|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
ايها المصفقون لكتاب (الباحثة فدوى نصيرات) تمهلوا لعل في الأمر خدعة:
في الحقيقة قد وصلتني عدة رسائل من أخوة وزملاء يطالبوني في الرد
على مقالة الاستاذ خالد حروب (السلطان عبد الحميد وفلسطين: الخرافة
وتفكيكها)، والصادرة في صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 6\4\2014،
حيث يتناول الحروب عرض لكتاب الباحثة فدوى نصيرات(السلطان
عبدالحميد الثاني ودوره في تسهيل السيطرة الصهيونية على فلسطين)، وكوني لم اسمع عن الباحثة
نصيرات ولا الحروب لأني لست متابعا لصحيفة الحياة. لذلك دخلت على
صفحتها على النت لأقرأ المقالة، وقبل أن أرد على ما ورد فيها من
اضاليل خرجت عن حدود المنطق المتعارف عليه، ووثائق التاريخ التي
أقرها معظم الباحثين حتى اليهود منهم، والذي ألغاها الحروب في
نهاية مقالته بتأكيده على الآتي:"
وبفضل الجهد البحثي الكبير الذي تقدمه فدوى نصيرات في هذا الكتاب،
نقرأ تاريخاً جديداً لتلك الحلقة من تاريخ المنطقة، يفكك تلك
الاسطورة (المقصود برفض السلطان عبد الحميد إعطاء شبر من ارض
فلسطين لليهود) وما رافقها من خيال وما تبعها من أدلجة وتوظيف".
لكن ما لفت إنتباهي بعد أن قرأت مقالة الحروب هو تعليق للأكاديمي
المرموق الأستاذ
رمسيس أمون على مقالة، ولأهميته في تعريفنا بالباحثة إذا كانت حقا
قديرة كما يصفها الحروب أو هيّ مروجة لأجندات تعمل للنيل من تراث
الأمة وحضارتها، أذكره كما ورد على مقالة، والذي كان التالي:"
لا أستطيع الحكم على مقالة الدكتورة فدوى نصيرات قبل قراءتها،
ولكني من معرفتي بالموضوع، وهي معرفة أكاديمية عميقة، لا أستطيع أن
أمنع نفسي من الشكك في صحة أطروحتها. إن أفضل الكتابات التاريخية
البديلة هي تلك لتي تعتمد وثائق جديدة أو مقاربة نوعية وموسوعية
جديدة للمصادر المتوفرة حول الموضوع. وبصراحة فإن إطلاعي على
الأبحاث السابقة للمؤلفة لا تشجع التفكير بها كباحثة قديرة من هذا
المستوى. فكتابها الرئيسي، وهو أطروحتها للدكتوراة عن دور
المسيحيين العرب في نشوء القومية العربية، لا يكاد يقدم أي شيء
جديد في الموضوع، وهو بمجمله إجترار وإعادة صياغة لمعلومات
واستنتاجات سبقها إليها باحثون آخرون. أتمنى أن أكون مخطئاً، رغم
أنني كما قلت أستبعد أن يقدم هذا الكتاب إعادة كتابة راديكالية
لموقف السلطان عبدالحميد من الصهيونية. وفي النهاية، ليس صحيحا ما
يقوله السيد الحروب أن اسطورة عبدالحميد ... ظلت دوماً في مأمن من
البحث التأريخي الرصين والموثق، حتى جاءت الدكتورة فدوى لتفعل ذلك!
يا سيد خالد، هذا موضوع تمت دراسته بشكل كبير ومتعمق من باحثين عرب
ويهود وأتراك وغربيين". ولعل ما قدمه الاكاديمي الأستاذ
رمسيس أمون يكشف حقيقة (الثورية) في كتاب النصيرات الذي روج له
الحروب على صفحات صحيفة الحياة، وخصوصا بما ردده من (أدلة) اشارت
اليها الكاتبة، والتي إعتقد عن جهل بأنها نقضت ونفضت المساجلة
الايديولوجية لدور السلطان عبد الحميد في منع الهجرة اليهودية الى
فلسطين على مدار ما يقارب من قرن. محاولا من وراء ذلك الإنتقاص من
هذا الدور الفاعل في لجم المشروع (التوراتي) في فلسطين أقلها حتى
نهاية عهده. ليسجل على نفسه في ذلك جهلا في حقائق تلك الحقبة من
التاريخ الفلسطيني، لذلك نجده يتهم مع النصيرات السلطان عبد الحميد
(بإعدام الناشطين العرب الذين فضحوا تواطؤ الولاة العثمانيين مع
المخططات اليهودية للاستيلاء على الاراضي الفلسطينية وعلى رأسهم
نجيب عازوري). لكن ما يجهله الإثنان معا بأن نجيب عازوري أسس بعد
خروجه من القدس عام 1904 جمعية عصبة الوطن العربي في باريس، ونشر
فيها كتابه في الفرنسية
إحياء الأمة العربية (La
Revil de la Nationarabe)
عام 1905، وأصدر العدد الأول من مجلة الإستقلال العربي في شهر
نيسان عام 1907، ولم يدخل القدس بعد خروجه منها إلا لخوض إنتخابات
مجلس المبعوثان، الذي أجري بعد قيام الثورة على السلطان عبد الحميد
من قبل جمعية الإتحاد والترقي التي أثبتنا ماسونيتها في العديد من
المقالات السابقة. إلا أن سلطات الإتحاد والترقي هيّ من حكمت عليه
بالإعدام وليس السلطان عبد الحميد. وكان التهمة الموجهة إليه المس
بأمن الدولة. ورغم ذلك هرب نجيب عازوري إلى مصر، ليمارس نشاطه فيها
برعاية بريطانية مدير لجريدة (يومية مصر)، حيث أسس هناك محفلا
ماسونيا سرعان ما إنتشرت فروعه في جميع الأقطار العربية، وبقيّ في
مصر حتى توفيّ فيها عام 1916. الأمر الذي يشير إلى أنها لم يعدم
كما أشارت النصيرات او الحروب. فلا ادري كيف قبل الحروب أن يردد
تلك الأكذوبة، أو غيرها من أكاذيب التي أقل ما يمكن القول فيها،
بأنها هدفت إلى المس بتاريخ وقيم الأمة الثقافية والحضارية. وأعتقد
أن ذلك يشمل ترديده لكذبة ما كتبته الباحثة النصيرات في كتابها
(السلطان عبدالحميد الثاني ودوره في تسهيل السيطرة الصهيونية على
فلسطين)، بأن عدد اليهود في فلسطين تضاعف أثناء الحقبة الحميدية
الى ثلاث مرات ووصلت نسبتهم عام ١٩٠٨ إلى ١١ في المئة من عدد
السكان. فأعتقد بأن ترديده لهذه الكذبة أمر لا يغتفر له، لأنه كان
عليه أن يدقق بكل المؤرخات والدراسات والابحاث التي صدرت عن جهات
مختلفة، ومعظمها موثوق بها وقد ذكرت عكس ما روجت له الدعاية
الصهيونية التي جعلت النصيرات والحروب أن يأخذوا بها. إن كان من
جهة ما تسرب من أرض إلى اليهود، أو كان بعدد اليهود حتى نهاية
الفترة الحميدية عام 1908. فالمعروف أن كل تلك المؤرخات قد أكدت أن
معظم تلك الأرض التي سيطر عليها اليهود، جرت بعد الفترة الحميدية
وحتى إنتهاء الإنتداب في 15\5\1948م، والتي بلغت ما يقرب من مليوني
دونم أي ما يوازي سبعة في المائة من مساحة فلسطين البالغة سبعة
وعشرين مليون دونم. على أن ما تم تسربه من أيدي عرب فلسطين من هذين
المليونين، لا يزيد عن مائتين وخمسين ألف دونم، كان معظمها قد تسرب
بسبب نزع الملكية من أصحابها، أو كان بسبب ما كانت تقوم به حكومة
الانتداب البريطاني وفقاً للمادة الثانية من صك الانتداب. أما باقي
الأرض التي يبلغ مساحتها مليون وسبعمائة وخمسون ألف دونم فقد تسربت
إلى أيدي الصهاينة بالشكل التالي:
650.000 دونم إستولى عليها المرابون في عهد حكومة الإتحاد والترقي،
من الأراضي الأميرية بحجة إنعاش الزراعة وإنشاء مدارس زراعية.
300.000 دونم منحتها حكومة الانتداب البريطانية لليهود دون مقابل
(وهي من أملاك الدولة). 200.000 دونم منحتها حكومة الانتداب
البريطانية لليهود لقاء أجرة إسمية (وهي من أملاك الدولة).
600.000 دونم إشتراها اليهود من بعض الماسونيون من اللبنانيين
والسوريين الذين كانوا يملكون أراضي في فلسطين (كمرج ابن عامر
ووادي الحوارث والحولة وغيرها). هذا يعني أن مجموع هذه الأرض يصل
إلى
1750000 دونم.
ويتبين من هذه الأرقام أن السلطان عبد الحميد لم يسمح لليهود بتملك
دونما واحدا من هذه الارض. كما يوضح ذلك أن أهل فلسطين لم يتنازلوا
أو يبيعوا دونما واحدا من مجموع الأرض التي حصل عليها اليهود قبل
خروج الإنتداب البريطاني.
وفي ذلك يقول مفتي فلسطين آنذاك الحاج أمين الحسيني:"
إن مؤتمرات العلماء التي كنا نعقدها سنوياً وكذلك الهيئات الدينية،
كانت تصدر الفتاوى بتكفير من يبيع الأرض أو يسمسر على بيعها،
وتعتبره مرتداً لا يدفن في مقابر المسلمين، وتجب مقاطعته وعدم
التعامل معه، وقد أصدر مؤتمر كهنة الأرثوذكس العرب في فلسطين
قرارات مماثلة" ( حقائق عن قضية فلسطين – الحاج أمين الحسيني). كما
اجمعت معظم تلك المراجع على أن اليهود لم يتجاوز عددهم الخمسة آلاف
يهودي في فلسطين أثناء إنتهاء الفترة الحميدية، كان معظهم يحمل
جنسيات الدول الأوروبية. وقد وصل عدد اليهود في فلسطين بعد إنتهاء
الحرب العالمية الأولى في عام 1919، (مع إضافة فرقة البغالة التي
كان عديدها 5500 ودخلت مع عائلاتها إلى فلسطين مع قوات الجنرال
اللنبي) إلى 56 ألف نسمة. كان معظهم دخل فلسطين من مصر بعد الحقبة
الحميدية وأثناء حكم جمعية الإتحاد والترقي، وخصوصا بعد أن
أنشأ قطوري باشا مكاتب خاصة في كل من القاهرة والإسكندرية تتولى
عملية تهجير اليهود الروس إلى فلسطين. فكل هذه الحقائق تكذب
الأرقام التي طرحتها نصيرات في كتابها، والتي أقرها الحروب عن جهل
ربما، إنما ما أظهرة من حملة على الأمة وقيمها يثبت حقيقة الخلفية
المشبوهة التي يروج لها. لعله لم يدرك أن معظم الوثائق والمستندات
والإحصاءات الموثقة، أعادت عدد سكان فلسطين مع بداية القرن العشرين
بلغت 750 الف نسمة، فحسبت النصيرات نسبة اليهود الذين دخلوا فلسطين
بعد الفترة الحميدية وحتى نهاية الحرب العالمية الاولى عام 1919،
لتجعلهم هم عدد اليهود ( 11 في المائة من عدد السكان) قبل الفترة
الحميدة لتبني على ذلك أكاذيبها التي روج لها الرحوب وصفق لها كل
مروجي شعار: الخيانة اصبحت وجهة نظر. أما بالنسبة لمقولته التي بنى
عليها كل هذا الهجوم الغير مبرر على الأمة وقيمها والتي قال فيه،
الآتي:"
تبحر فدوى نصيرات وسط أمواج أحداث تاريخية كثيفة وتلتقط مسار علاقة
عبدالحميد بهرتزل لتصل بنا إلى السؤال الكبير الآتي: إذا كان
السلطان عبدالحميد قد رفض عرض هرتزل في لقائه الاول به عام ١٨٩٦
والذي اعتاش تاريخياً على المقولة التي قيل انه رد بها بحزم (برفض
بيع فلسطين مهما كان الثمن) على عرض هرتزل، فلماذا يلتقيه بعدها
مرات عدة، ويستضيفه في اسطنبول وعلى نفقته الخاصة، ويأمر خاصته
بالحرص على الاعتناء به ووفادته". ولتوضيح حقيقة ما ذكرته النصيرات
في كتابها، وما حمله الحروب كقميص عثمان ليصرخ بالثأر من (الاسطورة
السلطان عبد الحميد وما رافقها من خيال وما تبعها من أدلجة
وتوظيف)، فدعنا في البداية نعترف
بأن الكيانات التي إنفصلت عن جسم السلطنة العثمانية، هيّ تلك
الكيانات التي شارك حكامها في تنفيذ المشروع (التوراتي)، ولم تنفصل
بهدف التحرر والإستقلال الذي نادى به التحررون من القوميين أو
غيرهم من التيارات السياسية التي إنبثقت من رحم المؤسسات التبشيرية
ومؤسساتها التي أوجدها الإستعمار. لأن واقع حالنا اليوم يشهد على
كل ذلك. كما علينا الإعتراف بأن السلطنة العثمانية منحت الحرية
والإستقلال لشعوبها، بالقدر نفسه الذي منحته هذه السلطنة للأتراك.
وكما إستفادت كل شعوب السلطنة من دعم السلطنة لها في مواجهة طلائع
الإستعمار الأوروبي، بنفس القدر الذي خسرت كل هذه الشعوب هذا الدعم
بعد أن ضعفت هذه السلطنة وسيطر عليها يهود الدونمة بعد الإنقلاب
الذي قامت به جماعة الإتحاد والترقي الذراع العسكري لجمعية تركيا
الفتاة عام 1908. لذلك من الخطأ الحكم على النهج التي إستخدمته
السلطنة العثمانية مع شعوبها وخصوصا بعد إسقاط السلطان عبد الحميد
وتسلم جماعة الإتحاد والترقي، على أساس أنه هو النهج الممارس في كل
مراحل حكمها. كما لا يمكن إنكار دور السلطنة التاريخي في الحفاظ
على فلسطين وبقية القسم العربي من السلطنة، بنفس القدر الذي لا
يمكن نعت السلطان عبد الحميد بالاسطورة التي إعتمد عليها الخطاب
إسلامي لبعض الأحزاب الإسلامية، أو غيرها من التيارات الفكرية التي
آلمها ما حدث لهذه الأمة من إنهيار في مشروعها الحضاري بعد سقوط
السلطان عبد الحميد. فلا أعتقد كما لا تعتقد معي اخي القاريء بأن
المفكر القومي عوني فرسخ كان إسلاميا عندما أكد الآتي:" لا شك أن
العثمانيين شكلوا ما بين فتح القسطنطينية سنة 1453م
وتوقيع اتفاقية قارلو قوجه سنة
1691م، إستعادة المسلمين دوراً عالمياً فقدوه مطلع
القرن الحادي عشر الميلادي،
وأسهموا في نشر الإسلام خارج المدى الذي
وصله الفاتحون العرب ومن تفرعوا
عن الدولة العربية الإسلامية. كما قدموا
دعماً للمقاومة العربية في
مواجهة طلائع الاستعمار الأوروبي، ولهم
بالتالي تقدير كل من يعتنق
الإسلام ديناً ويتمثله حضارة"( عوني فرسخ- القوميون والإسلاميون
العرب- مجلة المستقبل
العربي- بيروت- العدد 260- تشرين الأول 2000- ص- 54). كما أعتقد
وتعتقد معي أخي القاريء بأن المستشرق برنارد لويس كذلك لم يكن
إسلاميا، الذي أكد التالي:" كانت الإمبراطورية العثمانية منذ
تأسيسها حتى زمن سقوطها،
دولة تكرس قواها في سبيل تقدم
شوكة الإسلام وحمايته ضد أي إعتداء خارجي. وقد ظل
العثمانيون طوال أربعة قرون
تقريباً في حرب مستمرة ضد الغرب المسيحي، أولاً لمحاولة
فرض حكم إسلامي على جزء كبير من
أوروبا وهي محاولة رافقها النجاح، وثانياً لشن
حرب دفاعية تأخيرية مديدة تقف في
وجه الهجوم المعاكس"( موفق
زريق- نهضة أم تغريب- بيروت دار
المنارة- 1996- ص-47). وأعتقد أن ذلك يوضح حقيقة النهج الذي
اتبعته السلطنة في مقاومتها للمشروع (التوراتي) الذي إنطلق مع
الطلائع الأولى لتشكل المسيحية الصهيونية، وخصوصا بعد اصدار مارتن
لوثر كتابه الذي ورد فيه، الآتي:" إن الروح القدس أنزل كل أسفار
الكتاب المقدس عن طريق
اليهود وحدهم، إن اليهود هم
أبناء الله، ونحن الضيوف الغرباء، ولذلك فإن علينا
أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي
تأكل ما يسقط من فتات مائدة أسيادها"(محمد السماك- الصهيونية
المسيحية- ص-34). من هذا المنطق نستطيع أن ندرك الهدف الحقيقي
للإستعمار الذي قادته بريطانيا إن كان في فلسطين أو كان في بقية
العالم العربي. وقد بينت التجارب بعد ذلك، أن مع سقوط السلطان عبد
الحميد إستطاع المرابين اليهود وبدعم الشرعية الدولية التي إنبثقت
عن الحرب العالمية الأولى، من تشريع وعد بلفور الذي اصدرته
بريطانيا القوة المهيمنة على الإستعمار في المنطقة العربية. كما
إستطاعت البدأ في تنفيذ المشروع (التوراتي) في فلسطين. أما بالنسبة
لسياسات السلطان عبد الحميد مع يهود السلطنة، فإذا استثيننا فلسطين
منها، فأكتفي بذكر ما أكدت عليه (الموسوعة اليهودية)، التي ذكرت
الآتي: عامل السلطان عبد الحميد الثاني يهود الدولة العثمانية
معاملة طيبة، ويشهد بذلك بعض
المقربين إليه من اليهود أمثال أرمينيوس فامبر
الصديق الشخصي للسلطان، والذي
أكد، أنه من خلال صداقته التي تربطه
بالسلطان لسنوات طويلة، فقد كان
له فرصة كبيرة للتعرف على معاملة السلطان المتسامحة مع لليهود. فقد
منح السلطان اليهود المساواة أمام القانون مع رعاياه المسلمين،
وعندما إستلم
الحكم أمر بإعطاء رواتب شهرية
لحاخام تركيا الأكبر، وبمعنى آخر عامل الحاخام كما
عامل كبار موظفي الدولة. وفي عيد
الفصح كان يرسل ثمانية آلاف فرنك، إلى حاخام
القسطنطينية ليتم توزيعها على
فقراء اليهود في العاصمة التركية. وعندما منعت حكومة كريت المحلية
في عام 1881م، مشاركة اليهود في الإنتخابات البلدية، ألغى
عبد الحميد هذه الانتخابات، ووبخ
السلطات لتعديها على الحقوق المدنية اليهود، وفي عام 1882 م
ونتيجة للحريق الذي شب في الحي
اليهودي في القسطنطينية، وتشردت على إثره ستة آلاف عائلة يهودية،
بذل السلطان عبد الحميد ما بإستطاعته للتخفيف من تأثيرات هذه
الكارثة على اليهود (حسان علي الحلاق - موقف الدولة
العثمانية من الحركة الصهيونية - ص - 309 ـ 310). أما بالنسبة
لسياسة السلطان عبد الحميد مع اليهود الوافدين إلى فلسطين فقد كان
الوضع مختلفا. والحقيقة أن السلطان عبد الحميد كان مدركا لأبعاد
وطبيعة المخطط (التوراتي) في فلسطين. لذلك عمل منذ تسلمه السلطنة
على مد سلطانه إلى فلسطين لحمايتها من الإجراءات التي كرسها محمد
علي ومن بعده الحكام العثمانيين الفاسدين، والتي سمحت لليهود
بالإستيطان في فلسطين وتأسيس المستعمرات فيها، كما سمحت لهم بتأسيس
بنكا يهوديا يعنى في تمويل الهجرة إلى فلسطين. الأمر الذي أدى إلى
إرتفاع عدد اليهود في فلسطين من صفر إلى 1400 يهودي في عام 1874.
لذلك أعاد السلطان عبد الحميد العمل بتلك القوانين العثمانية التي
فرضت على اليهودي المهاجر إلى فلسطين لفترة مؤقتة حمل جواز أحمر،
وإرتداء ملابس مميزة وكذلك أحذية خاصة، ليتم التعرف عليهم
وملاحقتهم قانونيا لو حاولوا الإستيطان فيها. وكانت من أول مهماته
تفكيك المستعمرات القليلة التي إقيمت في العهد السابق، فإستغل حدوث
أول صدام مسلح بين فلاحين فلسطينيين ومستوطنين يهود عام 1886م،
ليبدأ بالضغط على المرابين اليهود لدفعهم على تفكيك تلك
المستعمرات. وهذا ما جعل الدول الأوروبية تلجأ لمفاوضة السلطان،
والبحث معه عن حلول وبدائل لا تؤدي إلى تنفيذ هذه الإجراءات. وحين
لم تنجح تلك الدول عن ثنيّ السلطان عن قراره، فاوضوه على بقاء بعض
اليهود بشكل إفرادي في فلسطين. وكان رد السلطان عبد الحميد على كل
تلك المساعي بإصداره فرمان يقضي بمنع الهجرة اليهودية الجماعية إلى
الأراضي العثمانية، ومنع بيع الأراضي لليهود. وصورة الفرمان التي
عليها ختم السلطان متيسرة على النت ممكن لأي مهتم أن يجدها.
كما فوض السلطان
عبدالحميد أجهزة الإستخبارات الداخلية والخارجية لمتابعة حركة
اليهود في فلسطين وكتابة
التقارير الخاصة في ذلك له مباشرة، كما إتخذ كل التدابير اللازمة
التي تمنع تملك اليهود في فلسطين. وهذا ما اكد عليه الكثير من
الباحثين المنصفين الذين قيموا تلك المرحلة بروح المنطقية
الاكاديمية.
اما في خصوص تساؤل الباحثة
فدوى نصيرات سابق الذكر. فأوجه بدوري سؤالا لها: ما رأيها
بما سجله هرتزل في مذكراته الخاصة وليس في الإعلام، والتي وثقها
انيس الصايغ في يوميات هرتزل، حيث ذكر الآتي:" دون هرتزل في
مذكراته، بعد اللقاء رد السلطان عبد الحميد على عرضه بالآتي:" لا
أقدر أن أبيع ولو قدما واحدا من البلاد، لأنها ليست لي بل لشعبي.
لقد حصل شعبي على هذه الإمبراطورية بإراقة دمائهم، وقد دافعوا عنها
بدمائهم، وسوف نغطيها بدمائنا قبل أن نسمح لأحد بإغتصابها منا ...
لا أستطيع أبدا أن أعطي أحداً أي جزء منها. ليحتفظ اليهود
ببلايينهم، فإذا قسمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين دون
مقابل، إنما لن تقسم إلا على جثثنا، ولن نقبل تشريحنا لأي غرض كان"
(يوميات هرتزل – 19 \ 6 \1896 – ص – 378 – أنيس الصايغ – بيروت
1973). والحقيقة أن هرتزل قد حاول إستغلال الوضع الاقتصادي السيئ
للسلطنة العثمانية، بعد أن
بلغت
ديونها
الخارجية حوالي 252 مليون قطعة ذهبية. ومن أجل ذلك توجه ثيودور
هرتزل قبل إنعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، وبمرافقه إيمانويل قره
صو زعيم يهود الدونمة (وأحد أعضاء الوفد الذي ارسلة الإنقلابيون
فيما بعد الى خلع السلطان!) والحاخام موشي ليوي في 18\6\1896م.
إلى الآستانة، للقاء السلطان عبد الحميد عارضاً عليه تقديم قروض
مالية تساعد السلطنة في الخروج من أزمتها المالية المستعصية، مقابل
إصدار السلطان فرماناً يسمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين، وكان رد
السلطان كما دونه هرتزل وأرشفه انيس صايغ، فلا ادري من هو الأكثر
مصداقية عند استاذ خالد حروب أو غيره من المصفقين لكل ما يشوه في
قيم وتاريخ الأمة.
وللحقيقة
حاول هرتزل مرارا وتكراراً
مقابلة السلطان عبد الحميد في سبيل الوصول إلى حل مع السلطان. لكنه
كان يفلح أحياناً في كسب مقابلة ويفشل أحياناً أخرى. وقد إستطاع في
عام 1901م أن يحمل تعهداً من المرابين اليهود بسداد جميع ديون
الدولة العثمانية. مقابل أن يسمح السلطان
لبعض اليهود بالإستيطان في
فلسطين. لكن السلطان كعادته رفض هذا العرض مرة أخرى، وقال لهرتزل:"
إن ديون الدولة ليست عاراً عليها، وإن بيت المقدس الشريف
إفتتحه سيدنا عمر رضي الله عنه،
ولست مستعداً أن أتحمل تاريخياً، وصمة بيع الأراضي
المقدسة لليهود، وخيانة الأمانة
التي كلفني المسلمون بالحفاظ عليها. ليحتفظ
اليهود بأموالهم، فالدولة العلية
لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت بأموال أعداء
الإسلام"( موفق بني المرجة –
صحوة الرجل المريض – ص – 214 ). وبعد حوالي شهرين من هذا اللقاء،
حاول هرتزل من جديد الإتصال بالأوساط العثمانية لعرض مشروع جديد
يتضمن مغريات مالية مضاعفة. وصلت إلى حد إقراض الدولة العثمانية
مبلغ عشرين مليون جنيه إسترليني لا تسترد مطلقا، وهذا مبلغ في تلك
الفترة كان كبيراً جداً وكذلك رُفض هذا العرض. ولا ادري بعد كل هذه
الحقائق المؤرشفة والتي تناولها معظم الباحثين على إختلاف
معتقداتهم وتياراتهم الفكرية، كيف وصلت الباحثة إلا استنتاجاتها
الذي ذكره الحروب، بأن السلطان عبد الحميد شعر
بضغط الحاجة المالية الملحّة والتي كان يدركها هرتزل، كما كان يعي
ان إصدار أي فرمان بمنح اراضي فلسطين لليهود معناه الحكم عليه
بالخيانة في عيون المسلمين وفي كتب التاريخ. ونتيجة للشد والجذب
بين هذين الموقفين، وجد السلطان نفسه أسير موقع التردد وغياب الحسم
والتساهل والحيرة.
والحقيقة أن السلطنة في هذه المرحلة الصعبة من صراعها مع المشروع
(التوراتي). كانت حقا تعاني من وضع إقتصادي سيء جداً وشبه منهار،
ومن فساد إداري متفشي في الحكومة والإدارات الرسمية، وخصوصا بعد
نجاح المحافل الماسونية ويهود الدونمة من السيطرة على معظم
الإدارات في الحكومة. كما كانت تعاني السلطنة من ضعف في الجبهة
الداخلية بسبب الدور المخرب الذي لعبه يهود الدونمة على الساحة
الداخلية، وبسبب الإنهيارات في جسم السلطنة التي أحدثها حكام
كيانات التبعية والحماية. الذين لعبوا دور الطابور الخامس بالتوازي
مع الدور الذي لعبته الأحزاب القومية التي طالبت بسلخ القسم العربي
عن السلطنة. لذلك كان
السلطان يعلم جيداً بأنه سيواجه هذا الطغيان وحيداً في معركة غير
متكافأة ومحسومة النتائج. لكنه كان يدرك أكثر حجم المأساة التي
ستقع على أهل فلسطين وعلى كل السلطنة، في حال سماحه بالإستيطان
اليهودي في فلسطين. وهذا ما أكد عليه في مذكراته، حيث ذكر التالي:"
لليهود في أوروبا قوة أكثر من قوتهم في الشرق، لهذا فإن أكثر الدول
الأوروبية تحبذ هجرة اليهود إلى
فلسطين للتخلص من العرق(السامي) الذي زاد كثيراً. ولكن لدينا عدد
كاف من اليهود، فاذا كنا نريد أن يبقى العنصر العربي
متفوقا، علينا أن نصرف النظر عن فكرة توطين المهاجرين في فلسطين،
وإلا فإن اليهود إذا
إستطونوا أرضاً، تملكوا كافة مقدراتها خلال وقت قصير، وبذلك نكون
قد حكمنا على
إخواننا في الدين بالموت المحتم. إنني أدرك أطماعهم جيداً، لكن
اليهود
سطحيون، في ظنهم أنني سأقبل
بمحاولاتهم، وكما أنني أقدر في رعايانا من اليهود
خدماتهم لدى الباب العالي، فإني
أعادي أمانيهم وأطماعهم في فلسطين (السلطان
عبد الحميد الثاني - مذكراتي
السياسية - ص - 34 - مؤسسة الرسالة - بيروت ).
وقد أكدت
المقابلة الأخيرة التي جرت بين هرتزل والسلطان عبد الحميد بتاريخ
18\5\1901 م، بأن موقف السلطان كان ثابتا بخصوص منع هجرة اليهود
إلى فلسطين، ولم ينتابه اي حيرة أو تردد في ذلك. وخصوصا بعد موقف
هرتزل الذي إنتابه اليأس الواضح وخصوصا بعد قوله في هذه المقابلة
للسلطان، الآتي:" دعني أكرس نفسي لخدمتك، لأنك تحسن إلى اليهود
(المقصود يهود السلطنة)، واليهود في العالم كله مدينون لك بذلك،
وإني بشكل خاص مستعد لتأدية أية خدمة لك وخاصة الخدمات الكبيرة".
فأجابه السلطان بلهجة غاضبة لا ينتابها التردد وحاسمة غير متساهلة
أو محتارة:" إننا نظن بأن بني قومكم يعيشون في الممالك المحروسة
الشاهانية بعدالة ورفاه وأمن .... إني أحب تطبيق العدالة والمساواة
على جميع المواطنين، ولكن إقامة دولة يهودية في فلسطين التي
فتحناها بدماء أجدادنا العظام فلا ... " (حسان الحلاق – ص – 30).
لينتهي بذلك الفصل الأخير من العروض المغرية التي قدمها
(التوراتيون) للسلطنة، والتي رفضها السلطان عبد الحميد جميعها بقوة
وإصرار رغم وضع السلطنة المنهار إقتصاديا. وأمام كل هذه الحقائق
التي تم عرضها وتظهر حقيقة موقف السلطان عبد الحميد من كل عروض
هرتزل.
فأعتقد
أن النصيرات لم تخبرنا ماذا حدث اثناء الإجتماع الأخير لهرتزل مع
عبد الحميد، ولماذا طرد السلطان قره صو من مقام السلطنة ليغادرها
إلى إيطاليا (التي كان يحمل
جنسيتها الى جانب الجنسية العثمانية)، وليرسل الى السلطان عبد
الحميد البرقية التالية:" لقد رفضت
عرضنا... وسيكلفك هذا الرفض أنت شخصيا ويكلف مملكتك كثيرا". وما
رمزية عودته مع الوفد الإنقلابي المطالب بخلع السلطان عبد الحميد.
ولماذا إنطلقت شرارة الثورة ضد عبد الحميد من مدينة سيلونيك ذو
الأغلبية اليهودية وعاصمة يهود الدونمه. ولماذا عبرت
صحافتها عن غبطتها من الخلاص من السلطان عبد الحميد الذي وصفته
(بمضطهد إسرائيل). كما لم تخبرنا الباحثة عن ما أكده هرتزل في
المؤتمر الصهيوني الرابع والأخير له الذي إنعقد في بريطانيا عام
1904. والذي لخص فيها
فشل كل محاولات
الحركة الصهيونية
الرامية إلى دفع السلطان للقبول بهجرة اليهود إلى فلسطين.
لذلك توجه المرابين اليهود بالطلب
من بريطانيا التدخل للمرة الأخيرة، لممارسة الضغوط اللازمة على
السلطان عبد الحميد، لإلغاء قانون منع الهجرة اليهودية. الأمر الذي
لم يفلح مع السلطان، والذي دفعه إلى إصدار قانوناً سنة 1904م يمنع
بموجبه اليهود من جميع الجنسيات شراء الأراضي والعقارات في فلسطين،
وخصوصا بعد أن أخذ اليهود من حملة الجنسيات الأوروبية بالتسلل إلى
فلسطين بمساعدة الأحزاب القومية وخصوصا جماعة الإتحاد والترقي. وفي
نفس هذا العام مات هرتزل دون أن يحقق أي تقدماً في مجال ثنيّ
السلطان عبد الحميد عن مواقفه، ودفعه لتنازل عن فلسطين لصالح
المشروع (التوراتي). لذلك
إتخذ المرابين اليهود قرارهم بإسقاط السلطان عبد الحميد الذي أصبح
يشكل عائقا حقيقياً أمام نجاح المشروع (التورتي) ليس في فلسطين
فقط، بل في العالم أجمع. من هذا المنطلق علينا فهم قرارهم بالإيعاز
لمحافلهم الماسونية في سيلونيك، للبدأ العمل في إسقاط السلطان عبد
الحميد. وامام هذه الحقائق اضع مقالة الاستاذ خالد الحروب(السلطان
عبدالحميد وفلسطين: الخرافة وتفكيكها) في صحيفة الحياة اللندنية،
وكتاب فدوى نصيرات في مجال المقالات والدراسات والكتب التي سعت
لتزوير حقائق التاريخ والجغرافيا، تمهيدا لضرب المسلمات والقيم
لرجالات دافعت عن فلسطين، بهدف إيجاد وعيّ جماعي يهدف إلى إظهار أن
الكل فرط في فلسطين، فلذلك لا بأس أن يتم القبول بيهودية الدولة. --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2014م