اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بناء وإعمار4 - في مواجهة البحر
 

حدائق هولندا

       هولندا، حديقة الشمال الأوروبي، كانت أزهارها الشهيرة تنمو  فيما كان يعرف بقاع بحر الشمال. وكانت محمية بالسدود لقرون عدة.

     يقع ثلث هذا البلد تحت مستوى البحر. يتم التحكم بالمياه في كل مكان.

     ليتم استخدامها في قيام أمة سفن كبرى.

     المياه حليف هولندا الأكبر.

     وهي أيضا ألد خصم لها.

      لأبناء هولندا تاريخ من الكوارث الطبيعية.  وربما كان أسوأها لم يأت بعد.

 يكمن السؤال على المدى البعيد في قدرتهم على الاستمرار في العيش هناك.

  المهندس في عالم المياه هو صاحب الاستراتيجية.

     وعمال البناء على خط الجبهة.

      رفعوا صروح  بعضا من روائع القرن العشرين الهندسية لحماية بلدهم، وما زالوا مستمرين  في دفع حدود البناء إلى الأمام.

  يعتبر حاجز سكيلت الشرقي من أعظم إنجازاتهم، فهو حصن منيع من الإسمنت والحديد الذي يبلغ طوله ثلاثة كيلومترات.

عادة ما يبقى مفتوحا ليموج البحر من تحته في الأيام الصافية.

     وعندما تعصف الرياح تغوص اثنان وستون بوابة من الحديد الأنبوبي في المياه المالحة.

ينتصب الحاجز خفيرا على الجنوب الغربي من هولندا، بين محافظة زيلاند وبحر الشمال. هو إنجاز مائتين وخمسين مهندسا من بينهم ديك دي فيلدا.

  بدأ هناك بعد الدراسة، كان هذا أول مشاريعه الكبرى.

  تجثم تحديات دي فيلدا الأولى تحت المياه بعيدا عن الأنظار. كان لا بد من طريقة لاستقرار قاع البحر. إذا انحرف السد تتعطل البوابات لتبقي القرى المجاورة فريسة للبحر.

     تطلب الأمر أسطول سفن فريدة من نوعها، من بينها عوامة تسمى مايتيلوس، وهي تعني العضلة بالهولندية. عملت رجاجات عملاقة على ضغط الرمال أعوام ثلاث.

     جرى أولا إعداد قاعدة تسرب في محطة مؤقتة لتثبت على التربة المضغوطة، فكان ذلك اختراعا جديدا.

     عبئت بالحصى والصخور تغطيها ألواح البوليبروبولين المثبتة بالمسامير. ثم رفعت على أسطوانة طافية يوازي طولها ثلاثة شاحنات.

     نقلت بعدها إلى عوامة مجهزة بمساعدة التيار. ربطت العوامة بسفينة أخرى صممت خصيصا لتثبيت القواعد. للدقة أهمية بالغة، لأن الأعمال أنجزت بين فترات المد. اعتدت الغواصة بخمس كاميرات لمراقبة العمل.

  اعتمدوا على نظام مينيلير الفرنسي لتحديد المواقع،  الذي يتم اعتماده في البحرية الفرنسية، وقواتها الجوية، وهو نظام يتميز بدقة تتراوح بين سنتيمتر واحد وسنتيمتران.

  شيدت ركائز السد على جزيرة مصطنعة في الجوار. استغرق كل منها ستة وثلاثين ساعة من الصب المستمر. انتصبت كمبنى من ثلاثة عشر طبقة. بعد ثلاثة أسابيع من طوفان موقع المياه أصبح بالإمكان نقلت الركائز المجوفة إلى موقعها وملئها بالرمال.  بعد عام من ذلك أصبحت الركائز في مواقعها، لا تبتعد إلا سنتمترات قليلة عن مكانها.

     جلبت الصخور من جميع أنحاء أوروبا لتعزيز مواقع الركائز. نقلت البوابات الهائلة بالعوامات وتم تركيبها برافعات عائمة. لتختتم الأعمال ببناء طريق فوق الحاجز. انتهى المشروع سنة ألف وتسعمائة وستة وثمانين بعد أن استغرق عشرة أعوام.

     تشير اليوم أغطية كضمادات هائلة إلى هجوم جديد من البحر. تآكل نصف الحديد. يعنى نيكو بورتفيلت بصيانة الحاجز. وهو يواجه رهان شخصي تماما كالطفل الذي وضع إصبعه في السد. فعائلته تسكن خلف الحاجز.

     إنه عمل طلاء حاسم يتطلب جهدا كبيرا. فأبراج الحاجز العالية تقع فوق منطقة غنية بالأسماك. 

  يكلف إعادة طلاء بوابة حديد واحدة حوالي مليوني دولار. أي أنه مبلغ كبير. شيد الحاجز تقديرا للبيئة، والكائنات البحرية، ولا يريدون الإساءة إليها بسقوط الطلاء في البحر. لهذا تفرش الأرض ويحاط المكان بالخيم.

  يقوم بورتفليت باختبار الحاجز أربع مرات في العام، ليصبح جاهزا للخدمة.

 اثبت حاجز سكيلت الشرقي أنه حصن منيع، فقد رد هجمات البحر عشرين مرة خلال خمسة عشر عاما. ولكن أبناء هولندا يدركون أن أمامهم معركة  كبرى قادمة.

     هناك جناح ضعيف على مسافة ساعة إلى الشمال بالقرب من روتردام أكبر ميناء في العالم.

     تطلب هذا وثبة أخرى في هندسة الضغط المائي.

     روتردام، مكان يعتز به المهندسين،  ويزدهر الاقتصاد. يسكن هناك مليون نسمة في أكثر المناطق انخفاضا في البلد.

     تتصل هذه المنطقة ببحر الشمال عبر قناة مصطنعة تعرف بالممر المائي. ما يجعلها عرضة لضربات العواصف. تستدعي حمايتها واحدة من الروائع العبقرية في أعمال الدلتا.

 بذلت جهود هندسية على مدار خمسين عاما لوقف طوفان الشواطئ.

     كان حاجز سكيلت الشرقي من أصعب عناصرها. استفاد المهندسون من دروس تعلموها في هذا السد لحماية روتردام.

  قاموا بما يلزم من قياسات تحت الماء، وضعوا أعمدة وركائز في أماكن مناسبة كما استعانوا بتلك التجارب في هذا البناء مجددا.

  يعتبر الممر المائي من أكثر الممرات ازدحاما في أوروبا، إذ تمر فيه سفينة كل سبع دقائق، ما شكل عائقا هائلا أمام بنائي السدود.

     هذا هو الحل، أول سد متحرك في العالم. بوابتان تقفان بعرض الممر المائي في حالات الطوارئ. وما إن تصبح معا حتى تملأها المياه وتغرق نحو قاعدة من الإسمنت. تشكل البوابة المقفلة متراسا أمام المياه الطافية.

     يعرف هذا بحاجز ماسلانت بأذرع أطول من برج إيفل وبضعف وزنه.

     كان لا بد من بنائه رغم ازدحام حركة السفن.

  كانوا على تواصل دائم مع دائرة السفن التي كانت تعرف باستمرار مواقع العوامات والمراكب التي تستعمل.

  حفر خندق بعمق اثنان وعشرين مترا تحت سطح البحر، تم ملئه بالصخور والحصى،  غطيت هذه بطبقة من ألواح إسمنتية يزن كل منها ستمائة وثلاثين طنا.

      ولكن التجارب التي أجريت على نموذج مصغر أظهرت مجموعة من المشاكل في الحاجز.

    كانت البوابات تشهد كثيرا من الحركة، وهذا غير مناسب، لهذا أجبروا على القيام بدراسات وأبحاث إضافية للتوصل إلى الشكل المناسب للبوابات بما يمنعها من استمرار الحركة الراقصة، لهذا توصلوا إلى أشكال أخرى تعززت بحاشية سفلية تحت البوابة،

   بعد أربع سنوات من التخطيط بدأت أعمال البناء الكبرى في الأحواض الجافة، قرروا استيعاب البوابتين أو الجدران على جانبي الممر المائي. استمر العمل في الأساس والركائز ليلا نهارا.  استهلك كل منها اثنان وخمسين طنا. عليها أن تبلغ من القوة ما يمكنها من مواجهة أشد العواصف شراسة.

كان العنصر الأهم في المشروع أكبر من القدرة على إعداده في هولندا. جرى صب الكتلة والتجويف في مصنع سكودا في جمهورية تشيكيا. كانت أكبر بثلاث مرات من أي مفصلات صنعت في العالم.

   صنعت هذه المفصلات من الحديد الصلب، وهي بحجم هائل يصل قطرها إلى عشرة أمتار، كما أن وزنها يصل إلى حوالي ثلاثمائة طن.

   نقلت الأنابيب الحديدية أجزاء عبر السفن. لتصبح سلامة الحاجز بين يدي عمال اللحام.

   استغرق العمل في اللحام مائة وستون ساعة ويعتقد أن فيها مائة طبقة  من اللحام الدائري.

   جمعت جدران الحجز في الموقع أيضا. عند جمعهما معا يصبحان أكبر من ملعبين لكرة القدم. وهي بارتفاع يكفي لدخول عمال الصيانة، شُيد مجوفة ليتم ملئها بالمياه التي يساهم وزنها بإغراق البوابة نحو القاع. عند انتهاء مخاطر الفيضان تعاد البوابة إلى أعلى. تعتمد مفصلات ماسلانت على آلية معقدة صممت على طريقة كتف بشرية.  فهي تمكن ذراعي الحاجز بالتحرك في اتجاهات ثلاث.

     عام سبعة وتسعين صار حاجز ماسلانت جاهزا للعمل، عند وصول المياه إلى مستوى الخطر، تدعى جميع السفن لإجلاء المنطقة. يشكل إقفال الحاجز قرارا حاسما يتخذه الكمبيوتر.

   في حال انقطاع التيار الكهربائي لديهم مولدا يعمل بشكل أوتوماتيكي بأقل من دقيقة. في حال اشتعال النار لديهم نظام مؤتمت يتولى الأمور، وفي حال تعطل الكمبيوتر لديهم قطع غيار يمكن استبدالها.

   كلما حل الخريف يحين وقت الطوارئ. لم يواجه الحاجز حتى الآن أي مواجهة فعلية ولكن هذه مسألة وقت. 

   أخضعت للتجربة في مياه كهذه، ولكن التجربة الحقيقية تتم مرة كل عشرة أعوام عندما يعلو مستوى المياه، ويصبح ارتفاعها في روتردام أكثر من ثلاثة أمتار فوق سطح البحر، عندها سيقفل الحاجز جديا.

   أصبح لدى روتردام بوابة شاسعة تفتح للسفن من جميع أنحاء العالم، وتستعد للإقفال في وجه هجمات البحر. ينعم أبناء جنوب هولندا بشعور جديد بالأمان.

     ولكن في أعماق الشمال هناك موقع تسرب آخر في أنظمة السدود ينتظر الإقفال.

     تقع  أوفيرازيل الغربية في الجزء الشمالي من هولندا.  وهي منطقة تواجه في الطبيعة والتاريخ مخاطر جديدة تكمن في طوفان ممرات هولندا المائية الداخلية.

     فصلت المنطقة عن بحر الشمال بحاجز هائل، ولكن الخطر يأتي هنا من بحيرة أيزلمير.  عندما تهب الرياح العاصفة بتيارات شرقية لترفع الأمواج نحو كيتيلمير تتعرض المنطقة بكاملها للمشاكل.

     عام خمسة وتسعين وقعت كارثة خطيرة مع انهمار أمطار غزيرة لم تحتملها أنظمة الصرف الداخلي. مرة أخرى وجد المهندسون الهولنديون أنفسهم أمام تحديات جسام.

   كان عليهم الاختيار بين رفع مستوى الأرصفة الخلفية أو الاستفادة من حاجز الطوفان في هذه المنطقة.

   سيكون عمل طليعي آخر يكمن في حاجز عواصف متضخم. شيد على ثلاث مراحل تحت الماء. هو أشبه بأنبوب داخلي مليء بالماء والهواء وقادر على محاصرة الممر المائي بكامله. مع انتهاء الأزمة يتم تنفيسه وإعادة لفه عبر أنابيب اللف. وهكذا تعود الممرات المائية للعمل مجددا.

     عام ثمانية وتسعين بدأت الحفارات إعداد الأساس. تم الاعتماد على الإسمنت المسلح بطبقات تصل إلى ثلاثين مترا تحت أرض البحيرة. شيدت خمس طبقات من الإسمنت. في المشروع مستلزمات فريدة تعتمد على نسيج خارق ضد الماء لا يثقب وبالغ القوة. أجلت أعمال البناء عاما كاملا بحثا عنه.

  أخضع لتجارب متتالية حتى تم التوصل إلى التركيبة السحرية لمطاط فوق ست طبقات  من النايلون.

   سماكته ستة عشر مليمترا، ترىأنه لين في القطع الصغيرة، ولكن كان تحريك القطع الكبرى شبه مستحيل لشدة قسوته.

   لم يكن من السهل إيجاد وسيلة لإلحاق النسيج ولصقه. فلا بد من جمعه بأشكال محددة وربطه بمسامير هائلة. وأخيرا تم التغلب على العوائق الكبرى. وصل النسيج من اليابان، فأنزل إلى الموقع بالرافعات، ما شكل إنجازا لفريق البناء الهولندي.

   أصيب الجميع بالدهشة حيال نوع الأنسجة وهذا المطاط. ماذا سيحدث عند هبوب الريح؟  بطول ثمانين مترا وعرض ثلاثين مترا ولكن كل شيء على ما يرام.

 رؤية الأنسجة تنزل في الموقع كانت مشهد رائع.

  جرى نفخ الحاجز لأول مرة ليشكل رمزا جديدا للعبقرية الهولندية.

  تم التغلب على مخاطر الفيضان دون تأثير على التجارة أو البيئة. ولكن المفارقة هي أن المرحلة النهائية في هذه العملية تكمن  في بناء سد تقليدي بالاعتماد على رمال من قاع البحيرة. يفترض أن تجمع بين قسمين من السد. هذا عمل قام به الهولنديون مرة بعد أخرى كجزء من مواجهتهم التاريخية للمياه.

      أُنقذت عائلة بورتفليت ولكن ألفي شخص آخر غرقوا وكانت من بينهم جدته التي تسكن في الجوار.

  كانت أرملة تسكن وحدها، ولم تستطع الصعود إلى السطح، مع أنها صعدت إلى أعلى المنزل من الداخل دون تمكنها من اختراق السقف، حتى انهار المنزل وانتهى كل شيء.

  كانت أكبر مأساة في هولندا منذ الحرب العالمية الثانية.

     يبني الهولنديون السدود منذ ألفي عام، ويحولون المستنقعات وسهول الفيضان إلى أكثر المناطق خصوبة في العالم.

     ثم جاءت طواحين الهواء لتضمن ازدهارا للمزارعين وأصحاب الأراضي، فقد استخدمت في ضخ المياه بوضع جزء من قوة الطبيعة في مواجهة آخر.

    صممت طواحين الهواء في كيندير ديك لضخ المياه. يتم ضخ المياه عبر الأشرعة الملحقة بالطواحين. على الطواحين أن تواجه الريح، يتم ذلك بعجلة مسننة ترتبط بسلسلة، عندما يلف الكرنك يصبح أعلى الطاحونة في مواجهة الريح.

  أصبحت طواحين الهواء اليوم هدفا لزيارة السياح، لما فيها من ذكريات بأزمان أبسط.

     جرى استبدالها بالمحركات البخارية، حتى غطت عليها أعمال ديلتا العملاقة مؤخرا.

     رغم التقدم التكنولوجي عاد الهولنديون عام خمسة وتسعين لملء أكياس الرمال على ضفاف الأنهر هذه المرة.

  إنها اكبر عملية إجلاء منذ انتهاء الحرب. أجبر ربع مليون هولندي على مغادرة منازلهم.

   بعد أربعمائة عام لا تحتاج المياه لأكثر من ثقب واحد لتسبب الكارثة.

  عند تعرض السد لأضرار خارجية تعبر منها المياه لتزيل التربة ويصبح الثقب أكبر فأكبر، قد لا ينمو في البداية إلا قليلا، ولكنه بعد ساعات أو في اليوم التالي تنمو بسرعة كبيرة حتى تهدد بانهيار السد بكامل في مرحلة ما.

  تخصص هولندا ثلاثة مليارات دولار لتحسين السدود،  مع أن الحكومة تعترف بأنه كلما علا السد تفاقمت المخاطر.

 تتفاقم المخاطر تدريجيا كلما حل الفيضان  لأن المياه أعلى من مستوى اليابسة نسبيا.

  مضى الزمن  الأسطوري للقرى الهولندية منذ زمن بعيد حين كان تلميذ مدرسة ينقذها من الطوفان، بوضع إصبعه في ثقب السد.

     مشاكل اليوم تستدعي ما هو أكثر من بطولة الطفولة، فهي تتطلب ثورة في التفكير.

     مضى أيام على انهمار المطر، ولم يعد هناك متسع للمزيد، فارتفع منسوب المياه. تضخم نهر الوال، وتصدع السد، فغمرت المياه نصف بلدة تيل. صباح اليوم التالي غطت المياه جزءا من غورنكام. وأخيرا تحولت المنطقة بكاملها إلى مستنقع. لم يتحقق هذا النص المأساوي بعد، ولكن أبحاث ديلف هايدروليك تؤكد أنها ستتحقق إن لم تتغير الوقائع.

  هولندا هي في الواقع دلتا، ثلثي هذا البلد معرض للطوفان، هو الدلتا، لا مفر من المياه هناك.

  تمكنت هولندا من مواجهة المياه منذ عصر الرومان مع أن ثمانية وعشرين بالمائة من أراضيها تحت مستوى البحر. هناك عشرة ملايين نسمة يسكنون في أراض مستصلحة، ولديهم من الأسباب ما يستدعي القلق.

  يتوقع ارتفاع البحر إلى مستويات أعلى، ومزيد من المطر،  هذا ما يؤثر طبعا على هذا البلد المنخفض لإحاطته بالأنهر والبحر.

  كما تزيد اليابسة انخفاضا لتهبط سنتمتر واحد في العام.

  مستنقعات أوروبا تنخفض، والترسبات تتعرض للضغط في هذه الدلتا الطبيعية، كما أن المركبات العضوية في التربة تتأكسد.

  غاب الكثير من انحناءات الأنهر، وقلت العوامل التي تبطئ تسارع المياه. كثير من الهولنديين يسكنون على مقربة من السدود.  حان وقت استبدال الاستراتيجية المتبعة في مواجهة المياه.

  الخلاصة النهائية للأبحاث التي أجريت خلال الأعوام القليلة الماضية بعد فيضانات عام خمسة وتسعين هي أنهم بحاجة إلى مساحة أكبر للأنهر كما يحتاجون إلى حوالي ثلاثمائة ألف هكتار من الأراضي أي ما يقارب عشرة بالمائة من اليابسة، وهذه مشكلة كبيرة لأن تسعة وتسعين بالمائة من أراضي هذا البلد مستخدمة.

  يعتقد الناس أنهم بأمان ولا يفكرون بهذه المشكلة.  هذه مشكلتهم  يجب أن إخبار الناس بحقيقتها. مخاطر واحتمالات الفيضانات مشابهة جدا لمخاطر إشعال النيران في المنازل.

  آرنيم مدينة صنعت التاريخ في الحرب العالمية الثانية، وعادت لتصنع التاريخ مجددا.

     وهي اليوم موقعا لأول انسحاب في الحرب الهولندية ضد المياه.

   يعتبر هذا من أولى مشاريع تقدم السد نحو اليابسة، لفسح مجال أوسع لتدفق المياه نحو البحر.

  يتم نقل مسافة ألف وخمسمائة متر من السد إلى الخلف، لمنح الراين مساحة أكبر في موسم الفيضان. أوقف هذا المشروع خطة بناء حديقة صناعية، وأدت إلى انتقال حديقة عامة إلى موقع آخر. هذا جزء من استراتيجية جديد ستستغرق خمسين عاما وجهود في الإقناع.

  كانوا في الماضي حين تنهمر الأمطار الغزيرة يعملون على التخلص من المياه بأسرع ما يمكن عبر القنوات والأنهر. أما اليوم يجري العمل على إبقاء المياه مخزنة لبعض الوقت حيثما سقطت.

  تكمن سياسة الحكومة الجديدة بتحويل آلاف الهكتارات إلى غابات ومستنقعات، كما تقرر تحويل مساحات من المراعي إلى برك تخزين مؤقتة لمياه الفيضانات. إنها تحديات هائلة للسياسيين.

     ولكن صناعة البناء الهولندية لا تتوقف، بل تتابع السير قدما نحو حدودها التالية.

     أمستردام هي مدينة القنوات والمراكب السكنية التي كانت في الماضي ملاذا للفقراء وتحولت اليوم إلى إلهاما للبناء مزدهر، وعمران المباني العائمة.

  أصبح التأقلم جزءا من تقاليدهم في التعامل مع البيئة التي يبنون فيها، لهذا تفرغ المنطقة من المياه ويخفض مستوى بلوغها  وبعد ذلك تبنى المنازل على تلك الأرض. ولكنهم يدركون اليوم أنه من الأطول مدى احترام الطبيعة المحددة للأرض التي يبنى عليها.

  عام تسعة وتسعين شيد الهولنديون أول المنازل العائم، انطلاقا من تصميم كندي.

     إنه يشبه المنزل في مركب.  

     له أساس مبني من البوليستايرين.

     توازي مساحة هولندا نصف ولاية مين وهي تزداد ازدحاما. عشرون ألف مواطن ينتظرون منازلهم العائمة.

  لم يعد هناك مساحات في اليابسة ولكن لديهم كثير من المياه التي يمكن استغلالها كأماكن سكنية هذا ما يجعلهم اليوم يشيدون هذه المنازل في الماء.

  أخذ الهولنديون يسيرون في هذا المبدأ قدما فشيدوا المنازل على اليابسة ولكنها تعوم في حال الطوفان، هذا ما يسمونه مساكن برمائية.

 تعتبر هولندا أكبر مصدر للورود في العالم. لديهم مشاريع لبناء دفيئات عوامة  وأشياء أخرى.

  هناك مشاريع لبناء مدن في البحر، مدن عائمة بما فيها من مكاتب وطرقات أي أن تكون مجتمعات مائية باكتفاء ذاتي.

 يحاولون الاعتماد على سياسة تجعل فيها المياه ودية فالناس في هولندا يحبون المياه.

 تكمن العبرة في عدم التغلب على المياه. ففي النهاية، ستستولي على الأرض بكل ما عليها، لأنها الدلتا وظروفها الطبيعية. فبدل إدارة الظهر للمياه، والتمتع بفكرة السلامة المزيفة، لأن المهندسين يتولون كل شيء، يعتقد أن على المجتمع بكامله تعلم سبل التعايش مع المياه مجددا.

  أدى كفاح الهولنديين ضد المياه إلى إبداع بعض من روائع الأعمال الهندسية في العالم. منها سد رامبسول، وحاجز ماسلاند. وحاجز سكيلت الشرقي.

     كما أبرزت هذه الحرب رجالا بحس المسئولية، وإصرار الكثيرين على تجنب كوارث نجوا من عواقبها.

 الطبيعة بالغة الخطورة لا أحد يستطيع القول أنه بأمان كامل منها.

  مع بداية القرن العشرين تحول المد إلى جزر. تؤدي المتغيرات المناخية إلى جعل الطبيعة أكثر شراسة، ما يتطلب مستوى جديدا من العبقرية. والمهندسون في هولندا يحولون عقولهم عن محاربة المياه نحو سبل للعوم فيها.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster