اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 عالم الآثار - مسيرة موت دي سوتو
 

هيرناندو دي سوتو

 

        وصفت مأثرة إيرناندو دي سوتو طوال عدة قرون بجولة استكشاف بطولية.

        ولكن علماء الآثار يتعقبون خطاه اليوم لاكتشاف أدلة على بطولاته، دون أن يجدوا إلا بقايا حزينة من الأعمال اليائسة وانتحار غير متعمد.

        هناك آلاف من هذه الهضاب التي تنتشر في جنوب شرق الولايات المتحدة. وقد بقيت أشباحها لغز يحير كل من ينظر إليها. ترى من الذي رفعها؟ لا يمكن أنها ليست من صنع المتوحشين الذي اتهمهم بها مؤرخي القرنين الثامن والتاسع عشر، مشيرين بذلك إلى السكان الأصليين. أو ربما صنعتها أمة جاءت ورحلت قبل وصول الأوروبيين إلى أمريكا، وهكذا اعتبرت جزءا من ما قبل التاريخ المنسي إلى الأبد.

        قام علماء الآثار مؤخرا بتتبع مسيرة الغازي إيرناندو دي سوتو، بحثا عن سبل تكشف أسباب موت الهنود.

        ما زالت لوحات الكابيتول تستعرض الرؤية الرومانسية للغازي التي تستمر بتكريم وصول المستكشفين إلى القارة الأمريكية. ولكن الأبحاث تكشف عن قصة سوداوية.

        يعمل علماء الآثار على تعقب خطوات الغازي الكبير إيرناندو دي سوتو بدافع البحث عن باني الروابي الذي اختفى بغموض. أدت حفرياتهم عبر جنوب شرق الولايات المتحدة إلى تسليط أضواء جديدة على طريق دي سوتو،  لتكشف عن مسيرة معززة بعلامات مجازر بشرية. 

عند وصول دي سوتو إلى فلوريدا كان من كبار أثرياء البحار الإسبان المغامرين في أمريكا.

        وصل دي سوتو إلى أمريكا وهو في الرابعة عشرة من عمره. وقد حقق نجاحا كبيرا في غزواته حسب مقاييس العصر. فقد شارك في سلب المجتمعات الأمريكية في أمريكا الوسطى. كما ساهم من الأخوين بيسارو في نهب إمبراطورية الإنكا. حتى أصبح ثري جدا.

        ولكن الثراء وحده ما كان ليشبع أطماع دي سوتو، الذي كان مستعدا للمخاطرة بثرواته في سبيل ترك بصماته على التاريخ، فنظم رحلة على حسابه الخاص بحثا عن الدوروادو.

        لم يأت أي من الغزاة إلى القارة الأمريكية وهو يفكر بالبقاء فيها. بل أرادوا المجيء إلى هنا للبحث عن الدورادو، والحصول على ذهب الإنكاس، وإن لم يعثروا على أي منهما كانوا يعودون دون أي مقابل في الأجر أو الرتب. أي أنهم كانوا يدركون أنهم بين المطرقة والسندان مجبرين على صنع مكانة لأنفسهم في أمريكا. سبق للبعض أن فعل ذلك من قبل، لهذا لم يكن هناك ما يدعو للشك بقدرتهم على ذلك أيضا.

        بعد سلب الثروات العظيمة لإمبراطورية الإنكاس، وجه الإسبان أنظارهم نحو الشمال، من حيث جاءت شائعات الذهب والفضة والجواهر التي لا يتخيلها العقل، حتى في مملكة الإنكا العظمى.

        الواقع أن قلة من الحلى أخذت من سكان الشمال الأصليين، ولكن مفارقات التاريخ الكبرى أبت إلا أن يجهل الغزاة أن المصدر الرئيسي لهذه الثروات هو حطام سفنهم الشراعية.

        مع نهاية عام ألف وخمسمائة وثلاثين، كانت الثروات تشحن عبر قوافل إسبانية انطلق بعضها من شواطئ المكسيك، ودارت حول الخليج، وسارت عبر شواطئ خليج فلوريدا، لتنطلق من هناك صعود عبر مضيق فلوريدا. وقد تحطب العديد منها بسبب عواصف الصيف والأعاصير فانقذ السكان بجزء من قطعها الذهبية والفضية. لهذا نعثر على بعض الفضة والذهب في مواقع الهنود القديمة، ولكنها تأتي مباشرة من أمريكا الوسطى والجنوبية.

        كان لهذه المفارقة التاريخية الغريبة أن تغير مصير الغازي الإسباني العريق  دي سوتو الذي وصل إلى أمريكا عام ألف وخمسمائة وتسعة وثلاثين، عبر خليج تامبا. كانوا حوالي سبعمائة رجل انطلقوا في حملة للبحث كل عن ثروته.

        عندما توقفوا عن طلب الوجهات ما كانوا بحالة تسمح لهم بقبول ترضية تافهة.

                  كان دي سوتو كلما وصل إلى مكان جديد يسأل أسراه سؤالين رئيسيين: أين أجد أعظم أمير في المنطقة؟ وأين أجد أغنى وأكبر وأعظم مجتمع؟ وكان يسأل الهنود أيضا عن المعادن الثمينة الفضة والذهب. كان الاسبان يعرضون الجواهر على الهنود ويشيرون إليها بأصابعهم قائلين أين سأعثر على هذا وأين سأعثر على ذلك؟

        ربما حاول بعض الهنود تضليلهم وهناك حالات نعرف أنها فعلت ذلك، ولكن الغالبية أخبرته عما يريد أن يعرفه، ذلك أن أسلوبه في استخراج المعلومات كان كبيرا كما أن إمكانيات التعذيب كانت متوفرة.

        حافظ ديسوتو على أنه مبعوث من الملك عبر قراءة بيان على كل من مجموعات الهنود التي التقى بها معلنا أنهم وكل أراضيهم أصبحت ملكا للتاج الإسباني، وأن عليهم الانتماء منذ الآن لإسبانيا وقبول الكاثوليكية دينا.

أما إن رفضوا فكان البيان يقول: سندخل أراضيكم بمعونة الله وبالقوة ونزرع الحرب في كل مكان وعبر كل السبل المتوفرة لدينا. وسنأخذكم ونأخذ نساءكم وأطفالكم لتكونوا عبيدا، ونستولي على ممتلكاتكم، ونسبب لكم كل ما نستطيعه من الإساءة والأذى.

        بعد أن يحدد ما أسماه بالأسس القانونية للحرب، كان ديسوتو يبدأ مشروعه في زرع الدمار والاستعباد مرتاح الضمير.

        جاء الإسبان إلى أمريكا  من أجل الذهب والله والمجد، ولكن من الواضح أنهم جاءوا كذلك بحثا ععن العبيد.

        حملوا معهم قيود حديدية للأرجل وسلاسل لاستعباد الهنود، ولا شك أنهم أثناء غالبية الحملة كانوا يملكون أعدادا من الهنود العبيد تفوق أعضاء الحملة، ما يعني أن أعداد الهنود كانت أحيانا ما تصل إلى تسعمائة شخص. بما في ذلك العبيد الهنود الذين كانوا برفقتهم.

        كان دي سوتو يعتمد تكتيك القبض على الزعيم، الذي لم يكن ذات أهمية اقتصادية وسياسية لشعبه، بل كان أيضا محورا لحياته الدينية.

        لهذا كان القبض على الزعيم يشل السكان المحليين دون استثناء، ويجعلهم يركعون أمام الاسبان مباشرة.

        أما السبب في ذلك فهو أن الزعماء كانوا محورا فكريا لعالمهم، وهو صلة الوصل التي تربطهم بالعالم الآخر. وهكذا فإن أهمية الزعيم تكمن في اعتباره صلة الوصل الفكرية بأجدادهم الموتى في العالم الآخر.

        كانت مصادر المعلومات الوحيدة عن مآثر دي سوتو مع الثقافة الهندية تنبع فقط من مذكرات كان يكتبها ويحفظها لدى أعضاء من وحداته.

        وقد قرر علماء الآثار الاعتماد على هذه المذكرات لتعقب محطات مسيرته بعد هذه السنين.

        هناك في الواقع ثلاث مذكرات مباشرة كتبت على أيدي مشاركين في حملته ممن كتبوا مذكرات يومية عن محطاته. يقتصر ما نقوم به على أخذ هذه المذكرات والعودة إلى الخرائط، في محاولة للعثور على تلك الأماكن. أين يوجد بحيرة كبيرة؟ أين يوجد قرية كبيرة؟ ونستمر على هذا النحو من عمل أشبه بالتحريات التي تأخذ معلومات قليلة وتجمعها معا لترى ما هو الاحتمال الأنسب. وهكذا أعدنا بناء خط سيره.

        يؤكد علماء الآثار أن البحث عن بقايا الاسبان، هو أفضل طريقة للعثور على ما تبقى من الثقافة الهندية.

        سنعتمد على علم الآثار للتوصل إلى أدلة على مدى تأثير الاسبان على السكان الأصليين. والحقيقة أننا نشاهد على طول الطريق صورا وأدلة رهيبة واضحة، كعظام الهنود التي بقيت من شعوب عاشت هنا عام ألف وخمسمائة وتسعة وثلاثين، وتعرضوا للتقطيع بأسلحة إسبانية.

        من أهم مواقع الاتصال في فلوريدا رابية تسمى تاتوم، وجد علماء الآثار فيها على ثلاثمائة جثة، مات أصحبها في نفس اللحظة تقريبا. أما سبب الوفاة فهي سوداوية الوضوح.

        تشمل هذه المجموعة من الناس عظاما تكشف بوضوح عن ضربات سيوف اخترقتها. من أبشع هذه المشاهد تلك الخاصة بكتف ضحية بتر كليا بضربة سيف يحتمل أن تكون قد تسببت بقطع ذراعه الأيمن كاملا. كان من عادة الاسبان أن يقطعوا الأوتار والعضلات في الأرجل أولا، ما يسقط الضحية أرضا، وبعد ذلك يقطعون رسغيه لتسقط يديه بما تحملهما، وأخيرا يذهبون لتوجيه ضربة الرحمة القاضية، إما على راسه أو في أي مكان آخر. لا شك أنهم كانوا يقتلون في الاشتباكات الثانوية الصغيرة التي كانت تقع هناك.

        تؤكد المذكرات أن الهنود قاتلوا بعنف لا يقل عن الإسبان وذلك عبر المشاهد الرهيبة التي سجلت هناك.

        نصب الهنود كمائن لأعدائهم بحذر ومهارة شديدين، لدرجة أن الإسبان ما كانوا يبتعدون أكثر من مائة متر عن مخيماتهم. 

        كانوا يضربون الاسباني بالرمح ويقطعون رأسه في آن معا. وتقول المذكرات: رغم محاولتنا لإسعاف الرفاق الذين يتعرضون للإصابة كنا نجدهم دائما مقطوعي الرؤوس بلا جدوى.

        ولكن الإسبان كانوا يملكون أسلحة فتاكة.

        كانوا يملكون النشابة والهركوبة والمدافع. وهي أسلحة جيدة، بل هي الأفضل حينها، بالإضافة إلى ركوب الحصان. وعندما يتعرض الإسبان إلى الخطر عادة ما يطلقون العنان لفرسانهم الذين يتغلبون على الهنود بعنف. يمكن مقارنة الفرسان في ذلك الوقت بدبابات اليوم، إذ كان يعتمد على السيف والدرع والكلاب الشرسة جواد القتال الذي كان لا يخترق، ما يجعله قادرا على مهاجمة الهنود بالخيل وهزيمتهم أو قتلهم.

        كان السلاح الأساسي للهنود يكمن بالهراوة والقوس والرمح، وأحيانا ما يملك الحراب، التي لا أعتقد أنها كانت واسعة الانتشار. أما المقاتل الاسباني فهو يركب الخيل ويطلق الرماح معززا بالكلاب الشرسة.

        كان الاسباني  يطلق العنان للكلاب المحاربة من على ظهر جواده.

        كان الهنود عاجزون عن التغلب على الجياد أو على الكلاب.  كانت كلاب مدربة على الحرب،  ولكنها في الأصل ذئاب ايرلندية، أليفة ولكنها معدة ومدربة خصيصا لقتل البشر.

        ولكن يجب أن نفهم بأن دي سوتو وجيشه قد جاءوا لأداء وظيفة محددة، تتلخص بالاستطلاع والغزو والاستيطان. وما كان هناك ما يمكن أن يحول دون قيامهم بذلك. أحيانا ما كانت حياتهم تتعرض للخطر لهذا كانوا يبذلون كل ما بوسعهم. قد نعتبر في معايير اليوم أن سلوكهم كان بالغ القسوة.

        بدا يوم الثامن عشر من تشرين أول أكتوبر من عام ألف وخمسمائة وأربعين، وكأن الهنود قد ضاقوا ذرعا،   فخططوا لنصب كمين محكم للقضاء على الإرهاب الإسباني إلى الأبد.

أعد الزعيم الهندي توسكالوسا في قرية موفيلا هجوما مباغتا ضد سوتو وجيشه.

        كان الاسبان يذبحون الهنود حيثما حلوا، ويثيرون حمامات من الدم.

        تؤكد مذكرات الشهود العيان حرفيا ما يلي:      قاتل ضدنا النساء وحتى الأطفال ذوي الرابعة من العمر. وفضل الأطفال الهنود قتل أنفسهم على الوقوع في أيدينا، كما قفز البعض في النار بملء إرادته.

        كان إطلاق الرماح هائلا، وهو يخرج بإرادة وعزم لدرجة أن بعضها كان يخترق حراب الفرسان. قتلنا ثلاثة آلاف من الهنود دون أن نعد الجرحى أو الذين ماتوا فيما بعد.

        استرحنا هناك بعد المعركة لمدة شهر، أحرقنا خلاله مساحات شاسعة من الأرياف.

        كانت موفيلا منعطف تاريخي، ومسمار دق في نعش السكان الأصليين وفي صميم تمنيات سوتو في العثور على الذهب.

        يقول أحد الكتاب المتخصصين أن سوتو أخذ يبدد حياته بعد موفيلا، ولا شك انه يعني بذلك حياته وحياة جيشه، إلى جانب حياة الهنود، وذلك لأنه أخذ يشم رائحة فشل حملته، ورائحة الدمار.

        استمر في الضغط على رجاله بشدة، كما ضاعف الضغط على الهنود بشكل خاص، حتى بلغ حده الأقصى عام ألف وخمسمائة واثنان وأربعين، في الشهر الأخير من حياته، حين أدرك بأن فقد كل شيء، وخسر ما لديه، عند ذلك أخذ يهاجم الهنود بوحشية بالغة. كان يشن حملات إبادة ضد جميع القرى التي يمر بها داعيا جنوده لقتل الجميع دون استثناء وذلك بهدف نشر الذعر في قلوب جميع الهنود الذين يسمعون بالحادث.

        كاد الهنود يتغلبون رغم تفوق الأسلحة الإسبانية ووحشيتهم، لولا بعض العوامل السلبية كانتشار الأوبئة. فمع توجه الغزاة غربا كانوا ينشرون الأمراض القاتلة من حولهم. أدى انتشار الأوبئة إلى انخفاض في عدد السكان على مدار القرن السادس عشر وذلك جنوب شرق الولايات المتحدة.

        انخفاض أعداد السكان شديد الوضوح، خصوصا في وادي مسيسبي الأدنى حيث أجريت بعض الدراسات الأثرية. عند مرور دي سوتو من هنا عام ألف وخمسمائة وأربعين، انتشرت حوالي ثمانين قرية بين ميمفيس تينيسي، وباتون روج لويزيانا. مر دي سوتو من هناك وعاث خرابا ودمارا طوال خمسة أشهر، ثم غاب تماما لتغيب المواجهة الأوربية مع الهنود حتى عام ألف وستمائة واثنان وثنون، حين جاء لا ساييه ممثلا الفرنسيين عبر المسيسبي. وقد سجل وجود خمسة قرى فقط ما يطرح سؤالا يقول: ماذا جرى هناك؟ ماذا أصاب القرى الخمسة وسبعون الأخرى؟ لقد اختفت ومات سكانها متأثرين بالأمراض والأوبئة دون شك.

        مع استمرار تقدم الحملة وما أخذته معها من أناس وحيوانات، بين خيول وكلاب ومواشي، نشرت أمراضا جديدة بين السكان الأصليين، الذين نقلوها بدورهم إلى الآخرين.

        يمكن أن تختار أي مدينة في الولايات المتحدة وتقلص عدد سكانها بنسبة تقارب تسعة وتسعو بالمائة، لتكون بذلك فكرة عما أصاب هذه المجتمعات من دمار. وعندما استعاد الهنود عافيتهم وعاد المستكشف الإنجليزي والفرنسي يراهم من جديد كان يقف أمام نسيج اجتماعي يختلف كليا، أي أنهم كانوا شعوبا مختلفة.

        هل يحتمل  أن تكون الحروب التي وقعت بين الهنود أنفسهم قد ساهمت أيضا بتقليص أعدادهم؟

آن رامينوفسكي:  تأثير الحروب أو الأمراض  على تقليص عدد السكان هي مسألة تستحق الدراسة والبحث. هناك عدد كبير من الأدلة التي نعتمدها لتحديد الحروب أو الأمراض سببا. أولها أن حروب القرن السادس عشر كانت بدائية، وقد تشهد حالات فريدة كما هو حال موفيلا، حيث أبيد السكان عن بكرة أبيهم. أما باقي القرى فلم تمس. هناك مجموعة من القرى المنفردة التي دمرت. هذا صحيح. أما بالنسبة للأمراض، فبما أنها قادرة على الانتشار بين الناس، فهي قادرة على نشر دمار أكبر عبر مساحات أوسع، وحيثما أمضى دي سوتو أمضى فترة طويلة من الوقت كان يقضي على السكان. لا يمكن أن تسبب حروب القرن السادس عشر الداخلية بإبادة كهذه. قد تسبب ذلك حروب القرن العشرين النووية وليس حروب القرن السادس عشر البدائية.

        انخفضت أعداد السكان الهنود في هذه المنطقة مأساويا، أما السبب الذي أدى إلى هذا الانخفاض على نطاق واسع فهو أنه حين يمرض شخص واحد كان جميع من في القرية يصاب معه في نفس الوقت تقريبا.  وهكذا فإن كان الشفاء يكمن في الحصول على كوب من مياه البحيرة المجاورة، ما كانوا يجدون شخصا سليما قادرا على الذهاب إلى هناك لإحضاره. وهكذا فإن تعرض الجميع للمرض في آن معا لا يترك أحدا قادرا على الخروج لجمع الأعشاب المداوية وصيد الطرائد للطعام. أي أن القرى إن تعرضت لأمراض بسيطة، أحيانا ما كانت تكفي لإبادتها.

        تغيرت المجتمعات الأصلية كثيرا على مدار ثلاثين عاما التي تلت حملة دي سوتو. وقد شهد جنوب شرق البلاد هيجان ثقافي واجتماعي هائل في تلك الفترة.

        أما الهنود في فلوريدا فقد ماتوا لسوء الحظ جميعا. مع حلول عام ألف وسبعمائة وأربعين تقريبا، لم يبق من مئات ألوف الهنود الذين كانوا هناك أكثر من حفنة قليلة. كان هنود الكريك يأتون من ألاباما وجيورجيا إلى فلوريدا ضمن ترحال مؤقت حتى بدايات القرن السابع عشر. ثم أخذوا يتابعون نزولا حتى أخذوا يستقرون في مستوطنات ثابتة حوالي عام ألف وسبعمائة وأربعين، ويستمرون على هذا النحو. أطلق الإسبان على هنود كريك لقب سيمارونيس، أو الفارين، على اعتبار أنهم غادروا بلدهم الأصل، ثم أطلق عليهم فيما بعد لقب سيمينوليس، أو سيمينولي كما يعرفون اليوم. وهكذا فقد أعيد إسكان فلوريدا بالهنود الأصليين وهنود سيمينولي، ولو جزئيا على الأقل، حيث ما زال أحفادهم يعيشون هنا حتى اليوم.

        لسنا حيال انهيار في أعداد السكان فحسب وهو أمر بالغ الأهمية، للحفاظ على النسيج الاجتماعي، بل ضاعت كميات هائلة من المعلومات. إذا فقدت إحدى المجتمعات تسعين بالمائة من سكانها، قد يبقى على قيد الحياة اثنان بالمائة فقط، ولكن ماذا إن مات جميع المداوون؟ وإن مات جميع السحرة والكهنة؟ ماذا إن ماتت الفئة التي لديها معلومات سرية هامة للاتصال بالعالم الآخر؟ ماذا إن مات كل هؤلاء الناس؟ عند ذلك سنواجه مشكلة جدية، لها صلة بفقدان استمرارية المعارف.

        ما كان هنا في القرن السابع عشر يختلف جدا عما ساد في القرن السادس عشر. هناك شعوب هندية واجهت دي سوتو وعرفت باسم أوسيتا، وميكوسو وشعوب أخرى من فلوريدا، ولكنا لا نعرف عنها إلا بعض المعلومات التي حصل عليها علماء الآثار أو ما يرد في مذكرات حملة سوتو.

        مات دي سوتو عام ألف وخمسمائة واثنان وأربعين مفلسا، ومصابا بالحمى عندما خيم جيشه على ضفة المسيسبي.

        بعد حوالي  قرن كامل من مسيرة موت دي سوتو، تنقل اللاجئون في أرجاء وطنهم المفرغ، فظهرت قبائل ولغات جديدة. ضاع الماضي الجماعي. عند مجيء الفرنسيين والإنجليز وقعت أنظارهم على هذه الروابي وتساءلوا: من أقام هذه النصب التذكارية؟ ولكن أحفاد الذين بنوا الروابي كانوا قد نسوا. ولكنها اليوم تمكنت بمساعدة علم الآثار،  من استعادة ماضيها الضائع.

 

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster