|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
طريق إغناتيا أودوس
وهم يشيدون اليوم
طريق إغناتيا أودوس الدولي، الذي يبدو مشروعا مستقيما إلا أن الخوض في عدد من
الجبال، وجيولوجيا حساسة وعدد من المواقع الأثرية، يبدو بسيطا إلى مشروع عملاق.
عندما نفكر
باليونان تتبادر إلى الذهن صورا تذكارية عن الجنوب وأثينا واليونان المألوفة.
تتعرج الطريق من
كيبي على الحدود التركية عبر الطرق التجارية القديمة عبر ثيسالونيكي وعلى طول جبال
بيندوس نحو أومينيتسا على الشاطئ الغربي وصولا إلى إغناتيا أودويس.
كانت إغناتيا
حلما للشعب اليوناني خصوصا في الشمال لأكثر من ستين عاما، ذلك أنها تربط المناطق
بعضها ببعض. تشكل إغناتيا جزءا من شبكة الطرقات الأوروبية التي هي قاعدة أساسية
للبنية الأوروبية.
سعت الحكومة
اليونانية إلى تحقيق هذا الحلم عبر تأسيس شركة خاصة أطلقت عليها لقب إغناتيا
أودوس،وقد كلفت هاليبرتون براون&روت بإدارة هذه العملية الهائلة بعقودها المائة
وعمالها السبعة آلاف وكلفتها التي بلغت ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار، لتبدو
مروعة.
رغم سير
أعمال المشروع ككل على ما يرام أحيانا ما كان يظهر الكثير من العوائق والصعاب
المضنية التي توحي بحالة من الفوضى ولكنها كانت تعالج في نهاية المطاف.
بدأت الأعمال
سنة خمسة وتسعين، ورغم الصعاب تابع سير الأعمال قدما.
أما في البداية
فكان القرار الأهم يكمن في تحديد موقع الطريق.
تكمن المسألة
الأهم في تحديد الخط الرئيسي أو بالأحرى تحديد وسط الطريق أفقيا وعموديا خصوصا في
مناطق ريفية حيث تكثر فيها التلال وتتعدد الملامح الطبيعية.
عادة ما يكمن
المبدأ المثالي هناك في بناء أقصر الطرق بين موقعين بخط مستقيم تقليدي، والحفاظ في
الوقت نفسه على ميول لا يتعدى الخمسة بالمائة. ليبدو الأمر شديد البساطة.
تشييد إغناتيا
من الناحية التقنية في غاية البساطة إذ استعانوا بخطط تقليدية ومعدات اعتيادية
انطلاقا من تصميم مألوف. أما التحديات التكنولوجية فتنجم عن طبيعة ملامح الأرض
الخارجية والجيولوجية، فلديهم صخور شبيهة بالتراب وتراب شبيه بالصخور.
أصبحت هذه تحديات
عملاقة عند بلوغ الجبال. فإذا تعثر الالتفاف حولها أو تسلقها لا يبقى أمامك إلا
اختراقها. وقد تضمنت إغناتيا تسعون كيلومترا من الأنفاق، ومهما تعزز العمل بإعداد
وتحضير مسبقين يحدث ما لم يكن بالحسبان.
غالبا ما لا
يعرف قبل حفر النفق ما سيواجهم بالتفصيل. لهذا تعترضهم المفاجآت على الطريق، كان من
بينها مفاجأة انهيار في التربة نجم عن عمليات حفر نفق تجري على عمق ثمانين مترا تحت
الأرض. نجم هذا عن اضطرابات في بنية الأخاديد. تعتبر هذه البنية ملامح جيولوجية
تشكلت قبل آلاف السنين في الصخور الكلسية نتيجة تحلل مواد الصخور الكلسية عبر تسرب
المياه من خلالها. عندما يحفر تحتها ينتزع بذلك دعائم تلك الأخاديد التي يؤدي نزعها
إلى انهيار ما تحمله نحو النفق، فتكون هذه هي النتيجة.
توقفت أعمال
الحفر في نفق دودوني حتى أزيل الحطام. من حسن الحظ أن أحدا لم يصب بأذى. عمل
المهندسون بعد ذلك على تجنب مزيد من الانهيارات باتباع تقنية الحفر المسباري. عند
اكتشاف المواد الناعمة يثبت مزيد من الدعائم التي تتألف من قضبان حديدية قطرها
مائتي ميلمتر يزج بها في تاج النفق، بعملية تعتبر بالغة الأهمية لاستقرار الحفريات.
إن الأنفاق ليست
عملا روتينيا عليهم فيه قياس كل شيء وكأنهم على تواصل عملي بالصخور.
عند اكتمال
النفق يصبح طوله ثلاثة كيلومترات ونصف. وبما أن إغناتيا تسير باتجاهين يصبح طول
النفق سبعة كيلومترات. تعتمد أعمال الحفر على تقنية تلقب بالوجه الكامل، وهي تعني
أن يشمل العمل وجه النفق بكامله مع استمرار الحفر. والطريقة الأسرع في التقدم هي
التفجير.
بعد إخراج المواد
المقتلعة تكشط الجدران إزالة جميع الصخور الضعيفة عبر شاحنات تتسع خمسة أطنان
للإسراع في إخراج النفايات. يتم الاعتماد على صب الإسمنت المعزز بمعدل خمسة وعشرين
طنا في الساعة وذلك لمزيد من استقرار الجدران، الذي يزداد تماسكا عبر جسور حديدية
مطعمة بالصخور المحشوة في الجدران، ثم تغلق التصدعات في عملية تكتمل الدائرة من
خلالها. أما صخور نفق أنتاهوري فتشكل تهديدا من نوع آخر. يعتمد المهندسين هناك على
مزيج من المواد التي قد تتغير كل بضعة أمتار.
لهذه المواد
نقاط ضعف بارزة من وجهة عمل الأنفاق. ترى أن النماذج تتحطم حيث نقاط الضعف، أي أنهم
أثناء حفر هذه المواد تأخذ بالتحطم عبر الطبقات الضعيفة.
بما أن
الجيولوجيا متقلبة جدا قرر البناءون خفض مخاطر الحفر باتباع الأساليب التقليدية في
حفر الأنفاق والتي تعتمد على جرّار الحفر.
تكمن فوائد
الاعتماد على جرار الحفر في استعمال أداة مختلفة، بالمقارنة مع حفر وجه النفق
بكامله، حيث تستعمل حفارة أكبر، ثانيا والأهم هو أن عماد الحفر الأساسي يكمن
باستقرار سطح النفق بحد ذاته، ذلك أن غالبية الانهيارات في الأنفاق نجمت عن عدم
استقرار الأسطح. لهذا فإن الانطلاق من مساحة صغيرة تقسم الاتساع إلى جزئين تضمن
مزيدا من الاستقرار أثناء حفر النفق. أسوأ ما قد يحصل هو انهيار التاج الذي يتجسد
بسقوط مجموعة من الصخور على العاملين في النفق، أو انهيار الوجه بكامله نحو النفق.
حين يتعلق
الأمر بالحماية الذاتية يلجأ كثير من العمال إلى الحماية الإلهية.
رغم تمتع حفر
الأنفاق باجرءات السلامة اللازمة إلا أن العمال يستمرون في الاعتماد على الحماية
الإلهية التي يعتبرون هناك أنها تمنح من القديسة بربرا راعية عمال الأنفاق.
إلى جانب
اعتماد عمال الأنفاق على القديسة بربرا، فهي تعتبر هناك ملاذا للمهندسين أيضا ورجال
الإطفاء وخبراء الرياضيات والسجناء.
تعتد طريق إغناتيا
بمائة وستة وتسعين جسرا يصل طولها إلى أربعين كيلومترا. سيبلغ جسر روتاناسي خمسمائة
متر معلقة تصل بين نفقين. ولكن قبل البدء في بناء الجسر تم حفر مواقع الأساس التي
بلغ عمق كل منها خمسة وثلاثين مترا، أي ما يوازي مبنى بثماني طبقات تحت الأرض.
أساسات الجسر
العميقة بالغة التعقيد لأنها صعبة البناء، فلا بد أثناء عمليات الحفر الحفاظ على
عدم إثارة الاضطرابات في الصخور المحيطة بكتل تلك الأساسات. أي أنه لا يكفي إحضار
الآليات وفتح ثغرة في الصخر، لا بد من عدم إثارة التصدعات في الصخور والحفاظ عليها
عبر حلقات الحديد والمسامير وغيرها، فهذا ليس بناء عاديا.
أصبح جسر
ماسوفوني شبه مكتمل، أما التكنولوجيا الكامنة وراء هذا التصميم فهي على مستوى من
البساطة المدهشة.
يعتمد أسلوب
هذا البناء على استخدام التوازن والضغط، أو بالأحرى ما بعد الضغط. بنى الإسمنت
العمودية هي دعائم الجسر التي أقيم عليها أسمك جزء من الجسر. وهكذا يتم تدريجيا
ويوما بعد يوم من خلال المكعبات التي تمثل جزءا من الجسر، يبنى جزءا على جانب من
الجسر وجزء آخر على الجانب الآخر منه، وهكذا بين جهة وأخرى وجزء بعد آخر حتى يكتمل
الجسر وتكتمل البنية بكاملها في نقطة الوسط الثابتة التي تتماسك فيها جميع الأجزاء
باستخدام نظام الأسلاك الضاغطة.
يعتمد أسلوب
الأسلاك الضاغطة على استعمال الأسافين الإقفال وكتل المراسي بأخاديد رفيعة.
عند وضع الأسافين
مكانها وسحب الأسلاك بمضخات السوائل تتولى المضخات الملحقة بالنظام دفع الأسافين
إلى ثقوبها. عند بلوغ المستوى المطلوب تحرر من الضغط ليلعب الاحتكاك دوره في الحفاظ
على الضغط بالمستوى اللازم. عند فرض الضغط على كل من جانبي البنية تصبح مرنة لتتحرك
في جميع الاتجاهات، وإذا ألغي ضغط الطرفين، هذا ما سيحدث.
بما أنهم يصبون
الإسمنت في كل من الأجزاء، لا يعد هناك حاجة للرافعات والمضخات الهائلة، ما يوفر
كثيرا من الوقت والمال. من فوائد هذا التصميم الأخرى قدرته على التوسع مسافات تصل
إلى ثلاثمائة متر.
تغطي إغناتيا في
مناطق الشرق على طريق قديم أسفلها. هذا ما يعرف بفيا أغناتيا التي شيدها الرومان في
القرن الثاني قبل الميلاد والتي كانت امتدادا لفيا آبيا التي شيدت أصلا لتكون طريقا
عسكريا واستعمل فيما بعد لنقل البضائع والمسافرين.
كانت هذه الطريق
تؤدي إلى عدة مناطق هامة من بينها مدينة فيليباي المقدونية. شهد هذا الموقع معركة
طاحنة بين جيشين تابعين لروما، تمكن فيها مؤيدي سياسة جوليوس قيصر وأوكتافيان
وأنطوني، من التغلب على الجمهوريين بروتوس وكاسيوس. حدث ذلك عام أربعة وعشرين قبل
الميلاد. تحول أوكتافيان بعد ذلك إلى إمبراطور، وضعا بذلك حدا لجمهورية روما. بعد
أقل من مائة عام عبر هذا الطريق شخصا آخر.
رأى القديس بولص
حلما في الليل شاهد فيه رجل مقدوني يناديه قائلا تعال إلى مقدونيا لمساعدتنا. بعد
هذه الرؤيا أعد مباشرة للسفر إلى مقدونيا مدركا أن الله يدعوه لتعليمهم الكتاب
المقدس.
جاء القديس بولص
إلى فليباي مستلهما بالحلم ليقوم هناك بتعميد أول أوروبي مسيحي. مر الكثير من
الحجاج عبر العصور من فليباي تاركين أثرهم.
آثار العربات على
الصخور تؤكد أن حركة وسائل النقل الثقيلة هناك ليست جديدة.
هناك جسر آخر على
طريق إغناتيا السريع، وهو يختلف عن سابقه المتوازن إذ يعتمد على تصميم عمادات مسبقة
البناء. رغم أن طولها لا يتعدى أربعين مترا، إلى أنها تناسب الوديان الساحقة.
أثناء استمرار
الحفريات انزلقت إحدى التلال التي يعملون على تثبيت بعض المواد عليها وأصبح الوضع
خطيرا لاستمرار العمل أسفل المنحدر، ما دفعهم إلى قضم أجزاء من التل بدءا من أعلى
وتثبيت مرتكزات على صخور آمنة، يصل ارتفاع بعض المرتكزات إلى خمسين مترا، وبناء
دعائم إسمنتية فوق المرتكزات، أي أن كل من الدعامات هناك معززة بثلاث مرتكزات على
صخور التل.
استغرق التعامل
مع التل فترة تأخير من تسعة أشهر، ولكن يبدو أن المهندسين يستمتعون بهذه التحديات.
التعامل مع
التضاريس الجغرافية يسبب العديد من المشاكل. ولا يكتف المهندسون بالتعامل مع
البنية الجيولوجية فهم يجدون أن الأرض بحد ذاتها في تحرك دائم.
يشكل بناء طريق
إغناتيا السريع عبر الجبال تحديات هائلة يزيدها تعقيدا أن هذه الجبال تتحرك بكل ما
في الكلمة من معنى.
في المناطق
الجبلية من شمال غربي اليونان حيث تعبر إغناتيا، تجد جبالا ما زالت قيد التنامي، أي
أنها جبال تنمو بمعدل سنتمتر واحد أو اثنان سنويا. نذكر هنا أن جبال هملايا ما زالت
تنمو حتى أن قمة إفريست أصبحت اليوم أعلى مما كانت عليه حين تسلقها هيلاري وتينسينغ
عام ثلاثة وخمسين.
لا أحد يود
سماع شيء عن الانحدار الكلسي أثناء البناء، ولكن الانحدار الكلسي قد لا يكون بديهيا
كما نعتقد.
المفهوم السائد
عن الانحدار الكلسي هو أنها تسبب كوارث مفاجئة وسريعة دون إنذار مسبق. أحيانا ما
يحدث ذلك فعلا ولكنها غالبا ما تنجم عن الزلازل أو ظروف مناخية فريدة.
ولكن الصخور
الكلسية الموجودة في إغناتيا أقل مأساوية فهي تحدث بسرعة أقل، وتنجم عن العمليات
الجيولوجية التي هي بطيئة بحد ذاتها.
يوجد هناك منحدر
كلسي هائل يصل إلى سبعمائة متر عرض، يبدو أن الوضع هناك مستقر لأنه يتحرك بوضوح نحو
أسفل التل، أضف إلى ذلك تراكم الرواسب في السهل الذي يليه.
أول ما يفكرون به
عند مواجهة منحدر هو تحييد مسار الطريق لتجنب المشكلة بكاملها.
أما الخيار الثاني
فيكمن في محاولة تثبيت المنحدر، ويعتقد أن هذا كبير جدا أي أنه عالي التكلفة. لهذا
عليهم التقليل من تحريك التربة قدر الإمكان، وخفض الجسور وقطع الصخور.
وسط هذه الظروف
من عدم الاستقرار هناك لا بد من قياس الحركة قبل البناء وخلاله وبعد إنجازه.
يستطيع جهاز جي بي
إس تحديد المتغيرات الأرضية بقياس المسافة بين نقطتين ثابتتين. يوفق هذا الجهاز بين
الأساليب التقليدية لقياس الزوايا وموجات الليزر والأشعة لقياس المسافات، وهو على
مستوى من الدقة تصل إلى مليمتر واحد في الكيلومتر. هناك جهاز آخر يتولى قياس حركة
الأرض يسمى بقياس المنحدر. تفتح ثغرة عرضها عشرة سنتيمترات في الأرض ليصل عمقها في
هذه الحالة سبعة وعشرين مترا.
تصب في
الثقب المرن طبقة غلاف من البلاستيك، ما يمكن الغلاف من التحرك مع التربة.
إنها أداة بالغة
الدقة وهي قادرة على قياس الانحناء في الموقع، فهو بهذه الحالة مثلا قادر على قياس
المسافة التي تميزه عن الخط العمودي، تسجل الأرقام بعد كل متر يحفر وذلك على عمق
الثقب بكامله.
يقومون بطرح
المعلومات التي أخذت اليوم من الأرقام الأولية قبل عام لمعرفة عبر الفارق مدى تحرك
الأرض.
تعتبر حركة
الأرض مسألة هامة من الناحية العملية في مرحلة تصميم البناء. عند اقتطاع جزء من
الصخر لا بد من إعادة البقية إلى مكانها، ما يستدعي بناء جدار واق، ما تطلب في
إغونيتسا، حيث انطلاق الطريق السريع رفع جدار بلغت مساحته عشرين ألف متر مربع.
ولكن بدل صب جدار من الإسمنت المسلح اعتمد المصممون على الألواح والتربة المعززة.
جدران سماكتها
مائة وخمسون مليمترا، أما جدران الإسمنت المسلح فمن المحتمل أن تبلغ سماكة قاعدتها
متران، تعتبر المرونة من الفوائد الهامة للتربة المعززة، فهي قادرة على تحمل الكثير
من الحركة دون التسبب بأضرار بنيوية كالتي قد تحدث في الزلازل مثلا.
تتماسك الألواح
عبر أضلاع من التقوية المثبتة في الردم المعزز. يتعرض ضغط التربة على ظهر الألواح
لمقاومة عبر توتر التقوية. يؤدي هذا التوتر الناجم عن الاحتكاك بين التربة والتقوية
إلى منع اندفاع الألواح إلى الأمام، ما يجعل تقوية التربة بالغ الفعالية.
هناك تحديات
أخرى تحت الأرض تواجه مهندسي إغناتيا، ولكن هذه لم تتحرك منذ آلاف السنين.
من المفارقة أن
يعود الماضي لإعاقة التقدم في بلد يسعى لبناء مستقبل أفضل. تتوقف جميع الأعمال هناك
عند العثور على موقع أثري.
يمكن لهذا أن
يعطل أعمالهم لبضع سنوات في بعض الأماكن. تجري حفريات كبرى بدأت عام تسعة وتسعين،
وهم على وشك الانتهاء عام ألفين وواحد.
اكتشاف المواقع
الأثرية في اليونان لا يفاجئ أحدا، حتى أن جميع العقود تشمل تعويضات على التأخير،
وهناك إجراءات محددة لا بد من اتخاذها إذا توفرت احتمالات في العثور على شيء ما.
كشف رفع التربة
عن موقع سومالا عن ثروة المعارف المتوفرة هناك.
وجدت بعض
المباني الخاصة بالمواشي، تعود للقرنين السابع والثامن وقد استمرت حتى القرن الرابع
قبل الميلاد. كما عثر على هياكل للسكان الذين أقاموا هناك. يمكن عبر تحليل الأثريات
معرفة الكثير عنهم وعن طعامهم وأمراضهم وأعمارهم وتقاليد دفنهم.
عاد الماضي في
منطقة ديدوني ليتنازع مجددا مع الحاضر. يعتبر مسرح ديدوني من أكبر المسارح وأكثرها
صونا في اليونان. شيد أصلا في القرن الثالث قبل الميلاد ثم حوله الرومان إلى ساحة
مباريات بين المصارعين. أما اليوم فقد عاد إلى استعماله الأصلي، إذ يحتشد الزوار من
مختلف أرجاء العالم لمشاهدة الأعمال المسرحية صيفا.
كان من الضروري
ألا يسمح لضجيج الطريق بالتأثير على الأجواء هناك، وألا يسمح لأضواء السيارات بأن
تسيء إلى العروض المسرحية. صمم المسرح بطريقة إذا وقفت في وسطه يمكن سماع الإبرة
إذا سقطت في أبعد مكان، لهذا يعتبر رجع الصدى هناك بالغ الدقة.
يمكن رؤية الخط
الأساسي من موقع المسرح إذ كان فوق التلال ما جعلهم يبدلون الموقع إلى ما وراء التل
الذي اخترق لاحقا بالنفق، مع أن بناء النفق أعلى كلفة من بناء الطريق العام على سطح
الأرض.
وهكذا أصبح
الطريق السريع غير مرئي وغير مسموع من أي موقع في المسرح، فحلت المشكلة رغم
كلفتها العالية.
يدركون تماما
أن الآثار في اليونان بالغة الأهمية، رغم أنها تثير الإحباط لدى إدارة المشروع
ولكنها تساهم في التعرف على تاريخ البلد ما يجعل المكسب على قدر الخسارة.
تم في
ليفكوبيترا اكتشاف موقع أثري آخر يعود إلى العصر البرونزي، وقد تبين أنه في وسط
الطريق المحدد، ما يعني أن أعمال البناء يمكن أن تستمر بعد الانتهاء من عمليات
التنقيب. إلا أن اكتشاف موقع آخر فوق تل مخصص للحفر سيعني مزيد من التأخير، فتوصل
المهندسون إلى حل إبداعي.
خط الطريق حيث
ترى موقع النفق، كان يفترض أن يفتح في الجبل، ولكن أهمية الموقع الأثري دفعهم لفتح
نفق تحت التل لترك الموقع الأثري على حاله.
ساهم حفر النفق
في عدم تأخير أعمال البناء، كما ساهم أيضا في جعل عمليات التنقيب الأثري تتم
بارتياح لجميع الأطراف.
لولا مشروع
إغناتيا لما عثر على الموقع الأثري، إنه معبد هام من العصر الروماني، وقد خصص
لأوتوتون أم الآلهة، لهذا يعتبر الموقع الأثري بالغ الأهمية.
يجمع الأثريون
على أنه لولا الطريق السريع لما تمت هذه الاكتشافات.
تلبي إغناتيا
حاجة المجتمعات العصرية في اليونان التي تجد فيها الآثار حيثما ذهبت. وقد ساهم وصول
الطريق السريع إلى الجبال في إعادة أجدادهم إلى السطح. إلا أن هؤلاء القدماء
سيطاردون الطريق الجديد، هناك تقاليد في اليونان وأجزاء أخرى من العالم تدعو
للتضحية بأحد لنجاح أي مشروع بناء جديد. أرواح القدماء هناك ستطارد هذا الطريق
الدولي.
توجد مسألة
مؤكدة هناك سواء تعرض الطريق لمطاردة الأموات أم لا وهي أن قيادة السيارات في
اليونان تعرض حياة الناس للخطر.
من الأسباب
الكامنة وراء بناء طريق إغناتيا أن تحل محل الطرقات القديمة هناك. تصل نسبة
الانحدار على الطريق الجديد خمسة بالمائة، أما الطرقات القديمة فيصل انحدارها إلى
اثني عشر بالمائة ما يشكل خطورة فعلية على الأرض.
الطرقات
القديمة هناك تشبه أفلام السبعة القديمة، يقود المرء سيارتها وينظر إلى أسفل
الطريق ليعتقد أنه سيحلق في الوادي وكأنه في طائرة.
عند كل منعطف
على الطريق هناك ما يذكر فعلا بأنه مكان خطير.
تؤكد الأضرحة أن
هذه المواقع شهدت حوادث في الماضي، إما أنها حوادث نجى منها البعض، أو لم ينج منها
أحد فجاء الأقارب لوضع ضريح إحياء لذكراهم. الذين ينجون من الحوادث يأتون لوضع
الأضرحة هناك كوسيلة لحمد الله على سلامتهم. هناك بعض المنعطفات الصعبة والخطيرة
من بينها منعطف الأضرحة الخمس.
رغم استمرار
أعمال البناء إلا أن أجزاء من الطريق قد اكتمل وبدأ العمل فيه. المؤسف أن أول ضريح
شيد إلى جانبه بعد أيام فقط من بدء العمل.
من المعروف أن
طريق إغناتيا أودوس آمن جدا، بل هو أكثر أمان بسبع مرات من شوارع المدن، ولكن
الواقع المؤسف هو أن الحوادث لا تتوقف، خصوصا نتيجة السرعة، كما حدث هناك حين جاء
شخص مسرعا ولم يخفف السرعة على المنعطف ليفقد السيطرة على السيارة ما أدى إلى موته.
تؤكد الإحصاءات
أن اليونانيين هم أسوأ سائقي الاتحاد الأوروبي. شهد عام تسعة وتسعين اثنين وعشرين
ألف حادث سير أدى إلى إصابة ثلاثين ألف شخص ومقتل ألفين.
لكل بلد
مقاييسه في القيادة والأعمال التي يفترض أن يقوم بها بشكل أفضل واليونان لا تشذ عن
القاعدة. المشكلة التي تعانيه في اليونان هي السرعة وقلة احترام الخط الأبيض
المتواصل.
يلجأ السائقون
إلى خط الطوارئ لأن غالبية الطرقات بخطين، هذه الطريقة الوحيدة لتمكين العربات
المسرعة من التجاوز. مع أن تجاوز الشاحنات في المناطق المزدحمة خصوصا من شبه
المستحيل أو الانتحاري. يمكن للإحباط أن يؤدي إلى العدوانية.
يدرك
الناس في اليونان أن لديهم مشكلة سلامة.
يدركون أن
الحوادث لديهم كثيرة وأن معايير القيادة لديهم ليست بالمستوى المطلوب، لهذا أعلنت
الحكومة في العام الماضي أنها ستحاول الخروج من أسفل لوائح سلامة الطرقات.
من أهداف
الحملات الحكومية التشجيع على استخدام الخوذات، وأحزمة الأمان. عند اتصال الحكومة
اليونانية بإغنالتيا اودوس لبناء الطريق السريع منحتها إدارة فريدة.
إغناتيا أودوس
شركة خاصة لا تعمل على بناء الطريق فحسب بل ستعمل على صيانتها وإدارتها أيضا، أي
أنها باقية. على خلاف بقية الشوارع اليونانية التي تديرها الحكومة ستعمل على ضمان
الصيانة كما تستعد لجعل أعمالها متقدمة. يعملون على التأكد من وضوح إشارات السير
ونظافتها بما يمكن الناس من رؤيتها. والاهتمام بالسياج الآمن ودفاعات الطريق وضرورة
استبدالها مباشرة إذا تعرضت لحوادث، وذلك لتقوم بمهامها ولا تشكل خطرا على
السائقين.
يشرف المهندسون
ويحددون أولويات الأضرار التي يكتشفونها على الطريق. تعتمد المعلومات على عمليات
الصيانة حيث تتخذ الإجراءات المناسبة.
هناك تحسينات أخرى
تكمن في تحريك دوريات خاصة بالطريق السريع، ما يشكل ظاهرة جديدة في اليونان. رغم
إشراف الشرطة الحالية على حركة السير والسرعة البالغة إلا أنها محدودة القدرات،
ولكل ما يشكك بتأثير السرعة على حركة السير، تكفيه زيارة مركز الشرطة للحصول على
أدلة دامغة.
تقع بلدة ميتسوفو
في أعالي جبال بيندو، يبلغ عدد سكان هذه القرية ثلاثة آلاف نسمة، وقد أصبحت الآن
على جانب طريق إغناتيا.
تقع ميتسوفو بين
الجبال، أي أنها شبه معزولة عن العالم الخارجي. لهجتا تسمى بلاكيغا تستعمل هناك منذ
عصر الاحتلال الروماني.
يعود تاريخ
اليونان إلى الألف الثاني قبل الميلاد، ولكن المرء يشعر هناك وكأن الزمن قد توقف عن
الحركة، فما زالت التقاليد متوارثة جيلا بعد آخر.
تسوريكاس إنها
قرية صغيرة جدا، كانت هكذا منذ الأزل يشارك سكان القرية في أي زفاف يقام هناك حتى
يصل عدد المدعوين حوالي ألف شخص تقريبا.
أحيانا ما
يتساءل المرء هناك إن كانت ميتسوفو ستفقد انفرادها مع وصول الطريق الجديد إلى
القرية.
بالعكس فهويتهم
تطورت على هذا الطريق، عبر مجيء الرومان ومن بعدهم العثمانيين وبعد ذلك باستقلال
اليونان كانت حياتهم تدور حول الطريق، ميتسوفو استفادت من طريق إغناتيا القديم
منها والجديد وستستمر بالاستفادة منها.
ستقترب ميتسوفو من
المدن المجاورة، يوانا وكلاباكات وتيكالا، ما يعني أن حياة الكثيرين ستُنقذ بهذه
الطريقة. لا شك أن الطريق سيأتي بمزيد من الناس إلى هناك، ما قد يؤدي إلى خسارة
جانب من تقاليدهم.
لن يحصلون على
الزلال دون كسر البيض، أي أن هناك بعض المنافع وبعض المضار أيضا، ولكنهم لا
يتذمروا.
يؤكد ازدهار
أعمال البناء أن ميتسيفو ستنتفع جدا من إغناتيا أودوس. بالعودة إلى الطريق السريع
فهم يعدون حجر زاوية آخر، إذ يعتبر حفر الأنفاق مصدر مفاجآت لشخص ما.
أخذ حلم
طريق إغناتيا يتقدم خطوة أخرى نحو الواقع، إذ يفترض أن يكتمل المشروع سنة ألفين
وستة، ولكن هذه فترة مليئة بلحظات احتفال واعتزاز. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م