|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
أقلام تحت الشمس : 19- ويل لأمة تسمي الخيانة سلام الشجعان:
هكذا ووفقا لما ذكره الجاسوس البريطاني ولفرد سكاون بلنت الذي
كتب بيان ثورة عرابي الاول، فإن وزارة الحربية والبحرية
البريطانية عقدتا النية منذ أوائل عام 1882 على مهاجمة مصر من
ناحية قناة السويس، وكان لابد من إفتعال حادثة تصلح كذريعة
لهذا الغزو. وهذه الذريعة كانت المذبحة التي حصلت
في الإسكندرية في
11\6\1882 لبعض المسيحيين، والتي أجمع معظم المؤرخين على أنها
كانت بتدبير من القنصل البريطاني في مصر. عندها سارع عرابي في
توجيه اصابع الإتهام الى الخديوي والبريطانيين. فسافر الخديوي
إلى الإسكندرية معلنا وقوفه إلى جانب البريطانيين ضد ثورة
عرابي.
وقبل وصول
القوات البريطانية إلى الإسكندرية إجتمع الماسونيون
المصريين برئاسة محمد سلطان باشا أول رئيس لمجلس النواب المصري (والد
هدى شعراوي)، وكان من بين المشاركين في هذا الإجتماع محمد بك الشواربي،
وعبد
الشهيد بطرس أفندي، وعبد السلام بك المويلجي الذي يعد من كبار تلامذة
الأفغاني، وقد تدارس المجتمعين في كيفية تقديم المساعدات للقوات
البريطانية، ووضع خطة طريق لمرافقتها في خطوط سيرها لتسهيل دخولها
القاهرة وإحتلالها. وعلى ذلك تم تكليف علي
يوسف خنفس مرافقة هذه القوات، وإرشادها على طرق الالتفاف لمحاصرة
الجيش المصري المحتشد في كفر
الدوار، كذلك كلف
الأميرالاي عبد
الرحمن حسن، بتغيير مواقع الحرس المصري عند التل الكبير، سامحا بذلك
للقوات البريطانية التقدم بإتجاه القاهرة (كتاب - الثورة العرابية
والاحتلال الانجليزي - تأليف المؤرخ
المصري- عبد
الرحمن الرافعي). كان الجيش البريطاني حينها يتكون من 50600 جندي
مسلحين بأحدث الأسلحة التي انتجتها مصانع الثورة الصناعية في اوروبا،
ويرافقه أسطول ضخم كان يمثل القوة الأساس للمشروع الإستعماري. ومقابل
ذلك كان جيش عرابي هزيل التسليح، ومكون من ثلاثة عشر ألف جندي من بينهم
عدد غير قليل يعمل لصالح الخديوي. إقتضت الخطة العسكرية المصرية التي
وضعتها القيادة العسكرية بردم مفاصل من قناة السويس، لمنع الجيش
البريطاني إجتيازها والوصول إلى الشاطئ الغربي منها، ولهذا السبب إجتمع
المجلس العسكري وخصوصا بعد أن بدأ الأسطول البريطاني بقصف الإسكندرية
في11\7\1882م. لكن أحمد عرابي رفض هذه الخطة العسكرية، مبررا ذلك بوعد
تلقاه من مدير مشروع القناة الفرنسي (دي ليسبس). الذي أكد لعرابي
إستحالة دخول البريطانيين القناة وهي تحت الحماية الفرنسية. وفي ذلك
كتبت الدكتورة زاهية قدورة في كتابها( تاريخ
العرب الحديث – ص- 364)، الآتي:"
أكد ( دي ليسبس ) لعرابي بأن القناة لن تستخدم في الهجوم على مصر، وأنه
يضمن له ذلك، وقد أرسل له كتابا قال فيه: لا تحاول أية محاولة في سد
قناتي، فإني هنا، فلا تخش شيئًا من هذه الناحية، فإنهم لن يستطيعوا
إنزال جندي
إنجليزي".
والحقيقة أن أن رئيس هيئة الأركان المصري محمود فهمي كان قد وضع مع
زملائه في المجلس العسكري خطة لردم بعض مفاصل من قناة السويس، لكن أحمد
عرابي رفض هذه الخطة، وهذا ما يثبت تآمر أحمد عرابي على شعب مصر، كما
تآمر أنور السادات لاحقا على مصر وجيشها في حرب اوكتوبر عام 1973،
عندما رفض خطة رئيس هيئة الأركان المصرية سعد الدين الشاذلي الرامية
إلى إحتلال البحريات المرة، قبل وصول الصهاينة إليها، ومن ثم منعه من
القضاء على كتيبة شارون التي حاولت ان تشكل راس جيب للإلتفاف على الجيش
المصري ومحاصرته. وهذا ما نفذه احمد عرابي قبل ذلك عندما رفض خطة رئيس
هيئة الأركان المصري محمود فهمي. لينجم عم ذلك فتح ثغرة بخاصرة الجيش
المصري ومحاصرته في كفر الدوار وإبادته. مع العلم ان الوقت والإمكانيات
كانت متاحة أمام عرابي لتنفيذ خطة رئيس الأركان. بحيث طرحت الخطة في
اوائل شهر تموز، بينما احتلت القناة في 20\8\1882م. وعلق القائد
البريطاني (ولسلي) على رفض عرابي تنفيذ خطة محمود فهمي، بالآتي:" لو أن
عرابي سد
القناة كما كان ينوي أن يفعل، لكنا للآن لا نزال في البحر نحاصر
مصر". و في هذا الصدد كتب الرافعي في كتابه(مصر المجاهدة- ص-131)،
الآتي:"
لو سدت قناة السويس في بداية القتال، لإمتنع الإتصال بين القوات
الإنجليزية الآتية
من البحر المتوسط
والقوات الآتية من الهند، وإستحال عليها الوصول إلى الإسماعيلية عن
طريق القناة، وفي هذه الحالة يضطر الجنرال (ولسلي) إلى المغامرة بجيشه
في
الصحراء الشرقية،
حيث لا ماء ولا كلأ، أو يهاجم مصر من طريق الدلتا، فتعوق الترع
والجسور زحفه، وخاصة في أيام الفيضان (أغسطس ـ سبتمبر )، لكن عرابي
عارض رئيس أركان الجيش المصري محمود فهمي، ظنا منه أن الإنجليز يحترمون
حياد القناة فلا
يتخذونها قاعدة للزحف! وإكتفى عرابي بإقامة معسكر في التل الكبير،
على بعد نحو خمسين
كيلو مترًا من
الإسماعيلية، وفي الموقع يبعد 110 كيلو متر عن القاهرة حشد فيه جانبًا
من الجيش، ولكنه وزع معظم قواته في كفر الدوار وعلى سواحل البحر
المتوسط". وهكذا دفع عرابي بالجيش المصري لأن يكون وجها لوجه في مواجهة
أكبر ترسانة عسكرية استعمارية في ذلك الحين. ورغم هذه الظروف الغير
طبيعية، وعدم التكافؤ في القوى قاتل الجيش المصري قتال الأبطال، ولكن
الخيانة لعبت دورا في هزيمته كما كان الحال في كل مواجهات الجيش المصري
والعربي بعد ذلك. وفي هذا الصدد كتب المؤرخ السويسري جون نينيه الذي
كان شاهد عيان على المواجهات التي جرت بين البريطانيين والمصريين،
الآتي:
" فما كان أبدع
هذا المنظر، منظر الرماة المصريين الذين كانوا قائمين على مدافعهم، وهي
مكشوفة في العراء، وكأنما هم في إستعراض حربي لا يرهبون الموت الذي
يكتنفهم، إذ لم يكن لهم دروع واقية ولا متاريس وكانت معظم الحصون بلا
ساتر، ومع ذلك فهؤلاء الشجعان كنا نلمحهم وسط الدخان الكثيف، كأنهم
أرواح الأبطال في حومة الوغى سقطوا، ثم بعثوا ليكافحوا العدو من جديد
ويستهدفون لنيران مدافعه، وكان الأئمة يزورون الحصون ويشجعون المقاومة،
وقام الجميع بواجبهم من جند ورجال ونساء وصغار وكبار، ولم تكن ثمة
أوسمة ولا مكافآت تستحث أولئك الفلاحون على أداء واجبهم، بل إن عاطفة
الوطنية كانت تستثير الحماسة في صدورهم... ومع أن المدافع المصرية كانت
أقل عيارا من المدافع الإنجليزية، فإن رماتها قد أدوا واجبهم على أكمل
وجه، بحيث أن سبع بوارج إنجليزية أصيبت بعطوب بعضها جسيم وبعضها خفيف".
على إثر ذلك تقدم البريطانيون في إتجاه بور سعيد والإسماعيلية،
وإحتلوهما في 20\8\1882م. ثم واصل الإنجليز زحفهم فإحتلوا نفيشة،
والمجفر، ودخلوا في معركة كبيرة مع الجيش المصري في واقعة المسخوطة،
إنتهت بهزيمة الجيش المصري وأسر محمود باشا فهمي، وكان وقوع رئيس
الأركان في الأسر ضربة حاسمة أصابت الجيش المصري وأثرت على معنوياته
القتالية. ثم أستولي الإنجليز على المحسمة والقصاصين، وقام الجيش
المصري بالهجوم على الإنجليز في القصاصين ودارت معركة كبيرة إستمرت
ثلاث ساعات، وكادوا يوقعون بالجيش البريطاني الهزيمة، لولا تسرب خطة
المعركة للبريطانيين عن طريق الخائن الأميرالاي على
يوسف
خنفس، الذى
كان
على
علم تام
بخطة
العرابيين،
وقام بإطلاع
الانجليز
على
الخطة،
وتسببت
خيانته
فى
ضرب
جيش
الصالحية
الذى كان
يقوده
محمود
سامى
البارودى،
وكان
عدده
أكثر
من إثنى عشر
ألف
جندى
مصرى، قتل
بسبب
هذه
الخيانة
أكثر
من
نصفهم
هرب
النصف
الآخر
من
شدة
قصف المدفعية
التى
كانت
فى
انتظارهم. ويقول
بلنت في هذا الصدد:
" أن الإنجليز
فوجئوا بشجاعة المصريين في هذه المعركة، وكاد الدوق أوف كنوت يقع أسيرا
". ونتيجة للخيانات التي قام بها الماسونيون من جميع محافلهم المنتشرة
في مصر وخصوصا من جمعية مصر الفتاة ضد الجيش المصري، وخصوصا عند موقعة
كفر
الدوار وعند التل الكبير، تمكن البريطانيون من إنزال الهزيمة بالجيش
المصري. ودخلت القوات البريطانية القاهرة. حينها نصح جون نينيه أحمد
عرابي بتسليم نفسه كأسير حرب إلى القائد البريطاني، للهروب بنفسه،
طالبا أن يعامل كأسير حرب، قبل عرابي نصيحة نينيه وأمر جنوده بالتسليم،
وذهب هو وطلبه باشا إلى مركز القيادة الإنجليزي في العباسية وسلما
سيفهما للقائد البريطاني الذي أمر باعتقالهما، بعد ذلك تم نقله إلى حيث
تمت محاكمته على يد محكمة عسكرية شكلها الخديوي توفيق، وصدر الحكم على
عرابي بالنفي وتم تنفيذ الحكم. وهكذا حضر
سفير برطانيا من القسطنطينية اللورد دافرين ليدخل خصيصا القاهرة في
إحتفال يوم النصر الذي أحياه الخديوي توفيق مع قائد القوات البرطانية
سيمور، ليتم فيه تكريم العملاء الماسونيين الذين ساهموا بتحقيق حلقه
مهمة من المشروع (التوراتي). وفي حفل التكريم منح محمد سلطان باشا لقب
(سير) وكل من
الشواربي والسيوفي والمويلحي لقب باشا. وأنعم الخديوي على 60 ضابطا
إنجليزيا بالنياشين. ليبتدأ مسلسل إفساد المؤسسات الدينية وخصوصا
الأزهر الشريف، من خلال مساهمة بريطانيا في تعيين عملائها تلامذة
الأفغاني في المناصب المؤثرة على المجتمع المصري أو العربي والإسلامي.
وكتب الدكتور محمد محمد حسين في (الاتجاهات- الوطنية- 1/264) واصفا حال
البلاد المصرية بعد الإحتلال الإنجليزي، بالآتي:
".. وإفتتحت الخمارات في كل مكان، حتى تغلغلت إلى الريف وإلى
أحياء العمال، وإفتتحت دور البغاء المرخصة من الحكومة في كل العواصم.
وتجرأ الناس على إرتكاب الموبقات، والجهر بإسم الحرية الشخصية التي لم
يفهموا منها إلا أن يحل الناس أنفسهم من كل قيد، ولا يُبالون دينًا ولا
عرفًا ولا مصلحة". ونستطيع القول أن هذه المرحلة ساهمت في تشكيل وعيّ
جديد داخل الأمة، في مرحلة عصيبة من حياتها. حيث إكتملت مهمة تشكيل
خطوط هذا الوعيّ، الذي أتى ليتواصل مع مشوار التغريب الذي قاده رفاعة
الطهطاوي منذ أكثر من قرن ونصف. ومازال هذا الخط مستمرا يلاحق بأثاره
كل الأمة بنكبات مستمرة دون إنقطاع إلى يومنا الحاضر.
بطريقة مباشرة من خلال المساهمة الفعلية لرجال النهضة بتحقيق
بعض حلقات المخطط (التوراتي)، أو بطريقة غير مباشرة من خلال ما أورثته
هذه العملية من رموز، وأحزاب، وقيادات، ومفاهيم، و أيديولوجيات، غيرت
إتجاه بوصلة الصراع، من صراعه الطبيعي ضد الإستعمار وما كرسه من
معتقدات (توراتية)، إلى صراع متحالف معه ضد السلطنة العثمانية.
والإعتماد عليه سعيا لفك روابط العلاقة الطبيعية مع السلطنة العثمانية،
التي كانت تمثل الخلافة الإسلامية آنذاك. مرورا بإقامة الكيانات
العربية التي ستشهد على إقامة الكيان الصهيوني وتشريد الشعب الفلسطيني.
وما رافق ذلك من إنهيارات في الجسم الإسلامي والعربي، وإنتهاء بتخريب
المؤسسات الدينية و دورها في تفعيل قوى الأمة، وتوجيهها ضد الأعداء
الذين يتربصون لها. ولعل الحالة المتردية التي وصل إليها المسلمين
والعرب اليوم وعلى كافة الأصعدة تثبت حقيقة ما هدف إليه الإستعمار،
ورجالات النهضة الذين مثلوا دور المتعامل معه. وخصوصا سعد زغلول الذي
منح في العشرينيات لقب الأستاذ الأعظم الفخري
للمحفل الأكبر الوطني المصري، مما جرأ المحفل الأكبر على أن يكتب
ذلك بصورة رسمية
علي غلاف جريدة
حيرام التي كانت تصدر في الإسكندرية، فقد كتب عليها بجوار إسم
الجريدة (حرية - إخاء – مساواة) الأستاذ الأعظم الفخري وصاحب الدولة
سعد زغلول
باشا ( صحيفة الدستور عدد اليوم الاربعاء 12 مايو 2010-
عن دراسة موثقة للباحث وائل ابراهيم الدسوقي). --------------------انتهت.
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2014م