اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 دماء الأرض
 

سلسلة جبال الأطلس

 

معلق:

          نعود في حلقة اليوم إلى القارة الأفريقية كي نخوض عميقا في أحد أنظمتها الجبلية الأكثر بروزا، الأطلس. كي نمارس التسلق والانزلاق عبر المياه المتدفقة. لقد تسلقنا قمم بعض الصخور، وخضنا في الملاحة  عبر أنهر المغرب الحمراء. فوق هذه الحجارة الصخرية، أو في مياه الأنهر التي هي دماء تلك الأرض، يكمن الغموض الأفريقي الذي نشعر به بقوة. هذا التدفق الهائل الذي يجلب ألمع المغامرين الأوروبيين في القرن التاسع عشر، ما زال ينبض حتى اليوم في الوديان السحيقة أو في القوة التي تنبع من النهر الوحشي.

                             دماء الأرض

          تقع مدينة مراكش  جنوبي المغرب، وهي محمية بسلسلة جبال الأطلس التي تمدد من الصحراء. تتوسطها المدينة نافذة تطل  على البشرية جمعاء، هي ساحة جمعا الفناء. لقد ذهبنا إلى هناك في طريقنا إلى مغامرة جديدة. ولكن ساحة مدينة مراكش حبستنا بروائعها.

          حالفنا الحظ بزيارة مساكنها، واستمتعنا بالألاعيب الخفية التي اختفت منذ عدة قرون في أوروبا وبقية العالم الإسلامي. هنا، على مسافة قريبة وبعيدة جدا عن واقعنا، ليفصل بيننا مجرد مضيق، يحكون خلفه الحكايات ويلفقون الأشعار وينشدون أغاني الحب والحرب. ينظر المرء وينظرون إليه. تسحر الأفاعي والسياح. يأكلون ويشربون، يخدعون ويتفاوضون. يعلمون ويتعلمون.

          التاجر، والفنان، والمنجم، والمحتال، والثرثار، والمفاوض، والمداوي، والمشعوذ، والساقي، والمتسول، والبهلوان. كل أنواع البشر يحتشدون في هذا الساحة المفتوحة والنابضة طوال أربع وعشرون ساعة في اليوم. الستار لا ينسدل في جمعا الفناء. يبقي الحياة فيها نهر من الكلمات والموسيقى يتدفق دون توقف ويعطر الأحاسيس في جميع الاتجاهات. والأنهر أيضا هي التي تحافظ على معجزات مراكش. لقد جئنا إلى هنا بحثا عنها. هي مياه متدفقة بقوة، تنبع من ثلوج الأطلس كي تروي السهول وتملأ الينابيع.

          تضفي عليه الأرض التي يروي صبغها الأحمر، وكأنها بذلك تعرب عن امتنانها لما يبعث فيها من حياة. إنها معجزة اخضرار على ضفاف الصحراء.

إنها حياة تنبع..

من دماء الأرض.

          على مسافة مائتي كيلومتر من مراكش تقع شلالات نهر عوزود. هذا هو المكان الذي اخترناه اليوم كي نبدأ مغامراتنا في أنهر الجبال المغربية.

          يبدو أن كاميرات هذا البرنامج تفضل مثل هذه الظروف، التي يطرح فيها أحدنا فكرة عبقرية ليدفع الآخر عواقبها الوخيمة. فعلى سبيل المثال قال أحدنا اليوم أنه من الروعة أن يتم التقاط بعض المشاهد من وسط شلال المياه. بينما كان على آخر، وهو بهذه الحالة رامون، أن يتدلى من على عشرات الأمتار وهو يعلق الكاميرا على عنقه.

          بعد أن أمضينا عدة ساعات في تركيز وتثبيت الخط على شفير الهاوية، تحمس رامون للزحف نحو الوسط، وهو يثق بأن تتولى العقد القيام بمهمته. بعد تصوير المشاهد، عليه أن يمزق ذراعيه بالحبل كي يتخلص من المأزق. كل هذا كي تقرر الكاميرا العزيزة القيام بهجوم حر دون أن تحصل على أي مشاهد مدهشة أو حتى مقبولة.

          والحقيقة أننا تعرضنا لنكسة كما يحدث عدة مرات دون أن ننزعج تقريبا لكثرتها. قد يعتقد البعض أننا صرنا نمعن في الخطأ. والحقيقة أنهم قد يكونون على حق، خصوصا وأنا نتفتق دائما بأفكار جديدة عادة ما تنتهي طبعا بأخذ بعضنا إلى الجحيم. إنها أفكار عبقرية كأن نعلق مثلا الزورق والملاحين من على جدار الشلال.

          قد نبرر ما نفعله يتم بدافع الرغبة في المثابرة. يدفعنا هذا التطلب إلى بدء النزول عبر أول نهر في المغرب منذ بدايته.

          لهذا بعد إلغاء فكرة الانطلاق من مياه الشلال، حيث نحتاج إلى مظلات وليس إلى زوارق، فضلنا أسلوب آخر.

          أضف إلى أننا جئنا بالأساس إلى هنا كي نركب المياه المتدفقة، ولا أحد أن ينكر  بأن الشروط متوفرة جدا هنا لممارسة هذه الرياضة، فالمياه التي تسقط إلى جانبنا تزأر كالوحش الكاسر.

          أول الذين نزلوا على الحبل هو باتسي فيلارينيو، وقد تبعه أنسون أرزا، وأنهيل شيليز، وإدواردو اتشيبيريا. هذه أول رحلة لهذا البرنامج يشارك فيها إدواردو، الذي يتمتع بسجل هام في عالم السباق على المياه المتدفقة. ولكنه لم يكن يحلم دون شك بهذه التجربة. فليس من السهل أن يتخيل المرء نفسه معلقا بخيط في الهواء كالعنكبوت على ارتفاع مائة متر عن الأرض.

          انطلقنا وسط نصب هائل في المياه شيده نهر عوزود عبر آلاف السنين في هذه الأرض. تحول الشق الذي فتحه النهر في السهل الواقع عند أقدام جبل أطلس، إلى نصب طبيعي من الماء والنور والتربة الحمراء. ربما كان من السهل هنا التفكير بحلم آخر شيد من المياه والتربة القرمزية،  ولكنه رفع بأيدي البشر، إنه قصر الحمراء. من يدري إن كان بناءوه يفكرون بهذه الطبيعة وهم يرفعون صروح هذا النموذج الحضاري الراقي، الذي يغرس جذوره عميقا في الأراضي الواقعة على جانبي مضيق جبل طارق.

          يمكن اعتبار نهر العوزود من تلك التي تنساب في مجرى من السلالم.

          يفترض ذلك أن يعني النزول فيه إلى توافق الدرجات العالية نسبيا مع قلة كمية المياه. لهذا ففي أماكن كهذه تقل فيها المياه وتكثر الصخور، يجب أن نحمل الزوارق على ظهورنا ونعبر المسافة مشيا على الأقدام. ولكنا في أغلب الأحيان نستطيع التمتع في القفز العالي. يتطلب نهر السلالم تقنيات كثيرة، فعلى المرء أن يتخطى عوائق مستمرة ليتمكن من العثور على أفضل طريق في متاهة تكاد تنتهي في تحليق شاهق نحو البئر.

          لم يقع اختيارنا على هذه النهر لجماله الفريد وحيوية درجاته المتعاقبة فحسب. فقد أصبحنا بحاجة ماسة إلى تغيير ما بعد المشاعر القوية التي استمتعنا بها في الإندو الكبير. نريد أن نلهو في الماء، ويبدو أن هذا النهر هو الرفيق المناسب.

          يرسم العوزود من منبعه في سلسلة الأطلس شلالات وسلالم متعاقبة نجوب فيها الآن. إنها درجات سلالم هائلة تنتهي عند أعلى قمة في  الأطلس عند جبل طوبقال، البالغ ارتفاعه أربعة آلاف ومائة وستة وخمسون مترا. الشيق في الأمر هو أن هذه السلسلة الجبلية التي يبلغ طولها ألفان وأربعمائة كيلومترا على طول المغرب وشمال الجزائر وتونس، تشكل جزءا من مجموعة سلاسل جبلية تشمل جبال الألب وتمتد إلى ما وراء همالايا.

          لهذا الدليل الجيولوجي الذي يسمح لنا اليوم  بالتحليق فوق المياه، صلة كبيرة أيضا بالتاريخ القصير والمثير جدا لرياضة ركوب مياه الأنهر. تنبع من جبال الألب أنهر مشابهة لهذه التي تسمح لنا بالتحليق، والتي كانت شاهدا على نمو رياضة ركوب الأنهر. إنها ظاهرة لم تحصل هنا فقط. ركوب الأنهر في أمريكا الشمالية وأوروبا الوسطى جرى من قبل أشخاص ليسوا بكامل قواهم العقلية وقد ركبوا زوارق ضعيفة جدا. وكان في ذلك ولادة كاياك الألب.

          قد يكون أول وصف لرياضة ركوب مياه الأنهر مسليا، ولكن هذا الجانب منها يجب ألا يفقدنا آفاق هذه الرياضة.

          نعيش هنا في عالم بري إلى أقصى الحدود التي تجعل حكم الطبيعة هو السائد. يذكرنا بذلك الانهيار الترابي  الصاعق والعنيف. انهارت أمام أعيننا إحدى السلالم التي دفنت في النهر بكاملها. انفجرت أطنان من الطين بوجه مجرى النهر، وتحددا في المكان الذي أوشكنا على تصويره.

          اكتشفنا بعد ما تملكنا من ارتباك، بأن أحد الأطفال الذين كانوا يتعقبوننا من الضفة قد علق في الماء بعد انهيار التربة. تمكنا من إنقاذه بعد أن كاد يدفن بالكامل. ومن حسن الحظ أن إصابته اقتصرت على كسر في الكاحل. تولى أنهل تقديم الإسعافات الأولية ولف الكاحل، بينما قام رامون بإجلائه عن المنطقة.

          تابعنا قدما وفي القلب شيء من الرهبة. لا نستطيع التوقف عن التفكير بأن لحظات قليلة فقط كانت تفصلنا هن وقوع الكارثة، وكأننا كنا نمشي على حد السيف.

          تذكرنا الأغصان العالقة في الصخور بما جرى. ولكن وحشية الانهيار أخذت تذوب في الآ في التيار. قفزنا فوق نهر من الشوكولاته، ولكنه بطعم الطين الأعمى. هذا هو سلوك دماء الأرض، التي تتصرف بصبر جميل وتنحت في السهول والوديان نسمة بعد أخرى. ولكنها أحيانا ما تتبع أسلوبا أشبه بعنف الزلازل التي تمحو الجبل عن بكرة أبيه بضربة واحدة.

          هذا ما جئنا نراه من قوة التناقض الوحشية هذه. تسعى هذه الطاقة الهائلة  إلى فرض احترامها على كل من يفكر بالتحدي.

          من على جانب إحدى الشلالات الواقعة على ارتفاع سبعة أمتار درسنا أفضل وسيلة لمواجهة القفز. المقصود هنا مبدئيا هو التحليق مع الماء، لا أن نصل بالجذيف والتعرض للضربات. يعاقب كياك الألب أنواع الارتجال بشدة، ويفترض اتباع خطا صلبا قبل الارتماء في حضن التيار. إنها لعبة بالغة الجدية، يمكن لأي خطأ فيها أن يسبب عواقب وخيمة.

          ولكن عندما تقترب مقدمة الزورق من الهاوية ترفع ستارا من الماء يختبئ خلفه الغموض. إنها لحظات قليلة تؤكد لنا حضور المجهول.

          يمكن لتيار النهر المتدفق أو الشلال المختبئ بين الجبال أن تخفي أشلاء من الأرض المجهولة، التي تعثر فيها على متعة الاكتشاف وروح المغامرة.

          عندما يضيع المرء في الأنهر الوحشية يصبح كل ما من حوله مجازفة كبيرة لا توحي بالأمان. لهذا عليه أن يسعى إلى صلة يرتبط من خلالها بقوته وينطلق فيها على إيقاعه حتى الطيران.

          أقمنا مع النهر علاقة إبداعية على متن زورق صغير جدا. قمنا برحلات مدهشة اكتشفنا  فيها أماكن فريدة. مواقع متميزة كادت لولا ذلك أن تبقى منيعة. بالكاد تبقى بعض الوسائط الصناعية بيننا وبين قوة المياه.

          وهكذا فتحنا الطريق في النهر عبر الصعوبات، مزجنا خلالها الجرأة مع التقنيات والذكاء. يهمنا جدا التغلب على التحديات وتراكم التجارب الفريدة التي نحصل عليها.

          تعلمنا هذه التجارب وهذه المعارف أن ننظر إلى أنفسنا من وجهة أخرى، ولدت من علاقتنا مع المحيط. لكل الأشياء التي نستمتع فيها بالنهر قيمة بحد ذاته.

          من المجازفة أن يجرؤ المرء على تخطي حدود الخطر، ولكن هذا ضروري. بهذه الطريقة فقط يمكن أن نفهم بأن عالمنا أكثر غموضا وأشد تناقضا مما نتخيل، وأن الحياة مستحيلة بدون أحلام.

          لا شك الحياة بدون لهو قد تصبح مملة. لهذا في تلك المناطق التي يهدئ فيها النهر قليلا من روعه، نجعل منه مدينة ملاهي عبر جبل روسي أكثر متعة ورطوبة مما نرجوه. يمنح ركوب مياه الأنهر فرصة لتحويله إلى لعبة يفوز فيها الجميع. وهكذا بين قفزات وحمامات  الجاكوزي  العشوائي والمنعطفات الطبيعية تحت الشلالات، أطلقنا العنان لروح الطفولة التي في داخلنا، والتي تسبب لنا الكثير من التأنيب من قبل المتقدمين في السن.

          لا شك أن علماء الكيمياء الذين اخترعوا البوليتيلينو لم يتخيلوا بأن تقوم في أحد الأيام مجموعة من المجانين باستخدام اختراعهم للقفز بين الصخور، والاصطدام بأطنان من المياه العكرة. مقاومة هذه المادة للاحتكاك وليونتها تضمن انحناء الزوارق دون تحطمها، ما يساعد على مواجهة المياه المتدفقة التي كانت منيعة قبل هذا الاختراع.

          كانت أين من أعمال القفز هذه حتى سنوات قليلة مضت لتسبب الغرق المحتم وأكوام من الألياف الزجاجية المحطمة والمنتشرة حول الشلال.

          لا شك أننا نشعر بالامتنان الشديد لسان بوليتيلينو الشهيد، الذي منحنا إحساس يشبه ركوب التايتانيك في مياه نهر الإندو في قلب كاراكوروم، والبيوبيو في تشيلي، وأشد الأنهر النيوزلندية التي قمنا بزيارتها عنفوانا.

          انتهزنا الفرصة لتنفيذ مناورة قفز جديدة اسمها شيكلي. تحول إدواردو وهو أصغر أعضاء الفريق سنا إلى مايسترو، إذ أنه يلم بالتقنية كليا. تكمن المناورة مبدئيا بإحراز السرعة قبل بلوغ الشلال، وضرب المجذاف للمرة الأخيرة عند الحافة. علينا في الوقت نفسه دفع الجسم إلى الخلف والانطلاق بالركبتين في الزورق لضمان سقوطه مستقيما في البركة التالية. بعد السقوط علينا دفع الجسم إلى الأمام. تساعد هذه التقنية على تفادي الضربات إن لم تكن البركة عميقة.

          تحققت هذه التجربة الرائعة المفعمة بالحيوية على أطراف الصحراء،  بفضل اندفاع وحماس هائلين هما الفضول الذي يرافق الكائن البشري منذ ولادته.

          مرت العبقرية البشرية بمسافات طويلة منذ أن تجرأ الإنسان القديم  على صيد الأسماك راكبا جذع شجرة أخذه بعيدا عن الشاطئ، واستخدم الجذع مجدافا يدفعه نحو العمق.

          الأشكال المألوفة لزوارقنا بدءا من جد الكاياك التي صنعت من جلود وعظام على يد الإسكيمو، وحتى هذه الزوارق الحديثة الرشيقة والعصبية التي لا تدمر، كلها تفسر التغيير الأساسي الذي طرأ على علاقة الكائن البشري بالطبيعة. لقد فسح كفاح الأسلاف من أجل البقاء بالمجال واسعا أمام حب المغامرة واللهو. على هذه الخطى نتابع الآن طريقنا للخوض عميقا في قلب المغرب.

          غادرنا العزود للبحث عن مجرى نهر أم اربيا الغزير. ينبع هذا النهر من الثلوج التي تهددها مخالب الصحراء، التي يبدو أنها تتسلق السلالم صعودا إليها. ولكن الأطلس يحمي هذه الثلاج برفعها نحو الغيوم. هناك في الأعالي تحمل عذوبة وتنجب نهرا يمنح الحياة لمن حوله.

          حملنا الزوارق على أكتافنا ومررنا بها من أمام سوق القرية، دون أن نجد الوقت الكافي للتمتع بفن المفاصلة الراقي. علما أن لا جيوب لنا في الحقيقة لحمل النقود، ولا يبدو أن هؤلاء الباعة قد رأوا في أشكالنا زبائن قادرون. على كل حال ليس لدينا وقتا نبدده، فهدير النهر ينادينا.

          نحن أمام نهر يجري بغضب الفرح بخروجه إلى الضوء، بعد أن أمضى فترة طويلة في ظلمة الأسر. من هنا ينبع أم ايربيا.

          على مسافة بضع مئات من الأمتار تتدفق الينابيع بقوة هائلة، لتخلي بذلك سبيل كل المياه المتجمعة في أخاديد تحت الأرض، عبر هطول الأمطار والثلوج.

          قام سكان القرية بتشييد شرفات عشوائية على ضفتي أم إيربيا، حيث يستمتعون بشرب الشاي وتأمل مجرى النهر. ولكنهم اليوم يشاهدوننا نحن أيضا، الدخلاء الذين جاءوا يتفادون الصخور ويعاركون تيارات النهر.

          هذه الاستراحة الغير متوقعة في المياه المتدفقة، بما فيها من شرفات، تمنح المشاركين في العرض فرصة متعة لن نفكر برفضها.  لسنا معتادون على الاستمتاع بشرب فنجان من الشاي اللذيذ بالنعناع أثناء انتباهنا لسلامة نزول رفاقنا.

          يمكن مقارنة مستوى مياه النهر مع تلك التي تتدفق من جبال بيرينيه، حيث نعتاد اللعب باستمرار.

مزاياه التقنية التي هي لمجرى مليء بعوائق يجب تفاديها، تجعله قابل للمقارنة بتلك الأنهر التي تعلمنا فيها تجذيف المياه المتدفقة.

مرت سنوات عديدة على تلك التجارب الأولى، التي قمنا بها بقصد المعرفة أولا. بالكاد كنا ندرك حينها ما يجري في بلدان أخرى، والحقيقة أننا كنا نركز على ما نريد نحن القيام به. أما كيف فهذه مسألة أخرى.

تسبب التعليم الذاتي بكثير من الجروح في الجسم وفي الكبراء معا. كنا حفنة من الهواة الضائعين أسرى غرورنا الفارغ.

          ولكنا تابعنا قدما، إذ توقعنا منذ البداية العالم الذي يمكن أن نكتشفه بفضل صديقنا الجديد الكياك، هذا الصديق الذي لم يخذلنا أبدا، فقد ذهبنا معه إلى جنات كهذا المكان المختبئ بين الجبال، وكأنه دماء متفجرة وجريئة، هو دماء الأرض.

عبر تلك التجارب الأولى التي أمضيناها بين السباحة وشرب الماء، اكتشفنا مسألة أساسية أخرى. وهي المتعة التي يشعر فيها المرء عندما يتقاسم تجربة مشحونة كهذه.

وسط التيار الجارف، نشعر بالضعف الشديد ونحن نطفو على زورق خفيف من مواد صناعية. يمكن للتجارب وبرودة الأعصاب أن تخلصنا من بعض المآزق. ولكن الثقة بالرفاق الذين يجذفون معنا هم العنصر الحاسم في اللحظات العصيبة. وقد قال أنتسون، أن الشعور بأن كل منا يعتمد على الآخر وأن سلامة كل منا وحياته تعتمد على جهد الجميع، هو الذي يصقل الصداقة الحقيقية بيننا. هذا  إلى جانب المتعة واللهو، لأن الخوض في المياه المتدفقة رياضة لو ومتعة.

لم نتمكن من تعليم إدواردو الذي يرافقنا لأول مرة شيئا من التقنيات، بل بالعكس. لقد تغير الزمن كثيرا، والمعلومات تنتشر في كل اتجاه عبر الشبكة. ولكنا نريد أن نتقاسم معه تجربة القيام برحلة كهذه، وما فيها من متاع مواجهة التيارات والصخور والشلالات.

نستمر نزولا في النهر، نحو تحديات جديدة. سنجدها في منحدرات أخرى لهذا الأطلس، العملاق الواقف بصلابة يحمي الحياة في وجه الصحراء القاحلة، التي تموت فيها دماء الأرض عقما. على الجانب الآخر من السلسلة يقع محيط جاف هو الصحراء. نجذف إلى ما وراء المستحيل، نحو كبرى المفارقات. ربما نريد في الواقع الرد من زوارقنا على نداء الصحراء.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2014م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster