اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 نداء الصحراء
 

سلسلة الأطلس الواقعة في قلب المغرب

 

معلق:

          نقوم منذ عدة أيام بالتجوال في سلسلة الأطلس الواقعة في قلب المغرب. ما بدأ كتجربة قريبة مليئة بالفضول للتعرف على الأنهر والجدران الصخرية، تحول اليوم إلى ضرورة أن نكون على موعد.

          لقد جمعنا نداء الأنهار من مناطق مختلفة تماما كما يجمع نداء المؤذن المؤمنين للصلاة في الصحراء. هذه الأنهار التي تعزز أشكال الحياة  في أرجاء الأرض، دفعتنا اليوم إلى محيط جاف وقاحل، حيث تواجه الموت تحت رمالها. المفارقة هي أن المياه المتدفقة التي تنبع من ثلوج الأطلس أخذتنا  على متن زوارق الكياك لتلبية نداء الصحراء.

كانت مسيرتنا طويلة جدا كي نحضر هذا الموعد، وكانت شيقة وليست سهلة، إلا أنه علمتنا الكثير. بدأ كل شيء عندما قسمنا الفريق للقيام بمشروعين متوازيين. وهكذا توجه رامون بورتيا وكريستينا أوروفينو على دراجتهما إلى متجهان نحو غرغنتا ديل تودرا، حيث تقع جنة للتسلق الحر بجدرانها وطرقاتها المتعددة.

وجدت هذه الزاوية المختبئة في قلب الأطلس بفضل النهر الذي منحها اسمها. يعتبر التودرا واحد من الأنهر العديدة التي تنبع من ثلوج الأطلس الواقع على طرف الصحراء. توجه ملاحو الزوارق نحو الكتف الجنوبي للسلسلة، كي يستمتعوا بمياه المغرب المتدفقة. وسيكون أول نهر يواجهونه هو نهر أوريكا.

قرر أنتسون أرزا أن يرأس المسيرة، ليتبعه إدواردو اتشيباريا، الذي يرافقنا لأول مرة في رحلاتنا.  ولكن أول حجر يصادف أنتسون يدفعه إلى التفكير مليا.

يعتبر أنه لا يمكن حرمان الشبان من ركوب الكياك. تنتظر هذا الكائن المميز فرصة أن يكون أول من يجرب المياه المتدفقة، والتعرف على الصخور الهائلة التي تسكن مجرى النهر. وهكذا قرر أنتسون أن يضحي. وقد بلغت به الرغبة في التضحية أن سمح لأنهيل شاليس أن يسبقه ومن بعده باتسي فيلارينيو. ولكن أنتسون يشعر بالسعادة وهو يراقب كيف كيف يدلونه على الأماكن التي يمنه العبور منها دون مشاكل. وهكذا يهون عليه التخلي عن كل شيء في سبيل صداقة عمرها سنوات.

          وصل رامون وكريستينا إلى تينينهير، ذلك الوادي الزراعي الخصب، الواقع على مقربة من تودرا. قبل بدء التسلق الذي كانا قد قرراه، خصصوا بعض الوقت للتعرف قليلا على الثقافة البربرية. أرادت كريستينا أن ترسم وشم تقليدي، عبر صبغ يستخرجونه من نبتة الحنة.

كما أخذ رامون يدرس الفلسفة المحلية، وقد اكتشف فيها أفكارا عميقة، وجد صدفة أنها المنارة التي كانت تضيء  حياته منذ الطفولة.

رامون:

          هيا أسرع صديقي.

معلق:

          النساء وحدهم يرسمن هذا الوشم، وفي مناسبات مميزة جدا.

رامون:

          حسنا سأذهب لشراء جمل كي يحمل الفريق.

كرستينا:

          أحسنت هيا، وإلا فقد تستعملني بغلة لك.

معلق:

          رسم وشم منها ليحميها من الحسد. لا شك أن أي المساعدة تبقى قليلة أيا كانت إن وجهت لشخص سيتسلق جدران جبل صعب. ولكن على أي حال يمكن أن نمحو الحنة ببعض الماء فقط.

          يفيض الماء جدا لدى زميلينا. يبدو أن الأوريكا هو نهر دائم الانحدار، ومليئ بالعوائق، التي تجبرنا على تمرين الانتباه  الدائم لتفاديها. سواء هذه المزايا أو غيرها من كثافة المياه أو انسيابها يدفعنا إلى مقارنة هذى المجرى بأنهر جبال بيرينيا أو جبال الألب، حيث اعتاد زملاؤنا الأربعة على التجذيف.

          ولكن أوريكا يمكن أن يصبح أشد عنفا. بلغنا من البعض أن هذا النهر هو الأكثر عرضة للفيضانات في المغرب. وهو يشهد سنويا فيضانات هائلة تسبب الكثير من الأضرار بين سكان المناطق التي يمر بها. كما هو حال ستي فاطمة الذي غادرناها الآن.

          مجرى مياه آخر يحدد لكريستينا ورامون الطريق الذي يجب اتباعه. يتدفق نهر تادرا في ما يشبه الوادي الذي حفره عبر آلاف السنين. تمكنت روعة احتكاكه الصبورة هذه من حفر مساحة فريدة اكتشفت للتسلق عام سبعة وسبعين من قبل فرنسيين وهولنديين واسبانيين. من بين أوائل الزوار كان صديقنا رامون بورتيا.

          منذ ذلك الحين وطقوس التسلق الحر عدة مرات في هذا المكان الواقع على ضفاف الصحراء. قد تتكرر الحركات، ولكن نظرة واحدة من حولنا تكفي كي تغرينا الفكرة ونتورط بمشاعر الرغبة في التسلق.

ولكن روائع المغرب لا تقتصر على هذا المكان. فقد انتابنا في أنهر الأطلس إحساس بعدم الأمان تجاه أي نوع من التحديات الكبرى. لا يمكن الاعتماد إلا على استخدام التقنيات والتجارب المتراكمة حيال هذا الكم الهائل من المجازفة والمفاجآت الغير سارة التي تنجم عن المياه المتدفقة. المطلوب هنا هو القدرة على قراءة النهر واختيار الطريق المناسب لتفادي المخاطر. لا يمكن أن نترك للنسيان  أحد الأصدقاء القدامى حين قال:  أن يكون المرء  متسلق جبال عجوز أصعب بكثير من أن يكون متسلق جيد. لهذا لنا أن نتصرف بوعي.

وهكذا أخذ ركاب الزوارق يناقشون عبارة قالها بيل نيالي دون رأفة أو تردد بتعديل عبارة همليت:

          أن تجذف أو لا تجذف هذه هي المسألة.

                   أن يعرف المرء ما إذا كان من الأفضل أن يبتلع الماء أم يحتمل مداعبة الأكثر شجاعة وهو يحمل على الضفة.

                   أن تحمل، لا أن تجذف.

                   ربما كان التجذيف أو ربما السقوط في الماء هو المسألة.

          وهكذا، بعد أن طرحت مسألة شكسبير على بساط البحث والمياه تحيط برؤوسهم، اجتمعنا أخيرا على حافة الصحراء.

          حصل اللقاء على أثر طريق اختاراه رامون وكريستينا، لتنشيط العضلات وإجراء أول اتصال بصخور وادي تودرا.

لقاء الفريق هذا الذي يجتمع فيه ركاب الزوارق والمتسلقين في إحدى الوديان الضائعة شمال أفريقيا، لا يؤكد إلا تعدد المبادئ التي تجمع بين كلا النشاطين كما وحسن اختيارنا.

فهم يتقاسمون أولا الساحة نفسها، وهي الجبال، هذا العالم النائي والمنعزل الذي يتشكل من سفوح، وتلك الأنهر التي تشق طريقها بين روابيه العالية، ليضم فيه ما تبقى من أرض المغامرات التي كانت كلها يوما ما كوكب الأرض البشرية.

ما زال المتسلق وراكب الزورق حتى اليوم قادران على استطلاع إحدى الجدران الضائعة أو أحد الأنهر الوحشية. كل خطوة فوق الصخور أو تقدم في الماء هي تحديات لمواجهة الصعاب والتغلب عليها.  تحديات تجبرنا على استخدام ما لدينا من ذكاء وتجربة لتخطي العوائق وتوسيع حدود الجرأة بالتغلب على الخوف. هي التحديات التي تجعلنا مسئولون عن قراراتنا، وبالتالي عن الخطأ والصواب فيما نفعله. وفي الختام هذا العالم وهذه التجارب تعلمنا أن نكون أكثر حرية.

ركوب المياه الغاضبة والبحث عن طريق بين الشقوق الصخرية الصغيرة كلها محاولات تجلنا نعي بأن مصيرنا يعتمد على براعتنا، وعلى ذكائنا أيضا. إنها لحظات جهد وفرح. وهي أيضا لحظات تركيز للقيام بالخطوة المناسبة. أحيانا ما يتحول التقدم على الجدار إلى مجموعة خطوات متناسقة ومنسجمة ينفصل فيها الجسم عن الرأس، فيغوص المرء في عالم مختلف تنصهر فيه الحياة والصخرة في آن معا.

من المحتمل جدا أن لا يفهم السكان المحليين، وهم يتركون أعمالهم ويقفون لمشاهدة كرستينا وهي تتسلق الجبل، من المحتمل ألا يفهموا الدافع من وراء سلوكها. ولكنهم أناس طيبون جدا، وقد اعتادوا على رؤية أشياء غريبة يأتي للقيام بها بعض الأجانب هنا.

          يدرك المتسلقون أنه ليس بالجدران وحدها يحيا الإنسان، لأن قسوة تسلق الجبال تحتاج إلى تغذية الجسم والروح بعشاء فاخر، أما إذا توفر شيئا آخر فهذا أفضل.

          لا شك أن حسن الضيافة من أهم الدوافع التي للمجيء إلى هنا. لا يمكن اعتبار التودرا مجرد منطقة للتسلق على الطريقة الأوروبية، تتلاشى بسرعة دون ان تترك في الذاكرة إلا اسم الممر وإحدى الدرجات الصعبة. فلا المكان ولا الناس المقيمون به يسمحون بهذه المقارنة. إذ تكمن جاذبية هذا المكان في سحره وفتنته إلى جانب التسلق بحد ذاته.

          دعانا أصحاب المنامة الصغيرة التي استأجرنا إلى حفلة صغيرة يتم فيها عزف الموسيقى وتقديم الشاي وأشياء شهية أخرى لا تقل أهمية. رامون هو صديق قديم لمن يستضيفوننا، وهو يعرف هذه المتاع التي ولدت وسط حضارة مجاورة لحضارتنا. شعر بعض أعضاء الفريق بالسعادة البالغة هنا لدرجة أنهم بلغوا من التقليد أن أصبحوا جزءا من المشهد والمشاهدين.

تابع ركاب الزوارق الأربعة طريقهم. تدفعهم أنهر الأطلس نحو تلك الحدود الواضحة التي تفصل الخضرة عن التهديد القادم من توسع حد الصحراء الفاصل بين مساحة الحياة  التي تغذيها الأنهر عن تلك العقيمة. من هنا تأخذ الأنهر صباغ لونها نحو المصب. لونها القرمزي يؤكد الطبيعة المتناقضة في هذه المنطقة، التي تجر مياه الأنهر خصوبتها، ولكنه في الوقت نفسه تجسد مصدر حياتها الوحيد، بل هي خط دفاعها الأخير في وجه مخالب الصحراء القاحلة. 

يمكن لهذه الأنهر أن تبني روائع كثيرة في هذه المنطقة. حفر تودرا طوال آلاف السنين، مجراه في صميم هذه الصخور الكلسية الصلبة، لتفتح الطريق أمام تشكيلات رائعة تحضيرا لجنة التسلق الفريدة هذه.

نجد على مسافة كيلومترين فقط من الوادي، ما يكفي من الجدران الصخرية لإشباع مخيلة كل المتسلقين القادمين إلى هذه الزاوية من سلسلة جبال الأطلس، التي اختار منها جميعا رامون وكريستيان، ما يعرف ب عماد الكاوشانت. يحتل هذا العماد مكانة بارزة في تاريخ تودرا، ذلك أنه كان أول ما جرى تسلقه مع نهاية السبعينات. وهو يمتاز في موقعه عند مدخل المضيق، كما أنه يتمتع بأقصى علو إذ أن ارتفاعه حتى القمة يبلغ ثلاثمائة متر.

 تقدمت كريستينا بخطواتها الأولى عبر واحد من أصعب الممرات التي انفتحت في هذا المرتفع. تشبه كل خطوة في هذا التسلق أحد أيام العام البربري الجديد.

تحكي أساطير البربر في الأطلس، أن العالم يستقر ويحافظ على توازنه على قرن ثور تقف كل من حوافره فوق بيضة. ويوم حلول العام البربري الجديد، ينقل الثور الكوكب من قرن إلى آخر.

          لهذا يحتفل البربر بأول يوم من العام الجديد بالكتمان، كي لا يخاف الثور ويسبب كارثة كبيرة. تحتاج كريستينا إلى كل هذا الحذر والانتباه الشديدين كي تتغلب على الخطوات التالية التي تقربها أكثر من قمة عماد كوشانت. ربما كان هذا القبول بالمجازفة، والسعي لاختيار الأفضل هو أفضل تعبير لوصف التسلق الحر.

 قالت لين هيل،  إحدى الشخصيات النسائية البارزة في التسلق العالمي، أن مواجهة المجهول في إحدى المعابر بطريقة حرة يجبرنا على المزيد من العمل، ويتطلب منا المزيد من تحمل المسئولية. ولكنه مقابل ذلك يقدم مكافأة شخصية حميمة، تنبع من متعة التغلب على الخوف والعوائق التي تواجهنا على الطريق نحو القمة.

عليك التحرك ببطء شديد، فالحركة المفاجئة ممنوعة هنا. يخبئ الهدوء البارز خلفه جهد داخلي مشحون بالتوتر. سبق لأحدهم أن قارن تسلق الجبال بهزة أرضية ترقص على إيقاع الفالس.

يتحقق التوازن هنا عبر استغلال الدقة المتناهية. يقتصر حقل الرؤية على أمتار مربعة قليلة من الصخور. ينسى المرء كل المناظر من حوله، لأنه يتمكن من معرفة كل شيء عبر هذه المساحة الضئيلة التي أمام عيناه، والتي يعتمد عليها بقائه متمسكا بالجدار.

بعد كرستينا حان الآن دور رامون الذي اتخذ قرارا حكيما، حتى لو وصفه أي شاب ساذج بأنه موقف محافظ. لقد فضل اتباع طريق أطول وأشد صعوبة على أن يترك صورة ضعيفة له أمام رفيقته في التسلق.

وبعد ذلك يلعب دور الأول في تخطي المرحلة التالية.

لا شك أن عجوز ثعلب مثل رامون، أصلح الكثير من أسنانه واقتلع العديد من طواحينه على جدران الجبال العالمية الشاهقة، من يوسيميته إلى باتاغونيا، عدى  قمم الثمانية آلاف متر،  لا شك أنه يعرف جيدا ضرورة عدم تبديد القوة. لم يعد صديقنا بحاجة لابراز عضلاته منذ زمن بعيد. وعندما يأتي إلى جدار مثل تودرا، يسعى إلى التمتع بأقصى حد من الوقت، بممارسة نشاط خصص له جزء كبير من حياته.

أثناء بذل رامون وكرستينا جهودهما للرقص فوق الفراغ عند مضيق تودرا، تابع أصدقائنا ركاب الزوارق البحث عن المكان الذي يرتمي فيه النهر في حضن الصحراء. عندما وصلوا إلى صغورة أبدى نهر راع وهنه الشديد. ما زال يستطيع ري بعض النباتات الخضراء على ضفتيه، وإنعاش المدينة الشهيرة بأنها الأشد حرارة في المغرب.

          ولكنه يبدو متعبا، يعجز  عن مقاومة بلوغ نهايته المعلنة.  لقد كان في موته حياة لهؤلاء الناس.

تم التغلب على مرحلة أخرى. عادت كرستينا،  بعد بلوغ الاجتماع، إلى احتلال الطليعة في محاولة التسلق. تتقدم كريستينا حيال قوة وتجربة رامون، بكثير من الليونة والرشاقة، اللتان تحولان تقدمها فوق الصخر إلى ما يشبه الرقصة العمودية العطرة. لا يجعل هذا الفارق أحدا أفضل من أحد. إنها مجرد أساليب مختلفة. الصخر يعامل الجميع بالتساوي، فهو يحاول مواجهتهم بأقصى ما لديه. أما تخطي المصاعب فهو يعتمد على كل فرد منا.

لعبة التسلق الحر مثيرة للحماس، ولكنها تفرض كذلك جهودا أكبر.

تقول كاثرين ديستيفيل، وهي من أبرز المتسلقات الفرنسيات، أنه من الضروري أن نفكر مليا ونتصرف بذكاء مع الصخر. أما الباقي فهو ثانوي. هذا ما قالته كاثرين نفسها في خلاصة حكايتها عن فتح ممر جديد في الدرو، عند جبال الألب: لم يكن في تسلقي إثبات للقدرة النسائية، أردت أن أفعل ذلك لأجلي. ولا أريد أن ينظر أحد إلي في عالم التسلق  على أني امرأة.

لا شك أن رفيقتنا تؤكد على هذه الأقوال. جهدها وليونتها وموهبتها تخضع الآن جميعا إلى امتحان في هذا العماد من تودرا.

قامت حفنة من المغامرين الذين ولدوا للتسلق باكتشاف وادي تودرا. وقد عثروا عليه بعد أن جابوا العالم أجمع، ودفعتهم إلى هنا موهبتهم الفطرية ورغبتهم في العثور على حقل جديد للعب.

طالما ارتبط التسلق بالسعي لبلوغ الحدود القصوى بأكثر الأشكال الممكنة نقاوة، فشرعت أماكن مثل تودرا أبوابها وطرقاتها الطويلة والقاسية، ذلك أن التسلق كان دائما وسيبقى لعبة بدون حدود.

أصبح بإمكان رامون وكرستينا أن يستريحا في القمة. تركت الاحتكاك بصخور عماد شوشانت الكلسية أثره الواضح على أيديهما التي ستتأخر في الشفاء. ولكن تجربة التسلق في هذا المكان المخفي من المغرب، تركت في جوارحهم بهجة أكبر وأشد عمقا.

ليس من السهل نسيان هذا العالم البري، المتميز بقسوة المرة الذي لا يحلو طعمه إلا بزرقة وخضرة مياه تودرا العذبة.

يبدو أن الملاحين أيضا قد بلغوا نهاية رحلتهم. فقد أعلنت الجمال من جهة وشح المياه من الجهة الأخرى عن بلوغهم الصحراء الشاسعة. توصل دومكينغو باديا، الرحالة الاسباني الذي جال في هذه المناطق مع بداية القرن التاسع عشر باسم علي باي المستعار، توصل إلى خلاصة تقول بأن هناك بحر داخلي في قلب الصحراء، اسمه بحر السودان. اعتقد هذا البحار والجاسوس الكبير أن الأنهر التي تنبع من جنوب الأطلس ونساب نحو قلب القارة، تجد في ذلك البحر الداخلي المجهول مصبا لها.

ولكن النهر يعجز عن السير بنا إلى الأمام. ونداء الصحراء الهائل يدعونا للمتابعة قدما.

من المحتمل جدا أننا حين نقف أمامه، سندرك أنه شبيه جدا بأنهر الجبال الوحشية التي لا يمكن ترويضها أو التغلب عليها، بل نصبو في أفضل الحالات إلى التعايش معها، وأن نشعر بقوتها لبعض الوقت وهي تحقق أحلامنا. إنها تذكرنا بأننا أحياء، وضعفاء جدا. إنها تضعنا أمام الضعف الرائع للكائن البشري.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2014م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster