لغتنا تواكب العصر

الجدري

الجدري   نا: أهلا بكم في هذه الحلقة الجديدة من التقرير الطبي، معكم نانسي دوير، وسنتحدث اليوم عن مرض نعرفه جميعا. الجدري. الجدري أو الحماق هو أحد الأمراض الأكثر انتشارا وعدوى في الولايات المتحدة، فهو يصيب أربعة مليون شخص كل عام، غالبيتهم من الأطفال. لا يعتبر الجدري من الأمراض الخطيرة، ولكنه قد يؤدي إلى تعقيدات جدية، فقد يسبب بين الأطفال الأصحاء التهابات جرثومية في الصدر والرأس. كما يمكن أن يؤدي إلى الموت في بعض الحالات. أضف إلى ذلك أن الفيروس الذي يسبب الجدري، أو الحماق، يسمى بالفي سي في، يستقر في أنسجة الأعصاب بعد التخلص من المرض، كما يمكنه أن يعاود النهوض في وقت لاحق، ليسبب مرضا مؤلما ومستعصيا في بعض الأحيان، يسمونه القوباء. لمعرفة المزيد عن هذا الفيروس، يسرنا أن نستضيف الخبير الطبي الدكتور آن غيرشون، بروفيسور طب الأطفال ورئيس دائرة هذا الاختصاص في جامعة كولومبيا للطب والجراحة. والذي يشاطر الاستشارية في جمعية أبحاث فيروس في سي في، وهي المنظمة الخيرية العالمية الوحيدة التي تدعم الأبحاث والدراسة في مجال فيروس الجدري . آن: هذا هو الفيروس الذي يسبب الجدري والقوباء، أصبحنا اليوم قادرين على الحؤول دون تعرض الناس للجدري في الولايات المتحدة. وأصبح كل من هو حساس تجاه الجدري، سواء كان طفلا أو راشدا، إذا كان متعافيا، يمكنه الذهاب إلى الطبيب، للحصول على حقنة وقائية من الجدري. نا: أرجو أن تبقوا معنا لطرح المزيد عن هذا التقرير الخاص. =-=-=-=-=- يعتبر فيروس في سي في من نوع يمكنه المهاجمة مرتين. المرة الأولى بالجدري. تسعون بالمائة من حالات الجدري تحصل بين أطفال تتراوح أعمارهم بين اثني عشر وأربعة عشر عاما، بينما تكثر الحالات أيضا بين أطفال المدارس بين الخامسة والتاسعة من العمر. آن: يظهر الجدري مع الاطفال على شكل ارتفاع حرارة له صلة مباشرة بانتشار الحبوب في أنحاء الجسم. تتميز هذه الحبوب خصوصا في أنها تسب الحكة، وحين يتفاعل معها الأطفال يتضح أنها قد تلتهب. يتعرض بعض الأطفال لعلامات بسيطة، قد تصل إلى أقل من خمسين حبة. كما قد تصل لدى بعض الأطفال إلى أكثر من خمسمائة حبة حتى الألف لتغطي الجسم كله وتصبح مأساوية جدا. نا: لا يعتبر الجدري خطيرا لدى غالبية الأطفال، ولكنها قد تهدد حياة الإنسان جديا. ميليسا: عادة ما نقبل في المستشفى حالات الجدري المعقدة لدى الأطفال، بعض حالات التهاب الرأس حيث تصعد الحرارة إلى الدماغ، أو بعض حالات التهاب الحبوب وتقرحها. من رأيتهم من حالات التهاب الرأس من الأطفال كانوا مرضى جدا، غذ تعرضوا لمتغيرات عصبية لا بد من مراقبتها عن قرب  ولكنهم تماثلوا للشفاء سريعا. مع أن هذا كثيرا ما يسبب القلق لدى الآباء. ليس هذا بأمر طبيعي ولكن من الممكن أن يسبب الجدري بعض التعقيدات وأمراض الفيروس الأخرى. ولكنها في طفل بصحة جيدة ليست كما هو الحال بالنسبة لآخر يعاني من سوء في المناعة أو من أمراض أخرى. بول: هناك أعداد من الأطفال الذي يعانون جدا من الجدري، رغم أن النسبة متدنية ولكن هناك أكثر من تسعين حالة وفاة سنويا تنجم عن الجدري بين الأطفال والراشدين. هناك أعداد متزايدة من الناس الذين يتعرضون لتعقيدات إضافية تنجم عن المرض. آن: المعرضين للجدري من الراشدين هم بحالة أشد خطورة من الأطفال، فكثيرا ما يموت الراشد متأثرا بالجدري حين يتعرض له. نا: الخبر السار حول الجدري هو أن الوقاية منه أصبحت الآن ممكنة. في آذار مارس من عام خمس وتسعين صادقت إدارة الدواء والغذاء الأمريكية  على أول تلقيح أمريكي يقي من الجدري. جرى التوصل إلى هذا العنصر من الفيروس الذي استخدم لتطوير النموذج الأمريكي من اللقاح، لأول مرة عام واحد وسبعون، على يد الطبيب ميشياكي تاكاهاشي، في جامعة أوساكا اليابانية. وجرت المصادقة على هذا اللقاح في الولايات المتحدة بعد عشرة أعوام من التجارب الطبية، التي تضمنت أكثر من أحد عشر طفل وراشد. آن: حين يخضع أي دواء للدراسة في الولايات المتحدة، يجب أن يثبت أولا أنه آمن، وبعدها يجب أن يثبت فعاليته ونجتحه فعلا. وقد استغرق الأمر بضع سنوات للقيام بذلك، ضمن عيادات تحكيم خاصة. أول طفل تلقى اللقاح هو طفل مصاب باللوسيميا، وحين تأكد أمان ووقاية اللقاح ضد الجدري أصبح لدينا ما يمكن أن يعزز مناعة الأطفال الأصحاء. نا: يعمل اللقاح في أجسام الأشخاص ممن لم يتعرضوا لهذا المرض من قبل. جيروم: أرى أن هناك ثلاثة أسباب ينتفع منها الأطفال، عبر استخدام وسيلة وقائية من الجدري. فإذا تخلصنا من هذا المرض، نتخلص من تغيب الأطفال عن المدارس والأنشطة الأخرى، وعذابات هذا المرض المزعج، وما يسببه من إحساس بالتسمم والحرارة. وثالثا التعقيدات الغير اعتيادية، وهي في الغالب ذو طابع جرثومي، إلا أن التهاب الدماغ والجهاز العصبي من عوارضها أيضا. آن: اللقاح هو فيروس حي، مخفف بالمعنى المجازي. وهو لا يؤدي إلى أي أعراض بالمطلق، إلا أن جهاز المناعة يتعرض للخدعة على اعتبار أنه يواجه الأمر الفعلي، وهكذا يتبع سلوكه الاعتيادي في محاربة الفيروس، عند الإصابة بالجدري. وهكذا يتشكل لدى الشخص الملقح مناعة كافية، ويبني خلية وقاية مضادة، ما يحول دون تعرض المرء للجدري لاحقا. هذه الطريقة من حقن اللقاح وأسلوب عمله متشابهان، مع سبل اللقاحات المتعددة الأخرى التي تحقن أو التي تعطى منها عبر الفم. بول: تكمن الفكرة الأساسية من برنامج التلقيح في التخلص من المرض في الطريقة نفسها التي تم التخلص فيها من شلل الأطفال تحديدا. هذه هو الواقع فيما نتحدث عنه وأعتقد أن الجدري مرض يستحق العمل على التخلص منه جذريا، فرغم أنه بسيط غالبا ولكنه يسبب الوفيات، وهو يشكل وزرا على كاهل الإقتصاد الوطني من حيث الخسارة الإنتاجية التي تنجم عن تغيب الآباء عن العمل أثناء مرض أبنائهم. نا: يتواجد لقاح الجدري في العيادات الطبية عبر البلاد بالنسبة لجميع من لم يصيبهم المرض من قبل. وتحديدا الأطفال الأصحاء بعد بلوغهم عام واحد، والفتيان والبالغين. آن: عادة ما يعطى اللقاح عبر حقنة في الذراع لأطفال بين العام الأول من العمر والثلاثة عشر عاما. يحصل هؤلاء على حقنة واحدة. أما من هم فوق الثالثة عشرة من البالغين، فيجب أن يتلقون حقنتين للمناعة التامة، يفصل بين الواحدة والأخرى بين شهر أو شهرين. نا: يمكن للجدري أحيانا أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، لهذا من الضروري الحصول على هذا اللقاح. آن: نريد أن نحول دون تعرض الأطفال إلى الجدري ونريدهم ألا يتعرضون لتعقيداته، أما السبيل الوحيد لتحقيق ذلك فهو المناعة. أعتقد أنه من الضروري أن يعرف الجميع بأن هذا اللقاح لا يشكل مناعة شبيهة باللقاحات الأخرى مثل شلل الأطفال، ولكن هذا لا يعني بأنه ليس لقاحا. بل يمكن اعتباره سبيل للوقاية حسب معرفتنا، خصوصا وأنه يضمن حماية من حالات الجدري القاسية. إلا أن بعض الأطفال وبعض البالغين أيضا، قد يتعرضوا لحالات بسيطة من عوارض الجدري، ولكنها لا تساوي عشرة بالمائة من أعراض المرض الحقيقي. نا: بالنسبة للملايين منا الذي أصيبوا بالجدري، هناك احتمال بانبعاث الفيروس على شكل مرض القوباء. بعض الإصابة بالجدري يذهب الفيروس في سبات لعدة سنوات، في محصنات الأعصاب قريبا من النخاع الشوكي في العمود الفقري. ويمكن لفيروس أن ينهض من غفوته. أولا لدى من تخطوا سن الخمسين، يتنقل حينها عبر نيورونات الإحساس ليسبب الألم، ثم يهاجم البشرة عند نهاية الأعصاب، ليسبب حالة من الطفح. تؤكد جمعية أبحاث هذا الفيروس أن ثماني مائة وخمسون ألف شخص يصابون في الولايات بمرض القوباء، وتعتقد هذا الجمعية أن عشرون بالمائة من المواطنين يتعرضون لهذا المرض المؤلم لمرة في خمس وسبعين عاما من العمر. سنتحدث لاحقا بمزيد من التفاصيل عن القوباء والسبل الجديدة للتخفيف من آلام المصابين به. =-=-=-=-=- نا: تحولت آلام القوباء المأساوية بالنسبة للمصابين إلى جزء من الحياة اليومية. تكثر الإصابة بالقوباء بين الكبار في السن، أو من يتلقون علاجا يؤثر مباشرة على نظام المناعة، بما في ذلك مرض الإيدز، العلاج الكيميائي أو بالأشعة، أو بالإستيرويد وعمليات زرع الأعضاء أو التوتر. يسبب القوباء خدر موضعي والحرقة والوخز، أو آلام مبرحة، والحرارة ولصداع والدوخة. كثيرا من ينتشر الطفح عند الصدر، ولكنه قد يتواجد أيضا عند الرأس، والعنق والوجه والظهر. وعادة ما ينتشر الطفح مجموعات، وعادة ما يتحدد في الجانب الأيمن أو الأيسر من الجسم. بالنسبة لبعض المصابين وخصوصا المتقدمين في السن، يمكن للآلام أن تستمر لبضعة أسابيع أو أشهر أو سنوات بعد شفاء الطفح. بالنسبة لهؤلاء المصابين بالحالة المستعصية من القوباء، يمكن لأي لمسة، أو نسمة بسيطة أو حتى الملابس أن تسبب آلام مبرحة. كما يمكن أن تحصل تعقيدات أخرى إضافية، تؤثر على البصر ووظائف العضلات ونظام الأعصاب المركزي. سوك كانت هذه أسوأ مرحلة من حياتي البالغة ثلاثة وثمانون عاما، لم يسبق أن شعرت بآلام كهذه. أستيقظ صباحا بعد أن أمضي نصف الليل أئن من شدة الألم ولا أتمتع بنوم هانئ. لا يغادرني الألم لحظة واحدة، وهو ينتشر في مكانين مختلفين، بحيث يختلف أحدهما عن الآخر، أشعر وكأن أحدا يقطع شرائح من اللحم، ولكنها من جسمي الحي. نا: رغم كل ما يسببه من آلام مبرحة، إلا أنه لم توجد أي منظمة تعمل على محاربته، حتى عام واحد وتسعين، حين قام ريتشارد تي بيركين بتأسيس جمعية في سي في للأبحاث. ريتشارد: منذ بضعة سنوات تعرضت أمي لحالة مستعصية من القوباء استمرت معها طويلا، فقررت تأسيس جمعية أبحاث خاصة بدراسة الفيروس الذي يسبب الجدري والقوباء، وما ينجم عن هذا الأخير من آلام. كجمعية خيرية نخصص ما نتلقاه من تبرعات لدعم الأبحاث، وتوعية الناس حول أهمية التلقيح ضد الجدري، والتشخيص المبكر للإصابة بالقوباء. نتلقى مئات المكالمات والرسائل من أشخاص يتعذبون، بعضهم من آلام شديدة بعد الشفاء من الطفح، وبعض من يفكرون بالانتحار، ورسالة من أم توفي أطفالها الإثني عشرة بمرض الجدري. رج: تعذبت كثيرا بسبب هذا المرض على مراحل عدة، وهو يدمرني. أبلغ اليوم تسع وسبعون عاما وكثيرا ما أوشك على الانتحار. آن: هناك أدوية متوفرة للمصابين بالقوباء، يمكن لأي شخص يفوق الخمسين ويعتقد أنه مصاب بالقوباء أن يستعملها. أما إذا شاهد الطفح على البشرة، فلا بد أن يراجع الطبيب حالا. بحيث يتلقى العلاج المناسب لمرضه. مضادات الفيروس المتوفرة اليوم تعتبر فعالا للتخلص من المرض بسرعة هائلة. أضف إلى ذلك أن بعض الأدوية المضادة للفيروس أثبتت قدرتها على تقليص فترة الآلام بعد الشفاء من الطفح. يبدو أنها لا تقي منها، بل تقلص من مدة استمرارها، لهذا من الضروري أن يلجأ المصاب فوق الخمسين للحصول على العلاج المناسب للمرض. أما الأدوية الخاصة بمرحلة ما بعد الشفاء من الطفح فيبدو أنها ليست رائعة، أحيانا ما تساعد، ولكن ليس غالبا، فكثيرا ما يقع المرضى أسرى لآلامهم المستمرة. نا: يؤكد الدكتور غيرشون، أن مضادات الفيروس يمن أن تمنع الفيروس من الانتشار. ولكن لفعالية أكبر، يجب تناول الأدوية عند الشعور بالألم أو خلال يومين من انتشار الطفح. آن: ما يجعل من القيام بتشخيص سريع للقوباء هاما، هو أنه يساعد المريض في الحصول على مضادات سريعة للفيروس. لدينا ثلاثة أيام للبدء بمضادات الفيروس، ولكنه ينجح أكثر إذا بدأ استعماله قبل أربع وعشرين ساعة من ظهور الطفح الجلدي. نعلم بأن مضاد الفيروس يخفف من آلام القوباء ويضمن تماثل الطفح إلى الشفاء بسرعة أكبر، كما يختصر مدة التعقيدات لدى الأشخاص الذين يتعرضون لها. لهذا فإن التشخيص المبكر للمرض يساهم في علاجه المبكر أيضا. نا: قد نجد الحل المناسب لمرضى الغد في مراكز أبحاث اليوم ضمن الحرب المعلنة على فيروس الفي سي في. آن: هناك مضادات جديدة للفيروس ترفع مستوى الدم حين تعطى عبر الفم، بالإضافة إلى الأدوية المتوفرة، اليوم، على أمل أن تنجح هذه الأدوية في معالجة الجدري والقوباء معا. هذه هي الأدوية الجديدة التي سيتم التعرف إليها قريبا. كما يتم العمل على البحث في إمكانية الوقاية من القوباء لدى المجموعات المعرضة لمثل هذا المرض، أو لمن تعرض للجدري أثناء الطفولة. بدأنا اليوم بدراسة واسعة حول أي فريق من الناس سيتلقى اللقاح، كي نجري مقارنة على حجم استعصاء القوباء بين هذين الفريقين. عندما نحصل على النتائج سنقرر ما إذا كان على جميع من يتخطون الخمسين الحصول على جرعة من اللقاح. أما اليوم فكل ما نسعى إليه هو التأكد من حصول كل من لم يتعرض للجدري بعد على لقاح أو اثنين إذا ما لزم الأمر. نا: سنتحدث لاحقا عن المكافحة المستقبلية لفيروس في سي في. =-=-=-=-=-= ريتشارد: هناك مسألتين هامتين وهما أولا  يمكن مكافحة الجدري عبر التلقيح الذي لا بد منه. وثانيا أنه كلما كان تشخيص القوباء مبكرا ومكافحته بمضادات الفيروس، خلال أقل من ثلاثة أيام، كلما كانت فعالية وقف انتشاره أكبر من ذي قبل. آن: التقدم التكنولوجي الذي ساعدنا على تطوير حقنة  الجدري عبر الأبحاث، شيقة جدا، وحديثة جدا، وهناك المزيد من التقدم الذي سيتم إحرازه قريبا. ولكن الجمهور لن يحصل على الفائدة منها، إلا إذا استمرت الحكومة بدعم الأبحاث الطبية. وأنا على أمل أن تستمر الحكومة بتقديم الدعم، دون أن يقلص الميزانية الخاصة بالأبحاث في الولايات المتحدة، لن يتم الاستفادة من الاكتشافات التي تم التوصل إليها في هذا المجال وفي غيره، كما لن يستفيد منها الجمهور أيضا. نا: بهذا ينتهي تقريرنا الطبي لهذا اليوم، نود أـن نشكر الخبيرة الطبية الدكتورة آنغيرشون، والسيد ريتشارد بيركين، رئيس جميعة الأبحاث الخاصة بفيروس في سي في. إذا أردت التعرف على مصاد المعلومات الخاصة بهذا الفيروس وبمرض الجدري، ابق معنى للحصول على المزيد من العناوين الإضافية. معكم نانسي دوير، أدعوكم لحضور حلقاتنا المقبلة من للتعرف على متغيرات عالم الطب المدهشة. لنأتيكم اليوم بكل ما يتعلق بالرعاية الصحية لعالم الغد. --------------------انتهت. إعداد: د. نبيل خليل