اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 هذا هو تشي غيفارا
 

تشي غيفارا

 

مذيع: وكأنه لم يعد هناك أدنى شك بأن هذا هو تشي غيفارا، إنه مشهد مدهش فعلا بملامحه الصفراوية الشاحبة المأساوية، رأسه بارز وسط بنية معدنية وضع فيها، عيناه ما زالتا مفتوحتان، وكأنه على قيد الحياة.

المكان مزدحم جدا هنا، هناك من يمسك بشعر غيفارا، وعيناه مفتوحتان، والجنود يحيطون بجثمانه، يحاولون الآن إخراجه من هنا يجب أن نذهب..

كوم: حين أوقع الجيش البوليفي بغيفارا في تشرين أول أكتوبر من عام سبعة وستين، كان قد لعب دوره في صياغة أسطورته.

تعرضت أوروبا حينها إلى موجة من الاحتجاجات السياسية. اعتبر غيفارا بمثابة ملهم بالنسبة للكثيرين.

(0105): رغم أن الصورة ألهمت جيلا كاملا، إلا أن أتباعه لم يعرفوا كل شيئ عنه.

يؤكد المعتقد الثوري أنه قاتل من أجل العدالة، حتى اللحظة الأخيرة من حياته.

(114): قاد حربه المعلنة ضد الإمبريالية، في حين أشيع بأنه عمل على التوصل إلى اتفاق مع كندي.

شكلت نظريته برنامج عمل للثورة،  شهدت بعض النكسات في مواضع التطبيق بين الكونغو وبوليفيا.

ساوندير: شهد عام ألف وتسعمائة وثمانية وستون أحداثا لا تصدق.

كنا يسار الستينيات الجديد، ندعو إلى تغيير العالم، عبر ساحات باريس وروما وبرلين، نؤكد على أن القتال يحقق النصر، إلى ما هنالك،، فانطلقت صورة ذلك الداعية إلى إعلان الثورة!

بول: شكلت الثورة الكوبية في تلك الفترة نهوضا شعبيا في وجه الإمبريالية الأمريكية،، وقد اعتبر الجميع ذلك حدثا رائعا، ألهب الكثير من النفوس.

غونساليس: لا يعلم الكثيرون ممن كانوا هناك جديا من هو ومن أين جاء. ولكنهم كانوا على ثقة من أنه، من الثوار، المستعدين للقتال والموت من أجل تغيير العالم. وهذا وحده كافيا.

ساوندير: ملامحه كانت مدهشة بل إن صورته هي الأشد إثارة بشخصيته.. لقد أطال شعره وأطلق لحيته فأصبح وكأنه من بين الأموات.

غونساليس: شكل نموذجا لكل ما كان يجري  في العالم، ورمزا لرؤية جديدة ومختلفة إلى العالم، لقد مثل  غيفارا بطريقة أو بأخرى توقا ورغبات عارمة لشعوب مختلفة من العالم.

بول: كان بطلا رومانسيا لليسار. أذكر قصة دارت في أوساط عائلة ثرية جدا في كينغستون، لديها ثلاثة بنات جميعهن من الثوريات. كتبت الأكثر ثورية منهن، يوم قتل غيفارا، عبارة بأحمر الشفاه على مرآة كبيرة جدا تقول: لا أطيق العيش بدون غيفارا.

نيغيل: اعتبرت هابانا كوبا عام سبعة وخمسون، أشبه بلاس فيغاس في حوض الكاريبي. اعتبرت الحياة نعيما بالنسبة للنخبة في ظل باتيستا. إلا أن ثراء حفنة قليلة من الناس جاء على حساب بؤس الكثيرين.

غونساليس: تميز حكم باتيستا بالوحشية والقسوة وتفشي الفساد. يكفي القول أن خمسون بالمائة من مجموع الإنتاج الوطني كان يدفع بطرق غير مشروعة، هذا على سبيل المثال فقط لا الحصر.

روبن: اعتبر هذا الحكم أداة في أيد الشركات الأمريكية، التي تحكمت بالحياة الاقتصادية في كوبا وخنقتها. كما كان في خدمة المصالح الفاسدة وعصابات المافيا الأمريكية.

نيغيل: عندما دخل كاسترو وغيفارا والجيش الثوري إلى هابانا عام تسعة وخمسون، احتفل الشعب الكوبي بالغبطة والفرح.

لقد ولت سنوات القمع والاضطهاد .

روبين: سادت أجواء هي أشبه بالمهرجانات، ربما لأنها أول مرة يتمكن فيها بلد في أمريكا اللاتينية، من الخروج عن مساره المحدد، تحت عيني العم سام.

نيغيل: ساد اعتقاد ثوري يقول، بأن كاسترو وغيفارا نزلا من الجبال على رأس حفنة من المقاتلين بملامح رثة، لتحرير كوبا.

(الأغنية) نزلوا من الجبل، بعد أن أرسلهم فيديل، فحرروا الأرض وفرضوا السلام عليها. خرج الجميع إلى الشوارع، يصرخ بأعلى صوته، لقد انتصروا! عاش فيديل، عاش ذوي الذقون الطويلة. عاشت كوبا حرة، وحركة السادس والعشرون..

بلاكبورن: اعتبرت الإجراءات الأولى للثورة شعبية جدا..

منها حملة ضد الأمية، وحملة لنشر العناية الصحية المجانية لجميع المواطنين، ضمن مجموعة أخرى من الإجراءات في صالح الفئات الشعبية. هذا ما ساد في الأجواء منذ الأيام الأولى، فأثار ما يشبه العدوى من التأييد.

نيغيل: ولكن وسط هذا الحماس كان على الرئيس الجديد أن يعالج بعض الأمور، فاختار حليفه الأقرب للاعتناء بها.

عين غيفارا قائدا عاما، هنا في لاكابانيا، حيث المحكمة العسكرية التي تشرف على هابانا.

تمثل عمله بتطبيق العدالة الثورية.

يقوم الرئيس الكوبي الجديد في هابانا بإخضاع مجموعة من رموز حكم باتيستا البائد للمحاكمات (0712)العسكرية. جرت محاكمة أربع مائة منهم، وما زالت عائلات سبعمائة منهم تصطف خارج المحكمة، يتساءل كل من هءلاء السجناء عما إذا كان سيتخلص من عقاب الثورة الصارم.

نيغيل:لم يراود غيفارا أي شك في أنه ينفذ ما في مصلحة كوبا،  رغم تحفظ الصحافة الأجنبية.

غيفارا: العنف ليس حكرا على قوى الاضطهاد، لهذا يمكن للمضطهدين استخدامه أيضا، بل ومن واجبهم استخدامه، عندما تحين الساعة.

نيغيل: ترأس غيفارا في قاعة المحكمة العسكرية هذه  خلال الأشهر الأولى من عام تسع وخمسين عددا من المحاكمات العسكرية.

(0749) على مدار بضعة أشهر أخذت العدالة مجراها بحق مرتكبي الجرائم.

فرانك: شهدت لاكابانيا غالبية المحاكمات بحق سجناء الحكم البائد،  ممن ارتكبوا أهم أعمال العنف. قدم غيفارا، إلى جانب راؤول وفيديل كاسترو وراميرو فالديس الدعم لهذه المحاكمات.

(0816)نيغيل: إلى جانب تطبيق العدالة الشعبية في لاكابانيا، قامت الحكومة الجديدة بمجموعة من المحاكمات الشعبية الحاشدة.

غونساليس: احتشد في هذا الستاد، سبعة عشر ألف شخص للوقوف على محاكمة ثلاثة أشخاص متهمين بارتكاب جرائم الحرب من الدرجة الأولى. يتهم الضابط سوسا بلانكو البالغ من العمر واحد وخمسون عاما، بارتكاب جرائم القتل والتعذيب والسرقة. من بين الشهود الذين أكدوا التهم بحق بلانكو، وقف أنطونيو استرادا، وهو طفل في الثانية عشر من عمره، أمام الآلاف ليعلن عما شاهده. ويعد أن سمع الحضور ما قاله صرخوا يطالبون بالعقاب. هكذا طبقت العدالة بحق المجرمين، حيث وقف الفتى في مواجهة أحدهم يشير بإصبع الاتهام وهو يقول: هذا من قتل والدي. بعد الاستماع إلى جميع الشهود تأكدت التهم الموجهة إليه فحكم عليه بالموت.

غونساليس: رأى في ذلك حاجة ماسة. خطوة  لا بد منها على طريق التخلص من الدولة القديمة بناء الدولة الجديدة. قد يثير ذلك بعض الأسئلة والنقاشات، ولكنه أوضح في خطاب له يقول: لا يمكن أن نرأف بمن كانوا مسؤولين عن ممارسة الاضطهاد في نظام باتيستا. لهذا أعتقد أنه رأى في ذلك حاجة ماسة للتنظيف.

(0931) أدت هذه المحاكمات إلى إعدام أربعمائة مجرم حرب، هي قليلة نسبيا، إذا أخذت بالاعتبار المجازر العشوائية التي ارتكبت بحق الهنود في أمريكا الجنوبية.

كاستانيدا: لم تكن هذه مسألة  وعي بالنسبة له، ولم تكن ممارسة للقسوة والفظاظة. بل كان يعتقد بأن عقوبة الإعدام ضرورية لتحقيق الأهداف الثورية لا أكثر.

نيغيل: رغم قسوته الثورية يتمتع غيفارا بخلفية اجتماعية معززة.

ولد باسم إرنيستو غيفارا، في كنف عائلة مرفهة من مدينة روساريو الأرجنتينية.

أصيب بمرض الربو منذ نعومة أظافره، أما لقب تشي، وهو يعني صديق باللهجة الأرجنتينية، منحه له رفاق حرب العصابات في كوبا.

في سن المراهقة، بدأ ينمي وجهات نظر معارضة. تتحدث إحدى صديقاته عن ذلك بالقول:

(1034)دولوريس: كان يقول بأن التاريخ القديم شهد قادة فاشلين للثوار. فاجأنا ما يقوله فحاول البعض رد الاعتبار لبعضهم إلا أنه كان يعتبرهم حفنة من الديدان التي يجب أن يسحقها بقدمه دون رأفة إذا ما التقى بها يوما، وفرك قدمه بالأرض هكذا. أخافنا ما يقوله جميعا بلا شك، خصوصا وأنه قال ذلك بغضب شديد وإصرار  فلم أنس ذلك أبدا. وعندما وصل إلى كوبا منتصرا بعد فترة من الزمن،  تذكرت ما كان يقوله، وما كان يعنيه،(..) في تلك العبارات الشديدة اللهجة.

نيغيل: في السادسة والعشرين، غادر غيفارا وطنه في الأرجنتين، للقيام بجولة في أمريكا اللاتينية. بدأت نظرته إلى العالم تتكون منذ ذلك الحين.

بلاكبورن: عندما بدأ بتلك الرحلة الطويلة كان شبه سياسي بعد.

تعلم الكثير عبر كل ميل كان يقطعه، حول الظروف المعيشية في تلك القارة الشاسعة والمتنوعة جدا.

شاهد مشاكل ملاك الأراضي، والفساد العسكري، والدكتاتوريات حيثما ذهب.

نيغيل: عام أربعة وخمسين، وصل غيفارا إلى غواتيمالا، وسط دعم أمريكي واضح للإطاحة بحكومة ديمقراطية.

كاستانيدا: رأى هناك، بأم عينه، كيف أسقطت حكومة إصلاح كانت تقوم بواجباتها تجاه الشعب، بمؤامرة نظمتها السي أي أيه.

كانت هذه مبدئيا أول صحوة سياسية له.

فهم غيفارا في تلك المرحلة أن الولايات المتحدة هي عدو ما، أو أحد الأعداء، أو العدو الرئيسي لقضية أمريكا اللاتينية واحتمالات التغيير بالنسبة للشعوب هناك.

نيغيل: مع بداية الستينات عثر غيفارا على قضية له. بعد أن أقام ثورة مع  كاسترو في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.

وكانا على ثقة، بأن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك.

نيوز: نحن جزء من أمريكا، ولكننا مع ذلك نختلف.

سيهددوننا ويوجهون الأسلحة إلى صدورنا، ولكننا لن نتراجع.

سيكون هناك المزيد منا، كل العالم التقدمي معنا، سندافع عن أنفسنا، وسننتصر.

بلاك بورن: كرهت الولايات المتحدة جدا هذه الحكومة الكوبية، حتى تحول ذلك إلى هاجس دائم.

أما السبب فهو قرب الكوبي، ليس جغرافيا فحسب بل لأنه على نوع من صلة القرابة العائلية، ومع ذلك فقد تمرد على طريقة الحياة الأمريكية، من وجهة نظر واشنطن.

غونساليس: تخيل تأثير انتصار تمرد مسلح ضد حكومة تدعمها أمريكا..

كيف سيبدو الأمر في بوليفيا وبيرو والمكسيك ونيكاراغوا؟ إذا ما أسقط حكم يتمتع بدعم من عظمة الدولة الأمريكية وقوتها وجبروتها، عبر حركة  مسلحة متواضعة يدعمها الشعب.  يعني هذا أن الجميع سوف يرغب بذلك.

مذيع: تنتج هذه الجزيرة كميات من السكر، تفوق أي دولة أخرى في العالم.

نيغيل: جاء أول رد أمريكي على الثورة المسلحة بفرض الحصار الاقتصادي على كوبا.

غونساليس: شكلت كوبا مجرد دائرة اقتصادية في أمريكا الشمالية. فإنتاجها الرئيسي من السكر كان يباع بكامله إلى أمريكا..

كما اعتمدت التجارة الكوبية بكاملها على الولايات المتحدة. ما يعني أن هذا الحصار كان أشبه بقطع الوريد.

نيغيل: ولكن العقوبات الاقتصادية كانت مجرد بداية. فبعد أشهر قليلة تعرضت كوبا لهجوم مسلح.

شارك بعدوان خليج الخنازير وحدات معادية لكاسترو من فلوريدا،

تلقت دعما كاملا من قبل السي آي إيه.

نيوز: قامت وحدات ثورية كهذه بمهاجمة حصون  كاسترو في جزيرة كوبا.

أصبح نظام فيديل مهددا بعد خروج عدد من المرتدين من صفوفه. ومع ذلك فإن الكلمات لا تنقص كاسترو، أثناء تهجمه على ما يسميه بالإمبريالية الأمريكية.

نيغيل: حرك فيديل وحداته ضد المتمردين،

وتمكن خلال أيام من هزيمة الوحدات المهاجمة.

ابتهج غيفارا بالهزيمة الأمريكية. فقد اعتبرها نصرا ضد إمبراطورية الشر.

غيفارا: خليج الخنازير، هو رمز لكل الشعوب المضطهدة، فهو أول هزيمة تصيب الإمبريالية، في أمريكا اللاتينية، كما أنها واحدة من أولى الهزائم الإمبريالية، على الصعيد العالمي.

نيغيل: بعد مرور ثلاثة أشهر على خليج الخنازير، وقف غيفارا وجها لوجه مع العدو.

بعد أن عين غيفارا وزيرا للحكومة، وصل في آب أغسطس من عام واحد وستين، إلى بونتا ديل إيستي في أوروغواي، للمشاركة في مؤتمر لوزراء الاقتصاد.

غودوين: شكلت زياراته حدثا مميزا خارج الندوة في شوارع بونتا ديل إيستي. حيث احتشد المعجبون من أوروغواي والأرجنتين يرحبون به، أثناء تجواله الرومانسي في الشوارع هناك. أعجبوا به جدا، فكان نجما متألقا في هذا الاجتماع لوزراء المالية.

نيغيل: لم يتردد غيفارا في إعلان عدوانيته المباشرة تجاه الوفد الأمريكي.

أثناء خطابه في المؤتمر، توقع السقوط الحتمي للرأسمالية الأمريكية.

غودوين: وقف حينها وقال أن الحركة الثورية تمتد عبر القارة، وأن الولايات المتحدة لم تعد تقوى على شيء بعد، لوقف الزحف الشيوعي عبر القارة.

نيغيل: شغل ريتشارد غودوين منصب مساعد في إدارة كندي الجديدة.

وقد ألقى نظرته الأولى عن قرب، إلى الثوري البارز، في حفل استقبال جرى تلك الليلة.

غودوين: شاهدني أدخن سيجارا، فجاءني أرجنتيني أعرفه يقول عن لسان غيفارا بأنه يعتقد بأني لا أجرؤ على تدخين السيجار الكوبي. فطلبت أن يبلغه برغبتي في تدخين هذا النوع ولكننا لا نجده في الولايات المتحدة. في اليوم التالي وصلت إلى غرفتي في الفندق هذه العلبة مليئة بالسيجار، وملاحظة صغيرة بالإسبانية تقول: بما أني لا أملك بطاقات تهنئة يجب أن أكتب، وبما أن الكتابة للعدو مسألة صعبة، سوف أكتفي بمد يدي.

نيغيل: عبر الوسيط الأرجنتيني، رتب غيفارا لقاءا مع الموظف الأمريكي على انفراد.

غودوين: أذكر حين دخلنا إلى الغرفة وجود كرسي مقابل كنبة، ولم يكن في الغرفة أي أثاث آخر. رأى غيفارا بأن هناك مقعدين فقط ونحن أربعة أشخاص هناك، فجلس على الأرض، فشعرت بضرورة الجلوس  على الأرض معه أيضا، وهذا ما فعلت.

وأذكر أن أول شيء قاله له هو شكرا على عدوان خليج الخنازير، ثم تابع بأن الدعم الشعبي كان مهتزا، والسيطرة على البلد غير مؤكدة، لقد عززتم تأييد الشعب لنا، وسهلتم لنا مهمة التخلص من معارضة الطبقة الوسطى، ما سجل تقدما كبيرا بالنسبة للثورة على حد قوله. وكان يبدو محقا فأجبته ، على الرحب والسعة.

نيغيل: بعد اجتماع دام أربع ساعات، كتب غودوين تقريره للرئيس، يرد فيه ان غيفارا حمل معه عرضا لأمريكا.

غودوين: كشف الحوار مع غيفارا عن أن كوبا تمر في ظروف اقتصادية صعبة، وأنها ترغب في التوصل إلى تفاهم مع أمريكا.

نيغيل: اعترف غيفارا بأن الحصار الأمريكي قد أرهق الاقتصاد الكوبي، حتى كاد يصيبه اليأس.

مقابل رفع الحصار، ستنهي كوبا حكم الحزب الواحد، وتجري انتخابات حرة.

بلاكبورن: كانوا يبذلون كل ما بوسعهم في محاولات لرفع الحصار، والتخلص من التهديدات العسكرية. وهم مستعدون للتوصل إلى اتفاق، بل يرغبون بذلك جدا، شرط الحفاظ على السيادة الكوبية، وحماية الإنجازات الاجتماعية الكبرى للعملية الثورية.

غودوين: كنت مستيقظا طوال الليل حتى أخذتنا الطائرة العمودية إلى البيت الأبيض، حيث وجدت كندي ينتظر. سرت مع كندي إلى مكتبه، فقلت بأن غيفارا يبعث له بهذه العلبة من السيجار، ففتحها بنفسه وهو يسأل هل هي جيدة؟ فأجبته على الفور بأنه الأفضل. فأخذ واحدا منها وأشعله على الفور. ثم قال بعد أن تنفس الصعداء مرتين: كان يجب أن تجربه أنت أولا. فعلقت ممازحا : فات الأوان سيدي الرئيس.

نيغيل: رغم تمتعهما المشترك بالسيجار الكوبي، لم يكن كندي راغبا في التوصل إلى اتفاق.

غودوين: سادت مشاعر ترقب في البلد والإدارة بعد الهزيمة النكراء التي سجلت في خليج الخنازير قبيل بضعة أشهر. لم تكن الأجواء مناسبة للاتفاق، رغم أنه كان في صالح الولايات المتحدة  دون شك.

نيغيل: رغم قناعته بأنه اتفاق جيد، إلا أن غودوين كان يرفض الموافقة عليه.

إلى جانب ملاحظته الأولى بعث بتقرير ثان إلى الرئيس.

لم يطالب فقط بتعزيز الحصار الاقتصادي المفروض على الجزيرة، بل وبضغط عسكري أيضا.

غونساليس: كتب وثيقة وقحة تقول: يمكن أن نوهمهم بأننا مستعدون للتفاوض، ما سيمنحنا تغطية لمتابعة التحضيرات اللازمة لتنفيذ هجماتنا الاقتصادية والعسكرية، ولم لا؟

نيغيل:

=-=-=-=-=-=--نهاية الجزء الأول.

نيغيل: تبعت الولايات الأمريكية رفضها لعرض السلام الكوبي، بعمليات تعزز من حصارها المفروض على كوبا.

فكثفت من مناورتها البحرية.

وأنزلت الوحدات الأمريكية  في القواعد العسكرية للمنطقة.

فرزحت كوبا تحت الحصار.

لجأ كاسترو إلى الاتحاد السوفييتي طلبا للمساعدة.

وافق خرشوف على بناء قواعد نووية في كوبا، وذلك على مسافة مائة وخمسون ميلا من الشواطئ الأمريكية.

فتحولت الجزيرة إلى بؤرة توتر تهدد بمواجهة عسكرية كبرى.

نيوز: لا أحد يعرف إن كان سيبقى على قيد الحياة غدا في مثل هذا الوقت.

نيغيل: تشرين أول من عام اثنين وستين.

بعد أربعة أيام من التهديد بحرب نووية، قرر خرشوف الانسحاب.

لو أن أمريكا وافقت على اقتراح غيفارا بتوقيع سلام قبل عام من ذلك، لأمكن تفادي وقوع هذه الأزمة.

غونساليس: لا شك بأن أمريكا أخذتنا إلى شفير الهاوية، بعد أن اعتبرت العرض تعبيرا عن الضعف هذا واضح تماما.

بلاكبورن: لا شك بأن أزمة الصواريخ الكوبية هي أشد الأزمات النووية خطورة على الإطلاق. ولا شك بأن السلطات السوفياتية ما كانت لتفكر بنصب صواريخها النووية في جزيرة كوبا، لو تم التوصل إلى تفاهم بين هابانا وواشنطن.

غونساليس: لو تعاملت أمريكا جديا مع الأمر وبدأت التفاوض مع كوبا لكانت الأمور على خلاف ما وصلت إليه، ولكن هذه فرضية عديمة الجدوى.

نيغيل: في ذروة الأزمة، أعلن كاسترو بأن جميع الكوبيين مستعدون للموت دفاعا عن الجزيرة.

2347)ولكن في اللحظة الأخيرة، تبين بأن الاتحاد السوفييتي يفضل عدم الخوض في حرب مدمرة كهذه.

غونساليس: قال كاسترو أننا نفضل الموت واقفين على أن نعيش راكعين. لن نستسلم للتهديد الأمريكي، وسندافع عن الجزيرة حتى الرمق الأخير. فأجاب خرشوف: ربما، ولكننا سنسحب الصواريخ وهذا ما حصل فعلا.

(2421)نيغيل: شعر غيفارا بالدهشة من موقف موسكو، وقد أطلق العنان لمشاعره في اجتماع سري لاحق.

غيفارا: وكأنكم بهذا تعترفون بحق الولايات المتحدة في انتهاك القوانين الدولية.

لقد أهنتم مشاعرنا بعدم استشارتنا، ولكن المشكلة الرئيسية تكمن بضعف السياسة السوفييتية.

نيغيل: يبدو أن تباينا في وجهات النظر نشأ لأول مرة بين كاسترو وغيفارا.

اتبع فيديل في السنوات التالية سياسة  تعتبر أن روسيا لم تكن الشريك الممتاز للثورة، ولكنها أفضل ما امتلكت كوبا، ولم يكن لديه خيارا آخر إلا التعايش معها.

أما غيفارا فقد اعتبر أن هذا الموقف هو أشبه بخيانة للجزيرة.

وربما تأكد بأن على كوبا عاجلا أم آجلا التخلص من اعتمادها على الاتحاد السوفييتي.

لم يتعرض غيفارا  في أيام الثورة الأولى، لمثل هذا النوع من القلق.

مع نهاية تسعة وخمسون، عينه كاسترو وزيرا للصناعة، ورئيسا للمصرف الوطني.

كان لا بد من تحقيق النجاح في المجالين، فإذا ما أرادت الثورة أن تستمر في كوبا، لا بد من تعزيز نجاحها الاقتصادي.
ولكنه قبل أشهر من ذلك، نزل من الجبل كمقاتل في حرب العصابات. وتجاربه في شؤون الحرب، لا تساعده كثيرا في تولي الحكم.

(2549)دولوريس: حين سمعت عن تعيين غيفارا رئيسا للمصرف أصبت بدهشة واستغراب، لقد فاجأني تعيينه في هذا الموقع فعلا، على اعتبار أن لا علاقة لتجربته السابقة بالمال والأعمال على الإطلاق، لم يسبق له أن عمل في هذا المجال لهذا لم أتخيل أبدا أن يتمكن من إدارة مصرف كوبا المركزي.

نيغيل: عمل الوزير الجديد وفق ما يؤكد صورته كبطل للطبقة العاملة.

انتشرت صور الوزير البروليتاري في أرجاء البلاد،

وهي تحمل رسالة تقول: إلى جانب غيفارا، سيبذل العمال ما يلزم من تضحيات لبناء الاشتراكية.

بلاكبورن: كان على قناعة كبيرة بضرورة أن يخرج كبار الموظفين والوزراء إلى الحقول للمساعدة في حصاد قصب السكر.

كنت حينها واحدا من هؤلاء لو أكن موظفا كبيرا بل مستشارا وباحثا عن الأسواق لصالحهم. ولكنهم قالوا أني يجب أن أخرج وأتعرف على حقيقة ما يجري في حقول السكر، ويسرني أني فعلت ذلك لأنها تجربة شيقة، لهذا خرجت إلى حقول قصب السكر لبضعة أيام.

غونساليس: كان ذلك رمزيا، غالبية الكوبيين توقعوا نتائج محدودة على المدى القريب، ولكن التضحيات التي كانت تبذل حينها، سخرت لخدمة المجتمع ككل على المدى البعيد.

والتأكيد على مبدأ التضحيات النبيلة، كان هاما في جميع تصريحات غيفارا. لهذا فإن خروجه إلى الحقول والعمل في المصانع، كان يؤكد استعداده لتقديم التضحيات كأي شخص آخر.

نيغيل: اعتمد الاقتصاد الكوبي قبل الثورة بالكامل على صناعة السكر.

أما غيفارا فقد راوده الحلم بدفع الجزيرة إلى الأمام نحو عصر الصناعة.

فأمر بتحول واسع النطاق بعيدا عن الزراعة، للتركيز على الصناعة.

ولكن خطته كانت طموحة جدا، بعد أن جاءت خطة كندي لتدمر الاقتصاد الكوبي.

غونساليس: كل الآلات الكوبية والسيارات والحافلات كانت جميعها أمريكية. أي أن قطعها لم يعني وقف بيع السكر، بل والحصول على قطع الغيار، والآلات وكل الأشياء الأخرى التي يعتمد عليها الاقتصاد الكوبي، لهذا جاء الحصار، مدمرا.

نيغيل: تأكد لغيفارا أن عليه الحصول على مصادر توظيفات وتقنيات جديدة.

عام تسعون توجه إلى موسكو ليطلب من السوفييت مساعدات اقتصادية.

أدهشه جدا ما سمع في البداية الأمر.

كاستانيدا: كان يجلس مع أشخاص أطلقوا حديثا محطتهم الفضائية، وهم يملكون الصواريخ والقنبلة النووية، ويخوضون حربا باردة مع قوة عظمى، وهم يمسكون بزمام قوتهم العظمى أيضا، حتى يبدو وكأنهم الفائزون. فلماذا يشكك بما يقولونه؟ يقولون أن بامكانهم بناء ثلاثمائة وخمسون مصنعا في كوبا خلال عام، لا بد أنهم محقون.

مذيع: بدأ العتاد الروسي يجتاح الجزيرة..

نيغيل: ولكن سرعان ما تبين بأن الدعم الاقتصادي السوفييتي، ما كان ليمنح كوبا الانطلاقة التي تحتاجها.

كاستانيدا: سادت خيبة أمل من المساعدات والدعم، ذلك أنه لم يكن بالمستوى الذي كان يتوقعه مع الكوبيين. ليس بالمستوى المطلوب من حيث وصولها وليست بالمستوى المطلوب من حيث النوعية والكفاءة والتسوق أيضا، إلى ما هناك ما يعني أنه لا يمكن الاعتماد على السوفييت.

نيغيل: شكك السوفييت خلف الكواليس بمشروع غيفارا  الطموح، للصناعة في كوبا.

غودوين: أذكر عشاء لي مع السفير السوفييت، وقد كان وزيرا للمالية أثناء وصول غيفارا للتفاوض على عقد الاتفاقات. فقال هل تصدق أن هذا الرجل يريد بناء مصنعا للسيارات ومحطة للألومنيوم وغيرها. فنصحناه بأن يزرع السكر لأنه الأفضل بالنسبة له.

نيغيل: ولكن غيفارا تابع محاولته في المشروع الصناعي.

في العام الأول من الحكومة الجديدة، انتقل آلاف العمال من حقول السكر، إلى المصانع المبنية حديثا.

ولكن هذا لم يدم طويلا، ذلك أن الآلات الصناعية السوفييتية كانت سيئة التجهيز، بحيث لم لم تتمكن من الاستمرار.

سادت بعدها حالة من التمزق بحيث توقف النمو الصناعي رغم التوظيفات المالية الهائلة.

تعرضت الزراعة للنكسات أيضا، فقد هبط انتاج السكر إلى مستويات لم تشهدها أسوأ سنوات باتيستا. فوقف  الكوبيون صفوفا لشراء فاكهة، كانت يوما تكسد في الأسواق.

تعرضت مشاريع غيفارا للنكبات.

غيفارا: ارتكبنا حماقات ربما كنت مسؤولا عنها، اعتدت على التحدث عن التحولات الاجتماعية حتى أوكلت إلي مهمة الإشراف على هذه التحولات،، أشعر بصراحة أني لا أصلح للقيام بما أقوم به، لهذا أفكر في الذهاب إلى مكان آخر.

نيغيل: هناك مشاكل من نوع آخر أيضا.

تعززت صورة غيفارا كثوري رومانسي،

فأصبح من الصعب الحفاظ على تلك الصورة في المصرف الوطني.

(3113)دولوريس: هذه نتيجة طبيعية على اعتبار أن غفارا كان مثاليا يحلم بعالم لا تحكمه الأموال والأعمال والمصالح التجارية، بل الدوافع المثالية.

بل وأعتقد أنه حين تحول إلى أحد الموظفين في الدولة الكوبية أرعبته حقيقة أنه يتلقى أجرا مقابل وظيفته كوزير.

غونساليس: كان شخصية ملتزمة، وعسكريا ومقاتلا. وهناك علامات توحي بأنه لا يعرف السكينة، ولا يحتمل الجلوس في مكتبه. خصوصا حين عين رئيسا للمصرف الوطني وهي وظيفة شعر فيها وكأنه يصلب.

(3146)دوروريس: ما كنت لأتصوره يجلس خلف مكتب في أي مكان، وكأنه ولد ليكون فارس مقدام يقاتل من أجل الحرية والعدالة في العالم.

كاستانيدا: غادر كوبا في أول رحلة له خارج البلد في أيلول سبتمبر من عام تسعة وخمسين، بعد سبعة أشهر فقط على انتصار الثورة والاستيلاء على هابانا في كانون الثاني. وذلك في رحلة حول العالم مثل فيها الثورة في زيارة إلى الهند وإندونيسيا واليابان ومصر، وبلدان أخرى، كانت رحلة بالغة الأهمية دون شك. وكانت هناك مهمات بالغة الأهمية يجب القيام بها في كوبا حينها أيضا.

نيغيل: بدأ غيفارا يجد لنفسه دورا جديدا. كحافز ثوري.

أراد أن يخلص كوبا من اعتمادها الكلي على السوفييت.

لتحقيق ذلك، عمل على بناء حلفاء لكوبا بعيدا عن موسكو.

(3249) ليزيد بذلك عدد البلدان الاشتراكية التي تعزز من توجهاتها المستقلة.

وهكذا، عمل على جعل كوبا تتولى نشر الثورة في العالم.

عام أربعة وستين، قرر غيفارا أن يضع النظرية تحت التجربة.

بعد الخضوع لبعض التمويه، وضع خطة للتوجه إلى أفريقيا.

(3312) ورغم بعض التباين، وافق كاسترو على رحيله. ليشرح سبب ذلك بعد بضعة سنوات.

كاسترو: كانت هناك حركة مسلحة، في زائير، لم نتحدث عن ذلك من قبل، ولكن الحقيقة، هي أن الحركة الثورية طلبت منا المساعدة، كي نرسل لهم خبراء في القتال عبر مهمة أممية.

أراد غيفارا أن يطور بعض الكوادر، في اكتساب المزيد من التجارب، فعين مسؤولا عن المجموعة التي خرجت لمساعدة المقاتلين، فيما يعرف اليوم بزائير.

(3402) واجهت المهمة كثيرا من الصعاب، فإلى جانب سوء تنظيم الثوار الأفارقة نشأ تباين في صفوفهم حول عدد من الأمور.

فسحق التمرد بعد وصول غيفارا بعدة أسابيع.

كاستانيدا: توافقت الفصائل المختلفة هناك، على عدم رغبتها بوجوده هناك. كانوا يريدون الأسلحة والأموال  من كوبا، وربما أرادوا بعض الخبراء الكوبيين، ولكنهم لم يرغبوا بوجود غيفارا بينهم.

حكم على العملية بالهلاك منذ اللحظة الأولى. وما كان ليكتب لها النجاح.

نيغيل: بعد تراجع المهمة، انسحب غيفارا إلى مخبأ على الحدود مع تانزانيا.

(3443)تأثرت بذلك صورته كقائد للتمرد نسبيا حينها.

في البداية، منح كاسترو دعمه الشكلي لمهمة غيفارا.

وقد حذره من أن خطة اعلان ثورة في الكونغو، قد يشكل إهانة لموسكو.

رغم التباينات السابقة، ما زالت كوبا تعتمد على المساعدات السوفييتية، ولا يمكن المخاطرة بهذه المسألة.

(3512)اتبع كاسترو دائما سياسة ضمانة لمصالح كوبا.

أراد غيفارا قبل رحيله إلى أفريقيا أن يكتب رسالة يبعد نفسه فيها عن الحكومة الكوبية.

أبقيت الرسالة في السر، على أن تستعمل فقط في حال وقوع الأزمات.

كاستانيدا: هذا ما كان سيسمح، لفيديل مستقبلا، في أن يبعد نفسه عن عملية غيفارا في الكونغو إذا لزم الأمر لأسباب دولية.

إذا ما لامه السوفييت على هذا التدخل، أو واجه مشاكل مع هيئة الأمم يمكنه أن يقول، أن غيفارا يعتمد على نفسه، وهو ليس كوبيا، ولم يعد قائدا في الحزب، ولم يعد مسؤولا حكوميا، ليس إلا صديق لي وأنا أحبه جدا  وأمد له يد العون قدر المستطاع. ولكن هذه العملية من صنعه وهو يقوم بها بناء على مشيئته، وليست مشيئة كوبا على الإطلاق.

(3602)نيغيل: بعد أن تأكد للعالم بأن غيفارا يقاتل في زائير، ما عرض كاسترو للحرج الشديد.

فأصبح مجبرا على فتح الرسالة التي تركها قبل رحيله.

أي أن الوقت حان لمعالجة المشكلة.

فيديل: من الرفيق، إرنيستو غيفارا..

أمام حشد شعبي في هابانا، قرأ فيديل الرسالة التي وصلته من غيفارا قبل بضعة أشهر.

فيديل: أشعر بأني أنجزت جانبا من الواجبات، التي كانت تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، وبهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وهذا الشعب، الذي أصبح شعبي.

(3651)ماتوس: يميل فيديل كاسترو لاستفادة من الكفاءات، فهو يقدرها جدا، ولكنه بعد أن يتأكد من نضوب هذه الكفاءة، ليس من طبيعته أن يتخلص كليا من علاقته بصاحبها.

نيغيل: لم يتشاور كاسترو مع غيفارا قبل أن يفتح الرسالة. ولكن أيا كانت أسبابه، جاءت النتائج مدمرة.

كاستانيدا: نجم عن ذلك مشكلة كبيرة لغيفارا.

ويقال بأن الأمر قد أغضبه، لأنه حين أجبر على مغادرة الكونغو، لم يتمكن من العودة إلى كوبا. وكأنه أحرق جسور العودة، ولكن ليس بنفسه بل على يد شخص آخر. فلا يمكن أن يقول بأنه راحل ثم يتراجع عن إعلانه الصريح والعلني، وهو الشخصية المتماسكة الذي يرفض العودة عن كلامه.

نيغيل: شعر غيفارا وكأن كاسترو أغلق باب عودته إلى كوبا.

ولكن تمسك بحلمه في تصدير الثورة.

لهذا أخذ يرسم الخطط، للعودة إلى أصوله في شن حرب العصابات.

=-=-=-=-=-نهاية الجزء الثاني.

صاغ غيفارا في كتابه "حرب العصابات" الذي نشر عام ستين، أسس نظريته الثورية، والكفاح المسلح الضروري لتطبيقها.

تحول الكتاب إلى عماد أساسي لجيل من الثوار.

غونساليس: لا شك أن غيفارا اعتبر في الستينات من أهم أصحاب التكتيك في حرب العصابات. ألف كتابين حول وجهات هذه الحرب، حتى اعتبر مرجعا رئيسيا في هذا الشأن.

نيغيل: اعتمدت سمعة غيفارا البطولية في شن حرب العصابات، بالجانب الأكبر منها على الدور الذي لعبه في التمرد الكوبي المسلح.

(4038)علما أن الكثيرين ممن عملوا إلى جانبه، لم يكونوا على معرفة بالاستراتيجية العسكرية.

(4049)ماتوس: لا أعتقد أننا كنا بارعين في اتباع توجيهاته.

جرى في كثير من المناسبات، أن تمكن الجيش النظامي من الانتصار على الثوار في المناطق التي يقودها غيفارا. وأذكر أن فيديل كان يرسل في طلب الضباط، ليحملهم مسؤولية ما جرى. لقد كان واثقا، بأنهم لم يتبعوا نصائح غيفارا بكاملها.

كان فيديل يثق جدا به، ويثق بقدراته، حتى عندما كانت ترتكب بعض الأخطاء، يتبين غالبا أنها ناجمة عن عدة ظروف قلما يكون لغيفارا صلة مباشرة بها.

(4134)نيغيل: هذه الصور، هي للبطل الثوري وبعض رفاقه، أخذت له بعد الثورة، أثناء العودة إلى يعض ساحات القتال لتذكر ما جرى.

وهذا جزء من سمعة غيفارا، في مراجعة الأحداث كجزء من التمارين لأخذ العبر.

(4145)سرعان ما تفهم كاسترو تماما قيم وسمعة البطل الأرجنتيني الشاب المعنوية والروحية.

كما تفهم أسباب تحول صورته إلى أسطورة في مخيلة الشعب الكوبي، وجميع محبي غيفارا.

سجل تشرين الثاني ستة وستين، مرور عام على النكبة التي أصابت ثوار زائير، أمضى الجانب الأكبر منها في تعقب مستمر.

علم قلة فقط بأمر وصوله إلى هنا، على ضفاف نهر نانكاوازو جنوب شرقي بوليفيا.

وصل إلى جانب مجموعة صغيرة من المقاتلين الكوبين، لتأسيس قاعدة انطلاق له، وفق خط تهدف للشروع بثورة تنتشر في أرجاء القارة الأمريكية اللاتينية.

كاستانيدا: رأى أن هذه منطقة مناسبة للثورة على اعتبار أن فيها انقلابات مستمرة وحركة نقابية صلبة، وحركة فلاحية قوية  وحركة طلابية فعالة. أي أن هناك عوامل موضوعية كثيرة تجل الظروف ملائمة لانطلاق الثورة.

نيغيل: حمل غيفارا معه اثني عشر مقاتلا فقط. دزينة رجال، يستولي بهم على قارة بكاملها.

ولكن قرار المجيء بمجموعة صغيرة، كان عشوائيا.

غونساليس: اعتقد غيفارا بأن قيام الثورة يحتاج إلى نخبة صغيرة من المقاتلين الأشداء والمنظمين جدا والمستعدين لتقديم أسمى التضحيات، في سبيل إطلاق شرارة الثورة وجعلها تتحول إلى أمر واقع.

نيغيل: ولكن سرعان ما توالت النكبات.

قبل أن يبدأ حملته، أراد غيفارا أن يعزز من تحالفه مع الشيوعيين في بوليفيا، الذين تخلوا عن دعمهم لحملته بعد أسابيع فقط من إعلانها.

وقد كلف هذا الانسحاب الثوار غاليا.

غونساليس: لم يكن هناك أي تحضير مسبق على الأرض. لم يعتبر الثوار أنفسهم كجزء من الحركة، بل اعتبروا أنفسهم حركة بحد ذاتها.

فانتهى الأمر بأن اعتبروا غرباء، جاءوا من حيث لا أحد يعلم، للقيام بعمل لا أحد متأكد ماهو بعد.

بيدرو: اختبأ الناس خوفا من الوحدات النظامية، ولم يقدوا يد العون للثوار في أي مجال. ولم يقدموا لهم الطعام أو غيره. لهذا شعر الثوار بأن الشعب يتخلى عنهم ويخونهم.

نيغيل: مع استمرار الحملة، تبين بوضوح أن العمل السياسي على الأرض نحي جانبا بالنسبة لغيفارا.

طالما كان يؤكد بأن الثورة لا يمكن أن تنتصر دون دعم من الشعب. علما أنه لم يتمكن من تجنيد الكثير من الفلاحين.

(4442)في شباط من عام سبعة وستين، قام غيفارا بخطوة جريئة جدا.

رغم تعرض الثوار لصعوبات كبيرة في دخول بوليفيا دون معرفة أحد، إلا أنه استقبل ثلاثة من أشهر الراديكاليين الأجانب في مخيم للتحدث عن آفاق الثورة في العالم.

غونساليس: وصول هذه المجموعة، أوحت للجيش البوليفي بأن غيفارا موجود في الجبال وإلا ما الذي يأتي بهم إلى هناك؟

وصول الأجانب جعل الجيش البوليفي يطلق الدوريات المكثفة في المنطقة.

وبعد أسابيع، اكتشف مخيم الثوار.

تمكن الثوار وضيوفهم من الهرب. ولكنهم تركوا علامات واضحة تحدد هويتهم. بما في ذلك صورا لغيفارا شخصيا.

صوت رجل: أسلحة رشاشة، ومسدسات، من عيار تسعة ميليمترات. لدينا ما يكفي من الإثباتات لنؤكد، بأن غيفارا ينظم هذا النوع من الحرب، وأن وحدات حرب العصابات في المنطقة.

نيغيل: أجبر الثوار على متابعة المسير بعدما بدأ الجيش بتعقب الثوار.

بالقرب من قرية بييا فيستا، ترك غيفارا القوة خلفه، بينما توجه مع الزوار ليوصلهم إلى منطقة آمنة.

وكانت تلك آخر مرة شاهد أعضاء المجموعتين بعضهما البعض.

جال الفريقين لعدة أشهر في الأدغال. وكانا أحيانا على بعد عدة دقائق من بعضهما.

(4616) تعزز تماسك الثوار تحت قيادة غيفارا، ولم يقع الكثير من حالات الفرار.

غيفارا: مشينا اليوما مسافات قصيرة، بسبب الممرات الضيقة جدا، التي لم تستعمل لسنوات طويلة.

أعلنت بوليفيا عملية أسمتها سينتيا. وذلك للتخلص منا، خلال بضعة ساعات.

نيغيل: علم غيفارا بأن الفريق الآخر قد قتل على أيدي جنود بوليفيا.

غيفارا: كان هذا يوما قاسيا شعرت للحظات بأنه آخر يوم لنا. يبدو أن نبأ موت أعضاء المجموعة الأخرى قد تأكد، ولا بد من اعتبارها قد صفيت بالكامل. مر ست  وأربعون جنديا من أمامنا وهم يحملون أكياس النوم. وقد استغرقوا ما يشبه القرن حتى مروا. ليس لملجأنا سبيل لمواجهة هجوم يأتي من أعلى.إذا اكتشفونا، تصبح إمكانية الفرار بعيدة جدا.

نيغيل: قاد غاري برادو وحدات الجيش التي تطارد مجموعة الثوار.

(4719)وقد كتب يقول، أن أوامر غيفارا لرجاله كانت تزداد هدوءا كلما كانوا أشد اقترابا منه.

برادو: كانوا يتحركون على طول جزء من محافظة فايي لا غراندي، حيث تنتشر القرى الصغيرة، وكانوا يتنقلون في وضح النهار. وهم يعلمون بأن بيوت القرى تملك هواتف اتصال. وأن الناس كانوا يبلغون الجيش فورا حول تحركاتهم.

نيغيل: يوم الثامن من تشرين أول، تمكن برادو من إقفال الحصار على غيفارا ورجاله.

برادو: وضعت جنديين في حماية موقع القيادة. وكانا على مسافة خمسة عشر ياردة نحو أعلى المنحدر. فشاهدا مقاتلين يحاولان الابتعاد قد الإمكان عن المنحدر، فانتظرا حتى اقتربا جدا منهما فأمرا بالتوقف.

طلبت منهما أن يرميا السلاح.

ثم بدأت التحدث معهما لتحديد هويتهما، اتضح لي أن  أحدهما كان أجنبيا. فسألته من أنت؟ ليجيب أنا تشي غيفارا، ثم تابع يقول: أنا أكثر فائدة لك حيا مني ميتا.

نيغيل:  توقف حلم غيفارا بالثورة في العالم.

يقال بأن وكالة الاستخبارات الأمريكية، بالتعاون ربما مع الوكالة السوفيتية، هما وراء نعقبه.

(4848)ولكن هذا لم يغير من حقيقة نهايته شيئا.

لقد مات رجل الأسطورة في التكتيك العسكري .

غيفارا: حين وصل غيفارا إلى بوليفيا، تعامل مع المشاكل المحيطة كمشاكل تقنية. كيف الحصول على السلاح؟ كيف يتابع المسير؟ ومن أين يحصل على الطعام؟ ولكن يبدو أنه لم يطرح، السؤال السياسي الأكثر أهمية. هل أصبح الفلاح مستعد للتعامل معنا كجزء من حركته؟ وما إذا كان هناك حركة فلاحية؟  لم يطرح أي من هذه الأسئلة. وكأن مجرد وجود قوة ثورية يعتبر كافيا لولادة الشروط اللازمة لصنع الثورة. ولكن التاريخ يعلمنا بطريقة مأساوية، بأن الأمور لا تجري على هذا المنوال.

نيغيل: وقعت مأساة غيفارا في قرية لاإغويرا، يوم التاسع من تشرين أول أكتوبر من عم سبع وستين.

(4949)في ذلك اليوم، سقط ضحية العدالة التي عمل على سيادتها خلال حياته الثورية طوال سنوات من الجهد والمعانات..

خوليا:  فجأة سمعت بعض العيارات النارية، فكرت مباشرة  بأن الأمر له صلة، بالسيد غيفارا. ولا أعرف بأي طريقة أسرعت بالخروج من البيت، وتوجهت بالتحديد إلى المدرسة التي كنت فيها معه. دخلت إلى إحدى الغرف لإجد جثمانه ممددا هناك، متباعد اليدين والساقين.

(5040)نيغيل: سرعان ما انتشرت أنباء مقتل غيفارا في البلدان المجاورة.

جاء السكان الذين تتبعوا أنبائه طوال حملة مطاردته لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمانه.

ولدت لحظة موته أسطورة أسطورة ما زالت تحيى حتى اليوم.

غونساليس: الصورة التي أصبحت واسعة الانتشار والأكثر شهرة هي تلك التي تصوره ممددا على ما يشبه الطاولة بعد أن قتل على يد عسكري بوليفي. تعكس الصورة ملامح بيضاء ومتعبة جدا وشعر أشعث. وربما كنت أبالغ ولكني على قناعة تامة بأن ملامحه تزداد بياضا وشعره أكثر طولا، كلما أعيد (5121)تظهير الصورة، وكأنها توحي بأسطوريتها حتى بالنسبة لشخص لا يعرفه.

بول: أثار موته، نوعا من الصدمة، على اعتبار أن موته شكل نكسة ما كان لأحد منا أن يتوقعها. لم نتخيل أن نفقد شيئا كهذا وخصوصا غيفارا الذي كان يتمتع بقوة لا مثيل لها.

شعرنا  بأنه من المستحيل أن تتمكن الولايات المتحدة من القضاء عليه في مكان مثل بوليفيا. ما سبب لنا صدمة قوية. ربما كانت هذه أول علامة في الستينات تشير إلى أننا قد نخسر أحيانا، وليس بالضرورة أن نفوز باستمرار.

كاستنيدا: كان رجل الثورة، وجزء من القوة التي أسقطت نظام باتيستا الإمبريالي الأمريكي في كوبا. وعندما جاءت أوقات الاستراحة وتدخين السيجار وبيع السكر لروسيا، فضل الانفصال، وذهب ليتابع إعلان الثورة في أمريكا اللاتينية.. لا شك أنها مسيرة مأساوية انتهت بعملية اغتيال أودت بحياته. ولكن ينطبق عليه المثل القائل بأن نجوم الروك يموتون شبانا.

غونساليس: حياة غيفارا، كمثال  للتضحيات والبطولة، هي نموذج هام رفيع المستوى. ولكن الأفكار التي 5232)وجهت تلك المعارك، كانت أفكار بريئة، ارتكبت فيها بعض الأخطاء. ولم تقدم نموذجا متكاملا لسبل إعادة بناء حركة ثورية للأجيال القادمة.  يمثل غيفارا نموذجا لروح ورغبة التغيير في العالم. ولكنه في الواقع لم يترك أفكارا متكاملة عن سبل القيام بهذا التغيير.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2014م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster