|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
الحرب الفرنسية الهندية
أبحر كريستوفر كولومبوس منذ زمن بعيد زرقة المحيط، لتتبع خطواته بعدها
العديد من السفن البريطانية متعطشة للأساطير الخرافية على الشواطئ
الغربية للمحيط.
وجد كل المغريات هناك، ومع بداية القرن السابع عشر، أقام الفرنسيون
والإنجليز عددا من المستعمرات، ولكن الحروب تبعت انتشار الحضارة هناك
حيثما ذهبت. تميزت الحروب في البداية بوحشيتها دون ان تتعدى الحروب
العرقية التي لا تعرف الحدود.
ولكن عام ألف وسبعمائة وأربع وسبعين، نصب كمين صغير على ضفاف نهر
أوهايو، فأثار حربا واسعة النطاق بين فرنسا وبريطانيا، شنت لتحديد مصير
قارة بأكملها.
=-=-=-=
باستثناء ما بعد المعارك في سفوح أبراهام، تميزت الحرب بين بريطانيا
وفرنسا في شمال أمريكا بعناصر متعددة. كانت الدول المستعمرة متباينة
فيما بينها، وقد انعكس هذا التباين مباشرة على طبيعة النزاع بينهما.
لا شك أن المستعمرات البريطانية كانت هي الأقوى، والأفضل استقرارا
والأكثر سكانا.
حين بدأت في فيرجينيا استقرت إلى أعلى وأسفل الحدود البحرية لما يعرف
اليوم بالولايات المتحدة، وشمالا نحو خليج مساشوسيس، وجنوبا باتجاه
المستعمرات الإسبانية.
اعتبرت النزاعات بين المستعمرات المختلفة في السنوات الأولى من القرن
الثامن عشر، مسألة شبه طبيعية في المناطق الحدودية لنيويورك ونيو
هامشير، علما أن التهديد الفعلي لفرنسا أعتبر في تقدم ويست وود،
للمستعمرات البريطانية، باتجاه جبال أليغاني. شكل ذلك تهديدا لا مثيل
له. أعتبرت كندا، أو فرنسا الجديدة، مستعمرات ثابتة، استقرت إلى جانب
مصادر المؤن على ضفاف الأنهر الرئيسة والبحيرات الكبيرة. وما كانت
لتعتمد على نفسها، تماما كالمستعمرات البريطانية. وكثيرا ما كانت تنعزل
بالكامل عن العالم الخارجي عند تراكم الثلوج وتجلد الأنهر والبحيرات.
لهذا كان لا بد من إقامة سبل اتصال تربط بين كندا والمستعمرات
الفرنسية الأخرى في لويسيانا.
سرعان ما برزت أهمية هذا الاقتراح، واعتبر نهري ميسيسبي وأوهايو الطرق
المائية المناسبة لذلك. يتطلب هذا الممر الطويل حماية ضرورية، لهذا
أقام الفرنسيون مواقع لهم على طول الطريق، فشيدت سلسلة من القلاع بين
الشمال والجنوب عبر القارة. ولكن هذه القلاع جاءت لتشكل عائقا أمام
توسع المستعمرات البريطانية في ويست وود، وهكذا تحول النزاع المسلح
إلى مسألة حتمية لا بد منها.
في نيسان إبريل من ذلك العام، بدأ الميجير جورج واشنطن البالغ من العمر
اثنين وعشرين عاما، والتابع لمليشيا فيرجينيا، بالعمل على بناء أول
قلعة في أوهايو، حيث تقع اليوم مدينة بيتسبريغ، إلى أن أخرج منها عبر
قوة فرنسية هائلة.
عمل الفرنسيون مباشرة على بناء قلعة لهم في الموقع ذاته. ما كان لسكان
فيرجينيا أن يسمحوا ببقاء الفرنسيين هناك، فأرسل جورج واشنطن للمطالبة
بحق بريطانيا في القلعة. رقي واشنطن حينها من باب التشجيع إلى رتبة
عقيد، ليعمل تحت إمرته ثلاثة آلاف جندي، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من
الهنود.
يوم الثامن والعشرين من أيار مايو، نصب واشنطن وحلفائه الهنود، كمينا
لوحدة فرنسية صغيرة في غريت ميدوز. أجبرها على الاستسلام بعد معركة
قصيرة.
وحين استجوبهم واشنطن علم بوجود خمس مائة جندي فرنسي في المنطقة
المجاورة لسوء حظه، ولم يجد خيارا آخر إلا حفر الخنادق لمواجهتهم، فشيد
ما عرف بعدها بالحصن الضروري.
كان موقع الحصن سيء جدا، إذ يفتقد لمصادر المياه كما تشرف عليه بعض
التلال.
ليلة الثاني من تموز يوليو، هاجمه الفرنسيون، وبعد معركة دامت تسع
ساعات، استسلم واشنطن.
كانت الشروط التي منحت لإطلاقه سخية جدا، حيث تمكن جنود فيرجينيا من
متابعة المسير مقابل أن يتخلوا عما لديهم من أسلحة وعتاد، ليتحول سهل
أوهايو فعليا إلى السلطات الفرنسية.
أضف إلى ذلك، أن واشنطن أجبر على توقيع وثيقة مقابل إخلاء سبيله، يعترف
بموجبها أن تلك القلعة تعود فعلا للأراضي الفرنسية.
كانت القوات الاستعمارية هي الوحيدة المتورطة في القتال من كلا الطرفين
حتى ذلك الحين. أما الآن فقد رفعت بريطانيا عصا التهديد، رغم أن
البلدين لم يعلنا الحرب مباشرة، إلا أن الفرقتين النظاميتين الرابعة
والخامسة والأربعين، تلقتا أوامر بالملاحة إلى أمريكا، بقيادة الميجر
جنرال إدوارد براديك.
من المفترض أن مهمة هذه القوة كانت سرية، ولكن سرعان ما تسربت
المعلومات إلى الصحافة. فقام الفرنسيون بالمقابل، بإرسال ستة فرق
نظامية إلى أمريكا.
وجهت أوامر لاعتراض الوحدات الفرنسية الجديدة، وتوقفت العلاقات
الدبلوماسية بين البلدين، وسرعان ما تعاظمت الاشتباكات بينهما مباشرة
منذ تلك الحادثة.
= هناك أكثر من قصة حول انطلاقة الحرب الفرنسية والهندية، إليك مثلا،
إذا أردت الاعتقاد بأن فرنسا سبت هذه الحرب، يمكن أن تعلل ذلك باحتلال
قلعة فرجينيا، التي هي اليوم بيتسبيرغ في بينسيلفينيا، وهذا نموذج عن
النزاع الفرنسي البريطاني على كندا.
وإذا اردت الاعتقاد بأن بريطانيا كانت السبب، عليك بتوجه جورج واشنطن
على رأس مجموعة من المتطوعين عبر نهر أوهايو، حتى وصل إلى فورك أوهايو
بالقرب من قلعة دوكين، ليحاول تثبيت موقع بريطاني. وإذا أردت الاعتقاد
بأنها مصادفة يمكن القول بأن وحدات جورج واشنطن اصطدمت صدفة بقوة فرنسة
فبدأت الحرب.
والحقيقة أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك، ربما كانت الأسباب ابعد من ألف
سبع مائة وأربع وخمسين، على أي حال ما كانت فرنسا لتتمكن من القتال
ابعد من المنطقة التي تعلو نهر أوهايو، بينما تمكنت بريطانيا من التوسع
إلى ما هو أبعد من ضفاف أوهايو. أما سياسيا ورمزيا فكان هذا كثيرا. فلم
يعد الأمر يقتصر على تعايش طرف مع الآخر بل أن يفسح بالمجال للطرف
الآخر. هناك متسع لاحتمال وجود أطماع شخصية. ماذا إن كان واشنطن يريد
أن يبني شهرة عسكرية على حساب هذه النزاعات؟ ما كانت الحرب لتبدأ عام
ألف وسبعمائة وأربع وخمسين، لولا اشتعال الحرب في أوروبا بعد عامين من
ذلك.
في هذه الأثناء أصبح براديك، الذي صار حينها أمريكيا، جاهز للخروج
بحملته. ما كان يحمل الكثير من التمنيات بخصوص المهمة التي تنتظره،
فبذل جهدا للتأكد من أن جنوده قادرين على القتال في الغابات.
كان يستهدف الوصول إلى قلعة دوكين، عند تشعب نهر أوهايو. صبيحة التاسع
من تموز يوليو من عام ألف وسبع مائة وخمس وخمسين، أصبح على مسافة
ثمانية أميال من القلعة، وعلى وشك عبور نهر مونانغيلا.
غادرت وحدة مشتركة من المتطوعين الهنود والفرنسيون لنصب كمين متقدم
بهدف اعتراض التقدم البريطاني. إلا أن براديك كان حينها قد عبر النهر،
ليقع الاشتباك المفاجئ صدفة بين الطرفين.
خلال المرحلة الأولى من تبادل إطلاق النار، قتل قائد الوحدة الفرنسية
الملازم الفرنسي فوجير، ولاذ عدد من جنوده بالفرار، بينما اختبأ
الآخرون بين الأشجار وردوا بالمثل. تلا ذلك وقوع كارثة بين صفوف
البريطانيين.
بدل الرد على هجوم الفرنسيين والهنود بالسلاح الأبيض، اصطفت القوة
البريطانية ضمن تشكيلة نظامية. رغم ما يبدو عليه الأمر من غرابة كانوا
يوجهون نيرانهم نحو الغابة، بينما قام رجال القناصة باصطياد الضباط
البريطانيون ما أربك جنود الوحدة المهاجمة بكاملها.
حاول بعض الأفراد حماية أنفسهم، والقتال على طريقة الهنود، ولكن ذلك
زاد الأمر سوءا. بعد أن فشل براديك بإعادة تنظيم وحداته، وتوجيه هجوم
مضاد، أمر قواته بالانسحاب، تعرض بعدها لرمايات قاتلة.
كان من المفترض أن يتكلل هجوم عام خمسة وخمسين بالنصر البريطاني، إذ
تميز بالتفوق العسكري، وما كان الفرنسيون يتمتعون بما يكفي من المؤن
والإمدادات، لهذا كانت القيادة الفرنسية في كندا مستعدة للانسحاب. ولكن
براديك ضاعف فرصة النصر، ذلك أنه قبل بنصيحة واشنطن، الذي دعاه لإرسال
عناصر متقدمة من القوة عبر النهر، لتأمين الحماية من الجانب الآخر، وقد
صادف أن اصطدمت هذه الوحدة بقوة فرنسية جاءت تعيق التقدم. الأسوأ من
ذلك أن الوحدات البريطانية كانت محاصرة بالتلال والأشجار من كلا
الجانبين، ما جعل الفرنسيين والهنود لا يترددون في إطلاق الهجوم
المضاد. لولا هذه الاستراتيجية لتحقق نصر أكيد. بدل ذلك، تعرضت الوحدات
البريطانية لضربات القناصة من خلف الأشجار اصطادت الجنود واحدا بعد
الآخر، ما أجبر براديك على الانسحاب.
لا غرابة في ألا يتحدث المرء عن الأمر بهذه الطريقة، ذلك أن واشنطن قيم
عاليا الحرب الفرنسية والهندية في الخمسينات، ولكن في واقع الحال أضاع
البريطانيون فرصة إمكانية إنهاء الحرب الفرنسية والهندية، قبل أربعة
أعوام من الموعد الذي انتهت فيه في مونتريال.
مرة أخرى استمر الفرنسيون في السيطرة على الأراضي الواقعة إلى الغرب من
لوس أنجيلوس.
= هناك ميل إلى التعامل مع الحرب الفرنسية والهندية من وجهة نظر تقتصر
على الجيوش وحدها. لدينا من جهة الجندي الإنجليزي المتألق بملابسة
النظامية وكل التقاليد المرفقة بذلك، لا يملك أدنى فكرة عن سبل القتال
في الغابات، ولدينا من جهة أخرى الوحدات الأمريكية التي تقول بضرورة
الاختباء خلف الأشجار والقتال على الطريقة الهندية. لهذه الأسباب لا
غرابة في أن تخسر بريطانيا الحرب في فرجينيا بعد عامين من ذلك.
والحقيقة ان الظروف كانت مختلفة، فحين وصلت الوحدات البريطانية لم يكن
لديها أي فكرة عن قتال الغابات، كانت تجربة جديدة بالنسبة لها لم يسبق
أن عاشتها من قبل. أضف إلى أن براديك، فقد زمام الأمور ولم يكن لديه
أدنى فكرة عما يجري، وإلا لكان جهز نفسه للأمر.
بعد هذه التجربة أخذت العبر والدروس من الهزيمة، فقد عرف عن الجندي
البريطاني قدرته على التأقلم مع هذه الظروف على اختلافها، مع نهاية
الحرب كان الجندي البريطاني أفضل من يستطيع القتال في الغابات وهو يعرف
جيدا ما يفعله.
تمتع المتطوعين بالتجارب السابقة حول هذا الموضوع، أو على الأقل بعضا
منهم. إلا أن الهنود كانوا الأكثر معرفة بالغابات. علما أنه لم يسبق
للبريطاني أن شاهد الهندي بصور محددة، كما هو حال للأمريكي، لهذا كان
عليه أن يتعلم الدرس هناك.
لابد من الإشارة هنا أن التعلم لم يكن سهلا، على اعتبار أن الجندي
النظامي لديه تقاليده وأعرافه، كان من الصعب على الأمريكي أن يتعلم سبل
القتل في المناطق المفتوحة، كما فعل الجندي البريطاني. كما أن العناية
بالنظافة كانت سيئة فقد سجلت شكاوى مستمرة من اتساخ الأمريكي، ما جعله
يتعرض بسهولة للإمراض والأوبئة تردد ذلك أيضا خلال الثورة
الاستقلالية. حين حاولت القوات الأمريكية مهاجمة كندا كانت أعداد
الضحايا التي قضت بالأمراض أكبر بكثير من الذين سقطوا في ساحات القتال.
وهكذا لا بد من القول بأن ما يذكر عن المقارنة بين وحشية الأمريكي
ونظامية البريطاني لم تكن لتمت للواقع بصلة.
وصل القائد البريطاني الجديد جان كامبل، لتسلم ما تبقى من جيش براديك،
تحضيرا لهجمة مضادة جديد. لا بد أن يستغرق الأمر بعض الوقت لتجهيز ما
هو مطلوب، كما عملت فرنسا على تعزيز دفاعاتها في الوقت نفسه.
سلسلة القلاع التي كانت تحمي فرنسا الجديدة، والطرق التي تربطها
بلويسيانا، كانت أكثر من مجرد حصون بسيطة. شيدت القلاع الحصينة على
غرار لويس بيرغ التي رفعت عند مصب نهر سان لورينس، على الطريقة
الأوروبية الحديثة، بحجارة صخرية وخنادق دفاعية مصفحة، معززة بحاميات
كبيرة مدججة بالسلاح.
بعيدا عن الشواطئ، وسط الأراضي الأمريكية الوحشية، رفعت صروح القلعة في
شلالات نياغارا بالاعتماد على المبادئ الأوروبية. ما تطلب عام تسع
وخمسين أسلوبا أوروبيا في الحصار للسيطرة عليها.
= كان لقلعة نياغارا أهمية حاسمة بالنسبة لفرنسا أولا وبريطانيا
لاحقا. ولكنها كانت أكثر أهمية بالنسبة لفرنسا لأنها تحمي خطوط الاتصال
القائمة بين ما كان يعرف بفرنسا الجديدة أي كندا وسهول سان لورانس،
والبحيرات العليا من جهة ومستعمرات لويسيانا من الجهة أخرى. أضف إلى
ذلك أن تجارة الجلود والبضائع كانت تتم عبر شلالات نياغارا. وقد زادت
أهمية الموقع حين قررت فرنسا أن تشيد قلاعا في سهول أوهايو العليا ذلك
أن نياغارا كانت مركزا لإمدادات الجيش الفرنسي الذي يعمل في مناطق
أوهايو.
أدركت بريطانيا ذلك مبكرا حتى عندما أرسل الجنرال إدوارد براديك إلى
هنا أثيرت نقاشات عما إذا كان سيحاول مهاجمة قلعة دوكين، في سهل أوهاو
أم أن عليه مهاجمة نياغارا، وتم الاتفاق على أن يسقط قلعة دوكين أولا
لينتقل بعدها باتجاه نياغارا.
بذلت بريطانيا محاولتها الأولى عام خمس وخمسين ولكنها حين تمكنت من
الوصول إلى شلالات نياغارا عام ألف وسبع مائة وتسع وخمسين عطلت مجمل
الاتصالات القائمة بين الجزء الرئيسي من المستعمرات والداخل.
لمعاودة الكرة في الوصول إلى القلعة، تم العمل على تشكيل ثلاث فرق
رئيسية، تسعى الأولى للاستيلاء على قلعة دوكين، ما يعيق الاتصالات بين
كندا ولويسيانا. تتحرك الفرقة الثانية عبر بحيرة جورج نحو الشمال من
نيويورك لضرب القلاع الفرنسية ومستعمرات كندا العليا. وتتوجه الثلاثة
لتحتل لويس بيرغ، وتتابع المسير عبر سان لورينس إلى كيبيك.
=كان للحرب الفرنسية والهندية كما يسمونها في الولايات المتحدة تأثيرا
كبيرا على القلاع، التي بنيت حديثا منها وتلك القديمة كما هو حال
نياغارا التي شيدت قبل ثلاثين عاما من نشوب الحرب.
أعتبر أن قلعة نياغارا هي نموذج من بيت خشبي بدائي تحول إلى بناء واسع
من الحجارة الصخرية، توسعت قلعة نياغارا بين عامي ألف وسبع مائة وخمس
وخمسين وألف سبعمائة وسبع وخمسين، وقد جرت أعمال البناء بالاعتماد على
الصخور والتربة لتحاشي الانهيارات، كما جرى وضع الحواجز اللازمة لحماية
الموقع، وقد أجريت التعديلات الأرضية ببناء ستار ترابي على الجانبين
نصب كمين على أطرافها تتقدمه نقطة مراقبة في الطليعة.
كان نوع من البناء الذي يشيد لأخذ الحيطة وتجهيز الدفاعات باتجاه واحد.
وكان هذا الأمر واردا في شبه الجزيرة، ذلك أن النهر والبحيرة يتمتعان
بالجدران ولكنها صغيرة جدا.
لا تعود الجدران الخشبية التي هناك لسنوات طويلة ولكنها صممت على
الطريقة المعتمدة تاريخيا. خصوصا تلك التي صنعت وفق أوامر الضابط
الفرنسي بيير بوشار.
انتشرت في هذه الأثناء، مجموعات حرب العصابات على طول الحدود، كثيرين
ممن عملوا مع الطرفين كانوا من الهنود الأمريكيين.
أثار توظيفهم تباينات في الآراء. فقد كانوا بالغي القسوة ومتعطشين
للدماء. استغلوا هذه المناسبة كالكثير من أبناء العشائر لنشر الرعب. أي
أن السبب الذي جعلهم ينضمون إلى الحملة كان تحقيق ذلك الهدف. كانوا
أشد رحمة في قتل أعداد قليلة، من المذابح الجماعية البشعة التي كان
يرتكبها الأوروبيون.
تعتمد الحروب الهندية على، عرف الدم. أي الانتقام لما ارتكب من جرائم
بحق عشائرها، أو عضو ينتمي إليها. كان من واجبنا، كرجال شرطة، ليس على
الصعيد الوطني بل على الصعيد المحلي، الانتقام من تلك الجريمة. ضمن
مبدأ العين بالعين والسن بالسن..
هذا ما كانوا يفعلونه، كانوا ينتزعون، جلدة الرأس، التي هي أهم ما في
جسم المحارب، وحين تسلخها، تحصل على روحه.
غيرت الحروب الأوروبية السبل التقليدية القديمة، لعرف الدم. فبدل جلدة
الرأس، بدأوا يهتمون بتجارة الجلود. كان لدينا حروب تقليدية في تلك
العصور. تخيل أنك تعيش في حالة من الحرب طوال حياتك، وعلى مدار تاريخ
شعبك، هذا ما كان يعيش عليه الشعب الهندي.
اشتكى القادة مثل الجنرال مانكالم، من عدم التزام الحلفاء الهنود،
الذين يتسللون للعودة إلى ديارهم في أول فرصة تسنح لهم. وكانوا يتصرفون
وفق حساسية بالغة، من احتمال التعرض للقتل، ليتفادون ذلك قدر الإمكان،
خصوصا وأنهم لن يكسبوا الكثير من هذا النزاع.
المذابح الجماعية ليست أسلوبنا، عشائر الإيري التي كانت تسكن قريبا من
هنا، أبيدت بالكامل، أين عشائر السوسكاهانا وعشائر الإيري؟ جرى
إبادتها بالكامل في المراحل الأولى من الحرب الهندية. وهكذا فإن فكرة
الحرب لدى الهنود كانت الخروج برفقة أعضاء من عشيرتك، والتقدم على
العدو وإيقاع أكبر قدر من الخسائر لديه، وذلك بعتاد خفيف قدر الإمكان،
بدون رداء ثقيل أو جعبة عتاد ثقيلة، بل بأسلحة خفيفة يمكن ربطها
بالحزام، بالإضافة إلى البندقية، وربما سلاح أبيض، على الحزام، هذا كل
شيء.
على المحارب أن يسارع في الاقتحام ساعة الفجر، قلما نقاتل في الليل لأن
الأرواح تجول الأرض في ذلك الوقت، ولا بد للمرء أن يبقى في مكان آمن.
قد يخرج الرجال لفترة تتراوح بين الستة أشهر والعام، أو لبضع سنوات
أحيانا. حين وصل الأوروبيون إلى القرى ورأوا الرجال يتجولون بلا هدف،
اعتبروا ذلك تسكعا، مع أنهم يستريحون من عناء طويل.
هناك رجال آخرون قاتلوا في الغابات إلى جانب الهنود، وهم قادرون على
تنفيذ العمليات العسكرية بنجاح تام. إنها الفرق المقاتلة في الجانب
الفرنسي، وهي وحدات مستقلة جندت من الجوار، ودربت على القسوة ليقودها
عادة ضابط كندي. كان يوازيها في الجانب الآخر ما يعرف بالرينجير.
قاتل جندي الرينجير إلى الجانب البريطاني على الطريقة الهندية لحرب
العصابات عل خلاف الجندي البريطاني الذي يقاتل ضمن مجموعات قتالية
نظامية تطلق النار على المجموعة النظامية المقابلة.
كان يقاتل ضد الهنود والكنديين ممن يعترضون الوحدات البريطانية. ويجمع
المعلومات السرية، عن الفرنسيين وحلفائهم الهنود إلى جانب العناية
بالأسرى، والقيام بأعمال تخريبية تستفز الأعداء.
أكثر قادة رجال الرينجير نجاحا، هو رجل من نيوهامشير عرف باسم روبرت
روجرز. الذي ما زالت أوامره تعتبر جزءا من توجيهات كتيب جيش الرانجير
في الولايات المتحدة الأمريكية.
أولا: لا تنسى شيئا.
ثانيا: حافظ على نظافة بندقيتك. استطلع ما حولك وكن جاهزا للخروج في
المسيرة عند الصباح.
ثلثا: تصرف عندما تخرج في المسيرة، بالطريقة التي يمكن أن تتبعها حين
تتسلل لاصطياد غزال. راقب العدو أولا.
رابعا: قل الحقيقة، حول ما تراه وما تفعله، هناك جيش يعتمد على هذه
المعلومات الدقيقة. يمكن ان تكذب كما تشاء حين تخبر الآخرين عن
الرينجير ولكن يجب ألا تكذب أبدا على الضابط .
خامسا: يجب ألا تخاطر حين لا تضطر لذلك.
سادسا: حين تكون في المسير، ابتعد عن زميلك، بحيث لا تعبر الطلقة
المعادية جنديين.
سابعا : إذا صادفت مستنقعا، أو مناطق موحلة، يجب أن تنتشر، لتحاشي
الخسائر.
ثامنا: أثناء المسير، تقدم حتى حلول الظلام، كي لا تمنح العدو فرصة
للنيل منك.
تاسعا: عندما تخيم، يبقى نصف الوحدة صاحيا، بينما ينام النصف الآخر.
عاشرا، إذا اعتقلنا الأسرى، يجب أن نبعدهم عن بعضهم البعض، حتى نحقق
معهم، قبل أن يصنعوا الحكايات فيما بينهم.
طوال عامي خمس وخمسين وست وخمسين، اشتبك الفرنسيون والبريطانيون على
طول الحدود. وقد أرسلت المزيد من الوحدات الأوروبية إلى أمريكا. مع ذلك
شهد عام ألف وسبعمائة وسبع وخمسين محاولة فاشلة للاستيلاء على قلعة
لويس بيرغ. وفي تموز يوليو وقعت كارثة أخرى حين استولى الفرنسيون على
قلعة وليام هنري.
بدا لبعض الوقت وكأن الجنرال المنتصر مان كالم، سيعزز نجاحاته بالتقدم
عبر سهول هادسون، لمقارعة مدينة نيويورك. ولكن تعرض جيشه للمرض والجوع،
أجبره على الانسحاب شمالا.
رغم أن لاودن يتمتع بكفاءة إدارية عالية، إلا أنه كان كثير التردد.
فعين قائد جديد هو جفري أنفيرست،
بدأ أنفيرست خطواته الأولى بنجاح تام حين تمكن من الاستيلاء على لويس
بيرغ. بعد سقوط ذلك الموقع العسكري العظيم مع نهاية تموز يوليو من عام
ألف وسبع مائة وثمانية وخمسين، حاول متابعة المسير عبر نهر سان لورانس
باتجاه مدينة كيبيك. ولكنه أصيب بالخيبة في هذه المناسبة، إذ وقعت
كارثة أخرى حينها.
تلقى أحد أتباع الجنرال أنفرست وهو الجنرال أبيل كرامبي، أوامر بالتوجه
إلى الشمال من سهول هادسون، وما بعدها للاستيلاء على تيكاندا روغا. كان
لديه ما يكفي من الرجال والعتاد لتنفيذ الأوامر. إلا أن تيكاندا روغا
كانت في وضع سيء، فما كانت لتحتمل حالة من الحصار.
إلا أن كرامبيل لسوء الحظ تخلى عن كل هذه الفوائد مقابل إصراره على
مواجهة مباشرة. جرت التضحية بفريق بعد الآخر، ضمن محاولة عبثية
لمواجهة الدفاعات الفرنسية والقضاء على وحداتها.
أضف إلى ذلك،أن محاولة ثانية بذلت لإخضاع دوكين، ما زاد الحال سوءا.
تعرضت وحداته لكمين معاد، وذلك قبل ستة أشهر من تنفيذ الهجوم الثالث
والناجح تماما. مرة أخرى جمدت الحملة البريطانية على كندا. فترك الأمر
لوحدات الرانجر، كي تشغل الجبهات.
أحد عشر: لا تتبع دائما الطرقات نفسها، غير الطرقات كي لا تتعرض
للكمائن.
اثني عشر: لا فرق بين الخروج بمجموعات كبيرة أو صغيرة، على كل فريق أن
يرسل وحدة على بعد عشرين ياردا في الطليعة، وأخرى لعشرين ياردا في
المؤخرة، ووحدتين على الجانبين، بحيث تتحاشى المفاجآت، والتصفية
الكاملة.
ثلاثة عشر: يبلغ الجميع كل ليلة عن مكان اللقاء، إذا ما فاجأتك قوة
أكبر.
أربعة عشر: لا تبقى أسبوعا دون عمل تقوم به.
خمسة عشر: لا تنم بعد بزوغ الفجر. فالفجر ساعة يتحرك الفرنسي .
ستة عشر: لا تعبر النهر بالسبل العادية.
سبعة عشر: إذا حاول بعضهم الإيقاع بك، يجب أن تتراجع، وترسم دائرة
حوله، لتعاود نصب كمين لمن يريد الإيقاع بك.
ثمانية عشر: لا تقف لمواجهة عدو يتجه نحوك، اركع أمامه، أو انبطح، أو
اختبئ خلف الأشجار.
تسعة عشر: دع العدو يقترب، حتى تكاد تلمسه، ثم وجه ضربتك، اقفز بوجهه
واقض عليه.
ذهب إنفيرست إلى نيويورك كي يتولى شخصيا الحملة العسكرية المتوجهة
شمالا عبر البحيرات الكبرى، ما تطلب قيادة جديدة للحملة المتوجهة إلى
كيبيك. وقع الاختيار على الميجير جنرال جيمس وولف البالغ من العمر
ثلاثة وثلاثين عاما. كان الجيش البريطاني في القرن الثامن عشر يعتبر
موقعا للميزات، إذ يتألف من مختلف الفئات الاجتماعية التي يقودها ضباط
من الأرستقراطية. رغم بعض المبالغة، ولكن هناك بعض الحقائق في ذلك.
ولكن بشكل عام، يمكن القول بأن الجيش يعتمد على قوة عالية الكفاءة. حيث
تمنح المكافآت لمن يستحقها، وتتم قيادة الجنود دون أن يساقون عنوة إلى
ساحات القتال. وفي نهاية المطاف، كانت الأرستقراطية وحدها تتسلق إلى
أعلى القمة، بما أنها كانت تتوارث المهمة وتحسن الأداء. ولكن غالبية
قادة الفصائل يأتون من أوساط متواضعة، فهم أبناء عمال المناجم، وأصحاب
المهن كالأطباء والموظفين حتى أن بعضهم كان من التجار. هناك مجموعة
كبيرة منهم كانت من أبناء الجنود. كان جيمس وولف واحدا منهم.
عام واحد وأربعين وهو في الرابعة عشرة من عمره، تلقى وولف أوامر
بالانضمام إلى وحدات من البحرية. ولكن حين أخذت كفاءاته وقدراته
بالاعتبار، نقل إلى كتيبة المشاة الثانية عشر.
عام ست وأربعين رقي إلى رتبة ملازم. عمل قائد فصيل تحت إمرة الجنرال
هودي، في معركة كولون. وقد أبرز حينها رغبته بالخدمة من جديد في
أمريكا الشمالية، فجاء تنصيبه قائدا على الوحدة المتوجة إلى مدينة
كيبيك، كما وترقيته إلى رتبة ميجير جنرال.
وقد منح للاستيلاء على كيبيك، ما يزيد عن ثمانية آلاف وخمسمائة رجل،
غالبيتهم من الجنود. لم يكن لديه فرسان، ولكن بدل ذلك أعطي ستة فرق من
وحدات الرينجير.
بما أنه لم يكن يعرف الكثير عن شؤون الحرب على الحدود، لم يعتني كثيرا
بأهمية وحدات الرينجير، وكثيرا ما كان يتذمر من أدائها. كان وولف يبرز
اعتماده الرئيسي على فرق الوحدات النظامية العشرة التي لديه.
لم يكن الجيش البريطاني يحب وحدات الرينجير ولم يكن راضيا عن أدائها،
لأن هذه الوحدات كانت تخرج من الحصون لتجول في المناطق المجاورة دون
القيام بأعمال التجسس أو غيرها من المهمات المحددة الأخرى، ليتضح
للبريطانيين بعد عودتهم أنهم لم يفعلوا شيئا، فاعتبروا أن الطريقة
الوحيدة التي يمكنهم فيها الثقة بأجهزة التجسس هي بتشكيل وحدات متخصصة
بهم، وهكذا عملوا على تشكيل وحدات خاصة من المشاة، تعتمد على المتطوعين
خارج إطار الجيش، ولكنهم بعد إجراء دوراتهم التدريبية كانوا يتحولون
إلى ضباط داخل الجيش البريطاني، ويعودون إلى فرقهم السابقة أحيانا،
غالبا ما كانوا يذهبون إلى فرق أخرى، حيث يعملون على تدريب العناصر
الجديدة التي تصبح في المستقبل من المشاة.
يعمل هؤلاء الرجال ضمن الامكانات ذاتها التي تتمتع بها الوحدات
البريطانية ولكن ضمن وحدات الرينجير، وهذا ما يتبع اليوم فيما يعرف
بوحدات الخضر التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، ينطبق ذلك أيضا على
نوع من وحدات المشاة الخفيفة العاملة في صفوف الجيش البريطاني هذه
الأيام أيضا.
بعد عمليات التفقد الأخيرة للوحدات المتعاونة، توجهت هذه القوات عبر
نهر سان لورانس وعلى رأسها البحرية الملكية. يوم السادس والعشرين من
حزيران يونيو من عام ألف وسبع مائة وتسع وخمسين، قام وولف بإنزال في
جزيرة ديليون، على مسافة أربعة أميال من كيبيك.
أصيب الفرنسيون بالارتباك، بعد أن فقدوا الأمل بالحصول على الإمدادات
من فرنسا، فتمنوا أن يعيق النهر تقدم الفرنسيين، إلا أن البحار
الممتاز جيمس كوك، تمكن من تذليل العقبات على الضفتين.
شيدت المدينة فوق تلال مرتفعة، تشرف على نهر سان لورانس، عند منطقة
يلتقي فيها مع نهر سان شارلز الصغير.
لم يكن من المنطقي القيام بهجوم مائي للاستيلاء على المدينة نتيجة
موقعها المنيع، كما ولأنها محاطة بالتحصينات المتقدمة الحديثة. قبل أي
نوع من الهجوم على هذه التحصينات، كان لا بد أولا من إحراز بعض التقدم
على ضفة النهر الشمالية. إلا أن تقدم كهذا لم يكن سهلا، بعد أن قام
الفرنسيون ببناء خطوط مواجهة متقدمة.
كانت هذه مجموعة من التحصينات والخنادق الممتدة نحو الشرق على ضفة
النهر على مسافة ثمانية أميال من مدينة كيبيك. قرر وولف بعد أن تملكه
الإحباط. أن يقيم معسكرا له عند أسفل النهر، ثم عقد اجتماعا مع أبرز
قادته، ليناقش معهم أفضل وسيلة للعمل. أول حل توصل إليه هو القيام
بهجوم من النهر على خطوط المواجهة الشرقية. أتفق على القيام بذلك أثناء
فترة الجزر، ليترافق مع هجوم مواز عبر ضفة النهر ينطلق من المعسكر،
باتجاه المواقع المحصنة إلى الشرق من المدينة.
حتى لو تمكن وولف من إختراق هذه التحصينات، كان سيجبر أيضا على مواجهة
مجموعة أخرى من الدفاعات، التي تغطي نهر سان شارلز، كما أنه حين يتمكن
من تصفية الدفاعات الثانية، سيجد نفسه في مواجهة تحصينات مدينة كيبيك
نفسها.
ربما لم يكن بالمصادفة، أن ساءت أحواله الصحية، أثناء التجهيزات
الأخيرة للقيام بهذه المحاولة الجريئة. بدأت العملية في تمام الواحدة
من بعد منتصف الليل، صباح يوم الثالث عشر من أيلول سبتمبر. وضع وولف
ألف وسبع مائة رجل في ثلاثين مركبا. حمل أول ستة مراكب بفرقة من المشاة
تحت قيادة العقيد وليام هاو. ثم تبعتهم الفرقة الثانية، ومعها ثمانية
وسبعين من عناصر الرينجير.
في الوقت نفسه جرت تحضيرات أخرى على الأرض، حيث تمت محاولة إنزال مزيفة
على ضفة نهر مجاورة. نجحت عملية لفت الأنظار تماما. بينما كانت تجري
عملية الإنزال على قدم وساق، مرت الوحدات المهاجمة من هناك باتجاه
منطقة الإنزال الرئيسة فوق مدينة كيبيك.
في الرابعة فجرا بدأت الموجة الأولى بتنفيذ عملية الإنزال. مع بزوغ
الفجر، لم يصدق مانكالم ما رآه من إنزال لجنود الجيش البريطاني عند سهل
أبراهام، قبالة المدينة. في تلك اللحظة، شعر بالخوف الشديد.
كانت مواقع وولف خطيرة جدا، فقد كان يواجه وحدات فرنسية مجربة لا تهزم
بسهولة، وكانت من خلفه أيضا تقف وحدات فرنسية أخرى لا يعرف حجمها، تحت
قيادة العقيد دوبوغانبيل. أما على جنبيه فكانت تنتشر وحدات مجموعات من
المليشيات الكندية والهنود المتطوعين. ولم يكن هناك فرصة للانسحاب، من
موقع كاد يتحول إلى أكبر هزيمة عسكرية تصيب الوحدات البريطانية في
أمريكا.
بدل التمهل حتى يتكن من تنسيق العمليات الدفاعية مع الوحدات المشاركة
الأخرى، قرر مانكالم أن يباشر في الهجوم بعد أن تجهز وحدات جيشه
العسكرية.
تمكن رجال وولف من المجيء بمدفعيتين خفيفتين، زجوا بها أيضا في ساحات
القتال. ما أن تم تثبيتها حتى علم أنه لن يتمكن من سحبها. ولا بد من
القيام بهجوم مباشر. أيا كانت النتائج الناجمة عن ذلك.
= كانت الظروف التكتيكية صبيحة المعركة مشوقة جدا. وقفت الوحدات
البريطانية عند أحد السفوح تواجه المدينة. وخلفها تحتشد وحدات فرنسية
لا أحد يعرف حجمها أو كم تبعد عن المكان، يقف أمامها جيش فرنسي أكبر.
لو خسرت بريطانيا الحرب لتعرضت إلى مذبحة قبل الاستسلام إذ أنها لن
تتمكن من الانسحاب عبر النهر لانتشار القوات الفرنسية على ضفتي النهر.
لهذا كان وولف يعرض نفسه لمخاطرة كبيرة، وكان عليه أن يخاطر حينها فلو
لم تتمكن القوات البريطانية من الاستيلاء على كيبيك يومها، لما تكنت من
وضع اليد عليها في ذلك العام وربما في العام التالي أيضا.
من ناحية أخرى، وانطلاقا من وجهة النظر هذه، حسم مانكالم أمره بعدم
الانتظار. كان باستطاعته الانتظار حتى يتمكن من حشد مزيد من الوحدات
ومحاصرة وولف بمجموعات جديدة من المليشيات. لو زج بمزيد من وحدات
المليشيا إلى جانب الجيش الفرنسي لحقق تفوقا كبيرا على القوات
البريطانية، وتغلب عليها، ولكن مانكالم لم يفعل ذلك، لأن الخوف تملكه،
فحشد كل ما تمكن من رجال حوله في تلك اللحظة، وسارع في دخول المعركة.
المدينة من وجهة نظره الشخصية لا تحتمل الحصار، وما كان لدى وولف أسلحة
ثقيلة لأنه لم يجد الوقت الكافي للمجيء بها، ربما لم يكن مانكالم يعرف
ذلك، بل اعتقد أن لدى البريطانيون ما يكفي من سلاح المدفعية، لقصف
المدينة كما فعلت الولايات المتحدة بعد سنوات من ذلك، إنه أسلوب أمريكي
لم يفلح على أي حال كما نجح البريطانيون حينها.
المهم هو أن مانكالم توقف عن التفكير تماما، كل ما يعتقده هو أن
المدينة تواجه الخطر خصوصا وأنها لا تجد مصادر للإمدادات. حتى أن ما
وصل المدينة من مؤن كان يأتي عبر أي طريق يجب يدخل المدينة عبر سفوح
أبراهام حيث تقف وحدات وولف. لهذا كان عليه أولا أن يبعد وولف عن
طريقه، وهكذا جرت الأمور نحو كارثة حتمية.
كانت سفوح أبراهام كما يوحي اللقب صعبة المنال، خصوصا وأنها أعلى قليلا
من مستوى المدينة. انتشرت على السفوح المجاورة نسبة كثيفة من الأشجار،
تعجها المليشيات الكندية ووحدات من القناصة الهنود. عدى ذلك يمكن وصف
ساحة القتال بأنها مفتوحة وشديدة الوضوح.
كان حجم الوحدتين متساويا إلى حد ما. يعتد كل منهما بأربعة آلاف
وخمسمائة رجل، ولكنهما يختلفان من حيث المزايا والنوعية.
كل البريطانيون الذين احتشدوا هناك في ذلك الصباح، من الجنود
النظاميين المدربين جدا. بينما نصف الفرنسيين كانوا من المليشيات
الكندية. وقعت على ضفاف نهر شارلز على ميمنة مانكالم، بعض الاشتباكات
الجانبية، التي تصدت لها الوحدات الهندية المتطوعة. إلى جانب هذه
الوحدات المتقدمة على الميمنة أيضا، انتشرت وحدات من فرقة المليشيات
الكندية، مع مليشيات أخرى جاءت من مونتريال. وقفت خلفها خمس فرق من
الجنود الفرنسيين. يقف في مواجهتهم خط من الوحدات البريطانية المهاجمة.
كان من المفترض أن يشكل الفصيل الخامس والثلاثين، جزءا من ذلك الخط،
ولكنه كان يخوض حينها معركة جانبية، في محاولة لمنع الوحدات الفرنسية
من قطع طريق الاتصال بالسفن الراسية في النهر.
كانت الوحدات البريطانية تتألف من فصائل فرقتين بتشكيلات متنوعة. هي
الفصيل الثامن والعشرين والسابع وأربعين، والثالث وأربعين، والثامن
والسبعين، والثامن والثلاثين على التوالي. وخلف الجيش، كانت تقف وحدة
المشاة الثامنة والأربعين كقوة احتياط.
ما أن تقدمت الوحدات الفرنسية نحو الفصائل البريطانية الستة، حتى بدأت
تطلق النار عبر مسافة بعيدة.
عملت الوحدات الكندية كقوة مليشيا وجنود احتياط للقوات النظامية بوقت
واحد، ولكنها لم تكن معتادة على القتال في المناطق المفتوحة خارج
التحصينات. فأخذوا يطلقون النار بدل متابعة الهجوم بالسلاح الأبيض، ثم
ارتموا أرضا لتعبئة البنادق.
نجم عن ذلك ارتباك الوحدات النظامية، ولكنها استمرت بمتابعة التقدم،
ولم يبق أمامها أكثر من ستين ياردا، حين فتحت القوات البريطانية
نيرانها. تعرض الوحدات الفرنسية إلى إصابات جسيمة نجمت عن كثافة نيران
العدو.
بدل حشو البنادق في وقت واحد، توزعت الفصائل البريطانية على أربعة
مجموعات كبيرة، قسمت كل منها إلى أربعة مجموعات أصغر. حين تصدر
الأوامر بإطلاق النار، كانت مجموعة واحدة فقط تطلق النار، بينما تعمل
المجموعات الأخرى على حشو البنادق، وما أن تنتهي المجموعات الأربعة من
إطلاق النار، حتى تكون المجموعة الأولى جاهزة لعملية إطلاق نار أخرى.
لينجم عن ذلك إطلاق نار مستمر بكثافة عالية، توقع خسائر كفيلة بإعاقة
التقدم. وهكذا لم يطل الوقت حتى أدت كثافة النيران المصوبة نحو الوحدات
المتقدمة إلى شطرها.
أجبر الفرنسيون على التراجع بحالة من الارتباك، فأمر العقيد سيمون
فريزير، الضابط المجرب في المهمات الخطيرة، ما لديه من أربع وسبعين
جندي نظامي، بأن يشهروا سيوفهم. فوقع ما قد يكون آخر حملة بالسيوف،
لمطاردة الجنود المنسحبين، وزرع حالة من الرعب التام.
لحظة تحقيق النصر تماما، تعرض الجنرال وولف لرصاصة أطلقها أحد
القناصين، العاملين من البساتين المجاورة. أثناء توجيه الأوامر
لمساعديه، تلقى الرصاصة في ميمنة صدره، ولكنه تحامل على نفسه وتابع
ليتلقى رصاصة أخرى في جسده. مات بعد لحظات قليلة من ذلك، دون أن يؤثر
موته بالنتيجة. شاءت المفارقة أن يقتل الجنرال مانكالم في الفترة نفسها
تقريبا، فحمل جسده إلى داخل المدينة، وترك الجيش الفرنسي بدون قيادة في
لحظات عصيبة، ما حال دون أن يتمكن من إعادة تنظيم نفسه.
في ذلك الحين، كان العقيد ديبو غانبيل يسرع في التقدم من الغرب، ومعه
وحدات من المشاة والفرسان، إلا أن وحدات الاحتياط استدارت لمواجهته،
وإجبرته على التراجع. على الرغم من وصول وحدات بوغانبيل متأخرة
للمشاركة في المعركة عند سفوح أبراهام، حال وصولها المفاجئ دون تمكن
الوحدات البريطانية من الاستيلاء على ضفة نهر سان شارلز، فنجم عن ذلك
أن يستمر قتال الباقين على قيد الحياة حتى اليوم التالي.
=منح القتال على سفوح أبراهام قبالة كيبيك نموذجا يسمح بالمقارنة بين
أنظمة التكتيك المتبعة في الوحدات الفرنسية والبريطانية. كان الجيش
البريطاني مدرب على آلية الحشو وإطلاق النار، حيث يعمل الجميع في آن
معا على حشو البنادق دون وقف إطلاق النار. بينما كان الجندي الفرنسي من
الجهة الأخرى، يتردد جدا في استخدام السلاح الأبيض عند مقدمة البندقية،
أدى ذلك في معركة كيبيك، إلى أن يتمكن الجندي البريطاني من القيام بما
يتقن عمله تماما. كما قرر الفرنسي القيام بما يتقنه أيضا إلا أنه سارع
في التقدم، على طريقة جيوش الغال، وهو يصرخ ويلوح بالبندقية ويهدد
ويتوعد. بينما كان البريطاني يكرر ما يفعله دائما: ينتصب في موقعه
ليصوب البنادق ويطلق النار ويشت أعدائه.
استسلمت كيبيك بعد بضعة أيام، كان لا بد من حسم أمر الاستيلاء على
المدينة في نهاية المطاف. ولكن حتى ذلك الحين، شكل ذلك تحديا للتأكد
مما إذا كان الجيش البريطاني يستطيع الاحتفاظ بالمدينة طوال الشتاء
القادم. وفي الوقت نفسه استمر نشوب الحرب.
انتهت حالة الجزر، ولكن الوقت ما زال مبكرا حتى يحين موعد الاستيلاء
على مونتريال، والاستسلام النهائي للفرنسيين.
خدم هنود ألماناكي فرنسا لسنوات طويلة، وعانوا من مشاكل محددة على
الحدود مع نيو إنغلاند. في أيلول سبتمر من عام تسع وخمسين، تلقى
الميجير روبرت روجرز أوامر من الجنرال أمبورس، للقيام بحملة عسكرية
ضدهم. تبع ذلك إحدى الحملات الأكثر شهرة.
بعد مسيرة من اثنين وعشرون شهرا، وصلت القوات البريطانية إلى الهدف
المحدد، فأرسلت وحدة استطلاع تابعة لقوات الرانجير، لتجد بأن الهنود
كانوا يقيمون حفلة زفاف.
قبل نصف ساعة من بزوغ الفجر، فاجأنا القرية، تقدمنا نحوها بثلاث فرق،
من الميمنة والميسرة والوسط، حيث اتخذنا كل الاحتياطات الوقائية
اللازمة، من جانب الرجال والضباط، ما لم يسمح للعدو بلملمة نفسه، أو
حمل السلاح للدفاع عن نفسه، إلى أن تم تدميره شبه الكامل. تمكن البعض
من الهرب إلى الماء، ولكن رجالي تلقوا أوامر بِإطلاق النار على الذين
يحاولون السباحة والهرب. ثم أشعلنا النار في جميع منازلهم، باستثناء
ثلاثة، أبقيت للاحتفال بالنصر.
قضت النيران على الكثير من الهنود الذين خافوا على خسارة منازلهم،
ورفضوا الخروج منها. في تمام السابعة صباحا، انتهت العملية بالكامل،
بعد أن استطعنا قتل مائتي جندي، وأسر عشرين من نسائهم وأطفالهم. أطلق
سراح خمسة عشر منهم، بينما عدت إلى البيت ومعي طفلين من الذكور وثلاثة
من الإناث. أسرنا خمسة رجال بقوا بعدها تحت رعايتنا.
عثرنا في طريق العودة، على الملازم أوغلين وقد أصيب بجراح عميقة، لكنه
ما زال قادرا على أداء واجباته. أصيب ستة من جنودنا بجروح، وقتل جندي
واحد.
حين أصبح روجرز مستعد للعودة إلى نقطة كراون، واجه صعوبات كبيرة أمامه،
ليتعرض في النهاية إلى الظروف الأشد صعوبة في العملية.
بعد قليل من مغادرة المراكب، علم روجرز أن الفرنسيون علموا بوجودهم
هناك، وأن وحدة كبيرة تتبع أثره. حين تأكد بأن أعداد الفرنسيين توازي
ضعف قوته، لم يجد خيارا آخر سوى اللجوء إلى البراري، ليفتح طريق له عبر
بحيرة فريم فرامرغوت، والنزول عبر النهر تيناتيك المتفرع من هناك
بحركة التفاف تشبه نصف الدائرة.
اعتمد روجرز على إمكانية العثور على ما يلزم من مؤن أثناء عودته، ولكن
لسوء حظه أن غالبية البضائع فقدت، بعد حرق المخازن. ولم يبقى إلا
كمية محدودة من العلف. استمر الأمر على هذا الحال حتى تشرين الثاني
نوفمر حين تمكن من العودة. بعد أن فقد ثلاثة ضباط وست وأربعين من
رجاله، الذين قتلوا على يد الفرنسيين، أو قضوا جوعا ومرضا. كانت نهاية
حزينة لمغامرة جريئة، ولكنها أكدت للفرنسيين وحلفائهم الهنود، أنه لا
يوجد أماكن بعيدة على يد روجرز ورجاله.
في الوقت نفسه بدأ القائد الفرنسي الجديد دي شفاليي ديلا في، التحضير
للقيام بمحاولة أخيرة لكسر الحصار البريطاني المفروض على كندا. كان
يعلم أنه في صيف عام ألف وسبعمائة وستين، ستبدأ الملاحة من ثلاثة
اتجاهات مختلفة، صعودا عبر نهر سان لورانس من كيبيك، ونزولا في النهر
من نياغارا، ومن الجنوب عبر بحيرة شانتلين. لم يكن لديه ما يكفي من
الرجال لمواجهة الهجمات الثلاث، لهذا حسم أمره لمهاجمة كيبيك أولا.
حشد ما لا يقل عن ثمانية كتائب من الجنود، وكل الميليشيات والمتطوعين
الذين تمكن من جمعهم، ثم اتجه شمالا في نيسان إبريل.
تحرك القائد البريطاني في كيبيك، البريغادير موري، لمواجهته، وفي
المعركة الثانية على سفوح أبراهام، تواجه الجيشان فوق الثلوج الجليدية
القاسية. من المفارقة أن يكونا في المواقع المعاكسة لما كانا عليه في
أيلول السابق.
تعرض البريطانيون هذه المرة لهجوم من قبل وحدات تفوقهم عددا، وهم في
موقع كان لمانكلم في ذلك الفجر. تعرض البريطانيون في هذه المرة
للهزيمة أيضا، وانسحبوا بحالة من التشتت.
قرر الفرنسيون محاصرة كيبيك، رغم أنهم لا يملكون الكثير من الأسلحة
الثقيلة، ولكنهم يعلمون أين يمكنهم العثور على نقاط الضعف في الجدار.
كان يعاني لسوء الحظ من قلة البارود، ما يسمح له بإطلاق عشرين قذيفة
يوميا فقط.
لم يكن هذا ليمكنه من متابعة الحصار، ولكن البحرية الملكية انسحبت من
النهر لقسوة فصل الشتاء، إلا أن الجليد عند مصب سان لورينس أخذ يذوب.
لو تمكنت الوحدات الفرنسية من السيطرة على النهر قبل عودة البريطانيون،
لاستطاع لافي الاستيلاء على كيبيك، والاحتفاظ بكندا.
مساء الخامس والعشرين من أيار مايو، كان اثنين من كبار المحاربين
يبحرون صعودا في النهر، وهما الفانغارد، والديان. تمكنت البحرية
الملكية من الفوز في السباق لتحدد بذلك مصير كندا. أما باقي الحملة
فكانت مسألة تحصيل حاصل. سجلت المرحلة التالية، إقفال الحصار على
مونتريال، يوم الثامن من أيلول سبتمبر من عام ألف وسبعمائة وستين،
انتهى الحصار باستسلام المدينة.
رفض أمبريس أن يسمح للفرنسيين بشرف الحرب، وهكذا أمر لافي كتائبه
الغراء بحرق الأعلام تلك الليلة، بدل تسليمها للأعداء.
لم ينته القتال بهذا الأداء الرمزي الأخير، فنحو الغرب، كانت حامية
فرنسية صغيرة تستمر برفع العلم الفرنسي هناك، وتحمس المحاربين الهنود
على متابعة القتال. ربما سقطت كندا، ولكن لويسيانا تصر على القتال
بالاعتماد على هذه الحفنة من الجنود عام ثلاثة وستين، حين لاحت في
الأفق ملامح حرب جديدة.
= المفارقة في تلك الحرب هي أن بريطانيا فازت بحرب كي تخسر أخرى، لا شك
أنها طردت فرنسا من الولايات المتحد، باستثناء جزء بسيط من كندا،
ولكنها بذلك، اتبعت أسلوبا تنبه له الأمريكيون، حين شاهدوا أن بريطانيا
والأمريكيين يقاتلون جنبا إلى جنب، العدو الفرنسي، ولكن الوحدات
الأمريكية كانت تستخدم فقط، لدعم المعارك البريطانية، إليك مثلا، أن
الجيش البريطاني ما كان ليسمح لأمريكي متطوع بأن يحصل على رتبة في
الجيش البريطاني، ومثال آخر، الشعب الأمريكي، وليس البريطاني هو الذي
كان يغطي مصاريف الحرب، بضرائب على الشاي، وضرائب على السكر، وعلى
الطوابع، طوال عقد الستينات، في نهاية الأمر، حين أصبحت الحرب مسألة
شرف، استغلت بريطانيا الأمريكي علنا لدعم الحرب ضد فرنسا، وما زاد من
الاستياء هو أنها طبقت مجموعة قوانين أخرى أدت إلى نشوب الحرب الثورية،
لعام ألف وسبعمائة وسبعين، ما أدى إلى إخراج بريطانيا وفرنسا أيضا، من
الولايات المتحدة.
بعد التخلص من الدولتين المستعمرتين، بدأ الأمريكيون يتطلعون إلى
تقرير مصيرهم ، رغم أن الجندي البريطاني هو الذي حقق النصر، إلا أن عدد
من وحدات المحافظات وقادة المحافظات على غرار جورج واشنطن، أكملت
الطريق. بعد سنوات قليلة من سقوط نيو فرانس، وسخرت تلك التجربة،
لاستعمال أفضل. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م