اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 كايلاس المقدس
 

كايلاس المقدس

 

معلق:

          عندما يخرج المرء للسفر، يعود شخص آخر.  تشرح فكرة ماثيسين هذه بوضوح ما أصابنا بعد الرحلة التي سنحدثكم الآن عن تفاصيلها. سوف تشاهدون في حلقة اليوم رحلتنا إلى ما يعتبره البعض أقدس جبل في العالم: جبل كايلاس. أثناء تجوالنا في جبال همالايا لم نعبر أماكن مجهولة فقط، بل ودرسنا أيضا الظواهر الجيولوجية العظيمة التي شيدت أعلى جبال في العالم. أعتقد أننا في هذه المغامرة قد تعرفنا أيضا على ما كان  يشعر به الإنسان من إجلال تجاه الجبال منذ العصور الغابرة.

=-=-=-=-=-=-

معلق:   

          نادرا ما تبدأ مغامراتنا  انطلاقا من قاعة إحدى الكليات. ومع ذلك فإن هذا هو المكان  المعتاد الذي يعمل فيه أحد الأشخاص الأكثر معرفة في شؤون الجبال التي نتسلقها، والتي كرس لها دراساته وحياته. إنها مغامرة عقلية فعلا.

إدواردو مارتينيس:

                   هذه هي منطقة الكايلاس. يتضح هنا أنها منطقة تراكم تجثو فوقها جبال التبت، ولكنها ترتكز تحديدا في منطقة اتصالها مع جبال همالايا ومع منطقة ناندا ديفي ومع خيوط مجري الإندو وتسانغبو، التي تتميز بوجود بعض الصخور البركانية من بحر تيتيس، المحيط القديم الذي بقي مضغوط على وجه التحديد بسبب تقدم الهند على حساب المحيط الآسيوي.

كيلاس المقدس

معلق:

لا يوجد في العالم جبال تكثر فيها المناطق الدينية كما هو الحال في همالايا،  وفي هذه المناطق يعتبر الكيلاس الأكثر قدسية حسب معتقداتهم المحلية.

هذا هو السبب الذي دفعنا للمجيء إلى سيميكوت، وهي قرية صغيرة تقع إلى الشمال الشرقي من نيبال، ننطلق منها برحلة خاصة، هي أشبه بالحج إلى قلب آسيا الوسطى. نسعى بذلك إلى البحث عن هذا الجبل الذي تحدث عنه إدواردو مارتينيسو دي بيسون، أحد أبرز الخبراء في الشؤون الجغرافية.

ما كان يتخيل صديقنا، الذي طلبنا رأيه في العديد من الرحلات، أن يقوم بنفسه في إحداها.

قدم لنا في إحدى المناسبات كتابا عن راهب يرسم الخرائط، وردت فيه عبارة بارزة تقول: "العالم هو الدير الحقيقي". وقد فهمنا في ذلك اليوم أن قاعات الكلية هي عالمه الحقيقي، وأننا سوف نأتي يوما ما إلى كايلاس، لأن المغامرة هي قبل أي شيء آخر رغبة في المعرفة وحافزا للمخيلة. وضعنا نصب أعيننا ركوب أحد الأنهر التي تنبع عند أقدام الكيلاس، والوصول إلى الجبل المقدس للقيام بما يعرف بالكورا، وهو الدوران الذي يقوم به جميع الحجاج الذين يأتون بالمئات من أماكن بعيدة جدا كالتيبت ونيبال والهند.

ومع ذلك فإن حجتنا ستكون داخلية، هي حجة معرفة على يد أحد الدارسين المنطقيين، الذي سيكشف لنا ما وراء الأساطير والمعتقدات، من شكل جديد من رؤية وفهم هذا المشهد وهذه الجبالالتي نحبها.

رجل:

          أنظر، هذه هي المنحدرات التي أخبرتك عنها، إنها تشكيلات حقيقية حفرتها الثلوج عند عبور الجليد في العصر الرباعي، ولكنها بقيت بحالة جيدة. ينطبق هذا الأمر على الوادي بكامله الذي أنجزه الجليد وهو ينتمي إلى البنية الأساسية لنهوض الهمالايا، ذلك أن القمم التي في الخلف تنتمي للهمالايا الكبيرة التي تسقط بعد التيبت. هذا ما يعرف ببلاطة الهمالايا، بلاطة التيبت الكبرى التي تمتطي السلسلة بكاملها.

(؟)

          ما الذي أدى إلى نشوء التيبت؟

رجل:

           حملت الصخور الأشد قدما في هذه المنطقة من الهند تلك الأشد حداثة في أسفل نيبال. يعني حمل الصخور القديمة للجديدة من المناطق السفلية والوسطى رفع ما يكفي من القشرة التي كانت تحت لترتفع عاليا. يعني ذلك أنه قد تحطم على هذا النحو شيئا يفترض أن يتعزز بالاستمرارية فتراكمت به قشرة فوق أخرى. وهو ما نراه الآن. هذا ما سبب نشوء الهمالايا ومن بعدها التيبت. هذا العلو الشاهق الذي بلغ خمسة آلاف متر ويطول حتى ألفي كيلومتر على الأقل.

رجل:

لا بد أنها كانت قوة مذهلة!!

معلق:

          ليست هذه أول مرة يأتي فيها إدواردو إلى همالايا. إنه عالم خبير ومحب لهذه الجبال، وهو يواجه شؤونها بكل الدقة العلمية وعشق هواة التسلق. ومع ذلك تعتبر هذه رحلة فريدة بالنسبة لنا جميعا. السير بتمهل في أرجاء همالايا والتعايش مع هذه العمالقة هو أمر يتخطى التمارين الرياضية، لأنه يفترض العيش بطريقة مختلفة كي نكتشف كما في حياتنا اليومية معنى للأشياء التي تحيط بنا.

          والآن أصبحنا وسط هذا الوادي المجهول في النيبال حفنة من الحجاج الذين بدأوا مسيرتهم، أو أشخاص بدأوا البحث عما يمكن أن يملأ الفراغ الذي يساعدنا على فهم هذا العالم الذي بقي على الهامش. يعيش هذا العالم على إيقاع يحدد الدورات الحياتية في هذه القرى الصغير المنتشرة على ظلال همالايا. 

          يدافع صديقنا عن فكرة أن الإعجاب التي تثيره هذه المساحات الشاسعة يكمن في انسجام الطبيعة وفي الأحاسيس والأفكار التي نتعامل بها معها. وأن هذه المناظر هي كتاب مفتوح يمكن فيه قراءة التاريخ الديناميكي لهذا الكوكب، والأحداث الجيولوجية التي حددت معالم الجبال قبل  سعي الإنسان في الأرض، وما زالت تفعل ذلك حتى اليوم.

1:

          لدينا هنا شكل المعين كاملا.

2:

          فعلا شكل المعين واضح جدا. الجزء العلوي من القمة، والجزء الآخر من الدائرة، والكوة أو السيول كما يحدث هناك.

1:

          إنها تشبه خدوش الأيغر.

2:

          تماما كما هو الحال في كانشينهوغا التي تمتاز بالشكل نفسه. يكرر ذلك أشكال الجبال بأنواعها المتعددة، ولكنها في كثير من الأحيان أساسا لكل التنظيم، إلى حد يمكن أن ترى فيه التناغم الذي لا يتخطى ذلك. أو ربما لا يسمح برؤية المزيد. ولكن هناك بنية وراء ذلك إذا تأملت فيها بتقنية محددة، سوف ترى حتما أن هناك تنظيما تعتمد فيه الأسس الحسابية.

          اللافت في الأمر هو غياب الفوضى. أما الشكل الظهر لهذه الفوضى فلا يعكس إلا نظام غير مرئي.

معلق:

          تابعنا الصعود في وادي هوملا كارنالي نحو حدود التبت، إلى حيث توجهنا عبر طريق طويل يصل إلى ستين كيلومترا. لم يفتح هذا الوادي أمام الزوار الأجانب حتى وقت قريب، ولكنه مع ذلك شكل ممرا للسكان المحليين الذين حافظوا تاريخيا على العلاقات مع جارهم في الشمال: التيبت.

          اعتمد اقتصاد البقاء على قيد الحياة في هذه المناطق دائما على هذه الرحلات.  ولكن الحفاظ على الحدود الجغرافية الأروع في العالم هو عمل بالغ القسوة.

          أكبر دليل على ذلك هي قطعان الماعز التي تستعمل كحيوانات شحن تنقل في سروجها القمح والرز إلى التيبت، لتعود بعد ذلك من هناك محملة بالملح.

          تصعد عائلات الرحل بكاملها مع القطعان، كي تحتمي في الغابات والصخور الكبيرة لتمضية الليل قبل أن تتابع المسيرة في اليوم التالي.

          تابعنا عبر طرقات أشد صعوبة وارتفاعا. أخذت الطرقات تتحول، موحية بالمناظر القاحلة في التيبت. أخذت الغابات تتلاشى مع رياح الأمطار الموسمية لتفسح المجال أمام النباتات الجبلية حيث تكثر الأخاديد العميقة الناجمة عن التآكل.

          صخور الماني، التي نحتت عليها عبارة" أون ماني بادم هوم" هي الدليل على سلوكنا الطريق المؤدي إلى المكان المقدس.

          لا شك أن القيام برحلة في هذه المناطق الحرة هو شكل من أشكال الحياة، وقد يكون مناسبة للتفكير بالذات. هذه مسألة تصبح قابلا للرؤية كلما تابعنا المسيرة صعودا. عندما يعود المسافر من هنا يصبح شخصا آخر، لأنه عاش واكتسب تجارب متعددة تغير حاله، وتكسبه الحرية. كلما تنفسنا صرنا جزءا من هواء منطقة تعيش فيها جميع المخلوقات، التي نتقاسم معها الهمسات والأنفاس والصراخ.

          يدلنا هذا الدير الضائع في الوادي على اقترابنا الأكيد من بلد الثلوج.

          أخذنا نتأقلم مع هذه المشاهد رغم تردد أصداء العالم الذي نعيش فيه بعد في رؤوسنا، أخذنا نتأقلم مع هؤلاء الناس، ومع إيقاع الحياة هذا. ولكن ليس بغياب الشدة، كالتي تذكرنا بها المسلات يوميا.

          اعتبر التيبت من أكثر المناطق المسكونة بعدا ومناعة  في العالم أجمع.

          رغم ان الأشياء تغيرت كثيرا اليوم، ما زالت المناطق المرتفعة في التيبت أماكن شبه مجهولة للغرباء، حيث تصبح الحياة بالغة الصعوبة فعلا.

          أخذنا شيئا فشيئا نخلف قرى نيبال الأخيرة وراءنا، لنشعر بميزة تأملنا الفريد في هذا العالم.

          تهدف مسيرتنا إلى بلوغ القرية الأخيرة، وهي قرية ياري، حيث نبلغ قمة نارا الواقعة على ارتفاع أربعة آلاف وخمسمائة وثمانون مترا. إلى الجانب الآخر وعلى مسافة قريبة من هناك ينتظرنا التيبت .

          هذه الأراضي الغامضة التي أطلق عليها أحدهم لقب سهول الصمت الشاسعة والعارية تحت أنظار السماء اللامعة.

1:

          هذا مشهد جليدي كامل،  بهذه الركام الثلجية الهائلة، رغم غرابته الناجمة عما فيه من قحل يميزه عن الجزء الآخر من نيبال، أليس كذلك؟ المحاط بأجواء الغابات الاستوائية. هذه صفينة التيبيت التي تدخل من جميع الجهات، وهي فريدة جدا.

2:

          يبدو أنه مشهد من التحول.

1:

          إنه رائع. وتعتبر المدافيء من روائع مشاهده، تلك الرؤوس العالية هناك، والتي نحتها التآكل في الركام الثلجي، حتى أبرزها وشكل هذه الرؤوس، التي يوجد مذيلا لها في جبال الألب ومناطق رونغبوك، حيث قمم إفرست. إنها تشكيلات تقليدية رائعة للركام الثلجي.

معلق:

          تعود العلاقة بين الإنسان والركام الثلجي إلى العصور البشرية الأولى، ولكنها لم تبلغ هذا المستوى من البروز التي هي عليه في همالايا. 

          كلما واجه الحمالون صعوبة يرفعون دعاءهم إلى الآلهة  يتضرعون تدخلها كي تحميهم من خطورة الطرقات.

          علما أن هذه الآلهة نفسها قد عجزت عن حماية آخر محاربي كامباس أبناء التيبت  الذين اختبأوا في هذه الوديان بعد أن قارعوا القوات الصينية.

          شيئا فشيئا بدأنا وسط الضباب المرحلة الأخيرة في نيبال كي نتخطى سفوح نورا على ارتفاع أربعة آلاف وخمسمائة مترا.

          يسيء انخفاض الحرارة إلينا، وبالكاد يسمح  الضباب الكثيف لنا بالعثور على سبيل وجهتنا. رغم ذلك بلغنا تلال الحجارة والأعلام التي تحدد أعلى نقطة في العالم.

          وأخيرا حصلت المعجزة، حين ظهرت روح التيبت أمام أعيننا من بين سحب الضباب.

ولكن الرؤى لم تدم طويلا، وقد أجبرنا البرد على ضرورة النزول.

التقينا قطعان الماعز التي أجرت عملية التبادل وهي الآن في طريق العودة بحثا عن ملاذ لها في غابات وسهول نيبال الخصبة. أما نحن فدخلنا إلى التيبت القاحل، عبر إحدى مناطقه الأشد عمقا ومناعة.

تقلقوت هي أولى قرى التيبت، التي تحولت إلى مجموعة مساكن صغيرة فقدت أهميتها مع اختفاء حرب العصابات.

لا يوجد عدة أماكن على الأرض يمكن فيها رؤية هذه الوحدة بين مناعة الصحراء والجبال. إنه مكان يمكن فيه أن نشعر بالوحدة والصمت. إنه مساحة بلا نهاية.

 الماء هنا ثروة نادرة. والصحراء تمتد من حولنا، وترتفع إلى جانبنا قمة غورلا مانداتا الهائلة بعلوها البالغ سبعة آلاف وسبعمائة وثمانية وعشرون مترا.

يعتقد السائر هنا أنه أصبح على مقربة من الهدف، وأنه مهما بلغت التفسيرات التي يقدمها لتلامذته وضوحا، هناك أشياء لا يمكن فهمها إلا بالمجيء إلى هنا. من يمكن أن يصدق بأننا، ونحن على ارتفاع أربعة آلاف متر، ما زلنا نسير فوق محيط قديم.

1:

          حسنا، هذه بعض من صخور أعماق بحار تيتيز، وهي صخور أساسية، صخور بركانية من قاع المحيط، فيها كميات كبيرة من الكريستال. من الرائع جدا أن نكون على مقربة من هذه الأشياء.

2:

          لا بد أنها كثيفة.

1:

          نعم كثيفة جدا. إنها قشرة المحيط عالقة بين همالايا ومرحلتها التحولية، إلى جانب غورلا مانداتا، والبحيرات الكبرى وكيلاس وغيره. بل تقع تحديدا في المنطقة الواقعة بين الإندو ويارلونغ تسانغبو.

معلق:

          الواقع أن هناك بحيرتين كبيرتين هما، راكاس تال، وماناساروفار، المليئتان برموز دينية. تمثل إحداهما قوة الظلال، والأخرى "قمة الوعي"، الشمس والقمر. البحيرات والجبال وحتى الصخور كل ما في هذا المكان مقدس.

          من المفارقة جدا أن تتغذى تيارات المياه من هذه الصحراء، كما هو حال نهري الإندو والجارلونغ، الذان يغيران كل في وجهته ملامح شبه القارة الهندية قبل أن يصبا في المحيط.

          عائلات بكاملها من الحجاج بما فيها من شيوخ وأطفال تخيم على ضفتي الماناساروفار، وهم يحملون طاحونة الدعوات في أيديهم طوال عدة أيام من الدوران.  تؤكد الأساطير أن الآلهة براهما هو الذي خلق هذه البحيرة، وهي حسب المعتقدات المحلية الأشد قدسية في العالم.

          لهذا يعتقد أتباع هذه المعتقدات أن الاستحمام في مياهها الجليدية الواقعة على ارتفاع أربعة آلاف وستمائة متر، يمكن أن يطهر الروح من الخطايا، التي ارتكبت في الماضي كما والتي سترتكب في المستقبل أيضا.

1:

          هذا مشهد رائع، تخيل أن تجد هنا على ارتفاع يفوق الأربعة آلاف وخمسمائة  متر، هذه البحيرات الهائلة، وذلك بين همالايا ومرحلتها التحويلية. إنها ظاهرة فريدة من نوعها. وهي في الواقع غارقة، صحيح أنها تقع على ارتفاع أربعة آلاف وخمسمائة متر، إلا أنها غارقة نسبيا بالمقارنة مع الكايلاس، الذي يقع على ارتفاع سبعة آلاف متر، أو بالمقارنة مع الغورلا مانداتا الذي يقع على ارتفاع أكثر من سبعة آلاف متر. لم تتسرب المياه بل تراكمت هنا، كبحار داخلية صغيرة.

2:

          لا أستغرب بقاءها، واعتبارها ذات ميزات مقدسة.

1:

          طبعا، أضف إلى ذلك أنها تقع بين أنهر كبيرة. أعني أنها معلقة في المنطقة الواقعة بين أنهر الإندو وتسانغبو، والكرنالي وسوتليه. أعني بذلك أنها إلى جانب الكايلاس تقع بالتحديد في وسط منظومة الأنهر الأربعة المقدسة. لهذا تكتسب بحد ذاتها هذه الميزة المقدسة. هذه هي ماناسارافور،  أي بحيرة النور، أما الأخرى فهي بحيرة الظلال. بحيرة الليل وبحيرة النهار. لهذا يقوم الحجاج بالكورا، أي الدوران في الجوار باتجاه عقارب الساعة.

          شاهدنا عائلات بكاملها جاءت إلى هنا بكل حوائجا لقضاء عدة أيام، حتى تتمكن من القيام بدورة كاملة حول البحيرة، تماما كما تقوم بالدوران حول الكيلاس.

2:

          من السهل فهم الأسباب التي تجعلهم يعتقدون بأن هذا هو محور العالم.

1:

          طبعا، وهو محور إلى حد ما للقارة الآسيوية. محور للفروع الكبرى في هذا الجزء من آسيا. إنها محور هذا العالم على وجه الخصوص.

معلق:

          لقد جعل الهندوس والبوذيون من جبل ميرو النموذجي محور تحيط به سبع دوائر متجمعة من الماء والتراب. يمثل الكيلاس نموذج ترابي، هو محور العالم عن جدارة، جبل الجليد الثمين، وعرش الآلهة.

          ولكن الجبل الآسيوي المقدس لا يمثل الرغبات الروحية لجزء هام من آسيا، بل يرمز أيضا إلى أكثر الأماكن الجغرافية إثارة للدهشة في العالم.

          يسير من حولنا بعض الحجاج، بينما يجر بعضهم الآخر جسمه على طول الطريق. ينتمي الكثيرون منهم إلى البوذية، وبعضهم لديانة البون، التي اعتنقها أبناء التيبت قبل البوذية. وهناك قلة الهندوس أيضا. تعني هذه الأرض لكل من هؤلاء شيئا مختلفا عن الآخر، ولكنها تعتبر مقدسة بالنسبة لهم جميعا.

          كما أن هذه الجبال تحمل في كنفها غموض التصادم العنيف الذي رفع إلى السماء أعلى سلسلة جبال في العالم، كما رفع في الوقت نفسه هضاب التيبت.

1:

          هذه هي صخور القشرة المحيطية لبحر تيتيز، التي دفعتها قشرة الهند، تحمل تحول الهمالايا وتحمل ما كان الصين. أي أن جميع مواد الكيلاس، المتجمعة من أصول بركانية، تراكمت بطريقة رائعة، بينما تركبها كل القشرية المحيطية بالكامل. المحيط وقشرة المحيط تحمل الالقارة هنا. إنها معقل همالايا ومعقل التيبت، كلها هنا في هذه القطعة.

معلق:

          بدأنا بالكورا المرحلة الأخيرة من هذه الرحلة التي بدأناها نحو عروش الآلهة. الصخور المقدسة وأعلام الدعوات وعشرات الحجاج، كلها أدلة تثبت أننا في كورا الكايلاس. صادفنا الكثيرين من النساء والأطفال والشيوخ، ممن لا توحي ملابسهم أنها مناسبة لبلوغ الدولما لا، الواقعة على ارتفاع خمسة آلاف وخمسمائة مترا. من المحتمل ألا يتمكن بعضهم من العودة إلى القرية التي خرج منها. ولكن لا مجال للشك بالنسبة لهم أنهم يحققون رغبة كبيرة، ويبدو أن ما يفعلونه يستحق الجهد والعناء، ذلك أن معتقداتهم تؤكد بأنهم سيحصلون هناك على وعد بالانبعاث في حياة جديدة.

1:

          حسنا لقد دخلنا الآن في مرحلة تحول همالايا وفي الكيلاس.

2:

          نعم لا شكل في ذلك.

1:

          إنه واد جليدي مذهل، بهذه المعاجن والتراكمات الثلجية التي تسترعي الانتباه فعلا. لم أتوقع أن تكون على هذا النحو من العظمة، ومن الانقطاع والفصل بالمقارنة مع البحيرات. إنها تلفت الأنظار فعلا. من الواضح أنها جميعا متكلسة، وهي كتل من الكايلاس نجمت عن دمار البراكين الهائلة الذي حصل عند اقتراب صفيحة الهند من حدود صفيحة الصين، أو من حدود القشرة الصينية. إنها مذهلة فعلا.

2:

          يبدو أنها نوع من الأنقاض.

1:

          بل هي أنقاض فعلية نجمت عن البراكين اشتعلت ثم اختفت كليا على يسار الكايلاس. براكين على غرار فوجياما، أو براكين بأحجام هائلة كالتي يمكن أن نراها اليوم من الأكبر علة وجه البسيط. وبعد ذلك بلغت حجم الكايلاس، على ارتفاع سبعة آلاف مترا. أضف إلى أنه مشهد رمزي . لقد دخلنا الآن في الكورا، وأخذنا نخوض في غياهب الغموض الهندوسي والتيبتي.

معلق:

          في اليوم الأول من الدوران حول الجبل المقدس استرعى كل شيء اهتمامنا. الصخور التي تحدثنا عن ماض جيولوجي نابض، والأديرة التي شيدت على شاكلة تقلد المناظر الخلابة، والحجاج، الذين بغض النظر عن معتقداتهم وأصولهم، يتقاسمون إيمانهم بهذا المكان. وهو يدورون من حول عمود يحمل أعلام الدعوات ويصلون على أمل بلوغ طريق الكمال، ونيرفانا المرجوة.

          هنا تحصل مئات التفاصيل على أهمية خاصة. بدءا بالألوان السماوية للأعلام التي كتبت عليها الدعوات، والحجارة التي تعلم الطرقات. ولكن لا شيء يسترعي انتباهنا أكثر من عشرات الحجاج الذين قرروا أن يجوبوا اثنان وخمسون كيلومترا من محيط الكيلاس زحفا على الأرض.

          يركعون ليتمددوا على طولهم، ويضعون علامة على الأرض. وبعد ذلك ينهضون، ويتقدمون نحو العلامة، ثم يعيدون الكرة ثانية إلى ما لا نهاية طوال عدة أسابيع حتى يتممون ثلاثون ألف مرة، وهي المرات المطلوبة في الحج فوق الصخور والثلوج والجليد.

          كل هذا من حول الجبال الأشد جاذبية وغموضا وقدسية هناك. إنه هرم بعيد يبلغ ارتفاعه ستة آلاف وسبعمائة وأربعة عشر مترا، يشكل جزءا من قمة منيعة ومحرمة مليئة بأشياء رمزية.

          يرتبط هذا التصدع في الجدار الصخري بأسطورة تعلق بكاهن في ديانة بون، أراد بلوغ القمة المحرمة، فسقط في الهاوية، ولكنه خدش الجبل بأظافره أثناء السقوط.

          بدأنا اليوم الأخير من التسلق، فشعرنا بتسارع خفقان القلب ونقصان الأكسجين في الرئتين بسبب الارتفاع. في حين ازدادت حدة الجبل انحدارا. أصبح البرد أشد قسوة، بينما أجهد بعض الحجاج الغير مستعدين لمتابعة التسلق.

          في هذا المكان تتجسد مراسيم قلق، ترمز إلى التخلي عن الحياة. هنا يتخلص المؤمنون من كل الأشياء، وهكذا يتركون ما لا يخلفونه من الحياة وراءهم قرابين.  وذلك مثل الأحذية والأغطية والقمصان، وخصلات الشعر والأسنان التي نجدها منتشرة على الأرض.

          ربما كان هذا هو معنى الحياة على المدى البعيد: المصالحة مع الموت. على أي حال، يجد أصحاب الحياة هناك في أعالي الدولما الانبعاث في حياة جديدة. أما نحن فيراودنا بعض الشك، ولم نتابع فقط ببعض الإصابات التي بدأنا بها، بل علينا أيضا أن نبذل جهودا إضافية كي نتخطى الأمتار الأخيرة التي تفصلنا عن دولما لا.

          أطلقنا صيحات فرح في الهواء شاكرين السماء على بلوغ هذه النقطة القصوى التي لا ينتهي عندها المنحدر فحسب بل يولد المرء وكأنه شخص جديد.

1:

          رائع، رائع. حوالي واحد وستون عاما، وخمسة آلاف وخمسمائة متر.

معلق:

          وأخيرا بلغنا نحن الهدف أيضا، ولم نعد كما كنا لأننا تعلمنا الكثير هنا. لقد أدركنا المزيد عن الصلة الحميمة بين الناس والجبال.

          فهل يضيع إيمان الناس بقدسية هذا الجبل هدرا؟

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2014م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster