|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
العمران
سنتحدث هنا عن تطور العمران، وترميم المباني والنصب التذكارية، وصنع النسيج. سجل ظهور القناطر ثورة في عالم الأعمار. وكان الرومان أول من استعمل مبادئ بناء القناطر بشكل تام ومتكامل وضمن احتمالات متعددة، كل هذا قبل بضعة قرون من الميلاد. منذ عهود الإمبراطورية الرومانية شهدت هذه التقنيات الكثير من التعديل التحسين . منذ بدء التاريخ البشري والإنسان يبذل ما بوسعه لرفع صروح نصب تذكارية يتحدى قوانين التوازن. يكمن التحدي العمراني الكبير في بناء سقف لمبنى.
بالنسبة للكاتدرائيات مثلا، كان الهدف أن يعلو السقف بقدر الإمكان، بما يمنح المكان متسعا للهواء المنعش فيه. وقد مكن اكتشاف العقود من تحقيق مثل هذه المزايا. والعقد هو هيكلية صخرية على شكل قوس. في ابسط أشكاله يبدو أشبه بنصف الدائرة، وقد حمل ألقاب كثيرة لها صلة بمواصفاته. من هذه الأسماء عقد المهد وهو يكمن بصخور إسفينية الشكل، تحمل نفسها بنفسها وهي تتجه نحو الأسفل. وهي نتيجة شكلها تدفع أحدها الأخرى. كل صخرة تشكل ضغطا على الصخرة التالية، ما يمنعها من السقوط. تمسك الصخور بعضها ببعض بعامل الضغط. هناك صخرة تحمل لقب الصخرة القفل، وهي تلعب دور الإسفين الذي يقفل العقد في نقطة ذروته، ما يبقي الهيكلية متوازنة. تمارس حجارة عقد المهد صلابة نحو الخارج تعزز الجدران التي تدعمها.
تنجم قوة الدفع هذه عن الضغط الذي يمارسه كل حجر على الحجر الذي يلازمه أو إلى جانبيه. لتحمل هذا الضغط الذي يميل للدفع نحو الخارج، وفي اتجاه منحرف،لا بد ان تتميز الجدران بسماكة وصلابة كافية،بأقل عدد ممكن من النوافذ. في القرن الحادي عشر تم تطوير عقد المهد بوضع اثنين منها في زاوية قائمة وبالتالي إقامة عقود الحنايا. كانت عقود الحنايا قد ظهرت للمرة الأولى في العمران الروماني، لتنبعث من جديد في القرن السابع عشر مع تطور الكلاسيك، الذي كان متأثر جدا بالعمران الروماني. تلاقي العقدين الأسطوانيتين المضاعفين يفسحان بالمجال أمام أربعة حجيرات. ببناء خط عرف بخط الحني يفصل الحجرتين عن بعضهما البعض. تجتمع العقود معا عبر حجر يقفلها معا، إلا أن الحنايا بشكل أساسي هي التي تحمل الهيكل، يتم ذلك بتركيز الحمل على الأعمدة الأربعة. إذا كانت الأعمدة كبيرة بما يكفي يمكنها ان تحمل حنايا أخرى. عقود كهذه يمكنها أن تتماسك لتحمل أسطح كبيره. على سبيل المثال يمكن ان توضع على شكل صليب كما في الكنائس. حتى لو كانت العقود والأعمدة متماسكة بصلابة إلا أنها تميل دائما نحو الخارج. تكمن إحدى السبل المتبعة لامتصاص الدفع ببناء عقد مشابه في مواجهته. وهكذا فأن دفع عقدين متشابهين سيلتقي عند نقطة مشتركة لهما. دفع كلا منهما سيلغي الأخر، ما يضمن التوازن في الهيكلية. كما ولاحتواء الضغط القادم من الجدران الخلفية والجانبية للهيكل، رفعت صروح ركائز لتدعم الجدران من الخارج. تم بناء هذه الركائز على التوالي ومقابل بعضها البعض كما والركائز الداخلية. في سعيهم للحصول على قناطر خالدة في المتانة، طور البناءون ما يعرف بالعقد المضلع، والذي أطلق عليه العقد القوطي على اعتبار انه جزء من البناء التقليدي القوطي. يتشكل العقد المضلع من مفصلين متقاطعين يشكلان معا عقدا مروسا. لبناء عقد مضلع لا بد ان تأتي الأعمدة الأربعة التي تحمل العقد قريبا من بعضها البعض. نتيجة عاموديته وشكله المروس يضغط العقد المضلع بشدة نحو الخارج واندفاع بالعماد على أعمدته . لمواجهة هذا الدفع، تثبت اذرع طائره تأتي من خارج الجدران لتدعم العقود وتوازن الضغط الناجم عنها. تعتبر الأذرع بمثابة عقود بربع دوائر، وهي تدفع الوزن باتجاه الركائز العامودية القائمة بثبات على الأرض.
بالإضافة الى دورها الداعم، تجمع هذه الأذرع الطائرة مياه المطر وتدفعها عبر أنابيب تسمى بالمزاريب. الدعائم والعقود الطائرة عنت بالنسبة للكنيسة حينها ألا داعي أن تكون جدرانها كبيرة بعد. اصبح بالإمكان أن تنفتح وتتسع وتتحلى بألواح زجاجية كبيرة الحجم. فعلى سبيل المثال كنيسة كوليغالمانتي، القريبة من باريس، صممت على الطريقة القوطية الكلاسيكية، في أواسط القرن الثاني عشر. مع نهاية القرن التاسع عشر أصبحت المعادن من أهم المواد العمرانية. على خلاف الحجارة كان للحديد القدرة على تحمل التوتر. وكانت استخداماتها تخصص للهياكل الأخف . فيما بعد شكل الالإسمنت ثورة في مبادئ العمران. إذ أنه فسح المجال للعمران المرتفع بالاعتماد على أعمدة، حررت الجدران من وظيفتها في حمل البناء. أصبحت المباني ترتكز حينها على مجموعة من اللأعمدة والروافد. أضف الى ذلك أن نظام الأعمدة جعل بالإمكان تحديد التوزيع الداخلي حيث ما يراد له أن يكون تحديدا. لحسن الحظ أن التقنيات المعاصرة ما زالت قادرة على إنقاذ هذه النصب التذكارية التي هي بمثابة شواهد على التاريخ البشري. رفعت صروح الكاتدرائيات في العصور الوسطى وعصر النهضة بجهود بشرية لا تقدر بثمن. إذ أن بعضها احتاج لمائة عام لإتمام إنجازه. مرور الزمن وما يعنيه من تآكل بالإضافة إلى تلوث القرن العشرين تشكل اليوم تحديا خطرا لهذه النصب. أصيب الكثير من هذه المباني بالعناء الشديد، متأثرة بمرور الزمن وتلوث الهواء وتآكل المياه. ويحاول الأخصائيون إنقاذها عبر مجموعة من الأساليب المنطبقة بألطف السبل الممكنة. لتنظيف مساحة واسعة كما هو حال واجهة المبنى، يكمن الأسلوب التقليدي بتعريض الحجارة للمياه النقية الجارية. يمكن أن تبقى المياه جارية فوق الحجارة لفترة من الوقت، تتراوح بين بضع ساعات وبضعة أسابيع. حتى تتمكن المياه النظيفة من حمل الأوسأخ معها. كمأ أن الميأه تجرف أيضا الأملاح المعدنية المتجمدة على أسطح الحجارة. قد تصبح الصخور المعرضة للإصابة هشة جدا لدرجة أنها قد تتفتت عند تعرضها لأدنى الصدمات. وقد حدث ذلك في بعض المباني. يتم اتباع تقنيات حديثة لتنظيف النصب التذكارية دون إيذاء الحجارة فيها. أشعة الليزر ليست كاشطة إذ أنها لا تعني إطلاقا أي اتصال فيزيائي بالحجر. تمتص الطبقات الخارجية أشعة الليزر لتتحول إلى غبار. إلا أن الحجر العاري تحتها يعكس طاقة هذه الأشعة. سطح الحجر الذي تم تنظيفه لا يمتص هذه الأشعة وبالتالي لا يتعرض للمس. هذه العملية التي هي جديدة نسبيا في عالم الترميم، هي بمثابة تعديل لتقنية مشابهة كانت تستعمل منذ فترة في الحقل الطبي. تأتي أشعة ليزر من قضيب كريستال يعتبر سطحه النهائي متواز بالكامل. ليوضع بين مرآتين. أنبوب من الضوء يخرج نورا مركزا يحيط بالمصدر. بريق مقتضب ومركز من النور يستفز بعضا من الذرات الكرستاليه. حين تعود هذه الذرات إلى حالتها الطبيعية، تنجم عنها الفوتونات، وهي الجزيئات التي تشكل الضوء. ثم تتبدل هذه الفوتونات من نهاية في القضيب الى أخرى عبر انعكاسها في المرآتين. تنجم عن ذلك موجات من النور متساوية تماما في الذبذبات والمراحل المتكاملة. عند اكتسابه ما يكفي من القوه، تخرج موجات الضوء عبر إحدى طرفي المرآتين الشفافتين نسبيا. يرسل الليزر المستخدم في الترميم ومضات قصيرة جدا، طول كل منها جزء من بليون من الثانية. يحول قصر هذه الومضات دون تسخين المادة التي تخضع لها، الا أنها تركز كمية عالية من الطاقه، تساوي مائة ميغاوات في السنتيمتر المربع الواحد. حين تصطدم أشعة لايزر بالحجر، تبلغ قوة الصدمة درجة تؤدي الى تحطم طبقة التكلس وتحولها إلى غبار. المستوى العالي من الدقة والاختيار في هذه العملية تسهم في الإسراع بالتنفيذ أيضا، إذ يمكن تنظيف قطعة بحجم وجه الإنسان بأقل من عشر دقائق. كما انه أسلوب مناسب لتنظيف زجاج النوافذ والأجزاء الصدئة من المعادن، كما هو الحال في القطع الفنية والتماثيل. إلا أن الحجارة حين تتعرض للتلف الشديد لا بد من تبديلها. يجب أن ترسم الحجارة على الورق أولا، لتسحب بعدها من الجدار. ثم تقاس بكل دقة حتى الميليمترات منها. انطلاقا من ذلك يتم قطع الحجارة الجديدة. من المناسب جدا أن تقطع هذه الحجارة من المقالع ذاتها التي أخذت منها الحجارة الأساسية للمبنى. تأتي الصخرة الخام الى المعمل بحجم يبلغ عدة أمتار مكعبة.ليتم تحويلها آليا الى حجارة صغيره. يتولى قاطع الحجارة تشذيب كل حجر على حداه يدويا. ليجعلها متشابهة تماما بالحجر الذي رسم على الورق. تحمل الحجارة بعدها إلى الموقع بحيث توضع في أماكن فراغاتها. لتثبت بعدها بالملاط. هناك تقنية أخرى تمكن الأخصائيين من قياس الأضرار التي تعرضت لها بعض المباني عبر الزمن. وهي تعرف بفوتوغرامتري. بعد تحديد الهيكلية التي تحتاج للدراسة. تؤخذ لها بعض الصور. لا بد من أخذ الصور من موقعين وزاويتين مختلفتين تماما. تؤخذ القياسات أيضا بين عدة نقاط للهيكلية. تتعرض هذه الصور للدراسة والتحليل المخبري الدقيق. يتم ذلك من خلال جهاز يعتمد على عدستين وهو يعرف بلقب ستيريوكومباراتور، ما له صلة بالمقارنه. يستطيع المحلل ان يرى هيكلية الصورة بأبعاد ثلاث. فيقوم بدراسة ذلك النموذج المحدد ويقيسه وفق أبعاده الثلاث. يتم بعدها رسم نموذج ثنائي الأبعاد على الكمبيوتر. هذا النموذج يمكن الخبراء من تحليل قطعة البناء بأدق تفاصيلها، وبالتالي التعرف على كل التشوهات البنيوية فيها.تفتح هذه التقنية بالمجال للاعتناء بميراثنا العمراني للذاكرة، وتمكن من ضمان صيانتها. في النسيج على مدار الثلاثين عاما الماضيه، كان نوع آخر من البناءين قد تمكنوا من الحصول على هيكلية جديده من أعمال النسيج. فتوصلوا إلى أقمشة جديده صنعت من الألياف الصناعية المقاومة جدا. ما مكنهم من القيام بأعمال ما كانت لتخطر ببالهم قبل أعوام قليلة من ذلك. يسعى مهندسو اليوم للتحرر من الأشكال وتخفيف أوزانها وزيادة بريقها.وهناك العديد من المواد الجديدة التي تسمح لهم بذلك. تكمن حد الأمثلة على التوجه نحو النور في صناعة أشكال هندسية من قماش بما يشبه السكن. يمكن لهذه الأقمشة ان تستخدم في تغطية نصب تذكاريه، كما يمكن استخدامها أيضا في بناء هياكل مقفلة بالكامل. تكمن هياكل القماش تحديدا في أغشية من القماش تغطي هياكل من الأطر المعدنية. يمكن أن تتشكل هذه الهياكل من الأعمدة والركائز والعقود المعدنية أو الأسلاك. تعلق أغشية القماش على أطر من البلوليستر والأسلاك المطاطية.
ينجم جمودها واستقرارها عن عملية تعرف بالانحناء المتعارض المضاعف. وهو انحناء يتواجد عند أسطح مختلف النقاط. تتقاطع شبكة من الأقمشة العمودية العليا مع أخرى موازية للسفلى المنحنية نحو الأعلى. الأولى تشد القماش نحو الأسفل، بينما تميل الثانية لدفعها نحو الأعلى. يضمن التوازن في الشد نحو اتجاهي استقرار القماش. فإذا ما انحنت ألياف القماش نحو اتجاه واحد، كما هو الحال في شراع السفن.لا يمكن للغشاء ان يحافظ على شكله. يمكن لأضعف نسمات الريح أن تجعلها تنتفخ. أما الانحناءات المعاكسة فهي تسمح للغشاء بأن يتحمل دفع الرياح الى أعلى. وفي الوقت نفسه تساعد الانحناءات المضاعفة على مقاومة أوزان الثلوجالتي تميل إلى دفع الأغشية نحو الأسفل. التوازن الممكن من خلال الانحناء المضاعف والمتعارض يحدث فقط حين تكون الأقمشة مشدودة بما يكفي. لهذا لا بد من شد الأقمشة عبر عدد من النقاط تتثبت فيها أسلاك لتشكل جدران أو أضلع عمودية. المادة الأكثر استعمالا في صناعة هذا الغشاء هي من البوليستر وكلورايد البوليفينيل او الPVC تصنع أجزاء البوليستر عبر تفاعل كيميائي بين حامض عضوي والكحول. وهي متماسكة مع بعضها البعض في سلاسل طويلة تعرف بالبوليمير.
تشتد هذه السلاسل بعدها لتكتسب المقاومة.
رغم خفة وزنه،يشتهر الفينيل الذي يغطي البوليستر بمقاومة تساوي الأحد عشر طنا لكل متر مربع. يمكن لهذه المادة ان تأوي الأوساخ عبر الزمن، إلا أنها تدوم طويلا إذ أن عمرها يتراوح بين الثمانية الى الخمسة عشر عاما. هناك عدة عناصر أساسيه برزت لتمنح الغشاء هذا القدر من المقاومة والاشتداد. والحقيقة انه يتمتع بنسيج طولي يقدر باثنين في المائة ما يعني أن البوليستر اكثر ليونة وهو يعتد بأنسجة طولية بنسبة اثني عشر بالمائة. التفلون هو بلاستيك يستعمل غلاف لكثير من الأدوات المطبخية. وهو يمنح غشاء القماش عمرا مديدا كما يزيد من مقاومته للحرارة والمياه. تعود نوعية التفلون لتركيبته الكيميائيه، فهو يتألف من سلاسل من ذرات الكربون التي تتماسك مع ذرات الفلورين. بما ان ذرات الفلورين اكبر بكثير من ذرات الكربون فهي تشكل درعا واقيا حول ذرات الكربون. أضف إلى ذلك أن التماسك بين الكربون والفلورين بالغ الصلابة. هذه التركيبة الذرية تجعل من التيفلون قادر على مقاومة الحرارة والشوائب الكيميائية. يحول التفلون أيضا دون تسرب الأوساخ والغبار موجاته ويشعل القماش قادرا على غسل نفسه تحت تأثير الأمطار والعواصف. وأخيرا تعكس الألياف الزجاجية في التفلون مال نسبته خمسة وسبعون بالمائة من حرارة ونور أشعة الشمس. ولهذا يمكن اعتباره بمثابة عازل وبالوقت نفسه تسمح شفافيته بتمرير ما يكفي من الإنارة إلى الداخل. عيبه الوحيد هو انه باهظ الثمن. يمكن لهذا القماش أن يتخذ أي شكل يريده له المشرفين على تصنيعه.هذه الأشكال هي توافق بين أشكال المخروطة والكروية والأسطوانية. في سعيهم للوصول إلى أشكال جديده، يلجأ مهندسي هذا الحقل إلى استخدام أنظمة الكمبيوتر. تساعدهم أنظمة الكمبيوتر على تصميم أشكال لا تسبب للأنسجة أي توتر ذلك أنها توزع هذا التوتر بشكل متواز على مجمل سطح النسيج. بهيكليتها المستقلة وخفة وزنها تعتبر بنيوية الأنسجة المعاصرة حافلة بتفاصيل الخيمة الهندية الأمريكية التي أوحت بها. جلود الحيوانات، ومن ثم الألياف الطبيعية وبعدها الألياف الصناعية... هكذا تطورت صناعة الملابس. إلا أن هاجس الصناعي ما زال على حاله، وهو البحث الدائم عن وجهة الأقمشة وخفتها. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2012م