اتصل بنا

Español

إسباني

       لغتنا تواكب العصر

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة | | اتصل بنا | |بريد الموقع 

 
 

 

 

 

 

 أربط بنا

وقع سجل الزوار

تصفح سجل الزوار

 أضفه إلى صفحتك المفضلة

 اجعله صفحتك الرئيسية

 
 
 
 

 

 

 

 
 بحر من جليد
 

القطب الشمالي

 

معلق:

          عاد برنامجنا يعبر حدود الدائرة القطبية كي ينطلق في البحث عن نقطة واقعية وهامة تتجه نحوها كل بوصلات العالم. ومع ذلك يبدو أن لمسها مستحيل. نتحدث هنا عن مغناطيس القطب الشمالي. بالتعاون من أصدقائنا في كلية جبل جاكا العسكرية، سنقوم بأول بعثة إسبانية  مشيا على الأقدام نحو هذه النقطة التي تتوسط القطب، والتي تبلغ من التحول أنها تغير مكانها كل عام. سنعيش معا إحساس وتجارب استكشاف قطبي باتباع خطوات عظماء المغامرين أمثال فرانكلين ونانسين وأمونديسين. ندعوكم اليوم كي تبقوا معنا في عملية بحث، على سطح بحر من الجليد.

=-=-=-=-=-=-=

          حشرنا في مقصورة الطائرة التي تقاسمناها مع مئات الكيلو غرامات من المواد. مع ذلك تعزلنا أفكارنا وكأن بيننا مسافة آلاف الأمتار. أعادنا  اكتشاف دب قطبي، هو المفترس الأكبر في هذا السهل، إلى واقع، مليء  بالشك، والقلق.

          حلقنا فوق الشاطئ الشمالي لكندا متجهين نحو المكان الذي سنبدأ منه مشروعنا الجديد مع المدرسة الجبلية العسكرية. نريد بلوغ مغناطيس القطب الشمالي مشيا على الأقدام.

          نشعر وكأننا رجال فضاء في كبسولة يتعجلون اللحظات الأخيرة للعد العكسي.

          عادت بنا الذاكرة إلى تلك الأيام من التدريبات القاسية في بيرينيوس، حيث كان بلوغ مغناطيس القطب الشمالي مجرد حلم، كلب فرانسيسكو صوريا، صلتنا الوحيدة مع الطبيعة القطبية. كنا نحتاج بلا شك إلى إرادة صلبة، لتحمل العجلات القديمة ونكات المستكشفين الهزيلة.

          ولكنا اعتبرنا كل التضحيات في مكانها عندما وصلنا ‘لى شوارع ريسولوتي، في أحد المناطق النائية والأشد عزلة في القطب الشمالي.

بينيتو:

          أي سعادة هذه، وأخيرا وصلنا إلى هنا.

معلق:

          نشأت ريسولوتي بمبادرة من الحكومة الكندية. عام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسون بعض سكان الإسكيمو للاستقرار في هذه الجزيرة النائية المنعزلة، التي لن تعثر على تواجد بشري إلى الشمال منها.

رامون:

          المنطقة معزولة جدا أقرب السكان إليها في خليج ريسولوت، نقطة الانطلاق أما إلى الشمال والشمال الشرقي  إلى حيث نتجه فلا يوجد في كل أرخبيل الملكة إليزابيث سكان مدنيين. إنه مكان بالكاد يشهد استكشاف نفطي إلا أن أحدا لا يذهب إليه أبدا.

المعلق:

          الواقع أننا استطعنا مصادفة أحد هو الدب القطبي الذي يرحب باستقبال أي دخيل، لأن الزيارة تعني له وليمة محتملة، يشكل المدعو فيها الطبق الأساسي طبعا. لهذا علينا أن نذهب مسلحين.

بينيتو:

          أنا شخصيا لم أعطي أهمية تذكر لمشكلة الدب، ولكن الحقيقة أنه هناك. كل الأشياء التي قرأناها، وما تحدثنا به مع الذين زاروا المنطقة، إلى جانب الأفلام الوثائقية التي شاهدناها، كل هذا يؤكد أنه حيوان يتصف بفضوله البالغ، كما أنه يخاف جدا. وهكذا أخبرنا الجميع بأن هناك احتمال بنسبة خمسة بالمائة أن نعثر على دب في طريقنا، وأن احتمال أن يهاجمنا ضئيل جدا. ولكن طبعا في حال هاجمنا الدب لن تنفعنا جميع التقديرات الأخرى.

معلق:

          سنستغل فرصة انتظار أن تسمح لنا الأرصاد الجوية بدء المسيرة لنتأكد مرة أخرى من جميع المواد التي معنا وتوزيع الحمولة على الجميع.

          تأكدنا من سبل الاتصالات أيضا، وهي عامل هام جدا لسلامتنا.

هابير:

          سنتياغو، سنتياغو من هابيير بدل.

راديو:

          أهلا هابير، هنا سنتياغو، أسمعك الآن جيدا بدل.

هابيير:

          أسمعك جيدا أعطني الآن إشارة تجربة طويلة. عد من واحد إلى عشرين، ودس على المعزف ببطء.

راديو:

          فهمت سأبدأ. واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة..

معلق:

          كل هذه تجارب مكتملة، أصبحنا الآن في العد العكسي، أصبح الطيار يبحث عن مكان يهبط فيه. يتمتع العقيد فرانسيسكو صوريا، والقائد بينيتو مولينا ورامون لاراميندي بتجارب واسعة النطاق في العبور القطبي. أما العضو الرابع في الفريق الفارس هابيير بربا فيعتبرها تجربة جديدة.

هابيير:

          أتسلق الجبال منذ فترة طويلة، أعرف ما هي الجبال، أما الأراضي القطبية فهي جديدة علي. هذه أول مرة أخرج فيها للمشي في السهول دون أن أركز على تسلق الجبال.

معلق:

          بدأنا مسيراتنا فوق بحر من جليد. خلفنا وراءنا الطائرة التي جاءت بنا إلى نقطة الانطلاق. أمامنا الآن مسيرة مائتي كيلو متر على المحيط المتجمد قبل بلوغ هدفنا مغناطيس القطب الشمالي. نخرج للبحث عن شيء لا نفهمه ولكنه بالغ الأهمية للحياة البشرية، لولاه لكتب التاريخ البشري بطريقة مختلفة، وكان أجدادنا ليعيشون في الفوضى ذلك أن جميع بوصلات العالم تتجه إليه.

          يحيط بكوكبنا حقل مغناطيسي هائل، يتولد عما يوازي قضيب هائل ممغنط يعبر منتصف الأرض من جهة إلى أخرى، وذلك بزاوية مائلة بأحد عشر درجة ونصف الدرجة من المحور الجغرافي للكوكب. لهذا لا تتوافق الأقطاب الجيومغناطيسية مع تلك الجغرافية. القطب الإيجابي لهذا المغناطيس الذي يشد إبرة البوصلة، موجود هنا،  في قلب المنطقة القطبية، وهو هدف رحلتنا.

          أول ما نفعله، بعد تثبيت أول مخيم لنا في الجليد، هو الاتصال بروسولوت، حيث يقيم الكابتن الطبيب سنتياغو فيا نويفا. إلى جانب الراديو لدينا جهاز اتصال آخر يعتمد أنظمة الأقمار الصناعية، وهو يحدد وينقل  موقعنا بدقة تامة، كما يمكن إذا لزم الأمر أن يبعث بإنذار مبكر طلبا لعملية إنقاذ عاجلة.

          بعد الاتصال نستطيع العمل على تحضير الطعام والاستراحة.

          ثم اكتشفنا بأن لدينا زيارة. الثعالب القبطية تجوب الجليد  بحثا عن الطعام، وتحديدا فضلات فريسة قام باصطيادها دب قطبي. ألقينا من حولنا نظرة للتأكد مما إذا كان الصديق الكبير الذي يأكل المستكشفين هناك، فلم نجده. أي أنه من حسن الحظ هنا بمفرده ولا يبدو مؤذيا.

          مع ذلك اكتشفنا صباح اليوم التالي أن العزلة لا تكثر في القطب. أثناء الليل أكل الثعلب جزءا من سرج المعدات، وحزام المزلاج ثم فر هاربا في السهول الجليدية.

          تبرع أكثر من شخص للبحث عن صديقنا لتعليمه بعض الأصول. ولكن على الانتقام أن ينتظر.  المهم الآن التقدم لأطول مسافة ممكنة مستغلين حالة الجليد الجيدة، والشمس الساطعة التي تلفح قلب المحيط المتجمد.

          خلفنا وراءنا خليج أبيرنيثي، في جزيرة الملك كريستيان، كي ندخل في البحر، الذي يثير فينا بعض القلق. نحن في نيسان أبريل، وقد حلت قوة هائلة كي تثبت وجودها وتحول هذه الصحراء الجليدية. يخرج الجليد الأبيض من ظلمة الليل البارد. لتستقبل السهول المتجمدة زيارة عدد من الغرباء يرتدون ملابس تلفت الانتباه وهم يجرون خلفهم عربات بلاستيكية.

          أخذ الربيع يتغلب على الظلمة والبرد الذي لا يحتمل، والذي يسيطر على هذه المنطقة في فصل الشتاء. هذا الفصل القصير من الشمس المستمرة، الذي يسبق معجزة الحياة التي ستنبض خلال فصل الصيف المقتضب، هو الوقت المناسب للخوض في هذا البحر من الجليد. البرد ما زال محتمل، ولكن الجليد لم يبدأ بعد مرحلة التحول الجنوني. ولكنه سيفعل بعد قليل.

          ستبدأ سيطرة الجليد في التبدد، وكأن الحياة تنبعث في جسم كان حي. التيارات المائية والأمواج والرياح والشمس، كلها عناصر ستحول الجليد إلى كائن بشري يتحرك ويتنقل. تسكن محيط الجليد القطبي منحوتات عشوائية تتصادم فيما بينها، تتوسطها أخاديد يتخطى طولها عدة كيلومترات، ستشكل هذه الثغرات والقنوات المائية أكبر خطر علينا.

سنتياغو:

          أكبر خطر يواجه البعثات هو سقوط أحد أعضائها في الماء. حين تبتل ملابس البرد تفقد قدرتها الكلية على عزل الحرارة، ما سيعرض الشخص المبلل وسط حرارة ثلاثين درجة تحت إلى فقدان السخونة، ويدفعه إلى أزمة برد قد تقضي عليه خلال دقائق.

          إذا سقط أحد في الماء علينا انتشاله وتركيب إحدى الخيم وتعريته واستبدال ملابسه بأخرى جافة، وإشعال الموقد لوقف استنزاف السخونة بأسرع ما يمكن.

بينيتو:

          انتبه يوجد تشقق هنا.

رامون:

          جليد البحر يختلف عن جليد المياه العذبة، فهو عديم الاستقرار نتيجة عملية تشكيله. في شهري تشرين أول وتشرين الثاني عندما يبدأ بالتجمد، يصطدم الجليد وينفصل حتى يثبت ويشكل طبقة من الضغط. يمكن أن نجد هذه الطبقات من الضغط بدءا بسماكة خمسين سنتمترا،  وحتى ثلاثة أو أربعة أمتار في المناطق العالية والمضغوطة القاسية.

بينيتو:

          أعطني يدك، اقترب أكثر، أكثر. 

معلق:

          تمضي هذه الجولات الأولى في رحلات متعبة من العوائق يبدو أن لا نهاية لها، نتقدم خلالها ببطء شديد. من أعالي كل من هذه العوائق الجليدية التي يكلفنا الكثير عبورها، لا نرى إلا مزيدا من الأسوار التي تغيب في الأفق. نواجه اليوم واحدة من كبرى المشاكل التي سترافقنا باستمرار عندما نبدأ المسيرة القطب الجغرافي الشمالي. سنقوم بهذه الحملة تجهيزا لهذا المشروع الهائل.

          الصبر هو العلاج الذي يجب أن يحمله دائما معهم، وبكميات كبيرة، كل الذين يشاركون في بعثات إلى المناطق القطبية. كتب هذه النصيحة الحكيمة شخص يعرف عن قرب الروح المعذبة للعالم القطبي. إنه النرويجي فريدجوف ناسين، أحد أهم المستكشفين القطبيين، الذي قام بين عامي ألف وثمانمائة وثلاثة وتسعين وألف وثمانمائة وستة وتسعين، برحلة جديدة أخذته إلى مسافة قريبة من القطب الشمالي الجغرافي ولكنه لم يتمكن من بلوغه.

          تشكيلات جليدية كهذه  بالتحديد هي التي جعلت ناسين ورفيقه جوهانسين، يتخليان عن الفكرة، عندما بلغوا الدرجة السادسة والثمانون وأربعة عشر دقيقة، أقصى نقطة داسها الكائن البشري حتى الآن. كتب ناسين عن هذه التجربة يقول أن عبور هذه السلسلة الجبلية الهائلة من الجليد يضع المرء أمام الآلاف من الجدران الجليدية المماثلة الأخرى، ما يؤدي إلى استسلام العمالقة.

          أي نوع من السحر تمارسه المناطق القطبية؟ ماذا يأتي بنا إلى هذه الصحراء الجليدية؟ في رحلته القطبية الثالثة أجبر الأمريكي روبرت بيري على بتر سبعة أصابع من قدميه ، وكاد أن لا ينجو بنفسه. وقد كتب في تلك المناسبة يقول: بدأت الآن أشعر بالحرارة القطبية. والحقيقة أنه عاد إلى هنا أربع مرات متتالية.

          لا شك أننا تعلمنا الكثير ممن سبقونا، ونحن مثلهم ندرك بأن أفضل سبل البقاء على قيد الحياة في هذا العالم الخطير جدا، يعرفها سكان الإسكيمو. هذا ما يعرفه  جيدا صديقنا رامون لاراميندي، الذي قام برحلة قطبية دامت ثلاثة أعوام، حتى أنه يتقن لغة الإسكيمو.

صوريا:

          فليتبعك، فليتبعك!!

بينيتو:

          حسنا انتبه على المواد.

صوريا:

          هيا،  كأسا. اسمع، عندما يقوم أبناء الإسكيمو برحلة كهذه ماذا يأكلون؟ فقمة بالشكولاته؟ 

رامون:

          فقمة.

بينيتو:

          أعني لحم الفقمة الني؟

رامون:

          الني والمجلد.

بينيتو:

          هل يسخنونه ويطبخونه؟

رامون:

          مجلدا.

بينيتو:

          يتبلونه فقط؟

رامون:

          مجلدا.

بينيتو:

          هل يلوكونه مجلدا؟

رامون:

          يقطعونه أجزاء صغيرة بالساطور، تذوب في الفم. وبعد ذلك يلحقونه بقطع شحم الفقمة، الني أيضا.  

بينيتو:

          ماذا عن كبد الفقمة؟ هل هو جيد كما يقولون؟

رامون:

          بل هو رائع.

بينيتو:

          أليس له طعم السمك؟

رامون:

          يقول البعض أنه بطعم السمك، مع أني لم أجد له أي شبه بطعم السمك. ولا أعرف حتى لماذا يدعون ذلك.

معلق:

          من حسن الحظ أن الأطعمة التي معنا تساعدنا على تجاهل طعم كبد الفقمة الني وغيره من الأطباق القطبية الشهية. نسعى في هذه الرحلة إلى بلوغ النقطة التي تتجه نحوها إبر جميع بوصلات العالم. ولكنا نريد أيضا استخلاص بعض التجارب المفيدة للقيام برحلتنا القادمة إلى القطب الجغرافي الشمالي.

          انطلاقا مما تعلمناه إلى القطب الجغرافي الجنوبي،  عدلنا المزلاج الذي استخدمناه في أنترتيدا. يعتبر هذا المزلاج أخف وزنا ومقاومة، وأكثر قدرة على الانزلاق بشكل أفضل. كما أننا نجرب أنواعا جديدة من الجزم والخيم والأغذية الأكثر طاقة وأفضل تعليبا. لا نريد أن نفوت شيئا في مشروع بهذا الاتساع.

          من المستجدات التي نجربها أيضا هناك جزء يتعلق بما نحضره كبرنامج تلفزيوني، وبعالم القرن الحادي والعشرين، الذي نطل عليه من خلال عدة نوافذ مفتوحة على الانترنيت.

مذيعة:

          أوشك فريق البرنامج التلفزيوني على بلوغ نقطة أشد صعوبة، فهو هذه المرة يتحدى القطب الشمالي، كما أنهم إلى جانب تحقيق هذا الهدف يريدون عرض المغامرة مباشرة على صفحات الإنترنيت واتصالات جميع المنازل عبر الأقمار الصناعية. 

معلق:

          لا يفاجئنا أن يسترعي ما نفعله انتباه زملاء لنا في مختلف أرجاء العالم، ما يمكنهم من متابعة مغامراتنا القطبية يوما بعد يوم. يقلل الإلمام بهذا الحدث من العزلة وعدم الرعاية التي تحيط بنا في هذا البحر الجليدي، مع أن هذا لن يقلل من ضعفنا.

صوت تلفزيوني:

          يسعى هذا البرنامج إلى بث صوره على الإنترنيت، ووسائل الاتصالات الحديثة إلى منازلنا. وهكذا سيعيش عناصر البرنامج وأعضاء كلية جبل جاكا العسكرية الذين معهم آفاق المغامرة على صفحات الإنترنيت.

سنتياغو:

          من سنتياغو إلى هابيير من سنتياغو إلى هابيير هل تسمعني؟ من سنتياغو إلى هابيير لم أعد أتلقى أي إشارة منك.

معلق:

          ولكن عندما تقرر الطبيعة فرض قوانينها، يمكن لأي إبداع تتوصل إليه التكنولوجيا أن ينتهي إلى العدم. صرنا قادرين على إرسال صور عن مغامرتنا إلى العالم أجمع. ولكن أي تغيير في المناخ يكفي لفقدان الاتصال مع ريسولوت لمدة خمسة أيام.

(؟)

          ولكن هذه المشكلة واجهت جميع الفرق التي خرجت إلى الجليد طوال هذا اليوم. إنها مشكلة مناخية لا تتعلق بفريقكم فحسب. على أي حال سوف نبقى على السمع ضمن الموجة المحددة والأوقات المتفق عليها، بدل.

معلق:

          أحيانا ما يشحن المناخ بظاهرة تحول دون ارتداد موجات الراديو عبر غلاف اليونو. هذا ما يسمى أحيانا ب: بلاك أوت. وهو ظاهرة جوية تحصل مرة كل اثني عشر عاما تقريبا. وهكذا لم يعد أمامنا إلا تحمل سوء الطالع، المسؤول عن سقوط المطر علينا وسط الصحراء القاحلة، وجفاف مياه النهر عندما ننزل إليه  كي نشرب، أو أن نذهب إلى القطب الشمالي تحديدا في العام الذي تتم فيه ظاهرة البلاك أوت.

          يمكن أن يتفهم الجميع منا هبوب رياح عاتية، بعد سماع سيرة ذاتية كهذه. من حسن الحظ أن حكمة وخبرات الإسكيمو جاءت لنجدتنا.

رامون:

          لقد لجأنا في تحديد الوجهة إلى نظام الإسكيمو الذي يعتمد على  إبر الجليد التي تخلفها الرياح. بما أنها منطقة سهلية تقل فيها الجبال، تبلغ مساحات الأسطح فيها مئات الكيلومترات، تتبع الرياح فيها اتجاها واحدا عند هبوب العواصف، لتخلف على الأرض بعض الآثار هي إبر من الجليد، كهذه، تتمتع بأشكال دقيقة، تحدد الوجهة بوضوح تام. وكأنها بوصلات مزروعة على مسافة أمتار قليلة من بعضها البعض. رغم أنك لا تراها على مسافة عشرة أمتار إلا أنك تلتقي بإبرة كلما عبرت مسافة قصيرة تحدد لك الوجهة التي يجب أن تتبعها.

معلق:

          تقودنا إبر الجليد نحو هدف يقول المنطق أنه يقترب أكثر وأكثر. ولكنا أمضينا أربعة عشر يوما نجر مزلاجا فيه أكثر من مائة كيلو غرام، عبر متاهات جدران جليدية لا نهاية لها، ونحن بحاجة إلى ما هو أكثر من الأسباب الجيدة لمتابعة السير قدما.

          وصف المتسلق الكبير كورت ديمبيرغير، عبور المناطق الجليدية بالتسلق الأفقي. لقد قارن الجهد الذي يحتاجه عبور كبير كهذا بتسلق  إحدى القمم العالية. رغم ذلك، فإن عبور الصحاري البيضاء في المناطق المتجمدة لا يسمح لنا بمتعة التأمل في الأفق لنرى الهدف المنشود. لا يوجد قمة لبلوغها، أو مكان تلامسه نظراتنا، وترتمي على أقدامه المآسي. وهكذا لم يعد أمامنا خيار آخر إلا الثقة بالمعلومات التي تؤكد الكيلومترات التي عبرناها، والتي تزيد عن مائتين، ما يؤكد بأن الالتفاف هو عملية أسوأ بكثير.

          كما أن هدفنا إلى جانب عدم القدرة على رؤيته أو لمسه فهو لا يبقى في مكان محدد، فالقطب المغناطيسي الشمالي يغير مكانه  كل عام، بما يتراوح بين تسعة عشر وأربعة وعشرين كيلومترا نحو الغرب.

          وقد حصلنا هذا العام على موقعه المحدد من جهاز رسمي كندي يتولى مسؤولية تعقب النفور القطبي الإيجابي للعالم.

          حصل القطب المغناطيسي الشمالي على هذه الروح المتقلبة منذ عصور غابرة. كان موقعه قبل خمسمائة مليون عام جنوب هاواي. ولكن الحقول المغناطيسية للأرض تغيرت خلال المائة مليون عام الماضية أكثر من مائة وسبعين مرة. أي أننا اليوم هنا وسط هذا البرد القارس لبضع ملايين من السنين فقط، بدل أن نستمتع بشواطئ هواي الدافئة ومعنا لوح مزلاج مائي، بدل هذا المزلاج الجليدي الذي يرفض الطاعة والرضوخ.

          مع ذلك وأثناء قيامنا اليوم بالخطوات الأخيرة في أول رحلة لنا إلى قلب القطب الشمالي، نشعر بالارتياح التام. نتفهم اليوم أكثر هواجس بيري، وإعجاب نانسين في هذه المسافات الشاسعة المجهولة والمليئة بالمغامرات، كما يصفها في كتابه الذي يحمل عنوان: بين الثلوج وفي الليل.

          تقدمنا عبر خليج الأيل، في جزيرة إيليس رينغنيس. نحن على درجة ثمانية وسبعين خمسة وخمسين دقيقة ومائة وأربع وخمسة وعشرين دقيق غرب. مشينا فوق القطب المغناطيسي الشمالي للقاء رفاقنا القادمون لأخذنا بالطائرة. لقد حققنا ذلك.

          ولكنا لم نبلغ الهدف النهائي، التجارب التي تراكمت في هذه الرحلة ستسمح لنا بأن نحلم بثقة أكبر للقيام برحلة قطبية أخرى، أشد قسوة وخطورة وتعقيدا،ولكنها أكثر إثارة في الوقت نفسه بلا شك.

          لقد قررنا العثور على إيغويشو، أو المسمار الكبير، كما يطلق سكان الإيسكيمو على القطب الشمالي الجغرافي، ولو اضطررنا في ذلك لعبور أكثر من ألف كيلومتر فوق بحر من الجليد. فنحن مثل بيري، أصبنا اليوم فعلا، بحرارة القطب الحقيقية.

--------------------انتهت.

إعداد: د. نبيل خليل

 
 
 
 



 

 

 

 

 

 

من نحن | | إبدي رأيك | | عودة | | أرسل الى صديق | | إطبع الصفحة  | | اتصل بنا | | بريد الموقع

أعلى الصفحة ^

 

أفضل مشاهدة 600 × 800 مع اكسبلورر 5

© جميع الحقوق محفوظة للمؤلف 1423هـ  /  2002-2014م

Compiled by Hanna Shahwan - Webmaster