|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
الاستيطان
محاضرة حول الاستيطان
محاضرة ألقيت في حوار أقامه مركز باحث للدراسات الفلسطينية
والاستراتيجية برعاية المركز الثقافي الايراني في بيروت تحت عنوان "
التوطين والاستيطان وجهان لمشروع واحد".
الاستيطان جريمة متوراثة
الاستيطان ظاهرة بشرية قديمة شهدت أشكالها الأولى مع النياندرتال
والهجرة الاندو أوروبية والساميين في الجزيرة العربية وقد تعاقبت أشكال
الهجرة على مر العصور حتى أثبتت أبحاث الجينات الحديثة أن أصول سكان
إيرلندا، البيضاء جدا، تعود الى افريقيا السمراء، وأن مجموعات من
المستوطنين الأوروبيين ما يزالوا منتشرين في الأرياف الأسيوية بعد أن
رافقوا الاسكندر المقدوني في غزواته على طريق الهند.
وهو مانراه اليوم في الولايات المتحدة وكندا من مدن وحضارات بدأت قبل
قرنين ونيف على شكل مستعمرات صغيرة ثم تحولت لتصبح اليوم دولا عظمى
تمتلك ثلثي اقتصاد هذا العالم, وقد أقيمت على أنقاض ثقافات دمرت ولغات
غيبت وشعوب ارتكبت بحقها ابادات جماعية راح ضحيتها أكثر من 40 مليون
شخص من السكان الأصليين أجبر بضعة الاف من بقاياهم على الاقامة حتى
اليوم ضمن ما يعرف بمحميات وهي أشبه بالبانتوستات المعزولة والخالية من
أدنى مقومات الحياة، علما أن محاولات تجري حتى اليوم لإخراجهم منها بعد
اكتشاف احتياطي كبير من الثروات الطبيعية أو المعادن في باطنها.
في احدى الغزوات الأوروبية على أراضي القارة الأمريكية، قام الأوروبيون
بابادة 5000 من رعايا الملك أتاوالبا في مجزرة واحدة لم تدم أكثر من 24
ساعة قاموا بعدها بخطف الملك وطالبوا السكان بفدية توازي أضعاف وزنه
ذهبا مقابل اطلاق سراحه. وكانوا كلما جمع الهنود كميات الذهب المطلوبة
ينقضون العهد ويطالبون بالمزيد، حتى نفذت كميات الذهب المتوفرة في
البلاد، فطالبوا السكان بجمع كميات من الفضة توازي أضعاف وزن الملك
مقابل إطلاق سراحه، ولكنه بقي سجينا حتى نفذت جميع المعادن الثمينة من
البلاد، وتحول أتوالبا إلى عبئ على خاطفيه فقاموا بإحراقه.
تبع ذلك
الاستيلاء على البلاد ,العباد من السكان الأصليين وتحويلهم إلى عبيد أو
فلاحين من الفقراء الذين يقيمون حتى اليوم في ما يسمى بمحميات ومناطق
معزولة وسط الحرمان الكامل من جميع الحقوق، وهو ما يطبق حتى اليوم في
دول تتشدق بحماية الأعراف الدولية وحقوق الانسان، وتتخذ من الأمم
المتحدة مطية لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة واستراليا وغيرها..
هذه هي
المدرسة التي ينتمي إليها الكيان، وهذه هي القوانين والأعراف التي
يستلهم منها ممارساته بحق الفلسطينيين والعرب، فلم يتردد في ارتكاب
المجازر قي دير ياسين وكفر قاسم أو في مدرسة بحر البقر المصرية وفي
صبرا وشاتيلا وقانا في لبنان واللائحة تطول.. بل ما يزال يمعن في
اغتيال النساء والشيوخ والأطفال، وليس اخر جرائمة قتل الطفل الفلسطيني
محمود بدران فجر أحد أيام هذا الشهر الفضيل غرب رام الله، وإصابة أربعة
أطفالٍ آخرين بجراحٍ مختلفةٍ، عندما تعمدت دورية صهيونية اطلاق النار
عليهم عشوائياً.
لقد أحرقوا المسجد الأقصى ومقام ابراهيم الخليل، ولم يترددوا في حرق
الأبرياء العزل والأمنين في منازلهم، كما فعل المستوطنون بأسرة
الدوابشة التي أحرقت أثناء نومها، أو محمد أبو خضير الذي اخططف على
أيدي المستوطنين وأحرق حيا وهو لم يبلغ بعد 17 ربيعا ..هي ذات المدرسة
التي ينتمي إليها الحاخامات الذين أصدروا مؤخرا فتوى دينية تبيح دس
السم في مستوعبات المياه التي يشرب منها الفلسطينيين.
هذه وغيرها من أعمال
المطاردة والأسر والتنكيل ومصادرة الأراضي تجري بهدف ترهيب الفلسطيني
وتهجيره من أرضه لبناء المستوطنات وتغيير المعالم الجغرافية والبنية
الديمغرافية وصولا إلى تهويد المدن والقرى والاستيلاء على المقدسات
وتحويل ما تبقى من السكان إلى فقراء ومعدمين أقصى ما يحلمون به هو
الحصول على إذن بالعمل في بناء المستوطنات والطرق الالتفافية أو جدار
فصل العنصري يعزلون به القرى والمدن الفلسطينية التي أصبحت اليوم
مقطعة الأوصال وشبه محاصرة.
أركان الاستيطان في فلسطين
هذا ما آلت إليه أحوال فلسطين دون مواربة أو مبالغة، بعد أن توالت
عليها النكبات والنكسات والهزائم منذ نهايات القرن التاسع عشر حين كان
اليهود اقلية لا تتجاوز العشرة بالمئة من السكان، وقد استعانوا طوال
هذه الفترة لبناء مستوطناتهم وتوسيعها بعدة عوامل أهمها1- اعتمادهم على
دعم الغرب و2- إثارة وترويج النزاعات العربية والطائفية و3- مراهنة
بعضنا على الغرب كوسيط نزيه.
لولا ما أصاب الأمة من وهن عشية الحرب العالمية الأولى لما استطاع
الصهاينة إحياء مؤتمراتهم وإقناع الدول العظمى بقدرة اليهود على حماية
مصالحهم في الشرق، وإقناع اليهود انفسهم وتوريطهم باقامة المستوطنات
والاستيلاء على فلسطين.
ولولا الدعم البريطاني أولا عبر وعد بلفور والدعم الأمريكي لاحقا عبر
تبني المشروع الصهيوني المستمر وتقديم المساعدات اللامشروطة للكيان،
لما تحولت تلك المستوطنات المتواضعة إلى قاعدة عسكرية متقدمة على أرضنا
بل وربما أصبحت واحدة من أعتى القوى العسكرية في العالم.
ولولا انشغال الدول العربية بعد مرحلة الاستقلال بنزاعاتها الداخلية،
وخضوع السواد الأعظم من البلدان الأغنى منها لاملاءات الدول العظمى،
وعدم اكتراثها بتعاظم القوة الصهيونية وتنامي نفوذها الاقليمي والدولي
لما استطاع الكيان تعزيز مستوطناته وتوسيعها لتشمل كل فلسطين.
وبعد، لا بد من القول أن من أبرز أركان دعم المستوطنات وتوسيعها مراهنة
بعض القيادات الفلسطينية على بريطانيا عشية وخلال الحربين العالميتين
الأولى والثانية، ومن ثم مراهنة بعض القيادات الفلسطينية حتى اليوم على
أمريكا وغيرها من حلفاء الصهاينة في الغرب، والتمسك بمسار التفاوض من
أجل التفاوض.
أي أننا اليوم حيال مشهد تجتمع فيه كل أركان الاستيطان، بحيث تتواصل
حروب العصابات الوهابية على سوريا والعراق وليبيا وتستمر الاعتداءات
السعودية على اليمن، لتبدد القوى والطاقات العربية وتخرج القضية
الفلسطين من لائحة أولويات الأمة، ثم يأتي الموقف الغربي والأمريكي
الداعم للصهاينة ليتوج مؤخرا بتسليم سلاح الجو الاسرائيلي 73 طائرة
مقاتلة من طراز إف 35 الحديثة، بينما تستمر قيادات السلطة بتعليق
أمالها على جولات الرباعية والمبادرة الفرنسية وغيرها من فنون تغطية
التوسع الاستيطاني وفرض وقائع كارثية على القدس والجوار منذ توقيعها
اتفاق أسلو.
قبيل توقيع إتفاق اوسلو عام ثلاثة وتسعين، بلغ عدد المستوطنين في الضفة
الغربية والقدس الشرقية نحو مئة وعشرة آلاف مستوطن، أما اليوم فقد ناهز
حوالي المليون مستوطن. 250 ألف منهم في القدس و750 ألف في الضفة.
وقد جاء جدار العزل ليفصل مدينة بيت لحم عن القدس، كما زرعت في قلب
مدينة الخليل اربعة بؤر استيطانية بينما تطوقها المستوطنات والمعسكرات
من الشرق والجنوب والغرب، في حين فاق عدد المستوطنات في سلفيت والمقامة
على اراضيها عدد القرى الفلسطينية المحيطة بها, فبلغ عددها22 مستوطنة
مقابل 12 قرية فلسطينية فقط وهو ما ينطبق على قلقيلية وطولكرم وطوباس.
أما القدس فاعتبر نصيبها من تداعيات اتفاق أسلو الأشد وقعا على
الاطلاق، إذ أحيطت المدينة بطوق من المستوطنات، يتبعه طوق آخر مكون من
تجمعات المستوطنين في الأحياء الفلسطينية، كما هو حال جبل المكبّر
والشيخ جرّاح وراس العامود وسلوان وغيرها، ثم يلي ذلك طوقا ثالثا في
قلب المدينة القديمة نفسها حيث بات يستوطن نحو اربعة آلاف اسرائيلي.
وهكذا كاد عدد المستوطنين المتنامي في القدس الشرقية يوازي عدد
الفلسطينيين البالغ 280 ألفا بعدما تضاءلت أعداد هؤلاء نتيجة هدم آلاف
المنازل الفلسطينية وتهجير أصحابها مقابل بناء عشرات الآلاف من الوحدات
الاستيطانية هناك. أما المستقبل فيعدنا الصهاينة فيه بخفض نسبة
الفلسطينيين في القدس إلى نحو عشرة بالمئة فقط من سكان المدينة عام
2020، وذلك وفق خطة عشرية أعلنت عنها سلطات الكيان وتعمل على تنفيذها
منذ عام
2009.
من جهة أخرى ثبت مجددا في ملف المستوطنات أن الكيان لا يقيم وزنا
لقرارات الشرعية الدولية، فلم يكترث بقرار مجلس الأمن 446 لعام 1979،
والذي أقر بأن إقامة المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ
عام 1967، لا تستند إلى أي أساس قانوني وتشكّل عائقاً خطيراً تجاه
تحقيق السلام، وقرار مجلس الأمن رقم 452 لعام 1979، والذي يدعو إلى وقف
أنشاء وتخطيط المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967، وقرار مجلس
الأمن رقم 465 لعام 1980، والذي طالب بوقف الاستيطان والامتناع عن بناء
مستوطنات جديدة وتفكيك تلك المقامة منذ ذلك الحين.
كما أصدرت محكمة لاهاي الدولية حكما صادق عليه مجلس الأمن ينص على عدم
شرعية جدار العزل، وذلك في تموز يوليو من عام 2004... كلها قرارات
ضُربت كغيرها بعرض الحائط وعوملت على أنها لا تساوي قيمة الحبر الذي
كتبت فيه، ومع ذلك كوفئ الكيان مؤخرا بانتخابه لرئاسة اللجنة القانونية
للأمم المتحدة.
شروط لتراجع الاستيطان
رغم المسار التصاعدي الواضح في بناء المستوطنات فوق التراب الفلسطيني
من النهر إلى البحر، إلا أنه شهد حالات من التراجع النسبي والمؤقت وصل
إلى تفكيك بعضها كحال تلك التي أقيمت في سيناء بعد عام 67 وجرت ازالتها
بعد حرب رمضان أكتوبر من عام 1973، وحال المستوطنات التي جرى تفكيكها
في غزة بعد طرد الصهاينة من القطاع، إلى جانب ما شهدته الضفة والقدس من
تراجع نسبي في بناء المستوطنات خلال الانتفاضتين الأولى والثانية،
بالاضافة إلى إخلاء المستوطنات في شمال فلسطين ومغادرة سكانها نحو عمق
الكيان اثر الهزائم الاسرائيلية التي منيت بها في مواجهاتها مع
المقاومة اللبنانية وحزب الله منذ عام 2006، وكذلك حال المستوطنات
المحيطة بقطاع غزة خلال مواجهاتها مع المقاومة الفلسطينية هناك.
كما ساهم الحراك الشعبي المستمر في بعض الحالات بإعاقة مصادرة الأراضي
الفلسطينية لبناء المستوطنات وجدار العزل الذي يفصل القرى والمدن
الفلسطينية عن بعضها البعض، وهو ما قام به الأهالي في بلعين وسكان
الجوار حين تمكنوا بفعل الضغط الشعبي المتواصل والتحرك في مختلف
الاتجاهات من فرض تعديلات على مسارات الجدار، واجبروا الاحتلال عام
2001 على تفكيك جزء منه أقيم على أراضي البلدة، وهو ما يشير إلى أهمية
الحراك الشعبي في اجتراح الوسائل وسبل المساهمته في مواجهة مشاريع
الاحتلال.
يأخذنا ذلك إلى ضرورة تقديم كل الدعم اللازم لكافة أشكال الحراك
الشعبي وتطويره ضمن احترام خيارات المشاركين في الحراك، بدءا من
العاملين على توفير كافة أشكال الدعم لصمود أهلنا في القدس وغيرها من
القرى والمدن الفلسطينية بما يساهم في تمسكهم بالأرض والوطن، مرورا
بالتغطية الاعلامية واحتضان الحراك الشعبي على أنواعه، وصولا إلى تقديم
الدعم الكامل لعمليات المقاومة المسلحة بشتى أشكالها، بما في ذلك
العمليات الفردية التي يقوم بها شبان وشابات انتفاضة الأصى العزل إلا
من موقف عزة وكرامة، حتى لو تعرضت أسرهم للتنكيل والعقاب الجماعي وهدم
المنازل.. وهنا نود الاشادة بأهمية الدعم المالي المباشر الذي تقدمه
الجمهورية الاسلامية لعائلات الاستشهاديين لاعادة بناء المنازل التي
يهدمها الكيان.
رغم اختفاء الملف الفلسطيني عن لائحة أولويات الدول العربية بل وتقارب
بعضها المعلن مع الكيان، نرى في المقابل أن دولا من الاتحاد الأوروبي
تصدر قرارا بمنع استيراد السلع المنتجة في المستوطنات، كما ترفض حكومة
برازيليا اعتماد المستوطن داني ديان سفيرا اسرائيليا في البرازيل،
وتتخذ العديد من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العالمية قرارا بمنع
التعاون مع الجامعات والمؤسسات العلمية الاسرائيلية، بالاضافة إلى
استمرار حملات المقاطعة التي تنظمها الجاليات الفلسطينية والمناصرين
لفلسطين في عدة بلدان، كما يعود الفضل في ذلك إلى تنامي الحراك الشعبي
المنتظم والمؤيد للحق الفلسطيني، ومن أبرزه اعلان الجمهورية الاسلامية
ليوم الجمعة الأخير من الشهر الفضيل يوماعالميا للتضامن مع فلسطين،
وحرصها الدائم على إحياء هذه المناسبة بأفضل السبل وفي جميع أرجاء
العالم.
الأخوة والأخوات
والسادة الحضور الكريم... لا يسعنا في الختام إلا ان نسأل الله أن
يشرفنا وإياكم بدخول المسجد الأقصى على أيدي رجال صدقوا ما عاهدوا الله
عليه، وما بدلوا تبديلا... وهو على كل شيء قدير.
أشكركم مجددا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
د. نبيل خليل
76094646
nabilkhalil@hotmail.com --------------------انتهت.
إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1437هـ / 2002-2016م