|
من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع | ||
|
|
|
أينسا
النار والتراب والهواء والماء.
هي أربعة عناصر يتشكل منها الكون والكائن البشري.
يقول البعض أننا منها، لهذا نشعر بجاذبية عميقة وكبيرة
نحوها.
هناك مخاطرة كبيرة تواجه هذه الأماكن التي تؤكد على أهمية
بذل الجهود لحماية بيرينيس بشكل عام، وخصوصا أنهرها، وذلك في سبيل
حمايتها من تدهور لا عودة فيها إلى الوراء.
استعادة وإعادة تأهيل قرى مهجورة على غرار موريو دي توس، هو
أكثر من دليل، بل رمز لإمكانية إحياء منطقة، ضمن احترام البيئة
المجاورة والانسجام معها.
ما زال من الممكن حتى اليوم أن نجرب الطبيعة، ولو لبعض
الوقت، على بريتها، لنسيطر مؤقتا على قوتها الجامحة. إنه تحد قد يستنفذ
قدراتنا حتى الرمق الأخير.
هذا ما يفعله هؤلاء الأصدقاء عندما يستطيعون، فهم خبراء في
المتعة التي تمنحها المياه البيضاء.
أنهيل هو بيطري من أينسا، وهي إحدى أجمل المدن في بيرينيس.
لقد ولد في المنطقة، أي أنه يعرف هذه الوديان، وخصوصا الأنهر المنيعة
جدا، كما يعرف كف يده.
أنهيل:
إذا، عليك أن تستمر في العلاج. علينا أن ننتظر كي نرى ما
يحدث.
زبون:
آمل أن يفلح. سوف نرى.
أنهيل:
حسنا، يجب أن أذهب الآن، أصدقائي ينتظرونني بالكياك، لا بد
أن يأتون بين لحظة وأخرى.
زبون:
إلى اللقاء، وبالتوفيق.
معلق:
تخلى أنتسون وزوجته أيدويا عن عملهما في أحد الأيام، وكرسا
وقتهما منذ ذلك الوقت على إعطاء دروس في ركوب الزوارق صيفا ودروس في
التزلج شتاء.
إنهما شخصان محببان، يحاولان كسب الرزق من شيء هو أكثر ما
يحبانه في الحياة: الماء.
يعمل خوان، وهو من أينسا أيضا، نجارا عند انتهائه من تأمل
الأنهر، أو الإعداد لرحلة في النهر. ولا داعي للقول هنا أنه يعطي
الأولوية للتأمل.
-
هيا بنا.
-
كيف الحال أنهيل؟
-
الأنهر تتدفق بجنون.
-
اسمع هل سنذهب أم ماذا؟
-
المكان الوحيد الذي ليس فيه ماء هو بامبلونا.
معلق:
يعتبر ركوب أنهر الجبال أكثر من مجرد رياضة، إنها متعة
تخضعنا إلى امتحان عصيب.
لا يوجد هنا ما يعرف بأخذ الاحتياطات الكثيرة. لا بد من
الإعداد لكل رحلة وأخذ التدابير اللازمة لتفادي تحول المغامرة إلى
كابوس.
يعتبر اختيار المعدات المناسبة للتعامل مع صعوبات الملاحة
مسألة أساسية. لا يمكن أن نترك شيئا للحظ. المراقبة الدورية، وخصوصا
لمعدات السلامة هي موضوع رئيسي.
بعض المعدات مثل أغطية الزورق التي تجعلنا أشبه براقصة
متقاعدة، تؤدي وظيفة أساسية، وهي تفادي غرق الكاياك.
ثم يبدأ العرض. وأخيرا أصبحنا في المياه. لا يمكن لأحد أن
يمنع قلبه من الخفقان بجنون عند ملامسة المياه لأول مرة.
نريد اليوم الذهاب إلى وسط المياه المتدفقة لركوب الأمواج
والتمتع بإحساس المياه المتسارعة.
عندما يتأمل الشخص بتدفق مياه أنهر الجبال الصغيرة متسارعة
نحو الوديان العميقة في بيرينيس، يرى أنه يتأمل تدفق الحياة بحد ذاتها.
تتآكل الصخور هنا بعدة أشكال مختلفة، وذلك حسب درجات الصخور،
ما يؤدي إلى تنوع واسع النطاق من الملامح والأشكال.
هذا ما يجعل الوادي عالم مختلف، حسب الموسم المقصود وكثافة
التيار.
الجاذبية التي تمارسها هذه الأنهر على هواة الكاياك ليست
جسدية فحسب.
اكتشاف المناظر الخلابة، والتي أحيانا ما تعتبر من المجاهل
التامة، تشكل جزءا من مغامرة رحلة النهر.
تحديات العثور على طريقنا في الماء، والعثور على حلول لمشاكل
جديدة تنشأ على الطريق، بفضل التدريبات والتمارين وتراكم التجارب. ولكن
الأهم من ذلك هو التغلب على مخاوفنا.
عندما يتحدث المرء عن ركوب مياه الأنهر، والمتعة والخطر
والمشاهد الخلابة، يدرك أن هذه الأشياء جميعها تسير جنبا إلى جنب.
إنها رياضة أخطر مما قد تبدو عليه في البداية، إذ أن عليك
فيها أن تحترم قانون النهر. فراكب الكياك الجيد هو الذي يراكم ساعات
طويلة من الملاحة أولا.
الخوض في المياه السريعة يفترض التعرض لعوائق مفاجئة، لهذا
فهو يتطلب التدريب على تقنيات محددة.
ربما كان دوران الإسكيمو الأشد إثارة منها جميعا. لقد جرى
التوصل إليها على طريقة الكياك، من خلال الإسكيمو، نتيجة حاجتهم الماسة
لركوب زوارقهم بسرعة، إذا أرادوا ألا يموتون في الماء من شدة البرد.
تكن هذه التقنية باستقامة المجذاف مع الزورق تماما.
يساعدنا التعرف على تيارات المياه والتقنيات المناسبة في
الذهاب إلى أي مكان نريده. لا شيء مستحيل، ولا حتى مرحلة عبور واحدة
أو تيار نهري جارف.
لا يتطلب الأمر سوى التخطيط للفكرة جيدا قبل القيام
بتنفيذها.
تسقط جميع الخرافات عاجلا أو آجلا، ليثبت بعد ذلك أنه يمكن
تخطي جميع العوائق من خلال الجرأة التجربة.
لا شك أن أكثر المشاهد إثارة هو القفز.
وهو بالنسبة لنا أشبه بملح الطعام، لأنه يثير الحماس لدى
الجميع فعلا.
ترتكز قوة وعظمة المياه هنا، ما يجعل توجيه الكياك بالغ
الصعوبة، لهذا على المرء أن يستخدم المجذاف لتعزيز السرعة وتوجيه
الكياك إلى وسط التيار.
بعد ذلك يتراجع الجسم إلى الوراء بحدة، ليرفع الذراعين عاليا
للمساعدة في حفظ التوازن، والتقليل من كمية المياه التي تتسرب إلى
الداخل، وتخفيف الصدمة.
تثير هذه اللحظات القليلة أحاسيس قوية لا يمكن تحملها لفترة
طويلة.
كان يستحيل منذ بضع سنوات القيام بقفزات مثيرة كهذه، لأن
الكياك كان يتحطم كليا.
أما اليوم فقد تم التوصل إلى مادة ألياف زجاجية جديدة، على
مستوى عال من الليونة، منحت هذه الرياضة دفعا مثيرا.
لا يمكن الفصل بين الخوف المتعة عندما يحلق المرء فوق هذه
الأعاصير السائلة. تنطلق شحنات الأدرينالين عبر الأوردة ليدوم الحماس
لفترة طويلة جدا بعد انتهاء الحدث.
لهذا نحب الكياك، الذي أصبح جزءا من حياتنا. فهو يبعث على
ارتياح في الجسم والعقل. أي رياضة تقدم أكثر من ذلك؟
هناك عبارة تتردد بين عشاق الكياك، وهي تقول: نهر سيئ، وموسم
سيئ، ورفقة سيئة، هي بمجموعها تشكيلة قاتلة. هذا ما يجعلنا نختار أماكن
قام أصدقاؤنا باختيارها بعد دراسة دقيقة.
وقع الاختيار على هذه الفترة من العام، ليس لعلو منسوب
الأنهر فحسب، بل ولأن الربيع في بيرينيس، يغطي المناظر بألوان زاهية في
جميع الاتجاهات.
الكياك رياضة تحتاج إلى فريق. عندما يرانا المرء نندفع
معاركين هذه المياه المتدفقة نزولا، يسوده إحساس بأن الشخص هو العنصر
الأهم هنا.
ولكن لا شيء أقوى من الحقيقة هنا وهي أن لا أهمية تذكر
للإنسان بمفرده، إذ لا بد من التنسيق والتعاون بين الجميع لمساعدة كل
منا على التمتع في الانجراف نزولا مع تدفق المياه.
يعبد الفريق الذي في طليعة الكياك الطريق المؤدي
إلى الراحة. إذ يبحث أعضاؤه عن أفضل طريق ليحاولون عبوره.
قد تبدو الأشياء أسهل لمن يأتي وراءهم، ولكن النهر يتغير باستمرار، فلا
المياه ولا ردة فعل كل من الركاب تبقى على حالها. لهذا على المرء
الاستمرار في الحرص على سلامة الجميع.
هذا ما يجعل الصداقة جانبا هاما من هذه الرياضة، لأن راكب
الزورق يعتمد باستمرار على مهارة شريكه.
أدت الأمطار الغزيرة مع تقدمنا، إلى جعل التيارات تزداد قوة،
لتصبح أسرع من المعتاد، وتمتاز ببعض الممرات العصيبة. هذا ما يسبب عدم
توازن واضح في العناصر المشاركة، كالمياه السريعة، والعوائق الصخرية.
ولكن الضغط على الأمور إلى حدودها القصوى يشكل نوعا من التتويج لأي
مغامرة في النهر.
على المرء أن يتوخى الحرص باستمرار لمساعدة أحد الأصدقاء،
كما ولتفادي الوقوع في مصاعب غير ضرورية.
يكمن أهم جانب من السلامة في سلوك الأفراد وقدرتهم على
اتخاذ القرارات المناسبة. علينا أن نمتلك القدرة لتغيير التيارات
السريعة أو الخطيرة بأخرى أشد بطئا بما يساعدنا على التأمل واستعادة
القوة.
يضمن الدوران عددا كبيرا من الفرص الرائعة لركوب الكياك. لقد
اكتشف الفرنسيون روائع أنهر بيرينيس قبلنا نحن الاسبانيون.
تنص القاعدة الأولى والأهم على معرفة توقيت النزول إلى
النهر. علينا الاعتماد على التيار المناسب. يمكن ركوب جميع الأنهر في
أحد مواسم السنة.
من الأفضل ركوب الأنهر التي تعتمد على مصادر المطر وتغذيها
مياه العواصف خلال شهري أيار مايو وتشرين الثاني نوفمبر. أما الأنهر
العالية التي تغذيها مياه الثلوج، فعادة ما تكون في أفضل حالاتها من
أيار مايو إلى نهاية آب أغسطس، عندما تذوب المياه بحرارة الشمس.
وهكذا فإن هواة الكياك يغيرون مواعيد رحلات الأنهر بين منطقة
وأخرى، حسب اختلاف مجاري الأنهر خلال السنة. إذا جرى تنظيم الأمر جيدا،
يمكن العثور على رحلات أنهر في مختلف مواسم السنة، ما يزيد من القدرة
على التمتع بالطبيعة في جميع مواسمها.
يعتبر الخوض في إحدى أنهر بيرينيس العنيفة وسيلة أخرى
لاكتشاف كوكبنا. ولا يعود السبب هنا إلى اختلاف البيئة، بل لاختلافنا
نحن. فهي تشكل علاقة مختلفة بين البشر والطبيعة.
يؤدي أخذ ذلك بعين الاعتبار إلى جعل بعض القوانين التي تحكم
حدائقنا الوطنية مسألة تثير الخيبة، وتدعو إلى تصريح مكبوح.
لا نفهم بعد أي أذى يمكن أن يصيب النظام البيئي، التحليق
الحر من فوق إحدى القمم إلى أعماق الوادي، أو ركوب الكياك عبر أحد
الأنهر السريعة.
نرى مفارقة ساخرة في منع مجموعات قليلة من ممارسة هذه
الرياضة، بينما يتم استقبال حافلات مليئة بالسياح في مواقف السيارات
للتمتع بتلك الحدائق.
نحن على قناعة بأن التاريخ والحياة، يتقدمان بإحساس محدد
في القلب، ونأمل أن لا تتحول حماية البراري إلى محاصرة بعض المناطق
الصغيرة، يذهب إليها الناس لمراقبة الطبيعة، تماما كما يذهبون إلى
المتاحف.
يستدعي بذل الجهود إلى حدودها القصوى التعرف الجدي على ظروف
وطبيعة الأرض، للعثور على الأماكن الآمنة وتفادي المفاجآت المزعجة.
نخوض الآن في الموضوع.
يسير كل شيء بخطى جنونية، وسط التجذيف في رغوة المياه البيضاء.
هنا لا يمكن الاعتماد أبدا على نقصان الخبرة في تقنيات
الإسكيمو للدوران، لتصبح مساعدة أعضاء الفريق الآخرين مسألة صعبة
ومعقدة.
علينا في هذه الظروف أن نعرف الطريق عن ظهر قلب.
على كل أن يحتل موقعه المحدد، وأن يكون الحزام ومعدات
الأمان الأخرى جاهزة للعمل.
ينتابنا إحساس بالخوض في عالم عذري فعلا، وكأننا نشارك
عنصرا نقيا، ونصبح جزءا من قلب الطبيعة في صميم وحشيتها.
ولكن أشد الأحاسيس إثارة ودهشة هو التعرف على حدودنا
الذاتية.
تلك الحدود التي نسعى دائما إلى توسيع رقعتها.
أنا متأكد من أن روب روي، أول راكب كياك في أوروبا، مع
ماك غريغور، لم يبدأ رحلته هكذا، مع نهاية القرن التاسع عشر.
لقد تفحصنا الشلال وأنهيل هو أول من سيجرب حظه.
أما باقي الفريق فيكتفي بالمراقبة الآمنة، وهو مستعد
للتدخل إذا ما تعرض أي شخص لأي مكروه وسط المياه الجارفة. إنها لحظات
حماسية فعلا.
لا شك أن مياه الشلالات أسرع بكثير مما هي في الأنهر، ما
يؤدي إلى ظاهرة تراجع نسميها بالصد. لا شك أن هذه الظاهرة هي الأخطر
على الكياك إلى جانب الصخور.
تحصل الكوارث خلال ثوان معدودات. دخل كياك خوان بحالة
سيئة، ليجد نفسه فجأة قد علق في رغوة المياه المتدفقة.
رغم جهودنا اليائسة، وستر النجاة، تمكنت قوة ثابتة عملاقة من سحبه
نحو الأسفل.
لقد تبين من حسن الحظ أن الأمر لم يتعدى الخوف المؤقت، ما
ينفع لتذكيرنا بأن النهر هو الأقوى دائما. كما وأن الحركة السريعة التي
نقوم بها في الوقت المناسب يمكن أن يتفادى أحداثا كثيرا.
لا جدوى من غالبية أعمال الإنقاذ إن لم تكن المعدات اللازمة
قريبة منا، أو بدون التجربة السابقة لحسن استخدامها.
ولكن التأكد من اعتمادنا على المهارة التقنية، يجعلنا نشعر
بالثقة. الكياك هو الذي يسمح لنا بإجراء اتصال من هذا النوع مع الطبيعة
بأشكالها البرية الغير مكتشفة. أحيانا ما يعود الفضل إلى الكياك وحده
في بلوغ بعض المناطق الأسطورية.
ما زلنا مستعدون للقيام بعمل أشد صعوبة.
كالخوض في شلال أشد قوة من كل ما سبق.
الانطلاق في المياه على هذا النحو هو أقرب إلى التحليق منه إلى أي
شيء آخر.
تنتظر البركة الداكنة على عمق خمسة عشر مترا. لا شك أن لحظة الصدام
بها ستكون رهيبة، كما أن ظاهرة الصد ستكون بالتالي أشد خطورة.
الواقع أنه بحد الحادثة الأخيرة فضل بعض أعضاء الفريق
عبور المضيق مشيا على الأقدام، حاملين الكياك على ظهورهم. ولكن أنهل
وأنتسون قررا خوض التجربة.
عادة ما يواجه الخوف والجرأة بعضهما البعض في مثل هذه
اللحظات. ولكن، من يتحدث عن المستحيل؟
-سوف أنطلق!!
معلق:
سبق أن سمعنا شخصا يقول في أحد الأيام أن المستحيل يتراجع
حين تجبره على الانسحاب.
كان أشبه بمتعة متفجرة، وسعادة لا تصدق، هي لحظات جعلتنا
نؤمن بالسحر.
أخذ النهر يفقد حماسه تدريجيا، حتى كلاد يتحول إلى هدوء ساكن
مع نزوله إلى قاع وادي بيرينيس.
أدركنا اليوم أن ما توصلنا إليه ليس هو الأهم، المهم هي
المشاعر والأحاسيس التي عشناها في تلك اللحظات.
ما يربطنا بالأنهر هو الاحتكاك بالحياة التي نجدها هناك.
سمحت لنا شمس الغروب في نهاية الأسبوع من التمتع بنهاية
الخوض في مياه النهر، في جانوفا، ذلك الوادي النائي الذي يشكل جزءا من
مناظر بيرينيس الخلابة.
إنها رموز تقاوم مرور الزمن.
تنبض الأنهر بالحياة لأنها تتغير باستمرار، ولكن الطبيعة
والإنسان يتحكمان بها، علما أن هذا الأخير يصر على تحويلها إلى بحيرات
أو أنابيب مقفلة، أو حتى تجفيفها.
نأمل أن لا تقضي طموحاتنا وحماقتنا نحن البشر، على ما تبقى
لنا من أنهر. لأن جزءا من حياتنا سيموت معها. --------------------انتهت.
إعداد: د. نبيل خليل
|
|
|
|
|
أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5
© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ / 2002-2014م