في جميع الأمور
العسكرية.
كان مونتي كالم غرور وأرعن وسريع الغضب. وقد رآى في فيدريل مجرد جاهل
وفاسد والأسوأ من ذلك أنه كندي.
أي أن الدفاع عن كندا أصبح الآن بين يدي شخصين يكرهان بعضهما البعض.
حقق مونتي كالم بعض النجاحات ضد الإنجليز في بادئ الأمر، الذين هزموا
عند نقطة حدود خلف الأخرى.
ولكن وليام بيت، وزير الحربية البريطاني،كان قد وضع خطة لتوسع بلاده
خلف البحار وكان مصرا على ضم جميع الأراضي الغنية في القارة الجديدة.
إستراتيجيته الفذة جعلته يرى بأن أفضل طريق للدخول إلى كندا كانت عن
طريق نهر سان لورانس.
كان بيت يعلم أنه صاحب أقوى أسطول بحري في العالم. فاستخدام القوة
البحرية الهائلة لبريطانيا هي السبيل الوحيد للتغلب على فرنسا.
لقيادة الهجوم البحري العتيد وقع اختاره على جندي طموح في الثانية
والثلاثين من عمره، هو جيمس وولف. كان بيت يرى في وولف رجل شبيه به،
خطير، ومندفع وجنوني.
بعد أن أبحر لمدة ثلاثة أشهر عبر الأطلسي واجه وولف الحامية الدفاعية
للويس بورغ.
كانت لويس بورغ، مدخل فرنسا الجديدة، تشكل حامية للدفاع عن العاصمة
كيبيك التي تبعد ثماني مائة ميل عن الشواطئ.
وقد كانت الحصن الأقوى في شمال أمريكا، معززة بأسوار تبلغ سماكتها عشرة
أقدام وارتفاعها ثلاثين قدم.
تم بناؤها عام ألف وسبع مائة وعشرين للدفاع عن المصالح الفرنسية في
شمال أمريكا، كانت لويس بيرغ رمزا لثقة فرنسا بنفسها. كان حجمها كبيرا
لدرجة أن لويس الخامس عشر كان يمازح بالقول أنه يكاد يستطيع رؤيتها من
فرنسا.
كانت حياة الفرنسيين منتعشة بالاعتماد على جدران لويس بيرغ.
كان كل شيء بالغ الأهمية من المواد المعيشية وحتى الأثاث.
إلا أن سبل الراحة هذه أصبحت الآن مهددة بعد أن وضع البريطانيون أعينهم
على المستعمرات الفرنسية في شمال أمريكا.
صباح أحد أيام حزيران من عام ألف وسبع مائة وثمانية وخمسين هاجمت
مجموعات من الوحدات البريطانية المقاتلة بقيادة وولف بعض الشواطئ
الواقعة على مسافة ميلين من قلعة لويس بيرغ.
بعد أن سيطروا على الشواطيء أصبح هدفهم التالي الاستيلاء على القلعة
ذاتها.
طوال صيف عام ألف وسبع مائة وثمانية وخمسين، وقعت معارك طاحنة عمل وولف
خلالها على محاصرة القلعة والأسطول الفرنسي البحري الصغير.
وجهت المدافع لضرب قلعة لويس بيرغ والأسطول الفرنسي الراسي عند
الشواطئ.
استسلمت القوات الفرنسية بعد إثنين وخمسين يوما.
في السادس والعشرين من تموز يوليو من عام ألف وسبع مائة وثمانية
وخمسين، سارت الوحدات البريطانية عبر أبواب لويس بيرغ.
لم تكن البطولة واضحة على ملامح جيمس وولف الذي قاد الهجوم.
كان شاحبا، وشعره الأحمر مسرحا نحو الخلف، ليبرز ملامحه المثلثة. كان
منعزلا، تدفعه الحاجة لأن يكون عند حسن ظن عرابه العسكري، والحفاظ على
محبة خطيبته الأرستوقراطية، كاثيرين لوثير.
كان طموح ولف أن يضمن الخلود لبلاده، مع أنه كان يبذل جهودا مستمرة
للتغلب على إحساسه بالمرض.
لمضاعفة مشاكل وولف كان نائبه في القيادة يحاول إهانة رئيسه برسم صور
كاريكاتورية له .
مع سقوط لويس بيرغ، أصبحت مدينة كيبيك العاصمة الفرنسية ضعيفة جدا.
لم يعد الفرنسيون يسيطرون على نهر سان لورنس، الذي كان مصدر حياة
للعاصمة.
كانت قوات الدفاع عن المدينة تعتد بستة عشر ألف رجل، إلا أن أقل من
نصفهم كانوا جنودا متفرغين.
إذا ما كان على المستعمرة أن تبقى على لا قيد الحياة، فلا بد لها من
تلقي المعونات من فرنسا.
أجبر الغريمان مونتي كالم وفيدريل على وضع الخلافات التي بينهما جانبا.
ثم كتبا معا رسالة إلى باريس يطلبان فيها مزيدا من القوات والمؤن
والعتاد.
مرت ستة أشهر دون وصول الرد.
وعندما رد الملك أخيرا لم تكن أخبارا جيده. كانت فرنسا منهمكة في جدا
في أوروبا، تواجه حربا ضد بروسيا. فكتب الملك بقسوة يقول:
"أيها السادة، عندما تكون النار مشتعلة في بيت امرئ، لا يمكنه
الاهتمام بالإسطبل."
تمكن وولف من إخضاع لويس بيرغ. ولكن شتاء كندا الجليدي جعله يعود إلى
إنجلترا.
استقبل هناك استقبال الأبطال، ورقي إلى مرتبة بريغادير جنرال.
في هذه الأثناء كان وزير الحربية المبتهج، يحضر خطة للهجوم على كيبيك.
كان على وولف أن يقود الوحدات الرئيسية عبر نهر سان لورانس ضمن هجوم
بحري جريء على العاصمة.
بينما تسير الوحدات الأخرى برا لتسيطر على القلاع الفرنسية في طريقها،
قبل أن يتحولوا عند مونتريال ويتجهون إلى كيبيك.
عند استيلائهم على كيبيك، يكون الإنجليز قد سيطروا نهائيا على شمال
أمريكا.
مع حلول الربيع عاد وولف واثقا إلى لويس بيرغ. فقام باختيار نخبة من
الوحدات التي قاتلت حامية لويس بيرغ، ليكونوا جزءا من قوة تعدادها تسعة
آلاف رجل. رغم أنها أقل بثلاثة آلاف رجل مما كان وعد به، إلا أنهم من
خيرة الرجال المدربين والمسلحين جيدا في شمال أمريكا.
في السادس من حزيران من عام ألف وسبع مائة وتسع وخمسين، انطلقت وحدات
مهاجمة مؤلفة من مائة وتسعة عشر سفينة بريطانية تتضمن اثنين وعشرين
حاملة جنود وخمسة فرقاطات أبحرت منطلقة من لويس بيرغ.
في الوقت نفسه ومن على بعد ألف ميل، بدأت وحدات المشاة البريطانية
مسيرتها.
اضرم الفرنسيون النار على طول نهر سان لوران. فكانت كمشاعل تنذر بتقدم
الأسطول البريطاني.
ساد الرعب في كيبيك
الأنباء الفرنسية.
"وصل الإنجليز."
"وصل الإنجليز."
لمعرفته بتفوق وحدات وولف، قرر الجنرال مونتي كالم أن يتبع استراتيجية
دفاعية بانتظار الهجوم في قلعة كيبيك.
لاعتقاده بأن الإنجليز لن يتمكنوا من الصعود بعكس نهر سان لورينس،أبقى
مونتي كالم على وحداته في بوبورت.عند أسفل النهر في كيبيك، وعلى الضفة
الشمالية منه.
كان البريطانيون بارعين في الإبحار، وقد اكتسبوا عبر السنين خبرة في
التعامل مع تأثير المد والجزر على مستويات الأنهر.
فتمكنوا بذكاء البحارين المحليين من الصعود بعكس النهر بنجاح، رغم
عواصفه وتياراته ومياهه الضحلة.
توجهت وحدات وولف مباشرة إلى أعالي النهر.
بعد أسبوعين من مغادرة لويس بيرغ، أصيب الفرنسيون بالرعب، رغم أنهم
شاهدو السفن الكبيرة تغرق في النهر. فقد وصلت غالبية مراكب الأسطول
البريطاني إلى مسافات قريبة من كيبيك.
منتصف ليلة الرابع والعشرين من حزيران يونيو أيقظ أحدهم مونتي كالم
يبلغه بأن البريطانيين أصبحوا على مشارف المدينة.
كان مونتي كالم غاضبا من فودريل لأنه رفض أن يقدم الدفاعات اللازمة على
جانبي النهر كما كان قد طلب منه. فأوقع اللوم على فودريل.
" يعطي أوامر سخيفة وغامضة وبالية، لم يسبق له أن استشارني بأي
موضوع".
بينما بدأ البريطانيون بتعزيز دفاعاتهم على الضفة الأخرى المواجهة
لكيبيك، أقام وولف مخيما له في أيل دي أورليانز عند أسفل النهر، ومن
هناك بدأ يراقب الدفاعات الفرنسية عبر منظاره.
الدفاعات الطبيعية للمدينة كانت ممتازة. إذ تحاط كيبيك من جهات ثلاث
بالمياه والتلال، وبجدار من الحجارة من الجهة الرابعة.
مع بدء التحضيرات على الجانبين للمعركة، شارك الجانبان بالتقاليد
البروتوكولية الحربية فتبادلا الهدايا والأطعمة والنبيذ.
يوم الثاني عشر من تموز يوليو بدأ وولف بقصفه لمدينة كيبيك. وكانت
مدافعه من عياري أربع وعشرين وإثنين وثلاثين رطلا، القادرة على إطلاق
النار من على مسافة ميل كامل عبر النهر إلى داخل مدينة كيبيك.
وما كان الفرنسيون يملكون ما يستطيع الرد على نيران وولف.
إستمر قصف وولف المدفعي بلا رحمة يدق ارجاء المدينة حتى حول منطقة
الموانئ إلى ركام.
ورفض مونتي كالم الدخول في المعركة، وأصرعلى رأيه القائل بأنه يستطيع
الإنتظار حتى يحين الشتاء فيجبر البريطانيين على الإنسحاب، كما حصل في
السنوات السابقة.
أما داخل كيبيك فقد تضاءل الطعام نتيجة الحصار البريطاني. وما كان فيها
ما يكفي حتى حلول فصل الشتاء.
فكتب مونتي كالم إلى زوجته يقول:
"سوف نخسر المستعمرة إذا لم يحل السلام عما قريب."
كان مونتي كالم يراهن بكل شئ على المناخ، آملا بأن تتمكن كيبيك من
الصمود لفصل الشتاء. حتى أصبح الحصار لا يحتمل.
عبر النهر كان وولف يثق جدا بقدرته على دحر الفرنسيين.
إلا أن صحته كانت متعبه، ومزاجه كان يتأرجح بين الكآبة والابتهاج. وكان
معرضا لاتخاذ قرارات متهورة رغبة منه بتحقيق النصر السريع.
مع نهاية تموز يوليو سارع وولف لاتخاذ قرار باحتلال إحدى القلاع
الواقعة على تلة قريبة من المدينة. عندما غادر الجنود زوارقهم تعثروا
بالوحول التي عند أسفل التلة. فتحولوا إلى أشلاء تحت وابل من النيران.
خسر وولف أربع مائة وثلاثة وأربعين رجلا من خيرة مقاتليه.
كانت تلك أحلق ساعات وولف. حين فقد ثقة رجاله الذين هددوا بطلب تحقيقات
برلمانية. أضف إلى أن الوحدات التي تحركت برا نحو كيبيك لم تكن قريبة
من المدينة بعد.
اشتدت عزيمة فودريل بعد الهزيمة الشنيعة التي أصابت وولف.
أما مونتي كالم فكان واقعيا. كان يعرف أن الآتي أعظم. فجمع كل المدنيين
المقيمين في أنحاء مدينة كيبيك للدفاع عنها.
أراد وولف تحقيق انتقام سريع لخسارته الفادحة. فأمر رجاله بحرق مواسم
المستوطنين وقراهم.
كانت أصوات النيران المشتعلة لمدة شهرين مترافقة مع رياح الصيف الحارة
.
كان اللهب والدخان الأسود يتصاعد من القرى والمزارع الممتدة على طول
ضفتي نهر سان لورينس لمسافة تزيد عن مائة ميل.
صدمت وحشية وولف وأساليبه أقرب المقربين إليه، وقد كتب نائبه يقول:
تجري هذه الحرب على ابشع أشكالها.
رغم ذلك فقد كانت أساليب وولف تلقى الترحيب والإعجاب في الوطن. حتى أن
الملك جورج الثاني علق على ذلك بالقول: هل أصابه الجنون؟ على كل،
آمل أن يتأثر به بعضا من جنرالاتي الآخرين.
بعد أن اقتنع مونتي كالم بأنه سيخسر المعركة إذا ما باشر بها، التزم
الصمت وجلس يصلي. كأن شهر أيلول سبتمبر قد حل، ما يعني أن الجليد سرعان
ما سيغطي نهر لورينس، ليقطع خطوط المؤن والدعم القادم لوولف من لويس
بيرغ.
صحة وولف كانت تزداد سوءا، وقد كان يعلم بأن الوضع لم يعد في صالحه.
توقف الكبد عن العمل، ومن ثم الكلى، وأصبح بالكاد يستطيع الوقوف على
قدميه. فأخذ يرجو طبيبه قائلا:
"صل أو افعل ما يلزم لتتوقف آلامي لبضعة أيام حتى أتمكن من القيام
بواجباتي".
كاد البريطانيون يبلغون عتبة اليأس. في المحاولة الأخيرة للنصر على
الفرنسيين قبل حلول الشتاء، جاء قادة وولف بخطة جريئة.
اقترحوا الإبحار تحت جنح الظلام إلى أعلى النهر نحو الجانب الآخر من
المدينة، يتسلقون من هناك تلة يبلغ ارتفاعها مائة وخمسة وسبعون
مترا.خلف الخطوط الدفاعية الفرنسية.
أضاف وولف تفصيلا على الخطة يجعلها تتطلب مزيدا من الشجاعة. سينزلون في
منطقة تسمى بآنز دي فولون، القريبة جدا من كيبيك وبالكاد عند أنف
الفرنسيين.
ما أن يصعدون إلى هناك حتى يصلوا إلى بلانز أوف أبراهام، ما يجعلهم على
مسافة خطوات من كيبيك.
ليلة الثاني عشر من أيلول سبتمبر من عام ألف وسبع مائة وتسع وخمسين،
قرأ وولف على رجاله خطابا في ساحة إحدى الكنائس المحلية. وكانت تحوي
شعرا معروفا وكئيبا بالوقت نفسه ينتهي ببيت يقول:
لا تسير ممرات الخلود، إلا باتجاه عتمة القبور.
في الساعات الأولى من الثالث عشر من أيلول سبتمبر تحرك وولف مع نخبة من
رجاله تحت جنح الظلام وسكونه.
كان وولف يعلم بأن الفرنسيين ينتظرون سفينة من الحبوب. فادعت وحداته
بأنها تحمل الشحنة المنتظرة. كان الكثيرين من سكان اسكتلندة يجيدون
الفرنسية.
("من عاش- من هناك")
" فرنسا، وعاش الملك، عاش الملك".
"دعهم يدخلون إنهم رجالنا يحملون المؤن ."
"دعهم يدخلون إنهم رجالنا يحملون المؤن."
في الرابعة فجرا احتشدت الفرقة الطلائع من الوحدات البريطانية على ضفة
صغيرة تحت التلال.
خرج وولف من القارب الأول وقد سمع يقول:
لا أعتقد أننا نستطيع الصعود إلى هناك بأي حال من الأحوال. ولكن رغم
ذلك، علينا أن نبذل كل ما بوسعنا.
واجه رجال وولف صعوبة بالغة في تسلق تلك التلة بصخورها الكلسية
السوداء، وهم محملين بأثقال البنادق والعتاد وبراميل البارود معهم.
لحسن الحظ أن الموقع الوحيد عند أعلى التلة كان بلا حراسات. فالضابط
المكلف بحراسة الموقع لم يصدق بأن تسلق تلك الصخور كان ممكنا، لهذا
أرسل برجاله للمساعدة في جمع الحصاد.
في تلك الليلة تسلق أكثر من أربعة آلاف وخمس مائة جندي بريطاني تلالا
تقع خارج مدينة كيبيك. كانوا يحملون المؤن ليومين فقط. لا مجال
لاحتمالات الانسحاب.
قبل بزوغ الفجر كان آخر جندي من مقاتلي وولف قد وصل إلى مسافة تبعد
ميلا واحدا عن أسوار المدينة.
فوجئ الفرنسيون بالهجوم تماما.
قرر مونتي كالم في تلك اللحظة أن يتخلى عن استراتيجيته الدفاعية. ثم
عجل في جمع خمسة آلاف من رجاله وخرج لمقاتلة البريطانيين عند بلينز أوف
أبراهام. فهذا هو نوع المعارك التي يفضلها، وقوف الرجال بخطوط منتظمة
في ساحة المعركة، يطلقون النار مباشرة على العدو.
عندما بدأت وحداته تستعد للوقوف بتشكيلاتها النظامية كانت الأسلحة
البريطانية قد أصبحت جاهزة على مسافة أربع مائة يارد.
كان الفرنسيون يطلقون النار على الخطوط البريطانية، وهم يتوجهون نحوها.
كان هجوما غير نظامي عديم الالتزام نهائيا، شارك فيه مزيجا من الجنود
النظاميين والمزارعين.
كانت غالبية الطلقات تخطئ أهدافها.
بهدوء تام، أمر وولف جنوده بأن يتوقفوا عن إطلاق النار. فأصبح
الفرنسيون على مسافة أقل، ثمانين ياردا، ستين ياردا، أربعين.
" أطلقوا النار!"
وعندما كان يعطي أمرا بتعبئة البنادق.
تمكن قناص فرنسي من إصابة وولف في صدره.
بعد إصابته بجروح قاتله سمع وولف جنديا يقول:
أنظر كيف يركضون.
من يركض؟
الأعداء سيدي.
المجد للسماء، أستطيع الآن أن أموت بسلام.
أما مونتي كالم، فلم يحظى بهذه السعادة، فقد أصيب هو أيضا بجراح
مميته، ولكنه علم لحظة موته أنه خسر كيبيك.
شكلت هزيمة الفرنسيين في كيبيك منعطفا تاريخيا بالنسبة لأمريكا
الشمالية، جزءا كبيرا من فرنسا الجديد أصبح بريطانيا.
مع انتهاء التهديد الفرنسي، بدأ المستوطنين الأمريكيين بحركة استقلال
عن التاج البريطاني.
بعد أقل من عشرين عاما، حصلت أمريكا على استقلالها لتولد بذلك الولايات
المتحدة الأمريكية.
نهر سان لورينس، مكن الفرنسيين أولا من السيطرة على شمال أمريكا ومن ثم
ساعد البريطانيين على ذلك.
سيبقى مصير هاتين الأمتين إلى الأبد ممزوجا في الأمة الكندية. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م