اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بناء وإعمار1 - العشرة الأوائل
 

هونغ كونغ

     يحتل مطار هونكونغ رقم عشرة في العد العكسي.

     تجبر جميع المدن المزدهرة في نهاية المطاف على توسيع مطارها الدولي، وقد كانت هذه حاجة عاجلة بالنسبة لهونكونغ، أكثر المدن كثافة سكانية في العالم.

     كان مطار تاي باك الصغير في الخمسينات يتعامل مع خمسين ألف مسافر فقط،  ليقفز هذا الرقم عام ستة وتسعين إلى أكثر من أحد عشر مليون مسافر.

    كان التوسع مستحيلا، لم يكن هناك أراض، المساحة الوحيدة المتوفرة كانت في البحر. على المهندسين تحويل جزيرة تشيك لابكوك إلى أرض مسطحة مساحتها ثلاثة آلاف أكر.

     أخذ فريق العبوات يفجر خمسين ألف كيلو غرام من المتفجرات يوميا. كما بدأ ثلاثة أرباع أسطول حفر المحيطات باستخراج الصخور من حول الجزيرة لتوسيعها.

      كان عليهم التوصل إلى مساحة مسطحة يبلغ طولها أربعة كيلومترات وعرضها ثلاثة كيلومترات، ما يشكل نسبة واحد بالمائة من مساحة هونكونغ. قلّة من البلدان تستطيع زيادة مساحتها بنسبة واحد بالمائة خلال ثلاثين شهرا فقط.

    أخذت الجزيرة المسطحة تنبعث من البحر تدريجيا. مع اكتمال محطات الركاب والشحن الهائلة أصبح لدى هونكونغ مطارا جديدا.

     ولكنها كانت مجرد جزيرة تبعد أميالا عن اليابسة. يتطلب إيصال الناس إلى المطار شبكة مواصلات حديثة بالكامل.

     كلفت هذه الشبكة عشرة مليارات دولارا بما فيها من جسور وأنفاق وسكك حديدية. كما خصص لها قطار ينطلق من كاولون بسرعة  مائة وخمسة وثلاثين كيلومترا في الساعة، ليمر من نفق جديد شيد في مناطق صخرية، كما يعبر أكبر مجموعة من الجسور المعلقة، ويخوض في أكثر من اثني عشر كيلومترا من الأراضي المستحدثة.

     عشرة أعوام من البناء اختصرت المسافة إلى عشرين دقيقة بالقطار.

     تبلغ قدرة المطار القصوى على استقبال الركاب عام ألفي وأربعة إلى ثمانين مليون شخص.

     يعتقد أنك عندما تنظر إلى الصورة الكاملة، قد تجد أن مطار هونكونغ يشكل رؤية فريدة لمستقبل النقل الجوي في العالم.

    رقم عشرة في العد العكسي للمشاريع العمرانية العشر الأولى في العالم هو غوغنهايم بيلباو.

     عندما بدأت مدينة بيلباو شمالي إسبانيا بتشييد متحف جديد للفنون عام واحد وتسعين، كان لديها طلبا واحدا، فقد أرادت من مهندس العمران الشهير فرانك غيري أن يصمم أروع بنّاء في العالم المعاصر. وقد جاء تصميمه لمتحف غوغينهايم بالغ الجرأة، حتى شكك الخبراء في القدرة على بنائه.

   كان المشروع بداية من وجهة نظر الكثيرين هناك أشبه بالمستحيل.

   يكمن التحدي في بناء انحناءات معقدة بأحجام هائلة. عادة ما يستخدم الإسمنت المسلح ولكنه أثقل من قدرته على تحمل مسافات شاسعة دون أعمدة. علما أن ليس في هذا المتحف أي أعمدة تذكر.

  إنه بناء غريب، مليء بالانحناءات، الأسطح منحنية دون خطوط مستقيمة، كان مفرطا في المبالغة.

   ولكن الانحناءات كانت أساسية لمشروع غيري، وهذا ما توصل إليه المهندسون، أو هذا ما بدا للعيان.

   كل الأجزاء المعدنية التي استخدمت في بناء المتحف باستثناء المعرض الكبير كانت أجزاء مستقيمة. قد يعتقد المرء أنها منحنية ولكن الحقيقة هي أنها مستقيمة تصل بينها مفصلات صغيرة.

   من أبرز المعالم داخل متحف غوغنهايم ردهة يبلغ ارتفاعها خمسون مترا.

   شيدت الردهة في متحف بيلباو أصلا لتشكل قلبا للمشروع على جميع مستوياته.

     يهدف الارتفاع إلى إدخال النور وخلق المساحة على طريقة الكاتدرائيات.

   ولكن الملامح الخارجية للمتحف تجعله مشعا، فهو مغطى بمعدن براق نادر هو التيتانيوم.

   فحص الستانليس ستيل وأنواع الألومنيوم على اختلافها وتحدثوا عن الحديد الطبيعي لبعض الوقت،  وأخيرا وجدوا في المكتب نموذج صغيرا عن التيتانيوم.

    أعجبت غيري، ولكن كلفتها كانت عالية. وفجأة خفضت روسيا سعر التيتانيوم في السوق العالمي. حتى انخفضت الأسعار لفترة قصيرة إلى حد مكن غيري من شراء الكمية المطلوبة.

    لقد حالفهم الحظ، فملامح التيتانيوم تتغير حسب أوقات النهار وتعرضه لمختلف الأنوار، ولمعان لا يمكن الحصول عليه من أي شيء آخر.

   رغم استحالة ذلك برأي الكثيرين، إلا أن فرانك غيري تمكن من تشييد أروع بناء عصري في العالم.

     كانت بيلباو  حتى فترة قصيرة مجرد مدينة صناعية على الهامش،ولكنها اليوم تجلب الزوار من مختلف أنحاء العالم لمشاهدة متحف فني يشكل بحد ذاته روعة فنية.

      شيد أوسع جسر معلق على الأسلاك في العالم فوق نهر شارلز. وقد جاء مشروع طريق النفق السريع ليحل محل طريق المصاعد القديمة. سينشأ بذلك تبادل واسع النطاق على طريقين هائلين عبر الولايات. يؤدي بناء النفق الجديد تحت الميناء إلى ربط بوسطن بمطار لوغان الدولي.

     كل هذا لتخليص المدينة من طريق المصاعد الذي يعبر من قلب مدينة بوسطن.

     شيد طريق المصاعد في سنوات ما بعد الحرب حين أصبحت التكنولوجيا شيئا يدعو للتخلص من القديم واعتماد كل ما هو جديد بمفاهيمه الثورية الجديدة والطرق الجوية السريعة كانت بمثابة تجربة حديثة.

    دفعت بوسطن ثمنا باهظا لهذه التجربة التي تجسدت بأكوام من الإسفلت التي فرقت الجوار وشوهت ملامح المدينة.

   فرقت الأحياء عن بعضها، وقسمت المباني في بعض الحالات حيث أزيلت أجزاء من بعضها لتوسيع الطريق. كما أدخلت هذا الوحش الأخضر، هذا الجدار الحديدي الذي فصل أجزاء هامة من وسط مدينة بوسطن.

    كانت تحديات هائلة، كان على مصاعد الطرق أن تنتقل إلى تحت الأرض دون شل الحركة في بوسطن.

    لم يكن عليهم إبقاء حركة السير على ما هي عليه أثناء بناء النفق الجديد فحسب، بل وإبقاء حركة القطارات القادمة إلى بوسطن إلى جانب خدمات النقل العام المتعددة الأخرى التي تنقل آلاف الأشخاص يوميا إلى وسط المدينة.

    كان على المهندسين بذل ما بوسعهم من جهود لحفر النفق دون شل حركة القطارات.

     شيد صندوق من الإسمنت المسلح يوازي طوله مبنى بخمسة وثلاثين طابقا تحت الأرض، ثم دفع الصندوق الإسمنتي أو حُشر تحت سكك الحديد المزدحمة. وقد عمل المهندسون على تجنب انهيار الأرض أثناء الحفر، وذلك بتجليد التربة وتحويلها إلى كتلة صلبة.

     دُكّ أكثر من ألف وستمائة أنبوب عمودي عبر سكك الحديد ألحقت بمحطة تبريد تجلد مزيجا من كلوريد الكالسيوم بالماء إلى ثمانية وثلاثين درجة تحت الصفر.

     بدأ الحفر أسفل سكك الحديد بستة أمتار عبر معدات مسننة بالتونغستون تخترق التربة المتجلدة ضمن صندوق النفق.

     أخذت المعدات الهائلة بقوتها الضاغطة تخترق النفق إنشا بعد إنش.  مع انتهاء الحفريات استبدلت مساحات الطريق السريع القديم بعدة أكرات من الحدائق العامة.

    يشكل وضع الطريق السريع تحت الأرض محاولة أخرى للتخفيف من ازدحام السير، ولكنه حتى لو لم يفلح بذلك ستجد له نتيجة رائعة، تكمن في وضع نهاية لما أصاب وسط المدينة من تشوه فعلي.

     يحتل المرتبة السابعة في العد العكسي لروائع البناء ما يعرف بسد هوفر.

لاس فيغاس نيفادا، الشهيرة بالملاهي والحياة الليلية البراقة. ولكن الأنوار الساطعة لعاصمة الملاهي في العالم.. حتى هذه الواحة وسط الصحراء، ما كانت واردة لولا سد هوفر العملاق.

شيد سد هوفر وسط أجواء الركود الاقتصادي في بداية الثلاثينات وما زال حتى اليوم يشكل حجر أساس لعمران القرن العشرين.

 اعتبر عمال البناء حينها أبطالا  كما اعتبر المهندسون حينها أبطالا، فهم الذين روضوا الأرض هناك عبر سلوك يعتمد على التعامل مع التراب والصخور، دون هوادة.

 إنها بنية عملاقة ترتفع مائتين وواحد وعشرين مترا فوق الصخور السوداء لوادي نهر كولورادو.

  أجمع الكثيرون على القول بأنه يستحيل إقامة سد هناك لأنه لن يصمد، لأن قوة الطبيعة ستزيله من هناك عادلا أم آجلا.

  استهلك بناء السد أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون يارد مكعب من الإسمنت لمقاومة الطبيعة. تكفي هذه الكمية من الإسمنت لرصف طريق عرضه خمسة أمتار يمتد من سان فرانسيسكو إلى نيويورك. بما أن الإسمنت يولد الحرارة أثناء صبّه، لم يتمكنوا من بناء السد في عملية مستمرة.  لأن ذلك سيخزن مستوى من الحرارة قدر  المهندسون حاجته إلى مائة وخمسة وعشرين عاما لتبريده. لهذا شيد السد عبر مجموعة من الأعمدة، تتوسطها مجموعة من أنابيب التبريد الدائمة يبلغ قطرها اثنان ونصف السنتيمتر.

  يمكن لحرارة الإسمنت في السد أن تؤدي إلى اشتعال الهياكل الخشبية هناك، إلا إذا توسطتها أنابيب مياه باردة.

  كان ما يعرف بمتسلقي الأعالي يقومون  بأكثر الأعمال خطورة في بناء السد، فقد كانت مهمتهم تكمن في تسلق جدران الوادي على الحبال لإزالة الصخور الضعيفة. كانوا يتدلون بالحبال ويستعملون المطارق والديناميت والعتلات لإزالتها.

 كانت الصحف تغطيها ومساحات الأخبار السينمائية التي يعتقد اليوم أنها هامشية، ولكنها تؤكد وقوف هؤلاء الرجال هناك يخاطرون بحياتهم عبر تسلق الأعالي والقيام بأعمال خطيرة.

  مات ثمانية وتسعين عاملا أثناء البناء.

     اشتهر السد عند اكتماله عام خمسة وثلاثين بروعته الهندسية، كونه أعلى سد في العالم، وأعلى مشاريع المياه كلفة، وأقوى محطة توليد للطاقة في ذلك العصر.

  تحول إلى نموذج هندسي ليس لما يمكن أن يقوم به المهندسون فحسب، بل ولما سيكون عليه المستقبل. أي أنه اعتبر روعة هندسية تشير إلى آفاق المستقبل.

  أزهرت الصحراء حول سد هوفر لما قدمه من مياه وكهرباء لستة عشر مليون نسمة. ما فتح الجنوب الغربي للهجرة الجماعية التي غيرت ملامح أمريكا.

     احتفل برج سي إن في تورونتو مؤخرا بعامه الخامس والعشرين كأعلى بنية منتصبة في العالم. وقد شيد من أجل التلفزيون.

     ما عادت أبراج التلفزة التقليدية في نهاية عقد الستينات قادرة على تغطية مباني تورونتو المتعالية، ما شكل حالة من الفوضى في البث التلفزيوني. وهكذا ارتأت سي إن حل هذه المشكلة برفع صروح بناء لن يشكل برجا للبث التلفزيوني فحسب بل  منح تورونتو صورة فريدة مميزة.

  ما كان من الضروري حينها أن تكون الأعلى لتقديم الخدمات، ولكن ما أن وصلوا إلى هناك حتى قالوا لم لا نزيده ارتفاعا ليصبح أعلى برج في العالم؟

  بلغ ارتفاع التصميم النهائي خمسمائة وثلاثة وخمسين مترا، يتألق فوق ثلاثة سيقان مجوفة. ولكن صب الإسمنت على هذا الارتفاع لم يكن واردا من قبل. ما دفع المهندسين إلى تصميم طوق انزلاق هائل سمي بالشكل الانسيابي.

 يتم الضخ أثناء التعبئة في حركة مستمرة. وقد بدأوا أولا ببضعة أقدام يوميا حتى وصلوا إلى إنجاز عشرين قدم في اليوم الواحد. كانوا يعملون أربعة وعشرون ساعة في اليوم الواحد. كان الضخ مستمرا إلى أعلى ومن هناك إلى القوالب المعززة.

 مع تنامي البناء ترافق ارتفاعه مع رافعات الضغط السائل. أخذت القوالب تتقلص مع كل حركة لمنح البرج ملامحه المطلوبة.

     ولكن سر القوة في البرج هو داخل الإسمنت، فهناك أكثر من مائة سلك حديدي مررت عبر أنابيب حديدية مجوفة تمتد من أعلى البرج حتى أساسه. وقد شُدَّت الأسلاك لتخضع الإسمنت إلى ضغط مستمر. لهذا يحتمل البرج رياح  سرعتها أربعمائة وعشرين كيلومتر في الساعة.

   عندما تنفخ الرياح بالبرج تحاول إمالته نحو اتجاه الريح لتحطمه لو كان البرج يعتمد على الإسمنت المسلح وحده، ولا يتمتع بالقوة الكافية. لهذا أخضعوا الإسمنت لضغط كبير كي يجعل أكثر تماسكا.

  ثم جيء بطائرة سكورسكي سكايرين الملقبة بأولغا  لتشارك في مرحلة البناء الأخيرة، وذلك لتركيب هوائي الاتصلات الذي بلغ طوله مائة ومتران. استدعى ذلك نقل ستة وخمشون قطعة منفصلة.

  استغرق ذلك فترة واحد وثلاثين يوما نقل خلالها أربعة قطع يوميا عملوا خلالها على توثيق القطع بحوالي ألف مسمار للقطعة.

     بلغ طول القطعة الأخيرة حوالي خمسة وثلاثين قدم. قاموا بالعمل خلال فترة محددة دعوا الناس خلالها لمشاهدة الحدث. صادف ذلك هبوب الريح بسرعة ثلاثين عقدة، فكانت عملية صعبة، ولكنها نجحت، تمكنوا من ذلك على أي حال.

 أهم ما يستحق المهندسون الثناء عليه هو أن البرج قد انحرف سنتمتر واحد فقط عن نقطة الوسط.

  عام خمسة وتسعين، اعتبرت جمعية الهندسة المدنية الأمريكية برج السي إن واحدا من العجائب السبعة في عالم اليوم.

     يحتل المرتبة الخامسة في العد العكسي لأهم مشاريع البناء المعاصرة ما يعرف بجسر غولدن غيت.

     ربما كان هذا أجمل الجسور وأكثرها تصويرا في العالم. وهو ينتصب على طول ألفين وسبعمائة متر فوق مضيق غولدين غيت،  ليشكل مشروعا هندسيا وروعة فنية مدهشة.

 اعتبر بناء جسر غولدن غيت مستحيلا كغيره من المشاريع الكبرى، فهو بناء يستطيع تحمل الرياح العاتية وضربات البحر القاسية. عام ثلاثين لم يتجرأ إلا المهندس جوزيف ستراوس على تقبل هذه المخاطرة.

     تعني عبارة جسر معلق أن يكون الطريق معلقا بأسلاك معلقة من برجين هائلين بمرساتين من الطرفين. تعتبرالجسور المعلقة خفيفة، ما يجعلها قوية جدا وقادرة على تحمل مسافات أطول من أي نوع آخر من الجسور.

     تكمن مهمة ستراوس الأولى ببناء برجي الجسر،  كانت الدعامة الشمالية للبرج سهلة بفضل القاعدة الصخرية المتوفرة على عمق ستة أمتار فقط تحت سطح البحر. أما على جانب سان فرانسيسكو الجنوبي فقد أجبر ستراوس على بناء دعامة في قلب المحيط وعلى عمق ثلاثة وثلاثين مترا تحت الماء. فقام ببناء سد هائل لعزل المياه  بحجم ملعب لكرة القدم ضخ فيه مئات الأطنان من الإسمنت.

  كانت التيارات أثناء المد والجزر في مضيق سان فرانسيسكو مخيفة جدا، ما جعل من العمل هناك تحديا هندسيا لا بد من التغلب عليه. خصوصا أنه أنجز في الثلاثينات، بغياب الكمبيوتر، أو آلات حسابية، بل مساطر يدوية. إنها عملية لا تصدق.

  مع انتهاء العمل بالأبراج والدعائم، بدأ العمل بنسج الأسلاك ومد الطرقات. يحتاج الجسر إلى مائة وثمانية وعشرين كيلومترا من الأسلاك الحديدية، التي شكل تمديدها عملا بالغ الخطورة. أقيمت شبكة سلامة هائلة تحت الجسر أنقذت حياة تسعة عشر عامل بناء تحولوا لاحقا إلى فريق نخبة عرف باسم نادي الجحيم. ولكن في أحد الأيام القريبة من نهاية البناء ما عادت شباك السلامة تضمن أحدا، فقد مات عشرة رجال عند انهيار سقالة من الجسر مندفعة عبر الشباك.

      افتتح الجسر رسميا عام سبعة وثلاثين بعد أن كلف سبعة وعشرين مليون دولار فقط. وقد كان حينها أطول جسر معلق في العالم.

  أصبح يشكل جزءا من ملامح كليفورنيا، التي تتألف حقيقة من جمال الطبيعة، وجمال من صنع الإنسان. 

  عبر جسر غولدن غيت منذ افتتاحه أكثر من مليار ونصف المليار سيارة وشاحنة. أصبح مشروع ستراوس يرمز إلى مدينة سان فرانسيسكو تماما  كما يرمز برج إيفيل  إلى مدينة باريس.

      تبلغ المحطة الفضائية العالمية مستوى من التعقيد يحول دون تمكن أي بلد من إنجازها بمفرده.  تجتمع ستة عشر أمة للعمل معا على إنجاز أكبر مشروع في تاريخ الفضاء.

   من أهم عناصر البناء الذراع الكندي الجديد الذي هو رافعة تختلف عن جميع رافعات الأرض.

   إنه ذراع طوله ثمانية عشر مترا يزن طنا ونصف الطن مع بنية الخدمات النقالة هذه التي تتحرك من حول المحطة الفضائية حتى أنها تتحرك من بداية المحطة إلى نهايتها كالدودة الهائلة التي تجول ضمن المحطة وتأخذ أجزاء منها لتركيبها، تأخذ القطع من المكوك لتعزز البنية قطعة بعد أخرى على مر السنين، لتبني أكبر مشروع علمي فضائي في التاريخ.

  في آذار مارس من عام ألفين وواحد، تولى كريس هيدفيلد جمع وتركيب الذراع الكندي في محطة الفضاء الدولية ناسا. ومع ذلك لا يمكن لروبوت يساوي مئات الملايين من الدولارات أن يحل محل اللمسة البشرية. تتوفر غالبية  الأدوات التي يستعملها رجل الفضاء في صندوق أدوات أي عامل ميكانيكي.

   من بين الفوارق في الفضاء أن إسقاط الأدوات لا يسمح باستعادتها لأنها تحلق بعيدا. 

  يستعمل على الأرض حزاما للأدوات ويعلق حزاما لها على البزة الفضائية  وهو يعلق بثبات علما أنه مصنوع من الألمنيوم والستانليس ستيل، وقد أجريت بعض التعديلات الخاصة بمحطة الفضاء. عند امتلاء البزة يصبح المرء منفوخا كمفتول العضلات فيخرج ذراعيه  ما يخلق مساحة ميتة تحت لذراعين، لهذا أضيفت  العلاقة التي تصلح لتثبيت الأدوات تحت الإبط التي تربط عادة بسلسلة ، وهكذا يمكن طيها  بعيدا حتى يحتاجون إليها فيخرجونها للاستعمال.

   يشكل أي بناء في الفضاء إنجازا عظيما، ولكن هذا أكثر من مجرد استعراض للقدرات والكفاءة التكنولوجية. فالمحطة الدولية هي نقطة انطلاق لتحقيق أحلامنا في استكشاف المستقبل.

     المرتبة الثالثة في مشاريع البناء الأولى في العالم لقناة باناما.

     وصف المهندسون العاملون في القناة أنها أعظم مشروع قام به الكائن البشري المعاصر.

     تم شطر كتلة من اليابسة التي تشكلت عبر مئات الملايين من السنين لإيجاد طريق طوله ثمانين كيلومترا بين المحيطين الأطلسي والهادي سيغير مجرى التاريخ.

   شكل هذا تحقيقا لحلم أمريكي قديم، فنحن أمام كتلة من اليابسة التي يصعب عبورها بالسفن التي كانت تضطر للذهاب إلى جنوب القارة الأمريكية.

   عام ألف وثمانمائة وتسعة وتسعين، أصبح تيدي روزفلت رئيسا للولايات المتحدة، وقد كان مصرا على تحويل الحلم الأمريكي إلى حقيقة أرادها الآخرون ممر تجاري عالمي، وأراده روزفيلت ملكا لأمريكا. 

     توفر القناة ثلاثة عشر ألف كيلومتر من رحلة بين نيويورك وسان فرانسيسكو. كما تمكن البحرية الأمريكية من السيطرة على البحر في الطرفين. ولكن باناما كانت من أصعب وأخطر مواقع العمل في العالم.

     عام ألف وثمانمائة واثنين وثمانين بدأت فرنسا ببناء القناة ثم توقفت بعد عشر سنوات أنجزت خلالها ثلث العمل وفقدت عشرين ألف عامل.

   بناء القناة في منطقة بناما وسط مناخ استوائي تكثر فيه الأفاعي والبعوض والحمى الصفراء، إلى جانب الدعم اللوجستي بالمعدات ونقل البشر وبقائهم هناك طوال تلك السنوات يعتبر أعجوبة حقيقية.

    بدأت المحاولة الأمريكية لإتمام القناة بالتحكم بالأمراض والبناء المدني فحفر العمال قنوات صرف صحي جديدة ورصفوا الشوارع. قدروا كلفة القضاء على البعوضة بعشر دولارات برش مناطق التوالد وتجفيف المستنقعات، حتى تمكنوا من القضاء على الحمى الصفراء والملاريا.

     عام ألف وتسعمائة وستة أصبح هناك أربعة وعشرين ألف رجل يعملون في القناة بالديناميت بالإضافة إلى ستين مجرفة بخارية تحفر الأرض من حولها، شكل ذلك أكبر مشروع حفريات عرفته البشرية. شيدت سكك الحديد لإزالة التربة والصخور ونقلها إلى السد الترابي الذي شكل أكبر بحيرة يقيمها الإنسان في العالم. 

     بدأ المهندسون حينها ببناء هَويس القناة،  التي شيد كل منها عبر هيكل سمنتي هائل طوله ثلاثمائة وخمسة أمتار وعرضه ثلاثة وثلاثين مترا. شيدت البوابات الهائلة أجزاء في بنسلفانيا تم جمعها في باناما.

   قاموا بإنجاز المشروع بطريقة إنتاجية واسعة النطاق يمكن تسميتها بالهندسة المدنية الواسعة النطاق التي شكلت ملامح أرضية حقيقية.

   تغلبوا على الأمراض والبعوض والحرارة، إنه عمل بطولي.

   شكل هذا أول عجائب التكنولوجيا في القرن العشرين، وبعد ثمانية وسبعين عاما من بنائها ما زالت قناة باناما تشكل حجر أساس في فنون العمران.

     جاء عشرات الملايين من البشر إلى مدينة نيويورك طوال سبعين عاما للوقوف أعلى مبنى إمباير ستيت.

  يعتبر الأمريكيون مبنى إمباير ستيت نتاج سباق، والحق في امتلاك لقب أعلى مبنى في العالم.

     وثق هذا السباق في متحف ناطحات السحاب في نيويورك. إنها قصة أصحاب الملايين بنزعاتهم النرجسية، وبنائين يبحثون عن أمجاد، وبلدان تسعى لإبراز مكانتها في العالم.

   أن يدفع البنّاء أو صاحب مشروع عمراني لتشييد برج محاولة بناء الأعلى في العالم، فكرة غير منطقية غير جديرة بالثقة، ولكن النرجسية تدفع أصحابها لإبراز أنفسهم. لهذا يفعلون ذلك.

   تغيرت ملامح أجواء نيويورك عام تسعة وعشرين عبر منافسة شرسة تهدف إلى بناء أعلى برج في نيويورك.

      كان مبنى بنك مانهاتن أول من فاز باللقب، وبعد أسبوعين فقط ارتفع مبنى كرايزلر إلى ما هو أعلى.

     ولكن في هذه الأثناء كان مبنى آخر قيد الإنشاء جاء ليحسم سباق ناطحات السحاب في نيويورك.

     ما كان لمشاريع ناطحات السحاب هناك أن تنجز لولا صناعة الحديد. يحتاج العمران إلى أميال من القضبان والأعمدة الحديدية التي بلغ وزن بعضها أربعة وأربعين طنا. ساهم غياب المباني المجاورة إلى انتصاب الأعمدة حال وصولها، وأحيانا ما كانت تنتصب ساخنة من أفران المصانع بعد إنزالها من الشاحنات لتصعد مباشرة إلى طبقات المباني العليا. وصف أحد العمال ما جرى بأنه شركة للتركيب سوى أن البضاعة المنجزة تبقى في مكانها، لتنتقل الشركة نفسها إلى مكان آخر.

   السرعة التي كانت تبنى فيها وعملية المسمرة ورؤية البرشام الساخن وهو يسخن.. أصبح كل شيء اليوم يلحّم ويسمّر  لم يعد الأمر مثيرا كتسخين المسامير وحشوها لترابط الأعمدة عملية تختلف تماما.

   ما زالت مشاهد العمال وحركاتهم البهلوانية في أماكن العمل تبعث على الإثارة.

  إن كان المرء مهندسا في الحديد عليه أن يصعد إلى هناك ليقف على لوح من الحديد القليل العرض في الطابق الأربعين في عملية مخيفة. أي أن الأبطال الحقيقيين هم الذي قاموا ببنائها.

   رفعت صروح إمباير ستيت بسرعة هائلة، حتى تمكن العمال مرة من بناء اثنين وعشرين طبقة في اثنين وعشرين يوما، بما في ذلك الحديد والإسمنت والحجارة وغيرها. انتهى المشروع بكامله خلال عام واحد وخمسة وأربعين يوما.

     حمل إمباير ستيت لقب أعلى مبنى في العالم لأكثر من أربعين عاما.

   يتحدى الجاذبية، تعتبر من أعلى ناطحات السحاب.

    تم تخطيها في الارتفاع اليوم عدة مرات، إلا أن إمباير ستيت بقي رمزا فريدا يصعب نسيانه.       

     إن أعظم إنجاز عمراني في القرن العشرين، شيد بشراكة بين بلدين ليشكل نموذجا حيويا لأوروبا الجديدة.

     أقيم نفق أورو تحت البحر الفاصل بين إنجلترا وفرنسا، بعد أن شكل حلما بالنسبة للمهندسين طوال عدة قرون، لبناء نفق طوله خمسين كيلومترا تحت القناة الإنجليزية.

     انطلق النفق من إنجلترا وفرنسا ليلتقي في الوسط، وقد تألف من ثلاثة عناصر، اثنان للسكك الحديدية ونفق خدمات أصغر في الوسط.  اعتمد الجزء الرئيسي على أدوات حفر أنفاق عملاقة مسلحة برؤوس قاطعة.

   ما عرف في حفر النفق أساسا هو مستوعب معدني هائل. لا تتخيل علبة هائلة وضعت عجلة في مقدمتها تعززت بأسنان. كانت التفاف العجلة يؤدي إلى حرث التربة والصخور، أما في الخلف يوجد مضخات تدفع كل شيء إلى الأمام. مع تقدم المعدات تستمر عملية قضم التربة والصخور، وهي تعتمد على لوحة معدنية تسحب التربة وتدفعها إلى شاحنات في الخلف.

  كان هناك أحد عشر آلة لحفر النفق، يصل ارتفاع أكبرها إلى تسعة مترات وطولها مائتين وستين مترا.

   آلات حفر الأنفاق معدات شرهة، يمكن لكل آلة أثناء العمل أن تتولى ثقب جزء من النفق وضمان استقامته خلال خمسة وعشرين دقيقة.

   ساهمت الجيولوجيا في حفر نفق أورو. يتألف قاع البحر في قناة إنجلترا من عدة طبقات مختلفة، ولكن المهندسين عثروا على طبقة كلسية هي الأنسب للنفق.

   حين يتأمل المرء في انحناءات القناة يلاحظ أنها تتمايل هبوطا وصعودا وما شابه، يتساءل لماذا يفعلون ذلك لماذا لا يقيمون النفق بشكل مستقيم يسهل عليهم ركوب القطار ويختصر الوقت إلى آخره. كان عليهم أن يحفروا في الصخور الكلسية.

   كان نفق الخدمات أول ما يجتمع في الوسط، على مسافة اثنين وعشرين كيلومترا من المملكة المتحدة وخمسة عشر كيلومتر ونصف من فرنسا. وقد اعتمد نجاح المشروع بكامله على هذا اللقاء.

     وقف الجانبين آلاتهما الكبرى على مسافة مائة متر من بعضهما.

     فتح ثقب تجريبي صغير من الجانب البريطاني، ثم بدأت الآلة الفرنسية بالحفر نحو الثقب وبحثا عنه، حتى عثرت عليه في الثلاثين من تشرين أول أكتوبر ليتأكدوا منذ تلك اللحظة أن كل شيء سيكون على ما يرام، علما أنهم لم يتأكدوا من كل شيء تماما حتى ذلك اليوم.

   أنجزت الأمتار المائة الأخيرة في النفق يدويا، بأدوات ورفوش عادية. كانت لحظة تاريخية هنأ فيها العمال الفرنسيون والبريطانيون بعضهم بعضا.

     القناة الإنجليزية التي كان لها دور في نزاعات مختلفة قد أخضعت للتجارة. مع إنجاز نفق أورو تغيرت الخريطة التجارية لأوروبا بأكملها.

   أعتبر مشروع فتح ثلاثة أنفاق نحو فرنسا تلتقي في الوسط بخطأ لا يتعدى الإنش الواحد، من عجائب البنيان في هذا العصر.

   كانت هذه المشاريع العمرانية العشرة مفعمة بالصعاب، إلا أنها نجحت في الإطار العام، فقد حبست أنهر هائلة لخلق واحة وسط الصحاري، وغيرت ملامح المدن، كما عدلت جغرافيا القارات، لقد غيرت العالم.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster