اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 الاسكندرية
 

آثار الإسكندرية

لعبت الإسكندرية دورا طليعيا على مسرح التاريخ. وقد كان للشواطئ دورا أساسيا في تحديد مصيرها بكافة جوانبه.

اعتبرت الإسكندرية في الماضي منارة تضيء الأبيض المتوسط والعالم، كمدينة تنضح بالسحر والغموض.

وقد شكلت المنارة التي عند مدخلها إحدى عجائب الدنيا السبع في القدم.

تحولت جميع المعتقدات والفلسفات والعلوم والفنون البشرية وتحسنت هنا.

حجبت مدينة الإسكندرية القديم طوال أكثر من ألفي عام وراء ستار من الغموض والأساطير. لم يتمكن العلماء على مر القرون من تحديد مواقع نصب وقصور ومعابد المدينة القديمة. حتى الآن.

تمكنت الحفريات الجارية إلى الشرق من ميناء الإسكندرية ولأول مرة من الكشف عن تفاصيل المدينة وإلقاء نظرة على حياة جزء من أروع شعوب في التاريخ.

ألقى مستكشفو القرن العشرين أضواءهم بعض من أهم الاكتشافات الأثرية التي عرفها التاريخ. مركز المدينة القديمة المغمورة وقصر كليوبترا، آخر الفراعنة.

ابقوا معنا برفقة هذا الجيل الجديد من علماء الآثار ممن يستعينون بمعدات الغوص والأقمار الصناعية وكتاب قديم لجمع أجزاء صورة المدينة الكبرى التي دفن فيها الإسكندر المقدوني، وعاش وأحب فيها جوليوس القيصر والتي واجه فيها كل من مارك أنطوني وكليوبترا مصيرهما.

=-=-=-=-=

والملابس هي صورة ناطقة عن قيم الإنسان، ومهنته ومكانته الاجتماعية.

الإسكندرية الإمبراطورية الضائعة.

تقع مدينة الإسكندرية العصرية الباهتة على شاطئ مصر الشمالي إلى الغرب من نهر النيل، حيث تلتقي الصحراء بالأبيض المتوسط.

تكمن رومانسية هذه المدينة في الماضي وليس في الحاضر.

تردد في شوارع هذه المدينة على مدار ألفي عام صدى أصوات عدد من أهم شخصيات التاريخ القديم.

وقعت هنا أحداث إحدى أهم قصص الحب في العالم، في العلاقة التي دمعت بين مارك أنطوني وكليوبترا.

انكشف اليوم ولأول مرة النقاب عن جوانب خفية من ملامح هذه المدينة الغامضة، وألقي الضوء على بعض مزاياها الحقيقية.

نشأت الإسكندرية على تقاطع طرق بين الحضارات العظمى في العالم القديم. وقد اعتبرت مدينة عصرية تشيد بعبقرية أحد مؤسسيها الإسكندر المقدوني.

عندما كانت الإسكندرية من أهم مدن العالم القديم عرفت بمبانيها الرخامية البراقة وجادّاتها المرصوفة وقصورها المهيبة. فشكلت تحفة فنية في الهواء الطلق، لا تقل شأنا عن روما أو أثينا.

طوال ثلاثمائة عام فصلت بين موت الإسكندر ونشوء الهيمنة الرومانية احتلت الإسكندرية موقعا قياديا في الأبيض المتوسط، ليس بقوتها العسكرية بل بمكانتها الاقتصادية ورفعتها الثقافية البارزة.

شكلت المنارة الفرعونية التي شيدت عند مدخل الميناء رمزا لكون المدينة منارة للثقافة والعلوم العصرية في ذلك الوقت. لم يعرف التاريخ مثيلا لمكتبتها العظمى ومجمع المتاحف الفريد هناك. ولكن من المؤسف ألا يبقى أي من هذه المباني حتى يومنا هذا.

يقال أن أجزاء من هذه المدينة قد دمرت على مراحل عبر زلازل ضربتها على التوالي في القرن الرابع والثاني عشر والرابع عشر حين غمرتها مياه البحر.

أحيانا ما يرى الصيادين ملامح تماثيل من الركام الواقع تحت سطح البحر. فيدعون أنها من عرائس البحر.

مع نمو المدينة العصرية وتوسعها أخذت أنابيب الصرف الصحي تصب في الميناء لتغيب تلك المشاهد. ما جعل ملامح عرائس البحر أقل ظهورا للصيادين.

ولكن ما يجري الآن هنا هو مجرد بداية لمأثرة من الاكتشافات.

عثر فريق علماء الآثار على مسافة عشرين قدم من الشاطئ على جزء كبير من الحي الملكي القديم وقصر كليوبترا.

غوديو: أحببت البحر والتاريخ منذ نعومة أظافري. وكثيرا ما حلمت بالمزج بين الآثار والبحر. لقد تمكنت من ذلك عام ثلاثة وتسعين حين شكلت مؤسسة حولت ما كان حلما في الماضي إلى احتراف مهني.

منذ بداية عام ستة وتسعين تمكن الأثري البحري الفرنسي فراك غوديو من الحصول على دعم من المؤسسات المتعددة والتعاون مع المجلس الأعلى للأثريات للعمل على رسم خريطة دقيقة للمدينة القديمة، هي الأول من نوعها للمناطق الغارقة في الميناء.

غوديو: كيف كان البحر بالمقارنة مع المباني العالية المجاورة وأين كان معبد بوسيدون، وأين شيد مارك أنطوني القصر الذي سكنه، وفي أي منطقة عاشت كليوباترا في تلك الفترة.

يمتد ميناء الإسكندرية على مساحة ألف وخمسمائة إكر من الأراضي البكر بالنسبة لعلماء الآثار، وقد عثروا فيها على كنز من المعلومات يعود إلى ما قبل ألفي عام.

تشكل الأعمال الأثرية تحت البحر تحديات أكبر من الحفريات الجارية على الأرض المصرية.

يشرف إبراهيم درويش على الدائرة المصرية للبحث عن الآثار تحت الماء، وقد قام بأكثر من مائة عملية غطس في الميناء الشرقي.

درويش: أنا أول أثري في مصر يعمل في هذا المجال، لهذا انتخبت لأكون مسؤولا عن هذه الدائرة. عملت بمفردي في البداية طوال خمسة أعوام، أما الآن فلدي ستة عشر أثري يعملون معي، إلى جانب فريقي أبحاث فرنسيين يعملان بالقرب من خليج قيت وداخل الميناء الشرقي.

في بداية الأبحاث عثر الغطاسين على حجارة مغطاة بكثير من الترسبات والأعشاب البحرية بدت للوهلة الأولى أنها مجرد صخور.

بعد تنظيف الأبرز منها تبين للفريق أنه عثر على مجموعة من النصب والمسلات المنقوشة. وبعد أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عملية غطس عثروا على آلاف القطع الأثرية كالتماثيل والمنحوتات الأسطورية والمنقوشات.

أشرف: دهشت جدا لاكتشاف أول تمثال ملكي. عند تنظيف الترسبات لا يعرف المرء ما سيعثر عليه، قد لا يتوقع العثور على شيء هام، قد تجد حجرا صغيرا فقط. بدأت بإزالة الترسبات عن هذا التمثال. وهو جيد جدا أعني بحالة حفظ جيدة. كانت ردة فعلي الأولى أني أزلت الهواء من فمي وبدأت أصرخ تحت الماء.

من المدهش جدا والمثير للمشاعر أن يعثر المرء على قطعة أثرية يزيد عمرها عن ألفي عام ليكون أول شخص يلمسها ويتعامل معها.

نشرت على ممر القرون أكثر من ثلاثين خريطة تستعرض ما كانت عليه المدينة في العصور القديمة.

ولكن الجغرافي اليوناني سترابو الذي زار الإسكندرية عام خمسة وعشرين قبل الميلاد، ترك وصف تفصيلي ودقيق للمدينة في كتابه له حمل عنوان جيوغرافيكا.

غوديو: حصلت اكتشافات مدهشة منذ أن بدأنا العمل في ميناء الإسكندرية. ولكن الأشد دهشة هو أن الأراضي الغارقة التي وصفها سترابو كانت هناك.

وجدنا جزيرة وشبه جزيرة وخنادق كما وجدنا ميناء داخل رأس لوكياس. كلها كانت هناك، لهذا أدهشنا التأكد من أن الكتب القديمة كانت دقيقة الوصف إلى هذا الحد.

في المنطقة الممتدة على طول الشاطئ والمعروفة بالحي الملكي وصف سترابو مجموعة من القصور الرائعة، التي كانت مقرا لملوك سلالة البطالمة الفرعونية، وآخرها الملكة الشهيرة كليوبترا، التي أحبت جوليوس القيصر ومن بعده مارك أنطوني.

د. فخراني: لدينا في المتحف تماثيل لكليوبترا، ولكن في هذه الحالة يعتبر اكتشاف شيء من ملكية وأمجاد وقمة الإسكندرية أمرا بالغ الأهمية.

=-=-=-

تجول زوارق الصيد في ميناء الإسكندرية تماما كما كانت تفعل قبل ألفي عام من الآن.

تبدأ القصة الرومانية لهذه المدينة عام ثلاثمائة واثنين وثلاثين قبل الميلاد. عندما تمكن القائد التاريخي الشهير الإسكندر المقدوني من التغلب على الفرس الذين حكموا مصر في ذلك العصر. وأثناء ترحلها عبر شواطئ المتوسط رأى قرية صيد صغيرة تحمي زوارقها الراسية جزيرة صغيرة. كما وجد إلى جانبها بحيرة ماء عذبة.

سرعان ما تنبه الملك الشاب إلى أهمية هذا الموقع، فأمر ببناء مدينة جديدة هناك تحمل اسم الإسكندرية.

أورد سترابو تفاصيل خريطة الإسكندر في كتابه فقال:

شيدت المدينة بخطة عادية، تتقاطع شوارعها بزوايا قائمة، يتجه الشارع الرئيسي العريض غربا من بوابة كانوبيك. .

سرعان ما غادر الإسكندر مصر لغزو البلدان المجاورة، ولم يبق لرؤية أي مبنى من المدينة التي أمر برفعها.

بعد موت الإسكندر تقاسم جنرالاته الإمبراطورية وغنائمها فيما بينهم.

استولى على مصر صديقا للإسكندر هو الجنرال بطلم الذي أعلن نفسه ملكا واتخذ الإسكندرية عاصمة له.

سرعان ما انطلق بطلم الأول في مشروع بناء واسع النطاق، عرف منها مباني مكتبة ومتحف الإسكندرية الشهيرين.

استمر بطلم بتحقيق النجاحات العمرانية، مضيفا إلى أمجاده وأمجاد المدينة بناء هائل عرف بمبنى المنارة.

سترابو: عند طرف الجزيرة تقع صخرة رفعت فوقها صروح برج رائع الجمال شيد من الرخام الأبيض متعدد الطبقات.

كان لا بد من إشارة تدل البحارة على الميناء لأن الشواطئ المحيطة بالمدينة كنت منخفضة. سنة مائتين وسبعة وتسعين قبل الميلاد شيد بطلم الثاني برجا هائلا للمنارة على الجانب الشرقي من الجزيرة.

كانت المنارة مبنى ضخما اعتبر الأعلى في العالم حتى بناء برج إيفل بعد ألف وخمسمائة عام من ذلك. بلغت المنارة من الضخامة أن اعتبرت جزءا من عجائب الدنيا السبع في العصور القديمة.

تفاصيل المبنى الأساسية واضحة، إذ شيد البرج بأقسام ثلاث، فكان المبنى السفلي مربعا أحيط بالنوافذ على جوانبه وفيه حوالي ثلاثمائة غرفة.

تؤدي السلالم شبه المحورية إلى طبقة ثانية ثمانية الأضلاع، أم الجزء الدائري الثالث فيؤدي إلى غرفة الإنارة، التي توجت بتمثال لبيسيدون.

كانت شعلة المنارة تشاهد من على مسافة ثلاثة أميال في البحر. كتب المؤرخون المعاصرون لتلك الحقبة أن المنارة كانت تضاء بحريق هائل يتغذى بمصعد هيدروليكي يحمل الوقود إلى أعلى المنارة.

وكان هذا يعتبر إنجازا رائعا في تلك الفترة.

تروى حكايات أخرى عن توصل العلماء إلى ما يشبه المرايا وآلية العدسات التي تعكس نور الشعلة عبر البحر.

لا أحد يعرف بدقة ما الذي كان يعكس الضوء لأن سر هذه الآلية قد ضاع مع سقوط الطبقات العليا في البحر عام ألف وثلاثمائة وسبعة ميلاديا.

تحل اليوم محل تلك المنارة قلعة شيدت بعد انهيارها وهي تعرف بقلعة خليج قايت. بنيت هذه القلعة في القرن الخامس عشر، مستعينة بأساس حطام المنارة المحطمة.

يمكن رؤية أجزاء من الرخام الأحمر الخاص بالمنارة القديمة بين حجارة الجدران الكلسية الحديثة وأرضيتها.

ولكن أبحاث معاصرة تؤكد أن بقايا المنارة الحقيقية تحت الماء بعيدا عن الشاطئ.

بما أن التآكل يشكل خطر جدي على القلعة رفعت كواسر من الصخور الإسمنتية لحمايتها، يدعي البعض أيضا أنها ألقيت فوق بقايا المنارة.

يعمل مجلس الآثار المصري اليوم على إطلاق حملة واسعة النطاق لحماية آثار الماضي، إلى جانب المحافظة على الحاضر.

درويش: جرى المسح هذا العام في منطقتين، إحداهما بالقرب من خليج كايت، لتحديد الأثريات التي تقع بين الصخور الإسمنتية التي وضعت عام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين، فوق الأثريات، وقد أوقف المجلس الأعلى هذه الأعمال كليا، لهذا سنعمل اليوم على رفع الصخور الأثرية للبحث عن تلك الأثريات.

تم إخراج أكثر من خمسة وثلاثين قطعة أثرية من تحت الماء، كان من بينها قطع رخامية هائلة تحتوي على نقوش هيروغليفية، وتماثيل أسطورية، وصخرة رخامية بلغ وزنها طن ونصف الطن لمنحوتة امرأة بلا رأس. يعتقد أن هذا التمثال يعود لزوجة بطلم الثاني، الذي شيد صروح المنارة الهائلة، والتي ربما شكلت قطعة أخرى من أحجية تاريخ الإسكندرية المجيد.

درويش: تعاونا في المسح مع فريق فرنسي وقد أحصينا هذه الأثريات وعثرنا على سبعمائة وثلاثة وعشرين قطعة. وهكذا سنعمل على وضعها في الداخل بعد إعادة بناء كاسر الأمواج لحماية القلعة.

ما هو أغلى كنوز الإسكندرية؟

سنتحدث عن ذلك فيما يلي.

=-=-=-=-=-

يعود بنا اكتشاف الأثريات الغارقة إلى عصر كانت الإسكندرية فيه أغنى وأكبر مدينة تطل على الأبيض المتوسط.

كانت المكتبة الكبرى مفخرة للإسكندرية، إذ ضمت غالبية المخطوطات الأدبية والفلسفية والعلمية في العالم. فاعتبر كنزا لا يقدر بثمن.

رفعت صروح المكتبة سنة مائتين وخمسة وتسعون قبل الميلاد، وكان هدفها أن تحتوي على نسخة من جميع كتب العالم. والحقيقة أنهم كانوا يحجزون كتب جميع السفن التي ترسو في المدينة، فترسل النسخة الأصلية إلى المكتبة، بعد أن تعد نسخة منه وتعاد إلى السفينة.

تم استعارة مخطوطات لسوفوكليس وإوريبيديس من أثينا مقابل كميات كبيرة من الفضة. كان الملك بطلم الثالث يعيد النسخات الأصلية باستمرار ويستعيد الفضة.

أعمال هومير، وتاريخ بابل، وكتب المعتقدات الفارسية، والمؤلفات البوذية، وواحد وثلاثين جزءا من التاريخ المصري توثق لأحداث من بدايات العصور القديمة، كل هذه جمعت وحررت في هذا المبنى التعليمي. .

تتحدث الأساطير عن اثنين وسبعين مؤرخا من مختلف القبائل المحلية قد عملوا على ترجمة الكتب الخمسة الأولى من العهد القديم إلى اللغة اليونانية، حيث عرف باسم سيبتوغينت، وما زالت هذه الأعمال تعرف حتى اليوم بلقب العهد القديم.

صنعت تلك الكتب القديمة على لفائف جلدية أو ورق البابيروس، كانت تكتب باليد أو يمليها الكاتب على مجموعة من الكتبة.

أغنى جميع ورثة البطالمة محتويات المكتبة الكبرى، وفي عصر كليوباترا، آخر ملكات البطالمة، قيل أن المكتبة كانت تحوي على سبعمائة نسخة من البابيروس شكلت ثلاثين ألف عمل إبداعي.

ولدت كليوبترا في قصر الإسكندرية الملكي. كانت فتاة قوية ومتعلمة جدا حين أعلنت ملكة على مصر وهي في الثامنة عشر من عمرها فقط.

رغم مرور ألفي عام على مجدها ما زالت كليوبترا تحتفظ بسمعتها كأشهر سيدة إغراء في التاريخ، فتعززت أمجادها من خلال بلوتارش وشكسبير وهوليود.

بلوتارش: لم يكن جمالها الأكثر بروزا في واقع الحال، بل تأثيرها الروحي الذي لا يقاوم. شخصيتها الجذابة، بالإضافة إلى سحر أحاديثها، ومزايا الجودة في كل ما قالت أو فعلت، جعلت منها ساحرة فاتنة.

الصورة الشعبية لكليوبترا كآلهة وملكة ومغرية غطت على حقيقة أنها كانت مفكرة.

بلوتارش: أضف إلى ذلك أنها كانت تشبه آلة متعددة الأوتار، تتنقل في الحديث من لغة إلى أخرى ببساطة جعلتها تستعين بالمترجمين فقط للتعامل مع بعض القبائل البدائية. ولكنها كانت تتحدث بنفسها مع الغالبية العظمى. كما هو حال الإثيوبيين والعرب والأشوريين والآراميين وغيرهم من الذين تعلمت لغتهم. علما أن غالبية أسلفها البطالمة لم يكلفوا أنفسهم عناء تعلم هذه اللغات المحلية المختلفة.

تلقت كليوبترا تعليمها منذ الصغر وحتى بلوغها عرش السلطة في أرجاء المكتبة الكبرى ومجمع المتحف الشهير.

ولكن كليوبترا ليست الشخصية الوحيدة التي أثرت بالإسكندرية ومكتبتها الشهيرة.

رغم قوة مصر وثروتها وحضارتها القديمة، إلا أن روما شكلت القوة العسكرية المهيمنة. في أيلول سبتمبر من عام ثمانية وأربعين قبل الميلاد وصل جنرال روما الكبير جوليوس القيصر إلى مصر متعقبا خصمه المنهزم بامبي.

سيوتونيوس: قيل بأن القيصر كان طويل القامة أبيض البشرة قوي البنية متسع الوجه بني العينين. أي أنه كان وسيما، يهذب شعره ويحلق ذقنه باستمرار. أما جرأته فكانت حديث أعدائه باستمرار. أي أنه شخصية لجميع المناسبات.

أرادت كليوبترا حماية مملكتها من توسع الإمبراطورية الرومانية، فتحالفت مع قادة روما. سحرت الملكة الفاتنة الشابة القيصر البالغ من العمر خمسين عاما، وأدهشته بذكائها.

فأصبحت عشيقته في الثالثة والعشرين من عمرها، وبالتالي أقوى امرأة في العالم.

فخراني: وقع جوليوس القيصر بحبها، فأجبر على الدفاع عنها من أخيها، ثم حمل قضيتها وخاض في حرب ضد جيش أخيها. هذا ما أدى بالطبع إلى حرق المكتبة.

حصلت أسوأ الكوارث في التاريخ عندما كان القيصر في الإسكندرية يواجه الصدامات بين المصيريين والوحدات الرومانية، وقد حوصر جيش القيصر ضمن القصر الملكي. فأمر جوليوس بحرق قافلة الأعداء لكسر الحصار.

سرعان ما هبت الرياح الشمالية حاملة معها النيران إلى المكتبة الكبرى، محولة بذلك عشرات الآلاف من الكتب إلى مجرد رماد.

حاولت كليوبترا إعادة بناء المكتبة الكبرى، فأمرت بترميم المبنى والحصول على مجموعات جديدة من المخطوطات.

يقع اليوم بالقرب من مسلة تعرف باسم بومباي موقع المكتبة البديلة التي أقامتها كيليوبترا.

رغم اختفاء جميع آثار المكتبة العظمى إلا أننا نستطيع معرفة ما كانت عليه المكتبة تقريبا مما نراه هنا.

وضعت آلاف المخطوطات في أخاديد كهذه في مستودعات تحت الأرض، وكانت كل مجموعة تحمل اسم الكاتب على علاّقة خشبية.

قد يبقى مجهولا إلى الأبد عبر الأزمان الغابرة ما تعرضت له فعلا مكتبة المعارف العظمى، ولكن ولكن المؤكد هو أن المكتبة قد تركت أثرا واضحا على العلوم والآداب في عالمنا المعاصر، حتى أنها كانت من الأسباب التي أبقت على روائع كلاسيكية كالتي تركها هومير وسقراط وبلاتو حتى يومنا هذا.

يقال أن المتحف شيد إلى جانب المكتبة أو الموزيون كما كان معروفا حينها.

وقد ضم هذا المبنى أشهر علماء العالم الذين عاشوا وعملوا ودرسوا هنا.

تعني كلمة موزيون معبد ميوز، تيمنا لآلهة المعرفة المعروفة باسم ميوزيس. لهذا فإن كلمة ميوزيم الغربية المعاصرة تأتي من هذه الكلمة.

شمت جدران هذا المبنى أبحاث ودراسات ومحاضرات على طريقة ما يجري في الجامعات المعاصرة. يؤكد سترابو أن المتحف كان ملحقا بالقصر الملكي.

سترابو: كان في المتحف ممرا للعامة، وفي وسطه قاعة للطعام تتمتع بشرفات مراقبة في الطبقة العلوية. وهناك قناطر معززة بمقاعد، ومنزل كبير يضم غرفا لرجالات العلم الذين يعيشون في المتحف.

هنا طور إوكليد نظرياته وألف كتاب العناصر، واضعا بذلك أسسا لعلوم الهندسة والنسب ونظرية الأرقام.

توصل أرخميديس إلى المضخة التي ما زلنا نستعملها اليوم.

حاول أريستارش أن يثبت بأن الشمس هي مركز الكون وليس الأرض، وذلك قبل ألف وخمسمائة عام من ولادة كوبيرنيكوس وجليليو.

أكد إيراتوستينيس أن الأرض كروية، وقدم دليلا على ذلك عبر اختلاف الظل الذي تعكسه الشمس أول أيام الربيع في مدينتي الإسكندرية وأسوان الواقعة على مسافة مئات الأميال.

منحت مؤسستي المكتبة والمتحف حكام الإسكندرية أداة قوة من خلال المعرفة.

قد لا نعرف ما جرى للمكتبة القديمة، ولكن الفكرة قد أنشئت من جديد في الإسكندرية المعاصرة.

طورت الحكومة المصرية بالتعاون مع الأونيسكو وهيئة الأمم المتحدة مشروعا لإنعاش المكتبة وجعلها مركزا للعلوم والأبحاث. تجري إعادة بناء المكتبة إلى جانب الميناء، تقريبا في نفس الموقع الذي كانت فيه المكتبة والمتحف القديمان.

قريبا ستطل من وراء البحر داعية الباحثين من جميع أرجاء العالم إلى الإسكندرية وإلى مركز المعارف الرائع هذا.

تابعوا معنا كي نغوص تحت الماء بحثا عن القبور القديمة.

=-=-=-=-=--

حصلت متغيرات كثيرة في الإسكندرية بعد اغتيال جوليوس القيصر عام أربعة وأربعين قبل الميلاد. عند ذلك حكمت إمبراطورية روما من قبل ثلاثي شمل كلا من أوكتافيان قريب القيصر وولي عهده، ومارك أنطوني.

أراد أنطوني السيطرة على الإمبراطورية بكاملها، وكان بحاجة إلى ثروات مصر وكليوبترا لتحقيق النجاح. أما كليوبترا فأرادت مارك أنطوني لمساعدتها في حماية مملكتها من توسع إمبراطورية روما. أي أنها مصلحة مشتركة. كانا يحتاجان إلى بعضهما البعض للتغلب على عدوهما أوكتافيان.

فخراني: عندما أرسل مارك أنطوني رسميا من قبل مجلس الشيوخ إلى الشرق، فتيم بحب كليوبترا هناك، وتبرع بكل الغنائم التي جمعها من الشرق إلى الإسكندرية لما يكنه من حب تجاه كليوبترا.

أصبح أوكتافيان الشخصية الأبرز في روما، فاتهم مارك أنطوني بخيانة الإمبراطورية. وقد غضب جدا لأن أنطوني سلم غنائم روما إلى كليوبترا.

فخراني: انتهز الرومان هذه المناسبة لتحريض مجلس الشيوخ على مارك أنطوني وكليوبترا والإسكندرية، وقد اعتبروا أنه إذا فاز مارك أنطوني والإسكندرية، سوف تخضع روما بكاملها للإسكندرية، ولن تبقى هذه الأخيرة خاضعة لروما.

واجهت وحدات أوكتافيان القوة التابعة لأنطوني وكليوبترا على شواطئ اليونان، في مكان يعرف باسم أكتيوم. وقعت معركة أكتيوم عام واحد وثلاثون قبل الميلاد، وكانت لتحدد مصير الإمبراطورية وتغير مجرى التاريخ.

كان الرهان كبيرا، إذ كان لنتائج هذه الحرب أن تحدد ما إذا كانت عاصمة الإمبراطورية ستبقى في روما أم تنتقل إلى الإسكندرية.

ديو كاسيوس: كانت سفن أوكتافيان أشبه الفروسية، تسير قدما بسرعة هائلة وتتراجع إلى الخلف بالسرعة نفسها. أما سفن أنطوني فكانت كالمشاة المثقلة بالأسلحة، والتي تحاول الحصول على غطاء والمحافظة على مواقعها قدر الإمكان.

كانت معركة شرسة هزم فيها أنطوني وكليوبترا.

عندما دخلت الوحدات الرومانية إلى المدينة، أدرك أنطوني كليوبترا أنه لا يوجد مفر. رفض أنطوني الاستسلام وفضل الإنتحار بسيفة والسقوط بين ذراعي كليوبترا.

انتحرت كليوبترا بدورها أيضا بعد أن فشلت في الحفاظ على استقلال مصر وسلالة البطالمة.

سقطت المرأة الأقوى في العالم، لتسقط معها مدينتها الحبيبة الإسكندرية.

تغير مجرى التاريخ بعد أن تحولت مصر إلى محافظة أخرى في إمبراطورية روما. مع مرور الزمن اختفت روائع الإسكندرية مع العصور الغابرة، بعد أن أغرقت الزلازل شواطئها القديمة.

تعتبر مواقع القبور التي تضم رفات الإسكندر الكبير ومارك أنطوني وكليوبترا من أبرز التحديات التي تواجه علماء الآثار حتى يومنا هذا.

أثناء حمل جثة الإسكندر من بابل إلى اليونان تأثر بطلم الأول بمماته فحصل على الجثة وجاء بها إلى المدينة التي جملت اسمه.

دفن الإسكندر في قبر ملكي تحول فيما بعد إلى مقبرة لجميع أولياء العرش في سلالة البطالمة الذين أرادوا البقاء بجانبه إلى الأبد.

قام العلماء بالبحث عن مقبرة الإسكندر المقدوني منذ عدة قرون، حتى بلغ عدد أعمال البحث أكثر من مائة وأربعين عملية. ولكن مقره ما زال يشكلا أحجية معقدة.

يعتقد البعض أن مقر المقبرة كان عند تقاطع الجدتين الرئيسيتين اللتان تربطان الشمال والجنوب بالشرق والغرب في المدينة القديمة، ما يجعل التقاطع العصري لشارع النبي دانييل وطريق الحرية مركزا للإسكندرية القديمة.

عرف هذا الشارع في الماضي بطريق الفخار. وقد أحيط بالأعمدة وزين بالتماثيل والبرك. وقد امتد من بوابة الشمس في الشرق إلى بوابة القمر في الغرب.

يعتقد أن قبر الإسكندر المقدوني يقع بالقرب من مسجد النبي دانييل.

تؤكد بعض الحكايات العربية المحلية أنه في مكان ما لم يستكشف بعد من تحت أقبية المسجد ما زالت جثة الإسكندر المقدوني الكبير مغطاة بناووس صنع من الزجاج. ولكن موقعه المحدد ما زال مجهولا، علما أنه يشكل عقدة أساسية في علم الآثار.

بينما يستمر البحث عن قبر الإسكندر، تم العثور على عدة قبور قديمة تحت الشوارع القديمة للإسكندرية.

تعتبر هذه المقبرة الفرعونية مواقع أثرية مدهشة، إذ أنها مطعمة بمزيج غريب من الحضارات المصرية واليونانية والرومانية التي استقرت في الإسكندرية.

تم اكتشاف سرداب كوم الشقافة مصادفة عام ألف وتسعمائة. شيد سرداب الموتى هذا بطريقة فريدة، لما فيه من طبقات ثلاث تحت الأرض، معززة بسلالم دائرية تغوص مائة وخمسين قدم في الصخور الكلسية.

تشكل الطبقة الأولى سرداب قبر عائلي يعود للقرن الثاني. ينتصب عند المدخل تمثال لجنرال روماني، يمكن رؤية التمازج الحضاري في الجذع الذي صمم جسده على الطريقة المصرية ونحت رأسه بالأسلوب الإغريقي.

هناك نموذج آخر من هذا المزيج الثقافي يبرز عبر تمثال منقوش لأنيبوس، وهو آلهة موت مصرية برأس كلب، وجسد محارب روماني.

توسع السرداب عبر الزمن ونحتت ممرات تؤدي إلى قبور لمئات المومياء.

تؤدي قبة نصف مستديرة إلى الطبقة الثانية. نحتت هنا غرفة قاعة كبرى في الصخر تصطف فيها المضاجع. وهذه قاعة للطعام يجتمع فيها الأقارب لتكريم مواتهم بوليمة فاخرة.

تؤكد الأدلة إلى أن مقبرة الإسكندر الكبير قريبة من هناك، والأبحاث مستمرة. من المحتمل جدا أن يتم اكتشاف مقبرة الإسكندر يوما ما. ليحل بذلك جزءا من أهم الأسرار الأثرية.

=-=-=-=-=-

صيف عام ستة وتسعين بدأ فريق من الأثريين المصريين والفرنسيين بقلب صفحات الزمن إلى الخلف في محاولة للكشف عن مزيد من القصور والنصب التاريخية المخبأة بين الخرافات والغموض.

غوديو: الهدف من حملة البحث هذه هو تحديد ما كان عليه الحي الملكي في مدينة الاسكندرية التي كانت أجمل مدينة في العالم في ذلك الوقت.

يحتاج فريق الأبحاث لتحقيق هذه الهدف إلى أحدث التكنولوجيا العصرية المستخدمة تحت الماء. بدل استخدام الرفوش والمعاول لتحديد الميناء استعانوا بالأقمار الصناعية والكمبيوتر وأدوات الغطس وكاميرات تحت الماء.

نظام الأقمار الصناعية المعروف بلقب نظام تحديد المواقع العامة أو دي جي بي إس، يعتمد على التكنولوجيا العسكرية المستعملة سابقا في توجيه الصواريخ.

تمكن هذه المعدات من تحديد الأشياء التي تحت الماء بسرعة ودقة متناهيتين. بعد مسح ميل ونصف الميل مربع تمكنوا من تحديد مواقع ألف قطعة أثرية.

أشار سترابو في كتابه إلى امتداد شبه جزيرة في أعماق البحر إلى الشمال الشرقي من الميناء. وقد عرف هذه المنطقة المعروفة بنقطة لوكاس، كجزء من الحي الملكي.

شكل حي البطالمة الملكي مجموعة من المباني الفاخرة المدهشة. طوال أكثر من ثلاثمائة عام تمكن جميع أولياء العرش من بناء قصور خاصة بكل منهم على طول شاطئ الميناء، ليسعوا بذلك حدود المجمع الملكي.

في عصر كليوبترا بدأ الحي الملكي من أول النتوء، ليمتد غربا وجنوبا إلى ما يعرف اليوم بمحطة رام لله الحالية.

أقيم عند أول النتوء حديقة ملكية وحديقة حيوانات وطيور تضم آلاف من الطيور القادمة من مناطق بعيدة.

نحو الغرب عثر الغطاسون على شبه جزيرة غارقة وأصغر حجما. يعتقد أنها كانت مقرا لمعبد بوسيدون على حد وصف سرابو.

عند نهاية شبه الجزيرة وعلى رصيف من صنع الإنسان عثروا على اكتشاف هام آخر يكمن بطريق معبدة وأعمدة صخرية من الرخام الأحمر. ربما كانت هذه من بقايا قصر مارك أنطوني الذي عرف باسم تيمونيوم.

غوديو: عثرنا عند الشاطئ على تماثيل وسفينكسة ومجموعة كبيرة من أعمدة الرخام الأحمر، وقد سقط كل شيء على الرصيف المعبد، وهذا مشهد مدهش بحد ذاته.

تابع الغطاسون على شاطئ الميناء فعثروا على الشاطئ القديم الذي كان مرصوفا بطريقة رائعة. وصف ستاربو هذه المنطقة بأنها الإمبوريوم، أو مركز السوق.

كان السوق المركزي يزدحم بتجار يأتون من مختلف المناطق، وكانت المستودعات مليئة بمخزون القمح وخيرات النيل على أنواعها.

عثر فريق غوديو على آثار يونانية ورومانية، ما يشير إلى تنامي نفوذ روما بعد أن أصبحت مصر محافظة من الإمبراطورية. كما عثروا على كتل من مواد البناء المعدة للشحن على ظهر السفن. ما يؤكد بأن المنطقة بقيت تستخدم حتى عام ثلاثمائة وخمسة وستين عندما أدت الكارثة المفاجئة إلى غرق الشواطئ.

عثر الغطاسون على طول الشاطئ على أهم اكتشاف لهم. وجدوا شبه جزيرة صغيرة قد تكون مركزا للميناء القديم. تقع في نهاية لسان اليابسة جزيرة صغيرة منفصلة عن الشاطئ.

وقد عثروا هناك على كميات كبيرة من أعمدة الرخام. كما عثروا من حولها على كميات من التماثيل والعروش.

تبين لهم فيما بعد أن مواصفات الجزيرة تنطبق مع ما كتبه سترابو عن جزيرة أنتيرودو، الذي أقيم فيه قصر كليوبترا الملكي.

د. فخراني: أي أننا في هذه الحالة أمام جزيرة أنتيرودوس، التي تؤكد كتابات سترابو أن فيها قصرا صغيرا، شيد على أرض مرصوفة بالصخور الكلسية المعززة بالملاط الرمادي. ولكن هذا الملاط الرمادي لم يستخدم في العصر الروماني، ولا في العصور البيزنطية.

ما يحدد زمن بناء القصر هو الأسلوب الذي وجدت فيه الأعمدة. ففي بدايات عصر البطالمة استخدمت الأعمدة الرخامية المعززة بأساليب الدوريين الإغريقية التي انتشرت في أرجاء القصور. أما في آخر عصور سلالة البطالمة فقد تم الاعتماد على أعمدة الرخام الأحمر المبنية على الطراز الكورنثي والتي عثر عليها في الجزيرة.

تنتمي الأشياء التي عثر عليها إلى سلالة البطالمة، ما يوحي بأن القصر قد هجر بعد انتحار كليوباترا مباشرة عام واحد وثلاثين قبل الميلاد. بما أنها كانت آخر ملكة من سلالة البطالمة، لا بد أنها سكنت في هذا القصر.

د. فخراني: عثرنا على شيء تحدث عنه سترابو الذي شاهد الإسكندرية في ذروة مجدها. وهكذا فإن تحديد جزء من المبنى الذي كانت تسكنه، يشكل بحد ذاته إنجازا لا يقدر بثمن.

غوديو: نستطيع اليوم التحدث أكثر عما في الجزيرة من العام الماضي، ونستطيع القول أن الجزيرة بكاملها مرصوفة، كما نجد وسط الجزيرة كميات متراكمة من البقايا الأثرية، علما أننا ما زلنا في بداية الحفريات.

عثر في هذا الموسم على أعمدة خشبية وهي ما زالت في أماكنها تحت الماء تشكل جزءا من أرصفة الصخور الكلسية للجزيرة. تحليل أي قطع خشبية يتم العثور عليها في المنطقة سيساعد على تحديد التاريخ الذي تعود إليه بقايا القصر.

تؤكد أعمال المسح بأن جزيرة أنتيرودوس تقع في الحقيقة إلى الغرب مما كان يعتقد في الماضي. كما أن شبه الجزيرة التي شيد عليها قصر مارك أنطوني تقع في منطقة أقرب إلى رأس لوكاس.

د. فخراني: لم يتمكن غوديو من تحديد موقع قصر كليوبترا فحسب، بل ساعدنا في تحديد عدة مواقع أتى سترابو على ذكرها بالتحدث عن إسكندرية البطالمة، أي الإسكندرية في ذروة أمجادها.

غوديو: أعتقد أن الرومانسية التي جمعت كليوباترا بمارك أنطوني أثرت بنا جميعا لأننا أثناء التنزه في هذه الجزيرة وعلى تلك الأرصفة لا يمكن إلا أن نفكر بالأشياء التي ربما رآها جوليوس القيصر أو لمسها مارك أنطوني. لا شك أنها مؤثرة.

كيف كانت تبدو الإسكندرية القديمة فعلا؟ سنعرف ذلك فيما يلي.

=-=-=-=-

تعتمد الآثار في أعمالها الجارية في اليابسة أو تحت الماء على عملية معقدة لتنفيذ الحفريات. وهي عادة ما تزيل الأثريات وتدرسها وتحفظها في مختبرات أو متاحف. أما الآن فلا تعتبر هذه هي العملية الجارية في الميناء الشرقي للإسكندرية.

غوديو: نعمل أولا على رسم خريطة لما يمكن أن تكون عليه المباني في الجزيرة أو على الشاطئ، ولكنا الآن لا نلمس ما يتم العثور عليه، بل نتركه في مكان يستحق الغوص لتصويره ومقارنته مع غيره في المكان الذي هو فيه حيثما سقط.

سقطت أعمدة كبيرة وقطع هائلة من الرخام على طول الشاطئ. يتم تسجيل كل من هذه القطع في موقعه للمساهمة في إعادة تصور المباني وما كانت عليه في القدم.

غوديو: بعد اكتمال المعلومات حسب تحديد وجهة الأعمدة، والصخور الرخامية ربما نتمكن من معرفة ما جرى خلال الزلزال وأماكن حصول المنزلقات. يمكن أن ترى ذلك على الخريطة بالطبع ولكنه أجمل بكثير على أرض الواقع تحت الماء حيث تتحدث عن نفسها بشكل أفضل.

يأمل علماء الآثار عبر آلاف المعلومات المجزأة هذه، ومن خلال المقاييس الأثرية والطبوغرافية، إلى جانب بعض التوقعات، يأملوا بأن يتمكنوا من إعادة بناء الحي الملكي.

يكمن أحد الأهداف في العمل على إعادة تشييد بناء ثلاثي الأبعاد يكشف عن ملامح ما كانت عليه المدينة في عصر كليوبترا.

تلعب الألوان دورا هاما في تلك القصور والمعابد القديمة، طاقة ورموز وعظمة المدينة تشكل شهادة جريئة.

تؤكد المؤلفات المكتوبة بأن شقة كليوبترا الخاصة كانت تزدحم بالروائع والأعمال الفنية الراقية، والكراسي الفاخرة صناديق نفائس مرصعة بالعاج والذهب. كما أن الأرض الرخامية البراقة كانت تغطى بسجاد رائع التصميم. كما تزين الممرات بأبواب من خشب الأبنوس ومسكات أبواب صنعت من العاج والنفائس الأخرى.

تترك أعمال الحفر الجارية في ميناء الإسكندرية أثرا عميقا في جميع المصريين، يتعزز ذلك باستخدام الكمبيوتر لتصوير قصر كليوبترا، أو بالعمل على ترميم آثارها الضائعة.

درويش: أرى أشياء ما كنا نراها قبل بضعة سنوات، ولكني أرى أشياء لا يمكن لأحد أن يصنع مثله من جديد. أشعر اليوم كمصري من أبناء الإسكندرية، وكأني أتحدث من جديد مع أجدادي. يسرني جدا اللقاء بهم ثانية، وبما تركوه وراءهم.

يشكل وضع خريطة جديدة للميناء مجرد بداية لمشروع هائل. يعتبر علماء الآثار أن أعمال الحفر والتنقيب وتصنيف المناطق سيستغرق عشر سنوات أو أكثر.

هناك جدال يتم اليوم حول أفضل السبل لحماية الأثريات التي تم العثور عليها في الميناء.

غوديو: يعود الأمر للسلطات المصرية كي تحدد بعد انتهاء التنقيب ما هي الآثار التي ستنقل إلى المتاحف وما إذا كان كل شيء سيبقى تحت الماء.وما إذا كانت ستقيم حديقة أثرية يطلع الجمهور من خلالها على الأثريات. سيتقرر ذلك من خلال السلطات المصرية في الوقت المناسب.

طرحت مع هذه الاكتشافات مجموعة من الأسئلة. منها كيفية تمكين الناس من رؤية مدينة كليوبترا الملكية، دون تدميرها.

درويش: سنقرر ما إذا كنا سنعد متحفا تحت الماء يكون الأول في العالم، يأتي السياح إليه للغطس ومشاهدة الآثار تحت الماء. هذا ما أود رؤيته، ولكن إعداد المتحف يحتاج إلى جهود كبيرة.

هناك مدن تقيم حدائق تحت الماء لمساعدة السياح على رؤية المخلوقات البحرية في بيئتها الطبيعية. يفكر المجلس المصري الأعلى للآثار باستخدام غواصات كهذه تمكن السياح من رؤية روائع الإسكندرية القديمة، إلى جانب المخلوقات البحرية.

وهناك مشروع لإقامة منطقة مراقبة تحت الماء، إلى جانب متحف أثري.

فتاح: يجب أن نخرج أفضل الأثريات، ونبقي القطع الكبرى في مكانها. وقد نقيم متحفا تحت الماء، يصنع من الزجاج، يستطيع الزائر فيه التمتع بالغداء في مطعم أو مقهى أو ما شابه ذلك، وهو محاط بالآثار والأسماك في قاع البحر. هذه طريقة للتمتع بالحياة وبالثقافة وبالآثار.

يؤيد علماء الآثار البحرية والعلماء المحليين فكرة إقامة حديثة أثرية تحت الماء. قريبا سيتم إغلاق آخر أنابيب الصرف الصحي، لهذا تتوقع السلطات أن تتحسن الرؤية في مياه الميناء، ما يحث الزوار على المجيء إلى الإسكندرية لرؤية قصر كليوبترا الضائع وغيره.

درويش: ربما نتمكن في العام المقبل من إقفال آخر أنبوب للصرف الصحي كما وعد المسؤولون هنا، لهذا نأمل أن تكون الرؤية في العام المقبل أفضل.

يتوقع الدكتور فخراني مستقبل زاهر للميناء كمركز سياحي ممكن تحت الماء.

د.فخراني: أعتقد أن الإسكندرية ستصبح من أهم الأماكن الأثرية في العالم. والأهم من ذلك هو أنه إن حالفنا الحظ في التأكد من كل ما ورد، قد يكون هذا الموقع أكثر أهمية من الأقصر. لهذا آمل أن يتحقق هذا الحلم في القريب العاجل.

تقع الإسكندرية على تقاطع طرق بين الحضارات، وكانت مركزا تتجمع فيه المعارف العالمية. غيبت هذه المدينة القديمة لأكثر من ألفي عام خلف ستار من الغموض والأساطير، بعد اختفاء قصور هذه المدينة ومعابدها جميعا على مر العصور.

ولكن ميراثها حمل من قبل الإغريق والرومان إلى أوروبا في عصر النهضة، وإلى أيامنا هذه.

كشفت أعمال التنقيب الجارية في الميناء الشرقي النقاب عن الإسكندرية القديمة، وأزالت الغموض عن ملامحها الباهتة.

مع استمرار العلماء في أبحاثهم، ستحل ألغاز الإسكندرية ونصبها قصورها الضائعة في نهاية المطاف. قريبا ستشرق شمس هذه المدينة الأسطورية القديمة من جديد، كي تضيء العالم كإحدى أهم المدن التاريخية المدهشة في العالم.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2012م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster