اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بناء وإعمار11 - الزجاج
 

الزجاج

      الزجاج أقدم من الإسمنت والحديد.  ينير المباني الكبرى، كما غير ملامح المدن الحديثة. ولكن جماله بقي مترافقا لعدة قرون بعيب أساسي.

      حطم العلم مفهومنا للزجاج، أخذت مباني الزجاج تصبح اليوم أكبر وأبرز. يعتبر مركز روز نموذج لامع.

     إنه محطة جديدة ترتبط بالمتحف الأمريكية لتاريخ الطبيعة. جدارين من الزجاج يشكلان غرفة زجاجية لكرة هايدن. ألواح زجاج بلا أطر معلقة على ارتفاع سبع طوابق فوق شوارع مانهاتن. يشكل هذا انتصارا للعمارة الأمريكية.

    مركز روز يثير الدهشة من الداخل والخارج. يعتبر داخله  معرض تقني رفيع المستوى.

     هناك مسرحين داخل الكرة المجوفة، يشكل أحدهما أكبر مُقلد للواقع الافتراضي في العالم.

     حل مركز روز محل كرة هايدن المحببة، التي كانت أول مبنى كروي شيد بقشرة إسمنتية رقيقة.

     كانت هايدن بناية بارزة. هذه أول مرة منذ إصدار قانون الأراضي عام اثنين وستين  يمنح فيها المالك حق تدمير مبنى معروف لبناء آخر مكانه. ويعتقد أنهم قد سمحوا لهم بذلك لأن لجنة المباني البارزة قد اعترفت بأنهم سيشيدون مبنى بارز آخر.

     شيدت الأيقونة الزجاجية في المدينة لتبدو وكأنها استحالة عمرانية. وكأن جدرانها رفعت بفعل السحر، وكأنها ليست هناك أصلا.

     أرادوا أن يكون الزجاج واضحا وأن يكون شفافا قدر الإمكان. والمقصود من هذا أن يلاحظ المرء الكرة للوهلة الأولى كي تلفت أنظاره، ولكن أرادوا أن يبدو الزجاج بوضعية يؤكد أنه يعتمد على أحدث وسائل التكنولوجيا المتوفرة.

     الجدار الأمامي هو الأكبر من نوعه في أمريكا الشمالية،  وهو يسمى بالجدار الساتر.

     الجدار الساتر هو إطار عمراني لا يدعم المبنى، بل هو إطار يعلّق على طريقة الستائر في إطار حديدي. وهو على خلاف البناء التقليدي  الذي تشكل فيه الجدران عمادا للبناء بكامله.

     أي أن الجدار الساتر معلق على المعدن الذي خلف الزجاج.

      يتألف الإطار الفعلي الصلب من أعمدة حديدية هائلة، تشكل أساسا لنظام دعائم متكامل شيدت كبناء منتصب.

     عندما يوضع عمود طوله خمسة وتسعين قدم وقطرة ثمانية إنش تجد أنه أشبه بالمعكرونة وهو لا يثبت في موقع ثابت حتى يصل إلى أعلى البنية حيث تتشابك أعمدة الستانليس ستيل وتشكل معا نوعا من التوازن. أما هذه فتشكل نوعا من الثوابت للمنظومة برمتها. أي أن الجدار متفاعل والبنية الحديدية الأساسية تتماسك مع بنية الجدار الساتر، كما أنها تعتمد على نفسها في التماسك أيضا.

    تعتبر القضبان العمودية مرتكزات للمشروع، إذ يحمل كل منها خمسة أطنان من الزجاج، وذلك عبر ملازم متخصصة.

    تتألف الأعمدة من أجزاء طول كل منها خمسة أقدام، ترتبط بعقد الستانليس ستيل الكروية، التي تشكل تقاطع أساسي لجميع أجزاء الجدار الساتر.

      لجسور التوتر مهمات مختلفة، إذ يبلغ طولها ثلاثة كيلومترات وتتدلى أفقيا في منتصف الطوابق، وهي تتألف من الحديد المشدود والمنحني في وجهتين، وهي تكنولوجيا مستوحاة من سباقات أمريكية.

    هناك جدار قادر على مواجهة الرياح القادمة من الخارج لتشكل ضغط إيجابي، وجدار آخر يستطيع امتصاص الضغط السلبي الذي قد يحصل داخل الجدار الساتر. أما السبب الذي يجعلها معززة بقوة ثلاثة آلاف رطل، هو أنهم حين يأخذون بالاعتبار القدرة القصوى لمواجهة الريح، سيجدون أن القضيب الجانبي أصبح رخوا فالقضيب الآخر يتحمل ضغطه، ولن يضعف كليا حتى يبلغ ضعفا إلى حد الصفر.

    يواجه الجدار الساتر قوة الريح بصلابة كما هو الحال في شراع السباق.

    يعني ذلك أن الجدار حين يتلاعب إلى الأمام والخلف بفعل الريح لا يفعل ذلك بشكل مفاجئ..

    تشارك في تحمل مسئولية الجدار أجزاء صغيرة فيه تعرف باسم العناكب، التي يمسك الزجاج ألف وأربعمائة منها، ولكن ليس بثبات.

     قاموا مبدئيا بهندسة مزلاج ثابت، وهو قادر على التمدد والتقلص حسب الضرورة. ليمكن من حركة تصل إلى إنشين ونصف عندما يضغط الريح في الواجهة الغربية،  يمكن للواجهة الشمالية أن تنحرف، هذا المثبت بقوائمه العنكبوتية يسمح بالانحراف والتمدد اللازمين.

    صمم ما يبدو كعلبة ضعيفا لمواجهة أقسى الظروف المناخية.

     قبل ستة أشهر من انتهاء أعمال البناء أخضع المشروع لتجربة غير متوقعة.

    ضرب إعصار فلويد في أيلول من عام تسعة وتسعين قبيل افتتاح المعرض الكروي، جالبا معه أمطارا غزيرة ورياح عاصفة قاسية، ولم تعاني العلبة من أي تسرب.

   استغرق بناء مركز روز ست سنوات بكلفة تزيد عن مائتين وثلاثين مليون دولار، ليشكل مصدر اعتزاز لقارتين، قارة شيد فيها، وأخرى صنع فيها الزجاج.

     هناك ولد الزجاج لمركز روز، في رحم فرن إنجليزي، هو مولود عجيب من رمال عادية. تدفق الغاز الطبيعي في الآتون، بحرارة ألف وستمائة درجة، ليبدأ بذلك عملية مميزة.

للرمال بنية الأشياء الصلبة المنظمة. عند الذوبان تتحول جزيئاته إلى حالة السوائل، وعند تبريده سريعا  تبقى بنيته العشوائية معلقة لتعطينا مزايا فريدة.

 يتخذ الزجاج شكله النهائي في مئات المصانع على بركة ضحلة من الصفائح السائلة. عند تذويب مادة فوق أخرى يبرد الزجاج دون تعرضه للشوائب.

     عندما يصب الزجاج على سطح الصفيح، يسحب لوح  الزجاج من برك السائل عبر مجموعة من المزالج. بعد الخروج من هناك تمر الألواح عبر غرفة محكمة يخضع فيها إلى مجموعة من المتغيرات الهوائية، التي تبرد الزجاج بطريقة محددة.

     هذا ما يسمى بالزجاج الطافي، وهو يستغرق أقل من عشر دقائق للخروج من الآتون، إلى قاطع التونغستون المفحم، الذي يصل طوله إلى ألف متر.

     اليد البشرية لا تلامس الزجاج. يكتفي العمال بالمراقبة عن بعد.

     يعمل هذا المعمل منذ عام واحد وتسعين، ولن يتوقف حتى يستنفذ الآتون.

    يشغل المصنع ضمن حملات، تستغرق كل منها حوالي اثني عشر عاما، يبقى الآتون خلالها مشتعلا لينتج الزجاج على مدار الساعة وعلى مدار أيام السنة دون توقف. مع نهاية فترة الاثني عشر عاما يقام بتبريد الآتون وتدميره لاعادة بناءه مجددا.

     إنها عملية أوتوماتيكية رفيعة حتى النهاية. ينتج هذا المصنع مائتين وخمسة وعشرين ألف طن من الزجاج سنويا.

     والطلب على الزجاج يتنامى.

     هناك صف دائم من الشاحنات الفارغة الشبيهة بالأسطول. 

     تعلق شحنتها الهشة في الداخل.

     ليغادر  الزجاج الإنجليزي مصانعه متجها إلى مدن حول العالم.

     ولكن بناء بهذا الحجم يتطلب زجاجا أقوى بخمس مرات من الزجاج العادي. لهذا تتم معالجته بعد مغادرته الأسطول الزجاجي.

     لن يحدث شيئا إذا ارتطم أحدهم بالزجاج. وإذا قذفه أحدهم بالحجارة سيرد عليه دون أن يتأثر الزجاج، لأنه يتمتع بسطح بالغ القسوة.

      تكمن عملية المعالجة بتسخين الزجاج بحرارة عالية  جدا دون بلوغه حد الذوبان، ما يحدث هو أن مواده تتمدد، ثم يقومون بتبريده سريعا، هذا ما يؤدي إلى تكاثف السطح واشتداده، ما يعني انه زاد صلابة ويحتاج كسره إلى قوة أكبر.

    يكمن مبدأ معالجة الزجاج فيما يعرف بقطرة الأمير روبرت، حيث سقط الزجاج الذائب في الماء البارد. أدى ذلك إلى تصلب الجدار الخارجي بشكل مدهش، أما البرودة الداخلية الأبطأ فهي عرضة للضغط، لتنفجر مع اختراق الجدار الخارجي.

     يخضع زجاج الواجهات المعالج إلى تجارب قاسية. ذلك أن مقاييس القوة تنمو وتتضاعف. سيخضع هذا اللوح لقوة ضغط توازي رياح الأعاصير.

     يقومون بذلك من خلال هواء المراوح بضغط سلبي وآخر إيجابي، يعتمد فيها على نظام الصمامات يدفعها إلى غرفة شيدت من الحديد الصلب. اللوح في الجهة، ويمكن دفعه إلى الأمام أو شفطه إلى الخلف. وهذا تقاس حركة اللوح بالمقارنة مع الضغط.

    تقلد عملية الشفط عملية الضغط التي تمارسها الرياح على الأسطح.

    الجميع يشعر بذلك عندما يصفع باب المنزل فجأة. ينجم ذلك عن شفط الريح للهواء من داخل المنزل ليصفع الباب بقوة.

    هذا ما يعرف بالتجربة حتى التحطم. يتكسر الزجاج عند خضوعه لضغط رياح سرعتها مائتي كيلومتر في الساعة. وبما أنه معالج، فإن أجزاءه عديمة الأذى.

     المهندسون لا يعرفون الكلل، وهم بعد ذلك يسعون لمعرفة حدود تحمل الزجاج وقدرته.

     يستعملون مضخات هيدروليكية لتشكل ضغط بقوة مائة كيلو غرام.

    يوضح الزجاج على مفصل يخضع لوزن يوازي سيارات ثلاث. دون أن يتحطم.

     أضيفت صلابة الزجاج  إلى أسطورة الجدار الساتر في مركز روز. وهي تساهم في حماية آلاف الزوار الراغبين بالتعرف على تمدد عالمنا.

     ولكن هذا المكعب المدهش لا يشكل آخر انتصار  يتحقق في صناعة  الزجاج.

     تعتبر ميلواكي مدينة صناعية تطل على شاطئ متشيغن. وهي مشهورة بالبيرة وكرة المضرب، ولكن ملامحها بدأت تتغير عبر الزجاج، الذي يشكل عنصر أساسي في الإضافات الجديدة إلى متحف الفنون في ميلواكي.

     معرض كلف مائة وعشرون مليون دولار، صمم على يد سنتايغو كالترافا الشهير.

     نظرة واحدة على الرسوم أقنعت جيرالد كامينسكي بالعودة إلى عالم البناء. 

    ولكن الجودة التي شجعت البناءين، أخافتهم في آن معا.

    الانحناءات والميول في كل مكان. لا شيء فيه مستقيما.

    يميل انف المعرض نحو بحيرة ميتشغن بزاوية خمس وأربعين  درجة. وقد صنع من أكبر ألواح الزجاج ميولا في العالم.

     هذا عمل يستدعي مشاركة فريق مجرب، وزن بعض الألواح يفوق البيانو، وله نفس القيمة، كما انه لا يمنح فرصة أخرى. كانت أعمال التركيب معقدة، تستدعي استراتيجية جديدة.

    جميع ألواح الزجاج هناك فريدة. لا يوجد ألواح متشابهة في هذا المشروع نهائيا. أي أنه لا يوجد احتياطي آخر،  لتحطم لوح ما وإلا فعليك أن تطلب لوحا إضافيا لجميع ما لديهم من زجاج.

     عادة ما يستعمل أثناء التركيب أدوات شفط هائلة يعزز بها الرافعات أثناء التركيب، ولكن المشكلة هناك هي أن وضعية الزجاج على الجدران المائلة لا تمكن من الاعتماد على رافعات عادية كالتي تستعمل في الجدران المستقيمة. لهذا اضطروا لاستعمال مزيج من الرافعات وأنواع مختلفة من المصاعد التي يقف عليها سبعة من الرجال لتركيب اللوح الواحد على الجدار الشرقي من المشروع.

    فتح الزجاج المائل آفاق مناظر المياه أمام المبنى، ولكنه جعله عرضة لأشعة الشمس، كما تضاعفت هذه المشكلة عبر زجاج سقف المعرض.

     فكان هذا هو الحل.

     صنعت الشمسية من شفرات حديدية مجوفة توازي بأطوالها أجنحة الجمبو جت. وهي تنتصب في الهواء بأقل من خمس دقائق.

    ترتبط الأجنحة بعمودين محوريين ينتحب كل منهما على أحد جانبي المبنى، يرتبط بكل منهما ستة وثلاثين جناح.  وهناك أحد عشر اسطوانة هيدروليكية ترتبط بكل من العمودين لتمنح قوة الانفتاح ورفع الأجنحة من عشرة إلى تسعين درجة.

       تساعد الأجنحة على حماية المبنى من الشمس، مع أنها عرضة بحد ذاتها لعامل ضغط آخر، هو الريح.

     تقارب سرعة الريح الآن أربعة وعشرين ميلا في الساعة وهي السرعة القصوى التي تفتح فيها الأجنحة. وهي تتمتع بأجهزة أوتوماتيكية تساعد على إغلاق الأجنحة أوتوماتيكيا عندما تزيد سرعة الرياح. وهناك مجسات للبرق، تقفل الأجنحة أوتوماتيكيا في البرق.

     تمكن فريق البناء عبر الإرادة والتصميم من تحويل مشروع بناء حالم إلى واقع ملموس.

    إنه مشروع فريد من نوعه، لديهم أشخاص لم يعملوا في موقع بناء من قبل، كان هذا أول عمل لهم، ولم يتنبهوا إلى أبعاده الفعلية.

    أصبح سكان ميلواكي المليون ونصف المليون يتمتعون بروعة بناء على الشاطئ.

     يعتبر تشييد هذا البناء امتحانا لقدرات المعماريين المحليين.

     كما شكل تحديا لعقول المهندسين العاملين في أكبر مصنع للمَنَاوِرِ في العالم.

     أخذ الزجاج يصبح أكثر العناصر بروزا في البناء. ولكن مع تقدم الزجاج، أخذ شريكه المعدني يكافح لمواكبته.

     أقاموا في سوبر سكاي أطر لمناور دونالد ترومب، وملكة تايلند.

     ولكن أصعب أعمالهم كان في ميلواكي، حيث شيدوا مناور لملحق متحف الفنون.

    بدأوا أعمال التصميم سنة سبعة وتسعين تبع ذلك عاما ونصف العام من البداية والتوقف والتقدم خطوتين والتراجع خطوة، قبل أن يبدأوا في التوصل إلى أي شيء محدد. ما شكل بحد ذاته مصدر تردد وخوف.

    شكلت أطر نوافذ المعرض أحجية معدنية هائلة.

    هناك رسوم أعدت لمناور متحف ميلواكي للفنون. لديهم خمسمائة رسم هناك، جميعها ضرورية لتحديد مختلف الوحدات التي أعدت للمشروع.

    عمل في سوبر سكاي خمسة مهندسين لتسعة آلاف ساعة، أمضوا غالبيتها أمام الكمبيوتر.

    الهندسة بالغة التعقيد في جوانب توافقها مع مرافق البنى الأخرى،  كان عليهم تشييد تلك البنية وتركيب الألمنيوم والزجاج فيها، وقد تمكنوا من القيام بذلك عبر الكمبيوتر بأبعاد ثلاث.

    وكان على الموظفين في المصنع أن يخضعوا للتجارب جميع المواد اليدوية المعقدة.

    هناك نموذج عن القطع التي استعملت في متحف الفنون، وهي مصنوعة من الألمنيوم، ترى  كثير من عناصر التصنيع في مجرد قطعة واحدة، وهناك ألف وخمسمائة قطعة مختلفة الملامح في المتحف.

    أعد الكساء في الموقع من صفائح معدنية، هناك عشرون من العناصر الأخرى التي صنعت خصيصا من بينهما ما يعرف باسم بيغ ماما.

    تعتبر هذه العارضة من أكبر ما قاموا بتصنيعه في تاريخ سوبر سكاي، وقد صنعت في سويسرا لأن فيها الشركة الوحيدة القادرة على إنتاجها بالمقاييس المطلوبة لهذا المشروع تحديدا. يزن كل قدم منها خمسة وعشرين رطل.

    القص عملية هندسية بحد ذاتها.

    القص بخط مستقيم مسألة في غاية البساطة، ولكن حين يتم القص من زاويتين يزيد الأمر تعقيدا. هناك قطع مائلة وانحناءات هالة تجعل قصها في غاية الصعوبة.

    يقوم التقنيون بالتأكد من صلاحية هذه القطع  عبر جمعها مسبقا في المصنع، ما يشكل مقياسا حقيقيا  لخبراتهم.

    يبدو أن مهندسي اليوم يدفعون الأغلفة إلى حدودها القصوى، وهذا ما يثير الاعجاب لأنها تشكل قلاعا لهم، لهذا يسرهم جدا أن يزدادوا تمسكا بها.

    صناعة زجاج النوافذ فن آخر يعود إلى أكثر من ألفي عام.

     صنعت الطبيعة  أول زجاج عبر البراكين.

     تعلم صانعو الزجاج إعداده في الآتون، ومنحوه شكلا في أنابيب النفخ. فكانت وصفة قديمة.

    يتألف ثلاثة أرباع الزجاج القديم من السيليكا وهي عبارة عن رمال. وجد صانعو الزجاج الأوائل صعوبة كبيرة بالتعامل مع الرمال، فهو يذوب على حرارة مرتفعة جدا، ولكنهم سرعان ما عثروا على مادة تضاف إلى الرمال لخفض حرارة ذوبانه، وكان ذلك رائعا إلى أن المادة الناجمة عن ذلك لم تكن مستقرة، ما جعلهم بحاجة إلى عنصر ثالث لاستقرار الزجاج، وهذا أصبح المزيج من رمال مع الفلز القلوي والفلز الكلسي لاستقراره.

    تعلم الرومان قبل ألفي عام طريقة في تحويل فقاعة إلى نافذة.

    ساهم اكتشاف نافخي الزجاج في التوصل إلى الصحون والأواني، وذلك عبر توسيع فتحة الفقاعة، وعند تدويرها أمام فوهة الفرن، بتعريضها لحرارة عالية، يتولى الطرد المركزي توسيع وتسطح الزجاج  نيابة عن الصانع.

     حتى ينتهي الأمر بصحن زجاجي مستدير، ليتم قطعه بالشكل الذي تريد.

     بقيت بعض  النوافذ  حتى اليوم، لتتحدث الكتلة الوسطى عن ارتباطها بأنابيب النفخ الزجاجي.

     شكل الزجاج عامل إثارة في إنجلترا الفكتورية  عبر بناء القصر الزجاجي، الذي شيد لأول معرض عالمي من الأطر الحديدية وأكثر من ثلاثمائة ألف لوح زجاجي. أثار القصر الزجاجي رغبة العالم أجمع بالنوافذ.

     احتلت صناعة الزجاج المرتبة الأولى في أمريكا الشمالية. ومع حلول القرن العشرين أعدت آلات تصنع فقاعات هائلة قصيرة الأمد، كانت تقطع ويعاد تسخينها وتسطيحها.

     وكانت ألواح النوافذ الكبرى تُصب.

     أخضع كل لوح للتلميع بمفرده، ليتم قلبه عبر آلة تسمى ذراع الحديد، ويخضع الوجه الآخر لعملية مشابهة. كان كل طن من الزجاج المنجز يخلف طنا من النفايات.

     وفي أحد الأيام قبل خمسين عاما توصل أليستير بيلكينتون إلى فكرة ثورية.

     تقول القصة أن السير ألستير بيلكينتون في نهاية الخمسينات توصل إلى فكرة أثناء جلي الأواني في المنزل، حين تنبه إلى أن الدهون تطفو على سطح الماء، فتوصل إلى فكرة وضع الزجاج الذائب ليطفو على معدن سائل، وهو ما يعرف لاحقا بالصفيح الذائب. توصل عبر صب الزجاج الذائب على سطح المعدن السائل إلى ألواح زجاجية مسطحة لا تحتاج إلى أي معالجة تذكر قبل بيعها.

    أصبح الزجاج رخيصا وسريعا فأخذ يلبي احتياجات النوافذ في ناطحات السحاب.

     لم يكن البناء قوة الدفع الوحيدة خلف أبحاث الزجاج، فقط طُور الزجاج المصفح لنوافذ السيارات التي أصبحت في الطليعة.

     ساهمت الحاجة لحماية الركاب في اختراع ما يعرف بالزجاج المعالج.

    يتألف الزجاج المقوى بشكله البدائي من لوحي زجاج تفصل بينهما رقاقة من البلاستيك المصنوع من البي في بي بشكل أساسي. أي أنه توضع الرقاقة بين لوحي الزجاج وتضغطهما ثم تخضه البنية للتسخين، ليصبح  لوح من الزجاج المقوى.

    عمل المهندسون بعدها على جعل الزجاج مقاوما للهب. وتوصلوا في الثمانينات إلى لوح مركب ومشو بعنصر كيميائي.

     عمل المهندسون في بلكينتون على تطوير هذا الزجاج حتى أصبح قادرا على تحمل ألف ومائة درجة حرارية طوال ساعتين،ويحافظ على برودة تسمح بلمسه.

    تتألف الطبقات الوسيطة من سيليكا الصوديوم، وهي مادة تحتوي على نسبة محددة من المياه. عند تعرض اللوح لحرارة اللهب يشكل هذا المزيج من المواد نوعا من السيراميك الداكن الذي يمنع النار من اختراقه، كما يحدث عادة في الزجاج العادي. يمكن أن نراكم ذلك عبر تسليح الزجاج بطبقات أخرى تحتمل الحرارة لفترة أطول.

     يساهم الإنجليز اليوم بحمل الزجاج إلى ما هو أبعد من أحلام طلائعهم.

     تشهد لندن اليوم الإعداد لصناعة بعض من أكثر أنواع الزجاج تقدما،وذلك على مقربة من هايد بارك، الموقع الأساسي لقصر الزجاج الذي احترق عام خمسة وثلاثين.

     ما زالت إحدى المشاكل التي واجهت بنائي عصر فكتوريا تؤرق البناءين المعاصرين.

    صمم هذا شخص اسمه باكستون ما كان يعمل إلا حدائقي. يحتفل التاريخ بإنجازات هذا المبنى ونجاحه، ولكن الجميع ينسى أنه كان حارا في الداخل.

     شكلت حرارة الشمس تحديا كبيرا في تصميم السقف الزجاجي الجديد للمتحف البريطاني. أضاف البناء هناك طلاء من السيراميك يمتص ستين بالمائة من الضوء.

     شيد مبنى القناة الرابعة في لندن عبر شاشات تحمي نوافذ الطابق الأرضي.

     ولكن مصمم المشروع المعروف بلقب شارع وود ثمانية وثمانين، كان أكثر إبداعا. فقد أصر على بناء أكثر المباني المكتبية شفافية في العالم.

    يهدف استعمال الزجاج إلى جلب أكبر قدر ممكن من ضوء النهار،  ومنح الساكن إطلالة على الخارج. ليتمكن أثناء تنقله بين الطوابق من مشاهدة قلب مدينة لندن. كما يساعد الزجاج في التخلي عن أسطورية التكنولوجيا في إنشاء العمارة وبنائها وطريقة عمل المصعد.

     لم يصبغ أي من ألواح الزجاج. ينظر العمال من خلال أكبر الألواح الزجاجية المضاعفة على الإطلاق. وهي تحافظ على برودتها عبر تكنولوجيا ما بين الألواح.

     يتم امتصاص الهواء عبر هذه الثغرة القابلة للفتح. ترى الحاجز هناك. يسحب الهواء عبر الواجهة، للتخلص من الحرارة التي تجمعها الستائر في الصيف وتمريرها عبر أنابيب تسحبها نحو السقف من خلال تمديدات التكييف.

      تخفف حرارة الشمس  أيضا من خلال توجيه الستائر، فهي ترتبط بمجسات ضوئية على السطح تعدل ميولها أوتوماتيكيا بما يتناسب مع الضوء. 

     تعتبر هذه من أولى الواجهات الفاعلة في العالم، وهي إنجاز جديد في البناء الزجاجي.

     ولكن هناك من بدأ يتخطى إبداعات شارع وود ثمانية وثمانين.

     هناك ما يعرف بالزجاج الذكي، الذي يعتم كهربائيا، والتي يمكن لها ان تكون اشد ذكاء.

     هذا زجاج الإلكتروكروم، وهو يعمل عبر طلاء الزجاج بما يزيده عتمة أو شفافية حسب دفع التيار الإلكتروني إلى داخله أو سحبها ليتغير من داكن إلى شفاف.

     إنها خطوة إلى الأمام نحو زجاج متفاعل يعتبر زجاج ذكي يمكن ربطه بمجسات خارجية تجعله يتحكم بنفسه.

    ولكن أكثر اختراعات الزجاج الحديثة لفتا للأنظار ترتبط بطاقة من نوع آخر. هي الطاقة البشرية.  يشمل تنظيف النوافذ بعض الخطورة منذ الأزل، وهي تزيد كلفة حين تكون المباني بعلو شاهق.

     يعمل فريق من العمال طوال أسبوعين سنويا للحفاظ على بريق مركز روز. كما يكلف تنظيف الزجاج في متحف ميلواكي للفنون ثمانية وخمسين ألف دولار سنويا من الداخل فقط. أما شارع وود ثمانية وثمانين، بأبراجها الثلاثية اللامعة، فيكلف تنظيفها سنويا مائة وستة وسبعون ألف دولار.

    أطلق الآن زجاجا يعرف باسم بيلكينتون الفاعل، وهو أول نوع من زجاج التنظيف الذاتي في الأسواق. له مزايا جميع الألواح العادية ولكنه يمتاز بسطح متفاعل ينجم عن مادة تضاف إلى الزجاج وتعرف باسم تيتانيا، أو ثاني أكسيد التيتانيوم،  ما يمنح الزجاج ميزة تجعله حين تلامس المياه سطحه تكشطه وتأخذ الأوساخ معها وكـأنها تمسح الزجاج. كما انه يتفاعل مع الضوء، ما يعني أن أشعة الشمس تعزز من تفاعل سطح الزجاج بما يؤدي إلى تلف المواد العضوية على سطح التيتانيا وتتحول إلى ماء وثاني أكسيد الكربون، أي أن المواد العضوية تمسح  عن الزجاج من خلال أشعة الشمس.

    يعد الزجاج في المستقبل بأن يكون أنظف وأسلم وأكثر ذكاء، ليعزز طموحات أجيال جديدة من البناءين.

        سيتم بناء مشاريع أخرى مشابهة وهناك مباني وتصاميم بهذا الحجم أو أكبر في الولايات المتحدة وخارجها. لا أحد يريد تكرار ما هو موجود بل يسعى الجميع إلى ما هو أكبر.

    يمكن أن توضع انحناءات وزوايا وانحرافات لم يتوقع أحد حصولها من قبل، وعندما يتم ذلك يبنى في الداخل لتشعر بأنك في الخارج.

    قد لا يتمتع الزجاج بصلابة الحديد، إلا أنه تحول من مواد ضعيفة هشة إلى حليف صلب متماسك يعزز الطموح للشروع في بناء عالم أكثر شفافية.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster